موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

ولا يبعد جواز الطّلاق أيضاً (١) بأن يأمر عبده بطلاقها ، وإن كان لا يخلو من إشكال أيضاً (*).

______________________________________________________

مواليه» (١).

فإنها أصرح الروايات الدالّة على أن نزع المولى للأمة وعزلها عن العبد طلاق لها.

(١) وتفصيل الكلام أن يقال : إنّ المطلق إن كان هو المولى فلا إشكال في صحته لأن العبد والأمة لا يملكان من الأمر شيئاً ، وإنما أمرهما بيد المولى.

وتدلّ عليه مضافا إلى إطلاقات أدلة الطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة ، وصحيحة زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) ، قالا : «المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلّا بإذن سيده» قلت : فإنّ السيد كان زوّجه ، بيد مَن الطّلاق؟ قال : «بيد السيد (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) أفشي‌ء الطّلاق» (٢).

فإنّ هاتين الروايتين وغيرهما تدلّان وبكلّ وضوح على أنّ أمر الطلاق إنما هو بيد المولى دون العبد.

نعم ، في قبال هذه الروايات هناك رواية قد يتوهم دلالتها على كون أمر الطلاق بيد العبد ، وهي رواية محمد بن عيسى عن علي بن سليمان ، قال : كتبت إليه : رجل له غلام وجارية زوّج غلامه جاريته ثمّ وقع عليها سيِّدها ، هل يجب في ذلك شي‌ء؟ قال : «لا ينبغي له أن يمسّها حتى يطلقها الغلام» (٣).

إلّا أن من غير الخفي أن هذه الرواية في نفسها ، ومع قطع النظر عن معارضتها للصحاح المتضافرة والموافقة للكتاب الكريم ، لا يمكن الاعتماد عليها. وذلك فلأن عنوان الغلام وإن كان يطلق على العبد ، إلّا أن من الواضح أنه من باب التطبيق لا

__________________

(*) الإشكال ضعيف جدّاً.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٦ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، ب ٤٥ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٦ ح ٥.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الوضع ، فإنّ الغلام غير موضوع للعبد بل يطلق على الشاب والخادم أيضاً ، وعليه فليس في الرواية ظهور في كون الزوج عبداً ، ومن هنا فمن الممكن حملها على كون الزوج حراً ، فلا تكون هذه الرواية دالّة على خلاف ما دلّت عليه النصوص المعتبرة.

على أن هذه الرواية لا تخلو من الإشكال في السند. وذلك فلأن المسمى بعلي بن سليمان في الرواة كثير ، غير أنّ الثقة منهم منحصر بعلي بن سليمان الزراري الذي وثّقه النجاشي (قدس سره) (١) وأما غيره فلم يرد فيه توثيق ولا مدح ، ومن هنا فحيث إنّ الراوي عنه في المقام هو محمد بن عيسى وهو من أصحاب الرضا (عليه السلام) ، فمن البعيد جدّاً أن يكون علي بن سليمان هو الزراري صاحب المكاتبات والتوقيعات لاختلاف الطبقة والفصل الزمني الكثير.

إذن فعلي بن سليمان هنا إمّا هو ابن داود وإما هو ابن رشيد ، اللّذان روى عنهما محمّد بن عيسى في غير هذا المورد أيضاً ، وحيث إنهما لم تثبت وثاقتهما ، فلا مجال للاعتماد عليها من حيث السند أيضاً.

ومع التنزّل عن ذلك كله ، فلا بدّ من رفع اليد عنها ، لمعارضتها للنصوص الصحيحة والموافقة للكتاب الكريم.

وكذا الحال فيما إذا وكل المولى غيره في الطلاق.

وإن كان المطلق هو العبد بأمر المولى ، فإن كان أمره على نحو التوكيل ، فلا ينبغي الإشكال في صحته ، إذ المطلق حينئذ هو المولى في الحقيقة.

وإن كان على نحو إرجاع الأمر إليه ، فربّما يستشكل في صحته بأنّ العبد لما كان عاجزاً وغير قادر على شي‌ء لقوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) لا ينقلب إلى القدرة بإذن المولى ، فإنّ الإذن غير قابل لجعل من ليس بقادر قادراً. نظير ما يذكر في إذن الولي للصبي في المعاملة ، حيث أن إذنه لا يصحح المعاملة.

إلّا أنه مدفوع بأنّ الآية المباركة ظاهرة في عدم استقلال المملوك في شي‌ء ، بحيث

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦٠ ترجمة رقم ٦٨١.

١٠٢

[٣٨١٨] مسألة ١٨ : إذا زوّج عبده أمته يستحب (١) أن يعطيها شيئاً (*) سواء ذكره في العقد أم لا ، بل هو الأحوط. وتملك الأمة ذلك ، بناءً على المختار من صحّة ملكية المملوك إذا ملّكه مولاه أو غيره.

______________________________________________________

يكون أمره فعلاً أو تركاً بيده ، فلا تدلّ على عجزه وعدم قدرته على الفعل حتى مع إذن المولى.

ولو سلمنا عمومها ، فالروايات الصحيحة الدالة على عدم جواز نكاح العبد أو طلاقه إلّا بإذن مولاه أو بغير إذن مولاه على اختلاف التعابير مخصصة لها ، فيكون الحاصل اختصاص عدم الجواز بصورة عدم إذن المولى ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدِّمة ، وصحيحة شعيب بن يعقوب العقرقوفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد ، قال : «ليس له طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله تعالى يقول (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) قال : لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلّا بإذن مولاه» (١).

