موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

جاء من قبل حكم الشارع بالحرية. وعلى فرضه فلا وجه لقيمة يوم التولد ، بل مقتضى القاعدة (١) قيمة يوم الانعقاد ، لأنه انعقد حرّا ، فيكون التفويت في ذلك

______________________________________________________

وزعمت أنها حرّة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثمّ إنّ مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة وأقرّت الجارية بذلك ، فقال : «تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمة يوم يصير إليه» (١).

إذ من الظاهر أنه لا اعتبار بالخصوصيات المذكورة فيها من التدليس وغيره في الحكم ، وإنما المدار على جهل الزوج بالحرمة ، سواء أكان ذلك ناشئاً من جهله بالموضوع أم جهله بالحكم خاصة ، فيشمل الحكم كلتا الصورتين وإن كان موردها هو الأوّل خاصة.

ومما يؤكد ذلك قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة في جواب السؤال عما لو امتنع الأب عن السعي في ثمن ولده : «فعلى الإمام أن يفتديه ولا يملك ولد حر».

فإنه واضح الدلالة على عدم اختصاص الحكم بفرض الشبهة الموضوعية ، وإن العبرة إنما هي بكون الوطء شبهة ، بحيث ينتسب الولد إليه شرعاً ويتّصف بكونه ولداً للحرّ ، من دون فرق بين أن يكون ذلك من جهة التدليس أو من جهة أُخرى غيره. ومن هنا فيحكم بحرية الولد مع لزوم دفع قيمته إلى مولاها ، جمعاً بين الحقّين.

ومع قطع النظر عن ذلك ، فمن البعيد جدّاً أن يكون حكم الجهل بالحكم لا سيما إذا كان عن تقصير أهون من حكم الجهل بالموضوع ، فيجب في الثاني مضافاً إلى دفع العشر أو نصفه قيمة الولد ، في حين يكون الولد له في الأوّل من دون دفع شي‌ء.

وكيف كان ، فما ذكره جماعة من المحققين من وجوب دفع قيمة الولد يوم يسقط حياً الذي هو يوم يصير الولد إلى أبيه لمولاها ، هو الصحيح على ما تقتضيه نصوص التدليس.

(١) لكن العمل بها يتوقّف على عدم النص ، وحيث قد عرفت وجوده فلا مجال

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٥.

٨١

الوقت.

[٣٨١١] مسألة ١١ : إذا لم يجز المولى العقد الواقع على أمته ولم يردّه أيضاً حتى مات ، فهل يصح إجازة وارثه له ، أم لا؟ وجهان ، أقواهما العدم ، لأنها على فرضها كاشفة ، ولا يمكن الكشف هنا ، لأنّ المفروض أنها كانت للمورث ، وهو نظير من باع شيئاً ثمّ ملك (*) (١).

______________________________________________________

للعمل بها.

(١) الكلام تارة يقع في غير النكاح من العقود كالبيع ونحوه ، وأُخرى في النكاح بخصوصه.

أمّا المقام الأوّل : فقد يفرض أنّ العقد قد صدر ممن قد انتقل إليه المال بعد ذلك وقد يفرض صدوره من غيره.

أمّا الفرض الأوّل ، كما لو باع الوارث المنحصر مالاً لمورثه في حياته ثمّ مات مورثه فانتقل المال إلى البائع ، فالأقوال فيه مختلفة ، حيث ذهب جماعة إلى النفوذ مطلقاً ، وذهب آخرون إلى العدم مطلقاً ، وفصّل ثالث بين الإجازة بعد الملك فيحكم بالنفوذ ، وعدمها فيحكم بالبطلان.

وقد تقدّم منا في محلِّه من مباحث المكاسب اختيار القول الأخير إذ لا أثر لرضاه بالبيع في ذلك الحين ، فلا يكون مشمولاً لدليل المستثنى في قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١) فإذا ملكه ورضي به بعد ذلك كان مصداقاً للمستثنى.

والعمدة في صحّة هذا العقد ما ورد في الزكاة من أن المالك إذا باع تمام النصاب بعد

__________________

(*) ليس المقام نظير ذلك ، بل هو نظير ما إذا بيع دار زيد فضولاً من عمرو ، ثم انتقلت الدار منه إلى بكر ببيع أو نحوه ، فأجاز بكر ذلك العقد الواقع فضولاً ، هذا مضافاً إلى أنه قد ثبت صحّة العقد فيمن باع شيئاً ثمّ ملك بالنص ، وأمّا المقام فلا نصّ فيه ، ومقتضى القاعدة فيه هو البطلان.

