موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وحينئذ لا خيار له ولا للمولى عليه إن لم يكن من العيوب المجوّزة للفسخ. وإن كان منها ، ففي ثبوت الخيار للمولى عليه بعد بلوغه أو إفاقته ، وعدمه لأن المفروض إقدام الولي مع علمه به ، وجهان. أوجههما الأوّل ، لإطلاق أدلّة تلك العيوب ، وقصوره بمنزلة جهله (١) وعلم الولي ولحاظه المصلحة لا يوجب سقوط الخيار للمولى عليه ، وغاية ما تفيد المصلحة إنما هو صحّة العقد ، فتبقى أدلّة الخيار بحالها.

بل ربّما يحتمل ثبوت الخيار للولي أيضاً ، من باب استيفاء ما للمولى عليه من الحق ، وهل له إسقاطه أم لا؟ مشكل (٢) إلّا أن يكون هناك مصلحة ملزمة

______________________________________________________

(١) استشكل فيه بعضهم بأنّ علم الولي والوكيل لما كان بمنزلة علم المولى عليه والموكل ، خرج المورد عن منصرف أدلّة الخيار.

وفيه : أنّ التوكيل أو الولاية لا يقتضيان إلّا كون الفعل الصادر من الوكيل أو الولي ، بمنزلة الفعل الصادر من الموكل أو المولى عليه. وأما كون علمهما بمنزلة علمهما فهو مما لا يمكن إثباته بدليل ، ولا موجب لتقييد المطلقات الدالّة على ثبوت الخيار عند ظهور العيوب المعينة.

نعم ، في خصوص ما إذا اشترى الوكيل أو الولي بأغلى من ثمن المثل لمصلحة تقتضي صحّة العقد ، يمكن القول بعدم ثبوت خيار الغبن للمولى عليه والموكل ، وذلك لأنّ منشأ هذا الخيار إنما هو الاشتراط الضمني بمبادلة كل من المتبايعين ماله بما يساويه في المالية من الآخر ، ومن الواضح أنّ هذا الشرط الضمني يتوقّف على الجهل بالغبن ، إذ مع العلم به لا يمكن القول باشتراط التساوي في المالية.

إلّا أنّ هذا أجنبي عن محلّ الكلام. فإنّ عدم ثبوت الخيار فيه إنما هو من جهة فقد المقتضي ، أعني الاشتراط الضمني بالتساوي في المالية ، فلا يمكن التعدي إلى المقام حيث إن تقييد المطلقات يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل على كون علم الولي بمنزلة علم المولى عليه.

(٢) لا وجه للاستشكال ، بل ينبغي الجزم بعدم الثبوت ، فيما إذا لم يكن هناك

٢٤١

لذلك (١).

وأما إذا كان الولي جاهلاً بالعيب ولم يعلم به إلّا بعد العقد ، فإن كان من العيوب المجوزة للفسخ ، فلا إشكال في ثبوت الخيار له (٢) وللمولى عليه إن لم يفسخ ، وللمولى عليه فقط إذا لم يعلم به الولي إلى أن بلغ أو أفاق.

وإن كان من العيوب الأُخر ، فلا خيار للولي (٣). وفي ثبوته للمولى عليه وعدمه وجهان ، أوجههما ذلك (*) ، لأنه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج. بل يمكن أن يقال أن العقد فضولي حينئذ لا أنه صحيح ، وله الخيار (٤).

______________________________________________________

مصلحة ملزمة ، وذلك لما فيه من تفويت حق الصغير والإفساد في أمره.

(١) وحينئذ فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الولاية له ، فإنه من الأُمور الراجعة إلى المولى عليه ، فيكون له التصرف فيه.

(٢) لعدم المقتضي ، لسقوطه ، وتقييد إطلاقات أدلّة الخيار.

(٣) بما هو عاقد ومزوج للصغير أو المجنون ، وذلك لعدم ثبوته للزوج إذا كان هو المباشر للعقد ، فلا يثبت لمن هو فرع له. إلّا أن هذا لا ينافي ثبوته له من جهة ثبوته للمولى عليه ، باعتبار أن العقد الواقع خارجاً على خلاف مصلحته ، لو قيل به.

(٤) والذي ينبغي أن يقال : إنّ العقد إذا كان خالياً عن المفسدة بالنسبة إلى الصغير وإن لم تكن فيه مصلحة له أيضاً ، فلا بدّ من الحكم بصحته من دون ثبوت الخيار للولي أو المولى عليه. أما الصحّة ، فلما عرفت من كفاية عدم وجود المفسدة في الحكم بها. وأما عدم ثبوت الخيار ، فلاختصاص أدلتها بعيوب معينة.

وأمّا إذا كان فيه مفسدة له ، فينبغي الحكم بالبطلان رأساً ، ولا وجه للحكم بالصحّة وثبوت الخيار.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، فإنّ تزويج الأب إن كان نافذاً في حقّه على أساس أنّ المعتبر في ولايته عليه عدم المفسدة فلا يكون عدم المصلحة مانعاً عن نفوذ تصرّفه في حقّه كما مرّ سابقاً وعليه فلا خيار له ، وإن لم يكن نافذاً فالعقد فضولي تتوقّف صحّته على إجازة المولى عليه بعد البلوغ.

٢٤٢

[٣٨٧٤] مسألة ١١ : مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى (١).

[٣٨٧٥] مسألة ١٢ : للوصي أن يزوِّج المجنون المحتاج إلى الزواج (٢) ، بل

______________________________________________________

والحاصل أنه لا وجه للجمع بين الحكم بالصحّة وثبوت الخيار في المقام ، فإن الصحّة متوقفة على عدم المفسدة ، ومعه يكون العقد نافذاً من دون أن يكون لأحد الخيار فيه. وأما مع وجود المفسدة ، فالعقد فضولي وغير محكوم بالصحّة ، إلّا مع التعقيب بالإجازة.

