موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

والعم (١) والخال (٢) وأولادهم.

______________________________________________________

له أحد من الأصحاب.

ومن هنا فهذه الروايات مقطوعة البطلان.

على أن في المقام روايتين صحيحتين تدلّان على عدم ثبوت الولاية للأخ :

إحداهما : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل يريد أن يزوج أُخته ، قال : «يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لا يزوّجها» (١).

ثانيتهما : صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في رجل يريد أن يزوّج أُخته ، قال : «يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لم يزوِّجها ، فإن قالت : زوّجني فلاناً ، زوّجها ممن ترضى» (٢).

فإن تلك الروايات معارضة لهاتين الصحيحتين ، ولو لم نقل بترجيح هاتين ، فلا أقلّ من التساقط بالمعارضة والرجوع إلى مفهوم صحيحة محمد بن مسلم المتقدِّمة الدالّ على عدم ثبوت الولاية لغير الأب ، عدا من خرج بالدليل ، أو الأصل المقتضي للفساد.

(١) ويقتضيه مضافاً إلى الأصل ومفهوم صحيحة محمد بن مسلم المتقدِّمة خصوص رواية محمد بن الحسن الأشعري ، قال : كتب بعض بني عمي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ما تقول في صبية زوّجها عمها فلما كبرت أبت التزويج؟ فكتب لي : «لا تكره على ذلك والأمر أمرها» (٣).

وهذه الرواية وإن عبر عنها في الجواهر بالصحيحة (٤) إلّا أنها ضعيفة السند ، فإن محمّد بن الحسن الأشعري إنما هو محمد بن الحسن بن خالد الأشعري المعروف بـ (الشنبولة) ، وهو ممن لم يرد فيه توثيق.

(٢) إجماعاً ، كما يقتضيه الأصل ، ومفهوم صحيحة محمد بن مسلم المتقدِّمة ، ومنه

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٦ ح ٢.

(٤) الجواهر ٢٩ : ١٧٠.

٢٠١

[٣٨٦٤] مسألة ١ : تثبت ولاية الأب والجد على الصغيرين (١) والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ (٢) بل والمنفصل على الأقوى (٣). ولا ولاية لهما على البالغ

______________________________________________________

يظهر الحال في أولادهم.

(١) بلا إشكال. والروايات الدالّة على ثبوتها مستفيضة ، بل لا خلاف فيه إلّا ما يُنسب إلى ابن أبي عقيل من إنكار ولاية الجدّ وكأنه استند في ذلك إلى النصوص الدالة على حصر الولاية في الأب. إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن هذه الروايات ، وذلك للنصوص الكثيرة الدالة صريحاً على نفوذ عقد الجد على ابنه أعني والد البنت وأنه يقدم إنكاح الجد للبنت على إنكاح الأب لها ، فإنها تقتضي أولوية ولاية الجد على ولاية الأب ، كما لا يخفى.

والحاصل أن إنكار ولاية الجد بعد الالتفات إلى هذه النصوص ، ليس في محله ولا يمكن المساعدة عليه.

(٢) بلا خلاف فيه بينهم ، بل قد حكي عليه الاتفاق والإجماع.

(٣) وفاقاً للمحقق في الشرائع (١) وصاحب الجواهر (٢) وشيخنا الأعظم في رسالة النِّكاح (٣). وهو الصحيح ، لعدم الفرق في الجنون بين المتصل بالبلوغ والمنفصل عنه فإن حالهما واحد من حيث ثبوت الولاية ، فالدليل المقتضي لثبوتها في الأوّل هو بعينه يقتضي ثبوتها في الثاني.

اللهمّ إلّا ان يثبت إجماع على الخلاف ، لكنه وبالمعنى المعتبر أعني كشفه عن رأي المعصوم (عليه السلام) غير ثابت جزماً ، وذلك لكونه معلوم المدرك. فإن الأصحاب إنما التزموا بثبوتها عند اتصال الجنون بالبلوغ من جهة التمسك باستصحاب بقاء الولاية ، باعتبار أنها كانت ثابتة قبل البلوغ جزماً ، فإذا شك حين

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٣٢٥.

(٢) الجواهر ٢٩ : ١٨٦.

(٣) رسالة النكاح ٢٠ : ١٧٧ ١٧٨ طبع المؤتمر العالمي.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

البلوغ في ارتفاعها كان مقتضى الاستصحاب هو الحكم باستمرارها. وهذا بخلاف صورة الانفصال ، حيث إن الولاية قد ارتفعت بالبلوغ يقيناً ، غاية الأمر أنه يشك في ثبوتها بعد ذلك نتيجة لطرو الجنون ، فلا مجال للتمسك بالاستصحاب.

لكن لا يخفى ما في هذا الاستصحاب من خلل ، فإنه من استصحاب الحكم الكلي وقد تقدّم في محلِّه عدم جريانه مفصلاً.