(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تعلق الزكاة به وقبل إخراجها ، وجب على المشتري أداؤها ويرجع به على البائع ، إلّا إذا أخرجها المالك الأوّل بعد البيع من ماله الخاص ، فإنه حينئذ لا يجب على المشتري شي‌ء ويصح البيع. فإنّ من الواضح أن مورد هذه الروايات إنما هو بيع شي‌ء لم يملكه أعني حصة الزكاة ثمّ ملكه بعد ذلك بالأداء من ماله الخاص ، فتكون دليلاً على صحّة مثل هذا البيع.

وأما الفرض الثاني ، كما لو باع ثالث مال المورث فضولة فمات المورث قبل أن يمضيه أو يرده ، فانتقل المال إلى وارثه فأجاز العقد ، فهل يحكم بالصحّة أم لا؟

فيه خلاف ، اختار الماتن (قدس سره) الثاني باعتبار أن الإجازة كاشفة والكشف غير معقول في المقام ، واختار جماعة الأوّل.

وقد تعرض شيخنا الأنصاري (قدس سره) إلى هذه المسألة مفصلاً ، واختار فيها الصحّة. وقد أجاب عمّا ذكره الماتن (قدس سره) ، بأنّ الكشف إنما يكون في الزمان القابل لا مطلقاً ، ومن هنا فعند الإجازة ينكشف انتقال المال إلى المشتري من حين انتقاله إلى ملك المالك الثاني (١).

وما أفاده (قدس سره) هو الصحيح ، وليس المقام من قبيل من باع شيئاً ثمّ ملك فإنّ الفرق بينهما واضح ، ومن هنا فيحكم بصحّته عند إجازة المالك الثاني له ، وتفصيل الكلام في محلِّه.

وأمّا المقام الثاني : فلا يخفى أنه لا مجال للالتزام بالصحّة فيه ، وإن قلنا بها في غيره من العقود الفضولية.

والوجه فيه أنّ الصحّة في غير النكاح لم تكن تحتاج إلى الدليل الخاص وإنما كانت على وفق القاعدة ، حيث إن العقد كان مستجمعاً للشرائط غير الانتساب ، فإذا أجاز من له الأمر والولاية استند العقد إليه وحكم بصحته.

بخلاف النِّكاح ، حيث إن مقتضى القاعدة فيه هو البطلان ، غاية الأمر أننا التزمنا بالصحّة فيه لقوله (عليه السلام) : «إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيِّده ، فإذا أجاز فهو

__________________

(١) كتاب النكاح ٢٠ : ٢٤٦ ٢٤٧ طبع المؤتمر العالمي.

٨٣

[٣٨١٢] مسألة ١٢ : إذا دلّست أمة فادعت أنها حرّة ، فتزوّجها حرّ ودخل بها ثمّ تبين الخلاف ، وجب عليه المفارقة (١). وعليه المهر لسيدها ، وهو العشر ونصف العشر على الأقوى (٢) لا المسمّى ، ولا مهر المثل. وإن كان أعطاها المهر

______________________________________________________

له جائز» (١). ولما كان هذا التعليل لا يشمل المقام ، نظراً إلى أن الحر حينما تزوّج بالأمة كان العقد باطلاً ، لكونها عاصية لسيدها وهو لم يجز حتى مات وانتقلت هي عن ملكه إلى ملك غيره ، والمالك الجديد ليس له صلاحية إجازة العقد المتقدم ، لأنها لم تكن عاصية له حين العقد باعتبار أنه لم يكن مولاها. ومن هنا فيحكم بالبطلان لا محالة ، حتى وإن قلنا بصحّة البيع ونحوه.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال.

(٢) وقد تقدّم الحديث فيه مفصلاً ، حيث قد عرفت أنه مقتضى صحيحة الوليد بن صبيح وموثقة سماعة المتقدِّمتين.

ثمّ إن الحكم مما لا إشكال فيه ، فيما إذا كانت الأمة جاهلة بالحال ومشتبهة أيضاً. وأما إذا كانت عالمة بالحال فربّما يتوقّف في ثبوتهما ، لما تقدّم من أنه «لا مهر لبغي» إذ قد عرفت أن هذا التعبير وإن لم يرد في شي‌ء من النصوص المروية عن طرقنا ، إلّا أن مضمونه قد ورد في جملة من النصوص المعتبرة ، كالتي دلت على أن اجرة الفاجرة سحت.

إلّا أنه مدفوع بأنّ المهر الذي يثبت بالتقاء الختانين كالتعبير بالأجر ، ظاهر في المسمى أو المثل فيما إذا لم يكن هناك تعيين ، ومن الواضح أنه لا منافاة بين نفي هذا وبين ثبوت العشر أو نصفه بحكم تعبدي ولأمر خاص ، هو استحلال الرجل لفرج أمة الغير ووطؤها بعنوان أنه حلال له.

