موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

.................................................................................................

______________________________________________________

هو التسالم بين المسلمين وهو دليل لبي ، فلا بدّ من الاقتصار فيه على القدر المتيقن وهو غير الأخرس ، وأما هو فيُكتفى بإشارته ، لإطلاقات أدلّة النكاح وعموماته.

إلّا أن لازم ذلك عدم اختصاص الحكم بالأخرس ، بل لا بدّ من الالتزام بعمومه لكل عاجز عن التكلم ، سواء أكان ذلك بالأصالة وهو المسمّى بالأخرس ، أم كان لعارض كالمقطوع لسانه.

نعم ، لو كان اعتبار اللفظ مستفاداً من الأدلّة اللّفظية كما استظهرناه ، كان مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين القادر على التكلم والعاجز عنه مطلقاً ، إذ الأحكام الوضعية لا تختلف بالقدرة وعدمها ، وحينئذ فلا بدّ من التماس دليل على صحّة عقد الأخرس بالإشارة.

ويدلّ عليه ما ورد في طلاق الأخرس ، من الاكتفاء بالكتابة أو الإشارة على النحو الذي يعرف به سائر أفعاله ومقاصده ، مثل حبه أو كراهته (١). فإنه إذا جاز الطلاق بالإشارة ، جاز النكاح بها بطريق أولى ، إذ الطلاق أشدّ حالاً من النكاح.

وما ورد في قراءته في الصلاة أو تشهده أو تلبيته «وما أشبه ذلك» على حد التعبير الوارد في معتبرة مسعدة بن صدقة (٢) من أنها بتحريك لسانه وإشارته بإصبعه (٣). ومن الواضح أن المراد من «ما أشبه ذلك» هو كل ما يعتبر فيه التلفظ شرعاً.

ومن هنا تكون هذه الروايات شاملة للمقام ودالّة على المدعى ، أعني جواز إنشاء الأخرس للنكاح بإشارته.

غير أن مقتضى هذه النصوص لزوم إضافة تحريك اللسان إلى الإشارة بإصبعه وعدم الاكتفاء بالإشارة المجردة ، كما ورد ذلك في معتبرة مسعدة بن صدقة المتقدِّمة ويظهر من روايات الطلاق ، حيث قيد الحكم بكون إبرازه للنكاح بالإشارة كإبراز سائر مقاصده وأُموره ، ومن الواضح أن المتعارف عند الأخرس في مقام بيان مقاصده هو تحريك لسانه مضافاً إلى الإشارة بإصبعه أو يده أو غيرهما ، ومن هنا فلا محيص

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدماته وشروطه ، ب ١٩.

(٢) الوسائل ، ج ٦ كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٦ كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥٩ ح ١ ، ٢.

١٤١

[٣٨٣٦] مسألة ٣ : لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة (١).

[٣٨٣٧] مسألة ٤ : لا يجب التطابق بين الإيجاب والقبول في ألفاظ المتعلقات (٢). فلو قال : (أنكحتك فلانة) فقال : (قبلت التزويج) أو بالعكس ، كفى. وكذا لو قال : (على المهر المعلوم) فقال الآخر : (على الصداق المعلوم). وهكذا في سائر المتعلقات.

[٣٨٣٨] مسألة ٥ : يكفي على الأقوى في الإيجاب لفظ (نعم) (٣) بعد الاستفهام ، كما إذا قال : (زوّجتني فلانة بكذا)؟ فقال : (نعم) فقال الأوّل : (قبلت). لكن الأحوط عدم الاكتفاء (*).

______________________________________________________

عن اشتراط تحريك اللِّسان في إنشاء الأخرس للنكاح بالإشارة.

(١) لعدم الدليل على الاكتفاء بها ، بعد ما دلّ على اعتبار اللفظ في الإنشاء.

(٢) وذلك لعدم الدليل على اعتبار تطابق الإيجاب والقبول من حيث المادة ، إذ إن دليل اعتبار اللفظ لا يقتضي إلّا لزوم كون الدالّ على إنشاء التزويج لفظاً ، وأما اتحادهما من حيث المادة فلا دليل عليه. ومقتضى الإطلاق كفاية غير المتطابق أيضاً.

(٣) الاكتفاء بـ (نعم) في مقام الإيجاب في حدّ نفسه مما لا ينبغي الإشكال فيه ، إذ تدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ المعتبر في اللّفظ كونه مبرزاً للاعتبار بنظر العرف من دون وجود خصوصيّة للفظ معين صحيحة أبان بن تغلب المتقدِّمة ، حيث ورد فيها : «فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك» بناءً على ما تقدّم بيانه مفصلاً من أن كلمة (نعم) إيجاب منها ، حيث لا يمكن أن تكون كلمة (أتزوّجك) هو الإيجاب.

نعم ، ما أفاده (قدس سره) من كفايته في جواب الاستفهام مشكل جدّاً ، حيث إن جواب الاستفهام إنما يكون إخباراً لا إنشاءً ، فاستعماله في مكانه يكون من الإنشاء بالمجاز المستنكر وغير المعهود والمتعارف لدى العرف ، ومن هنا فلا مجال للاكتفاء به.

__________________

(*) بل لا يبعد أن يكون هو الأظهر.

١٤٢

[٣٨٣٩] مسألة ٦ : إذا لحن في الصّيغة ، فإن كان مغيِّراً للمعنى لم يكف (١). وإن لم يكن مغيِّراً ، فلا بأس به إذا كان في المتعلّقات (٢). وإن كان في نفس اللّفظين كأن يقول : (جوّزتك) بدل (زوّجتك) فالأحوط عدم الاكتفاء به (٣). وكذا اللّحن في الإعراب.

[٣٨٤٠] مسألة ٧ : يشترط قصد الإنشاء في إجراء الصيغة (٤).

______________________________________________________

(١) لعدم صلاحيته لإبراز المعنى والاعتبار النفساني بحسب المتفاهم العرفي.

(٢) لكونه مبرزاً للاعتبار لدى العرف.

(٣) وإن كان الأقوى الاكتفاء به ، إذ العبرة إنما هي بكون اللّفظ مفهماً ومبرزاً للاعتبار بنظر العرف ، من دون أن يكون لموازين اللغة والإعراب دخل ، فإذا كان اللفظ كذلك صح إنشاء العقد به وإن كان غلطاً بحسب اللغة.

