موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

ولكن عليها تتميمها عدّة الحرّة (١).

وإن كانت العدّة بائنة فلا خيار لها ، على الأقوى (٢).

______________________________________________________

النص الصحيح مطلقاً حتى ولو كان الوطء شبهة ، وإما من جهة خصوص ما ورد في الفسخ بالعيب بعد دخوله بها مع عدم علمه بالعيب. والأوّل لا يقتضي إلّا العدّة الأُولى ، فإنّ الزوجة تعتدّ من دخول الزوج ، وهو لا يوجب إلّا عدّة واحدة هي التي بدأتها عند الطلاق. وأما الثاني فهو لا يقتضي ثبوت عدّة اخرى ، نظراً إلى أن موردها هو الفسخ وهي زوجة غير معتدّة ، فلا تشمل المقام أعني الفسخ وهي في أثناء عدّة الطّلاق.

ومن هنا فلا يبقى دليل على ثبوت عدة ثانية ، كي يبحث في تداخلهما وعدمه.

(١) لما دلّ على أن المطلقة رجعية إذا أُعتقت أثناء عدّتها ، انقلبت عدّتها عدّة حرّة (*).

وهذه النصوص وإن لم تكن تشتمل على التصريح بكون العدة التي أُعتقت الأمة فيها عدة رجعية ، إلّا أن القرينة قائمة على إرادتها.

وكيف كان ، فالحكم متسالم عليه ولا خلاف فيه.

(٢) وظاهره وجود قول بثبوت الخيار لها في الفرض. إلّا أنّ الأمر ليس كذلك حيث لا قائل بثبوت الخيار لها في الفرض مطلقاً ، بل لا وجه متحصل للقول بثبوته. فإنه إنما يفيد اختيار المرأة في بقائها على الزوجية ، أو نزع نفسها منه ، والأوّل لا معنى له ، لفرض انفصالها عنه بالطلاق البائن. والثاني تحصيل للحاصل.

والظاهر أن قوله (قدس سره) : على الأقوى ، من سهو قلمه الشريف.

وكيف كان ، فعدم ثبوت الخيار لها عند عتقها وفسخها للزوجية في فترة العدة البائنة ، ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، بل أرسله صاحب الجواهر (قدس سره) إرسال المسلّمات (١).

__________________

(*) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، ب ٥٠.

(١) الجواهر ٣٠ : ٢٤٧.

١٢١

[٣٨٢٦] مسألة ٥ : لا يحتاج فسخها إلى إذن الحاكم (١).

[٣٨٢٧] مسألة ٦ : الخيار على الفور على الأحوط (*) (٢) فوراً عرفيّاً. نعم لو كانت جاهلة بالعتق ، أو بالخيار ، أو بالفورية ، جاز لها الفسخ بعد العلم ، ولا يضرّه التأخير حينئذ.

[٣٨٢٨] مسألة ٧ : إن كانت صبيّة أو مجنونة ، فالأقوى أنّ وليّها يتولّى خيارها (٣).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه بيننا. فإنه من حقوقها ، نظير اعتبار إذنها في التزويج من بنت أخيها أو أُختها ، ولا دخل للحاكم فيه. نعم ، نسب ذلك إلى بعض الشافعية ، لكن وجهه غير واضح.

(٢) لشبهة الإجماع على الفورية ، على ما ادعي في بعض الكلمات.

لكن الأظهر عدم الاعتبار ، وذلك لا للتمسك باستصحاب حكم المخصص الزماني في الأزمنة المتأخِّرة ، فيما إذا لم يكن للدليل الأوّل عموم أو إطلاق من حيث الزمان بل للتمسّك بعموم المخصّص أعني قوله (عليه السلام) : «أمرها بيدها» في الزمان المشكوك ، فإنه مقدّم على عموم الدليل الأوّل ، فيعمل به من دون أن يكون هناك مجال للتمسك بالاستصحاب ، كما هو واضح.

إذن فإن ثبت هناك إجماع تعبدي على الفورية فهو لكنه في حيز المنع جدّاً وإلّا فالمتعيِّن هو الرجوع إلى عموم المخصص أو إطلاقه ، ومقتضاه ثبوت الخيار لها مطلقاً ومن غير تقييد بالزمان الأوّل.

(٣) خلافاً لما يظهر من جماعة من الأصحاب ، بل يظهر من كلمات بعضهم أنه لا خلاف في عدم ثبوت الخيار للولي.

وكيف كان ، فالذي ينبغي أن يقال في المقام : هو التفصيل بين ما إذا لم يترتب على عدم الفسخ مفسدة أو فوات مصلحة لها ، وبين ما إذا ترتب على ذلك فوات مصلحة أو مفسدة.

__________________

(*) وإن كان الأظهر عدم فوريّته.

١٢٢

[٣٨٢٩] مسألة ٨ : لا يجب على الزوج أعلامها بالعتق أو بالخيار إذا لم تعلم ، بل يجوز له إخفاء الأمر عليها (١).

______________________________________________________

ففي الصورة الاولى ، لا يثبت خيار للولي ، كما لو كان جنون الزوجة أدوارياً وكان زمان إفاقتها قريباً ، أو كانت الصبية قريبة البلوغ ، فإنه لا بدّ من انتظار رشدها أو بلوغها من دون أن يكون لوليها الخيار ، لعدم الدليل على ذلك ، لأن الولي إنما جعل ولياً للتحفظ على مصالح المولى عليه ودفع المفاسد عنه ، فإذا فرض عدمهما فلا وجه لإثبات الولاية عليها في المقام.

والظاهر أن الماتن وكلّ من حكم بثبوت الولاية عليها في المقام غير ناظر إلى هذه الصورة.

