موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

[٣٨٥٠] مسألة ١٧ : يشترط تعيين الزّوج والزّوجة (١) على وجه يمتاز كل

______________________________________________________

المعاقدة والمعاهدة ، إذ العبرة في صدقهما إنما هي بانضمام أحد الالتزامين إلى الآخر ، كما عرفت. وحيث إن هذا متحقق في المقام ، نظراً لبقاء التزام الموجب بعد حالة عدم الأهليّة وحين القبول ، فلا وجه للقول بعدم صدق المعاقدة مع وجود الحالة المتخللة.

هذا ومما يعضد ما ذكرناه السيرة العقلائية خارجاً ، حيث نرى أنهم يلتزمون بصحّة البيع أو الهبة أو ما شاكلهما من العقود ، حتى مع تخلل حالة عدم الأهلية للموجب بين حالتي أهليته حين الإيجاب وأهليته حين القبول ، كما لو كان البائع في بلد والمشتري في آخر فكتب إليه بالبيع أو ما شاكله ، فإنه يلتزم بالصحّة فيه فيما إذا تعقب القبول ممن له ذلك ، والحال إنه لا تخلو هذه الحالات من عروض عدم الأهلية للموجب ولا أقلّ من النوم.

نعم ، في مثل الجنون لا يبعد القول بأنه مزيل للالتزام ، فلا يؤثر القبول في الصحّة بعد ذلك ، وذلك لأنّ المجنون لا التزام له ، وعلى فرض وجوده فهو في حكم العدم بلا خلاف ، فلا ينفع فيه القبول المتأخر.

ثمّ إن الظاهر أن الإغماء ملحق بالنوم دون الجنون ، فإنه نوم حقيقة ، غاية الأمر أنه مرتبة قوية منه. وعليه فيحكم بصحّة العقد عند القبول بعد ذلك ، لبقاء الالتزام الأوّل.

والحاصل أن طرو ما يزيل الأهلية عن الموجب قبل تحقق القبول ، لا يؤثر شيئاً في صحّة العقد عند تحقق القبول ، فيما إذا فرض بقاء الالتزام الأوّل وعدم زواله بعد زوال الأمر الطارئ.

نعم ، لو فرض ارتفاع الالتزام الأوّل نتيجة طرو ما يزيل الأهلية ، لم يكن للقبول المتأخر أثر في صحّة العقد.

(١) بلا خلاف فيه.

والوجه فيه أن الزوجية إنما تقوم بالأفراد الخارجية من الرجال والنساء ، كما يظهر ذلك من جملة من الآيات الكريمة ، كقوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ

١٦١

منهما عن غيره بالاسم ، أو الوصف الموجب له ، أو الإشارة.

فلو قال : (زوجتك إحدى بناتي) بطل (١). وكذا لو قال : (زوجت بنتي أحد ابنيك) أو : (أحد هذين). وكذا لو عيّن كل منهما غير ما عيّنه الآخر (٢).

بل وكذا لو عيّنا معيّناً من غير معاهدة بينهما ، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر (٣). وأما لو كان ذلك مع المعاهدة ، لكن لم يكن هناك دالّ على ذلك من لفظ أو قرينة خارجية مفهمة ، فلا يبعد الصحّة (٤) وإن كان الأحوط خلافه.

______________________________________________________

مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (١) وقوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٢) وغيرها. فإنّ مقتضى انحلال العموم فيها ، جواز النكاح لكل فرد فرد من الإماء والنساء. وكذلك النصوص والسيرة العقلائية.

(١) لعدم وجود تعيين حتى في الواقع وعلم الله. والجامع بينهما وإن كان موجوداً إلّا أنه لا يصلح لترتب آثار الزوجية عليه ، كوجوب المجامعة في كل أربعة أشهر أو الإنفاق ، وما شاكلهما.

(٢) لعدم تحقق المعاهدة ، إذ لم ينضم التزام الموجب إلى التزام القابل ، لعدم التطابق بينهما ، نظراً لتعلّق كل منهما بغير ما تعلّق به الآخر.

(٣) والوجه فيه يظهر مما تقدّم ، إذ لم ينضمّ الالتزام من أحدهما إلى الالتزام من الآخر ، لعدم التطابق بينهما ، نظراً لاعتقادهما خلاف ذلك. ومن هنا فلا تتحقق المعاهدة بالنسبة إلى الشخص المعيّن ، ومجرد الانطباق الخارجي لا يكفي في تحقق المعاهدة وصدقها ، بعد عدم الانطباق بين الاعتقادين والالتزامين.

(٤) بل لم يظهر وجه للبطلان في المقام ، فإن العبرة في صحّة العقد كما عرفت غير مرّة إنما هي بانضمام أحد الالتزامين بالآخر ووقوعهما لشخص واحد ، مع إبراز ذلك بمبرز من دون اعتبار لاتحاد المبرزين. وهذا المعنى لما كان متحققاً في المقام ، حيث إن

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣٢.

(٢) سورة النساء ٤ : ٣.

١٦٢

ولا يلزم تمييز ذلك المعيّن عندهما حال العقد (١) بل يكفي التميز الواقعي مع إمكان العلم به بعد ذلك ، كما إذا قال : (زوّجتك بنتي الكبرى) ولم يكن حال العقد عالماً بتاريخ تولّد البنتين ، لكن بالرجوع إلى الدفتر يحصل له العلم.

نعم ، إذا كان مميزاً واقعاً ، ولكن لم يمكن العلم به ظاهراً كما إذا نسي تاريخ ولادتهما ولم يمكنه العلم به فالأقوى البطلان (*) ، لانصراف الأدلّة عن مثله (٢). فالقول بالصحّة والتشخيص بالقرعة ، ضعيف.

[٣٨٥١] مسألة ١٨ : لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الإشارة أخذ بما هو المقصود (٣) والغي ما وقع غلطاً.

______________________________________________________

كلّاً من الالتزامين مرتبط ومنضمّ إلى الآخر وهما معاً لشخص واحد ، غاية الأمر أن المبرز لكل من الالتزامين يختلف عن المبرز للآخر ، حكم بصحته ، فإن ذلك غير ضائر حتى مع عدم القرينة بعد علمهما بالاتحاد فلا وجه لتوهم البطلان فيه بالمرة.

