موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

فصل

[في الجمع بين الحرّة والأمة]

الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرّة مع إذنها (١).

______________________________________________________

فصل

(١) على ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من القدماء والمتأخرين.

نعم ، نسب الشيخ (قدس سره) إلى جماعة من الأصحاب القول بعدم الجواز (١) غير أن صاحب الحدائق (قدس سره) قد استشكل في ذلك ، وحمل كلام هؤلاء الجماعة على صورة عدم تمامية شرائط جواز التزوج من الأمة (٢).

وكيف كان ، فقد استدل لمذهب المشهور بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) : هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرّة؟ قال : «نعم ، إذا رضيت الحرّة». قلت : فإن أذنت الحرّة يتمتع منها؟ قال : «نعم» (٣).

وهذه الصحيحة وإن كان موردها المتعة ، إلّا أنّه لا بدّ من التعدي إلى العقد الدائم أيضاً ، لعدم القول بالفصل. وغير بعيد أن يكون اختصاص السؤال بالمتعة ، من جهة أن إذن الحرّة فيها أيسر وأسهل من الإذن في العقد الدائم.

وبإزاء هذه الصحيحة صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «تزوّج الحرّة على الأمة ولا تزوّج الأمة على الحرّة ، ومن تزوّج أمة على حرّة

__________________

(١) النهاية : ٤٥٩.

(٢) الحدائق ٢٣ : ٥٧٠.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ١٦ ح ١.

١

والأحوط (١) اعتبار الشرطين : من عدم الطَّول ، وخوف العَنَت. وأما مع عدم إذنها فلا يجوز ، وإن قلنا في المسألة المتقدِّمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين (٢) بل هو باطل (٣). نعم ، لو أجازت بعد العقد صحّ على الأقوى (٤) بشرط تحقق

______________________________________________________

فنكاحه باطل» (١). وغيرها من الأخبار.

ومقتضى الجمع بينهما حمل الثانية على صورة عدم الإذن من الحرّة.

هذا ولو قطعنا النظر عن معارضة الصحيحتين ، فإن صحيحة الحلبي وغيرها من أدلّة المنع معارضة بما دلّ على الجواز في فرض خشية العنت وعدم الطول أو الاضطرار على ما دلّت عليه الآية الكريمة والنصوص الكثيرة المتقدِّمة إذ أن مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين من كانت عنده حرّة وغيره ، كما أن مقتضى إطلاق الصحيحة وغيرها عدم الفرق بين موارد الاضطرار وغيرها. وحينئذٍ فيتعارضان ويسقطان ، ويكون المرجع هو عمومات الحلّ ، ومقتضاها جواز التزوج من الأمة في هذا الحال ، متعة كان أو دواماً.

فإن قلت : إذن فما الدليل على اعتبار إذن الحرّة في جواز نكاح الأمة؟

قلت : إنّ الدليل هو صحيحة ابن بزيع ، فإنّه إذا اعتبر الإذن في النكاح المنقطع الذي هو أهون حالاً من العقد الدائم ولا سيّما إذا كانت المدّة قصيرة جدّاً اعتبر الإذن في العقد الدائم بطريق أولى قطعاً.

وبالجملة فما ذهب إليه المشهور من القول بالجواز مع إذن الحرّة هو الصحيح.

(١) بل الأقوى ، لما تقدّم.

(٢) فإن كلا منهما شرط مستقل وله دليله الخاص ، فلا يلزم من القول بعدم اعتبار أحدهما القول بعدم اعتبار الآخر.

(٣) لصحيحة الحلبي المتقدِّمة.

(٤) كما اختاره جملة من الأصحاب ، خلافاً للشرائع وغيرها حيث التزموا بالبطلان (٢) بل في بعض الكلمات دعوى الإجماع عليه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤٦ ح ١.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٣٤٠.

٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيف كان ، فالإجماع غير متحقق يقيناً ، والقواعد تقتضي البطلان ، فإن العقد حين وقوعه لما كان باطلاً ، فصحته بعد ذلك تحتاج إلى الدليل.

وقد ذكرنا في مسألة التزوج من بنت الأخ من دون إذن العمة أو بنت الأُخت من دون إذن الخالة ثم أذنتا ، أن العقد الفضولي وإن كان صحيحاً على القاعدة ، إلّا أن ذلك إنّما يختص بما إذا كانت إجازة من له الأمر موجبة لاستناد العقد إلى المجيز ، ولا يشمل مثل المقام الذي قد تحقق استناد العقد إلى الرجل في حينه وكانت صحته متوقفة على إذن شخص معين تعبداً ، فإن العقد حينئذٍ حين انتسابه لم يكن صحيحاً وليس بعده عقد ، فلا موجب للحكم بالصحّة.

وبعبارة اخرى : إن صحّة العقد الفضولي بالإجازة اللّاحقة إنّما تكون على القاعدة فإنّ العقد بالإجازة يستند إلى المجيز ومن له الأمر ، فتشمله العمومات الدالّة على الصحّة. وأما إذا كان العقد مستنداً إلى من له الأمر وكان محكوماً بالبطلان ، فلا تكون إجازة من اعتبرت إجازته تعبداً مصححة له.

نعم ، ذكرنا هناك أيضاً أنّ القاعدة وإن كانت تقتضي البطلان ، إلّا أنّه لا بدّ من الخروج عنها في مثل هذه الموارد ، للتعليل المذكور في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في مملوك تزوّج بغير إذن سيده ، حيث ورد فيها قوله (عليه السلام) : «إنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (١). فإنّ مقتضاه هو الحكم بصحّة كل عقد لم يشتمل على معصية الله تعالى كالجمع بين الأُختين بل كان حلالاً في نفسه ، غاية الأمر كان فاقداً لإذن من يعتبر إذنه ، خاصة فيما إذا لحقته الإجازة كالمقام.