على أنه يعتبر في الاستصحاب اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة ، ولا ينبغي الشك في فقدان هذا الشرط في المقام ، فإن الصغر والكبر كالحضر والسفر موضوعان مختلفان بنظر العرف. ومن هنا فلو فرضنا ثبوت حكم الصغر للكبر ، أو الحضر للسفر ، فليس ذلك من استمرار ذلك الحكم وبقائه ، وإنما هو حكم آخر مماثل للحكم الأوّل.

وبعبارة اخرى : إنّ الولاية المسببة عن الصغر قد زالت جزماً ، وإنما الشك في ثبوت ولاية جديدة غير الولاية الاولى ، فلا يفرق الحال فيها بين ما كان متصلاً بالصغر وما كان منفصلاً عنه. وإن لم يقم الدليل عليها ، فلا تثبت في كلتا الحالتين أيضاً.

هذا وقد استدل شيخنا الأعظم (قدس سره) على ثبوتها بنحو الإطلاق (١) بما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إذا كانت المرأة مالكة أمرها ، تبيع وتشتري وتعتق وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليها. وإن لم تكن كذلك ، فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليها» (٢) حيث إن من الواضح أن المجنونة من أظهر مصاديق التي لا تملك أمرها.

والظاهر أنه لا وجه للمناقشة في دلالتها ، من جهة أنها لم تتعرّض لإثبات من هو وليّها ، وهل هو أبوها أو جدّها أو الحاكم؟ وذلك لأن الظاهر من كلمة «وليّها» هو من يتصدّى لُامورها وشؤونها في غير النِّكاح ، ومن هنا فاحتمال كونه الحاكم بعيد

__________________

(١) كتاب النكاح ٢٠ : ١٧٥ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٦.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

جدّاً ، كما استبعده شيخنا الأعظم (قدس سره) أيضاً (١). على أن الظاهر من إضافة الولي إلى الضمير العائد لها إرادة الولي المختص بها ، ومن الواضح أنه إنما هو الأب والجد لأنهما اللذان يختصان بإدارة شؤونها ، وأما الحاكم فليس بولي مختص لها.

وعلى هذا فالمناقشة في دلالة النص غير وجيهة.

نعم ، الرواية ضعيفة سنداً ، من جهة أن علي بن إسماعيل الميثمي وإن كان ممدوحاً من حيث إنه من أجلّاء المتكلمين ، بل الظاهر أنه أوّل من كتب في الإمامة ، إلّا أنه لم يرد فيه توثيق من حيث الرواية.

هذا والذي ينبغي أن يقال : إن السيرة القطعية قائمة على قيام الأب والجد بإدارة شؤون المجنون والمجنونة في النكاح وغيره ، من دون أن يثبت عن ذلك ردع.

ومن هنا فتكون ولاية النكاح لهما ، حتى وإن ثبت كون الحاكم ولياً لمن لا ولي له.

على أنه لم تثبت ولاية للحاكم إلّا في الأُمور الحسبية التي ينبغي تحققها في الخارج وتقتضي الحاجة والضرورة وجودها ، وذلك من باب أن الحاكم هو القدر المتيقن. وأما غيرها من الأُمور كتزويج المجنونة ، فلا موجب للقول بثبوت ولاية الحاكم له. ومن هنا فإذا انتفت ولاية الحاكم ثبتت الولاية للأب والجد ، للقطع واليقين بانحصار الأمر فيهما. حيث إنها ليست لغيرهما جزماً.

هذا كلّه مضافاً إلى قوله تعالى (إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٢).

فإنّ هذه الآية الكريمة وبملاحظة النصوص الكثيرة الواردة في تفسير (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) بالأب والجد والأخ ، ظاهرة الدلالة في ثبوت الولاية لهم عليها بقول مطلق. نعم ، خرج الأخ بالدليل الخاص والإجماع. وخرجت الثيب المالكة أمرها الباقي بالنص فيبقى بما في ذلك المجنونة تحت الإطلاق.

ثمّ إن الأصحاب وإن ذكروا خلو النصوص من حكم المسألة ، وهو كذلك إن أُريد

__________________

(١) كتاب النكاح ٢٠ : ١٧٥ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٣٧.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بها النصوص الخاصّة ، أعني ما هو وارد في الفرض بالذات ، إلّا أن في النصوص ما يمكن الاستدلال به على المدعى :

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجارية يزوجها أبوها بغير رضاء منها ، قال : «ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة» (١).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل ، هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها؟ قال : «نعم ، ليس يكون للولد أمر إلّا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلّا أن تستأمر» (٢).

وغيرهما مما دل على نفوذ عقد الأب على ابنته ، أو الوالد على ولده. فإن مقتضى إطلاقها نفوذ عقده عليهما على الإطلاق ، إلّا ما خرج بالدليل كالبنت الثيب والولد البالغ الرشيد. وحيث إنه لا دليل على خروج الصغيرة أو المجنونة والصغير أو المجنون فمقتضى الإطلاق ثبوت الولاية عليهم.

وأوضح من كل هذه دلالة ما ورد في باب الطلاق من أن الولي بمنزلة السلطان كصحيحة أبي خالد القماط ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال : «ولم لا يطلق هو»؟ قلت : لا يؤمن إن طلق هو أن يقول غداً لم أُطلّق ، أو لا يحسن أن يطلق ، قال : «ما أرى وليّه إلّا بمنزلة السلطان» (٣).

