موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

النفقة (*) على الزوج ، ولا المهر المسمّى (١) بل ولا مهر المثل إذا دخل بها ، لأنها بغية بمقتضى إقرارها ، إلّا أن تظهر عذراً في ذلك. وتردّ على المدعي بعد موت الزوج أو طلاقه إلى غير ذلك.

[٣٨٥٨] الرابعة : إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل يجوز لها أن تتزوّج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأوّل ، وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها أوْ لا إلّا بعد فراغها من المدعي؟

______________________________________________________

المحكومة بالصحّة ظاهراً.

(١) إن كان المراد بذلك أنه ليس للمرأة مطالبة الزوج بالمهر والنفقة ، فهو صحيح ولا بأس به. وأما إذا كان المراد به عدم ثبوت المهر والنفقة واقعاً ، بحيث يكون للزوج الامتناع عن إعطائها ذلك كما هو ظاهر عبارته (قدس سره) ، فهو في غاية الإشكال ولا يمكن المساعدة عليه بوجه.

والسر فيه أن الزوج حينئذ يعلم إجمالاً بحرمة الوطء أو وجوب دفع النفقة والمهر ، وهو يمنع من وطئها من دون المهر والنفقة ، لاستلزامه المخالفة القطعية والقطع بارتكابه المحرم ، ومن هنا فلا يجوز له وطؤها إلّا بدفع المهر والنفقة.

نعم ، لا أثر لهذا العلم الإجمالي من جهة بطلان العقد وعدم جواز وطئه لها ، إذ المفروض أن العقد محكوم بالصحّة ظاهراً ، فيجوز له وطؤها ، غاية الأمر أنه ملزم بدفع المهر والنفقة إليها وإن لم يكن لها هي المطالبة بهما.

والحاصل أن المرأة حينئذ إنما لا تستحق المطالبة بهما ، وإلّا فالزوج ملزم بتسليمها إليها ، فراراً من المخالفة القطعية للمعلوم إجمالاً.

__________________

(*) لعلّه يريد بذلك أنها لا تستحق مطالبة النفقة والمهر لاعترافها بأنها بغية ، وأما الزوج فيجب عليه النفقة والمهر ، فإن الحكم بجواز الوطء مع عدم وجوب النفقة والمهر مخالف للتكليف المعلوم إجمالاً ، لكن قيام الحجّة على صحّة العقد يوجب انحلال العلم ، فإذا صحّ العقد وجبت النفقة والمهر لا محالة.

١٨١

وجهان : من أنها قبل ثبوت دعوى المدعي خلية ومسلطة على نفسها. ومن تعلق حق المدعي بها ، وكونها في معرض ثبوت زوجيتها للمدعي. مع أن ذلك تفويت حق المدعي إذا ردّت الحلف عليه وحلف ، فإنه ليس حجة على غيرها (١) وهو الزوج. ويحتمل التفصيل (٢) بين ما إذا طالت الدعوى فيجوز ، للضرر عليها بمنعها حينئذ ، وبين غير هذه الصورة. والأظهر الوجه الأوّل (٣).

وحينئذ فإنْ أقام المدعي بيِّنة وحكم له بها ، كشف عن فساد العقد عليها.

______________________________________________________

(١) لكونه إقراراً في حق الغير فلا يسمع ، فإن اليمين المردودة إنما تؤثر بالنسبة إلى المنكر خاصة ، ولا تزاحم حق الغير.

(٢) الظاهر أن مفروض كلامهم فيما إذا لم يكن الرجل مماطلاً وممتنعاً من القضاء بحيث تطول الدعوى ، وإلّا فلا ينبغي الشك في الجواز ، فإن المرأة لا تبقى معطلة وبلا زوج على ما دلّت عليه النصوص.

(٣) لبطلان الوجوه التي استدلّ بها على المنع. فإنّ مانعية الوجه الأوّل والثاني مصادرة على المدّعى ، فإنها أوّل الكلام وعين محل النزاع. والوجه الثالث لم يظهر له معنى محصل ، فإنّ دعوى المدعي لا تسقط بالتزويج جزماً ، بل له الترافع إلى الحاكم حتى بعد تزويجها من غيره.

نعم ، تزوّجها من غيره يوجب عجزه عن إثبات مدعاه فيما إذا لم تكن له بيّنة ، لأنه حينئذ ليس له إحلافها على ما اخترناه ، باعتبار أن توجّه اليمين فرع قبول الإقرار فإذا لم يكن إقرارها مسموعاً لم يكن معنى لتوجه اليمين إليها. وكذا بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من توجه اليمين إليها ، فإنها إن حلفت انفسخت دعواه ، وإن نكلت وردت اليمين إليه فحلف لم يقتض ذلك بطلان الزوجية الثابتة ظاهراً ، لأنه من قبيل الإقرار من حق الغير.

إلّا أن ذلك لا محذور فيه ، لعدم الدليل على عدم جواز تعجيز المدعي عن إثبات دعواه ، وكون الدعوى مانعاً من تصرف المكلف في ماله أو نفسه.

١٨٢

وإن لم يكن له بيّنة وحلفت ، بقيت على زوجيتها (*). وإن ردت اليمين على المدعى وحلف ، ففيه وجهان (١) : من كشف كونها زوجة للمدعي فيبطل العقد عليها. ومن أن اليمين المردودة لا يكون مسقطاً لحق الغير وهو الزوج. وهذا هو الأوجه فيثمر فيما إذا طلّقها الزوج أو مات عنها ، فإنها حينئذ تردّ على المدعي. والمسألة سيالة تجري في دعوى الأملاك وغيره أيضاً (٢) ، والله أعلم.

______________________________________________________

ومن هنا فالظاهر أنه لا مانع من تزوّجها من غيره وتزوّج الغير منها ، نظراً إلى حجية قولها في كونها خلية كما دلّت عليه جملة من النصوص ، فيصح وإن أوجب ذلك عجز المدعي عن إثبات مدعاه باليمين المردودة.