والحاصل إن المقام يلحق بالعقد الفضولي في الحكم بالصحّة فيما إذا لحقته الإجازة. لكن بفارق أن الحكم في العقد الفضولي للقاعدة ، في حين أنّه في المقام للتعليل المذكور في النص.

هذا وربّما يستدل للصحّة بصحيحة ابن بزيع المتقدِّمة ، بدعوى أنّها مطلقة من

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٤ ح ١.

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث تقدّم الإذن وتأخّره.

إلّا أنّه مدفوع بأنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «نعم ، إذا رضيت الحرّة» هو اعتبار الإذن في صحّة العقد والتمتع ، بمعنى كونه في مرحلة سابقة على العقد بحيث لا يجوز العقد إلّا به ، فلا تشمل الرضاء المتأخر بالتمتع السابق.

ثم إن الشيخ (قدس سره) قد حكم في المقام بتخيّر الحرّة بين إمضاء عقد الأمة ، أو فسخه ، أو فسخ عقد نفسها (١).

مستدلّاً عليه بموثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) عن رجل تزوّج أمة على حرّة فقال : «إن شاءت الحرّة تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها». قال : قلت : فإن لم ترض وذهبت إلى أهلها ، إله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال : «لا سبيل عليها إذا لم ترض حين تعلم». قلت : فذهابها إلى أهلها طلاقها؟ قال : «نعم ، إذا خرجت من منزله اعتدَّت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ، ثم تتزوج إن شاءت» (٢). وهذه الموثقة تدل على تخيرها في عقد نفسها ، وأما تخيرها في عقد الأمة فهو قد ثبت بالأدلة السابقة.

وما أفاده (قدس سره) هو الصحيح لو تمّ متن الرواية. غير أن الأمر ليس كذلك فإن الكليني (قدس سره) قد رواها بعين السند والمتن فيما عدا اختلاف يسير ، فإنّه ذكر في الكافي هكذا : في رجل تزوّج امرأة حرّة وله امرأة أمة ولم تعلم الحرّة أنّه له امرأة ، قال : «إن شاءت الحرّة» الحديث (٣). فتكون الموثقة على هذا أجنبية عمّا نحن فيه.

وحيث لا يحتمل تعدّد الروايتين ، فلا محالة قد وقع الخطأ في إحدى النسختين ومن هنا فيتعيّن ترجيح نسخة الكليني (قدس سره) لكونه (قدس سره) أضبط نقلاً من الشيخ (قدس سره) ، فإنّ أخطاء الشيخ (قدس سره) في التهذيب والاستبصار كثيرة ، بل ذكر صاحب الحدائق (قدس سره) أنّه قلّما توجد فيهما رواية تخلو من

__________________

(١) النهاية : ٤٥٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥٩.

٤

الشّرطين على الأحوط (١).

ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين (٢) بل الأقوى عدم الفرق (٣) بين إمكان وطء الحرّة وعدمه ، لمرض أو قرن أو رتق ، إلّا مع عدم الشرطين (*) (٤).

نعم ، لا يبعد الجواز إذا لم تكن الحرّة قابلة للإذن (٥) لصغر أو جنون

______________________________________________________

الخطأ في السند أو المتن. وما ذكره (قدس سره) وإن كان لا يخلو من مبالغة ومسامحة فإنّه ما أكثر الروايات التي تخلو من الخطأ في السند والمتن فيهما ، غير إن وجود الخطأ فيهما ليس بعزيز.

وعلى كل فلا أقل من الالتزام بتساقطهما ، وحينئذٍ فلا يبقى دليل على تخيّرها في عقد نفسها.

(١) لبنائه (قدس سره) الحكم في أصل المسألة على الاحتياط.

(٢) أما بالنسبة إلى عقد الحرّة ، فلإطلاق قوله في صحيحة ابن بزيع : (وله امرأة حرّة). وأما بالنسبة إلى عقد الأمة ، فالنص المذكور وإن كان وارداً في خصوص المتعة ، إلّا أنّك قد عرفت أنّه لا بدّ من التعدي عنها إلى عقد الدوام أيضاً ، للأولوية القطعية.

(٣) لإطلاق الدليل.

(٤) لم يظهر وجه لهذا الاستثناء ، إذ الكلام إنّما هو في فرض تحقق الشرطين ، وإلّا يتعيّن القول بعدم الجواز جزماً أو احتياطاً على الخلاف.

(٥) نظراً لانصراف دليل اشتراط إذن الحرّة أعني صحيحة ابن بزيع إلى القابلة له ، على ما هو الظاهر منها عرفاً ، وعليه فيرجع في غيرها إلى عمومات الحلّ.

ومن هنا يظهر الفرق بين هذه المسألة ومسألة اعتبار إذن العمة والخالة في التزوج من بنت الأخ أو بنت الأُخت ، حيث ذكرنا فيها أنّه لا فرق في اعتبار إذنهما بين كونهما

__________________

(*) هذه الجملة زائدة أو أنّ في العبارة تقديماً وتأخيراً.

٥

خصوصاً (١) إذا كان عقدها انقطاعياً ، ولكن الأحوط مع ذلك المنع.

وأمّا العكس وهو نكاح الحرّة على الأمة فهو جائز ولازم إذا كانت الحرّة عالمة بالحال (٢).

______________________________________________________

قابلتين للإذن وعدمه.