ومن هنا يظهر الفرق بين إنشاء العقود والقراءة في الصلاة. فإن المعتبر في الثاني هو اللفظ الخاص النازل من الله تبارك وتعالى ، فإذا وقع فيه تحريف لم يجز لعدم كونه النازل منه تعالى ، وهذا بخلاف العقود حيث لا يعتبر فيها لفظ خاص ، وإنما المعتبر فيها هو اللفظ المفهم للمعنى والمبرز للاعتبار بنظر العرف.

ومن هنا فالظاهر هو الاكتفاء بالملحون حتى ولو كان الغلط في نفس اللفظين فيما إذا كان اللحن نوعياً ، بحيث يكون مبرزاً للاعتبار بنظر العرف ، نعم ، إن الاحتياط في عدم الاكتفاء به.

ومما تقدّم يظهر الحال في اللحن في الإعراب ، فإن الحال فيه ما تقدّم.

(٤) وذلك لأن اللافظ لصيغة العقد : إما أن لا يستعملها في معنى بحيث يكون قصده إيجاد اللفظ خاصة ، وإما أن يكون قصده في استعمالها الإخبار عمّا مضى أو عمّا يأتي ، وإما أن يكون قصده في استعمالها إنشاء الزوجية. ولا رابع لهذه الاحتمالات.

والأولان لا يتحقق بهما عنوان التزويج ، لخلو الأوّل من إرادة المعنى ، وقصد الإخبار في الثاني ، فينحصر أمر الإنشاء في الثالث لا محالة. ولا يختص هذا بباب

١٤٣

[٣٨٤١] مسألة ٨ : لا يشترط في المجري للصيغة أن يكون عارفاً بمعنى الصيغة تفصيلاً (١) بأن يكون مميِّزاً للفعل والفاعل والمفعول ، بل يكفي علمه إجمالاً بأن معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج. لكن الأحوط العلم التفصيلي.

[٣٨٤٢] مسألة ٩ : يشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول (٢). وتكفي العرفية منها ، فلا يضرّ الفصل في الجملة ، بحيث يصدق معه أن هذا قبول لذلك الإيجاب. كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد ، من القيود والشروط وغيرها وإن كثرت.

______________________________________________________

النكاح ، بل يجري في إنشاء جميع العقود بلا اختلاف بينها.

(١) لأن المعاقدة إنما تتقوم بالاعتبار النفساني وإبرازه بمبرز في الخارج ، فإذا كان المجري للصيغة عالماً بأنها تبرز هذا الاعتبار النفساني ، كفى ذلك وإن لم يكن عالماً بخصوصياتها ، ولعل أكثر العرب فضلاً عن غيرهم لا يدركون ذلك ، بل غاية ما يدركونه إنما هو معنى الجملة من حيث المجموع ، دون كل جزء جزء هيئة ومادة.

(٢) على ما ذكره غير واحد من الأصحاب ، وذكروا أن الأصل في ذلك إنما هو ارتباط المستثنى بالمستثنى منه ، حيث إنه إذا فصل بينهما لم يكن أحدهما مرتبطاً بالآخر ، ومن ثمّ فلا يعدان جملة واحدة.

فلو قال اللافظ (لا إله) ثمّ ذكر بعد فصل طويل (إلّا الله) لما اعتبر ذلك شهادة بوحدانية الله تبارك وتعالى ، بل يحكم بكفره لنفي الإله. وكذا الحال في الإقرار ، فلو أقرّ لشخص بمائة دينار مثلاً ، وبعد فصل طويل استثنى منه خمسين ، فإنه يؤخذ بإقراره الأوّل ويعتبر استثناء الخمسين من الإنكار فلا يلتفت إليه. ولا يختص هذا بباب الاستثناء ، بل يجري في كل أمرين مرتبطين كالقرينة وذيها.

والعقود حيث تتركب من الإيجاب والقبول ، فلا بدّ من عدم الفصل بينهما ، كي تتحقق المعاقدة والمعاهدة.

وما أفادوه بالنسبة إلى الاستثناء والقرينة وذيها واضح. فإن المتكلم إذا فرغ من كلامه ولم ينصب قرينة على مراده ، انعقد لكلامه ظهور لا محالة ، فيؤخذ بمقتضى ظهور كلامه. وعلى هذا الأساس كان ما ذكرناه في محله ، من أن القرينة المنفصلة

١٤٤

[٣٨٤٣] مسألة ١٠ : ذكر بعضهم أنه يشترط اتحاد مجلس الإيجاب والقبول. فلو كان القابل غائباً عن المجلس ، فقال الموجب : (زوّجت فلاناً فلانة) وبعد بلوغ الخبر إليه قال : (قبلت) لم يصح.

وفيه : أنه لا دليل على اعتباره (١) من حيث هو. وعدم الصحّة في الفرض المذكور ، إنما هو من جهة الفصل الطويل ، أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة ، لعدم التخاطب. وإلّا فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدّد المجلس صحّ ، كما إذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنّه يسمع صوته ويقول : (قبلت) بلا فصل مضر

______________________________________________________

لا توجب خللاً في ظهور الكلام ورفعه ، وإنما توجب رفع حجية الظهور خاصة.

إلّا أن هذا لا يجري في محل كلامنا ، فإن المعاقدة ليست هي بين اللفظين كي يقال إنها معنى واحد قائم بهما فلا بدّ من ارتباطهما ، وإنما هي قائمة بين الالتزامين والاعتبارين النفسيين ، وإطلاقها على اللفظين إنما هو باعتبار إبرازهما للاعتبارين.

ومن هنا فلا عبرة بالفصل بين اللفظين وعدمه ، وإنما العبرة بارتباط الالتزامين. فإذا كان الالتزام الأوّل باقياً على حاله من دون أن يعرض الملتزم عنه إلى حين تحقق الالتزام من الثاني ، بحيث تحقق الارتباط بين الالتزامين ، صحت المعاقدة حتى ولو كان الفصل بين اللفظين طويلاً.