والحاصل أنّ عجز العبد عن الطلاق كعجزه عن النكاح ، فكما لا يجوز للعبد أن يستقلّ بالنكاح ، لا يجوز له أن يستقلّ بالطّلاق ، بل لا بدّ من إذن المولى فيهما ، فإذا أذن صحّ طلاقه كما يصح نكاحه بلا خلاف فيه ولا إشكال.

(١) بل يجب عليه ، لعدم وجود قرينة صالحة لصرف الأوامر الواردة في المقام عن ظاهرها.

وما ذكر في وجه الاستحباب ، من التمسك بأصالة عدم الوجوب تارة ، وبعدم تصور استحقاق المولى لنفسه على نفسه شيئاً باعتبار أن مهر الأمة مملوك لمولاها اخرى.

مدفوع بأنّ الأصل لا مجال للتمسك به ، مع وجود النصوص الصحيحة الآمرة بإعطائها شيئاً والظاهرة في الوجوب.

__________________

(*) لا يبعد وجوبه.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٦ ح ٢.

١٠٣

[٣٨١٩] مسألة ١٩ : إذا مات المولى وانتقلا إلى الورثة ، فلهم الأمر أيضاً بالمفارقة بدون الطّلاق (١).

______________________________________________________

والثاني يدفعه أنه لو تمّ فلا يختص بالوجوب ، بل يجري حتى مع القول بالاستحباب أيضاً ، فإنه كما لا يمكن تصوّر وجوب المحال لا يمكن تصوّر استحبابه.

على أننا لو التزمنا بملكية العبد أو الأمة ، فلا موضوع للإشكال في المقام ، إذ المولى حينئذ لا يستحق على نفسه شيئاً ، وإنما الأمة تستحق على مولاها ، وتملك ما أعطاها المولى تتصرّف فيه كيف شاءت. وكذا الحال لو قلنا بعدم ملكيتها ، فإنّ عدم الملكية لا يلازم القول بعدم وجوب إعطائها شيئاً في الخارج ، بحيث يجعل بعض أمواله تحت سلطنتها تتصرف فيه باختيارها ، بل من الممكن القول بعدم ملكيتها ووجوب تسليطها على بعض ماله.

إذن فليس هناك ما يوجب رفع اليد عن ظهور النصوص في اللزوم وحملها على الاستحباب.

وأما ما في بعض الكلمات ، من أن القائلين بالوجوب إنما ذهبوا إليه بدعوى كون ما يعطيها المولى مهراً لها ، والحال إنه ليس في الأخبار ظهور فيه ، فيكون المدعى بلا دليل ، والدليل لا يساعد على المدعى.

ففيه : إن ما نسب إلى القائل بالوجوب لم يعرف له وجه ، إذ لا ملازمة بين الوجوب وبين عدم كونه مهراً ، فمن الممكن القول بعدم كونه مهراً كما يساعد عليه ظاهر النصوص والحكم بجواز تأخيره إلى بعد العقد والقول بوجوب الإعطاء. نظير المتعة الثابتة بالتزوج من دون مهر ثمّ الطلاق قبل الدخول ، فإنها لازمة والحال إنها ليست بمهر.

وبعبارة اخرى : إنّ مجرّد عدم دلالة الروايات على كون المعطى لها مهراً ، لا ينافي دلالتها على وجوب الإعطاء ولزومه.

والحاصل أنّ رفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب ، بمجرد فتوى جماعة من الأصحاب بالاستحباب ، لا وجه له.

(١) بلا خلاف فيه. لكونه حقاً من حقوق المولى ، فينتقلان إلى وارثة ، باعتبار

١٠٤

والظاهر كفاية أمر أحدهم (*) في ذلك (١).

______________________________________________________

قيامه مقامه بما عليهما من الحق.

وتدل عليه جملة من النصوص الواردة في أن أمر المولى بالاعتزال طلاق لها المتضمنة للتعليل أو الاستشهاد بقوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) حيث إنّ الظاهر منها أنّ الحكم إنما هو من أحكام المولوية والعبودية ، من دون وجود خصوصيّة لكونه هو المزوج لهما وعدمه. ومن هنا يثبت الحكم حتى ولو انتقلا إليه بغير الإرث ، كالشراء ونحوه.

(١) وهو لا يخلو من إشكال بل منع ، لأنهم شركاء فيهما ، لأنّ المالك إنما هو مجموع الورثة لا كل منهم مستقلا. وعليه فكما لا يجوز للشريك الاستقلال في التزويج والطّلاق اتفاقاً ، لا يجوز له الأمر بالاعتزال ، ولا يتحقّق بذلك لو صدر منه الطّلاق.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ الطلاق أو الأمر بالاعتزال إنما هو من صلاحيات المالك وأمره بيده ، وحيث إن كل واحد من الورثة ليس هو المالك وإنما هو نصف المالك على تقدير كونهما اثنين ، فليس له الطلاق أو الأمر بالاعتزال مستقلا ومع قطع النظر عن سائر الورثة.

نعم ، ربّما يقال : إن أحد الورثة إذا نهى العبد عن الوطء وأمره بالاعتزال حرم عليه وطؤها بلا خلاف ، لكونه أحد الشركاء ، فإذا حرم عليه وطؤها انفسخت الزوجية لا محالة للملازمة بينهما ، على ما بين ذلك في محله عند التعرض لبطلان العقد على المحارم النسبية أو السببية.

