موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وأمّا إذا ذهبت بالزِّنا أو الشّبهة ففيه إشكال (١).

______________________________________________________

قال : «نعم ، ليس يكون للولد أمر إلّا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلّا أن تستأمر» (١) في أن المرأة التي لا تحتاج إلى إذن أبيها في صحّة النكاح إنما هي التي دخل بها ، ومن هنا فتكون هذه الرواية شارحة للنصوص الكثيرة الدالة على احتياج البكر إلى إذن أبيها في نكاحها.

وعلى هذا الأساس يظهر صحّة ما أفاده الماتن (قدس سره) ، من أن البكارة إذا ذهبت بغير الوطء فحكمها حكم البكر.

(١) بعد ما عرفت أن المراد بالبكر هي من لم يدخل بها ، يقع الكلام في أنه هل لا يعتبر إذن الأب في نكاح مطلق الثيب ، أو أنه يختص بالتي دخل بها دخولاً شرعياً صحيحاً؟

مقتضى إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة هو الأوّل ، فإنه (عليه السلام) لم يعتبر في اعتبار استثمار المرأة إلّا الدخول بها من غير تعرض لاعتبار كون ذلك عن زواج صحيح ، إلّا أن هناك عدة روايات قد يستدلّ بها على الثاني :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنه قال في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها ، قال : «هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفأً بعد أن يكون قد نكحت رجلاً قبله» (٢).

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثيب تخطب إلى نفسها ، قال : «نعم ، هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كانت قد تزوجت زوجاً قبله» (٣) وغيرهما من الأخبار.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٤.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ١٢.

٢٢١

ولا يبعد الإلحاق (*) ، بدعوى أن المتبادر من البكر من لم تتزوّج (١). وعليه فإذا تزوّجت ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها ، لا يلحقها حكم البكر (٢). ومراعاة الاحتياط أوْلى.

______________________________________________________

إلّا أن الأخبار الواردة بهذا المضمون جميعاً باستثناء صحيحة الحلبي ضعيفة الإسناد ، فإن رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ضعيفة بالقاسم الذي يروي عن أبان فإنه مشترك بين الثقة وغيره.

وأما صحيحة الحلبي فهي قاصرة من حيث الدلالة ، فإنه (عليه السلام) ليس بصدد بيان القضية الشرطية وإن النكاح معتبر في كونها «أملك بنفسها» وإنما هو (عليه السلام) بصدد تكرار الموضوع المسئول عنه أعني الثيب بلسان ذكر الوصف الغالب ، باعتبار أن الثيبوبة غالباً ما تكون بالنكاح ، فيكون المعنى أن المرأة أملك بنفسها إذا كانت ثيبة. ومن هنا فلا تكون للرواية دلالة في تقييد الثيبوبة بالتي زالت عذرتها بالدخول بها بالنكاح الصحيح ، بل التقييد بعد الروايات المطلقة وتصريح صحيحة علي بن جعفر باعتبار الدخول خاصة بعيد جدّاً.

(١) ما أفاده (قدس سره) مذكور في رواية واحدة خاصة ، هي رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلّا برضا منها» (١).

إلّا أنها مضافاً إلى ضعف سندها بإبراهيم بن ميمون مطلقة لا تصلح لمعارضة صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة ، بل المتعين رفع اليد عن إطلاقها ، وحملها على الغالب في الزواج حيث يستتبع الدخول بها.

(٢) ظهر الحال فيه ممّا تقدّم.

__________________

(*) بل هو بعيد ، ودعوى التبادر لا أساس لها.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٣.

٢٢٢

[٣٨٦٦] مسألة ٣ : لا يشترط في ولاية الجدّ حياة الأب ولا موته (١).

______________________________________________________

(١) لإطلاقات الأدلّة الدالّة على ولاية الجد في النكاح ، فإنها وإن كان موردها جميعاً فرض وجود الأب ، إلّا أن المتفاهم العرفي منها ثبوت الولاية لكل من الأب والجدّ على نحو الإطلاق ، ومن دون تقييد ولاية كل منهما بفرض وجود الآخر أو عدمه ، فإنّ مجرّد فرض وجود الأب لا يوجب تقييداً في إطلاق جعل الولاية له.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضاً أن يزوجها». فقلت : فإن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً؟ فقال : «الجدّ أولى بنكاحها» (١). ومن الواضح أن مقتضى إطلاقها كون ولاية الجدّ مطلقة وغير مقيّدة بوجود الأب ، وإن فرض ذلك في فرض وجوده.

ومثلها معتبرة عبيد بن زرارة المتقدِّمة (٢) فإن المستفاد منها ثبوت الولاية للجدّ على حدّ ثبوتها للأب ، بل كونها أقوى من ولاية الأب.

ولعل الأوضح منهما دلالة صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة أيضاً (٣) المتضمِّنة لتعليل الحكم بكون إنكاح الجد للبنت مقدماً على إنكاح الأب بقوله : «لأنها وأباها للجدّ» إذ من الواضح أنه ليس المراد كون مجموعهما بما هو مجموع للجد ، وإنما المراد كون كل منهما على حدة مستقلا له ، ومقتضى هذا ثبوت الولاية المطلقة على البنت سواء أكان الأب موجوداً أم كان ميتاً.