وأما الصورة الثانية ، فالأقوى فيها ثبوت الولاية له.

والوجه في ذلك أنه وإن لم يرد نصّ يدلّ على ثبوت الولاية في المقام بخصوصه ، إلّا أن حق المسلم في ماله ودمه وعرضه لما كان محترماً ، إذ «لا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم» على ما في صحيحة يزيد الكناسي (١) و «لا يصلح ذهاب حق أحد» على ما في صحيحة الحلبي (٢) كان لا بدّ من تداركها. وحيث إن من الواضح أن الحق العرضي لا يقلّ حرمة عن الحق المالي وقد ورد فيه أن حرمة مال المسلم كحرمة دمه فلا بدّ من احترامه ، ولما كان صاحب الحق عاجزاً عن استيفائه وغير قادر عليه لصغر أو جنون ، كان من مقتضى طبيعة الحال انتقاله إلى الولي خاصة إذ ليس لكل مسلم القيام بتحصيله ، بلا خلاف.

والحاصل أنه وإن لم يرد في هذه الصّورة نصّ خاص يدلّ على ثبوت الولاية لوليها ، إلّا أن في الأدلّة العامّة ما يكفي.

(١) لعدم الدليل على الوجوب ، فيكون مقتضى الأصل هو العدم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٨ كتاب الحدود ، أبواب مقدمات الحدود ، ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٧ كتاب الشهادات ، ب ٤٠ ح ١.

١٢٣

[٣٨٣٠] مسألة ٩ : ظاهر المشهور عدم الفرق في ثبوت الخيار لها بين أن يكون هو المباشر لتزويجها ، أو آذنها فاختارت هي زوجاً برضاها. ولكن يمكن دعوى انصراف الأخبار (*) إلى صورة مباشرة المولى بلا اختيار منها (١).

[٣٨٣١] مسألة ١٠ : لو شرط مولاها في العتق عدم فسخها ، فالظاهر صحّته (**) (٢).

______________________________________________________

(١) ولم يعلم وجه لهذا الانصراف. فإنّ المذكور في بعض روايات المقام وإن كانت الأمة المزوجة من قبل المولى ، إلّا أن الموضوع في جملة منها هو الأمة المزوجة من دون تعيين لمن هو المزوج لها ، وقد حكم الإمام (عليه السلام) فيها بثبوت الخيار لها بعنوان أن أمرها أصبح بيدها ، ومن الواضح أنه صادق في فرض تزويجها هي ، على حد صدقه في فرض تزويج المولى لها.

ثمّ لو سلم الانصراف ، فلا يخفى أنه بدوي لا يلتفت إليه.

إذن فالصحيح هو ما اختاره المشهور من عدم الفرق بين الفرضين.

(٢) تقدّم الكلام فيه في ذيل التعليقة الثانية من هذا الفصل ، وقد عرفت أن الشرط سواء أكان شرط فعل أم كان شرط نتيجة نافذ وصحيح ، فلا يجوز لها الفسخ بعد ذلك.

نعم ، لو كان الشرط شرط عدم الفسخ وخالفت الشرط وارتكبت محرماً نفذ فسخها ، باعتبار أن الاشتراط لا يوجب سلب القدرة على الفعل ، وإنما يوجب لزوم الوفاء به تكليفاً خاصة.

ثمّ هل يعتبر رضا الأمة بالشرط ، أم لا؟

فيه خلاف ، منشأه الاختلاف في جواز جعل المولى ذمّة مملوكه مشغولة بشي‌ء

__________________

(*) لا وجه لهذه الدعوى.

(**) هذا الشرط وإن كان صحيحاً ويجب عليها العمل به إلّا أنها إذا فسخت كان فسخها مؤثراً وموجباً لبطلان العقد.

١٢٤

[٣٨٣٢] مسألة ١١ : لو أُعتق العبد لا خيار له (١)

______________________________________________________

يتبع به بعد العتق ، كأن يستدين على ذمّة العبد ، وقد تقدّم الكلام في هذا الفرع وقد عرفت أنه ليس للمولى مثل هذه الولاية ، وإنما له التصرف في نفس المملوك أو ما يتعلق به من المنافع خاصة.

وعليه فمقتضى القاعدة في المقام ، هو اعتبار رضا الأمة بالشرط كي تدخل بذلك تحت عموم «المؤمنون عند شروطهم» فيصبح الشرط لازماً.

نعم ، نسب إلى العلامة (قدس سره) التفصيل بين اشتراط الخدمة وغيرها ، فاعتبر رضا المملوك في الثاني دون الأوّل (١). وهو متين ، فإن العتق مع اشتراط الخدمة يكون من عتق العين مسلوبة المنفعة ، فإنّ كلّاً منهما مملوك له فلا يعتبر رضاه بالشرط ، نظير وقف العين مسلوبة المنفعة ، وهذا بخلاف اشتراط غيرها كالمال حيث لا يكون مملوكاً له.

هذا ويدلّنا على عدم اعتبار رضا المملوك في اشتراط الخدمة عليه ، صحيحة أبان ابن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل قال : غلامي حرّ وعليه عمالة كذا وكذا سنة؟ قال : «هو حر وعليه العمالة». قلت : إن ابن أبي ليلى يزعم أنه حر وليس عليه شي‌ء ، قال : «كذب ، إن علياً (عليه السلام) أعتق أبا نيزر وعياضاً ورباحاً وعليهم عمالة كذا وكذا سنة ، ولهم رزقهم وكسوتهم بالمعروف في تلك السنين» (٢).

فإنها مطلقة من حيث جعل المولى الخدمة عليه ومن دون تقييد برضا المملوك فتكون دليلاً على ما ذكرناه.