والوجه في ذلك إن نصوص تلك المسألة دالّة على عدم جواز التزوج من بنت الأخ على العمة وبنت الأُخت على الخالة على الإطلاق ، غير إننا قد خرجنا عنه في فرض إذنهما لبعض النصوص الخاصة ، ومن هنا فإذا فرضنا عدم قابليتهما للإذن كانت إطلاقات المنع هي المحكمة. وهذا بخلاف المقام ، إذ قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو الجواز ، نظراً لتعارض أدلّة المنع مع ما دلّ على الجواز في فرض الضرورة ، غاية الأمر إننا قد اعتبرنا إذن الحرّة لصحيحة ابن بزيع ، وحيث قد عرفت أنّها منصرفة إلى فرض قابليتها للإذن ، فلا محالة يكون المرجع في فرض عدم قابليتها للإذن هو عمومات الحلّ والجواز.

(١) لم يظهر وجه للخصوصيّة ، بعد ما تقدّم من عدم الفرق بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين. نعم ، لا يبعد دعوى انصراف الدليل عن بعض أقسام الانقطاع الذي لا يقصد به الاستمتاع كالتزوج منها لكي تحرم أُمها عليه أبداً غير أن هذا لا يختص بالزوجة الصغيرة أو المجنونة ، بل يجرى حتى في الزوجة الكبيرة العاقلة.

(٢) لموثقة سماعة المتقدِّمة بناءً على نسخة الكليني (قدس سره). وعلى فرض سقوطها نتيجة لمعارضتها لنسخة الشيخ (قدس سره) ، تكفينا صحيحة يحيى الأزرق قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت له امرأة وليدة فتزوج حرّة ولم يعلمها بأنّ له امرأة وليدة ، فقال : «إن شاءت الحرّة أقامت ، وإن شاءت لم تقم». قلت : قد أخذت المهر فتذهب به؟ قال : «نعم ، بما استحل من فرجها» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤٧ ح ١.

٦

وأمّا مع جهلها ، فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة ، وفسخها ورجوعها إلى أهلها (١). والأظهر عدم وجوب أعلامها بالحال (٢). فعلى هذا لو أخفى عليها ذلك أبداً لم يفعل محرماً.

______________________________________________________

ثم إنّ صاحب الوسائل (قدس سره) قد اقتصر في ذكر اسم راوي هذه الرواية على يحيى بن الأزرق ، وهو إن كان نتيجة سقط في النسخ فهو ، وإلّا فهو خلاف أُصول نقل الحديث. فإنّ يحيى هذا مشترك بين يحيى بن حسان الأزرق المجهول ويحيى بن عبد الرحمن الأزرق الثقة ، مع أن الشيخ (قدس سره) قد روى هذه الرواية في التهذيب عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق (١).

فالرواية على هذا صحيحة السند ، وإن عبّر عنها في الجواهر بخبر يحيى بن الأزرق (٢).

(١) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه موثقة سماعة وصحيحة يحيى بن عبد الرحمن الأزرق.

(٢) بلا إشكال ، لعدم الدليل عليه ، إذ غاية ما دلّ عليه الدليل هو ثبوت الخيار لها عند علمها بالحال ، وهذا لا يعني وجوب أعلامها بذلك ، كما هو الحال في سائر موارد الخيار في العقود ، كالعيب والغبن وما شاكلهما. بل يمكن استفادة عدم الوجوب من موثقة سماعة وصحيحة ابن الأزرق ، باعتبار أن الإمام (عليه السلام) فيهما لما كان في مقام البيان ، فعدم ذكره لوجوب الإعلام يكون دليلاً على عدمه.

ومن الغريب ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) عن الرياض من أنّه قال : ولو أدخل الحرّة على الأمة جاز ، ولزم علم الحرّة بأن تحته أمة إجماعاً ونصوصاً. ثم أشكل عليه بأنّه لم نتحقق ذلك ، وذكر أنّ من الممكن أن يريد الإجماع والنصوص على الحكم الأوّل ، أعني الجواز (٣).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤٥ / ١٤١٣.

(٢) الجواهر ٢٩ : ٤١٢.

(٣) الجواهر ٢٩ : ٤١٣.

٧

[٣٧٩٤] مسألة ١ : لو نكح الحرّة والأمة في عقد واحد مع علم الحرّة صحّ (١). ومع جهلها صحّ بالنسبة إليها ، وبطل بالنسبة إلى الأمة (٢) إلّا مع إجازتها (٣).

______________________________________________________

والظاهر أنّ نسخته (قدس سره) كانت مغلوطة ، والصحيح إضافة كلمة (مع) بعد قوله (لزم) كما هو الحال في النسخ المطبوعة من الرياض وإلّا لكانت العبارة غير مستقيمة جزماً ، إذ ينبغي أن تكون (ولزم إعلام الحرّة) لو كان المقصود هو ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره).

(١) باعتبار أنّ رضا الحرّة بهذا العقد مع علمها بالحال رضا بتزوج الرجل من الأمة ، فتشمله أدلة جواز إدخال الأمة على الحرّة إذا رضيت بذلك.

(٢) لصحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة حرّة وأمتين مملوكتين في عقد واحد ، قال : «أما الحرّة فنكاحها جائز ، وإن كان سمّى لها مهراً فهو لها. وأما المملوكتان فإنّ نكاحهما في عقد مع الحرّة باطل ، يفرق بينه وبينهما» (١).

(٣) والوجه فيه بعد إطلاق صحيحة أبي عبيدة المقتضي للبطلان ، بلا فرق بين علم الحرّة وجهلها ، والإذن وعدمه هو ما ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) من اليقين بتقييدها بصورة عدم الإذن والرضا (٢). وهو غير بعيد ، ولعلّ منشأه الروايات التي دلت على جواز إدخال الأمة على الحرّة بإذنها ، فإنّه إذا جاز إدخالها عليها برضاها ، جاز الاقتران بطريق أولى.