ثمّ إنه قد يتمسك لإثبات الحكم بالمقام بالاستصحاب ، بدعوى أن الولاية كانت ثابتة للجد في حياة الأب ، فعند الشك في ثبوتها بعده يستصحب بقاؤها.

إلّا أنه مدفوع بما تقدّم غير مرة ، من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية. على أنه لا يتمّ إلّا فيما إذا كانت هناك حالة سابقة متيقنة ، فلا يتمّ في مثل ما لو كانت البنت حين موت أبيها حملاً في بطن أُمها.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ١.

(٢) تقدّمت في ص ٢١٧ ه‍ ١.

(٣) تقدّمت في ص ٢١٧ ه‍ ٢.

٢٢٣

والقول بتوقّف ولايته على بقاء الأب كما اختاره جماعة ضعيف (١). وأضعف منه القول بتوقّفها على موته (٢) كما اختاره بعض العامّة.

[٣٨٦٧] مسألة ٤ : لا خيار للصغيرة إذا زوّجها الأب (*) أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها ، بل هو لازم عليها (٣).

______________________________________________________

(١) نسب القول به إلى جملة من الأصحاب.

واستدل عليه بصحيحة الفضل بن عبد الملك المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إن الجد إذا زوّج ابنة ابنه ، وكان أبوها حياً وكان الجدّ مرضياً جاز» (١). فإن مقتضى مفهوم الشرط عدم ثبوت الولاية له عند عدم الأب ، وإلّا لكان الشرط لغواً.

إلّا أن للمناقشة في ذلك مجالاً. فإنّ الظاهر عدم ثبوت المفهوم لهذا الشرط ، وذلك لأن المصرح به في جملة من الروايات المعتبرة ، أنّ المراد بالجواز في المقام هو الجواز على الأب ، بمعنى أنه ليس له معارضة الجد ونقض إنكاحه لها. ومن هنا يكون ذكر الشرطية في هذه الصحيحة من قبيل القضايا التي تساق لبيان وجود الموضوع ، فإنّه إذا لم يكن الأب موجوداً لم يكن موضوع لمعارضة الجد ، وكون ولاية الجدّ نافذةً في حقِّه. وإذا لم يكن للشرطية مفهوم ، كانت المطلقات سالمة عن المعارض والمقيّد.

إذن فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه المشهور واختاره الماتن (قدس سره) ، من ثبوت الولاية للجدّ مطلقاً.

(٢) فإنّه باطل جزماً ، لدلالة جملة كبيرة من النصوص على ثبوت الولاية له في حياة الأب ، بل وكون ولايته أقوى من ولاية الأب ، ولذا يتقدم إنكاحه على إنكاح الأب ، ما لم يكن إنكاح الأب أسبق زماناً من إنكاحه.

(٣) ويقتضيه مضافاً إلى إطلاقات ما دلّ على نفوذ عقد الأب والجد خصوص

__________________

(*) هذا هو المعروف ، بل ادعي فيه عدم الخلاف ، إلّا أنّ في رواية صحيحة ثبوت الخيار لها وللصغير بعد بلوغهما فيما إذا زوّجهما أبواهما حال الصِّغر ، فالاحتياط في هذه الصورة لا يُترك.

(١) تقدّمت في ص ٢١٧ ه‍ ٣.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة عبد الله بن الصلت ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها ، لها أمر إذا بلغت ، قال : «لا ، ليس لها مع أبيها أمر» (١).

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) : أتزوّج الجارية وهي بنت ثلاث سنين ، أو يزوّج الغلام وهو ابن ثلاث سنين ، وما أدنى حدّ ذلك الذي يُزوّجان فيه ، فإذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟ قال : «لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليّها» (٢). إلى غيرهما من النصوص التي تكاد تبلغ حد التظافر.

إلّا أن بإزائها روايتين :

الأُولى : رواية يزيد الكناسي ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : متى يجوز للأب أن يزوِّج ابنته ولا يستأمرها؟ قال : «إذا جازت تسع سنين ، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين» (٣).

إلّا أن هذه الرواية لا يمكن العمل بها من جهة بُعد التفصيل المذكور فيها ، فإنه لا يحتمل ثبوت الخيار للتي زوّجها الأب قبل تسع سنين ، وعدم ثبوته للتي زوّجها بعد ذلك ، مع معارضتها للنصوص الكثيرة الدالة على نفوذ إنكاح الأب ، وأنه ليس لها من الأمر شي‌ء. وفي مقام حلّ المعارضة لا ينبغي الشك في تقدّم تلك عليها.

على أنها ضعيفة السند. فإن المذكور في نسخ التهذيب والاستبصار وإن كان يزيد الكناسي (٤) إلّا أنه لم يثبت توثيقه أيضاً. وذلك لأن النجاشي (قدس سره) ذكر يزيد أبا خالد القماط ووصفه بأنه كوفي ووثّقه (٥). والشيخ (قدس سره) ذكر يزيد الكناسي في كتابه الرجال وأفاد أنه ينتسب إلى كناسة محلة في الكوفة ، من دون أن يذكر له توثيقاً (٦) لكنه (قدس سره) لم يتعرض لذكر يزيد أبي خالد القماط لا في الفهرست

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٦ ح ٧.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٦ ح ٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٨٢ / ١٥٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٧ / ٨٥٥.

(٥) رجال النجاشي : ٤٥٢ رقم ١٢٢٣.