نعم ، لو أعرض الطرف الأوّل عن التزامه قبل التزام الطرف الآخر ، لم يكن لالتزامه بعد ذلك أثر ، لعدم تحقق الارتباط بينهما. فإنه حين وجود الالتزام من الأوّل لم يكن الالتزام من الثاني متحققاً ، وحين تحقق الالتزام من الثاني لم يكن التزام الأوّل موجوداً.

وبعبارة اخرى : إن اعتبار التوالي من حيث الزمان لا دليل عليه ولا عبرة به ، وإنما العبرة بصدق المعاقدة. ولما كانت هي قائمة بين الالتزامين ، كفى تحقّق الثاني في حين بقاء الأوّل وقبل رفع اليد عنه ، حيث يتحقق الارتباط بينهما.

(١) كما يظهر ذلك جلياً مما تقدّم في المسألة السابقة.

١٤٥

فإنّه يصدق عليه المعاقدة (١).

[٣٨٤٤] مسألة ١١ : ويشترط فيه التنجيز (٢) كما في سائر العقود ، فلو علّقه على شرط أو مجي‌ء زمان بطل. نعم ، لو علّقه على أمر محقق معلوم كأن يقول : (إن كان هذا يوم الجمعة زوجتك فلانة) مع علمه بأنّه يوم الجمعة صحّ ، وأمّا مع عدم علمه فمشكل.

______________________________________________________

(١) بل قد عرفت أن صدق المعاقدة لا يتوقف على عدم الفصل بين الإيجاب والقبول ، وإنما يكفي تحقق الالتزام من الطرف الآخر في زمن وجود الالتزام من الأوّل.

(٢) وتفصيل الكلام أن يقال : إن التعليق قد يكون على أمر يكون إنشاء ذلك العقد معلّقاً عليه قهراً ، سواء أذكره المنشئ أم لم يذكره ، كالزوجية في الطلاق والملكية في البيع. فهو لا يضر بالإنشاء جزماً ، فإن وجوده وعدمه سيان.

وقد يكون على أمر معلوم الحصول فعلاً ، أو معلوم الحصول في المستقبل ، لكن على نحو الواجب المشروط بالشرط المتأخر ، كما لو علّق الزوجية على حصول النهار غداً. وهو كالسابق لا يضرّ بصحّة العقد ووجوده كعدمه ، فإن اعتبار الزوجية حاصل من دون تعليق على شي‌ء ، باعتبار أن المعلّق عليه حاصل ومعلوم بالوجدان. ولا يحتمل تحقق الإجماع المدعى على البطلان فيه.

وقد يكون على أمر معلوم العدم ، أو مشكوك العدم ، مع كونه حين الإنشاء معدوماً واقعاً. وفيه لا ينبغي الشك في بطلانه ، سواء اعتبرنا التنجيز أم لم نعتبره ، لعدم تحقّق المعلّق عليه على الثاني.

وقد يكون على أمر متأخِّر معلوم الحصول في المستقبل ، على نحو الواجب المشروط بالشرط المقارن ، بحيث تكون الزوجية أو الملكية من حين حصول المعلق عليه. وهذا هو الذي قد ادعي في الكلمات التسالم على عدم صحته بعد استثناء الوصيّة والتدبير منه ، حيث لا تحصل الملكية فيهما إلّا متأخراً عن الإنشاء وبعد الموت.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا وقد يتوهّم أنّ الإجازة المتأخرة ، بأن يؤجر الإنسان فعلاً داره من بعد شهر مثلاً ، من هذا القبيل.

إلّا أنه واضح الفساد. فإن الإجازة بالنسبة إلى المنافع الآتية إنما هي أشبه شي‌ء بالواجب المعلق ، حيث إن التمليك فيها إنما يكون من الآن ، غاية الأمر أن متعلق الملكية والمملوك متأخر عن الإنشاء زماناً.

وقد يكون على أمر مشكوك الحصول ، سواء أكان أمراً فعلياً أم متأخراً. وقد حكم الأصحاب فيه بالبطلان أيضاً ، بلا فرق بين أن يكون التعليق من قبيل الشرط المتأخر أو الشرط المقارن.

هذا وقد ذكر في وجه البطلان في الأوّل : أن الوجود والإيجاد وإن كانا أمرين متغايرين بحسب الاعتبار ، لكنهما في الواقع أمر واحد وحقيقة واحدة ، وإن الاختلاف بينهما إنما ينشأ من حيث إضافة هذا الأمر الواحد ، فإنه إن أُضيف إلى الماهية عبّر عنه بالوجود ، وإن أُضيف إلى الفاعل عبّر عنه بالإيجاد ، فاختلافهما إنما هو بالاعتبار خاصة ، وإلّا فهما عنوانان لشي‌ء واحد ومتّحدان واقعاً.

ومن هنا فلا مجال للفصل بينهما ، بحيث يقال بتحقق الإيجاد دون تحقّق الوجود فإنه أمر ممتنع لاستلزامه الخلف.

وفيه : مضافاً إلى أنه لو تمّ فهو إنما يختص بالأُمور الحقيقية ولا يأتي في شي‌ء من الأُمور الاعتبارية التي منها المقام ، حيث إن الأمر فيها سهل المئونة فلا مانع من اعتبار الإيجاد بالفعل والوجود متأخراً عنه ، أنه مبني على كون الإنشاء إيجاداً للمعنى باللفظ. لكنك قد عرفت بطلانه مفصلاً في المباحث الأُصولية ، وأن الإنشاء إنما هو إبراز لما في النفس على حد الإخبار ، وإن اختلفا في قصد الحكاية وعدمه. وعليه فكما يصح تعلق الإخبار بأمر متأخر يصحّ إنشاء الأمر المتأخر أيضاً ، فيعتبر بالفعل الزوجية غداً وهو أمر معقول وممكن ، وأدلّ دليل على إمكانه هو وقوعه في الخارج كما هو الحال في الوصيّة والتدبير على ما عرفت.

هذا بالنسبة إلى البطلان في التعليق على أمر متأخر معلوم الحصول على نحو الشرط المقارن. وأما بالنسبة إلى البطلان في التعليق على أمر مشكوك الحصول ، فقد

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قيل في وجهه بأن الإيجاد لما كان هو الوجود بعينه في الحقيقة ، فلا معنى للتعليق فيه فإنّ الشي‌ء إمّا هو موجود وإمّا هو معدوم ، ولا يمكن فرضه موجوداً على تقدير وغير موجود على تقدير.