وفيه : أنه ليس للمولى نهي العبد عن الوطء دائماً وعلى الإطلاق ، وإنما له النهي عن غير الوطء الواجب شرعاً ، فإذا وجب عليه الوطء لمرور أربعة أشهر عن وطئه السابق ، فليس له النهي ولا يجب عليه امتثاله حتى ولو كانت الأمة مملوكة له أيضاً ومن الواضح أنه لا مجال لدعوى الملازمة بين النهي المؤقت وبطلان النكاح.

__________________

(*) لا يخلو عن إشكال بل منع.

١٠٥

[٣٨٢٠] مسألة ٢٠ : إذا زوّج الأمة غير مولاها من حر ، فأولدها جاهلاً بكونها لغيره ، عليه العشر أو نصف العشر لمولاها ، وقيمة الولد (١) ويرجع بها على ذلك الغير (*) (٢) لأنه كان مغروراً من قبله.

______________________________________________________

على أنه لو فرضنا أن للمولى النهي المطلق ، فلا مجال للقول بإيجاب الحرمة الناشئة منه لزوال الزوجية ، باعتبار أن الحرمة التي توجب زوال الزوجية إنما هي الحرمة الذاتية كحرمة المحارم النسبية مثل الأم والأُخت ، وأما الحرمة العارضية والتي تزول بزوال العارض كالحرمة الناشئة من الحيض أو المرض فلا توجب زوالها. وحيث إن الحرمة في المقام من هذا القبيل ، لأنها عارضة نتيجة لنهي المولى وتزول برجوع المولى عنه ، فلا توجب بطلان النكاح وزوال الزوجية.

(١) وقد تقدّم الكلام فيه مفصلاً في المسألة الثانية عشرة من هذا الفصل.

(٢) وفيه إشكال بل منع ، فإنّ قاعدة الغرور لا دليل عليها.

وما ذكره بعضهم من أنها مستفادة من النبوي «المغرور يرجع على من غره» والتي قد عمل بها المشهور في جملة من الموارد.

ففيه : أنه لم يثبت كون الجملة المتقدِّمة رواية ، ليدعى انجبار ضعفها بعمل المشهور. وعلى تقدير ثبوتها فلم يثبت كونها هي المستند في عمل المشهور ، على أن الانجبار بعمل المشهور غير ثابت في نفسه.

نعم ، ورد في جملة من النصوص ضمان شاهد الزور إذا عدل عن شهادته بعد تلف المال ، إذا كانت الشهادة في غير ما يوجب الحدّ وإلّا فالاقتصاص منه.

إلّا أن هذا حكم تعبدي ، ولم يظهر كون الوجه فيه هو الغرور ، بل ثبوته في غير مورد الغرور أيضاً يدل على العدم. فإنه لو رجع الشاهد عن شهادته لظهور اشتباهه وتبيّن الخطأ له ، فإنه يضمن بنسبته إلى عدد الشهود المعتبر في القضية المال ، فيما إذا

__________________

(*) لا دليل عليه لأنّ قاعدة الغرور غير ثابتة مطلقاً ، والرواية الدالّة على ذلك ضعيفة سنداً ، بل لا يبعد أن يكون المستفاد من صحيحة الوليد عدم وجوب شي‌ء عليه غير المهر.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كانت الشهادة على غير ما يوجب الحدّ وإلّا فالدية ، والحال إنه ليس فيه أي غرور. فيكشف ذلك عن أن الحكم ليس من هذه الجهة ، وإنما هو من جهة فرض الشارع المقدّس للشاهد هو المتلف ، فيضمن وإن لم يكن هو المباشر ، لأقوائية السبب عن المباشر حينئذ.

ثمّ إنه قد يستدلّ على الحكم بروايات ثلاث :

الاولى : خبر رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال ـ : وسألته عن البرصاء ، فقال : «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة زوّجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل من فرجها ، وأن المهر على الذي زوّجها ، وإنما صار المهر عليه لأنه دلسها. ولو أن رجلاً تزوّج امرأة ، وزوّجها إياه رجل لا يعرف دخيلة أمرها ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكان المهر يأخذه منها» (١).

بدعوى أن المستفاد من التعليل ، أعني قوله (عليه السلام) : «لأنه دلسها» عموم الحكم لجميع موارد التدليس ، وعدم اختصاصه بموردها.

وفيه : أن أصل الحكم في مورد الرواية وإن كان مسلماً لدلالة جملة من النصوص المعتبرة عليه ، إلّا أنه لا مجال للتعدي عن موردها إلى غيره ، لقصورها دلالة وسنداً.

أمّا الأوّل : فلأن غاية ما تفيده هو الرجوع على الذي قد دلّس بالمهر خاصة ، وأما الرجوع بكل ما يخسره الزوج نتيجة للزواج والتدليس فلا دلالة لها عليه ، وحيث إن كلامنا في المقام إنما هو في قيمة الولد لا المهر ، تكون الرواية أجنبية عن محلّ الكلام ولا تصلح للاستدلال.

وأمّا الثاني : فلكونها ضعيفة سنداً لوقوع سهل بن زياد في طريقه ، وهو ممن لم تثبت وثاقته.

الثانية : رواية إسماعيل بن جابر ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته ، فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوّجني ابنتك ، فزوّجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد أنها غير ابنته وأنها أمة ، قال : «تردّ

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٢ ح ٢.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الوليدة على مواليها والولد للرجل ، وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة ، كما غرّ الرجل وخدعه» (١).

ولا بأس بدلالتها على المدعى. فإن قوله (عليه السلام) : «كما غرّ الرجل وخدعه» بمنزلة التعليل ، وكأنه (عليه السلام) قال : لأنه غارّ وخادع للرجل ، فيمكن التعدي عن موردها.