(٦) رجال الطوسي : ١٤٩ رقم ١٦٥٥.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا في الرجال ، وهو ممّا يوجب الاطمئنان بأن يزيد الكناسي هو يزيد أبو خالد القماط ، وحينئذ فينفع توثيق النجاشي ليزيد أبي خالد القماط في إثبات وثاقة يزيد الكناسي.

غير أن ذلك معارض بأن البرقي الذي هو أقدم من الشيخ وأعرف منه بالرجال لقرب عهده إلى الرواة ذكر العنوانين معاً ، فقد ترجم يزيد الكناسي ويزيد أبا خالد القماط كلّاً على حدة (١) وهو إنما يكشف عن عدم اتحاد الرجلين. وعلى هذا الأساس فلا تنفع وثاقة يزيد أبي خالد القماط في إثبات وثاقة يزيد الكناسي.

وعليه فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار سنداً.

الثانية : صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبي يزوّج الصبية ، قال : «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا» (٢).

وهي كما ترى واضحة الدلالة بل صريحة الدلالة في عدم لزوم العقد الصادر من الولي ، وثبوت الخيار لهما بعد البلوغ ، فإن حمل الخيار على الطّلاق كما أفاده الشيخ (قدس سره) ـ (٣) بعيد غايته ، ولا وجه للمصير إليه.

ومن هنا فهي صالحة لتقييد ما تقدّم من النصوص ، الدالة على نفوذ عقد الأب أو الجد بغير هذا الفرض ، اعني ما لو كان كل من الزوجين صغيراً. إلّا أنه لم يعلم قائل به من فقهائنا.

وعليه فإن تمّ إجماع على عدم ثبوت الخيار لها فهو ، وبه يتعيّن رفع اليد عن هذه الصحيحة وردّ علمها إلى أهله ، وإلّا فيتعيّن العمل بها ، حيث قد عرفت مراراً أن إعراض المشهور عن الرواية المعتبرة لا يوجب وهنها وسقوطها عن الحجية.

وحينئذ فلا أقلّ من الالتزام بالاحتياط بالطلاق عند عدم رضاها بالعقد بعد البلوغ.

__________________

(١) رجال البرقي : ٣٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٦ ح ٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٨٢.

٢٢٦

وكذا الصغير على الأقوى (١).

______________________________________________________

(١) وهو المشهور والمعروف بين الأصحاب ، ويدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة.

كصحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره ، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال : فقال : «أما تزويجه فهو صحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن تحبس امرأته حتى يدرك» (١).

وصحيحة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ، قال : «إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ، ضمن أو لم يضمن» (٢). فإن تفصيله (عليه السلام) في المهر دالّ على المفروغية عن صحّة النكاح.

وصحيحة الفضل بن الملك ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ، قال : «لا بأس» (٣). وغيرها من النصوص المعتبرة.

فإن مقتضى إطلاق الصحيحة في هذه النصوص ، هو النفوذ حتى بعد بلوغ الطفل وفسخه للعقد.

ودعوى أن الصحّة لا تنافي عدم اللزوم وثبوت الخيار ، نظراً إلى أن موضوع الخيار هو العقد المحكوم بالصحّة ، إذ لا مجال للبحث عن الخيار في العقد المحكوم بالبطلان.

مدفوعة بأن موضوع الخيار إنما هو نفس الصحّة ، وعدم الخيار مستفاد من إطلاقها لا منها بنفسها ، فلا يكون هناك أي محذور.

ثمّ إن هذه النصوص وإن كانت بأجمعها واردة في الأب ، إلّا أنه لا بدّ من التعدي إلى الجدّ ، وذلك لما ذكرناه في إثبات الولاية للجد على البنت الباكر ، فإنّ تلك الوجوه

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٦ كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، ب ١١ ح ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢٨ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢٨ ح ٢.

٢٢٧

والقول بخياره في الفسخ والإمضاء (١) ضعيف.

______________________________________________________

تأتي بعينها في المقام.

(١) نسب هذا القول إلى الشيخ (١) وابن البراج (٢) وابن حمزة (٣) وابن إدريس (٤) (قدس سرهم).

وذكر في وجهه مضافاً إلى التمسك بصحيحة محمد بن مسلم وخبر يزيد الكناسي المتقدِّمتين أن الحال في الابن يختلف عن البنت من حيث احتمال تطرّق الضّرر عليهما ، فإنّ الابن يجب عليه بدل المهر والنفقة دون مقابل ، بخلاف البنت حيث إنها تأخذهما دون أن تخسر شيئاً. ومن هنا لا بدّ من جعل الخيار للابن ، لكي يتمكن من دفع الضرر عن نفسه ، دون البنت حيث إنها ليست بحاجة إليه.

وفيه : أن ما ذكروه لا يرجع إلى محصل ، فإنه وجه اعتباري صرف لا يمكن إثبات الحكم الشرعي به. على أن النكاح وإن كان من الأُمور الاعتبارية ، إلّا أنه أشبه الأُمور بالمعاوضة. ومن هنا فلا يكون بذل الرجل للمهر والنفقة بإزاء لا شي‌ء ، فإنه إنما يملك الزوجية بإزاء ما يبذله ، كما إن المرأة لا تحصل عليهما بإزاء لا شي‌ء ، فإنها إنما تفقد حريتها وتكون تحت سيطرة الغير وفي حبالته بإزاء ما تقبضه ، فكل منهما يحصل على شي‌ء ويفقد بإزائه شيئاً.