وبعبارة اخرى : إنه لا وجه لإيجاد القيام مثلاً على تقدير دون تقدير ، وإنما هو إمّا متحقق على كل تقدير ، وإمّا غير متحقِّق كذلك.

إلّا أنّ جوابه قد ظهر مما تقدّم ، إذ لا إيجاد في المقام كي يرد ما قيل ، وإنما هو إبراز للاعتبار النفساني ، وهو كما يتعلق بأمر على كل تقدير يتعلق بأمر على تقدير دون تقدير ، فيكون المعتبر هو الحصة الخاصة ، وهو متحقق في الإخبار أيضاً ، فترى أنه يخبر عن طلوع الشمس فيما إذا كانت الساعة السادسة صباحاً مثلاً.

ومن هنا فما ذكر من الدليل لا يكفي في القول بعدم إمكان هذا النحو من التعليق واقتضائه للبطلان ، بل لا بدّ في إثباته من التماس دليل غيره.

هذا ويمكن أن يستدل على اعتبار هذا الشرط مضافاً إلى دعوى الإجماع على اعتباره ، وهو ليس ببعيد أن مقتضى أصالة الفساد وعدم نفوذ العقد بعد كون مثل هذا العقد المعلّق غير متعارف لدى عامة الناس بل كونه مستنكراً لديهم ، ودعوى انصراف أدلة العقود إلى المتعارف فلا تشمله ، هو اعتباره في الصحّة.

ولو أغمضنا النظر عن ذلك ، فيمكن الاستدلال عليه بجملة من النصوص الواردة في النكاح والبيع وغيرهما من العقود ، الظاهر في لابدّية ترتّب أثر العقد عليه بالفعل وبلا فصل ، إلّا ما خرج بالدليل كبيع الصرف ، حيث يتوقّف ترتّب الأثر عليه فيه على القبض.

وهذه النصوص كقوله (عليه السلام) في صحيحة أبان بن تغلب : «فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك ، وأنت أولى الناس بها» (١). فإنها ظاهرة في أن الزوجية وترتب الأثر على عقد النكاح ، إنما يكون بمجرد قولها : «نعم» من دون أن ينتظر تحقق شي‌ء آخر.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٨ ح ١.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وما ورد في شراء الأمة ، من أن البائع إذا أخبر عن استبرائها أو كان البائع امرأة جاز وطؤها (١). فإنها ظاهرة في أن الحكم مترتب على مجرد شرائها وملكيته لبضعها من دون توقف على شي‌ء آخر.

ولا يبعد أن يدلّ عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي ، الواردة فيمن قال لامرأته إن تزوجت عليك أو بتّ عنك فأنت طالق : «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : من شرط شرطاً سوى كتاب الله عز وجل ، لم يجز ذلك عليه ولا له» (٢). إذ من غير البعيد أن يكون المراد به هو الطلاق الشرطي بحيث تشترط المرأة الطلاق عند تحقق الشرط ، لا توكيلها في الطلاق بحيث يكون أمر الطلاق بيده ، غاية الأمر تكون المرأة وكيلة عنه في إجزائه.

والحاصل أن المستفاد من هذه النصوص ، كون ترتب الأثر على العقد فعلياً وبمجرّد تماميته من دون انتظار لشي‌ء آخر ، ومن هنا فيعتبر التنجيز في العقود مراعاة لظهور النصوص المتقدِّمة.

وكيف كان ، فاعتبار التنجيز متسالم بين الأصحاب ، لكن من غير الخفي أن اعتباره إنما يختص بالعقود المعاوضية وما يشبهها.

وأما العقود الإذنية كالوكالة وما شابهها ، فالظاهر أنه لا مانع من تعليقها على الأُمور الفعلية والآتية ، معلومة الحصول أو مشكوكته ، كاشتراط الزوجة الوكالة في الطّلاق عند تزوّج الرجل بغيرها ، أو التوكيل في بيع الدار إذا صادف له السفر ، أو غير ذلك من القيود. فإنه أمر متعارف بل واقع في الخارج كثيراً ولا يعتبر من المستنكرات لدى العرف ، فترى أن الصديق يقول لصديقه : أنا مسافر غداً مثلاً فإن لم أرجع إلى شهر فأنت وكيلي في بيع داري ، وما شاكل ذلك.

ولعلّ الوجه فيه أن الوكالة لا تحتاج إلّا إلى رضا المالك خاصة ، وهو متحقق مع التعليق على حد تحققه مع التنجيز.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، ب ١١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدماته وشروطه ، ب ١٨ ح ١.

١٤٩

[٣٨٤٥] مسألة ١٢ : إذ أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته ، فإن أراد البقاء فاللازم الإعادة على الوجه الصحيح (١) وإن أراد الفراق فالأحوط الطلاق (*) (٢) وإن كان يمكن التمسك بأصالة عدم التأثير في الزوجية (٣).

______________________________________________________

ولا نظنّ فضلاً عن القطع قيام الإجماع على بطلانه ، بل قد صرح المحقق القمي (قدس سره) في جامع الشتات بصحّة التوكيل المعلق في طلاق زوجته ، ونسب ذلك إلى السبزواري والملّا أحمد والظاهر أنه الأردبيلي (قدس سره) ـ (١).

(١) إذ ليس لهما ترتيب آثار الزوجية ما لم يحرزا الصحّة ، فراراً من الوقوع في المخالفة الاحتمالية من غير عذر.

(٢) كي يحصل اليقين بانتفاء الزوجية بينهما.

(٣) ما أفاده (قدس سره) ينافي كون الاحتياط لزومياً. فإن الاحتياط قد يكون حكماً ظاهرياً للمجتهد ، كما في موارد العلم الإجمالي ، أو موارد الشبهة قبل الفحص وفيهما لا يمكن الرجوع إلى أصالة العدم ، لاختصاصها بغيرهما ، فالرجوع إليها والتمسك بها يخرج المورد عن كونه من موارد الاحتياط اللزومي.