إلّا أنها ضعيفة من حيث السند ، لوقوع محمد بن سنان في طريقها ، وهو ممّن لم تثبت وثاقته ، لتعارض الروايات الواردة في توثيقه بما اشتمل على ذمه وجرحه (٢).

الثالثة : صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجي‌ء مستحق الجارية ، قال : «يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أُخذت منه» (٣).

وهي وإن كانت واضحة الدلالة على رجوع مالك الأمة على المشتري بالجارية وقيمة الولد وضمان البائع لقيمة الولد ، إلّا أنها واردة في خصوص البيع ، فالتعدي عن موردها يحتاج إلى الدليل ، لا سيما وإن مقتضاها رجوع المشتري على البائع عند رجوع المالك عليه مطلقاً ، حتى ولو لم يكن البائع غارّاً له ، كما لو كان البائع جاهلاً بالحال أيضاً ، فمن المحتمل قوياً أن يكون ثبوت الضمان عليه من جهة ترتب يده عليها الموجب للضمان ، فتكون الرواية أجنبية عن محل الكلام ، فلا بدّ من الاقتصار على موردها ولا مجال للتعدي عنه إلى غيره.

والحاصل أنّ ما أفاده الماتن (قدس سره) من رجوع الزوج على الذي زوّجه الأمة بقيمة الولد ، لا دليل عليه لعدم ثبوت قاعدة الغرور مطلقاً ، وضعف الروايات التي استدلّ بها على المدعى سنداً أو دلالة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٧ ح ١.

(٢) راجع معجم رجال الحديث ١٧ : ١٦٠.

(٣) الوسائل ، ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٨٨ ح ٥.

١٠٨

كما أنه إذا غرّته الأمة بتدليسها ودعواها الحرية ، تضمن القيمة (١) وتتبع به بعد العتق (*). وكذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدين على حريتها.

[٣٨٢١] مسألة ٢١ : لو تزوّج أمة بين شريكين بإذنهما ، ثمّ اشترى حصة أحدهما ، أو بعضها ، أو بعضاً من حصة كل منهما بطل نكاحه ، ولا يجوز له بعد ذلك وطؤها (٢).

______________________________________________________

(١) ظهر الحال فيه مما تقدّم هنا وفي المسألة الثانية عشرة ، ومنه يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) بعد ذلك.

(٢) على ما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل كاد أن يكون إجماعاً. فإنّ البضع لا يتبعّض ، فلا يجوز له أن يستحلّها بالملكية والزوجية ، بحيث يكونان معاً سبباً لحليتها.

ويدلّ عليه قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (١). فإن مقتضاها انحصار سبب جواز الوطء بأحد الأمرين التزويج أو ملك اليمين ، وقد أُضيف إليهما التحليل بمقتضى النصوص الخاصة ، فتبقى الملفقة منهما خارجة عنها ، لأنّها ليست بزوجية ولا ملك يمين.

والنصوص الدالّة على أن المولى إذا أراد أن يتزوج أمته كان عليه أن يعتقها ، ثمّ يتزوّجها بما يتّفقان عليه من المهر ، أو يجعل عتقها مهرها (٢).

وموثقة سماعة الواردة في خصوص المقام ، أعني شراء الزوج لبعض حصّة أحدهما قال : سألته عن رجلين بينهما أمة فزوّجاها من رجل ، ثمّ إن الرجل اشترى بعض السهمين ، فقال : «حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها إلّا أن

__________________

(*) لا دليل على ذلك ، وتقدّم الكلام في نظير ذلك [في المسألة ٣٨١٢].

(١) سورة المعارج ٧٠ : ٢٩ ٣٠.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ١١.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يشتريها من جميعهم» (١).

فإنها صريحة في عدم جواز وطئها ، لا بالزوجية لارتفاعها ، ولا بملك اليمين لعدم استقلاله في ملكيتها ، وكونها مشتركة بينه وبين غيره.

وكيف كان ، فالحكم مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، إلّا ما نسب إلى الشيخ (قدس سره) من الالتزام بالجواز إذا رضي الشريك بالعقد ، وقد تبعه على ذلك القاضي (٢).

قال في النهاية على ما حكاه عنه في الجواهر ما لفظه : إذا تزوّج الرجل أمة بين شريكين ، ثمّ اشترى نصيب أحدهما ، حرمت عليه إلّا أن يشتري النصف الآخر ، أو يرضى مالك نصفها بالعقد ، فيكون ذلك عقداً مستأنفاً (٣).

والذي يظهر من عبارته (قدس سره) أن المراد بالعقد إنما هو عقد التزويج الذي كان قبل البيع.

غير أن صاحب الجواهر (قدس سره) قد نقل عن المحقق (قدس سره) ، أن «أو» المذكور في الجملة من غلط النساخ ، والصحيح هو «الواو» فيكون المراد بالعقد هو شراء الزوج للنصف الآخر (٤). لكنه (قدس سره) استبعد ذلك إلّا أنه اعتبره أقرب من الاحتمال الأوّل ، نظراً إلى أن رضا الشريك بعقد التزويج لا أثر له ، فإنّ الزوجية إذا أمكن اجتماعها مع الملك فلا حاجة إلى رضاه لوقوع العقد في وقته صحيحاً ، وأما إذا لم يمكن اجتماعهما فلا أثر لرضاه ، فإنه لا يجعل الممتنع ممكناً. فما ذكر لا يمكن نسبته إلى من له أدنى معرفة بالفقه ، فضلاً عن شيخ الطائفة (قدس سره).