وعليه فإن كان في المقام خيار وجب أن يثبت لهما ، وإن لم يكن فهو غير ثابت لهما أيضاً.

وأمّا خبر يزيد الكناسي ، فقد عرفت الحال فيه فلا نعيد.

نعم ، صحيحة محمد بن مسلم دالّة على ثبوت الخيار ، وبذلك تكون مقيّدة لما تقدّم من المطلقات. إلّا أنها وكما عرفت تختص بما إذا كان الزوجان معاً صغيرين ، فلا

__________________

(١) النهاية : ٤٦٧.

(٢) المراسم : ١٤٨.

(٣) الوسيلة : ٣٠٠.

(٤) السرائر ٢ : ٥٦٢ و ٥٦٣.

٢٢٨

وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته (١).

[٣٨٦٨] مسألة ٥ : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة (٢) وإلّا يكون العقد فضوليّاً كالأجنبي ، ويحتمل عدم الصحّة (*) بالإجازة

______________________________________________________

تشمل ما لو زوّج الأب الصغير من المرأة البالغة.

(١) يظهر الحال فيه ممّا تقدّم ، فإنّ مقتضى إطلاق صحّة العقد الصادر من وليِّه ونفوذه ، هو عدم ثبوت الخيار له بعد إفاقته.

(٢) اتفاقاً بل لم ينسب الخلاف فيه إلى أحد.

ويدلّنا عليه ، مضافاً إلى عموم صحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدِّمة المتضمنة لقوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) حيث إن مقتضاه عدم الفرق بين المال والنكاح.

وقوله (عليه السلام) في صحيحة الفضل بن عبد الملك المتقدِّمة أيضاً : «وكان الجدّ مرضياً» حيث إن ظاهر التقييد وبملاحظة مناسبات الحكم والموضوع ، هو اعتبار كونه مرضياً بلحاظ تصرفاته الصادرة تجاه البنت ، وإلّا فكونه مرضياً بالنسبة إلى سائر تصرّفاته أجنبي عن ولايته على البنت.

وصحيحة عبيد بن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ، ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر ، فقال : «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضاراً» (١). فإنّ التقييد بعدم كونه مضاراً ، إنما يدلّ على عدم ثبوت الولاية للجد إذا كان في مقام الإضرار بها.

دليل نفي الضرر ، فإنه وبحكم كونه حاكماً على جميع الأدلة ، يقتضي نفي جعل الولاية للأب والجد فيما إذا كان في إنكاحهما لها ضرر عليها ، وبذلك فتختص ولايتهما عليها وعلى الصبي بفرض عدم المفسدة لا محالة.

__________________

(*) لكنّه بعيد ، وكذلك الحال في المسألة الآتية.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٢.

٢٢٩

أيضاً (١) بل الأحوط مراعاة المصلحة (٢). بل يشكل الصحّة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الآخر بحسب الشرف ، أو من أجل كثرة المهر أو قلته بالنسبة

______________________________________________________

(١) والوجه فيه هو اعتبار وجود مجيز حال العقد في الحكم بصحّة العقد الفضولي على ما ذكره الماتن (قدس سره) في المسألة الآتية. وحيث إن الصبي والصبية فيما نحن فيه ليسا أهلين للإجازة والإمضاء حين صدور العقد ، فيحكم ببطلانه من رأس لا محالة.

إلّا أن هذا الكلام مبني على عدم الالتزام بكون صحّة العقد الفضولي بعد لحوق الإجازة على القاعدة ، واختيار كونها نتيجة للنصوص الخاصّة الدالّة عليها. فإنه حينئذ يمكن أن يقال : بأن النصوص الخاصة وبأجمعها واردة في فرض وجود المجيز ، فلا وجه للتعدِّي منه إلى فرض عدم وجوده.

لكنّك قد عرفت منّا مراراً ، عدم تمامية هذا المبنى وكون صحّة العقد الفضولي بعد لحوق الإجازة على القاعدة ، باعتبار أن الإجازة توجب انتساب الأمر الاعتباري الصادر من الغير إلى المجيز من حينها ، فيكون العقد من ذلك الحين عقداً له ، ومن هنا فتشمله أدلة وجوب الوفاء بالعقود.

وعلى هذا الأساس فلا وجه لاعتبار وجود مجيز حال العقد ، فإنه يكفي في الحكم بصحّته كون المجيز أهلاً لها في حينها ، ومن دون أن يكون لأهليته حين صدور العقد وعدمه دخل في الصحّة أو الفساد.

(٢) نسب القول باعتبارها في الولاية على مال الطفل إلى المشهور من الأصحاب واستدلوا عليه بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).

وذكر الشيخ (قدس سره) أنها وإن لم تكن تشمل الأب ، باعتبار أنه مع وجوده لا يكون ابنه يتيماً ، إلّا أنها تشمل الجد. وحينئذ فيثبت الحكم للأب ، بالقطع بعدم الفصل.

__________________

(١) سورة الانعام ٦ : ١٥٢.

٢٣٠

إلى الصغير ، فاختار الأب غير الأصلح لتشهي نفسه (١).