هذا ويمكن أن يقال في توجيه الحكم : إنّ صحيحة أبي عبيدة معارضة للآية الكريمة الدالّة على جواز التزوج من الأمة عند عدم الطول وخشية العنت ، والنصوص الدالّة عليه مع الضرورة ، باعتبار أن النسبة بينهما إنّما هي نسبة العموم والخصوص من وجه. فيتعارضان في مورد الاجتماع ، حيث إنّ مقتضى الآية هو الجواز ، في حين أن مقتضى صحيحة أبي عبيدة هو المنع. وعليه فإن قلنا بترجيح الآية فهو ، وإلّا كان

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤٨ ح ١.

(٢) الجواهر ٢٩ : ٤١٤.

٨

وكذا الحال لو تزوجهما بعقدين في زمان واحد ، على الأقوى (١).

[٣٧٩٥] مسألة ٢ : لا إشكال في جواز نكاح المبعضة على المبعضة (٢). وأمّا على الحرّة ففيه إشكال ، وإن كان لا يبعد جوازه (٣) لأنّ الممنوع نكاح الأمة على الحرّة ، ولا يصدق الأمة على المبعضة ، وإن كان لا يصدق أنّها حرّة أيضاً (٤).

[٣٧٩٦] مسألة ٣ : إذا تزوَّج الأمة على الحرّة ، فماتت الحرّة أو طلّقها ، أو وهب مدّتها في المتعة أو انقضت ، لم يثمر في الصحّة (٥) بل لا بدّ من العقد على الأمة جديداً إذا أراد.

______________________________________________________

مقتضى تساقطهما هو الرجوع إلى عمومات الجواز.

ومقتضى هذا التقرير وإن كان هو الجواز حتى مع عدم رضا الحرّة ، إلّا أننا لما علمنا بأنّ للحرّة حقاً على الأمة كما يظهر ذلك مما دلّ على تخيّر الحرّة في عقد نفسها إذا دخلت هي على الأمة ، وفي عقد الأمة إذا دخلت الأمة عليها كان تخيّرها عند الجمع بينهما في عقد واحد في عقد نفسها أو عقد الأمة ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، إذ أنّ الجمع بينهما لا يقصر عن دخولها على الأمة أو العكس.

غير أنّ الاحتمال الأوّل أعني تخيّرها في عقد نفسها لما كان مخالفاً لصريح صحيحة أبي عبيدة ، تعيّن الثاني لا محالة ، فيحكم حينئذٍ بالبطلان لو لم تجز الحرّة العقد.

(١) وذلك للقطع بعدم خصوصيّة وحدة العقد في الحكم ، وإنّما العبرة باقتران التزويجين.

(٢) من دون اعتبار لإذنها ، لعدم شمول الأدلة لها ، باعتبار عدم صدق الحرّة عليها.

(٣) لعمومات الحل ، بعد عدم شمول أدلّة المنع لها لما ذكر في المتن.

(٤) لكونها ملفّقة منهما.

(٥) لأنّه حينما حدث ووقع في الخارج لم يكن مشمولاً لأدلّة لزوم الوفاء بالعقد والصحّة باعتبار أنّه يعتبر فيها إذن الحرّة وهو لم يتحقق بحسب الفرض وبعد انقطاع

٩

[٣٧٩٧] مسألة ٤ : إذا كان تحته حرّة فطلقها طلاقاً بائناً ، يجوز له نكاح الأمة في عدّتها (١). وإما إذا كان الطلاق رجعيا ففيه إشكال ، وإن كان لا يبعد الجواز (*) ، لانصراف الأخبار عن هذه الصورة (٢).

______________________________________________________

عصمة الحرّة لم يكن هناك عقد جديد كي يحكم بصحته ، وحيث إنّ الانقلاب غير معقول ، فلا بدّ من الحكم ببطلانه.

وبعبارة اخرى : إنّ أدلة اللزوم والصحّة ناظرة إلى إمضاء العقد من حين وقوعه. وحيث إنّ العقد في المقام لم يكن مشمولاً لها من ذلك الحين ، لعدم تحقق الإذن فشمولها له بعد ذلك يحتاج إلى الدليل ، نظير ما يذكر في علم البائع والمشتري بالثمن بعد العقد مع جهلهما به في حينه. وحيث إنّ الدليل في المقام منحصر فيما دلّ على اعتبار إذن الحرّة وهو لم يتحقق ، فمقتضى القاعدة هو البطلان.

(١) لانقطاع عصمتها ، ومعه فلا يصدق عليه أنّه أدخل أمة على امرأته الحرّة ، فلا تشمله نصوص المنع.

(٢) سواء أقلنا بأنّ المعتدة رجعية زوجة حقيقة ، أم قلنا بأنّها في حكم الزوجة. وذلك لظهور قوله في صحيحة ابن بزيع المتقدِّمة : (وله امرأة حرّة) في كونه ذا زوجة حرّة باعتباره ونظره ، وحيث إنّ المطلقة رجعية ليست كذلك وإن كانت زوجة بحكم الشارع ، كانت الصحيحة قاصرة الشمول عن مثلها.

وبعبارة اخرى : إنّ المطلقة رجعية وإن كانت زوجة بحكم الشارع ، إلّا أنّ سؤال الراوي في صحيحة ابن بزيع منصرف عنها ولا يشملها ، وحينئذٍ فمقتضى العمومات هو الجواز.

هذا كلّه فيما إذا لم يرجع الزوج بالزوجة في أثناء العدّة ، وإلّا فلا ينبغي الشكّ في صدق أنّه تزوّج من أمة وله امرأة حرّة ، فإنّ الرجوع لا يحدث زوجية جديدة حتى في اعتبار الزوج ونظره ، وإنّما هو إبطال للطلاق وإزالة لأثره ، وحينئذٍ فيتعيّن اعتبار إذن الحرّة لا محالة.