ثمّ احتمل (قدس سره) أن يكون المراد به هو عقد التحليل ، فتكون الحلية من هذه الجهة (٥).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٦ ح ٢.

(٢) كتاب النكاح للشيخ الأنصاري ٢٠ : ٢٣٣ طبع المؤتمر العالمي.

(٣) الجواهر ٣٠ : ٢٣٩ ، النهاية : ٤٨٠.

(٤) الجواهر ٣٠ : ٢٤٠ ، نكت النهاية ٢ : ٣٥٠.

(٥) الجواهر ٣٠ : ٢٤٠.

١١٠

وكذا لو كانت لواحد واشترى بعضها (١).

وهل يجوز له وطؤها إذا حلّلها الشريك؟ قولان ، أقواهما نعم ، للنص (٢).

______________________________________________________

وعلى كل حال ، فلو ثبت ما نسب إلى الشيخ (قدس سره) من جواز وطئه لها برضا الشريك بعقد النكاح السابق ، فهو مما لا يمكن المساعدة عليه ، لعدم الدليل ، بل لدلالة موثقة سماعة المتقدِّمة بإطلاقها على خلافه.

(١) لما تقدّم من عدم جواز التبعيض في البضع.

(٢) وهو صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لشريكه؟ قال : «هو له حلال ، وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حراً من قبل الذي مات ونصفها مدبّراً». قلت : أرأيت إن أراد الباقي منهما أن يمسّها ، إله ذلك؟ قال : «لا ، إلّا أن يثبت عتقها ويتزوّجها برضى منها مثل ما أراد». قلت له : أليس قد صار نصفها حراً قد ملكت نصف رقبتها والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال : «بلى». فقلت : فإن هي جعلت مولاها في حلّ من فرجها وأحلّت له ذلك؟ قال : «لا يجوز له ذلك». قلت : لم لا يجوز لها ذلك كما أجزت للذي كان له نصفها حين أحلّ فرجها لشريكه منها؟ قال : «إنّ الحرّة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلّله ، ولكن لها من نفسها يوم ، وللذي دبّرها يوم ، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشي‌ء في اليوم الذي تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشي‌ء قل أو كثر» (١).

وهذه الرواية صحيحة سنداً وصريحة دلالة ، وقد عمل بها جماعة من الأصحاب فلا موجب لرفع اليد عنها ، بدعوى إعراض الأصحاب أو غيرها.

ومن الممكن حمل كلام الشيخ (قدس سره) على هذا المعنى ، كما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤١ ح ١.

١١١

وكذا لا يجوز وطء من بعضه حر إذا اشترى نصيب الرقية ، لا بالعقد ، ولا بالتحليل منها (١). نعم ، لو هايأها ، فالأقوى جواز التمتع بها في الزمان الذي لها عملاً بالنص الصحيح (٢) وإن كان الأحوط خلافه.

فصل في الطوارئ

وهي العتق والبيع والطلاق.

أما العتق ، فإذا أُعتقت الأمة المزوّجة كان لها فسخ نكاحها إذا كانت تحت عبد (٣).

______________________________________________________

ومن هنا يظهر أنه لا مجال للتمسك بالقاعدة لإثبات الحرمة ، بدعوى أن الملفق من التحليل والملك لا يشمله شي‌ء من أسباب الحل المذكورة في الآية والنصوص فيبقى على أصل المنع ، فإنه مردود بأنّ الصحيحة مخصصة لعموم الحرمة.

(١) على ما صرحت به صحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة.

(٢) وهو صحيح محمد بن قيس المتقدم ، حيث ورد في ذيلها التصريح بجواز التمتع بها في اليوم الذي تملك فيه نفسها ، فيتعيّن العمل بها ورفع اليد عن القاعدة المقتضية لعدم قابلية سبب الحلية للتبعيض ، على ما هو ظاهر الآية الكريمة وجملة من النصوص.

فصل في الطوارئ

(٣) بلا خلاف ولا إشكال فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة :

كصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أمة كانت تحت عبد فأُعتقت الأمة ، قال : «أمرها بيدها ، إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه». قال : «وذكر أنّ بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقتها ، فخيّرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال : إن شاءت أن

١١٢

بل مطلقاً وإن كانت تحت حرّ على الأقوى (*) (١).

______________________________________________________

تقرّ عند زوجها ، وإن شاءت فارقته» الحديث (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المملوكة تكون تحت العبد ثمّ تعتق ، فقال : «تُخيّر ، فإن شاءت أقامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته» (٢).

وموثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «إنه كان لبريرة زوج عبد ، فلما اعتقت قال لها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : اختاري» (٣). وغيرها من الأخبار.

(١) واستدلّ له بجملة من النصوص تدلّ على المدعى بالصراحة أو بالإطلاق منها :

رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «أيما امرأة أُعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته» (٤).

فإنها بإطلاقها تدلّ على ثبوت الخيار للمعتقة ، سواء أكان زوجها عبداً أم حرّا.

ولا تنافي بين هذه الرواية والروايات المتقدِّمة ، حيث إن تلك الروايات وإن كان موردها العبد ، إلّا أنه لا دلالة فيها على اختصاص الحكم بما إذا كان زوجها عبداً ونفي الحكم عن غيره ، وتكون غاية دلالتها هو ثبوت الحكم فيما إذا كان زوجها عبداً من دون تعرض للنفي عن غيره ، فلا تعارض ما دلّ على ثبوت الخيار للمعتقة مطلقاً حتى وإن كان زوجها حرّا.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ٩.