[٣٨٦٩] مسألة ٦ : لو زوّجها الولي بدون مهر المثل ، أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم (٢). وإلّا ففي صحّة العقد وبطلان المهر والرجوع إلى مهر المثل ، أو بطلان العقد أيضاً ، قولان (٣) أقواهما الثاني. والمراد من البطلان عدم النفوذ ، بمعنى توقفه على إجازتها بعد

______________________________________________________

إلّا أننا لم نرتض هذا القول في محله. وعلى تقدير القول به فلا نقول به في النكاح وذلك لإطلاقات الأدلة الواردة في المقام السالمة عن المقيد ، حيث لم يرد في شي‌ء من النصوص اعتبار وجود المصلحة في إنكاح الأب أو الجد.

نعم ، الاحتياط في محلِّه حتى وإن كان الظاهر عدم الاعتبار.

(١) ظهر الحال فيه ممّا تقدّم ، فإنّ مقتضى إطلاقات الأدلة السالمة من المقيد والشاملة للفرض ، هو الحكم بالصحّة والنفوذ.

نعم ، الاحتياط على كل حال حسن.

(٢) لإطلاقات الولاية السالمة عن المقيد.

(٣) بل أقوال ثلاثة ، ثالثها ما نسب إلى الشيخ (قدس سره) من الحكم بالصحّة فيهما معاً (١) وكأن الوجه فيه إطلاقات أدلة الولاية.

إلّا أن ضعفه أظهر من أن يخفى ، ولعلّه لذلك أهمل الماتن (قدس سره) ذكره ، فإنّ أدلة الولاية قاصرة عن شمول ما كان فيه ضرر ومفسدة على المولى عليه ، كما عرفت في المسألة السابقة.

وأمّا القول الأوّل فهو منسوب إلى شيخنا الأعظم (قدس سره) (٢). بدعوى أن العقد الصادر من الولي إنما ينحل إلى أمرين : التزويج والمهر ، وحيث إن الضرر في الثاني خاصّة يحكم ببطلانه مع بقاء التزويج على حاله ، وحينئذ فينتقل إلى مهر المثل لا محالة.

__________________

(١) كتاب الخلاف ٤ : ٣٩٢ المسألة ٣٧.

(٢) كتاب النكاح : ١٧٠.

٢٣١

البلوغ. ويحتمل البطلان ولو مع الإجازة ، بناءً على اعتبار وجود المجيز في الحال (١).

[٣٨٧٠] مسألة ٧ : لا يصحّ نكاح السّفيه المبذِّر (*) (٢) إلّا بإذن الولي (٣)

______________________________________________________

وفيه : أنه إنما يتم فيما إذا كان المنشأ هو التزويج المطلق ، وحيث إن الأمر ليس كذلك باعتبار أن المنشأ انما هو التزويج المقيد بالمقدار المعين من المهر ، فلا محيص عن الحكم ببطلان التزويج أيضاً لما فيه من الضرر على المولى عليه ، وسقوط ولاية المزوج لكونه مضاراً.

على أن لازم ما أفاده (قدس سره) من بطلان المهر عدم التطابق بين الإيجاب والقبول حتى ولو قلنا بتعدد الإنشاء ، فإن الزوج إنما قبل العقد بالمهر المعين ولم يقبل التزويج الخالي عن المهر ، وهذا نظير أن ينشئ البائع بيع شي‌ء ويقبل المشتري شراء شي‌ء آخر. وحيث أن تطابق الإيجاب والقبول في المتعلق معتبر في صحّة العقد بلا خلاف ، كان فقده في المقام موجباً للبطلان.

ومن هنا فالصحيح هو ما اختاره الماتن (قدس سره) من الحكم ببطلانهما معاً وفاقاً لكثير من الأصحاب.

ثمّ لا يخفى أن محلّ البحث في تزويج الولي للصغير بأكثر من مهر المثل إنما هو فيما إذا كان للصغير مال حيث يكون المهر حينئذ عليه ، لا ما إذا لم يكن له مال لأن المهر حينئذ على الأب ، ومعه لا مجال للحكم بالبطلان ، لعدم ترتب أي ضرر على الطفل.

(١) وقد عرفت ما فيه مفصلاً في المسألة السابقة فلا نعيد.

(٢) المراد بالقيد إن كان من لا يعرف مصالحه ومفاسده فهو قيد توضيحي ، وإن كان غير ذلك فلا دليل عليه ، ولا نعلم لاعتباره وجهاً.

(٣) استدلّ عليه في بعض الكلمات ، بأن الزواج لما كان من الأُمور المالية لاستلزامه ثبوت المهر والنفقة على الزوج ، وكان السفيه ممنوعاً من التصرفات المالية

__________________

(*) الظاهر أنه أراد بهذا القيد من لا يعلم صلاحه وفساده ، ولأجل ذلك يكون القيد توضيحيّاً لا احترازيّاً حيث إنّ ذلك معنى السفيه في الماليات ، وإلّا فلا يكاد يظهر وجه للتقييد.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بلا خلاف ، كان اللازم الحكم بالفساد في المقام.

وفيه مضافاً إلى اختصاصه بالولد دون البنت ـ : أنه إنما يتم فيما إذا كان المهر عيناً معيّنة من أمواله الموجودة بالفعل ، دون ما إذا كان كلياً في الذمّة ، فإنه لا إجماع على منعه منه أيضاً. على أنه قد يفرض كون المهر من غيره ، ومن دون أي تصرف في شي‌ء من أمواله.

وأما وجوب الإنفاق ، فهو حكم شرعي متفرع على التزويج وليس من مصاديق التصرف المالي ، فلا وجه لاستلزام الحجر عنه للحجر بالنسبة إليه.