__________________

(*) هذا إذا لم يرجع إليها بعد التزويج بالأمة ، وإلّا فالحكم بالجواز بعيد جدّاً.

١٠

[٣٧٩٨] مسألة ٥ : إذا زوّجه فضولي حرّة فتزوّج أمة ثم أجاز عقد الفضولي فعلى النقل لا يكون من نكاح الأمة على الحرّة فلا مانع منه (١) وعلى الكشف مشكل (٢).

[٣٧٩٩] مسألة ٦ : إذا عقد على حرّة ، وعقد وكيله له على أمة ، وشكّ في السابق منهما ، لا يبعد صحتهما (٣) وإن لم تجز الحرّة. والأحوط طلاق الأمة مع

______________________________________________________

(١) نظراً لتأخر زوجية الحرّة عن زوجية الأمة بحسب الفرض فلا تشمله أدلّة اعتبار إذن الحرّة في نكاح الأمة.

(٢) والظاهر هو التفصيل ، نظير ما تقدّم في مسألة الجمع بين العمة وبنت الأخ أو الخالة وبنت الأُخت.

فإنّه بناءً على الكشف الحكمي لا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار إذن الحرّة ، باعتبار أنّ استناد زوجيتها إليه إنّما يكون من حين الإجازة وإن ترتبت الآثار والأحكام من حين وقوع العقد تعبداً ، إلّا أنّ ذلك لا يعتبر من التزويج بالحرّة قبل الأمة ، وحينئذٍ فيكون الحال على هذا كالقول بالنقل.

وأما بناءً على الكشف الحقيقي بمعنى انكشاف استناد العقد إليه من حينه بحيث تكون الإجازة كالبيّنة فلا ينبغي الإشكال في صدق عنوان إدخال الأمة على الحرّة نظراً لكون زوجية الحرّة على هذا موجودة قبل زوجية الأمة وسابقة عليها ، فلا بدّ من اعتبار إذنها للنصوص المتقدِّمة.

وأما بناءً على الانقلاب فلا تخلو المسألة من إشكال ، باعتبار أن زوجية الحرّة وإن كانت سابقة على زوجية الأمة ، إلّا أنّها لما كانت سابقة من حين الإجازة بمعنى أنّها من حين الإجازة تصبح كذلك وكان ظاهر صحيحة ابن بزيع كونها سابقة على زوجية الأمة في حين وقوع العقد على الأمة ، فلا تشمله هذه الصحيحة ، وحينئذٍ فلا يخلو الحكم من إشكال.

(٣) أما عقد الحرّة فلكونه صحيحاً على كل حال ، سواء أكان سابقاً أم لاحقاً ، إذ الممنوع إنّما هو إدخال الأمة على الحرّة ، وأما إدخال الحرّة على الأمة فلا إشكال فيه

١١

عدم إجازة الحرّة (١).

______________________________________________________

ومن هنا فيحكم بصحّة عقد الحرّة لا محالة.

وأمّا عقد الأمة فلأن الممنوع إنّما هو إدخالها على الحرّة بمعنى أن تكون عنده حين التزوج من الأمة زوجة حرّة وحيث إنّه مشكوك ، فيستصحب عدمه إلى حين التزوج من الأمة. ولا يعارض ذلك باستصحاب عدم التزوج من الأمة إلى حين التزوج من الحرّة ، لعدم الأثر له في المقام ، لأنّه لا يثبت تأخر عقد الأمة إلّا بالملازمة فيكون من الأُصول المثبتة.

هذا ولكن الصحيح أن يقال بأنّ للمسألة صوراً :

فقد يُفرض أن الحرّة لا تفسخ عقد نفسها ، ولا ترضى بعقد الأمة أيضاً.

وقد يُفرض أنّها تأذن في عقد الأمة ، لكنها تفسخ عقد نفسها.

وثالثة يُفرض أنّها تفسخ عقد نفسها وعقد الأمة معاً.

فإنّ الحكم يختلف باختلاف هذه الفروض.

ففي الفرضين الأولين يحكم بصحّة العقدين معاً : لاستصحاب عدم التزوج بالحرّة إلى حين التزوج من الأمة في الفرض الأول ، فلا تشملها نصوص المنع عن إدخال الأمة على الحرّة. ولاستصحاب عدم التزوج من الأمة إلى حين التزوج من الحرّة في الفرض الثاني ، فلا تشملها أدلّة ثبوت الخيار للحرّة فيما إذا أُدخلت على الأمة.

وأما في الفرض الثالث فلا مجال للحكم بصحتهما معاً ، للعلم الإجمالي ببطلان أحد العقدين في الواقع. فإنّه لو كان عقد الأمة هو المتأخر كان نكاحها باطلاً ، لعدم إذن الحرّة. وإن كان عقدها هو المتقدم كان عقد الحرّة باطلاً ، لفسخها نكاح نفسها. وحينئذٍ فلا بدّ من التخلص من المشكلة ، أما من طلاق الزوجة الواقعية فتنفصلان منه معاً ، وأما من الرجوع إلى القرعة لتعيين الزوجة منهما عن الأجنبية ، نظراً لكونها لكل أمر مشكل ، وهذا منه.

(١) ولعلّه (قدس سره) ناظر إلى خصوص الفرض الثالث ، ومعه فقد عرفت أنّ له طريقاً آخر غير الطلاق.

١٢

[٣٨٠٠] مسألة ٧ : لو شرط في عقد الحرّة أن تأذن في نكاح الأمة عليها صحّ (١) ولكن إذا لم تأذن لم يصحّ (٢) بخلاف ما إذا شرط عليها أن يكون له نكاح الأمة (*) (٣).