(١) قد عرفت فيما تقدّم أنه لا وجه لتوجه اليمين عليها ، كما لا أثر لحلف المدعي بعد ردّها اليمين عليه.

(٢) إلّا أن بين الزوجية وغيرها فرقاً واضحاً. فإن في غير الزوجية يمكن للمدعي عند عدم البيّنة إثبات دعواه باليمين المردودة ، وهذا بخلاف الحال في الزوجية ، حيث قد عرفت أنه لا مجال لإثباتها بها.

ومن هنا فلو فرضنا أن من بيده الدار مثلاً قد باعه ، حكم بصحته لقاعدة اليد.

إلّا أن ذلك لا يوجب سقوط دعوى المدّعى ، بل له الترافع لدى الحاكم. وحينئذ فإنّ أقام بيّنة على مدعاه حكم ببطلان البيع ، لظهور عدم كون البائع مالكاً ، وإلّا كان له إحلاف المنكر البائع فإن حلف سقطت دعواه وإلّا كان له ردّ اليمين على المدعي ، فإن حلف كان أثره تغريم البائع قيمة الدار لإتلافه عليه فيكون ضامناً له دون شخص العين المبيعة إذ لا أثر لاعترافه بالنسبة إليها ، لكونه من الاعتراف في حق الغير المشتري.

__________________

(١) تقدّم أنّ الحلف لا يتوجّه على الزوجة بعد التزويج كما هو المفروض هنا حيث لا موضوع لحلفها ، فإنّ موضوعه إنما هو فيما إذا كان لاعترافها أثر ولا أثر له في المقام ، وبذلك يظهر حال اليمين المردودة.

١٨٣

[٣٨٥٩] الخامسة : إذا ادعى رجل زوجية امرأة فأنكرت ، وادعت زوجيته امرأة أُخرى ، لا يصحّ شرعاً زوجيتها لذلك الرجل مع الامرأة الأُولى ، كما إذا كانت أُخت الأُولى أو أُمها أو بنتها.

فهناك دعويان ، إحداهما : من الرجل على الامرأة ، والثانية : من الامرأة الأُخرى على ذلك الرجل. وحينئذ فإما أن لا يكون هناك بيّنة لواحد من المدعيين ، أو يكون لأحدهما دون الآخر ، أو لكليهما.

فعلى الأوّل يتوجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فإن حلفا سقطت الدعويان (١). وكذا إن نكلا ، وحلف كل من المدعيين اليمين المردودة (٢). وإن حلف

______________________________________________________

وهذا بخلاف الزوجية ، حيث لا أثر لاعتراف المنكر المرأة بالنسبة إلى الزوجية الفعلية ، سواء أكان الاعتراف صريحاً أم من جهة ردّها اليمين على المدّعى ، لكونه اعترافاً في حق الغير فلا يسمع.

نعم ، ذكر أن أثره يظهر فيما لو مات الزوج الظاهري أو طلقها حيث ترجع إلى المدعي ، إلّا أن ذلك مسألة أُخرى غير ما نحن فيه. بخلاف الأموال ، حيث يُسمع فيها إقرار المنكر ، وفي حكمه حلف المدعي عند رده عليه ، لكن لا أثر له بالنسبة إلى العين المنتقلة إلى الغير ، وإنما يثبت له بذلك المثل أو القيمة.

(١) على ما تقتضيه قواعد القضاء.

(٢) وذلك لأنه لو نكل الرجل عن أداء اليمين وردّها إلى المدعي المرأة التي ادعت زوجيتها له فحلف ، ونكلت المرأة الأُولى التي ادعى الرجل زوجيتها عن أداء اليمين وردّتها إلى المدعي الرجل فحلف ، كان مقتضى القاعدة ثبوت مدعى كلّ من المدعيين.

لكن في خصوص المقام لما لم يمكن الجمع بينهما ، لاستلزامه الجمع بين الأُختين أو الأُم والبنت وهو ممنوع ، ولم يكن مرجح لإحدى الزوجتين على الأُخرى ، تعيّن تساقطهما لا محالة.

١٨٤

أحدهما ، ونكل الآخر وحلف مدعية اليمين المردودة ، سقطت دعوى الأوّل وثبت مدعى الثاني (١).

______________________________________________________

فإن قلت : إنّ حلف المدعي الأوّل اليمين المردودة عليه ، يمنع من ردّ المنكر الثاني اليمين على المدعي الآخر. فإن الرجل مثلاً بعد أدائه لليمين المردودة من المرأة التي يدعي هو زوجيتها ، لم يكن له ردّ اليمين المتوجه إليها نتيجة لإنكاره دعوى المرأة الثانية التي تدعى هي زوجيتها له ، وذلك لأنه لا أثر لهذه اليمين المردودة غير تساقط الدعويين ، ومن الواضح أنه لا معنى للحلف من أجل تساقط الدعويين.

وعلى هذا فلا تصل النوبة في المقام إلى التساقط ، بل تثبت الدعوى الأُولى خاصة وهي ما يدعيه الرجل في المثال دون الثانية.

قلت : إن هذه الدعوى من البعد بمكان ، فإن نسبة الأدلّة الدالّة على أنّ للمدعي في فرض عدم البينة إحلافَ المنكر ، وله ردّ اليمين عليه إليهما سواء ، وشمولها لكلتا الدعويين على حدّ واحد ، ومجرّد تقدّم إحداهما زماناً لا يوجب سقوط الحكم بالنسبة إلى الدعوى المتأخرة ، بل الحكم ثابت لها حتى وإن كانت نتيجة ذلك هو التساقط ، فإنّ كلّاً من الدعويين مورد للحكم ومشمول للدليل. لكن حيث لا يمكن الجمع بينهما ، ولا ترجيح إحداهما على الأُخرى ، تعين الالتزام بتساقطهما.