أو ما دل على أنه بمنزلة الإمام (عليه السلام) ، كروايته عنه (عليه السلام) أيضاً في طلاق المعتوه ، قال : «يطلق عنه وليّه ، فإني أراه بمنزلة الإمام عليه» (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ب ٣٥ ح ١.

(٤) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ب ٣٥ ح ٣.

٢٠٥

الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيباً (١). واختلفوا في ثبوتها على البكر الرشيدة على أقوال ، وهي : استقلال الولي (٢)

______________________________________________________

أو ما دلّ على أن الولي إذا طلقها ثلاثاً اعتدت وبانت منه بواحدة ، كرواية شهاب ابن عبد ربه ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلِّق يطلِّق عنه وليِّه على السنّة». قلت : فطلقها ثلاثاً في مقعد؟ قال : «ترد إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء ، فقد بانت منه بواحدة» (١).

فإنه لا ينبغي الشك في كون المراد بالولي في هذه النصوص هو الأب والجد في الدرجة الأُولى ، باعتبار أنهما اللذان يقومان بسائر شؤونه وفي مرحلة سابقة على السلطان والإمام (عليه السلام) ، وإذا ثبتت الولاية لهما في الطلاق ثبتت في النكاح : أما بالأولوية القطعية حيث إن أمر الطلاق أعظم ، ولذا ثبتت الولاية لهما على الصغير في النكاح ، في حين لم تثبت لهما ذلك في الطلاق. أو تمسكاً بقوله (عليه السلام) : «ما أرى وليه إلّا بمنزلة السلطان» فإنه ظاهر في كونه من باب تطبيق الكبرى على الصغرى ، وجعل ما للسلطان من صلاحيات في مثل هذه القضية له ، وحيث إن السلطان الذي هو الإمام المعصوم ولي بقول مطلق ومن غير اختصاص بالنكاح يكون الأب أيضاً ولياً عليه كذلك.

إذن فما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) من ثبوت الولاية للأب والجد على المجنون والمجنونة بقول مطلق ، سواء اتصل جنونهما ببلوغهما أم انفصل (٢) هو الصحيح.

(١) بلا خلاف فيه وفيما قبله ، بل الحكم مما تسالم عليه الأصحاب ، عدا ما نسب إلى ابن أبي عقيل من إثبات الولاية لهما على الثيب (٣) غير أنه مما لا شاهد له من النصوص مطلقاً ، بل الأخبار المستفيضة دالّة على الخلاف.

(٢) كما اختاره جملة من الأصحاب ، وأصرّ عليه صاحب الحدائق (قدس

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الجواهر ٢٩ : ١٨٦.

(٣) انظر مختلف الشيعة ٧ : ١١٨.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

سره) (١). وتدلّ عليه نصوص كثيرة صحيحة السند :

منها : صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها ، هو أنظر لها. وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوجاها» (٢).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، إلها مع أبيها أمر؟ فقال : «ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب» (٣).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر» وقال : «يستأمرها كل أحد ما عدا الأب» (٤).

ومنها : صحيحة أُخرى للحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجارية يزوجها أبوها بغير رضاء منها ، قال : «ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة» (٥).

والموضوع في هاتين الصحيحتين وإن كانت هي الجارية وهي تعمّ البكر والثيب. إلّا أنهما بعد التخصيص بما دل على لزوم استئذان الثيب تختصان بالبكر لا محالة.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل ، هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير اذنها؟ قال : «نعم ، ليس يكون للولد أمر إلّا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلّا أن تستأمر» (٦).

إلى غير ذلك من النصوص الصحيحة الدالة على استقلال الولي بالأمر.

__________________

(١) الحدائق ٢٣ : ٢١١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٦.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ١١.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٤ ح ٣.

(٥) تقدّمت في ص ٢٠٥ ه‍ ١.

(٦) تقدّمت في ص ٢٠٥ ه‍ ٢.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه النصوص لو لم يكن لها معارض ، لتعين العمل بها والالتزام بمضمونها ، إلّا أن في المقام معتبرتين تدلّان على لزوم استشارة البكر وعدم استقلال الأب في أمرها وهاتان المعتبرتان هما :

أوّلاً : معتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «تستأمر البكر ، وغيرها ولا تنكح إلّا بأمرها» (١).

ثانياً : معتبرة صفوان ، قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر (عليه السلام) في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال : «افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها نصيباً». قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (عليه السلام) في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال : «افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها حظاً» (٢).

ومن هنا فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه قواعد المعارضة. وحيث إن هاتين المعتبرتين توافقان الكتاب باعتبار أن مقتضى إطلاقاته عدم اعتبار إذن غير المرأة في العقد عليها ونفوذ عقدها مستقلة ، وتخالفان المشهور من الجمهور فإن المنسوب إلى الشافعي وأحمد ومالك القول باستقلال الأب (٣) تترجحان على تلك الروايات مع كثرتها. وحينئذ فلا بدّ من حمل تلك على التقية ، أو عدم استقلال البكر في الزواج واشتراط انضمام إذن الأب إلى رضاها.