ومن هنا فالصحيح في الاستدلال هو التمسك بالنسبة إلى منع الولد بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال (حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ). قال : وما أشده؟ قال : «احتلامه». قال : قلت : قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم؟ قال : «إذا بلغ وكتب عليه الشي‌ء جاز أمره ، إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» (١).

وهذه الرواية وإن رواها صاحب الوسائل (قدس سره) عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن أبي عبد الله (عليه السلام) مباشرة ، إلّا أن الصحيح وساطة عبد الله بن سنان في البين ، على ما هو مذكور في الخصال (٢) ، ولعل عدم ذكره في الوسائل من سهو القلم عند النسخ.

وكيف كان ، فهي واضحة الدلالة على عدم جواز أمر السفيه وبقاء الولاية عليه.

وأما بالنسبة إلى منع البنت فبالتمسك بصحيحة الفضلاء المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «المرأة التي قد ملكت نفسها ، غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز» (٣). حيث قيد (عليه السلام) استقلالها في النكاح بعد بلوغها المعبّر عنه بملك الأمر بعدم كونها سفيهة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب الحجر ، ب ٢ ح ٥.

(٢) الخصال : ٤٩٥.

(٣) تقدّمت في ص ٢١٠ ه‍ ٣.

٢٣٣

وعليه أن يعيّن المهر والمرأة (١). ولو تزوّج بدون إذنه وقف على إجازته ، فإن رأى المصلحة وأجاز صحّ ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة ، لأنه ليس كالمجنون والصبي مسلوب العبارة (٢) ولذا يصح وكالته عن الغير في إجراء الصيغة ومباشرته لنفسه بعد إذن الولي.

[٣٨٧١] مسألة ٨ : إذا كان الشخص بالغاً رشيداً في الماليات ، لكن لا رشد له بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصيّاته من تعيين الزوجة وكيفيّة الإمهار ونحو ذلك ، فالظاهر كونه كالسّفيه في الماليّات في الحاجة إلى إذن الولي (٣) وإن لم أر من تعرّض له.

[٣٨٧٢] مسألة ٩ : كل من الأب والجدّ مستقل في الولاية (٤) فلا يلزم الاشتراك ، ولا الاستئذان من الآخر ، فأيهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته

______________________________________________________

(١) على ما يقتضيه قانون الولاية ، فإنّ معناها رجوع الزواج بتمام شؤونه ومقتضياته إلى نظره.

(٢) فإنه لا قصور في إنشائه ، وإنما القصور في النفوذ خاصة.

(٣) كما يقتضيه قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء المتقدِّمة : «غير السفيهة ولا المولى عليها» إذ المتيقن وبملاحظة خصوصيّة المورد أعني كون الصحيحة واردة في الزواج هو السفيهة فيه. وإذا ثبت الحكم بالنسبة إلى السفيهة ثبت في السفيه بالقطع بعدم الفرق بينهما.

ويؤيده إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة.

(٤) بلا خلاف فيه ، ويقتضيه إطلاق النصوص.

نعم ، لصاحب الجواهر (قدس سره) عبارة ربّما تشعر بتوقفه فيه ، حيث قال في شرح قول المحقق (قدس سره) : (فمن سبق عقده صح) : بناء على استقلال كل منهما بالولاية (١).

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٢٠٨.

٢٣٤

لم يبق محل للآخر (١). ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدم ولغي الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ (٢). وكذا إذا جهل التاريخان.

______________________________________________________

غير أن مما يقطع به أنه ليس مراده (قدس سره) منها اشتراك الأب والجد في الولاية ، بمعنى اعتبار رضاهما معاً ، وذلك لاختياره (قدس سره) بعد أسطر من هذه العبارة تقديم إنكاح الجدّ لها على إنكاح الأب فيما لو أوقعاه دفعة ، مدعياً الإجماع عليه. فإنه واضح الدلالة على عدم اختياره (قدس سره) القول باشتراكهما معاً في الولاية ، وإنما مراده (قدس سره) منها هو الاحتراز عن تزويج البكر ، حيث إنّ كلّاً منهما يشترك حينئذ في الولاية معها من دون أن يكون له حق الاستقلال.

وعلى هذا فيكون معنى ما أفاده (قدس سره) هو : أنّ السبق في إيقاع العقد إنما يكون له أثر ، فيما إذا كانت المولى عليها صغيرة أو كانت كبيرة بكراً ، وقلنا باستقلال الأب والجد في إنكاحها. وأما إذا قلنا باعتبار استئذانها ، باعتبار أنّ «لها في نفسها نصيباً» (١) فلا أثر للسبق ، بل الخيار لها تجيز من العقدين ما شاءت.

(١) إجماعاً ومن غير الخلاف فيه ، وتدلّ عليه جملة من النصوص المتقدِّمة كصحيحة عبيد بن زرارة وغيرها ، فراجع.

(٢) وتدلّ عليه مضافاً إلى التسالم وعدم الخلاف فيه عدّة من النصوص المعتبرة الدالّة على تقديم عقد الجدّ.

كصحيحة هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا زوّج الأب والجد كان التزويج للأوّل ، فإن كان جميعاً في حال واحدة فالجد أولى» (٢).

وصحيحة عبيد بن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الجارية يريد

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٣.