(١) سواء التزمنا بقابلية العبد للملك كما هو المختار ، أم قلنا بعدمها.

والوجه فيه أن المولى مالك للعبد ولما يملكه ، فلا يجوز نكاحه من غير إذنه. وقد تقدّم البحث في هذه المسألة مفصلاً في نكاح العبيد والإماء ، فراجع.

(٢) بلا خلاف فيه في الجملة ، وتقتضيه إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة ، كقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

فإنّ صدرها وإن كان يقتضي نفوذ الوصيّة المالية خاصة بالنسبة إلى خصوص الوالدين والأقربين ، إلّا أن المستفاد من قوله تعالى (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) نفوذها مطلقاً ولزوم العمل بمقتضاها دائماً باستثناء ما خرج ، أعني ما كان فيها جنف أو إثم أو ضرر على الوارث على ما دلّت عليه النصوص فإنه لا يجب العمل بها.

ومن هنا فتكون الآية المباركة شاملة للوصيّة بالمجنون ، فيجب العمل على وفق

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٨٠ ١٨٢.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الوصيّة ، لأنّ في مخالفتها تبديلاً لها ، فيكون (إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ).

وتوهّم أنّ الآية المباركة وجميع النصوص الواردة في الاستدلال بها مختصة بالوصيّة المالية ، فلا دليل على نفوذ الوصيّة في نكاح المجنون أو المجنونة.

مدفوع بأنّ صدر الآية الكريمة وإن كان موردها الوصيّة بالمال ، إلّا أنه غير ضارٍّ بإطلاق الآية المباركة. على أنه يكفي في إثبات عدم اختصاص نفوذ الوصيّة بالأُمور المالية ، ما دلّ على نفوذ الوصيّة بالمضاربة بمال اليتيم ، مع أنه وصيّة بالاتجار لا المال.

كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن عند الوصيّة أن يعمل بالمال وأن يكون الريح بينه وبينهم ، فقال : «لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي» (١). وقريب منها خبر خالد الطويل (٢).

فإنّ مقتضى عموم التعليل بقوله (عليه السلام) : «إن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي» نفوذ الوصيّة بكل ما كان للأب في حياته.

ويؤيِّد ما ذكرناه ما ورد في تفسير من (بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٣) حيث اشتملت جملة منها على الوصي أيضاً ، فإنّ المراد به وبملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ، هو من أوصى إليه بالنكاح دون من كان وصياً في إدارة شؤونه العامة.

وبالجملة لا ينبغي الإشكال في نفوذ الوصيّة بالنكاح بالنسبة إلى المجنون.

ثمّ إن الحكم بنفوذ الوصيّة مطلقاً إنما يتم في المقام بناءً على ما اخترناه ، من عدم اختصاص ولاية الأب أو الجد على المجنون بما إذا كان الجنون متصلاً بالصغر. وأما لو قلنا بذلك ، كان اللازم اختصاص نفوذ الوصيّة بذلك الفرض أيضاً وعدم تماميته في الجنون المنفصل ، إذ ليس للأب أو الجد الإيصاء لغيره بما ليس له.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٩٢ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٩٢ ح ٢.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٣٧.

٢٤٤

الصّغير أيضاً لكن بشرط نصّ الموصي عليه (*) (١) سواء عيّن الزّوجة أو الزّوج أو أطلق. ولا فرق بين أن يكون وصياً من قبل الأب أو من قبل الجدّ ، لكن

______________________________________________________

(١) أمّا مع النص عليه ، فيقتضيه جميع الوجوه المتقدِّمة في المجنون ، من الآية المباركة ، وصحيحة محمد بن مسلم ، وما ورد فيمن بيده عقدة النِّكاح.

إلّا أنه قد يستدلّ على عدم النفوذ في المقام بصحيحتين هما :

أوّلاً : صحيحة ابن بزيع ، قال : سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وابنة والبنت صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ثمّ مات أبو الابن المزوج ، فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوّج ابنه فزوج الجارية من ابنه ، فقيل للجارية : أيّ الزوجين أحب إليك الأوّل أو الآخر؟ قالت : الآخر ، ثمّ إنّ الأخ الثاني مات وللأخ الأوّل ابن أكبر من الابن المزوج فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأوّل أو الزوج الآخر؟ فقال : «الرواية فيها أنها للزوج الأخير ، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها ، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها» (١).

وفيه : أنها أجنبية عن محل الكلام ، إذ لم يفرض فيها كون الوصي وصياً في التزويج فلا تعارض ما تقدّم ، لما عرفت من ورودها ولو بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع في التزويج ، بل لا بدّ من حملها على الوصي في غير النكاح كادارة شؤونها العامة ، كما هو الغالب في الوصيّة.

ثانياً : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : «إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم» (٢). فإنها وبإطلاقها تدلّ على نفي التوارث فيما إذا زوجهما الوصي ، وعدم التوارث يدلّ على بطلان النكاح.

وفيه : أن المتفاهم العرفي من هذه الصحيحة أنه لا خصوصيّة للأبوين جزماً ، وإنما

__________________

(*) إذا لم ينص الموصي على الزواج ولكن كان للوصي التصرّف في مال الصغير بالبيع والشراء فالاحتياط بالجمع بين إذنه وإذن الحاكم لا يُترك.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١٢ ح ١.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكرا من جهة أنهما أظهر مصداق للولي ، ولذا يثبت التوارث بلا خلاف فيما إذا زوجهما الجد أو الوكيل باعتبار أن فعله فعل الموكل.

ومن هنا فليس فيها أي دلالة على بطلان العقد الصادر من غير الأبوين ، وإنما هي دالّة على اعتبار صدور العقد ممن بيده الأمر ، سواء أكان هو الأب أم غيره.