(١) لفقدان الدليل. على أنه لم يفت من العبد شي‌ء ، حيث إنه إذا لم يرض ببقاء الأمة زوجة له فله التخلص بالطلاق ، من دون أن يتوقف دفع مذمّة كون زوجته أمة

__________________

(١) جامع المقاصد في شرح القواعد ١٣ : ١٠١ و ١٠٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٣ كتاب العتق ، ب ١٠ ح ٣ ، عن أبان ، عن أبي العباس ، وكذا في التهذيب ٨ : ٢٣٨ / ٨٥٧ ، والفقيه ٣ : ٧٥ / ٢٦٢.

١٢٥

ولا لزوجته (١).

[٣٨٣٣] مسألة ١٢ : لو كان عند العبد حرّة وأمتان ، فأُعتقت إحدى الأمتين ، فهل لها الخيار أوْ لا؟ وجهان (*) (٢). وعلى الأوّل إن اختارت البقاء ، فهل

______________________________________________________

على ثبوت الخيار له والفسخ.

وما نسب إلى بعضهم من القول بثبوت الخيار له ، فيما إذا استمرت الكراهة إلى حالة الاختيار.

مدفوع بأن الإكراه في زمن العبودية لا يقتضي الفساد لأنه إكراه بالحق لا الباطل والإكراه في زمن الحرية لو تحقق فهو يقتضي البطلان لا الخيار.

(١) فإن الأمر فيها أوضح إذ لم يفت عليها شي‌ء ، بل زيد في مقامها وشرفها حيث أصبحت زوجة للحر.

هذا مضافاً إلى دلالة معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في العبد يتزوج الحرّة ثمّ يعتق فيصيب فاحشة ، قال : فقال : «لا يرجم حتى يواقع الحرّة بعد ما يعتق». قلت : فللحرّة الخيار عليه إذا أُعتق؟ قال : «لا ، قد رضيت به وهو مملوك ، فهو على نكاحه الأوّل» (٢).

ورواية علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في رجل زوّج أُم ولد له من عبد فأُعتق العبد بعد ما دخل بها ، هل يكون لها الخيار؟ قال : «لا ، قد تزوجته عبداً ورضيت به ، فهو حين صار حراً أحق أن ترضى به» (٣).

وكيف كان ، فالحكم مما لا خلاف فيه.

(٢) أظهرهما الأوّل لعموم أدلّة الخيار ، على ما اعترف به (قدس سره) في المسألة الثانية من فصل عدم جواز الزيادة على الأربع في العقد الدائم.

__________________

(*) الأظهر هو الوجه الأوّل ، وعليه فإن اختارت الفسخ بطل نكاحها فحسب ، وإن اختارت البقاء فالأظهر رجوع الزوج إلى القرعة كما مرّ نظيره سابقاً.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٤ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٤ ح ٢.

١٢٦

يثبت للزوج التخيير أو يبطل نكاحها؟ وجهان (١). وكذا إذا كان عنده ثلاث (*) (٢) أو أربع إماء (**) ، فأُعتقت إحداها (٣). ولو أعتق في هذا الفرض

______________________________________________________

(١) أما احتمال البطلان ، فهو ضعيف جدّاً ولا وجه له بعد الحكم بصحته ، إذ الممنوع إنما هو الجمع بينهنّ لا التزوج بكل واحدة منهنّ على حدة. وأما احتمال التخيير ، فقد عرفت فيما تقدّم أن دليله يختص بإسلام المجوسي على سبع زوجات ، ولا مجال للتعدِّي عنه. فمن هنا فلا محيص عن الالتزام بالقرعة ، فإنها لكل أمر مشكل والمقام منه.

ولا يقاس ذلك بالتزويج بالأُختين أو حرّتين وأمة في زمان واحد ، حيث يحكم فيه بالبطلان ، فإن مقتضي الصحّة في المثالين من الأوّل قاصر ، بخلاف المقام حيث لا مانع من زوجية كل واحدة منهنّ مستقلا ، وإنما المانع في الجمع بينهن خاصة.

(٢) وذكره من سهو القلم ، حيث لا مانع من الجمع بين الحرّة والأمتين ، ويحتمل أن يكون في العبارة سقط ، ويكون الصحيح : فأعتقت اثنتان منهن ، كما ذكره (قدس سره) في المسألة الثانية من فصل عدم جواز الزيادة على الأربع في العقد الدائم. وحينئذ فيكون المثال من مصاديق المقام ، حيث إنه إذا أُعتقت اثنتان من الإماء الثلاث كان من الجمع بين حرتين وأمة وهو غير جائز على ما تقدّم ، أو أُعتقت أمة من الأربع حيث يكون من الجمع بين الحرّة وثلاث إماء.

(٣) احتمال البطلان في المقام ، منافٍ لما ذكره (قدس سره) في المسألة الثانية من فصل عدم جواز الزيادة على الأربع في العقد الدائم ، حيث بنى فيها على عموم أدلة الخيار لها ، واحتمل فيها القرعة ، وقد عرفت أن القول بها هو المتعين والصحيح ، لاحتياج التعدي عن مورد النص الدالّ على التخيير إلى غيره إلى الدليل ، وهو مفقود.

__________________

(*) هذا من سهو القلم ، فإنه إذا أعتقت واحدة منها فلا مانع من الجمع بينها وبين الأمتين الباقيتين حيث إنه من الجمع بين حرّة وأمتين.

(**) يظهر حكم ذلك ممّا تقدّم.

١٢٧

جميعهنّ دفعة ، ففي كون الزوج مخيّراً وبعد اختياره يكون التخيير للباقيات ، أو التخيير من الأوّل للزوجات ، فإن اخترن البقاء فله التخيير ، أو يبطل نكاح الجميع ، وجوه (*) (١). ولا الإيجاب والقبول الفعليين.