ونظير المقام ما لو ادعى اثنان مالاً في يد ثالث. فإنّ إقامة أحدهما البيّنة قبل الآخر لا يوجب سقوط دعواه ولا يمنعه من إقامة البيّنة ، وليس ذلك إلّا لكون حجية البينة بالنسبة إليهما على حد سواء ، فلا وجه لأن يقال بتقديم الدعوى الاولى على الثانية ، لأنه بلا مرجح إذ لا أثر لمجرّد السبق الزماني ، بل تسمعان معاً وتتعارضان ونتيجة لذلك تتساقطان لا محالة.

والحاصل أن ما أفاده الماتن (قدس سره) في المقام من التساقط هو الصحيح.

(١) على ما تقتضيه قواعد القضاء. فإن دعوى الأوّل تسقط نتيجة لعدم البينة كما هو المفروض وأداء المنكر اليمين على خلافها ، ودعوى الثاني تثبت نتيجة لأداء المدعي اليمين المردودة عليه من قبل المنكر.

١٨٥

وعلى الثاني وهو ما إذا كان لأحدهما بينة يثبت مدعى من له البيّنة. وهل تسقط دعوى الآخر ، أو يجري عليه قواعد الدعوى من حلف المنكر أو ردّه؟ قد يدعى القطع بالثاني ، لأنّ كل دعوى لا بدّ فيها من البيّنة أو الحلف. ولكن لا يبعد تقوية الوجه الأوّل ، لأنّ البيّنة حجّة شرعية ، وإذا ثبت بها زوجية إحدى الامرأتين لا يمكن معه زوجية الأُخرى ، لأن المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين ، فلازم ثبوت زوجية إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجية الأُخرى (١).

وعلى الثالث فإما أن يكون البينتان مطلقتين ، أو مؤرختين متقارنتين ، أو تاريخ أحدهما أسبق من الأُخرى.

فعلى الأوّلين تتساقطان ، ويكون كما لو لم يكن بينة أصلا (٢).

______________________________________________________

(١) والأمارات الشرعية حجة في لوازمها ، سواء أكان الشاهد والمخبر ملتفتاً إلى الملازمة أم لم يكن.

هذا وقد يقال : إن حجية البيّنة بالنسبة إلى الدعوى الثانية مبنية على الالتزام بحجية البيّنة من المنكر أيضاً ، كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب واستظهرناه في محله ، باعتبار أن قولهم (عليهم السلام) : «واليمين على المدعى عليه» لا يعني عدم قبول البيّنة منه ، بل إنما يعني أنه ليس مطالباً بها كالمدعي ، وإنما هو مطالب باليمين خاصّة ، وإلّا فلو أقام هو البيّنة باختياره فهي مسموعة لإطلاقات أدلّة حجيتها. وأما بناءً على عدم قبولها منه كما عليه المشهور ، فلا مجال لقبولها بالنسبة إليها ، بل لا بدّ من الرجوع إلى يمين المنكر ، أو اليمين المردودة منه على المدعي.

وفيه : أنّ المقام ليس من مصاديق النزاع المتقدم. فإن البيِّنة هذه ليست بيِّنة للمنكر كي يبحث في حجيتها وعدمها ، وإنما هي بينة خارجية قامت على عدم مشروعية زوجية المرأة الثانية له ، فلا تسمع دعواها من هذه الجهة ، سواء أقلنا بحجية بيّنة المنكر أم لم نقل.

(٢) لعدم إمكان الجمع بينهما ، لتعارضهما وتكاذبهما ، وعدم وجود مرجح لإحداهما على الأُخرى.

١٨٦

وعلى الثالث ترجّح الأسبق (١) إذا كانت تشهد بالزوجية من ذلك التاريخ إلى زمان الثانية. وإن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية فكذلك إذا كانت الامرأتان الام والبنت مع تقدّم تاريخ البنت ، بخلاف الأُختين والأُم والبنت مع تقدّم تاريخ الام ، لإمكان صحّة العقدين ، بأن طلق الاولى وعقد على الثانية في الأُختين

______________________________________________________

(١) والذي ينبغي أن يقال في المقام : إن البيّنتين قد تشهدان بالعقد المجرّد خاصة من دون تعرض لاستمرار الزوجية وعدمه. وقد تشهدان بالزوجية الفعلية ، بأن تشهد الاولى بالزوجية حدوثاً واستمراراً ، وتشهد الثانية بها فعلاً.

ففي الفرض الأوّل حيث لا تعارض بينهما لإمكان صدقهما معاً ، بأن يكون الرجل قد تزوّج من إحدى الأُختين أوّلاً ثمّ طلقها وتزوّج من الثانية ، فلا محالة تترجح الثانية لأصالة الصحّة من دون معارض لها ، وبذلك فيترتب على تلك المرأة جميع آثار الزوجية ، كما هو واضح.

إلّا أن هذا إنما يتمّ في غير الام والبنت إذا كان عقد البنت هو الأسبق بحسب البيّنة. وأما في هذا الفرض فيحكم بفساد العقد الثاني ، نظراً لخروج المرأة الثانية الأُم عن قابليتها للزوجية لذلك الرجل بمجرد العقد على المرأة الأُولى البنت فتترجح البيّنة الأولى ، بل لا أثر للبينة الثانية ، باعتبار أن العقد الثاني قد وقع على المرأة المحرمة أبداً.

وفي الفرض الثاني تسقط البينتان بالنسبة إلى الزوجية الفعلية ، نظراً لتعارضهما وتكاذبهما وعدم إمكان الجمع بينهما. وأما بالنسبة إلى الزمان السابق ، فحيث إنه لا تنافي ولا تكاذب بينهما ، حيث إن إحداهما تشهد بالزوجية في ذلك الزمان خاصة دون الأُخرى ، يتعين العمل بمقتضاها ، فتثبت زوجية تلك الأُخت في ذلك الزمان. وعليه فعند الشك في بقائها واستمرارها إلى الزمان الحالي ، يستصحب بقاؤها لا محالة ، وبه تثبت زوجية تلك الأُخت دون الثانية.