إذن فلا مناص من الالتزام بنفوذ نكاح الوصي ، فيما إذا كان الأب قد نصّ عليه بالخصوص.

وأما مع عدم النص عليه بخصوصه ، فإن كانت الوصاية أجنبية عن الصغير وخارجة عن شؤونه ، كما لو أوصى لشخص بصرف ثلثه أو تكفينه ودفنه ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت وصاية للوصي على الطفل مطلقاً ، لا في النكاح ولا في غيره إذ لا يحتمل أن يكون هذا مصداقاً للوصي المذكور في عداد من بيده عقدة النكاح.

وإن كانت الوصاية راجعة إلى الطفل ، فإن لم تكن هناك مصلحة ملزمة للزواج ولو لأمر غير الحاجة إليه ، فلا شك في عدم ثبوت الولاية له على النكاح ، لعدم المقتضي له. ولعل صحيحة ابن بزيع المتقدِّمة محمولة على هذه الصورة.

وإن كانت هناك مصلحة ملزمة له كما لو توقف حفظ حياته أو حياتها على التزويج ، فالذي ذهب إليه المشهور واختاره الماتن (قدس سره) كما يأتي التصريح به في المسألة القادمة هو ثبوت الولاية للحاكم الشرعي ، إذ لا دليل على ثبوتها للوصي.

إلّا أنه مشكل ، باعتبار أنّ ولاية الحاكم لم تثبت بدليل لفظي خاص ، كي يؤخذ بإطلاقه في مثل هذه الصور. فإن التمسك بالنبوي : «السلطان ولي من لا ولي له» أو معتبرة أبي خديجة لإثباتها لا يخلو من إشكال بل منع. فإنّ الأوّل مضافاً إلى كونه رواية نبوية مختص بالسلطان وهو الإمام المعصوم (عليه السلام) ، فلا مجال للتعدي عنه إلى الحاكم. والثاني وارد في الترافع والقضاء ، وإنّ قضاءه نافذ وحكمه لا يجوز نقضه ، فالتعدي عنه إلى مثل الولاية على اليتيم والمجنون يحتاج إلى الدليل.

وإنما هي ثابتة له من باب أنه القدر المتيقن ممن يجوز له التصدي له ، إذ لا احتمال

٢٤٦

بشرط عدم وجود الآخر (١) وإلّا فالأمر إليه.

[٣٨٧٦] مسألة ١٣ : للحاكم الشرعي تزويج من لا ولي له (٢) من الأب والجدّ والوصي ، بشرط الحاجة إليه ، أو قضاء المصلحة اللّازمة المراعاة.

______________________________________________________

لثبوتها لغيره دونه ، وإذا كان الأمر كذلك فلا مجال لثبوتها في المقام لاحتمال ثبوتها للوصي ، فإنّ نفس هذا الاحتمال يكفي في نفيها عن الحاكم ، إذ به يخرج عن كونه القدر المتيقن.

وبعبارة اخرى : إنّ تزويج اليتيم أو المجنون في فرض وجود مصلحة ملزمة لهما لما كان مما لا بدّ من وقوعه خارجاً ، وكان لا بدّ من تصدي شخص معين له ، ثبتت الولاية للحاكم في فرض عدم وجود الوصي ، لكونه هو القدر المتيقن ممن له التصدِّي للتزويج. وأما مع فرض وجود الوصي ، فحيث لا يكون الحاكم هو القدر المتيقن ، فلا مجال للقول بثبوتها له.

وعلى هذا فمقتضى الاحتياط هو الجمع بين رضا الحاكم والوصي ، فإنّ الأمر لا يعدوهما.

ومن هنا يظهر الحال في المجنون ، فإنّ الكلام فيه عين الكلام في الصغير. فإنّ التفاصيل المتقدِّمة من النص على النكاح وعدمه ، ووجود مصلحة ملزمة وعدمه كلّها آتية فيه أيضاً.

(١) بلا خلاف فيه بينهم ، بل وعليه التسالم.

ويقتضيه قوله تعالى (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) فإن مقتضاه عدم نفوذ الوصيّة التي فيها إثم أو جنف ، وحيث إنّ في نفوذ هذه الوصيّة جنفاً على الولي الآخر ، فلا يثبت.

وبعبارة اخرى : إنّ وصيّة الولي إنما تنفذ بالنسبة إلى المولى عليه ، فإنه الذي يلزم بما فعله الوصي. وأما بالنسبة إلى الولي الآخر فلا دليل على نفوذها ، بل تقييد ولايته بما إذا لم يسبقه الوصي تعدٍّ عليه وجنف في حقه فلا تنفذ.

(٢) قد عرفت الحال في هذه المسألة وما يمكن أن يستدلّ به ومناقشته في ذيل المسألة السابقة ، فلا نعيد.

٢٤٧

[٣٨٧٧] مسألة ١٤ : يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها (١). وإن لم يكونا فتوكل أخاها ، وإن تعدّد اختارت الأكبر.

______________________________________________________

(١) لا يخفى اختصاص مورد الكلام بالثيب ، وعدم شموله للبكر لأنها لا تملك أمرها ، لما عرفت من اعتبار انضمام رضا أبيها أو جدها إلى رضاها.

نعم ، لو قلنا باستقلالها في النكاح ، فلا بأس في القول باستحباب استئذانها لهما. وذلك لما ورد من أن البكر لا تتزوج إلّا بإذن أبيها ، فإنّ ظاهره توقّف صحّة عقدها عليه ، فإذا فرض رفع اليد عن هذا الظهور ، تعيّن حملها على الاستحباب لا محالة.

وكيف كان ، ففي مورد الكلام لا يمكن إثبات استحباب الاستئذان بعنوانه الخاص نظراً لعدم الدليل عليه.