فصل

في العقد وأحكامه

[٣٨٣٤] مسألة ١ : يشترط في النكاح الصيغة ، بمعنى الإيجاب والقبول اللّفظيين (٢) فلا يكفي التراضي الباطني ، ولا الإيجاب والقبول الفعليين. وأن يكون

______________________________________________________

(١) ظهر الحال فيه مما تقدّم.

فصل

في العقد وأحكامه

(٢) وهو مما لا خلاف فيه ، بل عليه إجماع علماء المسلمين على ما في كلمات بعضهم.

__________________

(*) قد عرفت أن الأظهر هو ثبوت الخيار لهنّ جميعاً ، فإن اخترن البقاء فالأظهر رجوع الزوج إلى القرعة ، وإن اخترن الفسخ بطل نكاحهنّ جميعاً ، وبذلك يظهر حال التبعيض.

تتمّة : إنّ الماتن (قدس سره) لم يتعرّض لحكم البيع والطّلاق ، فالمناسب أن نتعرّض له فنقول : إذا باع المالك أمته المزوّجة كان ذلك طلاقاً سواء كان زوجها حرّا أم كان عبداً ولكن يتخيّر المشتري بين إمضاء عقد النكاح وفسخه ، والمشهور على أنّ خياره فوري وفيه إشكال بل منع ، نعم إذا أمضى المشتري العقد ولم يفسخه سقط خياره وليس له الفسخ بعد ذلك ، وكذلك العبد المزوّج من أمته ، فإذا بيع كان ذلك طلاق زوجته وكان للمشتري الخيار وأمّا لو كانت زوجته حرّة فبيع فالمشهور أنّ بيعه أيضاً طلاق زوجته إلّا أنه لا يخلو عن إشكال بل منع ، وإذا زوّج المولى عبده من أمته كان الطّلاق بيد المولى ، بل له أن يفرِّق بينهما بلا طلاق كما مرّ ، وأمّا إذا زوّجه من أمة لغيره أو حرّة أو تزوّج العبد بإذنه فالطّلاق بيد العبد وليس للمولى إجباره على الطّلاق ، ولو بيعت الأمة المطلّقة أثناء عدّتها أتمّت العدّة ، وهل عليها الاستبراء زائداً على ذلك؟ قيل : نعم ، ولكن الأظهر عدم لزومه.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واستدل عليه شيخنا الأعظم (قدس سره) بأنه الفارق بين السفاح والنكاح ، إذ الأوّل بحسب الغالب يقع بالتراضي بين الطرفين ، فإذا كان هو بوحدة كافياً ولم يعتبر اللفظ لم يبق فارق بينه وبين النكاح (١).

وما أفاده يعد غريباً منه (قدس سره) ، فإن الفارق بين النكاح والسفاح لا يكمن في اللفظ فإنه أجنبي عن ذلك ، إذ قد يكون السفاح مع اللفظ وقد يكون النكاح بغيره.

وإنما الفرق بينهما يكمن في أن النكاح أمر اعتباري ، حيث يعتبر الرجل المرأة زوجة له وتعتبر المرأة الرجل زوجاً لها ، في حين إن السفاح هو الوطء الخارجي المجرد عن اعتبار الزوجية بينهما.

نعم ، يمكن الاستدلال عليه بجملة من النصوص الدالّة على اعتبار اللّفظ في المتعة بل يظهر من بعضها مفروغية اعتباره لدى السائل ، وإنّما السؤال عن كيفياته وخصوصياته (٢). فإنه إذا كان اعتباره في المتعة معلوماً ومفروغاً عنه ، فاعتباره في الدوام يكون بطريق أَولى.

على أن في بعض هذه النصوص أنها : «إذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها» وهو ظاهر الدلالة في عدم كفاية الرضا الباطني واعتبار اللّفظ بحيث لولا قولها : «نعم» لما تحقّقت الزوجية ولما كان الرجل «أولى الناس بها».

هذا كلّه مضافاً إلى صحيحة بريد العجلي ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) فقال : «الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح ، وأما قوله (غَلِيظاً) فهو ماء الرجل يفضيه إليها» (٣).

فإنها واضحة الدلالة على اعتبار التلفّظ ، وعدم كفاية مجرد الرضا الباطني ، بل وإظهاره بغير اللّفظ المعين.

__________________

(١) كتاب النكاح للشيخ الأنصاري ٢٠ : ٧٧ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب ١ ح ٤.

١٢٩

الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الأحوط (*) ، فلا يكفي بلفظ المتعة في النِّكاح الدائم (١)

______________________________________________________

وكيف كان ، فاعتبار الصيغة في إنشاء النكاح وعدم كفاية المعاطاة مما لا خلاف فيه بينهم ولا إشكال.

(١) وذلك فلأن المذكور في النصوص الدالّة على اعتبار اللفظ إنما هو التزويج ومشتقّاته ، لكن حيث علمنا أنه لا خصوصيّة لهذا اللفظ بعينه ، جاز استعمال لفظ النكاح في إنشاء العقد الدائم ، لوروده في جملة من الآيات الكريمة والنصوص الشريفة.

وأمّا لفظ المتعة ، فلا ينبغي الإشكال في صحّة إنشاء العقد المنقطع به ، فإنه حقيقة فيه. وأما إنشاء العقد الدائم به فلا يخلو من إشكال بل منع ، حيث لم نظفر بآية أو رواية قد استعمل فيها هذا اللفظ في الزواج الدائم ، فيكون استعماله فيه استعمالاً مجازياً لا محالة ، ومن هنا فالاكتفاء به في إنشائه يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود.