وقد لا يكون الاحتياط كذلك ، بأن يعلم المجتهد بالحكم إلّا أنه لا يريد إبداءه وإظهاره للناس لمانع خارجي ، كحفظ المصالح العامّة أو ما شابهه. وحينئذ فتكون وظيفة العامي هو الاحتياط لا محالة ، لتنجز الواقع في حقه ، باعتبار أنه يعلم بالتكاليف إجمالا أيضاً ، ولا طريق له إلى فتوى المجتهد كما هو المفروض. وليس له الرجوع إلى أصالة عدم تأثير العقد ، باعتبار أن إجراء الأُصول في الشبهات الحكمية إنما هو من وظيفة المجتهد خاصة.

ومن هنا فينحصر أمر الفراق بينهما بالطلاق لا غير ، لعدم انسجام التمسك بالأصل مع كونه من موارد الاحتياط اللزومي ، من دون أن يمكن الجمع بينهما.

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يُترك.

(١) جامع الشتات ٢ : ٤٥٣.

١٥٠

وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي ، فمع إرادة البقاء الأحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحته ، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق.

[٣٨٤٦] مسألة ١٣ : يشترط في العاقد المجري للصيغة الكمال بالبلوغ والعقل ، سواء كان عاقداً لنفسه أو لغيره ، وكالة أو ولاية أو فضولاً.

فلا اعتبار بعقد الصبي (١)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ولا إشكال فيه إذا كان مستقلا في التصرف.

وتدلُّ عليه ، مضافاً إلى قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (١) حيث جعل الله سبحانه الغاية في دفع المال إلى الصبي بلوغه والرشد ، ومن الواضح أن مقتضاه عدم جواز دفع أمواله إليه قبل البلوغ حتى ولو كان رشيداً ، وعدم جواز تصرفاته فيها.

ما ورد في بعض النصوص من أن وضع القلم على الصبي إنما يكون بعد احتلامه وبلوغه ، حيث إن مقتضاه كون عمله قبل ذلك كلا عمل ، فلا يلزم بشي‌ء كما لا يؤاخذ على شي‌ء منها ، كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الغلام ، متى تجب عليه الصلاة؟ قال : «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصّلاة ، وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك ...» (٢).

ومعتبرة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سأله أبي وانا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال (حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ). قال : وما أشدّه؟ قال : «احتلامه» (٣). وهذه الرواية رواها صاحب الوسائل (قدس سره) عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ من دون ذكر ابن سنان ، غير أنه من سهو القلم أو السقط في الاستنساخ قطعاً ، والصحيح ما ذكرناه على ما هو المثبت في المصدر ، أعني كتاب

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٦.

(٢) الوسائل ، ج ١ كتاب الطهارة ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ٤ ح ١٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ كتاب الحجر ، ب ٢ ح ٥.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخصال (١).

وكيف كان ، فالرواية معتبرة ، فإن أبا الحسين هذا هو آدم بن المتوكل الثقة. وهي دالّة على توقّف جواز أمر الغلام ومضيه على كون صدوره حال البلوغ ، فلو لم يكن كذلك فلا ينفذ ولا عبرة به.

ثمّ إن مقتضى إطلاقات هذه النصوص وأدلّة رفع القلم ، عدم الفرق في الحكم بين كون الفعل الصادر منه على نحو الاستقلال بإذن من الولي وعدمه ، فيحكم فيهما معاً بالبطلان ، ولعله متسالم عليه بينهم.

هذا كلّه في فرض استقلاله بالتصرف. وأما إذا كان الصبيّ مجرياً للصيغة خاصّة بأن كان العقد بين الولي والطرف الآخر الكامل ، فهل يحكم ببطلانه أم لا؟

قد يقال بالأوّل ، بدعوى أن المستفاد من النصوص أن الصبيّ مسلوب العبارة وأنها كاللّفظ الصادر من الحيوان.

إلّا أنّ الظاهر هو الثاني ، إذ ليس في المقام ما يدلّ على سلب عبارة الصبي ، فإنّ النصوص المستدلّ بها كلها واردة فيما هو أمر للصبي نفسه ، فلا تشمل ما إذا كان الأمر للوليّ والبالغ ، غاية الأمر كان الصبي مجرياً للصيغة خاصّة.

نعم ، ورد في بعض النصوص المعتبرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «عمد الصبي وخطأه واحد» (٢) فقد يقال بأنها تدل على كون الصبي مسلوب العبارة ، وإنه لا يترتب على فعله أي أثر.

وهذا المضمون وإن كان مذيلاً في بعض النصوص بقوله (عليه السلام) : «تحمله العاقلة» وهو ظاهر في اختصاصه بموارد الجنايات ولا تشمل المقام ، إلّا أن بعضها الآخر لما كان خالياً عن هذا الذيل ، كان مقتضى إطلاقه عموم الحكم لغير مورد الجناية من أفعال الصبي. ولا وجه للقول بتقييد الإطلاق بما تقدّم ، إذ لا منافاة بينهما.

لكنّه مدفوع بأنّ المذكور في هذه النصوص إنما هو : «عمد الصبي وخطأه واحد»

__________________

(١) الخصال : ٤٩٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، ب ١١ ح ٢.

١٥٢

ولا المجنون ولو كان أدوارياً حال جنونه (١) وإن أجاز وليّه أو أجاز هو بعد بلوغه

______________________________________________________

لا أنّ (عمد الصبي لا عمد) وبينهما بون بعيد. إذ الثاني ظاهر في المدعى بخلاف الأوّل ، حيث إن ظاهره أن حكم عمل غير الصبي إذا كان ينقسم بلحاظ العمد والخطأ فهو متّحد بلحاظ الصبي دائماً ، وعليه فيختص النص بالجنايات لا محالة ، لكن لا من باب التقييد وإنما من جهة أن اختلاف حكم العمد والخطأ في غير الصبيان إنما يختص بالجنايات ، وأما غيرها فليس للخطائي منها أثر كي يقال إنهما واحد بالنسبة إلى الصبي.

على أنه لا مجال للمساعدة على هذا النص بإطلاقه ، فإنّ لازمه عدم قدح التكلم العمدي والأكل العمدي في صلاة الصبيّ وصيامه ، وهو مما لا يمكن الالتزام به.