(١) لإطلاق الأدلّة ، على ما سيأتي توضيحه في التعليقة الآتية.

(٢) لم يظهر لنا وجه ذلك. فإن المرأة معينة واقعاً والعقد واجد لجميع شروط الصحّة المعتبرة فيه ، ولا دليل على اعتبار التمييز في مقام الإثبات ، فإنه لا قائل ببطلان العقد فيما إذا حصل الاشتباه في الزوجة أو الزوج فور تمامية العقد بعد ما كان معيناً بالذات ، كما لو دخلت المرأة بعد العقد إلى مكان فيه أقرانها ثمّ ادعت كل واحدة منهن أنها هي المعقود عليها ، بل لا يعرف لذلك موجب بعد أن كان مقتضى إطلاقات الأدلّة هو الصحّة ، إذ لم يرد على شي‌ء منها تقييد بالمعلومية في مقام الإثبات.

نعم ، لا بدّ من رفع الاشتباه وتعيين المعقود عليها ، لترتب آثار الزوجية عليه ، إذ الجامع لا يصلح لذلك. وحيث إن الترجيح بلا مرجح لا مجال للقول به ، يتعيّن المصير إلى القرعة ، لأنها لكل أمر مشكل ، وما نحن فيه منه.

(٣) لأنه الملاك في تطابق الالتزامين وعدمه ، فإذا اتحد صح العقد ، لتحقّق المعاهدة

__________________

(*) في القوّة إشكال ، بل الصحّة غير بعيدة.

١٦٣

مثلاً لو قال : (زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة) وتبين أن اسمها خديجة ، صحّ العقد على خديجة التي هي الكبرى.

ولو قال : (زوّجتك فاطمة وهي الكبرى) فتبيّن أنها صغرى ، صحّ على فاطمة ، لأنها المقصود ، ووصفها بأنها كبرى وقع غلطاً فيلغى.

وكذا لو قال : (زوّجتك هذه وهي فاطمة) أو (وهي الكبرى) فتبين أن اسمها خديجة أو أنها صغرى ، فإن المقصود تزويج المشار إليها ، وتسميتها بفاطمة أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطاً فيلغى.

[٣٨٥٢] مسألة ١٩ : إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين وعدمه ، حتى يكون العقد صحيحاً أو باطلاً ، فالقول قول مدعي الصحّة (*) (١) كما في سائر الشروط إذا اختلفا فيها ، وكما في سائر العقود.

______________________________________________________

من دون أن يؤثر الاشتباه في الاسم أو الوصف أو الإشارة في الصحّة.

(١) والدليل عليها هو أصالة الصحّة في العبادات والمعاملات غير أنه قد تقدّم الكلام في هذا الأصل في المباحث الأُصولية وبعض المباحث الفقهية المتقدِّمة مفصّلاً وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن هذا الأصل لم يدل عليه دليل لفظي من الكتاب أو السنّة ، وإنما الدليل عليه منحصر بسيرة المتشرعة المتصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام).

ومن هنا فمع الشك في ضيق هذه القاعدة وسعتها بحسب الموارد ، لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن فيها ، وهو ما إذا كان الشك في الصحّة والبطلان من جهة عدم إحراز بعض الشروط ، أو الشك في اقترانه بمانع من الموانع الشرعية ، بعد إحراز أركان العقد وما يعتبر في أصل تحققه.

وأمّا مع الشك في تحقق الأركان نفسها ، فلا مجال للحكم بالصحّة تمسكاً بأصالة الصحّة ، لعدم ثبوت السيرة والبناء على الصحّة في مثل المقام ، كما لو شككنا في كون

__________________

(*) إذا كان النزاع في وقوع العقد على المعين وعدمه كما هو ظاهر العبارة لم يكن مجال للتمسّك بأصالة الصحّة.

١٦٤

وإن اتّفقا الزّوج ووليّ الزّوجة على أنهما عيّنا معيناً ، وتنازعا فيه أنها فاطمة أو خديجة ، فمع عدم البيِّنة المرجع التحالف (*) (١) كما في سائر العقود.

______________________________________________________

المبيع خلّاً أو خمراً ، فإنه لا تنفع أصالة الصحّة في إثبات كونه خلّاً ومن ثمّ إلزام البائع بدفع الخل.

وعلى هذا ففي المقام حيث إن الشك في ركن من أركان العقد أعني التعيين ، فلا مجال لتقديم قول الزوج وإثبات كون المرأة المعينة هي الزوجة تمسّكاً بأصالة الصحّة بل لا بدّ على مدعي الزوجية والتعيين من البيّنة والإثبات على وفق الموازين المبيّنة في مباحث القضاء.

ومن هنا يظهر الحال في سائر العقود غير النكاح ، فإنّ الحال فيها هو الحال فيه.

(١) فإنّ كلّاً منهما يدّعي شيئاً وينكر ما يدعيه الآخر ، فالزوج مثلاً يدّعي زوجية فاطمة وينكر زوجية خديجة التي يدعيها وليّها ، والوليّ يدعي زوجية خديجة وينكر زوجية فاطمة التي يدعيها الزوج ، فيكون المقام من التداعي. ومقتضى القاعدة فيه أنه إن كانت لأحدهما بيّنة أُخذ ببيّنته وقُدِّم قوله ، وإن لم يكن لهما بيّنة وصلت النوبة إلى التحالف ، فإن حلف أحدهما خاصّة ثبت مدعاه ، وإن حلفا معاً أو نكلا معاً سقطت الدعويان لعدم المرجح.

وهذا كله مما لا إشكال فيه. إنما الإشكال فيما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) وادعى عليه الإجماع ، من انفساخ الزوجية في فرض حلفهما معاً أو نكولهما كذلك وكأنه لم يكن عقد في البين (١). فإنّ إثبات ذلك مشكل جدّاً ، فإنه وإن لم يكن لأحدهما إلزام الآخر بلوازم الزوجية ظاهراً ، فليس للزوج إلزام المرأة التي يدعي زوجيتها بالتمكين ، كما أنه ليس للمرأة الأُخرى إلزام الزوج بالنفقة وما شاكلها من لوازم الزوجية ، إلّا أن ذلك كله لا يعني انفساخ الزوجية واقعاً على ما هو ظاهر

__________________

(*) ويترتّب عليه سقوط الدعوى فقط ، فليس لكل من طرفي الدعوى إلزام الآخر بما يدّعيه وأمّا كون التحالف موجباً لانفساخ العقد كما في الجواهر فمحل منع ، بل اللّازم على كل منهما أن يعمل بما هو وظيفته في الواقع.