والحاصل أن زوجية إحدى الأُختين وإن ثبتت في المقام ، إلّا أن ذلك ليس من أجل ترجح بيّنتها على بيّنة الأُخرى ، لما قد عرفت من سقوطهما بالتعارض بالنسبة

١٨٧

وطلّق الام مع عدم الدخول بها. وحينئذ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان (*).

______________________________________________________

إلى الزمان الفعلي ، وإنما هو من جهة ثبوت زوجية تلك المرأة في الزمان السابق بالبينة من غير معارض ، ومن ثمّ استصحابها إلى زمان الشك.

لكن هذا أيضاً إنما يتم في غير الام والبنت مع كون عقد البنت هو السابق. وأما فيه فلا ، نظراً لمعارضة البينة الثانية للأُولى حدوثاً وبقاءً ، فإنه كما لا يمكن الجمع بين الزوجية الفعلية للأُم مع الزوجية الفعلية للبنت ، لا يمكن الجمع بين زوجية الام فعلاً وزوجية البنت سابقاً.

ومن هنا تكون بيّنة زوجية الام فعلاً معارضة لبينة زوجية البنت فعلاً وفي السابق أيضاً ، لعدم إمكان اجتماعهما ، فينتهي الأمر إلى التساقط لا محالة. وبذلك يكون حكم هذه الصورة حكم الصورة الاولى من المسألة ، أعني عدم وجود البيّنة لكلتا

__________________

(*) تارة يفرض شهادة البيِّنتين على العقد وأخرى يفرض شهادتهما على الزوجية ، فعلى الأوّل لا تنافي بينهما إلّا في الأُم والبنت وكان تاريخ عقد البنت مقدّماً على تاريخ عقد الأُم ، وفي مثله تتقدّم البيِّنة الأُولى على البيِّنة الثانية لأنها ترفع موضوعها ، وأما في غير الأُم والبنت كما في الأختين أو فيهما إذا كان تاريخ عقد الأُم متقدِّماً على عقد البنت ، فعندئذ لا تنافي بين البيِّنتين لإمكان صحّة كلا العقدين معاً إذ من المحتمل أن يطلِّق الأُولى ويتزوّج بالأُخرى ، وعليه فيؤخذ على طبق البيِّنة الثانية فيحكم بصحّة العقد على المرأة الأُخرى لأصالة الصحّة ، وعلى الثاني فإن كانت البيِّنة الأُولى قائمة على زوجية المرأة الأُولى فعلاً فعندئذ تسقط من جهة المعارضة مع البيِّنة الثانية التي تدلّ على زوجيّة المرأة الأُخرى ، فيكون المرجع في المسألة هو استصحاب بقاء زوجيّة الأُولى إلّا فيما كانت المعارضة بينهما في الأُم والبنت وكانت زوجيّة البنت متقدِّمة على زوجية الأُم ، فإنّه حينئذ كما أنّ البيِّنة الثانية تعارض البيِّنة الأُولى في البقاء كذلك تعارضها في الحدوث ، وعليه فبعد سقوطهما لا يمكن الرجوع إلى استصحاب بقاء زوجية الأُولى ، وأمّا الرواية الواردة في المسألة فهي ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها ، وبذلك يظهر ما في قول الماتن قبل أسطر : «ترجّح الأسبق إذا كانت تشهد ... إلخ» ، وإن كانت البيِّنة الأُولى قائمة على زوجيّة المرأة الأُولى فحسب من دون دلالتها على أنها زوجته فعلاً فعندئذ حال هذا الفرض حال الفرض الأوّل.

١٨٨

هذا ولكن وردت رواية (١) تدلّ على تقديم بيِّنة الرجل ، إلّا مع سبق بيِّنة الامرأة المدعية أو الدخول بها في الأُختين ، وقد عمل بها المشهور في خصوص الأُختين ، ومنهم من تعدى إلى الأُم والبنت أيضاً. ولكن العمل بها حتى في موردها مشكل ، لمخالفتها للقواعد ، وإمكان حملها على بعض المحامل التي لا تخالف القواعد.

______________________________________________________

الدعويين.

ومثله في الحكم ما لو شهدت البينة الأُولى بحدوث الزوجية للبنت في السابق وشهدت البينة الثانية بالزوجية الفعلية للُام ، وذلك لعدم إمكان الجمع بينهما كما عرفت ، فينتهي الأمر إلى التساقط لا محالة.

نعم ، في غير هذه الصورة أعني الأُم والبنت مع سبق عقد الثانية من فروض شهادة إحدى البيّنتين بالحدوث خاصة وشهادة الأُخرى بالزوجية الفعلية ، تترجح البيّنة الثانية لا محالة ، لعدم المعارضة والمنافاة بينهما فيحكم بثبوت الزوجية الفعلية التي شهدت البينة لها بذلك. ولا يعارضه استصحاب زوجية الأُولى بعد ثبوتها بالبينة في السابق ، لسقوط الاستصحاب بالبينة الدالّة على ثبوت الزوجية الفعلية للثانية.

ومما ذكرنا كله يتضح الحال في الفروع التي ذكرها الماتن (قدس سره) بعد هذا.

(١) وهي ما رواها محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، عن عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، في رجل ادعى على امرأته أنه تزوّجها بولي وشهود وأنكرت المرأة ذلك ، فأقامت أُخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه تزوّجها بولي وشهود ولم يوقتا وقتاً ، فكتب : «إن البيّنة بيّنة الرجل ، ولا تقبل بيّنة المرأة ، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة ، وتريد أُختها فساد النكاح ، فلا تصدق ولا تقبل بيّنتها إلّا بوقت قبل وقتها أو بدخول بها» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٢٢ ح ١.