(٤) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ٨.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن هذه الرواية ضعيفة من حيث السند وإن عبّر عنها في الجواهر بالصحيحة (١) وكذا نقل في الحدائق عن الشهيد (قدس سره) في المسالك (٢). إذ إن محمد بن الفضيل الواقع في سندها مشترك بين الثقة وغير الثقة ، ولم يثبت كونه محمّد بن القاسم بن الفضيل الثقة ، وإن أصرّ الأردبيلي (قدس سره) في جامع الرواة عليه (٣).

ومنها : رواية عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في رجل حر نكح أمة مملوكة ثمّ اعتقت قبل أن يطلقها ، قال : «هي أملك ببضعها» (٤).

وهي وإن كانت صريحة في المدعى ، إلّا أنها مرسلة لا مجال للاعتماد عليها.

ومنها : رواية محمد بن آدم عن الرضا (عليه السلام) ، أنه قال : «إذا أُعتقت الأمة ولها زوج خيّرت ، إن كانت تحت عبد أو حرّ» (٥).

وهي وإن كانت صريحة في المدعى أيضاً ، إلّا أنها ضعيفة السند من جهتين ، فإنها مرسلة لعدم ذكر الواسطة بين الشيخ (قدس سره) ومحمد بن آدم الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) ، على أن محمد بن آدم نفسه لم يثبت توثيقه.

ومنها : رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا أُعتقت الأمة ولها زوج ، خيّرت ، إن كانت تحت عبد أو حرّ» (٦).

وهي ضعيفة السند من جهة أن أبا جميلة المفضل بن صالح ممن ضعّفه النجاشي (٧) فلا مجال للاعتماد عليها.

__________________

(١) الجواهر ٣٠ : ٢٤٤.

(٢) الحدائق ٢٤ : ٢٤٩ ، مسالك الافهام ٨ : ٣٣.

(٣) جامع الرواة ٢ : ١٧٧.

(٤) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ١١.

(٥) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ١٢.

(٦) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ١٣.

(٧) رجال النجاشي : ١٢٨ ، (٣٣٢) في ترجمة جابر بن يزيد.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إذن فجميع الروايات الدالّة على ثبوت الخيار للمعتقة فيما إذا كان زوجها حرّا ضعيفة السند ، ولا مجال للاعتماد عليها.

ومن هنا فيتعيّن الاقتصار في الحكم بثبوت الخيار على خصوص مورد الروايات المعتبرة ، أعني ما لو كان زوجها عبداً ، فإن التعدي عنه يحتاج إلى الدليل وهو مفقود كما عرفت ، ومقتضى إطلاقات أدلّة نفوذ العقد والإمضاء هو بقاء الزوجية وعدم ثبوت الخيار عند عتقها فيما إذا كان زوجها حراً.

والحاصل أن ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) وغيره ، من عموم الحكم لما إذا كان زوجها حراً ، مشكل جدّاً بل ممنوع.

ثمّ هل يثبت الخيار لها لو أعتقت هي وزوجها معاً ، أم لا؟

الظاهر هو الثبوت. وذلك لأن القاعدة وإن كانت تقتضي عدم الخيار لها ، باعتبار أنه ليس في المقام زمان تكون الزوجة فيه حرّة والزوج عبداً ، فإنهما يعتقان في زمان واحد ويتصفان معاً بالحرية ، ومن هنا فلا تشمله نصوص الخيار لاختصاصها على ما عرفت بما إذا أُعتقت الزوجة وكان الزوج عبداً ، وهو غير صادق في المقام.

إلّا أن صحيحة عبد الله بن سنان دالّة على ثبوت الخيار لها في الفرض ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «إذا أعتقت مملوكيك رجلاً وامرأته فليس بينهما نكاح» وقال : «إن أحبّت أن يكون زوجها كان ذلك بصداق» (١).

فإنها دالّة على ثبوت الخيار للأمة المعتقة حتى ولو أُعتق زوجها معها ، فمن هنا فلا محيص عن رفع اليد عن القاعدة والالتزام بما تضمّنه النص الصحيح.

نعم ، أورد صاحب الحدائق على الاستدلال بهذا النص ، بأنه دال على بطلان النكاح بينهما عند انعتاقهما معاً وارتفاع الزوجية قهراً (٢).

إلّا أنه مدفوع بالقطع بعدم بطلان الزوجية في الفرض ، فإنه لا يخلو إما من الإلحاق بصورة كون الزوج حين عتقها عبداً ، وأما بالإلحاق بصورة كونه حراً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٣ ح ١.

(٢) الحدائق ٢٤ : ٢٥٤.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيثبت لها الخيار في الأوّل إجماعاً ، وفي الثاني على ما ذهب إليه المشهور وعلى ما اخترناه فلا خيار لها. وأما الحكم بالبطلان قهراً فلا وجه له ولم ينسب القول به إلى أحد ، ومجرد التعبير بأنه «ليس بينهما نكاح» لا يقتضي ذلك. فإنه قد ورد نظير ذلك في تأخير المشتري للثمن ، حيث ذكر (عليه السلام) أنه لا بيع بينهما (١) والحال أنه لم يحتمل أحد الحكم بالبطلان ، وإنما التزموا بثبوت الخيار للبائع خاصة.

والحاصل أنه لا بدّ من حمل التعبير في الصحيحة بـ «فليس بينهما نكاح» على نفي لزوم العقد السابق وثبوت الخيار لها ، دون بطلان أصل العقد.