(١) الجواهر ٢٩ : ١٥٣ ١٥٦.

١٦٥

نعم ، هنا صورة واحدة اختلفوا فيها ، وهي ما إذا كان لرجل عدة بنات فزوّج واحدة ، ولم يسمِّها عند العقد ، ولا عيّنها بغير الاسم ، لكنه قصدها معينة ، واختلفا فيها. فالمشهور على الرجوع إلى التحالف (١) الذي هو مقتضى قاعدة الدعاوي.

______________________________________________________

كلماتهم ، فإنه لا دليل عليه بالمرّة.

ومن هنا فلا بدّ لكل منهما من ترتيب آثار الزوجية على نفسه في فرض العلم بصدق مدعاه واقعاً. فلو كان الزوج عالماً بصدق مدعاه من زوجية المرأة المعينة له واقعاً ، فلا بدّ من معاملتها معاملة الزوجة فليس له أن يتزوج بأُمها أو أُختها أو الخامسة ، وإن لم يمكنه إثبات مدعاه ظاهراً. وهكذا بالنسبة إلى المرأة التي تدعى زوجيتها للرجل.

وهذا الحكم لا يختص بباب النكاح ، بل يجري في جميع أبواب العقود.

نعم ، في خصوص البيع قد يستدلّ على الانفساخ الواقعي بالنبوي : «إذا اختلف المتبايعان ترادا» (١). إلّا أنها نبوية لم تثبت من طرقنا الخاصة ، فلا تصلح للاستدلال. على أنها غير مختصّة بالاختلاف من هذه الجهة ، بل هي مطلقة ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به.

(١) الظاهر أن الأمر قد اشتبه على الماتن (قدس سره) ، فإن في المقام مسألتين تُشبه إحداهما الأُخرى لكنهما تختلفان في الحكم.

أُولاهما : ما إذا وقع الخلاف بين الزوج والأب في المعيّنة ، بعد اتفاقهما على وقوع العقد على واحدة معينة بالاسم أو الوصف أو الإشارة ، فادعى الزوج أنّ المعيّنة كانت هي الصغيرة ، وادعى الأب أنها هي الكبيرة.

وفيها لا خلاف ولا إشكال بينهم في الرجوع إلى التحالف ، كما لو كان الخلاف مع غير الأب من الأولياء ، حيث إن المقام من باب التداعي كما هو واضح ، ولم يذكر في المقام قول بالتفصيل بين رؤيته لهنّ وعدمها فيما نعلم ، بل ولم ينسب الخلاف في ذلك إلى أحد.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ ح ٢١٨٦.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيتهما : أن لا تكون المعقودة عليها معيّنة بحسب الخارج بالاسم أو الوصف أو الإشارة بالنسبة إلى الزوج والشهود ، وإنما تكون هي متعيّنة لدى الأب خاصّة حيث قصد هو واحدة بعينها فأجرى العقد عليها وقَبِل الزوج ذلك ، ثمّ وقع الخلاف بينهما ، فقال الأب : إنما زوجتك ابنتي الكبرى ، وقال الزوج : إنما قبلت زوجية بنتك الصغرى ، ومن ثمّ لم يحصل التطابق بين الإيجاب والقبول.

وفيها فالأصحاب على قولين :

التفصيل بين رؤية الزوج لهن أجمع ، فيكون القول قول الأب. وعدمها ، فيحكم ببطلان النكاح ، لصحيحة أبي عبيدة الحذاء.

والبطلان تمسكاً بالقاعدة ، حيث عرفت أن أصالة الصحّة لا أثر لها في مثل المقام بعد اطراح صحيحة أبي عبيدة بدعوى إعراض الأصحاب عنها ، أو لكونها من أخبار الآحاد كما عن ابن إدريس.

وليس فيها قول بالتحالف لأحد على الإطلاق ، بل لا موضوع له في المقام ، فإنه إنما يكون في فرض وجود مدعيين ومنكرين وليس المقام منه ، فإنّ كلّاً منهما إنما يخبر عمّا في نفسه وما نواه في إيجابه أو قبوله ، من دون أن يكون هناك إنكار لدعوى الآخر.

فما أفاده (قدس سره) من ذهاب المشهور في المسألة إلى التحالف من خلط هذه المسألة بالمسألة السابقة.

وكيف كان ، فالصحيح في هذه المسألة هو القول الأوّل ، أعني التفصيل بين رؤيته لهنّ وعدمها. فإنّ رواية الحذاء صحيحة سنداً وواضحة دلالة ، وقد عمل بها جملة من الأصحاب ، كالشيخ (١) وأتباعه (٢) والعلّامة (٣) والمحقِّق (٤) بل نسب في الرياض العمل بها إلى الأكثر (٥). وحملها على بعض المحامل تعسف محض.

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨.

(٢) انظر السرائر ٢ : ٥٧٣.

(٣) قواعد الاحكام ٢ : ٤.

(٤) شرائع الإسلام ٢ : ٣٢٣.

(٥) رياض المسائل ٢ : ٧٠.

١٦٧

وذهب جماعة إلى التفصيل بين ما لو كان الزوج رآهن جميعاً فالقول قول الأب وما لم يرهن فالنكاح باطل. ومستندهم صحيحة أبي عبيدة الحذاء (١) وهي وإن كانت صحيحة إلّا أن إعراض المشهور عنها ، مضافاً إلى مخالفتها للقواعد ، مع إمكان حملها على بعض المحامل ، يمنع عن العمل بها. فقول المشهور لا يخلو عن قوّة (*) (٢) ،

______________________________________________________

فالمتعيّن هو الحكم بالتفصيل تعبداً ، ورفع اليد عن القاعدة للنص.

(١) قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل كنّ له ثلاث بنات أبكار فزوّج إحداهن رجلاً ولم يسمِّ التي زوّج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج فرض لها صداقها ، فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج أنها الكبرى من الثلاثة ، فقال الزوج لأبيها : إنما تزوّجت منك الصغيرة من بناتك ، قال : فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إن كان الزوج رآهن كلهن ، ولم يسمِّ له واحدة منهن ، فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي كان نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح. وإن كان الزوج لم يرهن كلّهنّ ، ولم يسمَّ له واحدة منهنّ عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل» (١).