ثمّ لو فرضنا عدم رجحان هاتين الروايتين على ما دلّ على استقلال الأب والتزمنا بتساقطهما جميعاً نتيجة المعارضة ، فلا يخفى أن مقتضى الأصل هو عدم نفوذ تصرف أحد بالنسبة إلى غيره. وعليه فلا بدّ من اعتبار رضاهما معاً ، أما رضا الأب فلما دلّ عليه من غير معارض ، وأما رضاها فللقاعدة والأصل.

والحاصل أن الروايات التي استدلّ بها على استقلال الأب ، على طوائف ثلاث :

الاولى : ما تدلّ على اعتبار رضا الأب فقط ، ومن دون تعرّض لاعتبار رضاها

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ١٠.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٢.

(٣) البحر الرائق ٣ : ١١٧ ، تحفة الفقهاء ١ : ١٥٢ ، المجموع ١٦ : ١٤٩.

٢٠٨

واستقلالها (١)

______________________________________________________

نفياً أو إثباتاً. وهذه الطائفة لا يمكنها معارضة المعتبرتين المتقدمتين معتبرة منصور ابن حازم ومعتبرة صفوان لإمكان الجمع بينهما ، بالقول باشتراكهما في الأمر واعتبار رضاهما معاً.

الثانية : ما تعارض المعتبرتين السابقتين بالإطلاق ، وهي ما تضمنت نفي الأمر عنها وأنه ليس لها مع أبيها أمر ، فإنه أعمّ من نفي استقلالها في الأمر ونفي مشاركتها فيه. وهي أيضاً قابلة للجمع مع المعتبرتين ، بالالتزام باشتراكهما في الأمر وتقييد إطلاق هذه النصوص. ولا يبعد دعوى ظهور بعض هذه الروايات في نفي استقلالها كما يظهر ذلك من مقابلتها للثيب التي لها الأمر كلّه وتتصرّف في نفسها بما شاءت مستقلة.

الثالثة : ما دلّت على استقلال الأب صريحاً ، كصحيحة الحلبي الدالة على جواز إنكاحه لها وإن كانت هي كارهة. وهذه الطائفة وإن كانت تعارض المعتبرتين المتقدِّمتين ، إلّا أنها ليست من الكثرة بحيث يقطع بصدورها منهم (عليهم السلام).

ومن هنا تتقدّم هاتان المعتبرتان على هذه الطائفة ، نظراً لموافقتهما للكتاب والسنّة ، ومخالفتهما للمشهور من العامة.

ونتيجة ذلك اشتراك البنت وأبيها في الأمر ، وعدم استقلال كل منهما فيه ، نظراً للطائفة الأُولى والثانية الدالتين على اعتبار إذن الأب ، والمعتبرتين الظاهرتين في الاشتراك كما يظهر ذلك من التعبير بالحظ والنصيب والصريحتين في اعتبار إذنها.

(١) على ما هو المشهور والمعروف بين القدماء والمتأخرين ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات السيد المرتضى (١).

ويقتضيه من الأدلة العامة إطلاقات الآيات والنصوص الواردة في النكاح ، فإن العقد إنما هو الصيغة التي تقع بين الرجل والمرأة فيجب الوفاء به ، سواء أرضي الأب

__________________

(١) الانتصار : ٢٨٦.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو الجدّ أم لم يرضيا بذلك.

كما يقتضيه إطلاق قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١).

وكذلك إطلاق ما دلّ على جواز نكاح المرأة بعد انقضاء عدتها ، فإن مقتضاه عدم اعتبار إذن الولي من غير فرق في ذلك بين البكر والثيب.

وما ورد في معتبرة ميسرة ، من جواز التزوج من المرأة التي تدعى خلوها من البعل (٢).

فهذه الإطلاقات وغيرها تقتضي استقلال البنت مطلقاً في أمرها ، بحيث لو كنا نحن وهذه الآيات والنصوص ، ولم يكن هناك نص خاص يقتضي الخلاف ، لكان القول باستقلالها هو المتعيّن.

وأما النصوص الخاصة ، فقد استدل بجملة منها على استقلال البكر في أمرها ، إلّا أن هذه النصوص لا تخلو بأجمعها من الضعف في الدلالة أو السند.

منها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «المرأة التي قد ملكت نفسها ، غير السفيهة ولا المولى عليها ، تزويجها بغير ولي جائز» (٣). فإن المراد بـ «المولّى عليها» هي من لها ولي عن غير النكاح قطعاً ، إذ لو كان المراد به الولاية في النكاح لكان الحمل ضرورياً ولم تكن هناك حاجة إلى بيانه ، فإنّ من لا ولاية عليه في النكاح نكاحه جائز بغير إذن الولي.

إلّا أن المناقشة في الاستدلال بهذه الصحيحة تكاد أن تكون واضحة. فإن الموضوع فيها هي الجارية وهي أعمّ من البكر والثيب ، ومن هنا فلا تكون هذه الصحيحة صريحة في المدعى ومن النصوص الخاصة للمقام ، وإنما هي مطلقة فيكون حالها حال الآيات والنصوص المتقدِّمة ، لا تصلح لمعارضة ما دلّ على اعتبار إذن الولي ، لو تمّت دلالة وسنداً.