ودعوى أن الروايات الدالة على اعتبار استئذانها إذا سقطت عن ظهورها في الوجوب ، حملت على الاستحباب لا محالة.

مدفوعة بأنه لم يرد في المقام ولا رواية واحدة تدل على اعتبار استئذان الثيب لأبيها في النكاح ، كي تحمل على الاستحباب بعد رفع اليد عن ظهورها في الوجوب.

نعم ، ورد ذلك في البكر ، وقد عملنا بظاهرها كما عرفت فيما تقدّم. كما وردت روايات مطلقة تدلّ على اعتبار استئذان الجارية ، من غير تقييد بالبكر أو الثيب ، إلّا أنها محمولة على البكر جمعاً بين الأخبار ، وبعد تقييدها لا وجه لحمل الأمر على الاستحباب.

وأما الاستدلال على المدعى برواية سعيد بن إسماعيل عن أبيه ، قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل تزوّج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قراباتها ، ولكن تجعل المرأة وكيلاً فيزوّجها من غير علمهم ، قال : «لا يكون ذا» (١).

فمردود بأنها أجنبية عما نحن فيه ، فإنها دالّة على وجوب الإعلام ، ولذا لم يذكر فيها الأب خاصّة وإنما ذكر الأقرباء أيضاً ، فلا دلالة لها على استحباب الاستئذان.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ١٥.

٢٤٨

[٣٨٧٨] مسألة ١٥ : ورد في الأخبار أن إذن البكر سكوتها عند العرض عليها ، وأفتى به العلماء ، لكنها محمولة على ما إذا ظهر رضاها ، وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ الرواية دالّة على وجوب الإعلام واعتباره في صحّة النكاح فلا بدّ من حملها على التقية لذهاب العامة إليه ، ووضوح عدم اعتباره عندنا. وعلى كل تقدير فهي أجنبية عن محل الكلام.

نعم ، لا بأس بإثبات الاستحباب في المقام ، من جهة كون الاستئذان من أظهر مصاديق احترام الأب والجد وتجليلهما ، إلّا أنه حينئذ لا يختص الحكم بالمذكورين في المتن ، بل يعمّ مثل الام والعم بل وكل كبير للُاسرة.

(١) ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام صوراً : سكوتها مقروناً بقرائن تدلّ على رضاها بالعقد جزماً أو اطمئناناً ، والشك في رضاها مع عدم وجود قرينة تدلّ على رضاها أو عدمه ، وقيام قرينة ظنِّيّة تدلّ على رضاها ، وقيام قرينة تدلّ على عدم رضاها بالعقد جزماً أو اطمئناناً ، وقيام قرينة ظنِّيّة تدل على عدم رضاها به وقيام القرينتين معاً. وقد حكم (قدس سره) بالصحّة في الصور الثلاث الاولى والبطلان في الثلاث الباقية.

أمّا الصحّة في الأُولى والبطلان في الرابعة فوجههما واضح ، فإنهما خارجتان عن مورد النص بلا إشكال. أما الاولى فلأنّ العبرة إنما هي بإحراز رضاها كيف اتفق وبأي مبرز كان ، من دون حاجة إلى بيان أن سكوتها رضاها. وأما الثانية فلأنّ السكوت في النصوص منزل منزلة الإذن اللفظي ، في كونه كاشفاً عن الرضا الباطني وأمارة عليه.

ومن هنا فلا يبقى مجال لحمل النصوص على بيان حكم تعبدي ، ولا تكون الرواية شاملة للفرض ، إذ مع العلم بعدم الكشف وعدم رضاها لا أثر للسكوت ، كما لا أثر لإذنها الصريح.

وبعبارة اخرى : إنّ النصوص إنما دلت على تنزيل السكوت منزلة الإذن اللفظي

٢٤٩

[٣٨٧٩] مسألة ١٦ : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين البلوغ ، والعقل والحرية ، والإسلام إذا كان المولى عليه مسلماً.

فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما (١) من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذ لوليهما. وكذا مع فساد عقلهما (٢) بجنون (٣) أو إغماء

______________________________________________________

في كونه أمارة كاشفة عن الرضا الباطني ، ولم تدلّ على تنزيله منزلة الرضا نفسه ، كي يكون حكماً تعبدياً ويكون له موضوعية ، بحيث يكتفى به حتى مع العلم بعدم الرضا. وحينئذ فحيث إنه مع العلم بعدم الرضا يسقط عن الكاشفية ، فلا وجه للاستناد إليه والاكتفاء به.

وأما التفصيل في باقي الصور فلم يظهر له وجه.

والذي يظهر بالتأمل في هذه النصوص أن السكوت إنما هو منزل منزلة الإذن الذي هو أمارة وكاشف عن الرضا الباطني ، ولذا عرفت خروج فرض الاطمئنان بعدم رضاها قلباً ، ومن هنا تكون حجية السكوت على حدّ حجية الإذن الصريح. وحيث إنه حجة ما لم يعلم عدم رضاها ، يكون الأمر في السكوت كذلك أيضاً ، من غير فرق بين قيام الظن بالوفاق أو الخلاف وعدمه ، فإن الأمارات كاشفة كشفاً نوعياً وحجة بقول مطلق ما لم يحصل العلم بالخلاف ، على ما هو محرر في محلِّه.

(١) بلا خلاف فيه ، للحجر عليهما في التصرف فيما يملكانه ، فتكون الولاية لوليهما لا محالة.

(٢) العبارة لا تخلو من قصور ، فإن ظاهرها رجوع الضمير إلى الصغير والصغيرة إلّا أنه غير مراد جزماً ، فإن الجنون مانع عرضي فلا يكون له أثر مع وجود المانع الذاتي أعني الصغر بل المراد به المالكان الكبير والكبيرة إذا عرض عليهما الجنون كما يشهد له عدم تعرضه (قدس سره) لحكمهما بعد ذلك.