(٢) قد عرفت أن في القوة إشكالاً بل منعاً ، ومع ذلك فالاحتياط في محلِّه.

__________________

(*) إنّ هنا مسألتين قد خلط الماتن (قدس سره) بينهما : الأُولى ما إذا اتّفق الزّوج وأبو البنات على وقوع العقد على بنت معيّنة ثمّ اختلفا فادّعى الأب أنها الكبرى مثلاً وادّعى الزّوج أنها الصغرى ، ففي هذه المسألة ينتهي الأمر مع عدم البيِّنة إلى التحالف لا محالة بلا فرق بين رؤية الزّوج إيّاهنّ وعدم رؤيته ، ولم ينسب القول بالبطلان فيها في فرض عدم الرؤية وبتقديم قول الأب في فرض الرؤية إلى أحد. الثانية ما إذا لم يتّفقا على وقوع العقد على امرأة معيّنة واتّفقا على عدم التسمية والتعيين حال العقد فادّعى الأب أنه نوى تزويج الكبرى وادّعى الزّوج أنه نوى التزويج بالصغيرة ، ففي هذه الصورة حكم الشيخ وأتباعه وجملة من المتأخِّرين بل قيل : إنه الأشهر ؛ بتقديم قول الأب فيما إذا رآهنّ الزّوج وبالبطلان فيما إذا لم يرهن عملاً بصحيحة أبي عبيدة الواردة في هذا الموضوع ، وهذا هو الصحيح ، وخالف في ذلك الحلي فحكم بالبطلان على الإطلاق فإنه مقتضى القاعدة وهو لا يعمل بأخبار الآحاد ، واختاره جماعة ممّن تأخّر عنه ، ولم ينسب القول بالتحالف في هذه المسألة إلى أحد بل لا معنى له إذ لا تداعي في المقام حتى ينتهي الأمر إلى التحالف.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١٥ ح ١.

١٦٨

ومع ذلك الأحوط مراعاة الاحتياط. وكيف كان ، لا يتعدّى عن موردها.

[٣٨٥٣] مسألة ٢٠ : لا يصحّ نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم ذكوريته أو أُنوثيته ، وذلك لانصراف الأدلّة (*) (١). كما لا يصحّ البيع أو الشراء منه ولو بتولِّي الوليّ ، وإن قلنا بصحّة الوصيّة له عهدية ، بل أو تمليكية أيضاً (٢).

______________________________________________________

(١) الصحيح في التعليل أن يقال : إنّ أدلّة المقام لا إطلاق لها يشمل الحمل ، فإنّ الآيات الكريمة والنصوص الواردة في النكاح جوازاً ومنعاً ، واردة في الإنسان الخارجي ، أعني ما هو بالفعل متصف بالإنسانية كالرجل والمرأة والصغير والبالغ والعبد والأمة ، ومن الواضح عدم صدق شي‌ء من هذه العناوين على الحمل.

إذن فليس هناك إطلاق يشمل الحمل ، كي يدعى انصرافه عنه. ومن هنا فيحكم بالبطلان ، لعدم الدليل عليه من الكتاب أو السنة ، وعدم جريان بناء العقلاء على إنكاح الحمل.

(٢) فإنه لا يمكن قياس التزويج بالوصيّة ، حيث إن المعتبر في الوصيّة لما كان هو وجود الموصى له ، وقع الخلاف بينهم في كفاية الوجود في بطن الام حملاً ، وعدمها واعتبار وجوده في الخارج. فمنهم من ذهب إلى الأوّل ، لإطلاقات أدلّة الصحّة. ومنهم من ذهب إلى الثاني ، لاعتبار كون المالك إنساناً خارجياً ، فلا ينفع كونه حملاً. وهذا بخلاف التزويج ، حيث قد عرفت أن أدلّة النكاح قاصرة الشمول للحمل نكاحاً وإنكاحاً.

ثمّ إنّ الفرق بين الوصيّة العهدية والتمليكية في الأثر ، إنما يظهر فيما إذا حكمنا ببطلانها.

ففي الأوّل يحكم بلزوم صرف المبلغ الموصى به في أقرب الأُمور بالفعل المعيّن وذلك لعدم انتقاله إلى ملك الورثة حيث إن الإرث إنما يكون بعد الوصيّة ، بل يبقى على ملك الميت بحكم قانون الوصيّة ، فإذا لم يمكن صرفه في المورد المعيّن صرف في أقرب الموارد بالقياس إليه.

__________________

(*) الظاهر أنه لا يوجد إطلاق يعم نكاح الحمل حتى يدّعي انصرافه.

١٦٩

[٣٨٥٤] مسألة ٢١ : لا يشترط في النِّكاح علم كل من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر (١) ممّا يختلف به الرغبات ، وتكون موجبة لزيادة المهر أو قلّته فلا يضرّ بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها. فلا تجري قاعدة الغرر هنا (٢).

______________________________________________________

وهذا بخلاف الثانية ، حيث يرجع الموصى به إلى الورثة ، نظراً لبطلان التمليك الذي حققه الميت فلم يكن قد خرج عن ملكه بذلك التصرف ، وحيث إنه لم يبقه في ملكه ولم يحبسه لنفسه لعدم وجود وصيّة اخرى ، يكون حاله حال سائر أمواله ينتقل على حد باقي أمواله إلى ورثته.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال بين الأصحاب ، بل ادعى في الجواهر الضرورة عليه (١). وتدلّ عليه السيرة القطعية المتصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام) ، فإنها قائمة على الجواز من دون ردع.

(٢) هذه القاعدة ثابتة في البيع بلا خلاف فيه ، سواء تمّ النبوي المشهور (نهى النبيّ عن بيع الغرر) أم لم يتمّ. وأما شمولها لغيره من المعاملات ، فهو مورد بحث وكلام بين الأصحاب ، ولا دليل عليه سوى ما ذكره العلامة (قدس سره) في التذكرة من (أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) نهى عن الغرر) (٢) لكنه لم يثبت.