٢٣٥

وأمّا إذا علم تاريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تاريخ عقد الجدّ قدم أيضاً. وإن كان المعلوم تاريخ عقد الأب احتمل تقدّمه (١). لكن الأظهر تقديم عقد الجد ، لأنّ المستفاد من خبر عبيد بن زرارة أولوية الجدّ ما لم يكن الأب زوّجها قبله ، فشرط تقديم عقد الأب كونه سابقاً (٢) وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجد أولى.

فتحصّل أنّ اللّازم تقديم عقد الجدّ في جميع الصور ، إلّا في صورة معلوميّة سبق عقد الأب.

______________________________________________________

أبوها أن يزوّجها من رجل ، ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر ، فقال : «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً ، إن لم يكن الأب زوّجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ» (١).

فإنّ مقتضى قوله (عليه السلام) : «إن لم يكن الأب زوّجها قبله» هو تقديم عقد الجدّ في فرض التقارن ، نظراً لعدم صدق ما اعتبر في تقديم عقد الأب ، فتكون مقيدة لأدلّة ولاية الأب لا محالة. وبها نخرج عن القاعدة المقتضية للبطلان ، حيث إن الجمع بينهما غير ممكن ، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح.

(١) لأصالة عدم وقوع العقد من الجد إلى حين وقوع العقد من الأب ، فيحكم بصحته لعدم المعارض.

(٢) وتوضيح ذلك : أن مقتضى صحيحة عبيد بن زرارة هو تقديم عقد الجد مطلقاً ، ومن دون فرق بين جميع الصور باستثناء ما إذا كان عقد الأب سابقاً ، فإنّ هذه الصورة هي المستثناة من ولاية الجد ونفوذ عقده وخارجة منها خاصّة.

ومن هنا ففي جميع هذه الصور يجري استصحاب عدم سبق عقد الأب على عقد الجدّ ، من غير فرق بين العلم بالتاريخ أو الجهل به ، والقول بجريان الاستصحاب في معلوم التاريخ وعدمه. ولا يعارضه استصحاب عدم وقوع العقد من الجد إلى زمان وقوع العقد من الأب ، لأنه لا يثبت السبق.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٢.

٢٣٦

ولو تشاحّ الأب والجدّ ، فاختار كل منهما واحداً ، قدّم اختيار الجدّ (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى نقول : إنّ صحيحة عبيد وإن لم تكن تتضمن لفظ السبق ، وإنما المذكور فيها عنوان القبلية ، فما أفاده الماتن (قدس سره) لا يخلو من التسامح في التعبير. ومع ذلك فالمراد به ليس هو تقديم عقد الجد ما لم يسبقه عقد الأب ، بمعنى لحوق عقد الجد له ، كي يتمسك باستصحاب عدم وقوعه إلى حينه ، فإنه غير معتبر جزماً ولذا يحكم بصحّة عقد الأب حتى ولو لم يقع عقد من الجد بالمرة ، مع أنه لم يتحقق السبق بهذا المعنى لعدم تحقق اللحوق ، فإنهما من العناوين المتضايفة لا يمكن تحقق أحدهما من دون تحقق الآخر. وإنما المراد منها الحكم بصحّة عقد الجد على الإطلاق ما لم يكن عقد الأب سابقاً عليه ، كما يظهر ذلك من الالتفات إلى أن الكلام إنما هو في المزاحمة وحيث إن هذا العنوان عنوان وجودي ، فلا يمكن إحرازه باستصحاب عدم عقد الجد إلى زمان عقد الأب.

ومن هنا فيحكم بصحّة عقد الجد في جميع هذه الصور ، لعدم إحراز شرط تقديم عقد الأب.

وبالجملة : إنّ المعتبر في تقديم عقد الجدّ قيد عدمي ، فيمكن إحرازه عند الشك فيه بالأصل. وهو بخلاف القيد المعتبر في تقديم عقد الأب فإنه وجودي ، فلا ينفع في إحرازه التمسك باستصحاب عدم تقدّم عقد الجد عليه ، فإنه لا يثبت كون عقده قبل عقد الجدّ.

(١) وتدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضاً أن يزوجها». فقلت : فإن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً؟ فقال : «الجدّ أولى بنكاحها» (١).

وقوله (عليه السلام) في صحيحة عبيد الله بن زرارة : «فإنّ هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً فالجدّ أولى بنكاحها» (٢) ومعتبرته الثانية المتقدِّمة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٧.

٢٣٧

ولو بادر الأب فعقد ، فهل يكون باطلاً ، أو يصح؟ وجهان ، بل قولان (١) من كونه سابقاً فيجب تقديمه ، ومن ان لازم أولوية اختيار الجد (*) عدم صحّة خلافه. والأحوط مراعاة الاحتياط.

ولو تشاح الجد الأسفل والأعلى ، هل يجري عليهما حكم الأب والجد ، أوْ لا؟ وجهان ، أوجههما الثاني ، لأنهما ليسا أباً وجدّاً بل كلاهما جدّ ، فلا يشملهما ما دلّ على تقديم الجد على الأب (٢).

______________________________________________________

(١) كما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) ، حيث ذكر بعد القول بالصحّة أنه : قد يقال ببطلان عقده حينئذ (١) فإنه ظاهر في كونه قولاً وإن كان نادراً.

وكيف كان ، فالصحيح هو الثاني.