(٣) لأنه محجور عليه ، فيكون تصرّفه بمنزلة العدم ، وحينئذ فتنتقل ولايته إلى وليِّه لا محالة.

٢٥٠

أو نحوه (*) (١).

وكذا لا ولاية للأب والجدّ مع جنونهما ونحوه (**) (٢). وإن جُنّ أحدهما دون

______________________________________________________

ثمّ كان عليه (قدس سره) أن يذكر اعتبار الرشد ، فإنّ السفيه محجور عليه في التصرّفات المالية أيضاً.

(١) كالسكر.

ثمّ إنّ المراد بنفي الولاية ، إن كان عدم الولاية من باب السالبة بانتفاء الموضوع باعتبار أنّ الولاية عبارة عن التسلط والتمكن من التصرف في ماله أو مال غيره وهو يتوقف على الشعور والإدراك ، فهو واضح ، إلّا أن مقتضاه نفي الولاية عن النائم والغافل أيضاً ، لعدم تمكّنهما من التصرف لعدم الشعور وقصورهما عن التصرّف.

وإن كان عدم الولاية بمعنى سلبها عنهما وانتقالها إلى غيرهما ، كما هو الحال في الصغير والمجنون على ما هو ظاهر العبارة ، فلا يمكن إثباته بدليل. ومن هنا فلو أُغمي على رجل ، لم يكن لأبيه أو الحاكم التصرف في أمواله بالبيع والشراء وغيرهما.

نعم ، لو كانت فترة نومه أو إغمائه طويلة إلى حد لم يتمكن معه من التصرف في ماله ، وكان المال في معرض التلف ، ثبتت الولاية عليه حسبة ، لأنّ مال المسلم محترم ويجب حفظه. إلّا أنه أجنبي عن انتقال الولاية بالإغماء إلى غيره.

والحاصل أن ما أفاده (قدس سره) من نفي الولاية عن المغمى عليه ومن هو بحكمه وانتقالها إلى غيره ، غير تامّ ولا يمكن إثباته بدليل.

(٢) الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين :

الأوّل : في ولايتهما على الصغير والصغيرة.

الثاني : في اعتبار إذنهما في نكاح الباكر.

أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الشك في عدم ثبوتها لهما ، فإنهما إذا كانا محجورين عن

__________________

(*) لا تنتقل الولاية عن المالك إلى غيره بالإغماء ونحوه.

(**) إذا كان زمان الإغماء ونحوه بل الجنون أيضاً قصيراً فالظاهر أنّ البكر البالغة لا تستقل في أمرها ، بل لا بدّ لها من الانتظار حتّى يفيق أبوها أو جدّها فتستجيز منه.

٢٥١

الآخر فالولاية للآخر (١).

______________________________________________________

التصرّف في أنفسهما وأموالهما ، فهما أولى بالحجر عن التصرف في نفس الغير وماله.

ويؤكِّد ذلك مضافاً إلى انصراف جملة من النصوص الواردة في المقام إلى غير المجنون قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضل بن عبد الملك المتقدِّمة : «وكان الجدّ مرضياً» (١).

وكذا ما ورد في لزوم المهر للأب إذا لم يكن للولد مال (٢) فإنها مختصّة بالعاقل لا محالة ، فإن المجنون لا يلزمه شي‌ء ، فلا معنى لكون المهر عليه في حياته ، وخروجه من تركته بعد وفاته.

وأمّا المقام الثاني : فلا إشكال في سقوط الولاية عنهما. وإنما الإشكال في استقلال البكر في تزويج نفسها ، أو وجوب انتظارها إفاقة الأب من جنونه إذا كان أدوارياً أو إغمائه أو سكره ، بناءً على سقوط ولايته في هاتين الحالتين.

الظاهر هو الثاني. فإن جملة من النصوص الواردة في اعتبار إذن الولي ، وإن كانت قاصرة الشمول لمثلها باعتبار أنها لا ولي لها ، إلّا أن بعضها الآخر وهي التي وردت بلسان اعتبار استئذان الأب غير قاصر الشمول لها ، فإن استئذانها منه ممكن وذلك بالانتظار يسيراً حتى يفيق مما هو فيه ، كما هو الحال في سائر موارد الأعذار غير الجنون والإغماء ، كالنوم والحبس وغيرهما.

نعم ، لو كانت المدّة طويلة بحيث يستلزم الانتظار تضرّرها ، فلا بأس بالقول باستقلالها حينئذ ، إلّا أنه إنما يتمّ في الجنون حيث يمكن فرض كونه إطباقياً دون الإغماء والسكر ، حيث لا يمكن فرض طول المدة فيهما ، فيجب عليها الانتظار لا محالة.

(١) لعموم دليل ولايته السالم عن المعارض.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ : ٢٩٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، باب ١١ ثبوت الولاية للجدّ للأب في حياة الأب خاصّة ، الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٢٨٧ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، باب ٢٨ إنّ من زوّج ابنه الصغير وضمن المهر أو لم يكن للابن مال.

٢٥٢

وكذا لا ولاية للمملوك ولو مبعضاً على ولده ، حراً كان أو عبداً (١) بل الولاية في الأوّل للحاكم (٢) وفي الثاني لمولاه.

وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم (٣)

______________________________________________________

(١) أمّا مع حرية الولد ، فلأنّ العبد حتى ولو كان مبعضاً ، فهو لا يقدر على شي‌ء وممنوع من التصرف في نفسه فضلاً عن غيره. وأما مع رقيته فالأمر أوضح ، فإن أمره بيد مولاه وليس للأب ولاية عليه حتى ولو كان حراً ، فإن ولايته إنما هي بلحاظ ولده الصغير أو بنته البكر وبالنسبة إليهما خاصة ، وأما بالنسبة إلى مالكهما فدليل ولايته قاصر الشمول له.