إذن فهذه الروايات ناظرة إلى الجنايات خاصّة ، ولا تعمّ المقام.

ومن هنا فالصحيح هو الحكم بصحّة عقد الصبيّ ، فيما إذا كان دوره منحصراً في إجراء الصيغة خاصّة.

وممّا يؤيِّد ذلك رواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «تزوّج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أُم سلمة ، زوّجها إياه عمر بن أبي سلمة وهو صغير لم يبلغ الحلم» (١).

وهي وإن كانت دالّة على أن الصبي غير مسلوب العبارة ، إلّا أننا قد جعلناها مؤيدة لما تقدّم ، نظراً لضعف سندها بـ (سلمة بن الخطّاب) حيث لم يرد فيه توثيق.

(١) بلا خلاف فيه ، لعدم تحقق القصد منه أصلاً ، حيث لا يلتفت إلّا إلى اللّفظ وأما المعنى الإنشائي له فلا التفات له إليه ، فيكون حاله حال سائر الحيوانات حيث لم يصدر منه عقد. وعلى تقدير تحقق القصد منه ، فلا ينبغي الشك في انصراف أدلة نفوذ العقود عنه ، إذ العقلاء انما يتعاملون معه معاملة الحيوان نظير الصبي غير المميز ، فلا يترتّب على عقده أثر.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١٦ ح ١.

١٥٣

أو إفاقته ، على المشهور ، بل لا خلاف فيه. لكنه في الصبي الوكيل عن الغير محل تأمّل (*) (١) لعدم الدليل على سلب عبارته إذا كان عارفاً بالعربية ، وعلم قصده حقيقة ، وحديث رفع القلم منصرف عن مثل هذا. وكذا إذا كان لنفسه بإذن الولي ، أو إجازته ، أو أجاز هو بعد البلوغ (٢).

وكذا لا اعتبار بعقد السّكران ، فلا يصح ولو مع الإجازة بعد الإفاقة (٣). وأما

______________________________________________________

(١) بل منع ، إذ غاية ما يستفاد من النصوص المتقدِّمة أن عقد الصبي لا يكون نافذاً بالنسبة إلى نفسه. وأما بالنسبة إلى غيره فلا دليل على عدم نفوذه بعد فرض أنه ليس مسلوب العبارة ، فإنه حينئذ ليس من أمر الصبي الوكيل ، بل العقد مستند إلى الموكل حقيقة ، فيكون الأمر أمره. ومعه فمقتضى عمومات أدلة الوفاء بالعقد نفوذه.

وبعبارة اخرى نقول : إنه لا دليل على اعتبار البلوغ في الوكيل ، بل يجوز أن يكون صبيّاً إذا كان مميِّزاً عاقلاً ، والروايات الواردة في المقام غير شاملة للمورد ، إذ الصبي حينئذ غير مأخوذ بالعقد وإنما المأخوذ به هو الموكل خاصة ، فإن الأمر أمره والعقد عقده ، فتشمله عمومات الوفاء بالعقد.

(٢) إذ البطلان في المقام ليس بمعنى إلغائه كلية ، وإنما هو بمعنى عدم التأثير ما دام متصفاً بكونه عقد الصبيّ ، فإذا ارتفع الوصف وانتفى المانع بالبلوغ والإجازة فلا مانع من الالتزام بصحّته ، كما هو الحال في عقد المكره.

وكذا الحال لو أجازه الوليّ ، لإضافة العقد حينئذ إليه ، فيكون كأنه هو العاقد ، نظير إجازة المولى لعقد عبده ، أو المالك لعقد الفضولي.

(٣) ومحلّ الكلام هو الفاقد للشعور والعقل بحيث يكون مجنوناً مؤقتاً وبالعارض فإنّه حينئذ يحكم ببطلان عقده ، لعدم تحقّق قصد المعنى والاعتبار منه. وعلى تقدير تحقّقه ، فالعقلاء لا يعتبرون ذلك ولا يرتبون عليه أثراً ، لأنه هذيان نظير تكلّم النائم.

__________________

(*) بل منع.

١٥٤

عقد السّكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ففيه قولان ، فالمشهور أنه كذلك. وذهب جماعة إلى الصحّة (١) مستندين إلى صحيحة ابن بزيع (٢) ولا بأس بالعمل بها (٣)

______________________________________________________

ومن هنا فلا تشمله أدلة نفوذ العقود ، لانصرافها عنه جزماً.

وعليه فحيث يعتبر هذا العقد كالعدم ، فلا تنفعه لحوق الإجازة بعد ذلك ، لأنها إنما تنفع فيما إذا لم يكن العقد قاصراً في نفسه ، بحيث يكون مستجمعاً لجميع شرائط الصحّة عدا صدوره ممن له الأمر.

وكيف كان ، فالحكم لا ينبغي الإشكال فيه ، وإن كان يظهر من المحقق وصاحب الجواهر (قدس سرهما) وجود الخلاف فيه بين الأصحاب (١).

(١) كالشيخ (٢) وأتباعه (٣) وصاحب الحدائق (٤) وصاحب الوسائل (٥).

(٢) قال ، سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلاً في سكرها ، ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك ، ثمّ ظنت أنه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : «إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها». قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : «نعم» (٦).

(٣) بل هو متعين ، وإن كان مضمونها مخالفاً للقاعدة. فإنها من حيث السند صحيحة ، ومن حيث الدلالة واضحة ، ولم يثبت إعراض الأصحاب عنها كي يقال بأنه موجب لطرحها ، فقد عمل بها جماعة كما عرفت.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، الجواهر ٢٩ : ١٤٤.

(٢) النهاية : ٤٦٨.

(٣) مختلف الشيعة ٧ : ١٣٠ ١٣١.

(٤) الحدائق ٢٣ : ١٧٥.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٢٤٩.

(٦) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١٤ ح ١.

١٥٥

وإن كان الأحوط خلافه ، لإمكان حملها (*) (١) على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات بحيث لا التفات لها إلى ما تقول. مع أن المشهور لم يعملوا بها ، وحملوها على محامل ، فلا يترك الاحتياط.