وكيف كان ، فلا مجال للتعدي إلى النكاح ، لأنه ليس من العقود المعاوضية التي يراد منها تبديل الأعيان مع الاحتفاظ على المالية ، وإنما هو علقة خاصة قائمة بين الرجل المعيّن والمرأة المعيّنة ، ولذا يصح العقد من غير مهر على الإطلاق. نعم ، يثبت مهر المثل عند الدخول بها ، إلّا أنه غير العقد ، فإنه يصحّ من دونه.

وعلى هذا الأساس لم يلتزم أحد بثبوت الخيار في المهر له أو لها ، فيما إذا تبين زيادة المسمّى عن مهر المثل أو نقصانه عنه ، بدعوى الغبن.

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ١٥٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٤ ٥٨٧.

١٧٠

فصل

في مسائل متفرِّقة

[٣٨٥٥] الأُولى : لا يجوز في النِّكاح دواماً أو متعة اشتراط الخيار في نفس العقد ، فلو شرطه بطل (١).

______________________________________________________

فصل

في مسائل متفرقة

(١) بلا خلاف فيه ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب. وقد نسب إلى بعضٍ القول بجوازه ، إلّا أنه لم يعرف قائله. ويدلّ عليه :

أوّلاً : أن جعل الخيار إنما يصحّ فيما إذا كان اللّزوم من حقوق المتعاقدين أو أحدهما. وأما إذا كان ذلك من الأحكام الشرعية ، فليس لهما اشتراط الخيار ، لأنه من تغيير الحكم الشرعي وأمره بيد الشارع ، وليس للمكلف فيه صلاحية نفياً أو إثباتاً نظير اشتراط اللّزوم في العقود الجائزة. وحيث إن اللّزوم في النكاح من الأحكام الشرعية ، فإن الزواج مستمر إلى تحقق ما يرفعه من الموت أو الطلاق أو انقضاء المدّة أو الإبراء في العقد المنقطع ، فلا يرتفع باشتراط الخيار فيه. والذي يكشف عن كون اللزوم في النكاح من الأحكام ، أنه لو كان من الحقوق لهما لوجب الالتزام بصحّة الإقالة فيه كما هو الحال في البيع ، والحال أنها غير جائزة فيه بلا خلاف.

ثانياً : أن جعل الخيار لما كان يرجع إلى تحديد المنشأ وتوقيته بعدم الفسخ لامتناع الإهمال وعدم معقولية الإطلاق والشمول لما بعد الفسخ على ما تقدّم بيانه مفصلاً في كتاب البيع كانت الزوجية مقيدة ومؤقتة بقبل الفسخ لا محالة ، وإذا كانت كذلك حكم ببطلانه ، لأن تحديد الأجل بنحو لا يقبل الزيادة والنقصان من أركان العقد المنقطع ، وهو مفقود في المقام بحسب الفرض ، حيث إن تاريخ الفسخ مجهول.

١٧١

وفي بطلان العقد به قولان. المشهور على أنه باطل (*). وعن ابن إدريس أنه لا يبطل ببطلان الشرط المذكور. ولا يخلو قوله عن قوّة (١) إذ لا فرق (٢) بينه وبين سائر الشروط الفاسدة فيه ، مع أن المشهور على عدم كونها مفسدة للعقد. ودعوى كون هذا الشرط منافياً لمقتضى العقد ، بخلاف سائر الشروط الفاسدة التي لا يقولون بكونها مفسدة ، كما ترى.

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إن عقد الزواج لا يخلو بحسب ما يستفاد من الأدلة من قسمين : دائم ، ومنقطع ، ولا ثالث لهما. والأوّل غير متصوَّر في المقام ، لاستلزام جعل الخيار التقييد. والثاني يقتضي البطلان ، لفقده ركناً من أركانه ، وهو تحديد الأجل بنحو لا يقبل الزيادة أو النقصان.

(١) في القوة إشكال بل منع ، والصحيح ما ذهب إليه المشهور.

والوجه فيه يظهر مما تقدّم في الوجه الثاني من وجهي بطلان الشرط نفسه ، فإن الزوجية حينئذ ليست بدائمة ، لمكان جعل الخيار وليس الأجل فيها محدوداً بحد معلوم ومضبوط ، فيحكم بفسادها ، نظير ما لو قالت : زوّجتك نفسي إلى مجي‌ء ولدي من السفر.

(٢) الفرق بين النكاح وغيره يظهر مما قدمناه. فإن هذا الشرط موجب لبطلانه من جهة استلزامه لفقد ركن من أركان العقد ، وهذا لا يأتي في سائر العقود ، حيث قد عرفت فيما تقدّم أنه إنما يرجع إلى تعليق الالتزام بترتيب الآثار على العقد على وجود الشرط وتحققه ، فلا يوجب فساده فساد العقد.

__________________

(*) وهو الصحيح ، والفرق بينه وبين سائر الشروط الفاسدة هو أنّ اشتراط الخيار يرجع إلى تحديد الزوجية بما قبل الفسخ لا محالة ، وهو ينافي قصد الزواج الدائم أو المؤجّل إلى أجل معلوم ، وهذا بخلاف سائر الشروط الفاسدة ، فإنها بحسب الارتكاز العرفي لا ترجع في خصوص النكاح إلى جعل الخيار على تقدير التخلّف ، وإنما ترجع إلى تعليق الالتزام بترتيب الآثار على وجود الشرط ، ففسادها لا يسري إلى العقد.

١٧٢

وأمّا اشتراط الخيار في المهر فلا مانع منه (١) ولكن لا بدّ من تعيين مدّته (١) (٢). وإذا فسخ قبل انقضاء المدّة ، يكون كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع إلى مهر المثل (٣). هذا في العقد الدائم الذي لا يلزم فيه ذكر المهر. وأما في المتعة حيث أنها لا تصحّ بلا مهر ، فاشتراط الخيار في المهر فيها مشكل (٤).

[٣٨٥٦] الثانية : إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدّقته ، أو ادعت امرأة زوجية رجل فصدّقها ، حكم لهما بذلك في ظاهر الشرع ، ويترتب جميع آثار الزوجية بينهما ، لأنّ الحق لا يعدوهما (٥)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه. والوجه فيه أن المهر ليس بركن في العقد ، ولذا يصحّ من دونه ابتداءً ، فلا محذور في جعل الخيار فيه.