(٢) تقدّم الكلام فيه في المسألة الثانية عشرة من هذا الفصل ، وقد عرفت أن الولد إذا كان كبيراً فهو مستقل في أمره يفعل ما يشاء ، وأما إذا كان صغيراً فلا ولاية للحاكم عليه ، إلّا فيما تقتضيه المصلحة الملزمة ويعلم من الشارع وجوب التصدي إليه وتحقيقه ، وأما في غير ذلك فلا دليل على ولاية الحاكم عليه.

(٣) بلا خلاف فيه ، بل الظاهر من كلماتهم أنه من الواضحات المتسالم عليها.

وقد استدلّ عليه في بعض الكلمات بجملة من الآيات الكريمة والنصوص الشريفة كقوله تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١). وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (٢).

وقد تعرّض شيخنا الأعظم (قدس سره) إلى مناقشة دلالة هذه النصوص مفصّلاً ولقد أجاد (قدس سره) فيما أفاد. فإن السبيل المنفي في الآية المباركة إنما هو الحجّة لا التسلّط عليه ، ولذا يثبت للكافر السلطنة على أجيره المسلم ، حيث يجب عليه تنفيذ ما استأجره عليه. وعلو الإسلام لا يستلزم عدم ثبوت الولاية للكافر على المسلم.

فالعمدة في الاستدلال أمران :

__________________

(١) النساء ٤ : ١٤١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٦ كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، ب ١ ح ١١.

٢٥٣

فتكون للجدّ إذا كان مسلماً (١) وللحاكم إذا كان كافراً أيضاً (٢). والأقوى (٣) ثبوت ولايته على ولده الكافر (*).

______________________________________________________

الأوّل : انصراف الأدلّة. فإن المتفاهم العرفي منها كون الولاية من جهة احترامهم وأداء حقوقهم ، فلا تشمل الكافر الذي يجب عدم موادته والابتعاد عنه.

الثاني : قاعدة الإلزام. فإنّ الكفار وبحسب ما هو معلوم من الخارج لا يلتزمون بجواز إنكاح الصغير مطلقاً ، كما لا يلتزمون بالولاية على بناتهم الأبكار وتوقف نكاحهنّ على إذنهم ، وحينئذ فمقتضى هذه القاعدة سقوط الولاية عنه ، والالتزام بصحّة نكاحها من غير إذنه.

(١) لعموم أدلة ولايته.

(٢) قد عرفت الكلام في ولاية الحاكم ، فلا نعيد.

(٣) وهو إنما يتمّ فيما إذا كان الزوج مسلماً ، وكان المستند في نفي ولاية الكافر على ولده المسلم قوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) أو قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم : «الإسلام يَعْلو ولا يُعْلى عليه» (١) فإنه حينئذ يمكن أن يقال بثبوت ولايته عليه ، لعدم شمول الدليلين له.

وأمّا إذا كان الزوج كافراً ، أو كان المستند في نفيها عنه انصراف أدلّة الولاية عن الكافر أو قاعدة الإلزام كما عرفت أنه هو الصحيح ففيما أفاده (قدس سره) إشكال بل منع. فإن الزوج إذا كان كافراً لم يعتبر في نكاحهما شي‌ء من شرائط الإسلام من إذن الأب أو غيره ، فإنّ لكل قوم نكاحاً. وكذا لو كان مسلماً ، ولكن كان المستند في النفي ما اخترناه ، فإنّ مقتضاه هو الحكم بالصحّة سواء أرضي الأب أم لم يرض ، لعدم الولاية له بمقتضى انصراف الأدلة وقاعدة الإلزام ، فإنهما شاملان للمقام أيضاً.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) سنن البيهقي ٦ : ٢٠٥ ، فيض القدير ٣ : ١٧٩ ، الفردوس بمأثور الخطاب ١ : ١١٦ ح ٣٩٥.

٢٥٤

ولا يصحّ تزويج الولي في حال إحرامه ، أو إحرام المولى عليه (١) سواء كان بمباشرته أو بالتوكيل (٢).

______________________________________________________

(١) لأنّ تصرّفه مقيد بكونه مشروعاً ، فإذا لم يكن كذلك لكون الولي أو المولى عليه محرّماً ، لم يكن له ولاية عليه وحكم ببطلانه ، لما دلّ على أن المحرّم لا يتزوّج ولا يزوّج. وليس هذا لقصور في ولايته ، وإنما القصور في الفعل الصادر منه ، فهو نظير تزويج الخامسة أو ذات البعل.

(٢) سواء أكان التوكيل في حال الإحرام ، أم كان في حال إحلاله ، مع وقوع العقد في حال الإحرام.

واستدلّ عليه بأنّ الوكيل نائب عن الموكل ، وفعله فعله لانتسابه إليه حقيقة.

ومن هنا فإذا صدر العقد من الوكيل في زمان لم يكن الموكل أهلاً له لكونه محرّماً حكم ببطلانه ، لانتساب العقد إليه وهو محرّم.

وقد أورد عليه بأنه لا يتمّ فيما إذا كان التوكيل قبل الإحرام ، إذ لم يصدر من الموكل بعد إحرامه ما هو حرام بالنسبة إليه ، ومجرد انتساب العقد إليه في ذلك الحال لا يقتضي بطلانه.

إلّا أنه مدفوع بأن العبرة في البطلان إنما هي في انتساب العقد إليه في حال كونه محرماً ، وحيث إنه لا إشكال فيه في المقام ، إذ لا انتساب إليه قبل الإحرام ، حكم ببطلانه لا محالة. ولذا لا يحتمل الحكم بالصحّة في فرض اختصاص الوكالة بحالة الإحرام.