ومع الإغماض عن هذا ، فلا ينبغي الشك في أن حمل هذه النصوص على فرض كون الأمة مشتبهة أيضاً ، حمل على فرد نادر جدّاً باعتبار أنها واردة في التي تدلس نفسها. وعجز العبد والأمة عن كل شي‌ء وعدم جواز تزوجهما بغير إذن مولاهما

__________________

(١) راجع ص ١٨ ه‍ ١.

٨٤

استرد منها إن كان موجوداً ، وإلّا تبعت به بعد العتق (*) (١).

______________________________________________________

ليس من الأُمور التي تخفى على أحد إلّا الشاذ ، ولذا ضرب الله به مثلاً ، فإنه إنما يكشف عن وضوح ذلك لدى الكلّ.

ومن هنا فتكون الرواية شاملة لمورد علمها أيضاً ، فيثبت الحكم من ناحية النص الصحيح.

(١) على ما تقتضيه القواعد ، فإنها هي التي أتلفت المال ، فيثبت في ذمتها ما دامت مملوكة وعليها الأداء بعد الانعتاق.

غير أن رواية صحيحة واردة في المقام ، قد دلّت على التفصيل بين ما إذا كان الذي زوجها إياه ممن له ولاية عليها ، وبين ما إذا كان الذي زوجها إياه غيره. حيث يرجع في الأوّل على وليها ، في حين لا شي‌ء له في الثاني.

وهذه الصحيحة هي ما رواه الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلست نفسها له ، قال : «إن كان الذي زوّجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد». قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : «إن وجد مما أعطاها شيئاً فليأخذه ، وإن لم يجد شيئاً فلا شي‌ء له ، وإن كان زوّجها إياه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذت منه» (١).

فإنّ مقتضاها عدم ثبوت شي‌ء في ذمتها عند تلف المسمّى في يدها مطلقاً ، سواء في ذلك زمان الرقية وبعده. وحيث إنها صحيحة السند ، فلا محيص من العمل بها ورفع اليد عما تقتضيه القاعدة ، وإن كان القول به مشهوراً بين الفقهاء بل أرسلوه إرسال المسلّمات.

__________________

(*) هذا الحكم وإن كان مشهوراً بين الفقهاء بل أرسلوه إرسال المسلّمات إلّا أنه مشكل جدّاً ، بل لا يبعد عدمه بمقتضى قوله عليه السلام في صحيحة الوليد بن صبيح : «وإن لم يجد شيئاً فلا شي‌ء له عليها» فإنه ينافي ثبوت شي‌ء عليها في ذمّتها.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ١.

٨٥

ولو جاءت بولد ، ففي كونه حراً ، أو رقّاً لمولاها ، قولان (١). فعن المشهور أنه رقّ ، ولكن يجب على الأب فكّه بدفع قيمته يوم سقط حيّاً ، وإن لم يكن عنده ما يفكّه به سعى في قيمته ، وإن أبى وجب على الإمام (عليه السلام) دفعها من سهم الرقاب أو من مطلق بيت المال.

______________________________________________________

(١) والصحيح هو التفصيل بين إقامة الزوج البيّنة على قيام البيّنة على حريتها حين تزوّجه منها ، فيحكم بكون ولده أحراراً.

وعدمه ، فيحكم بكونهم مملوكين لمولاها. لكن لا على نحو الملك المطلق كما هو الحال في سائر أرقّائه وعبيده ، وإنما على نحو الملك المتزلزل وغير المستقر ، حيث لا يجوز له بيعهم ولا غيره من التصرفات ، بل يجب عليه دفعهم إلى أبيهم وله مطالبته بقيمتهم يوم سقطوا أحياء ، فيكون ملكه لهم أشبه الأشياء بملك الرجل أحد عموديه أو محارمه من النساء ، حيث إن ملكيته لهم لا تكون مستقرة ، فلا يجوز له المعاملة عليهم ببيع أو غيره ، وإنما ينعتقون عليه بمجرّد دخولهم في ملكه آناً ما.

والوجه فيما اخترناه هو النصوص الواردة في المقام ، فإنّ بعضها صريح الدلالة في رقيتهم مطلقاً.

كصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في المرأة أتت قوماً فخبرتهم أنها حرّة ، فتزوّجها أحدهم وأصدقها صداق الحرّة ثمّ جاء سيدها ، فقال : تردّ إليه وولدها عبيد» (١).