١٨٩

[٣٨٦٠] السادسة : إذا تزوّج العبد بمملوكة ثمّ اشتراها بإذن المولى ، فإن اشتراها للمولى بقي نكاحها (*) على حاله (١).

______________________________________________________

وقد رواها الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن محمّد ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود ، عن عبد الوهاب بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (١).

إلّا أن هذه الرواية بطريقيها ضعيفة سنداً. فإنّ علي بن محمّد القاساني ممّن ضعّفه الشيخ (قدس سره) ، ومحمّد بن القاسم مشترك بين الثقة والضعيف ، وعيسى بن يونس لم يوثق ، والأوزاعي والزهري ضعيفان ، وعبد الوهاب بن عبد الحميد لم يرد فيه توثيق.

ومن هنا فمثل هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها بوجه ، لكن لا من جهة مخالفتها للقاعدة حيث إنها ليست من الأحكام العقلية كي لا تقبل التخصيص ، وإنما من جهة ضعفها سنداً.

ودعوى انجبارها بعمل المشهور ، فقد عرفت عدم تماميتها كبرى غير مرّة.

هذا مضافاً إلى اختصاص الرواية بالأُختين ، فلا مجال للتعدي عنها بعد كونها مخالفة للقاعدة.

(١) هذا الحكم ذكره غير واحد ، منهم المحقِّق (قدس سره) في الشرائع (٢). ولم يذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في شرحه خلافاً من أحد ، وعلل ذلك بالأصل (٣). وأرسله بعضهم إرسال المسلمات.

__________________

(*) تقدّم أنّ بيع الأمة طلاقها وعلى هذا فيثبت الخيار للمولى على أساس أنه المشتري لها فإن أجاز بقي النكاح ، وإلّا انفسخ ، وعليه فلا يجوز للعبد وطؤها إلّا بإجازة المولى.

(١) الوسائل ، ج ٢٧ كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، ب ١٢ ح ١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣٦ / ٥٨١.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٣٢٤.

(٣) الجواهر ٢٩ : ١٦٨.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أن في ذلك إشكالاً ، بل منعاً. وذلك لما أجمعوا عليه بغير خلاف بينهم في باب الطوارئ ، من أن بيع الأمة بمنزلة الطلاق بل هو طلاق لها على ما دلّت عليه جملة من النصوص المعتبرة ، من دون أن يستثني منه هذه الصورة أعني شراء العبد زوجته لمولاه فإن معه كيف يمكن أن يقال بقي على نكاحها! بل لا بدّ أن يقال إنّ مولاها الجديد بالخيار ، فإن أجاز فهو ، وإلّا انفسخ لا محالة.

والحاصل ان ما أفاده (قدس سره) في المقام بل نسب ذلك إلى الأصحاب ، لا يجتمع مع ما ذكر في باب الطوارئ ولا يمكن المساعدة عليه.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) بعد أن اختار في هذه المسألة بقاء النكاح على حاله (١) ذكر في مسألة ما لو بيعت الأمة المزوجة ما ملخصه ، أن فيها وجهين : بطلان النكاح ، لكون بيعها طلاقاً لها حقيقة ، فيحصل الفراق بينها وبين الزوج ، غاية الأمر أن للمشتري إرجاع الزوجية فيكون نظير رجوع الزوج بزوجته المطلقة في أثناء العدّة ، بناءً على مسلك المشهور من أنه إرجاع للزوجية بعد ارتفاعها. وبقاء النكاح ، مع ثبوت حق الفصل بينهما للمشتري.

ثمّ ذكر (قدس سره) أن الوجه الأوّل هو الأقوى إن لم يثبت إجماع على خلافه باعتبار أنه هو الذي تقتضيه النصوص المعتبرة الدالة على أن صفقتها طلاقها (٢).

بل حسنة حسن بن زياد ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية يطأها فلبغه أن لها زوجاً ، قال : «يطأها ، فإن بيعها طلاقها ، وذلك أنهما لا يقدران على شي‌ء من أمرهما إذا بيعا» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : «طلاق الأمة بيعها أو بيع زوجها» وقال في الرجل يزوج أمته رجلا حراً ثمّ يبيعها ، قال : «هو فراق بينهما ، إلّا أن يشاء المشتري أن يدعهما» (٤) كالصريحتين في المدعى.

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ١٦٨.

(٢) الجواهر ٣٠ : ٢٦٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٧ ح ٢.

(٤) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٧ ح ١.

١٩١

ولا إشكال في جواز وطئها (١). وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها (٢) وحلّت له بالملك ، على الأقوى من ملكية العبد.

______________________________________________________

أقول : إن ما أفاده (قدس سره) وإن كان مناقضاً لما أفاده أوّلاً ، إلّا أنه هو الصحيح ، حيث لم يثبت إجماع على الخلاف.

ثمّ كان عليه (قدس سره) التنبيه على رواية معتبرة معارضة لما تقدّم من النصوص ، حيث تدلّ بالصراحة على الوجه الثاني ، وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل تحته مملوكة بين رجلين فقال أحدهما : قد بدا لي أن أنزع جاريتي منك وأبيع نصيبي فباعه ، فقال المشتري : أُريد أن أقبض جاريتي ، هل تحرم على الزوج؟ قال : «إذا اشتراها غير الذي كان أنكحها إياه فإن الطلاق بيده ، إن شاء فرّق بينهما ، وإن شاء تركها معه ، فهي حلال لزوجها ، وهما على نكاحهما حتى ينزعها المشتري» الحديث (١).

وهذه الرواية وإن كانت صحيحة سنداً وواضحة دلالة ، إلّا أنها لما كانت معارضة للنصوص الصحيحة الصريحة والمستفيضة ، فلا بدّ من رد علمها إلى أهله ، حيث لا يمكن حمل هذه على محمل آخر لصراحتها ، ولا رفع اليد عن تلك الروايات لصحّة سندها واستفاضتها.

(١) يظهر الحال فيه مما تقدّم.

(٢) بلا خلاف فيه بينهم.