لكن الظاهر عدم تمامية ما استدل به على المدعى في كلا الفرضين. وذلك لأن فعل الوكيل إنما يكون فعل الموكل فيما إذا كان العقد والوكالة صحيحة ، فإنه حينئذ ينتسب كل ما يصدر من الوكيل إلى الموكل حقيقة. وأما إذا كانت الوكالة باطلة كما هو الحال في المقام ، باعتبار أنه ليس لأحد التوكيل فيما ليس له القيام به مباشرة ، فلا معنى لانتساب فعل الغير إليه حقيقة واعتباره فعلاً له.

والحاصل أن بطلان العقد في المقام ليس من جهة أن فعل الوكيل فعل الموكل

٢٥٥

نعم ، لا بأس بالتوكيل حال الإحرام ، ليوقع العقد بعد الإحلال (١).

[٣٨٨٠] مسألة ١٧ : يجب على الوكيل في التزويج أن لا يتعدى عما عيّنه الموكل من حيث الشخص ، والمهر ، وسائر الخصوصيات ، وإلّا كان فضولياً (٢) موقوفاً على الإجازة. ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة مصلحة الموكل (٣) من سائر الجهات. ومع التعدي يصير فضولياً (٤).

ولو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها ، لا يجوز له أن يزوِّجها من نفسه للانصراف عنه (٥). نعم ، لو كان التوكيل على وجه يشمل نفسه أيضاً ، بالعموم أو الإطلاق ، جاز. ومع التصريح فأولى بالجواز. ولكن ربّما يقال بعدم الجواز مع الإطلاق ، والجواز مع العموم. بل قد يقال بعدمه حتى مع التصريح بتزويجها من نفسه ، لرواية عمّار (٦)

______________________________________________________

حقيقة وهو محرم ، وإنما هو لأجل بطلان الوكالة وكون من صدر منه العقد أجنبياً بالمرة ، باعتبار أن الولي لما لم يكن له القيام بالعقد في ذلك الحال مباشرة ، لم يكن له تفويضه إلى غيره.

(١) لعمومات الأدلة السالمة عن المخصص أو المعارض.

(٢) لأن ما وكله فيه لم يقع في الخارج ، وما وقع منه لم يكن وكيلاً فيه.

(٣) لانصراف التوكيل عرفاً إلى ما فيه مصلحة للموكل.

(٤) لما تقدّم.

(٥) فإن التزويج وبحسب الفهم العرفي غير التزوج ، فإن الأوّل ظاهر في الإنكاح من الغير ، ومن هنا فلا يشمل التوكيل فيه الوكيل نفسه.

(٦) قال ، سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، أيحلّ لها أن توكل رجلاً يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : «لا». قلت له : جعلت فداك ، وإن كانت أيّماً؟ قال : «وإن كانت أأيّماً». قلت : فإن وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال : «نعم» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١٠ ح ٤.

٢٥٦

المحمولة على الكراهة (١) أو غيرها من المحامل.

______________________________________________________

(١) وهو بعيد جدّاً. فالصحيح أن يقال : إن الموثقة أجنبية عن محل الكلام بالمرّة فإنها غير ناظرة إلى توكيل الزوج في إجراء العقد ، وإنما هي ناظرة إلى اعتبار الإشهاد في الزواج ، والسؤال عن كفاية شهادة الزوج في المقام ، فهو نظير ما ورد في القذف بالزنا من السؤال عن عدّ الزوج في جملة الشهود ، وحيث إن هذا مما لا يقول به أحد منا ، فلا بدّ من حملها على التقية لذهاب العامة إليه.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ المشهور بين فقهاء العامّة اعتبار حضور شاهدين حال الزواج ، وقد ذهب بعضهم إلى كفاية حضورهما حال الزفاف وإن لم يكونا حاضرين حال العقد ، واعتبر بعضهم كونهما غير الزوج والزوجة ، وذكر بعضهم أنه لا بأس بكون أحدهما هو الوكيل ، وأما عندنا فالإشهاد غير معتبر في صحّة النكاح إجماعاً. نعم ، هو معتبر في الطلاق ، ولا يجوز أن يكون الزوج هو أحد الشاهدين. وأما الوكيل فقد ذكر في المسالك وجهين : كفايته لإطلاق أدلّة اعتبار الشاهدين غير الزوج والزوجة ، وعدمها لكونه نائباً مناب الزوج فيثبت له ما ثبت له (١).

إذا عرفت ذلك فنقول : إن هذه الموثقة لما كانت دالّة على عدم كفاية شهادة الزوج الوكيل في النكاح ، باعتبار أن قوله (عليه السلام) : «لا» متعلق بالتوكيل بجميع شؤونه وخصوصياته ، فلا بدّ من حملها على التقية ، إذ قد عرفت عدم اعتبار الإشهاد في النكاح عندنا بلا خلاف ، وإنما هو معتبر عندهم خاصة.

ثمّ إنّ صاحب المسالك (قدس سره) قد رمى الرواية بضعف السند (٢). وهو مبني على اعتبار الإيمان بالمعنى الأخص في الرواة في صحّة الرواية ، وهو مما لا نقول به ، بل ولا يلتزم به هو (قدس سره) أيضاً ، وإلّا فرواة الرواية ثقات جميعاً ولا خدشة في أحد منهم.

__________________

(١) مسالك الأفهام ٩ : ١١٥.

(٢) مسالك الأفهام ٧ : ١٥٣.

٢٥٧

[٣٨٨١] مسألة ١٨ : الأقوى صحّة النكاح الواقع فضولاً مع الإجازة (١) سواء كان فضوليّاً من أحد الطرفين أو كليهما ، كان المعقود له صغيراً أو كبيراً حرّا أو عبداً.

______________________________________________________

ومما تقدّم يظهر الإشكال فيما أفاده صاحب الوسائل (قدس سره) في المقام ، حيث أخذ (قدس سره) في عنوان الباب الذي ذكر فيه هذه الرواية : ولا يجوز أن يتولّى طرفي العقد.