فصل

في نكاح العبيد والإماء

[٣٨٠١] مسألة ١ : أمر تزويج العبد والأمة بيد السيد ، فيجوز له تزويجهما ولو من غير رضاهما ، أو إجبارهما (٤) على ذلك. ولا يجوز لهما العقد على نفسهما

______________________________________________________

(١) لعموم ما دلّ على نفوذ الشرط.

(٢) فإنّ شرطية إذنها لا تسقط بعصيانها لأمر الوفاء بالشرط.

(٣) باعتبار أنّ مرجعه إلى توكيل الزوج في الإذن ، وقد عرفت فيما تقدّم أنّ الوكالة إذا كانت شرطاً في عقدٍ لازم كانت لازمة ولا يصحّ عزله عنها ، وحينئذٍ فيكون إذنه بمنزلة إذن الزوجة الحرّة حتى ولو لم ترض هي بذلك.

فصل

في نكاح العبيد والإماء

(٤) بلا خلاف ولا إشكال فيه ، وتدلّ عليه عدّة من الآيات الكريمة والنصوص الشريفة.

فقد قال تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (١). فإنّه بعد الفراغ عن أنّه ليس للعبد والأمة شي‌ء من الأمر ، يكون الخطاب في الآية متوجِّهاً إلى المولى لا محالة ، فتدلّ على جواز تزويجه لهما.

__________________

(*) لا أثر لهذا الشرط إلّا أن يرجع إلى اشتراط الوكالة للزوج في الإذن من قبلها.

(١) سورة النور ٢٤ : ٣٢.

١٣

من غير إذنه (١) كما لا يجوز لغيرهما العقد عليهما (٢) كذلك ، حتّى لو كان لهما أب حرّ. بل يكون إيقاع العقد منهما أو من غيرهما عليهما حراماً (*) (٣) إذا كان ذلك بقصد ترتيب الأثر ، ولو لا مع إجازة المولى.

______________________________________________________

وقال تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (١).

حيث يستفاد منها أنّ أمر تزويجهما بيد المولى ، فله أن يزوِّجهما وله أن يمتنع عن ذلك.

وقال تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (٢). فإنّها دالّة على أنّ المملوك سواء في ذلك العبد والأمة ليس له من الأمر شي‌ء ، ومن هنا فلا يترتّب على ما يقوم به من معاملات وغيرها ومنها النكاح أي أثر.

وأمّا النصوص فهي متضافرة وكثيرة ، بل في بعضها التصريح بأنّه ليس له النكاح والطّلاق ، وإنّ من تزوّج بالأمة من دون إذن سيِّدها كان زانياً. ويدلّ عليه ما ورد من أنّ طلاق الأمة بيد المولى إذا زوَّجها من العبد ، وبيد الحر إذا زوَّجها منه.

وعلى كلٍّ ، فالحكم ممّا لا خلاف فيه بينهم ، وتدلّ عليه الآيات الكريمة والنصوص المتضافرة ، بل ومع غضّ النظر عن ذلك تقتضيه القاعدة. فإنّ العبد والأمة لمّا كانا قابلين للتزويج ، ولم يكن لهما من الأمر شي‌ء ، كان أمر ذلك بيد المولى لا محالة.

(١) ويقتضيه ما تقدّم.

(٢) لما تقدّم أيضاً.

(٣) وهو مبني على ما اختاره جماعة في محلّه ، من ثبوت الحرمة لمقدّمة الحرام إذا كان بقصد ترتّب الحرام عليها ، نظير حرمة المقدّمة التوليدية. إلّا أنّنا قد ذكرنا هناك أنّه لا دليل على هذا المدّعى بالمرّة ، إذ أنّ قصد الإتيان بالحرام إنّما يدخل في نيّة المعصية وهو نوع من التجرُّؤ ، وقد عرفت أنّه لا دليل على حرمته وإن كان فيه نوع

__________________

(*) ليس هذا حراماً شرعيّاً ، بل هو داخل في نيّة المعصية وهي نوع من التجرُّؤ.

(١) سورة النساء ٤ : ٢٥.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٧٥.

١٤

نعم ، لو كان ذلك بتوقّع الإجازة منه ، فالظاهر عدم حرمته ، لأنّه ليس تصرّفاً في مال الغير عرفاً (١) كبيع الفضولي مال غيره.

وأمّا عقدهما على نفسهما من غير إذن المولى ، ومن غيرهما (*) (٢) بتوقّع الإجازة فقد يُقال بحرمته (**) (٣) لسلب قدرتهما وإن لم يكونا مسلوبي العبارة. لكنّه مشكل

______________________________________________________

طغيان وتعدٍّ على حقّ المولى ، فإنّ مجرّد ذلك لا يقتضي الحكم بالحرمة التشريعية حتّى ولو قلنا باستحقاق المكلّف للعقاب على ذلك ، إذ لا يلزم منه أن يكون الفعل حراماً.

والحاصل أنّ المقام داخل في التجرُّؤ ، وقد عرفت أنّه ليس بحرام ، سواء أتى بالمقدّمة أم لم يأت بها.

(١) فلا تشمله أدلّة عدم جواز التصرّف في مال الغير.

(٢) العبارة لا تخلو من تشويش ، والظاهر أنّ موضع هذه العبارة إنما هو بعد قوله (قدس سره) : نعم ، لو كان ذلك.

(٣) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (١) ولعلّه لكونه تصرفاً منهما في نفسهما فتشمله أدلة حرمة التصرف في مال الغير.