إلّا أنّ المستند فيه ليس هو عدم اجتماع الزوجية والملكية المستفاد من الآية الكريمة والنصوص المعتبرة على ما ذكر في بعض الكلمات ، كي يرد عليه بأن استحالة الجمع لا تقتضي حدوث الملك وزوال الزوجية إذ من الممكن الحكم بالعكس ، باعتبار أن صحّة البيع تحتاج إلى الدليل ، ومع عدمه يكون البناء على بطلان البيع وبقاء الزوجية عملاً بالاستصحاب أولى.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٨ ح ٢.

١٩٢

وهل يفتقر وطؤها حينئذ إلى الإذن من المولى أوْ لا؟ وجهان ، أقواهما ذلك (١) لأنّ الإذن السابق إنما كان بعنوان الزوجية وقد زالت بالملك (٢) فيحتاج إلى الإذن الجديد (*).

ولو اشتراها لا بقصد كونها لنفسه أو للمولى ، فإن اشتراها بعين مال المولى كانت له وتبقى الزوجية (٣). وإن اشتراها بعين ماله كانت له وبطلت الزوجية. وكذا إن اشترها في الذمّة ، لانصرافه إلى ذمّة نفسه (٤). وفي الحاجة إلى الإذن الجديد وعدمها ، الوجهان.

______________________________________________________

وإنما المستند فيه ما أشرنا إليه في التعليقة السابقة ، من أن بيع الأمة بعضاً أو كلّاً طلاق لها ، على ما تدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة ، ومنها ما هو وارد في خصوص المقام كموثقة سماعة ، قال : سألته عن رجلين بينهما أمة فزوّجاها من رجل اشترى بعض السهمين ، فقال : «حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها إلّا أن يشتريها من جميعهم» (١).

(١) ما أفاده (قدس سره) وإن كان متيناً في نفسه ، إلّا أن الظاهر كفاية الإذن في الشراء لنفسه عن ذلك ، فلا يحتاج إلى إذن آخر في الوطء. وذلك لأن الإذن في الشراء لنفسه ، إذن منه في الانتفاع بها بما هو المتعارف ، بمقتضى الفهم العرفي ومناسبات الحكم والموضوع.

(٢) لتحقّق الطلاق بمجرد البيع ، كما عرفت.

(٣) تقدّم ما فيه فلا نعيد.

(٤) حيث لم تقم قرينة على الخلاف ، فإن كونه في ذمّة الغير يحتاج إلى مئونة زائدة وخلاف ظاهر الشراء.

__________________

(*) نعم إلّا أنّ الإذن في الشراء لنفسه إذن له فيه فلا يحتاج إلى إذن آخر.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٦ ح ٢.

١٩٣

[٣٨٦١] السابعة : يجوز تزويج امرأة تدعي أنها خلية من الزّوج من غير فحص (١) مع عدم حصول العلم بقولها ، بل وكذا إذا لم تدع ذلك (٢) ولكن دعت الرجل إلى تزويجها ، أو أجابت إذا دعيت إليه. بل الظاهر ذلك وإن علم كونها ذات بعل سابقاً ، وادعت طلاقها أو موته (٣).

______________________________________________________

(١) على ما هو المعروف والمشهور بينهم ، بل لم يظهر الخلاف فيه من أحد.

وتدلّنا عليه مضافاً إلى السيرة القطعية ، حيث يتزوج الرجل الغريب في غير بلده معتمداً على دعواها أنها خلية من غير فحص ، من دون أن يظهر التوقف في صحّة عقده من أحد معتبرة ميسر ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : ألك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوّجها؟ قال : «نعم هي المصدقة على نفسها» (١).

ويؤيده خبر محمد بن عبد الله الأشعري ، قال : قلت للرضا (عليه السلام) : الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجاً؟ فقال : «وما عليه ، أرأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج» (٢).

وهي بحسب الدلالة وإن كانت لا بأس بها ، إلّا أنها من حيث السند ضعيفة ، حيث إن محمّد بن عبد الله الأشعري لم يوثق ، ومن هنا جعلناها مؤيدة.

(٢) للسيرة ومعتبرة ميسر المتقدمتين ، إذ لا فرق في كونها مصدقة على نفسها بين قولها وعملها ، فإنّ دعوتها للرجل أو إجابتها له ، إخبار منها بخلوها عن البعل والمانع.

(٣) ظهر وجهه مما تقدّم ، حيث لم يرد تقييد لإطلاق قوله (عليه السلام) في معتبرة ميسر : «هي المصدقة على نفسها». وكذا السيرة ، فإنّ الرجال يتزوجون من الثيبات

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٠ ح ٥.

١٩٤

نعم ، لو كانت متهمة في دعواها ، فالأحوط الفحص (*) عن حالها (١).

ومن هنا ظهر جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته وحياته ، إذا ادعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن أو بإخبار مخبرين ، وإن لم يحصل العلم بقولها. ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة.

______________________________________________________

من غير فحص ، مع ظهور الثيبوبة في سبق الزوجية غالباً.

(١) بل مقتضى صحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنه سئل عن المتعة ، فقال : «إنّ المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم ، إنّهنّ كنّ يومئذ يؤمن ، واليوم لا يؤمنَّ ، فاسألوا عنهنّ» (١) هو وجوب الفحص.

فإنها صحيحة سنداً ، وواضحة دلالة ، ومقتضى القاعدة تخصيص ما دلّ على أنها مصدقة على نفسها بغير صورة التهمة.

إلّا أن المشهور لم يذهبوا إلى ذلك ، والتزموا باستحباب الفحص عند التهمة ، وهو الصحيح.

والوجه فيه أن المراد بالتهمة وعدم المأمونية في رواية أبي مريم ليست هي التهمة الشخصية ، بمعنى أن تكون المرأة المعيّنة التي يريد الرجل تزوّجها متهمة وغير مأمونة كما هو واضح ، وإنما المراد بها هي التهمة النوعية ، نظراً لتفشي الفساد وكثرة الفجور.