ويدلّ على ما ذكرناه أمران :

الأوّل : قوله (عليه السلام) : «إن أحبت أن يكون زوجها كان ذلك بصداق». فإنه ظاهر في ثبوت الخيار لها ، وإلّا فلو كان النكاح باطلاً لم تكن محبتها خاصة كافية في ثبوت الجواز ، بل كان ينبغي تعليق الحكم على محبتهما معاً والتراضي من الطرفين فكفاية محبتها خاصّة إنما تكشف عن كون المراد بقوله (عليه السلام) : «ليس بينهما نكاح» هو نفي اللّزوم وثبوت الخيار لها.

الثاني : ذيل الحديث ، حيث ورد فيه : قال : سألته عن الرجل ينكح عبده أمته ثمّ يعتقها ، تخيّر فيه أم لا؟ قال : «نعم ، تخيّر فيه إذا أُعتقت» (٢).

فإنّ سؤال ابن سنان عن عتقها وحدها بعد سماعه لحكم عتقهما معاً ، شاهد على فهمه لثبوت الخيار لها عند عتقهما معاً ، بحيث كان السؤال الثاني عن اختصاص الحكم بصورة عتقهما معاً أو عمومه لعتقها خاصة أيضاً.

ثمّ لو شرط المولى عليها عدم فسخ النكاح بعد عتقها ، فلا شك ولا إشكال في نفوذه ، لكونه أمراً سائغاً فيشمله عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشرط ، بلا فرق بين أن يكون الاشتراط في ضمن العتق أو في ضمن عقد لازم غيره ، وسيأتي من المصنف (قدس سره) التعرض له في المسألة العاشرة من هذا الفصل.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، ب ٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٥٢ ح ١.

١١٦

والظاهر عدم الفرق بين النِّكاح الدائم والمنقطع (١). نعم ، الحكم مخصوص بما إذا أُعتق كلّها ، فلا خيار لها مع عتق بعضها على الأقوى (٢). نعم ، إذا أُعتق البعض

______________________________________________________

نعم ، لو اشترط عليها أن لا يكون لها خيار ، فقد يقال بالبطلان ، لكونه شرطاً على خلاف السنّة وشرط الله قبل شرطهم.

إلّا أنه مدفوع بأنّ صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل كان له أب مملوك ، وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها ، فقال لها ابن العبد : هل لك أن أُعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت : نعم ، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك ، قال : «لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم» (١) دالّة صريحاً على الجواز.

فينكشف من ذلك أنّ سلب الخيار عنها ليس من الحكم المخالف لحكم الله على الإطلاق ، وإنما هو مخالف في خصوص فرض عدم اشتراطه في ضمن العقد. نظير اشتراط الإرث في عقد المتعة ونذر الإحرام قبل الميقات ، فإنه بأدلّة جوازه بالاشتراط أو النذر يفهم أن عدم مشروعيته مختص من الأوّل بصورة عدم الاشتراط أو النذر وإلّا فمع الاشتراط أو النذر فمشروع من الأوّل.

وحيث إنّ الرواية صحيحة من حيث السند وواضحة دلالة ، فلا محيص عن العمل بها والحكم بمقتضاها ، وإن كان مقتضى القاعدة هو البطلان.

(١) لإطلاق الأدلة ، حيث لم يرد في شي‌ء منها التقييد بالدوام ، فما عن بعضهم من القول باختصاص الحكم به لا وجه له ، لا سيما مع التعبير في صحيحة الحلبي بأن «أمرها بيدها».

(٢) فإنّ موضوع النصوص هو الأمة المعتقة وهو غير صادق على المبعضة ، لأنها مملوكة في الجملة. بل إن قوله (عليه السلام) : «أمرها بيدها» يدلّ على اختصاص الحكم بالتي قد أُعتق كلها ، باعتبار أن أمر المبعضة ليس بيدها ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٣ كتاب التدبير والمكاتبة ، أبواب المكاتبة ، ب ١١ ح ١.

١١٧

الآخر أيضاً ولو بعد مدّة ، كان لها الخيار (١).

[٣٨٢٢] مسألة ١ : إذا كان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر (٢). وهل لمولاها ، أو لها؟ تابع للجعل في العقد ، فإن جعل لها فلها وإلّا فله (٣). ولمولاها في الصورة الأُولى تملّكه كما في سائر الموارد ، إذ له تملك مال مملوكه ، بناءً على القول بالملكية ، لكن هذا إذا كان قبل انعتاقها ، وأما بعد انعتاقها فليس له ذلك (٤).

وإن كان قبل الدخول ، ففي سقوطه ، أو سقوط نصفه ، أو عدم سقوطه أصلاً وجوه ، أقواها الأخير (٥)

______________________________________________________

(١) لشمول النصوص لها ، فإن أمرها بعد انعتاق البعض الآخر بيدها.

(٢) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة.

(٣) وقد تقدّم الحديث فيه مفصلاً في المسألة الرابعة والخامسة من الفصل المتقدِّم فراجع.

(٤) فإنّ سلطانه على مالها إنما يختص بما إذا كانت مملوكة له ، فإذا خرجت عن ملكه فليس له سلطان عليها أو على أموالها ، كما هو واضح.

(٥) وقد تقدّم الكلام في نظير هذا الفرع في المسألة السابعة من الفصل السابق ، فيما إذا ملكت المرأة زوجها قبل الدخول بها. وقد عرفت أن القول بسقوط المهر كلّاً لا وجه له ، إذ لا دليل على كون المانع الطارئ من الملك فسخاً للعقد ، بحيث يرتفع من الأوّل ويفرض كأن لم يكن. كما لا دليل على التنصيف وسقوط نصف المهر ، فإن الزوجة بمجرد العقد تملك تمام المهر ، وسقوط النصف في الطلاق كان للدليل الخاص فالتعدي عنه إلى غيره من موارد ارتفاع الزوجية لا وجه له وقياس محض.