وبعبارة اخرى : إن استعمال لفظ المتعة في الزواج الدائم وإن كان صحيحاً على نحو المجاز ، إلّا أن كفايته في إنشائه بعد اعتبار لفظ خاص فيه تحتاج إلى الدليل. والماتن (قدس سره) وغيره ممن يلتزم بالكفاية في المقام ، لا يكتفون بالاستعمالات المجازية في إنشاء العقود حتى مع نصب القرينة عليه في غير المقام كالبيع والإجازة ، لعدم الدليل عليه.

وبالجملة فلو كنا نحن ولم يكن دليل على اعتبار لفظ خاص ، لكان حال النكاح حال العقود التي يكتفى في إنشائها بكل مبرز ، إلّا أن مقتضى هذه الأدلة هو الاقتصار على لفظ خاص ، والمذكور فيها وإن كان هو التزويج إلّا أننا قد تعدينا عنه إلى لفظ النكاح أيضاً ، للقطع. وأما غيره فالتعدي إليه يحتاج إلى الدليل ، وحيث إنه مفقود فالأحوط لزوماً إن لم يكن الأقوى هو الاقتصار في إنشاء النكاح الدائم على لفظي الزواج والنكاح خاصة.

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يُترك.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، في بعض الكلمات الاستدلال على جواز إنشاء النكاح الدائم به ، بما ورد من انقلاب المنقطع دائماً إذا لم يذكر فيه الأجل نسياناً.

وفيه : أنه لم ترد ولا رواية واحدة تدلّ على انقلاب العقد المنقطع دائماً في فرض النسيان ، فإن الأخبار خالية عن ذلك بالمرة ، وإنما ورد ذلك في بعض كلمات الأصحاب.

نعم ، وردت جملة من النصوص تدلّ على انقلاب المنقطع دائماً فيما إذا تعمد ترك الأجل ، على ما ورد التصريح بذلك في بعضها ، حيث ورد فيها : (إني أستحي أن أذكر شرط الأيام) (١). إلّا أنها أجنبية عن جواز إنشاء النكاح الدائم بلفظ التمتع ، فإنها ناظرة إلى خصوصيّة ذكر الأجل وعدمه خاصة ، من دون أن يكون لها نظر إلى بقية الشرائط المعتبرة في العقد الدائم.

وعلى هذا فهي إنما تتضمّن الانقلاب عند عدم ذكر الأجل ، فيما إذا كان العقد قابلاً لأنّ يكون زواجاً دائماً.

فإذا لم يكن العقد كذلك ، فلا يوجب ترك الأجل عمداً أو نسياناً انقلابه دائماً ، كما لو كانت لديه أربع زوجات دائمات فتزوج بالخامسة متعة ولم يذكر الأجل ، أو تزوّج بالكتابية متعة ومن دون ذكر الأجل بناءً على عدم جواز تزوّج الكتابية بالعقد الدائم أو تزوّج بالبكر كذلك من دون إذن أبيها بناءً على اختصاص اعتبار الإذن في نكاح البكر دائماً وعدم اعتباره في المتعة ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

فإنه حينئذ لا مجال للقول بالانقلاب وشمول تلك الأخبار لها ، فإنها إنما تنظر إلى خصوص العقد القابل للانقلاب ، وليس لها نظر إلى فقدان شرط معتبر في النكاح الدائم.

ومن هنا يظهر ما في استدلال شيخنا الأعظم (قدس سره) على عدم اعتبار الماضوية في الصيغة بهذه الروايات حيث ورد فيها : (أتزوّجك) ، وهو بضميمة انقلابه إلى النكاح الدائم عند عدم ذكر الأجل ، يدلّ على إمكان إنشاء النكاح الدائم بغير

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٢٠ ح ٢.

١٣١

وإن كان لا يبعد (١) كفايته مع الإتيان بما يدلّ على إرادة الدوام.

ويشترط العربية مع التمكّن منها (٢) ولو بالتوكيل على الأحوط. نعم ، مع عدم

______________________________________________________

صيغة الماضي ، وعدم اعتبارها فيه (١).

إذ يرد عليه ما قد عرفت ، من أن هذه النصوص ليست بصدد بيان جميع الشرائط المعتبرة في النكاح الدائم.

والحاصل أنه لا يجوز إنشاء العقد الدائم بلفظ المتعة ، لعدم الدليل عليه بعد أن كان استعماله فيه مجازياً ، ولا أقلّ من كون ما ذكرناه هو الأحوط.

(١) قد عرفت أنه بعيد ، ولا يساعد عليه دليل.

(٢) على ما هو المعروف بينهم ، واستدلّ له :

أوّلاً : بما في كلمات المحقق الثاني (قدس سره) ، من عدم صدق العقد على غير العربي مع التمكن منه (٢).

وفيه : أنه من غرائب ما صدر منه (قدس سره) ، فإنّ العقد من الأُمور القائمة بالنفس لا اللّفظ ، وإنما اللفظ هو المبرز خاصّة. ومن هنا فكما أنّ للعرب عقوداً فلغيرهم عقود أيضاً ، وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) خطاب لهم ولغيرهم على حدٍّ سواء ، وليس للعربية دخل في مفهوم العقد.

ثمّ لو كان مفهوم العقد متقوماً بالعربية ، لم يكن وجه للفرق بين القدرة عليها وعدمها ، فإنه ليس لهما دخل في المفهوم ، وإنما هما يرتبطان بمقام التكليف خاصّة حيث يصحّ مع القدرة ويقبح بدونه.

فما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه.

__________________

(١) كتاب النكاح للشيخ الأنصاري ٢٠ : ٧٨ طبع المؤتمر العالمي.

(٢) جامع المقاصد ١٢ : ٧٤.

(٣) سورة المائدة : ٥ : ١.