ومن هنا فحيث إن هذه التهمة كانت موجودة في عصر الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) أكثر مما كانت عليه في زمان أبي جعفر (عليه السلام) كما يشهد لذلك نمو الفساد وتكثره يوماً بعد يوم ومع ذلك فقد حكم (عليه السلام) لميسر بجواز التزوج من غير فحص ، فلا بدّ من حمل صحيحة أبي مريم على الاستحباب ، جمعاً بينهما.

ومن هنا يظهر الحال فيما أفاده الماتن (قدس سره) بعد هذا من الفروع.

__________________

(*) لا بأس بتركه فيما إذا لم يكن اطمئنان بكذبها.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٦ ح ١.

١٩٥

[٣٨٦٢] الثامنة : إذا ادعت امرأة أنها خلية فتزوجها رجل ، ثمّ ادعت بعد ذلك كونها ذات بعل ، لم تسمع دعواها (١).

نعم ، لو أقامت البيّنة على ذلك فُرِّق بينها وبينه (٢) وإن لم يكن هناك زوج معين ، بل شهدت بأنها ذات بعل على وجه الإجمال.

[٣٨٦٣] التاسعة : إذا وكلّا وكيلاً في إجراء الصيغة في زمان معين ، لا يجوز لهما المقاربة بعد مضي ذلك الزمان (٣) إلّا أن يحصل لهما العلم بإيقاعه. ولا يكفي الظن بذلك ، وإن حصل من إخبار مخبر بذلك ، وإن كان ثقة (*) (٤).

______________________________________________________

(١) فإنّ المستفاد من النصوص المتقدِّمة ، إنما هو حجية إخبارها بالنسبة إلى جواز التزويج. وأما بالنسبة إلى إبطال زوجية محكومة بالصحّة ظاهراً ، فلا دليل على حجية إخبارها فيه ، بل مقتضى كونه إقراراً في حق الغير عدم السماع.

نعم ، إخبارها هذا حجة بالنسبة إلى نفسها ، فلا تستحق المطالبة بالمهر والنفقة لاعترافها بكونها بغية ، وإن وجب على الزوج دفعهما إليها ، للعلم الإجمالي بوجوبهما أو حرمة الوطء ، على ما تقدّم بيانه مفصلاً في المسألة الثالثة من هذا الفصل ، فراجع.

(٢) عملاً بأدلّة حجية البيّنة المحكمة في المقام من غير معارض.

(٣) لاحتمال عدم وقوعه لنسيان أو غيره ، وحيث لم يحرز وقوعها فلا مجال لترتيب آثارها.

(٤) على خلاف بينهم ، منشأه الخلاف في أن الأصل هل هو حجية خبر الثقة في الموضوعات إلّا ما خرج بالدليل ، أو عدمها إلّا ما خرج بالدليل؟

وقد عرفت في الأبحاث الماضية أن الصحيح هو الأوّل ، باعتبار أن السيرة العقلائية التي هي عمدة الدليل على حجية خبر الثقة ، قائمة على الحجية في الشبهات الموضوعية والحكمية على حد سواء ، من دون أن يرد دليل على خلاف ذلك.

وأما خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول :

__________________

(*) لا يبعد حجية قول الثقة وإن لم يحصل الظن منه.

١٩٦

نعم ، لو أخبر الوكيل بالإجراء كفى إذا كان ثقة (١) بل مطلقاً (٢) لأن قول الوكيل حجّة فيما وُكِّلَ فيه.

______________________________________________________

«كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي أُختك أو رضيعتك. والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة» (١).

فليس المراد بالبيّنة فيها هو المعنى الاصطلاحي في باب القضاء من الشاهدين أو الأربعة الشهداء أو الشاهد واليمين ، وإنما المراد بها مطلق ما يتبيّن به الأمر ويتضح به الحال ، وذلك لوضوح أنه لا ينحصر طريق الاستبانة بشهادة عدلين أو أربعة عدول فإن التبين يحصل بالإقرار وقول ذي اليد والاستصحاب ونحوها ، فلا دليل على اختلاف الحال في الشبهات الموضوعية عن الشبهات الحكمية ، باعتبار التعدّد في الأُولى دون الثانية.

والحاصل أنّ الصحيح هو كفاية اخبار الثقة الواحد وإن لم يكن وكيلاً ، لأن الأصل حجية خبره إلّا ما ثبت بالدليل ، كما هو الحال في باب القضاء.

(١) بلا إشكال فيه للأولوية بعد أن كان قول غيره حجة.

(٢) كما ذهب إليه جماعة ، باعتبار أنه من مصاديق القاعدة المعروفة «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» والمدعى عليها الإجماع ، بل أرسلها جماعة إرسال المسلمات.

إلّا أن إثباتها بالإجماع التعبدي على إطلاقها وكلّيتها بعيد غاية البعد ، فإنّ جملة من الأصحاب لم يتعرّض إليها ، بل لم تذكر في كلمات من تقدّم على الشيخ (قدس سره). على أنّ الصبي مالك للوصيّة ، لكن لا يسمع إقراره بها.

فالذي ينبغي أن يُقال : إنّ ما يكون إقراراً على النفس لا حاجة في إثبات حجيته إلى هذه القاعدة ، فإنه يكفينا فيه ما دلّ على نفوذ الإقرار على النفس ، من غير حاجة إلى إثبات الإجماع ونحوه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ح ٤.

١٩٧

فصل

في أولياء العقد

وهم الأب ، والجدّ من طرف الأب (١) ، بمعنى : أب الأب فصاعداً ، فلا يندرج

______________________________________________________

وهكذا الحال بالنسبة إلى ما كان الإقرار بنفسه مصداقاً للإنشاء ، كما لو أخبر من له الفسخ بالفسخ ، أو أخبر الزوج في أثناء العدة عن الرجوع بزوجته ، فإنه خارج عن محل الكلام أيضاً ، حيث إنّ هذا الإخبار بنفسه يعتبر فسخاً ورجوعاً ، لأنه يبرز الاعتبار النفساني من غير حاجة إلى ثبوت رجوع سابق.