وهذا الكلام بعينه يجري في المقام ، فإنه لا دليل على كون بطلان الزوجية بنزع الأمة نفسها منه فسخاً للعقد كي يبطل أصل المهر ، ودليل التنصيف مختص بالطلاق ولا مجال للتعدي عنه. فمن هنا يكون الصحيح هو ما اختاره الماتن (قدس سره) ، من ثبوت تمام المهر وعدم سقوط شي‌ء منه على الإطلاق.

١١٨

وإن كان مقتضى الفسخ الأوّل (١) وذلك لعدم معلومية كون المقام من باب الفسخ لاحتمال كونه من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة ، والقياس على الطّلاق في ثبوت النصف ، لا وجه له.

[٣٨٢٣] مسألة ٢ : إذا كان العتق قبل الدخول والفسخ بعده ، فإن كان المهر جعل لها فلها.

وإن جعل للمولى ، أو أطلق ، ففي كونه لها أو له قولان ، أقواهما الثاني ، لأنه ثابت بالعقد (٢) وإن كان يستقر بالدخول ، والمفروض أنها كانت أمة حين العقد (٣).

[٣٨٢٤] مسألة ٣ : لو كان نكاحها بالتفويض ، فإن كان بتفويض المهر فالظاهر أنّ حاله حال ما إذا عيّن في العقد (٤).

وإن كان بتفويض البضع ، فإن كان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعيين (*) (٥)

______________________________________________________

(١) في غير العنن ، وأما فيه فقد دلّ الدليل الخاصّ على ثبوت نصف المهر ، خلافاً لما تقتضيه القاعدة.

(٢) على الأصح ، كما تقتضيه جملة من النصوص.

(٣) فيكون المهر للمولى لا محالة. نعم ، إذا قلنا أنّ المهر إنما يثبت بالدخول كان المهر لها قهراً ، لأن المولى قبل الدخول لم يكن مالكاً لشي‌ء ، وحين الدخول فهي حرّة تملك ما يثبت به ، إلّا أن هذا المبنى لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

(٤) فإن جعل المهر لها كان لها ، وإن جعل للمولى أو أطلق فهو له.

(٥) الظاهر أن «الواو» من غلط النساخ أو سهو القلم ، والصحيح هو «أو» حيث يكفي كل من الدخول أو التعيين في ثبوت حكم المهر المعيّن في أصل العقد للمقام.

__________________

(*) لا يبعد أن يكون المراد أحدهما بمعنى أنه مع الدخول أو مع التعيين قبل الدخول يكون حال المهر حاله مع التعيين حال العقد.

١١٩

فحاله حال ما إذا عيّن حال العقد (١). وإن كان قبل الدخول ، فالظاهر أن المهر لها (٢) لأنه يثبت حينئذ بالدخول ، والمفروض حريتها حينه.

[٣٨٢٥] مسألة ٤ : إذا كان العتق في العدّة الرجعية ، فالظاهر أن الخيار باق (٣) فإن اختارت الفسخ لم يبق للزوج الرجوع حينئذ ، وإن اختارت البقاء بقي له حق الرجوع. ثمّ إذا اختارت الفسخ لا تتعدد العدّة ، بل يكفيها عدّة واحدة (٤)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، فيكون المهر لها أو له على اختلاف الجعل في العقد.

(٢) فيما إذا تحقق الدخول بعد الانعتاق وقبل الفراق.

وأما إذا لم يتحقق الدخول بعد الانعتاق ، فلا شي‌ء على الزوج لها ولا للسيد ، لأن التعيين لم يحصل بحسب الفرض والدخول لم يتحقق ، والمهر إما يثبت بالتعيين أو الدخول ، فإذا لم يتحققا كان حكم النزع حكم الفسخ في عدم ثبوت شي‌ء بالمرّة.

(٣) وهو بناءً على ما اخترناه ، من كون المطلقة رجعية زوجة حقيقة حيث إنها لا ترتفع إلّا بالطلاق وانقضاء العدة ، نظير باب السلم حيث لا يحصل الملك إلّا بالعقد والقبض ، واضح.

وأما بناءً على ما ذهب إليه المشهور ، فللإجماع على ثبوت جميع أحكام الزوجة لها ، أو للأولوية القطعية على ما ذكر في بعض الكلمات ، فإن الزوجة المعتقة إذا جاز لها فسخ نكاحها المستقر ، جاز لها فسخ نكاحها المتزلزل بطريق أولى.

(٤) الظاهر أن المراد من العبارة ليس هو تعدّد العدّة ومن ثمّ تداخلهما بحيث تصبحان عدّة واحدة ، وإنما هو ثبوت عدّة واحدة لها هي عدّة الطلاق خاصة ، غاية الأمر أنها تنقلب من عدّة الأمة إلى عدّة الحرّة.

والوجه فيما ذكرناه عدم الدليل على ثبوت العدّة للفسخ إذا كان في أثناء العدّة وحينئذ فلا وجه لتعدّد العدّة كي يبحث في تداخلهما وعدمه ، وإنما السبب منحصر في الطلاق فتثبت عدّة واحدة خاصة.

وذلك لأن ثبوت العدّة ، إما من جهة الدخول والتقاء الختانين على ما دلّ عليه

١٢٠