١٣٢

التمكّن منها ولو بالتوكيل على الأحوط يكفي غيرها من الألسنة (١) إذا أتى بترجمة اللّفظين من النكاح والتزويج.

______________________________________________________

ثانياً : أنّ العقد بالعربية هو القدر المتيقن من العقد الصحيح ، لورودها في القرآن الكريم وألسنة النصوص الشريفة ، وكفاية غيرها تحتاج إلى الدليل وهو مفقود ومقتضى الأصل هو الفساد.

وفيه : أن القرآن الكريم قد نزل بالعربية ، والنصوص كانت خطاباً وجواباً لأسئلة وجّهها أُناس يتكلّمون بالعربية إليهم (عليهم السلام) ، فمن هنا يكون من الطبيعي أن لا ترد فيهما صيغة غير عربية ، وهذا لا يدلّ على الاختصاص بها.

ثمّ إن عمومات النكاح ومطلقاته ، كقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (١) وقوله (صلّى آله عليه وآله وسلم) : «النِّكاح سنّتي» (٢) تمنع من الرجوع إلى الأصل والتمسّك بالقدر المتيقّن.

والحاصل أنّ مقتضى عمومات النكاح ومطلقاته ، هو الاكتفاء بغير العربية في إنشاء النكاح ، وإن كان الأحوط الاقتصار عليها مع الإمكان.

(١) واستدلّ عليه في بعض الكلمات بما ورد في طلاق الأخرس ، من كفاية وضع القناع على رأسها (٣). بدعوى أن المستفاد منها هو كفاية غير اللفظ العربي عند العجز عنه مطلقاً.

إلّا أنه واضح الفساد ، باعتبار أن هذه النصوص واردة في خصوص طلاق الأخرس ، فالتعدي عنه إلى كل عاجز غيره يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، ولذا لم يلتزم المشهور بهذا الحكم في العاجز عن التكلم من غير الخرس ، كالوارم لسانه إلى حدّ يمنعه من التكلّم.

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣٢.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٥ كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، باب ١ ح ٢٤٩٠٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطّلاق ، أبواب مقدماته وشروطه ، ب ١٩.

١٣٣

والأحوط اعتبار الماضوية (١)

______________________________________________________

ومن هنا فقد استشكل صاحب المستند فيه ، واستظهر عدم كفاية الإنشاء بغير العربية حتى مع العجز عنها (١).

إلّا أنه لا يمكن المساعدة عليه ، للقطع بعدم إمكان الالتزام بتعطيل النكاح الذي عليه نظام العالم ، فلا مجال للقول بتعطيل النكاح في البقاع التي لا يعلمون العربية من العالم ، وبقاء الرجال والنساء من غير تزويج بحيث ينحصر أمر المقاربة بالزنا ، لا سيما مع ما ورد في جملة من النصوص من ان المرأة لا تبقى معطلة (٢).

والحاصل أنه بناءً على اعتبار العربية في إنشاء النكاح وقد عرفت ما فيه فهو إنما يختص بحالة القدرة على الإنشاء بالعربية ولو بالتوكيل فيه. وأما مع العجر عنها فمقتضى عمومات النكاح وإطلاقاته السليمة عن المعارض ، هو الاكتفاء في إنشائه بأي لغة كانت.

(١) كما ذهب إليه المشهور من الأصحاب ، واستدلّ عليه :

تارة بأنه القدر المتيقن من العقد الصحيح.

وأُخرى بأنّ صيغة الماضي صريحة في الإنشاء ، بخلاف غيرها.

وفيهما معاً نظر. فإنّ الأوّل يدفعه أن مجرّد كونها القدر المتيقن ، لا يقتضي لزوم الاقتصار عليها في مقام الإنشاء ، ورفع اليد عن المطلقات والعمومات.

على أن مقتضى النصوص الواردة في كيفية عقد المتعة والمتضمنة إنشاءها بغير صيغة الماضي ، هو جواز إنشاء العقد الدائم بغير صيغة الماضي وعدم انحصاره بها لوضوح عدم الفرق بين العقد المنقطع والعقد الدائم.

ومن هنا يظهر الجواب عن الثاني ، فإن مجرد كونها صريحة فيه لا يكفي في لزوم الاقتصار عليها والقول بعدم كفاية غيرها ، إذ يكفي ظهور غيرها فيه حيث لا تعتبر

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٤٧٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٨٤.

١٣٤

وإن كان الأقوى عدمه (١) فيكفي المستقبل ، والجملة الخبريّة ، كأن يقول : (أُزوّجك) أو (أنا مُزوّجك فلانة).

كما أن الأحوط تقديم الإيجاب على القبول ، وإن كان الأقوى جواز العكس أيضاً (٢).

______________________________________________________

الصراحة ، كما يؤكده ما ورد في المتعة من الإنشاء بغيرها.

على أن دعوى كون صيغة الماضي صريحة في الإنشاء ، باطلة من أساسها ، فإنها مشتركة بينه وبين الإخبار ، ولا بدّ في التعيين من القرينة.

ومن هنا فهي لا تختلف عن غيرها من هذه الجهة ، وليست هي صريحة فيه كما ادعيت.

إذن فالصحيح هو ما ذهب إليه جملة من الأصحاب من جواز الإنشاء بغيرها.

(١) على ما اختاره جملة من الأصحاب واستظهرناه.

(٢) فيقول الرجل : (أتزوّجك على كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) ... إلخ) فتقول المرأة : (زوجتك نفسي).

ويدلّنا عليه عدم الدليل على اعتبار تقدّم الإيجاب على القبول ، بعد صدق العقد والمعاقدة مع العكس أيضاً ، إذ لا يعتبر في مفهومه كون الإيجاب متقدماً على القبول.