وفيه : إنّ سلب القدرة إنما يكون منشأً للحكم الوضعي ، أعني عدم نفوذ العقد وصحته ، وأما الحكم التكليفي فلا مجال لاستفادته منه ، فيكون حال هذا التلفظ حال سائر تلفظاته وتكلماته.

هذا مضافاً إلى دلالة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه ، أعاصٍ لله؟ قال : «عاصٍ لمولاه». قلت : حرام هو؟ قال : «ما أزعم أنه حرام ونوله لا يفعل إلّا بإذن مولاه» (٢) صريحاً على عدم الحرمة.

__________________

(*) في العبارة تشويش ، والمراد ظاهر فإنّ موضع هذه العبارة قبل سطرين ، يعني بعد قوله : (نعم لو كان ذلك) كما يظهر وجهه بأدنى تأمّل.

(**) لا وجه للقول بالحرمة أصلاً ، فإنّ سلب القدرة لا يكون منشأً للحرمة وإنّما يكون منشأً لعدم النفوذ.

(١) الجواهر ٣٠ : ٢٠٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٣ ح ٢.

١٥

لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلك. وكذا لو باشر أحدهما العقد للغير بإذنه أو فضولة ، فإنه ليس بحرام (١) على الأقوى ، وإن قيل بكونه حراماً (٢).

[٣٨٠٢] مسألة ٢ : لو تزوّج العبد من غير إذن المولى وقف على إجازته ، فإن أجاز صحّ (٣).

______________________________________________________

(١) لما تقدّم.

(٢) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) أيضاً (١).

(٣) على ما ذهب إليه الأكثر من الأصحاب ، بل لم ينسب الخلاف فيه إلّا إلى ابن إدريس (قدس سره) حيث التزم بالبطلان (٢) ، نظراً إلى أنّ النصوص الواردة في المقام أخبار آحاد وهو لا يلتزم بحجيتها. والقاعدة تقتضي البطلان ، لأن العقد حين وقوعه لم يكن صحيحاً لفقدان إذن المولى ، فصحته بعد ذلك بالإجازة المتأخرة تحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

إلّا أن ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، لجملة من النصوص الصحيحة الدالّة على الصحّة صريحاً :

كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) : «أنه أتاه رجل بعبده ، فقال : إن عبدي تزوّج بغير إذني ، فقال علي (عليه السلام) لسيده : فرِّق بينهما. فقال السيد لعبده : يا عدوّ الله طلِّق. فقال له (عليه السلام) : كيف قلت له؟ قال : قلت له : طلِّق. فقال علي (عليه السلام) للعبد : أما الآن فإن شئت فطلق ، وإن شئت فأمسك. فقال السيد : يا أمير المؤمنين ، أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري. قال : ذلك لأنك حين قلت له : طلّق ، أقررت له بالنكاح» (٣).

__________________

ونولك أن تفعل، أي: حقك وينبغي لك، الصحاح ٥:١٨٣٦.

(١) الجواهر ٣٠ : ٢٠٥ ٢٠٦.

(٢) السرائر ٢ : ٥٦٥.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٧ ح ١.

١٦

وكذا الأمة على الأقوى (١).

______________________________________________________

وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : إني كنت مملوكاً لقوم ، وإني تزوجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ ثمّ أعتقوني بعد ذلك فأُجدِّد نكاحي إياها حين اعتقت؟ فقال له : «أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم»؟ فقال : نعم ، وسكتوا عني ولم يغيروا علي. قال : فقال : «سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، اثبت على نكاحك الأوّل» (١).

وصحيحة الحسن بن زياد الطائي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إني كنت رجلا مملوكاً فتزوّجت بغير إذن مواليّ ، ثمّ أعتقني الله بعد ، فأُجدد النكاح؟ قال : فقال : «علموا أنك تزوّجت»؟ قلت : نعم ، قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئاً. قال : «ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك» (٢).

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على صحّة العقد عند لحوق الإجازة.

(١) خلافاً لما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) ، حيث فصل بين العبد والأمة ، فالتزم بصحّة عقد العبد إذا لحقته الإجازة ، بخلاف الأمة فإنّ عقدها لا يصحّ حتى وإن لحقته الإجازة. بدعوى أنّ النصوص كلها واردة في العبد خاصة ، فتبقى الأمة مشمولة للقاعدة المقتضية للبطلان (٣).

وما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ لو انحصرت نصوص صحّة عقد العبد عند لحوق الإجازة بما تقدّم. فإنه حينئذ يمكنه أن يقال بأن القاعدة لما كانت تقتضي البطلان وكانت نصوص الصحّة مختصة بالعبد ، كان مقتضى الصناعة الحكم بالبطلان في عقد الأمة ، لعدم الدليل على خروجها عن القاعدة. إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ في نصوص الصحّة ما يقتضي التعدي من العبد إلى الأمة ، ويدلّ على شمول الحكم لها أيضاً :

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٦ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٦ ح ٣.

(٣) الحدائق ٢٤ : ٢٠٢.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده ، فقال : «ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما». قلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ إجازة السيد له؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (١).

وصحيحته الأُخرى عنه (عليه السلام) أيضاً ، قال : سألته عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها ثمّ اطلع على ذلك مولاه ، قال : «ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما. فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً. وإن أجاز نكاحه ، فهما على نكاحهما الأوّل». فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : فإنّ أصل النكاح كان عاصياً؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاصٍ لله ، إنما عصى سيده ولم يعص الله ، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرَّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه» (٢).

فإنّ التعليل المذكور فيهما يدلّ على عدم اختصاص الحكم بالعبد ، بل يجري في الأمة على حد جريانه في العبد ، لجريان التعليل المذكور بعينه فيها. فيقال : إنّ نكاح الأمة في نفسه ليس بمحرم كتزوجها من أخيها مثلاً ، وليست هي عاصية لله تبارك وتعالى ، وإنما هي عاصية لسيدها فإذا أجاز جاز.