[٣٨٤٧] مسألة ١٤ : لا بأس بعقد السفيه إذا كان وكيلاً عن الغير في إجراء الصيغة (٢) أو أصيلاً مع إجازة الولي (٣). وكذا لا بأس بعقد المكره على إجراء الصيغة للغير (٤) أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلك (٥).

______________________________________________________

(١) ما ذكر من المحامل خلاف الفهم العرفي ، فلا يصار إليها إلّا بالدليل وهو مفقود.

(٢) فإن الحجر عليه إنما يختص بتصرفاته في أمواله على نحو الاستقلال ، وليس بمسلوب العبارة قطعاً.

(٣) لما عرفت من اختصاص الحجر عليه بصورة الاستقلال.

(٤) كما لو طلب العاقد أجراً على العقد ، فأكرهه الزوجان أو أحدهما على إجرائه مجاناً.

والوجه فيه إطلاقات نفوذ العقد بعد عدم شمول حديث نفي الإكراه له ، باعتبار أن العقد لا أثر له بالنسبة إلى المكره نفسه بالمرة ، إذ المعاقدة إنما هي بين شخصين غيره فيحكم بتأثير العقد وصحّة الالتزام من الطرفين وإن كان المجري للصيغة مكرهاً.

(٥) على ما هو المعروف والمشهور بينهم.

وقد ناقش فيه بعضهم ، بأن العقد لما كان حين وقوعه محكوماً بالفساد ، فصحته بعد ذلك تحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

ولا يقاس ذلك بالبيع والنكاح الفضوليين ، فإن العقد حين وقوعه فيهما لا يكون مستنداً إلى من له الأمر والولاية ، وإنما رضاه بهما وإجازته لهما بعد ذلك ، يوجب استناد ذلك العقد الواقع سابقاً إليه وانتسابه له من حين الرضا والإجازة ، فيحكم

__________________

(*) هو بعيد جدّاً ، والعمدة دعوى إعراض المشهور ، وهي غير ثابتة لعمل جماعة من المتقدِّمين بها ، على أنّ كبرى هذه الدعوى غير ثابتة.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بصحته. وهذا بخلاف المكره ، حيث يستند العقد إليه من حين وقوعه ، فيقال : باع فلان داره مكرهاً ، أو اشترى كذلك.

ومن هنا فإذا كان العقد المنتسب إليه حين وقوعه محكوماً بالفساد ، فصحته بعد ذلك تحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل عليها في المقام يحكم بفساده لا محالة.

وفيه : أن دليل الفساد في المقام لا يدلّ عليه بنحو الإطلاق ، وإنما هو يقتضيه ما دام الموضوع أعني كون العاقد مكرهاً موجوداً ، فإذا ارتفع هذا العنوان وانتفى هذا الموضوع حكم بصحّة العقد لا محالة ، إذ العقد ليس هو الإيجاب والقبول كي يقال إنه أمر حادث وقد انعدم فلا مجال للحكم بصحته ، وإنما هو الالتزام بالاعتبار عن الرضا والاختيار. فإذا لم يكن ذلك مشمولاً لعموم أدلة نفوذ العقد ابتداءً ، لكونه مشمولاً لأدلّة فساد عقد المكره ، لم يمنع ذلك من الحكم بصحته استمراراً ، بعد ارتفاع العنوان الموجب لانتفاء شمول دليل الفساد له ، فتشمله أدلّة النفوذ لا محالة.

توضيح ذلك : أن دليل الفساد في عقد المكره قاصر عن إثبات الفساد حتى في فرض الرضا بالعقد بعد ذلك ، فإنّ حديث الرفع وارد مورد الامتنان ، فلا يقتضي إلّا الحكم بفساده ما دام الإكراه باقياً ، فإذا ارتفع ذلك حكم بصحته ، لارتفاع المقتضي وكون بقاء الحكم بالبطلان منافياً للامتنان.

ولأجل هذا ذكرنا في محله أن هذا الحكم لا يجري في مورد الاضطرار ، فيحكم بصحّة عقد المضطر وترتب جميع الأحكام الوضعية عليه ، نظراً إلى أن الحكم بالبطلان لحديث الرفع موجب لوقوع المكلف في المشقة الشديدة ، وهو منافٍ للامتنان.

لا يقال : إنّ هذا الكلام وإن تمّ في الزواج ونحوه ، حيث كان الدليل على فساده في صورة الإكراه هو حديث نفي الإكراه ، إلّا أنه لا يتمّ في مثل البيع ونحوه ، مما يكون الدليل على فساده قصور دليل الصحّة من الأوّل لكونه مقيداً بالتراضي ، على ما دلّت عليه الآية المباركة (١) بناءً على كون الاستثناء فيها متصلاً ، فإنّ مقتضاه هو الحكم

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ببطلان كل عقد إلّا الذي كان عن تراضٍ. وحيث إن العقد في المقام لم يكن عن تراضٍ حين صدوره ، يحكم بفساده حتى وإن رضي به بعد ذلك.

فإنه يقال : إن المراد بالتجارة ليس هو اللفظ الإيجاب والقبول وإنما المراد بها الالتزام بالمبادلة نفساً ، وهو وإن لم يكن عن الرضا حدوثاً ، إلّا أنه بقاءً لما كان يصدق عليه التجارة عن تراضٍ حكم بصحته.

ويؤكد ذلك : أن المستثنى منه أكل المال بالباطل بجميع أقسامه باطل ، والحال أن هذا الفرد ليس بباطل عند العقلاء جزماً. نظير ما لو غصب متاعاً ثمّ رضي مالكه ، فإنه ينقلب الغصب إلى الأمانة ونحوها.

إذن فالصحيح في المقام أن الحكم بالصحّة لا يختص بالزواج ونحوه ، بل هو عام لمثل البيع أيضاً ، باعتبار أن قصور العقد إنما هو من جهة الرضا خاصة ، فإذا تحقق بعد ذلك حكم بصحته. نظير التزوج ببنت أُخت الزوجة أو بنت أخيها من دون إذنها فإنها لو أذنت حكم بصحّة العقد كما تقدّم ، لانتفاء المانع.