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٥.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ١.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إذا كانت المرأة مالكة أمرها ، تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليها. وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليّها» (١).

إلّا أنها مطلقة كالصحيحة المتقدِّمة ، فحالها حالها.

هذا وقد يقال بأنها ضعيفة سنداً ، من جهة جهالة طريق الشيخ إلى علي بن إسماعيل. ولكنّه لا يتم ، فإنّ طريق الصدوق إليه صحيح ، وطريق الشيخ إلى كتب الصدوق ورواياته صحيح ، فيكون طريق الشيخ إليه صحيحاً لا محالة. نعم ، الرواية ضعيفة لعدم توثيق علي بن إبراهيم الميثمي نفسه ، كما تقدّم.

ومنها : رواية سعدان بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها» (٢).

وهي وإن كانت صريحة دلالة ، إلّا أنها ضعيفة ، لكن لا من جهة أن سعدان لم يرد فيه توثيق كما أفاده صاحب الحدائق (قدس سره) (٣) فإنه ممن وقع في إسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم ، وقد عرفت أن المختار هو وثاقة كل من يقع في أسناد هذين الكتابين ، وإنما من جهة أن هذه الرواية قد رويت بطريقين :

الأوّل : ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العباس وهو العباس بن معروف عن سعدان بن مسلم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٤).

الثاني : ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٥).

__________________

(١) تقدّمت في ص ٢٠٣ ه‍ ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٤.

(٣) الحدائق.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٨٠ / ١٥٣٨.

(٥) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١١ ح ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٤ / ١٠٩٥.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحيث إن من المقطوع به أنّ النص رواية واحدة ، وأن سعدان لم يروها للعباس ابن معروف مرة عن الإمام (عليه السلام) مباشرة وأُخرى عن رجل عنه (عليه السلام) ، وكذا الحال بالنسبة إلى العباس بالقياس إلى محمد بن علي بن محبوب ومحمد ابن أحمد بن يحيى ، كانت هذه الرواية غير محرزة السند ، لعدم إحراز كونها مسندة لا مرسلة ، فتسقط عن الحجية لا محالة.

على أننا لو فرضنا تمامية هذه الرواية سنداً ، فهي رواية شاذة لا يمكنها معارضة الأخبار الكثيرة جدّاً بحيث تكاد تبلغ حدّ التواتر ، الدالّة على اعتبار رضا الأب في الجملة استقلالاً أو اشتراكاً للجزم بصدورها ولو بعضاً منهم (عليهم السلام).

ومنها : معتبرة أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «الجارية البكر التي لها الأب لا تتزوج إلّا بإذن أبيها» وقال : «إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى ما شاءت» (١). بدعوى حمل الجملة الأُولى على الصغيرة ، والثانية على البالغة الرشيدة.

إلّا أن في الاستدلال بها ما لا يخفى. فإن الموضوع فيها ليس هو الجارية فقط ومن غير قيد ، وإنما هو الجارية البكر ، وهو مما يكشف عن وجود خصوصيّة للبكارة. ومن هنا فلا يمكن حمل الجملة الأُولى على خصوص الصغيرة ، وحمل الجملة الثانية على البالغة ، لأنه يستلزم إلغاء خصوصيّة البكارة ، باعتبار أن أمر الصبية بيد أبيها سواء أكانت باكراً أم ثيباً.

وعلى هذا الأساس فلا بدّ من حمل الجملة الثانية : إما على فرض موت الأب ، أو تثيب البنت بعد ذلك.

ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «تزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، فإن شاءت جعلت وليّاً» (٢).

وفيها : أنه لو سلمنا صحّة حمل قوله (عليه السلام) : «مالكة لأمرها» على البالغة فدلالتها على المدعى إنما هي بالإطلاق. ومن هنا فيكون حالها حال الأخبار المطلقة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٣ ح ٨.

٢١٢

والتفصيل بين الدّوام والانقطاع باستقلالها في الأوّل دون الثاني (١) والتشريك

______________________________________________________

المتقدِّمة ، إنما يصحّ الاستدلال بها لو لم يثبت مخصّص.

هذه هي الأخبار التي يمكن الاستدلال بها على المدعى ، وقد عرفت أنها جميعاً لا تخلو من الضعف في الدلالة ، أو السند ، أو هما معاً.

نعم ، هي موافقة للكتاب وعمومات السنّة ، حيث قد عرفت أن مقتضاها نفوذ العقد مطلقاً ، وعدم ثبوت سلطنة لأحد على غيره. إلّا أن ذلك لا يكفي في المصير إلى هذا القول ، لو ثبت هناك ما يدلّ على سائر الأقوال.

وقد ظهر لك الحال فيما تقدّم في التعليقة السابقة ، وسنزيد ذلك وضوحاً فيما يأتي إن شاء الله.

(١) تمسكاً بإطلاقات أدلة النكاح المنقطع ، بعد فرض انصراف ما دلّ على اعتبار رضا الأب إلى العقد الدائم.