(٢) لم يظهر لنا وجه هذا الاشتراط ، فإنه لا فرق بين النكاح وغيره من العقود حيث يصحّ جعل الخيار فيه من غير اشتراط لتعيين المدة.

نعم ، يعتبر فيه أن لا يكون مجهولاً مطلقاً ومبهماً من جميع الوجوه ، بأن يجعل لنفسه الخيار في ساعة ما فقط من غير تعيين لتلك الساعة ، فإنه يبطل لعدم قابليته للجعل ، باعتبار أنه لا واقع له ولا تعيين حتى في علم الله سبحانه. وأما لو كان معيناً نوع تعيين ولو بجعله إلى الأبد وما داما حيين ، فلا مانع من الالتزام بصحته من دون اعتبار لتحديده زماناً بحدّ معين ومضبوط. ولعل هذا هو مقصود الماتن (قدس سره) في المقام.

(٣) فيما إذا دخل بها ولم يتراضيا على مسمّى غير الأوّل.

(٤) بل ممنوع ، لأن مرجعه إلى دوران العقد بين وجود المهر فيه وخلوه عنه ، وهو موجب للبطلان فيه ، لاعتبار ذكر المهر والأجل فيه إجماعاً.

(٥) كما تقتضيه السيرة العقلائية القطعية من جميع الطوائف والمذاهب بلا خلاف فيه ، كما هو الحال في دعوى النسب.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

١٧٣

ولقاعدة الإقرار (١). وإذا مات أحدهما ورثه الآخر. ولا فرق في ذلك بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين.

وأما إذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر ، فيجري عليهما قواعد الدعوى فإن كان للمدعي بيّنة ، وإلّا فيحلف المنكر أو يردّ اليمين ، فيحلف المدعي ويحكم له بالزوجية ، وعلى المنكر ترتيب آثاره في الظاهر (٢). لكن يجب على كلّ منهما

______________________________________________________

(١) التمسك بهذه القاعدة لإثبات الزوجية في المقام غير واضح ، فإنها إنما تختص بما يكون على المقرّ ويعتبر ضرراً عليه ، ولا تشمل ما لا يكون كذلك أو يكون فيه نفع له. ومن هنا فحيث إنَّ للزوجية نوعين من الأثر ما يكون على الزوج أو الزوجة ، وما يكون لهما بالقياس إلى الآخر ، فلا مجال لإثباتها بالإقرار ، وإنما يثبت بإقرارهما ما يكون عليهما خاصة من دون ما يكون لهما.

فبإقرار الزوج يثبت منعه من التزوج بأُمها وأُختها وبنتها وتلزمه نفقتها ، إلى غير ذلك مما يكون عليه من الآثار. وأما جواز وطئه لها فلا يثبت بإقراره ، لأنه ليس من الإقرار على نفسه.

وهكذا بالنسبة إلى الزوجة ، فإنه إنما يؤثر في منعها من التزوج بغيره والسفر أو الخروج بغير إذنه ويلزمها تمكينه من نفسها ، إلى غير ذلك من الآثار التي تكون عليها. وأما ما يكون لها من الآثار ، كالدخول عليه من غير ساتر أو مطالبتها له بالنفقة ، فلا يمكن إثباتها بهذه القاعدة.

والحاصل أنه لا مجال لإثبات عنوان الزوجية بالإقرار ، حيث إنه يشتمل على ما يكون للمقرّ ، وإذا لم يثبت ذلك فلا مجال لترتيب جميع الآثار كالإرث ونحوه عليه وإنما يثبت به خصوص ما يكون على المقرّ. ومن هنا فالصحيح في إثبات الزوجية في المقام ، هو الاستدلال بأن الحق لا يعدوهما ، على ما تقتضيه السيرة العقلائية في التزويج والنسب.

(٢) فإنّ حكم الحاكم لا يبدل من الواقع شيئاً ، على ما تدلّ عليه جملة من النصوص ، فلا يكون غير الزوج بموجب حكم الحاكم زوجاً ولا غير الزوجة زوجة ، وإنما القضاء لفصل الخصومة ظاهراً مع بقاء الواقع على حاله.

١٧٤

العمل على الواقع فيما بينه وبين الله (١).

وإذا حلف المنكر حكم بعدم الزوجية بينهما ، لكن المدّعى مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه (٢). فليس له إن كان هو الرجل تزويج الخامسة ، ولا أُم المنكرة ولا بنتها مع الدخول بها ، ولا بنت أخيها أو أُختها إلّا برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر إليها (٣). نعم ، لا يجب عليه نفقتها ، لنشوزها بالإنكار (٤).

وإن كانت هي المدعية لا يجوز لها التزويج بغيره إلّا إذا طلّقها (*) (٥) ولو بأن

______________________________________________________

(١) لما عرفت في التعليقة المتقدِّمة ، من أن حكم الحاكم لا يغير ولا يبدل من الواقع شيئاً.

(٢) فإنه نافذ في حقه وإن لم يتمكن من إثباته خارجاً.

(٣) في العبارة مسامحة أو غفلة واضحة. فإن الزوج غير ملزم بالمهر بموجب إقراره ، لأن إقراره بكونه مديناً للمرأة بالمهر معارض بإقرارها بعدم استحقاق شي‌ء عليه ، وبذلك يسقط الإقراران ولا يثبت عليه شي‌ء.

نعم ، لو علم الرجل فيما بينه وبين الله ثبوت الزوجية وصدق مدعاه ، وجب عليه إيصال المهر إليها ، باعتبار أنها مالكة له بالعقد ، إلّا أن هذا غير الثبوت بالإقرار ، كما هو أوضح من أن يخفى.

والحاصل أن ذكر وجوب إيصال المهر في عداد ما يلزم الرجل بإقراره ، مما لا يمكن المساعدة عليه ، فإنه غير ملزم به بمجرد الإقرار ، وإن كان يجب عليه ذلك إذا علم فيما بينه وبين الله بزوجيتها له.

(٤) حيث إنّ المستفاد من جملة من النصوص ، أنّ الملاك في ثبوت النفقة إنما هو كون المرأة في بيت الزوج وتحت سلطانه ، فإذا خرجت عن ذلك ولو بإنكارها للزوجية لم تستحق النفقة.