هذا مضافاً إلى ما ذكره الفقهاء في غير واحد من الأبواب الفقهية ، من أنّ الحكم إذا تعلّق بعنوان اشتقاقي ولم تكن هناك قرينة على الاختصاص عمّ الرجل والمرأة كالأحكام الثابتة للمحرم والمسافر والحاضر والصائم والبيّعين وصاحب الحيوان وغيرها ، فإنه لا قائل باختصاصها بالرجل ، بل لم يناقش في عمومها أحد حتى صاحب الحدائق (قدس سره). وحيث إنّ المقام من هذا القبيل ، باعتبار أنّ المملوك المذكور في صحيحتي زرارة عنوان اشتقاقي جامع بين العبد والأمة ، فلا وجه للتفريق بينهما في الحكم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٤ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٤ ح ٢.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا ينافي هذا ما دلّ على أنّ التزوّج من الأمة بغير إذن مولاها زنا ، فإنه مما لا إشكال فيه ، ولا يختص بالأمة بل يجري في جانب العبد أيضاً ، فإنه وإن لم يرد فيه هذا التعبير بخصوصه ، إلّا أنه قد ورد في جملة من النصوص ما يلازمه قهراً.

نظير ما دلّ على عدم جواز تزوّج العبد من غير إذن مولاه ، فإنّ لازمه بطلان العقد ، ولازم البطلان هو كون المواقعة زنا. وما دلّ على أن نكاحه من غير إذن سيِّده باطل ومردود. وكذا ما دلّ على أنّ الحرّة إذا زوّجت نفسها من العبد بغير إذن مولاه فقد أباحت نفسها وليس لها صداق ، فإنّه ظاهر في كون الفعل زنا ، وإلّا فلا وجه للحكم بعدم استحقاقها للصداق.

غير أنه مختص بحالة ما قبل إجازة المولى ، بمعنى كون النكاح في نفسه كذلك ما لم تلحقه الإجازة. وأما بعد الإجازة فليس الأمر كذلك ، بل يحكم بصحّة عقدهما ، فلا يكون الفعل زنا لا محالة.

وأما ما استشهد به صاحب الحدائق (قدس سره) لمدعاه ، من أن عدم ذكر الأمة في ضمن كلام الإمام (عليه السلام) مشعر بعدم جريان الحكم فيها ، مندفعٌ بأنّ ما صدر منه (عليه السلام) لم يكن لبيان الحكم ابتداء كي يكون لما قيل وجه ، وإنما كان في مقام الجواب عن السؤال الموجه إليه (عليه السلام) ، وحيث إنّ الأسئلة كانت مختصة بالعبد ، فلا مجال لاستفادة ما ذكر من عدم التعرض إلى ذكرها في الأجوبة.

ثمّ إنه ربّما يستدلّ على الصحّة في المقام بعموم قوله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) بدعوى أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الإذن السابق على العقد واللّاحق له.

إلّا أنه بعيد جدّاً ، إذ الظاهر من هذه الآية الكريمة هو ترتب النكاح على الإذن بحيث يكون النكاح صادراً ومسبباً عنه ، فإذا لم يكن العقد كذلك ، فالإذن المتأخر لا يقلبه فيجعله نكاحاً عن الإذن.

وبعبارة اخرى : إنّ المعتبر في الحلية إذا كان كلٌّ من النكاح والإذن مستقلا عن الآخر ، لكان لما ذكر وجه وإن لم يكن يخلو من الإشكال أيضاً. إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، حيث إنّ المعتبر فيها إنّما هو صدور النكاح المتفرِّع والمترتِّب على الإذن ، فلا وجه للحكم بصحّة النكاح الصادر عن غير الإذن وإن لحقه بعد ذلك ، إذ الإذن

١٩

والإجازة كاشفة (١). ولا فرق في صحته بها بين أن يكون بتوقعها ، أو لا بل على الوجه المحرم.

______________________________________________________

المتأخر لا يقلب النكاح السابق عن وصف كونه من غير إذن إلى كونه صادراً عن الإذن.

إذن فالصحيح في المقام هو التمسك بما ذكرناه لإثبات المدعى.

(١) وذلك فلأن النقل وإن كان ممكناً في نفسه بل قد وقع في بعض الموارد ، كبيع الصرف والسلم فيما إذا تأخر القبض عن العقد حيث يكون البيع في زمان والملكية في زمان آخر ، وكذا كل ما هو مشروط بالقبض كالهبة والوقف على جهة معينة إذا تأخر القبض من العقد ، إلّا أن الدليل لا يساعد عليه ، باعتبار أن الإجازة والإمضاء إنما تتعلّقان بالعقد الذي وقع في حينه ، ومن هنا فيكون الحكم بالملكية من حين الإجازة على خلاف الإمضاء ودليل النفوذ ، فيحتاج إلى دليل خاص ، وحيث إنه مفقود فلا مجال للالتزام به.

بل هو منافٍ لظاهر صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ، ثمّ قدم سيِّدها الأوّل فخاصم سيدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتى ينفذ لك ما باعك ، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه : أرسل ابني ، فقال : لا أُرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» (١).

فإنها ظاهرة في الكشف والحكم بالصحّة من حين صدور العقد ، وإلّا لكان على المشتري أن يدفع لسيدها الأوّل مهر أمثالها نظراً لوطئه أمة الغير شبهة ، والحال أنه (عليه السلام) لم يتعرض لذلك.

وصريح صحيحة أبي عبيدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليان لهما ، وهما غير مدركين؟ قال : فقال : «النكاح جائز ، أيهما

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٨٨ ح ١.

٢٠