وبعبارة اخرى : إن الأمر في المقام دائر بين رفع اليد عن عموم أدلّة صحّة العقد ونفوذه ، والالتزام ببطلان عقد المكره مطلقاً ، فيكون ذلك تخصيصاً لها. وبين رفع اليد عن إطلاقات تلك الأدلّة المقتضية لثبوت الحكم من الأوّل مستمراً ، والالتزام بالبطلان ما دام الإكراه متحققاً. فيتقدم الثاني لكونه الموافق للامتنان دون الأوّل.

ثمّ إن هذا كله مبني على الالتزام بالنقل في الرضا المتأخر ، وإن الحكم بالصحّة إنما يكون من حين الرضا ، كما ذهب إليه الشيخ (قدس سره). وأما بناءً على ما اخترناه من الكشف ، فحديث الرفع غير شامل لمثل هذا العقد المتعقب للإجازة من الأوّل لكونه منافياً للامتنان.

وعليه فلا موجب للحكم بالبطلان ، بل ينبغي الحكم بصحّة العقد من حين وقوعه ، غاية الأمر أن الرضا يكون شرطاً متأخِّراً فيه.

ومن هنا فلا يكون في المقام تخصيص ولا تقييد ، حيث لا حكم بالفساد عند لحوق الرضا واقعاً ، وإن حكمنا به قبل لحوق الرضا ظاهراً.

١٥٨

[٣٨٤٨] مسألة ١٥ : لا يشترط الذكورة في العاقد ، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة (١) كما يجوز إجراؤها لنفسها (٢).

[٣٨٤٩] مسألة ١٦ : يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد (٣). فلو أوجب ، ثمّ جنّ أو أُغمي عليه قبل مجي‌ء القبول ، لم يصحّ. وكذا لو أوجب ثمّ نام ، بل أو غفل عن العقد بالمرّة. وكذا الحال في سائر العقود. والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة ، مضافاً إلى دعوى الإجماع وانصراف الأدلّة.

______________________________________________________

(١) لإطلاقات أدلّة التوكيل ، حيث لا دليل على اعتبار الرجولية في الوكيل.

(٢) ويدلّ عليه مضافاً إلى عمومات وإطلاقات أدلّة النكاح قوله (عليه السلام) في صحيحة أبان بن تغلب : «فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك ، وأنت أولى الناس بها» (١).

(٣) الكلام في هذه المسألة يقع في جهات :

الجهة الأُولى : فيما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) من اعتبار أهلية القابل للقبول حين الإيجاب (٢).

الجهة الثانية : في اعتبار اتصاف الموجب بالأهلية حين صدور القبول من القابل.

الجهة الثالثة : في اعتبار استمرار أهلية الموجب من حين الإيجاب إلى حين صدور القبول ، بحيث لا تتوسط بينهما حالة عدم الأهلية له.

أمّا الجهة الأُولى : فما أفاده (قدس سره) مما لا دليل عليه ، لأن عنواني المعاهدة والمعاقدة المعتبرين في العقود إنما يتوقفان على أهلية القابل للقبول حين القبول خاصة ، ولا يتوقفان على أهليته له حين الإيجاب ، فإنه إذا كان القابل حينه أهلاً له صدقت المعاهدة والمعاقدة وإن لم يكن كذلك حال الإيجاب ، لأنهما ليسا إلّا ضمّ عهد إلى عهد آخر وعقد التزام إلى نظيره كعقدة أحد الحبلين إلى آخر وهما صادقان

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٨ ح ١.

(٢) كتاب النكاح للشيخ الأنصاري ٢٠ : ٩٠ طبع المؤتمر العالمي.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مع أهلية القابل له حين القبول خاصة أيضاً ، فيقال إنهما تعاقدا وتعاهدا ما لم يرجع الأوّل عن التزامه.

ودعوى اعتبار ما أفاده (قدس سره) لا من جهة دخله في عنوان المعاهدة والمعاقدة ، بل من جهة الإجماع أو التعبد.

مدفوعة بأنه لا دليل عليها ، وعهدتها على مدعيها.

ومن هنا يظهر أنه لا وجه لدعوى انصراف الأدلة عن مثل هذا العقد ، فإنه كيف يمكن قبول هذه الدعوى بعد صدق المعاهدة والمعاقدة عليه ، كما عرفت! بل الحكم كذلك حتى ولو كان القابل غير أهل للتخاطب حال الإيجاب ، كما لو كان مجنوناً أو نائماً ، لصدق المعاقدة والمعاهدة عليه عند ضمّه لالتزامه في حال أهليته إلى التزام الطرف الأوّل ، وبذلك تشمله عمومات وإطلاقات أدلّة الصحّة والنفوذ ، بعد أن لم يثبت إجماع على الخلاف أو انصراف.

والحاصل أنه تكفي أهلية القابل عند القبول خاصة وإن لم يكن كذلك عند الإيجاب ، لصدق المعاهدة والمعاقدة ، وعدم الدليل على اعتبارها حال الإيجاب.

وأمّا الجهة الثانية : فالظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في اعتبار بقاء الموجب على أهليته حين صدور القبول من الطرف الآخر ، باعتبار أن ارتفاع أهليته يستلزم سقوط التزامه وزواله. وبه لا يتحقق عنوان المعاهدة والمعاقدة ، فإنّ تحققه كما عرفت يتوقّف على انضمام أحد الالتزامين بالآخر ، فإذا فرض ارتفاع التزام الطرف الأوّل نتيجة عدم أهليته له حين صدور الالتزام من الآخر ، لم يكن لالتزام الآخر أثر بالمرة. ومن هنا فإذا مات الموجب قبل صدور القبول ممن له القبول ، لم تصدق المعاقدة ولم يكن لقبوله بعد ذلك أثر.

بل الحال كذلك لو نام الموجب ، أو غفل عن التزامه بالكلية ، أو حكم عليه بالحجر ، لعدم تحقّق المعاهدة ، نظراً لعدم انضمام أحد الالتزامين إلى الآخر.

وأمّا الجهة الثالثة : فالظاهر أنه كالأوّل في عدم الدليل على اعتباره ، فإنّ توسط حالة عدم الأهلية بين حالتي الأهلية في حين الإيجاب والقبول ، لا يضرّ بصدق

١٦٠