والوجه فيه أن أوْلوية عقد الجد في هذه الموارد كما دلّت عليه النصوص المعتبرة ليست هي بمعنى الأفضلية ، وإنما هي بمعنى ثبوت الولاية له دون الأب ، ومن هنا فتكون هذه النصوص مقيدة لأدلّة ولاية الأب ، بغير فرض هوى الجدّ رجلاً آخر ، ومعه فلا مجال للقول بالصحّة في المقام.

ومنه يظهر الحال في التمسك بإطلاق صحيحة هشام بن سالم ومحمّد بن حكيم فإنه لا مجال للتمسك به بعد ثبوت المقيد له.

وأما حمل الأولوية على الأولوية الاستحبابية أو الوجوبية التكليفية ، فهو على خلاف الظاهر جدّاً ، كما يشهد له ورود عين هذا التعبير في فرض تقارن عقديهما.

والحاصل أن هذا القول وإن كان نادراً بل لم يعلم القائل به ، إلّا أنه هو المتعيّن بحسب الأدلّة والنصوص.

(٢) إلّا أنه قد يشكل على ما أفاده (قدس سره) ، بأنّ النصوص الواردة في المقام وإن كانت كلّها تختص بالأب والجدّ ، غير أن مقتضى التعليل المذكور في روايتين هو

__________________

(*) لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر.

(١) الجواهر ٢٩ : ٢٠٩.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التعدِّي إلى الجدّ الأسفل مع الجدّ الأعلى ، وهاتان الروايتان هما :

أوّلاً : رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إني لذات يوم عند زياد بن عبد الله إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال : أصلح الله الأمير إن أبي زوّج ابنتي بغير إذني ، فقال زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا : نكاحه باطل. قال : ثمّ أقبل عليّ فقال : ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال له رسوله الله (صلّى آله عليه وآله وسلم) : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى. فقلت لهم : كيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟! قال : فأخذ بقولهم ، وترك قولي» (١).

فإنّ التعليل بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «أنت ومالك بفتح اللام كما يقتضيه استشهاده (عليه السلام) بهذه الكلمة في النكاح لأبيك» يقتضي عدم اختصاص الحكم بالأب بلا واسطة مع الجد ، وعموم الحكم للجد الأسفل مع الجد الأعلى ، فإنه وماله له.

ثانياً : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوي أن يزوّج أحدهما وهوى أبوه الآخر ، أيهما أحق أن ينكح؟ قال : «الذي هوى الجد أحقّ بالجارية ، لأنها وأباها للجد» (٢).

فإنها وبعموم التعليل تدلّ على ثبوت الحكم للجدين الأسفل والأعلى.

لكن في الاستدلال بكلتا الروايتين نظر :

أما الأُولى : فهي مضافاً إلى ضعف سندها بسهل بن زياد لا دلالة فيها على تقدّم هوى الجد على هوى الأب عند التشاح ، أو عقد الجد على عقده عند التقارن

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٨.

٢٣٩

[٣٨٧٣] مسألة ١٠ : لا يجوز للولي تزويج المولى عليه بمن به عيب ، سواء كان من العيوب المجوزة للفسخ أوْ لا ، لأنه خلاف المصلحة (١). نعم ، لو كان هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز.

______________________________________________________

بل غاية دلالتها هو ثبوت الولاية للجد ، وأنّ له أن يفعل كل ما كان للأب أن يفعله. ومن هنا فلا يمكن التمسك بهذه الرواية لإثبات المدعى.

وأما الثانية : فهي لو تمّت دلالتها فإنما تدل على تقديم هوى الجد الأعلى على هوى الجد الأدنى ، وأما تقديم عقد الأعلى على عقد الأدنى في فرض التقارن فلا دلالة لها عليه. على أن دلالتها على الأوّل محل نظر أيضاً ، وذلك لما ذكرناه فيما تقدّم من أنّ محل الكلام إنما هو في فرض استقلال الأب والجد في الولاية ، كما هو الحال في الولاية على الصغيرة ، وأما الكبيرة الرشيدة فالأمر بيدها تختار من العقدين ما شاءت. نعم ، يأتي قريباً إن شاء الله أنه يستحب لها أن ترضى بما رضي به الجدّ.

وحيث إنّ الظاهر أنّ مورده هذه الصحيحة هو فرض كونها كبيرة ، كما يظهر ذلك من قول السائل : (رجلان يخطبان ابنته) فإنّ ذلك إنما يكون بالنسبة إلى الكبيرة غالباً ، تكون الصحيحة أجنبية عن محلّ الكلام.

وممّا يؤيِّد ما ذكرناه ، أنه (عليه السلام) إنما حكم بأحقيّة الرجل الذي هواه الجدّ ولم يحكم بأحقيّة الجد نفسه ، فإنه إنما ينسجم مع ما ذكرناه من استحباب الرضا بما رضي به الجدّ ، من دون أن يكون له دلالة على سلب الولاية عن الأب.

ومن هنا فلا مجال للتمسك بهذه الصحيحة لإثبات تقدّم عقد الجدّ على عقد الأب عند التشاح ، فضلاً عن التعدي منهما إلى الجد الأعلى مع الجد الأدنى.

إذن فالصحيح في المقام هو ما اختاره الماتن (قدس سره) ، من اختصاص الحكمين بالأب بلا واسطة مع الجد ، وعدم ثبوته في الجدين الأعلى والأدنى.

(١) في التعبير مسامحة واضحة والمراد به وجود المفسدة ، كما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.

٢٤٠