هذا مضافاً إلى إطلاقات أدلّة النكاح ، وما ورد في بيان كيفية صيغة المتعة من أن يقول الرجل لها : «أتزوّجك متعة على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا وارثة ولا مورثة ، كذا وكذا يوماً» إلى أن قال : «فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت ، وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها» (١).

فإن موردها ليس هو قيام الرجل بدور الإيجاب والإنشاء وقيام المرأة بدور القبول كما توهمه بعضهم ، وإنما موردها تقديم القبول على الإيجاب ، فإن صيغة (أتزوّجك) من باب التفعل فلا يكون إنشاءً ، وإنما يكون قبولاً متقدِّماً. ومن هنا فقد

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٨ ح ١.

١٣٥

وكذا الأحوط أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة ، والقبول من جانب الزّوج ، وإن كان الأقوى جواز العكس (١).

______________________________________________________

مثّل المحقق (قدس سره) في الشرائع لتقديم القبول على الإيجاب ، بما إذا قال الرجل : (تزوّجت) فقالت المرأة : (زوّجتك نفسي) (١). فلا فرق بين التعبير بـ (أتزوّجك) و (قبلت) فإن المفاد فيهما واحد تماماً من دون أي فارق ، باستثناء أن القبول في الأوّل مستفاد من الهيئة ، في حين إنه في الثاني مستفاد من المادة.

ثمّ إن هذا كله فيما إذا كان القبول المتقدم بلفظ (أتزوّجك) وما شابهه. وأما إذا كان بلفظ (قبلت) أو (رضيت) فإن لم يذكر المتعلق ، فلا إشكال في عدم كفايته في إنشاء الزوجية. وإن ذكر المتعلق ، فالظاهر أنه لا مانع من الالتزام بصحته وكفايته ، لما عرفت من أنه لا فرق بين صيغة (قبلت) وصيغة (أتزوّجك) إلّا أن القبول في الأوّل مستفاد من المادة ، في حين إنه في الثاني مستفاد من الهيئة ، فيكون حاله حاله.

(١) وذلك لكون الزوجية من المفاهيم المتضايفة المتشابهة الطرفين ، بحيث يكون المضاف إلى كل منهما عين المضاف إلى الآخر. نظير الاخوة المضافة إلى الطرفين على حد سواء ، فكما أن هذا أخ لذاك فذاك أخ لهذا بلا اختلاف في النسبة ، وليست هي كالأُبوة والبنوّة.

ومن هنا فكما أنّ الرجل زوج للمرأة هي زوج له ، كما استعمل ذلك في جملة من الآيات الكريمة.

قال تعالى (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (٢).

وقال تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) (٣).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها

__________________

(١) راجع شرائع الإسلام ١ : ٣٢٢.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٥.

(٣) سورة النساء ٤ : ١٢.

١٣٦

وأن يكون القبول بلفظ : (قبلت) ولا يبعد كفاية (رضيت) (١). ولا يشترط ذكر المتعلِّقات (٢) فيجوز الاقتصار على لفظ : (قبلت) من دون أن يقول : (قبلت

______________________________________________________

فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (١).

وقال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) (٢).

وقال تعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) (٣).

وقال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات.

فالزوجية مفهوم في مقابل الفردية ، وهي عبارة عن انضمام أحدهما إلى الآخر مع وحدة علاقتها إليهما.

وعليه فلكل منهما إنشاؤها واعتبار الآخر زوجاً له أو لها ، فإذا تحقّق ذلك من أحدهما وتحقّق القبول من الآخر صدق العقد والمعاهدة ، ومن ثَمَّ شملته أدلّة اللّزوم.

والحاصل أنه لا موجب للقول بلزوم كون الإيجاب من الزوجة خاصة والقبول منه ، فإنه لا دليل عليه وإن كان هو الغالب خارجاً.

(١) بل الأقوى كفايته ، لعدم الدليل على اعتبار لفظ معين في القبول أو وجود خصوصيّة له ، ومقتضى الإطلاقات الاكتفاء بكل لفظ يدل على رضاه بالزوجية كي تصدق به المعاقدة والمعاهدة.

وممّا يدلّ على ما ذكرناه الصحيحة الواردة في المتعة : «فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت» فإنها دالة على جواز القبول بلفظ : (أتزوّجك) على ما تقدّم الحديث فيها.

(٢) إذ العبرة بمعلومية المتعلقات ، وهي تحصل بذكرها في ضمن إيجاب الزوجة ولا حاجة إلى إعادتها في ضمن القبول ثانياً.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٨.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٩.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٧ و ٥٠.

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٧ و ٥٠.

١٣٧

النِّكاح لنفسي أو لموكِّلي بالمهر المعلوم).

والأقوى كفاية الإتيان بلفظ الأمر (١) كأن يقول : (زوِّجني فلانة) فقال : (زوّجتكها) وإن كان الأحوط (*) خلافه.

______________________________________________________

وتدلّ عليه الصحيحة المتقدِّمة الواردة في المتعة ، حيث حكم (عليه السلام) بتحقق الزوجية بمجرّد قولها : «نعم» متفرِّعاً على قول الزوج : «أتزوّجك متعة على كتاب الله وسنّة نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) ...»

فإنّه سواء جعلنا قولها : «نعم» قبولاً كما ذهب إليه بعضهم ، أو إيجاباً كما اخترناه فهي دالّة على عدم ذكر المتعلقات ، أما على ما ذكروه فواضح. وأما على ما اخترناه فلعدم الفرق بين الإيجاب والقبول من هذه الناحية ، حيث إن العبرة إنما هي بالمعلومية ، فإذا جاز عدم ذكر المتعلقات في الإيجاب لتحقق المعلومية من جهة أُخرى ، جاز عدم ذكرها في القبول أيضاً.