فإنه مضافاً إلى كونه أخصّ من المدعى ، إذ النسبة بين توليه للعقد وكونه وكيلاً عنها إنما هي العموم والخصوص من وجه ، فإن من الممكن أن يوكل هو غيره في القبول عنه ، فلا يكون متولياً لطرفي العقد مردود ، بأنّ الرواية غير ناظرة إلى المنع عن كونه موجباً قابلاً ، وإنما هي ناظرة إلى التوكيل مع جعله شاهداً للعقد.

والحاصل أن الصحيح في المقام هو ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، من جواز توكيلها للرجل الذي يريد تزوّجها ، بل لا مانع من توليه لطرفي العقد ، كما هو الحال فيما إذا كان ولياً على الطرفين ، لعدم الدليل على المنع منه.

(١) وتقتضيه مضافاً إلى القاعدة ، باعتبار أن مقتضى عمومات الوفاء بالعقد هو إنهاؤه وعدم جواز نقضه وهو شامل للفضولي ، نظراً لعدم اعتبار مقارنة الالتزام للعقد في صدقه ، بل هو صادق حتى مع تأخر الالتزام عنه ، فإنه يوجب انتسابه إليه ومن ثمّ يجب عليه الوفاء به ولا يجوز له نقضه النصوص الواردة في المقام :

كصحيحة أبي عبيدة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، قال : فقال : «النكاح جائز ، أيهما أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا». قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : «يجوز عليه ذلك إن هو رضي». قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : «نعم ، يعزل ميراثها منه ، حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ، ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر».

٢٥٨

والمراد بالفضولي هو العقد الصادر من غير الولي والوكيل (١) سواء كان قريباً كالأخ والعم والخال وغيرهم أو أجنبياً. وكذا الصادر من العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الولي. ومنه العقد الصادر من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من الله أو من الموكل ، ما إذا أوقع الولي العقد على خلاف المصلحة أو تعدّى الوكيل عمّا عيّنه الموكل.

ولا يعتبر في الإجازة الفوريّة (٢) سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع العقد ، أو مع العلم به وإرادة التروِّي ، أو عدمها أيضاً.

______________________________________________________

قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت ، أيرثها الزوج المدرك؟ قال : «لا ، لأنّ لها الخيار إذا أدركت». قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : «يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية» (١).

فإن صدرها الدالّ على صحّة النكاح إذا تعقبته الإجازة بعد البلوغ وارد في الفضولي ، حيث إن المراد بالوليين هو من يتولى أمرهما عرفاً دون الولي الشرعي كما يشهد له ذيل الصحيحة ، حيث إنه (عليه السلام) حكم بلزوم العقد على الصغير أو الصغيرة وعدم ثبوت الخيار لهما لو كان العقد صادراً من أبويهما.

ويؤيده ما دلّ على صحّة نكاح العبد إذا تعقبه إذن المولى ، معللاً ذلك بـ «أنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيِّده ، فإذا أجاز جاز». فإنه وإن كان وارداً في العبد ، إلّا أنه دالّ على عدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد ، وكفاية الرضا المتأخر إذا كان العقد في نفسه مشروعاً.

(١) والجامع له ، هو العقد الصادر ممن ليس له ولاية أو سلطنة عليه.

(٢) فإن الإجازة بمنزلة إنشاء العقد ممن له ذلك ، لأنها إنما توجب إسناد العقد الصادر إليه فيكون حكمها حكمه ، له ذلك في أي زمان شاء ولا يلزمه التعجيل ، كما لا يلزمه الإنشاء لو لم يكن هناك عقد فضولي.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٦ كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، ب ١١ ح ١.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا وجه لقياس المقام بالخيارات الثابتة للبائع أو المشتري حيث يلتزم فيها بالفورية ، فإن العقد في مواردها تامّ ، غاية الأمر أن لأحدهما أو كليهما حق الفسخ. وهذا بخلاف المقام ، فإن العقد غير تام ، ولا يجب عليه إتمامه وإنما له ذلك إذا شاء.

هذا مضافاً إلى صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى في وليدة باعها ابن سيِّدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ، ثمّ قدم سيِّدها الأوّل فخاصم سيِّدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتى ينفذ لك ما باعك ، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه : أرسل ابني ، فقال : لا أُرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» (١).

فإنّها واضحة الدلالة في عدم لزوم الفورية ، وأنه لا محذور في الفصل بين الإجازة والعقد وإن كان كثيراً.

ثمّ لو زوّجت المرأة نفسها من رجل فضولة ، فهل يلزمه الإمضاء أو الردّ فوراً ، أو يثبت لها الفسخ كي لا تتضرّر المرأة ببقائها معطلة ، أو لا هذا ولا ذاك؟

أقوال مبنية على الالتزام بلزوم العقد الواقع بين الأصل والفضولي بالقياس إلى الأوّل ، بحيث لا يكون له التصرف على خلاف ما التزم به ، كما التزم به شيخنا الأعظم (قدس سره) (٢).

إلّا أنه قد تقدّم منا في مباحث المكاسب عدم تمامية هذا المبنى ، باعتبار أن العقد متقوم بطرفين ، وحيث إنه لم يتحقق الالتزام من الطرف الآخر ، فلم يصدق العقد ومن ثمّ فلا تشمله أدلة اللزوم ، فهو نظير بيع البائع للمبيع قبل قبول المشتري من غيره.

ومن هنا فلا يكون في تأخير الإجازة أي ضرر عليها ، باعتبار أن لها التزوج من غيره.

ثمّ على تقدير تمامية هذا المبنى ، فلا يمكن الحكم بلزوم الفورية وإلزام الرجل

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٨٨ ح ١.

(٢) كتاب النكاح ٢٠ : ١٦٢ طبع المؤتمر العالمي.

٢٦٠