وفيه ما لا يخفى. فإنّ دعوى الانصراف في غير محلّها ، فإنّ المتعة نوع وقسم من النكاح ، يجري عليها جميع الأحكام الثابتة لعنوان الزواج ، كحرمة الأُم ، أو البنت في فرض الدخول ، وحرمتها هي بالزنا بها وهي ذات البعل ، أو التزوج بها في أثناء العدّة مع الدخول أو العلم بالحال.

على أنه لو سلم ذلك ، ففي المقام معتبرتان تدلّان على اعتبار إذن الأب في خصوص المتعة ، وهما :

أوّلاً : صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) ، قال : «البكر لا تتزوج متعة إلّا بإذن أبيها» (١).

ثانياً : صحيحة أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها» (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١١ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١١ ح ١٢.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا يكون حكم المتعة حكم الزواج الدائم في اعتبار رضا الأب.

نعم ، في خصوص المتعة دلّت روايتان على جوازها من غير إذن الأب فيما إذا اشترطا عدم الدخول ، وهما :

أوّلاً : رواية الحلبي ، قال : سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها ، قال : «لا بأس ما لم يقتضّ ما هناك لتعفّ بذلك» (١).

ثانياً : رواية أبي سعيد القماط عمّن رواه ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سراً من أبويها ، أفعل ذلك؟ قال : «نعم واتق موضع الفرج». قال : قلت : فإن رضيت بذلك؟ قال : «وإن رضيت ، فإنه عار على الأبكار» (٢).

وهاتان الروايتان لو تمتا سنداً فلا محيص عن الالتزام بمضمونهما ، لعدم المعارض لهما ، وبذلك فتكونان مخصصتين لما دل على اعتبار إذن الأب في تزويج البكر.

إلّا أنهما ضعيفتان سنداً ، ولا تصلحان للاعتماد عليهما.

وذلك أما الثانية فلوقوع محمّد بن سنان في الطريق ، مضافاً إلى إرسالها.

وأمّا الاولى فقد ذكرها الشيخ بإسناده عن أبي سعيد. وقد ذكر (قدس سره) في (الفهرست) أن أبا سعيد له كتاب الطّهارة ثمّ ذكر طريقه إليه (٣) غير أنه لم يذكر أنه من هو بالذات. ومن هنا فتكون الرواية ضعيفة من حيث جهالة أبي سعيد ، على أن طريقه (قدس سره) إليه ضعيف بأبي الفضل.

ثمّ لو فرضنا أن المراد بأبي سعيد هو أبو سعيد القماط ، فلم يعلم طريق الشيخ (قدس سره) إليه. وذلك لأن المعروف من أبي سعيد هو خالد بن سعيد القماط ، وهو وإن كان من الثقات إلّا أن الشيخ (قدس سره) لم يذكر طريقه إليه بعنوانه ولعلّه غفلة منه (قدس سره) وإنما ذكر طريقه إلى أبي سعيد وقد عرفت ضعفه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١١ ح ٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١١ ح ٧.

(٣) الفهرست : ١٨٤ رقم ٨٢٣.

٢١٤

بمعنى : اعتبار إذنهما معاً (١). والمسألة مشكلة ، فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستئذان منهما.

______________________________________________________

(١) هذا القول هو المتعيّن في المقام ، لما فيه من الجمع بين النصوص الواردة ولخصوص ظهور قوله (عليه السلام) في معتبرة صفوان : «فإنّ لها في نفسها نصيباً» أو : «فإن لها في نفسها حظاً» فإنهما ظاهران في عدم استقلالها ، وكون بعض الأمر خاصّة لها.

هذا كلّه مضافاً إلى صحيحة زرارة بن أعين ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «لا ينقض النكاح إلّا الأب» (١).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «لا ينقض النكاح إلّا الأب» (٢).

فإنه وبعد الالتفات إلى أنه إنما يكون بالنسبة إلى الأمر المبرم ، وأن المقصود من العقد المبرم في المقام لا يمكن أن يكون العقد الصحيح بالفعل ، لأنه غير قابل للنقض مطلقاً إذ ليس لأحد الخيار في فسخ النكاح الصحيح جزماً وإجماعاً من المسلمين قاطبة ، لا بدّ من الحمل على الإبرام الشأني والصحّة التأهلية ، أي ما يكون صادراً من أهله وواقعاً في محلِّه ، بحيث له قابلية الإتمام والصحّة عند استكمال سائر الشروط المعتبرة.

واستعمال الإبرام في هذا المعنى ثابت في غير هذا المورد أيضاً ، فقد ورد في أبواب الصلاة أن من أجهر في موضع الإخفات ، أو أخفت في موضع الجهر ، فقد نقض صلاته (٣). فإن من الواضح أنه ليس المقصود بذلك هو نقض الصلاة المحكومة بالصحّة بالفعل.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٤ ح ٥.