(٥) أو طلقها الحاكم الشرعي بعد رفعها لأمرها إليه وامتناع الرجل عن الطّلاق وذلك لكونه ممتنعاً عن الإنفاق ، والمرأة لا تبقى بلا زوج على ما ورد في بعض النصوص.

__________________

(*) وأمّا إذا امتنع عن الطّلاق فللحاكم الشرعي أن يطلِّقها.

١٧٥

يقول : (هي طالق إن كانت زوجتي) (١). ولا يجوز لها السفر (*) من دون إذنه (٢). وكذا كلّ ما يتوقف على إذنه.

ولو رجع المنكر إلى الإقرار ، هل يسمع منه ويحكم بالزوجية بينهما؟ فيه قولان ، والأقوى السماع (**) (٣) إذا أظهر عذراً لإنكاره ، ولم يكن متهماً ، وإن

______________________________________________________

(١) إذ قد عرفت فيما تقدّم أن مثل هذا التعليق لا يضرّ بصحّة العقد.

(٢) فيه إشكال ، بل منع.

فإن عدم جواز ذلك للزوجة إنما هو من جهة مزاحمته لحق ، ولذا فلو لم تكن هناك مزاحمة لحقه كما لو كان مسافراً لم يتوقف جواز سفر المرأة على إذنه. وحيث إنه لا مزاحمة في المقام ، باعتبار أن الرجل لا يرى حقاً لنفسه فيها ، فلا وجه للحكم بتوقف جوازه على إذنه.

ومما تقدّم يظهر الحال فيما أفاده (قدس سره) بعد هذا ، من عدم جواز كل ما يتوقّف على إذنه بالنسبة إليها.

(٣) في إطلاقه إشكال ، بل منع.

فإن الإقرار بعد الإنكار وإن كان مسموعاً باعتبار أنه حجة مطلقاً فيتقدم على حكم الحاكم والبيّنة ، إلّا أن ذلك لا يعني ثبوت الزوجية بجميع ما لها من الآثار في المقام ، وإنما يثبت به خصوص الآثار التي تكون عليه دون ما يكون له ، نظراً إلى أنه بإنكاره الأوّل قد اعترف بعدم استحقاقه على الآخر ، فإذا رجع عن إنكاره كان ذلك بالنسبة إلى ما اعترف بعدم استحقاقه ، رجوعاً عن الإنكار وادعاءً محضاً فلا يسمع كما هو مقرر في باب القضاء بلا فرق بين أن يكون قد أظهر عذراً وأن يكون

__________________

(*) فيه وفيما بعده إشكال.

(**) هذا بالإضافة إلى الحقوق التي ادعيت عليه ، والظاهر أنه لا يعتبر في سماعه حينئذ أن يظهر عذراً لإنكاره وأن لا يكون متّهماً ، وأمّا بالإضافة إلى حقوقه على المدّعى ففي سماعه إشكال وكذلك الحال فيما إذا رجع المدّعى عن دعواه وكذب نفسه ، بلا فرق بين الرجوع قبل إقامة البيِّنة والرجوع بعدها.

١٧٦

كان ذلك بعد الحلف. وكذا المدّعى إذا رجع عن دعواه وكذّب نفسه (١). نعم يشكل السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البيّنة منه على دعواه (٢) إلّا إذا كذبت البيّنة أيضاً نفسها.

[٣٨٥٧] الثالثة : إذا تزوّج امرأة تدعي خلوّها عن الزوج ، فادعى زوجيتها رجل آخر ، لم تسمع دعواه إلّا بالبيِّنة (*) (٣). نعم ، له مع عدمها على كلّ منهما

______________________________________________________

متّهماً أم لا.

نعم ، لو قامت القرينة الخارجية على أن إنكاره الأوّل كان صورياً من دون أن يكون له واقع ، ففي قبول إقراره بعد ذلك خلاف بينهم ، وقد تقدّم مثله في مدعي الإقرار مواطاة.

(١) يظهر الحال فيه مما تقدّم.

فإن ادعاء الرجل مثلاً لزوجية امرأة ، يشتمل على اعتراف منه بعدم جواز تزوجه من أُمّها ، وأُختها ، وبنتها إذا كان قد دخل بها. ومعه كيف يمكن أن يقال بجواز ذلك بمجرّد إنكاره ورجوعه عن اعترافه ، فإن الإقرار حجة عليه في جميع التقادير ولا مجال لرفع اليد عنه. وهكذا بالنسبة إلى المرأة لو كانت هي المدعية.

فالصحيح هو التفصيل بين ما يكون عليه وما يكون له ، فيثبت الأوّل خاصة لأن الإقرار حجة على جميع التقادير ، دون الثاني لكونه دعوى بعد الإقرار فلا أثر له ولا يسمع.

(٢) ظهر مما تقدّم أنه لا فرق في الحكم بين رجوعه قبل إقامة البينة وبعدها ، فإنّ سماعة إنما يختص بما يكون عليه دون ما له.

(٣) على ما تقتضيه إطلاقات وعمومات القضاء. فإن مقتضاها عدم قبول قول

__________________

(*) والظاهر أنه حينئذ ليس له إحلاف الزوج ولا الزوجة ، أما الزوج فيكفي له عدم علمه بالحال ، وأما الزوجة فلأنّ اعترافها بالزوجية لا أثر له حتى يكون لحلفها أثر ، وبذلك يظهر الحال في بقيّة المسألة.

١٧٧

اليمين (١).

______________________________________________________

المدّعى من غير بيِّنة ، لا سيما بعد كون المرأة مصدقة في دعواها ، كما دلّت عليه جملة من النصوص (١).

مضافاً إلى مكاتبة الحسين بن سعيد الواردة في خصوص المقام ، أنه كتب إليه يسأله : عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان ، فسألها : لك زوج؟ فقالت : لا فتزوّجها ثمّ إن رجلاً أتاه فقال : هي امرأتي ، فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم الزوج؟ فقال : «هي امرأته إلّا أن يقيم البيّنة» (٢).

(١) وللنظر في ذلك مجال واسع ، فإن الظاهر من مكاتبة الحسين بن سعيد المتقدِّمة أن القضاء في المقام منحصر بالبيّنة ، بحيث لا يمكن الحكم بزوجيتها للمدعى إلّا بها.