هذا وقد نسب شيخنا الأنصاري (قدس سره) في رسالته في قاعدة «من ملك» إلى الشهيد (قدس سره) أنه استشكل في سماع إخبار الزوج عن الرجوع في أثناء العدّة (١) لكننا لم نعرف لذلك وجهاً.

وأما في غير هذين الموردين ، فالظاهر هو السماع أيضاً ، لكن لا لما ذكروه ، بل للسيرة القطعية على عدم مطالبة الوكيل بالإثبات إذا أخبر عن العمل بوظيفته ، فإنه تسمع دعواه ويقبل قوله من دون أن يطالب بالبيِّنة.

ومن هنا يظهر الحال في الأولياء ، فإنه تسمع دعواهم في ما لهم الولاية من دون أن يطالبوا بالإثبات.

فصل

في أولياء العقد

(١) ثبوت الولاية لهما وللوصي والسيد والحاكم في الجملة من القطعيّات التي لا ينبغي الشك فيها ، وتدلّ عليه من النصوص جملة متضافرة نتعرض إليها في ضمن المسائل القادمة.

__________________

(١) انظر كتاب النكاح للشيخ الأنصاري ٢٠ : ١٦٧ ١٦٨ طبع المؤتمر العالمي.

١٩٨

فيه أب أُم الأب (١) والوصي لأحدهما مع فقد الآخر ، والسيد بالنسبة إلى مملوكه والحاكم. ولا ولاية للأُم (٢) ولا الجد من قبلها ، ولو من قبل أُم الأب ،

______________________________________________________

(١) ويقتضيه مضافاً إلى أصالة عدم ثبوت ولاية لأحد على غيره إلّا من خرج بالدليل ، باعتبار أن نفوذ العقد يحتاج إلى الدليل ، وإلّا فهو محكوم بالبطلان مفهوم صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : «إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم» (١). فإن مقتضاه انحصار الولاية فيهما ، وعدم ثبوتها لغيرهما على الإطلاق.

وكيف كان ، فالحكم مما لا خلاف فيه ، إلّا ما ينسب إلى ابن الجنيد (قدس سره) من الالتزام بثبوت الولاية له أيضاً ، مستدلاً ببعض النصوص الواردة في ولاية الأم (٢) وستعرف الحال فيها عند التعرض لها في التعليقة الآتية.

(٢) كما يقتضيه الأصل ، بل الإجماع المحكي في كلمات غير واحد ، حيث لم يخالف فيه إلّا ابن الجنيد ، وقد يستدل له برواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلّا برضا منها» (٣) حيث إن ظاهرها عدم اختصاص الولاية للأب وثبوتها للُام أيضاً.

إلّا أنه مندفع بأنها مضافاً إلى معارضتها للروايات الصحيحة المستفيضة الدالة بمجموعها على دوران أمر الجارية بين أن يكون بيدها مستقلة ، أو يكون بيد أبيها مستقلا ، أو يكون بيدهما معاً ، حيث إن المستفاد منها أنه ليس للُام من أمرها شي‌ء لا دلالة لها على انفراد الأُم في الولاية عليها ، بل غاية ما تدلّ ثبوت الولاية لها منضمة إلى الأب ، وهو مخالف للإجماع المحقق القائم على استقلال الأب في الولاية وعدم وجود ضميمة في ولايته.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١٢ ح ١.

(٢) مجموعة فتاوى ابن الجنيد : ٢٥٢ مسألة ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٩ ح ٣.

١٩٩

ولا الأخ (١)

______________________________________________________

والذي يهون الخطب أن هذه الرواية ضعيفة سنداً ، وإن عبر عنها في بعض الكلمات بالموثقة ، فإن إبراهيم بن ميمون لم يرد فيه مدح فضلاً عن التوثيق.

فالرواية ساقطة من هذه الجهة ، ولا تصلح للاستناد إليها.

(١) بلا خلاف فيه ، ويقتضيه الأصل.

نعم ، ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) قال : «هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري ، فأي هؤلاء عفا فقد جاز» (١). وقد عبّر عنها بالخبر ، وهو مشعر بضعف سندها. ثمّ ناقشها بلزوم تأويلها أو حملها على التقيّة ، حيث ذهب العامّة إلى ثبوت الولاية له عند عدم الأب (٢).

إلّا أنه قد ورد التعبير عنها في كلمات بعضهم بالصحيحة.

والصحيح هو ما يظهر من كلام صاحب الجواهر (قدس سره) ، فإن هذه الرواية ضعيفة ، فإن أحمد بن محمد بن عيسى يرويها عن البرقي أو غيره ، وحيث لم يعرف ذلك الغير تكون الرواية ضعيفة.

وكيف كان ، فلا أثر لهذا النص بالخصوص ، إذ قد ورد مضمونها في جملة كبيرة من الأخبار المعتبرة ، بل في بعضها التصريح بثبوت الولاية له (٣).

غير أن هذه الروايات على كثرتها لا بدّ من تأويلها والتصرف فيها ، بحملها على ما إذا كان الأخ وكيلاً عنها ، أو إلغائها وحملها على التقية ، للإجماع والقطع بعدم ثبوت الولاية له عليها. إذ كيف يمكن أن تكون للأخ ولاية عليها ، ولو في خصوص فرض عدم وجود الأب ، مع عدم ذهاب أحد منا إلى ذلك على الإطلاق! فإنّ فرض تصدي الأخ لشؤون أُخته خارجاً ليس بفرض نادر ، والحال أنه لم يذهب إلى ثبوت الولاية

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٨ ح ٤.

(٢) الجواهر ٢٩ : ١٧١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٨.

٢٠٠