(٣) انظر الوسائل ٦ : ٧٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، باب ٢٢ ح ٧٣٩٣.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى هذا الأساس تدلّ هاتان المعتبرتان على اشتراك الأمر في التزويج بين البنت وأبيها ، لانحصار موردهما في تزوّج البكر بغير إذن أبيها وذلك لأن الثيب ليس لأبيها نقض عقدها مطلقاً ، وعقد الصبية محكوم بالبطلان وإن إذن الأب فإن العقد محكوم بالصحّة حينئذ ، لأنه صادر من أهله وواقع في محله ، غاية الأمر أن الصحّة هذه شأنية وتأهلية متوقفة على رضا الأب ، فإن رضي به صح بالفعل ، وإلّا انتقضت الصحّة الشأنية أيضاً.

ثمّ إن مما يدلنا على أن المراد بالنقض في هاتين المعتبرتين هو ما يقابل الإبرام الشأني لا الإبرام الحقيقي ، إطلاقهما الشامل للولد والبنت البكر والثيب. إذ لو كان المراد به الثاني ، لكان مقتضاه أنّ للأب أن ينقض كل عقد صحيح وتامّ صادر من ابنه أو بنته البكر والثيب وهو مقطوع البطلان ، ولا موجب لحملهما على خصوص البكر إذ لا قرينة تساعد عليه. وهذا بخلاف ما لو كان المراد به الأوّل ، فإنهما حينئذ تختصان بالبكر ولا تعمّان الولد والثيب ، لكون عقدهما محكوماً بالصحّة والإبرام الفعليين.

والحاصل أن الصحيح في الاستدلال على الاشتراك ، هو التمسك بهاتين الصحيحتين المتضمنتين لحقّ الأب في نقض العقد وموثقة صفوان.

وأما صحيحة منصور بن حازم فلا تصلح للاستدلال بها على المدعى ، لكونها مطلقة فتقيد بقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «يستأمرها كل أحد عدا الأب».

ثمّ إن المعروف والمشهور بينهم عدم اختصاص الولاية على البنت الباكر بالأب وثبوتها للجد أيضاً ، وعلى هذا الأساس حكموا بصحّة عقدها لو أذن الجد في ذلك غير أن بعضهم ذهب إلى اختصاصها بالأب فقط وعدم ثبوتها للجد.

وكأن الوجه في ذلك عدم ورود ذكر للجدّ في شي‌ء من روايات المقام على اختلاف ألسنتها ، عدا ما ورد في نسخة من التهذيب من إضافته إلى ذيل قوله (عليه السلام) : «لا ينقض النكاح إلّا الأب» في صحيحة زرارة بن أعين المتقدِّمة ، إلّا أنها نسخة لم تثبت.

لكن الظاهر أن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور ، إذ لا يبعد دعوى أن المراد

٢١٦

ولو تزوّجت من دون إذن الأب ، أو زوّجها الأب من دون إذنها ، وجب (١) أما إجازة الآخر ، أو الفراق بالطلاق.

______________________________________________________

بالأب ما يعم الأب بلا واسطة والأب مع الواسطة.

والذي يدلّنا على ذلك جملة من الروايات المعتبرة الدالة على ثبوت الولاية للجد في كل مورد ثبتت للأب ، معللاً ذلك بأن فعل الجد نافذ على الأب ، وبذلك تكون حاكمة على أدلة اعتبار إذن الأب في نكاح البكر ، وهي كثيرة :

منها : معتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه» قال : «ولابنه أيضاً أن يزوّجها ، فإن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً ، فالجدّ أولى بنكاحها» (١). فإنها وبإطلاقها تشمل الصغيرة والكبيرة البكر.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي أن يزوج أحدهما وهوى أبوه الآخر ، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال : «الذي هوى الجد أحق بالجارية ، لأنّها وأباها للجدّ» (٢).

ومنها : معتبرة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إن الجد إذا زوّج ابنة ابنه ، وكان أبوها حياً وكان الجد مرضياً ، جاز» (٣). ومقتضى إطلاقها وإن كان الجواز على الإطلاق ، إلّا أنها وبقرينة الروايات السابقة تحمل على الجواز على الأب خاصة. وهي بإطلاقها تعمّ الصغيرة والكبيرة البكر.

(١) احتياطاً ، فراراً من الوقوع في الحرام.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١١ ح ٤.

٢١٧

نعم ، إذا عضلها الولي ، أي منعها من التزويج بالكف‌ء ، سقط اعتبار إذنه (١).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد.

وقد يستدلّ له بقوله تعالى (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (١).

إلّا أن فساده أوضح من أن يخفى ، فإنّ الموضوع في هذه الآية الكريمة إنما هو المطلّقات المدخول بهنّ ، كما يشهد لذلك قوله تعالى في صدرها (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ).

ومن هنا فتكون الآية الكريمة أجنبية عن محلّ كلامنا بالكلية ، فإن موضوعها عدم جواز منع المطلقة المدخول بها من التزوج بغير زوجها الأوّل ، أو الرجوع إليه بعد العدّة ، وأين هذا من عدم ثبوت الولاية للأب على ابنته البكر في فرض عضلها ومنعها من التزويج بالكف‌ء! فالصحيح في الاستدلال هو التمسّك :

أوّلاً : بمناسبات الحكم والموضوع ، فإنّ المستفاد من جملة من النصوص أن ولاية الأب ثابتة لها لا عليها ، ومن الواضح أن هذا إنما يقتضي النظر في أمرها ومراعاة مصلحتها في كل ما يقوم به لها.