(١) كما ذهب إليه جماعة. والمبنى فيه أحد أمرين :

الأوّل : دعوى أنّ الأمر بالتزويج من قبل الزوج قبول منه ، وبذلك فيكون من مصاديق المبحث المتقدِّم ، أعني تقدّم قبول الزوج على إيجاب المرأة ، على ما صرح به بعضهم في ذلك المبحث حيث ذكر الأمر بالتزويج مثالاً له.

وفيه : أنه بعيد عن المتفاهم العرفي جدّاً ، فإن الأمر إنما هو إنشاء لطلب التزويج وهو وإن كان يكشف عن رضاه به إلّا أنه غير إنشائه لاعتبار الزوجية والتزويج ولا ظهور له فيه ، ومن هنا فلا مجال للاكتفاء به في المعاقدة.

وبعبارة اخرى : إنّ الأمر بالتزويج وإن كان دالّاً على الرضا الباطني به ، إلّا أنه لا يجدي شيئاً ما لم يستتبع إبرازه بمبرز دالّ بظاهره عليه ، وهو غير حاصل في المقام فإنّ الأمر به غير إنشائه للقبول ، كما هو واضح.

الثاني : دعوى أنّ أمره لها أو لغيرها لما كان توكيلاً في التزويج ، كفى إيجابها

__________________

(*) لا يُترك الاحتياط.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خاصّة ، لما تقدّم من أنّ الإيجاب والقبول إذا كان لشخص واحد بالولاية أو الوكالة أو بالتفريق بينهما وبين الأصالة ، كفى الإيجاب من دون أن تكون هناك حاجة إلى القبول.

وفيه : أنه قد تقدّمت في محلِّه المناقشة في الكبرى ، لأنه من قبيل استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، وهو على تقدير إمكانه خلاف الظاهر في مقام الاستعمال ، بل يعدّ من الأغلاط.

على أن في كون المقام من صغريات هذه الكبرى إشكالاً. وذلك فلأن الأمر بالتزويج لا يعدّ عرفاً توكيلاً لها فيما هو فعله ، وإنما الظاهر منه أنه طلب لما هو فعلها خاصة. نظير ما لو قال : (هبني ما عندك) فإنّه لا يعتبر توكيلاً له في قبول الهبة أو قبضه ، كي يقال بكفاية إيجابها عن القبول.

ولا يرد علينا أنا التزمنا بأن الزوجية من الأُمور المتضايفة المتشابهة الطرفين فيكون أمره لها أمراً بإنشاء ذلك الأمر الواحد.

إذ يرد عليه أن كون الزوجية من الأُمور المتضايفة المتشابهة الطرفين والنسبة وإن كان تامّاً ، إلّا أن الظاهر العرفي من الأمر ليس إلّا طلب ما هو فعلها خاصّة ، فلا يعتبر توكيلاً أو قبولاً فيما هو فعله.

ومن هنا فيشكل ما أفاده (قدس سره) تبعاً لجماعة ، من كفاية الإتيان بلفظ الأمر.

وأمّا النص الذي استدلّ به على الكفاية ، أعني صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «جاءت امرأة إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقالت : زوّجني ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، زوِّجْنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء ، قال : لا. فأعادت ، فأعاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ، ثمّ أعادت فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في المرّة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئاً؟ قال : نعم ، قال : قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢ ح ١.

١٣٩

[٣٨٣٥] مسألة ٢ : الأخرس يكفيه الإيجاب والقبول بالإشارة (*) مع قصد الإنشاء وإن تمكن من التوكيل على الأقوى (١).

______________________________________________________

بدعوى أنه لم يرد في شي‌ء من طرق هذه الصحيحة قبول الرجل بعد إيجاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فيكشف ذلك عن الاكتفاء بأمره بالتزوج المتقدم على الإيجاب.

فالاستدلال به مشكل ، فإن دعوى كون أمر الرجل توكيلاً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعيدة ، لأنه وبحسب المتفاهم العرفي ليس إلّا طلباً في التزويج.

وأبعد منها دعوى كونه قبولاً متقدماً وإنشاءً للتزويج ، إذ ليس للطلب ظهور في التزويج لا سيّما في المقام ، حيث فصلت جملات عديدة صدرت من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأجوبة صدرت من الرجل بين أمره والإيجاب ، والحال أن المعروف والمشهور بين الأصحاب اعتبار التوالي بين الإيجاب والقبول.

على أنّ المهر إنما ذكر في الإيجاب خاصة ، ولم يكن له في الأمر ذكر ، فلا يمكن جعله قبولاً سابقاً ، لاستلزامه عدم تطابقه مع الإيجاب.

ومن هنا ، فإما أن تحمل هذه الصحيحة على أن الراوي لم يكن بصدد بيان جميع الخصوصيات وإنما هو بصدد بيان جهة خاصة ، هي عدم لزوم كون المهر درهماً أو ديناراً بل يكفي كونه قرآناً ، ولذا لم يذكر قبول الرجل. أو يقال بأن ذلك من خصوصيات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، حيث يكتفى بإيجابه خاصة ، ولا يعتبر فيه القبول مع رضا الرجل أو حتى مع عدمه ، لولايته (صلّى الله عليه وآله وسلم) العامة ، ومعه فلا مجال للتعدي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) والاستدلال بها على الجواز في غير إيجابه (صلّى الله عليه وآله وسلم).

وعلى كل ، فما أفاده الماتن (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، ولا أقل من كون خلافه هو الأحوط لزوماً.

(١) بل لم يظهر الخلاف فيه من أحد. واستدلّ عليه بأن دليل اعتبار اللفظ لما كان

__________________

(*) وبتحريك لسانه أيضاً.

١٤٠