والوجه فيه أنه لا مجال لوصول النوبة في المقام إلى اليمين ، إذ الزوج ليس منكراً لما يدعيه الآخر كي يتوجه إليه اليمين ، فإنه لا يدعي إلّا زوجية المرأة له استناداً إلى العقد عليها والمحكوم بالصحّة بحسب الظاهر ، لدعواها خلوها من البعل مع كونها مصدقة في ذلك شرعاً ، ومن دون أن ينفي ما يدعيه الآخر واقعاً.

ومن هنا فليس هو بمنكر كي يلزمه الحلف بمقتضى قواعد القضاء ، بل يكفيه في ترتيب آثار الزوجية عليها مجرد جهله بالحال والواقع ، كما هو مفروض الكلام.

وكذا الحال بالنسبة إلى المرأة. فإن اليمين إنما يتوجه على المنكر فيما إذا كان لاعترافه أثر ، بحيث لو أقرّ لكان إقراره مسموعاً ، فإذا لم يكن كذلك فلا وجه لتحليفه عند الإنكار. وحيث إنه لا أثر لاعتراف المرأة في المقام على ما سيأتي بيانه فلا معنى لتكليفها باليمين عند إنكارها.

وبعبارة اخرى : إنّ المرأة في المقام لو لم تحلف وردّت اليمين إلى المدعي فحلف ، لم يكن للحاكم الحكم بزوجيتها للمدعي ، نظراً لكونها زوجة للغير ظاهراً ، فلا يسمع

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٠.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٢٣ ح ٣.

١٧٨

فان وجّه الدعوى على الامرأة فأنكرت وحلفت ، سقط دعواه عليها (١). وإن نكلت أو ردّت اليمين عليه فحلف ، لا يكون حلفه حجة على الزوج ، وتبقى على زوجية الزوج مع عدمها (٢) سواء كان عالماً بكذب المدّعى أو لا ، وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدّعى ، وإن كان الأحوط حينئذ طلاقها (٣).

فيبقى النزاع بينه وبين الزوج ، فإن حلف سقط دعواه بالنسبة إليه أيضاً. وإن نكل أو ردّ اليمين عليه فحلف ، حكم له بالزوجية إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجية بعد الردّ عليه ، وإن كان قبل تمامية الدعوى مع الزوجة. فيبقى النزاع بينه وبينها ، كما إذا وجّه الدعوى أوّلاً عليه.

______________________________________________________

إقرارها المنافي لذلك ، وبهذا الملاك ليس للحاكم تحليفها باعتبار أنه ليس لها الإقرار بذلك.

والحاصل أن مثل هذه الدعوى لا تنفصل إلّا بالبيّنة ، فإن أقامها المدعي فهو ، وإلّا فلا أثر لإقرارها أو يمينها.

ومن هنا يظهر الحال فيما رتبه (قدس سره) من الفروع على هذا الحكم.

(١) يظهر من عبارته (قدس سره) هذه وما يأتي في جانب النزاع مع الزوج ، أن في المقام دعويين ، إحداهما متوجهة نحو الزوج والأُخرى نحو الزوجة ، وإنّ لكل دعوى حكمها. إلّا أنّ الحال في ذلك يظهر مما تقدّم في التعليقة المتقدِّمة.

(٢) أي عدم البيّنة للمدعي.

(٣) استدلّ عليه في الكلمات بموثقة سماعة ، قال : سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتع بها ، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال : إن هذه امرأتي وليست لي بيّنة ، فقال : «إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه» (١).

إلّا أن هذه الموثقة أجنبية عن محلّ الكلام ، ولا دلالة لها على المدعى ، فإنها إنما تتضمّن لزوم المفارقة فيما إذا كان المدعي هو ثقة ، والحال إن المدعى استحباب الطلاق

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ٢٣ ح ٢.

١٧٩

والحاصل أن هذه الدعوى على كل من الزّوج والزّوجة ، فمع عدم البيّنة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا أو ردّ اليمين عليه فحلف ثبت مدعاه.

وإن حلف أحدهما دون الآخر ، فلكلٍّ حكمه. فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة إليه. والزوجة لم تحلف بل ردت اليمين على المدعي أو نكلت وردّ الحاكم عليه فحلف ، وإن كان لا يتسلط عليها لمكان حق الزوج ، إلّا أنه لو طلقها أو مات عنها ردّت إليه ، سواء قلنا أن اليمين المردودة بمنزلة الإقرار ، أو بمنزلة البيّنة ، أو قسم ثالث. نعم ، في استحقاقها النفقة والمهر المسمّى على الزوج إشكال (١) خصوصاً إن قلنا أنه بمنزلة الإقرار أو البيّنة.

هذا كلّه إذا كانت منكرة لدعوى المدعي. وأما إذا صدقته وأقرّت بزوجيّته فلا يسمع بالنسبة إلى حق الزوج (٢) ولكنّها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحق

______________________________________________________

فيما إذا كان للمدعي شاهد ثقة.

وكيف كان ، فهذه الرواية وإن كانت موثقة من حيث السند ، إلّا أنه لا بدّ من رد علمها إلى أهله ، وذلك للقطع ببطلان مضمونها.

إذ المراد من قوله (عليه السلام) : «فلا يقربها» إن كان هو ترتب جميع آثار الزوجية عليها ما عدا وطأها ، فمقطوع البطلان من جهة استلزامه الأمر بترك الواجب ، أعني وطأها كل أربعة أشهر مرّة. وإن كان هو بطلان الزوجية وتقديم قول المدعي ، كما يشهد له قوله (عليه السلام) في فرض عدم كون المخبر ثقة : «فلا يقبل منه» فمقطوع البطلان من جهة أن الدعاوي لا تثبت إلّا بالبيّنة أو اليمين ، إذ القضاء لا يكون إلّا بهما كما تدلّ عليه جملة من النصوص ، فلا فرق بين كون المدعي ثقة وعدمه.

والحاصل أنه لا مجال للمساعدة على ظاهر الرواية ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله للقطع ببطلانه ، ولأجل هذا حملها غير واحد من الأصحاب على الاستحباب ولا بأس به احتياطاً ورجاءً.

(١) يظهر الحال فيه أيضاً مما تقدّم في توجه اليمين عليها وقبول إقرارها.

(٢) لكونها إقراراً واعترافاً في حق الغير ، فلا يسمع ولا يثبت به بطلان الزوجية

١٨٠