ثانياً : ما ورد في المرأة إذا طلقها زوجها طلاقاً صحيحاً على وفق مذهبه وباطلاً عندها كتطليقها ثلاثاً من جواز تزوّج الغير لها ، معللاً ذلك بأنها لا تبقى معطلة ولا تترك بلا زوج (٢) حيث يعلم من هذا التعليل عدم ثبوت الولاية للأب ، بمعنى منعها من التزويج بالمرّة ، باعتبار أن المرأة لا تبقى معطلة ولا تترك بلا زوج.

ثالثاً : صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لرجل : «أنت ومالك لأبيك» ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) :

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٣٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدماته وشروطه ، ب ٣٠ ح ٣ ، ٤.

٢١٨

وأمّا إذا منعها من التزويج بغير الكف‌ء شرعاً (١) فلا يكون عضلاً (٢). بل وكذا لو منعها من التزويج بغير الكف‌ء عرفاً (٣) ممن في تزويجه غضاضة وعار عليهم كان كفأً شرعياً. وكذا لو منعها من التزويج بكف‌ء معين مع وجود كف‌ء آخر (٤).

______________________________________________________

ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه ، إنّ (اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)» (١). فإن تحديد ولاية الأب إذا ثبت في المال ، ثبت في العرض بطريق أولى فلا يكون للأب منعها عن التزويج بالمرة ، لأنه فيه الفساد (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ).

رابعاً : دليل نفي الحرج إذا فرضنا أن في بقائها كذلك حرجاً ، فإن هذا الدليل يرفع في هذه الحالة اعتبار إذن الأب والجد على نحو الاستقلال أو الاشتراك.

وتقريب ذلك : أن المستفاد من إطلاقات الآيات الكريمة والنصوص الشريفة ، أن أمر الزواج إنما هو بيد المرأة نفسها ومن دون أن يكون للأب أو الجد دخل فيه ، وقد رفعنا اليد عن ذلك لما دلّ على اعتبار رضاهما ، فإنّ هذه النصوص تقيد تلك الإطلاقات لا محالة ، لكن هذه النصوص لما كانت هي نفسها مقيدة بغير فرض الحرج لدليل نفي الحرج ، كان المقيد للمطلقات هو خصوص ما لم يكن اعتبار إذنه حرجياً.

(١) والمراد به هو من ورد النهي عن التزويج بهم ولو بنحو الكراهة ، كشارب الخمر ، وتارك الصلاة والمتجاهر بالفسق. وليس المراد به من يفقد الكفاءة المعتبرة شرعاً في صحّة النكاح ، كالإسلام إذا كانت المرأة مسلمة ، إذ إنها لا بدّ منها وبدونها يحكم ببطلان العقد ، سواء أذن الأب أم لم يأذن ، كانت البنت بكراً أم ثيباً.

وليس هذا الفرض محلّاً للخلاف ، من حيث كونه عضلاً وعدمه ، وسقوط ولاية الأب والجد وعدمه.

(٢) لشمول أدلة الولاية بإطلاقها لهذا الفرض أيضاً.

(٣) لإطلاقات أدلة اعتبار إذن الأب وولايته ، وعدم ما يقتضي الخلاف.

(٤) لشمول إطلاقات أدلة اعتبار إذنه لهذه الصورة أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٨ ح ٢.

٢١٩

وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لا يمكن الاستئذان منه ، مع حاجتها إلى التزويج (١).

[٣٨٦٥] مسألة ٢ : إذا ذهبت بكارتها (*) بغير الوطء من وثبة ونحوها فحكمها حكم البكر (٢).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه. ويقتضيه ما دلّ على سقوط ولاية الأب عند العضل ، فإنه بحكمه.

(٢) محتملات المراد بالبكارة ثلاثة :

الأوّل : من لم تذهب عذرتها.

الثاني : من لم تتزوّج.

الثالث : من لم يدخل بها.

والروايات الواردة في المقام على كثرتها لم تتعرّض إلى معنى البكر والثيب بهذين العنوانين ، والذي يظهر من اللغة ويساعد عليه العرف أنّ البكر هي التي لم يدخل بها ، وهو المستفاد من قوله تعالى (إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) (١) بضميمة قوله تعالى (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (٢).

فإنّ من الواضح أن الآية الثانية ناظرة للأُولى ، وبصدد تفسير ما ورد فيها من وصف حور الجنة بالأبكار ، كما يظهر ذلك جلياً من الآيات المتقدِّمة والمتأخرة عن الآيتين المذكورتين.

هذا كلّه مضافاً إلى صراحة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل ، هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها؟

__________________

(*) يعني عذرتها ، وإلّا فالبكارة لا تزول بغير الوطء.

(١) سورة الواقعة ٥٦ : ٣٥ ٣٦.

(٢) سورة الرحمن ٥٥ : ٥٦.

٢٢٠