وصحيحة الوليد بن صبيح المتقدِّمة ، حيث ورد في ذيلها : قلت : فإن جاءت منه بولد؟ قال : «أولادها منه أحرار إذا كان النِّكاح بغير إذن الموالي» (٢).

إذ إن حمل هذه الجملة على الخبرية لا يستقيم ، باعتبار أن مراده (عليه السلام) منها لو كان بيان حرية الولد لما كان هناك حاجة إلى ذكر الشرطية ، أعني قوله (عليه السلام) : «إذا كان النكاح بغير إذن الموالي». على أن هذه الشرطية مما لا يمكن

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ١.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الالتزام بها في نفسها ، نظراً إلى أن مفهومها هو رقية الأولاد إذا كان النكاح بإذن مواليها ، وهو فاسد قطعاً.

فمن هنا يتعيّن حملها على الاستفهام الاستنكاري ، فتكون هذه الصحيحة موافقة في المدلول لصحيحة محمد بن قيس.

وعلى كل فلا يهمنا كون الجملة خبرية أو استفهامية ، لأنهما معاً مقيدتان بموثقة سماعة ، قال : سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها وأخبرتهم أنها حرّة فتزوجها رجل منهم فولدت له ، قال : «ولده مملوكون إلّا أن يقيم البيّنة أنه شهد له شاهدان أنها حرّة ، فلا يملك ولده ويكونون أحراراً» (١).

فإنها تقيّد صحيحة محمد بن قيس بما إذا لم يكن للزوج بيّنة على حريتها عند تزوجه منها ، كما تقيّد صحيحة الوليد بن صبيح على التقديرين : فتقيد بما قيدت به صحيحة محمد بن قيس لو حملت الجملة على الاستفهامية ، في حين تقيد بخلافه أعني ما لو كانت للزوج بيّنة لو حملت على الخبرية.

ثمّ إن ظاهر المملوكية في فرض عدم قيام البيّنة وإن كان هو الرق المطلق بحيث لمولاها أن يتصرف فيهم كيف يشاء ، إلّا أن موثقة سماعة الثانية تدلّ على أنه ليس لمولاها هذا الاختيار ، وإنّ رقيتهم إنما هي غير مستقرة ، فلا بدّ له من دفعهم إلى أبيهم ومطالبته بثمنهم ، فإن لم يكن لأبيه ما يأخذهم به كان عليه السعي ، فإن أبى فعلى الإمام أن يفتديه.

وهذه الموثقة هي ما رواها سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنها حرّة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثمّ إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البيّنة أنها مملوكة وأقرّت الجارية بذلك ، فقال : «تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمة يوم يصير إليه». قلت : فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : «يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده». قلت : فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال : «فعلى الإمام أن يفتديه ولا

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٢.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يملك ولد حر» (١).

والاحتمالات في هذه الموثقة ثلاثة :

الأوّل : أن تحمل على صورة قيام البيّنة لدى الزوج حين التزويج على كونها حرّة.

الثاني : أن تحمل على صورة عدم قيام البيّنة على حرِّيّتها لديه.

الثالث : أن تحمل على ما يعمّ كلتا الصورتين.

والاحتمال الأوّل مندفع ، بأنه مضافاً إلى استلزامه للتقييد بغير موجب تقييد بفرد نادر جدّاً ، وخلاف ظاهر صدرها ، إذ الظاهر منه أن إقدام الرجل على التزويج منها كان مستنداً ومتفرعاً على زعمها الحرية وإخبارها بذلك.

على أن هذا الاحتمال غير سليم في نفسه. فإنه لو قامت البيّنة على حريتها ، فلا مجال لتسليمها إلى مدعي مالكيتها حتى ولو أقام البيِّنة ، فإنّ البيِّنتين تتعارضان وتتساقطان حيث لا مرجح لإحداهما على الأُخرى ، ومعه فلا مجال لتسليمها إليه.

ودعوى أن إقرارها يعضد بيّنة المدعي ويجعل الترجيح لها.

مدفوعة بأنه منافٍ لحقّ الزوج وإقرار في حقه فلا يسمع ، نظير إقرار المرأة بعد التزويج أنها ذات بعل.

وأما الاحتمال الأخير ، ففيه : أن الحكم لو كان عاما ، لبطلت فائدة التفصيل بين قيام البيّنة وعدمه في صحيحة سماعة الاولى وكان لغواً.

إذن فيتعين الاحتمال الثاني ، وهو الذي استظهرناه ، ويساعد عليه ظاهر صدرها حيث قد عرفت أن ظاهره هو الاعتماد على إخبارها دون البيّنة.

والحاصل فالصحيح في المقام هو التفصيل بين وجود البيّنة للأب ، فيكون ولده أحراراً. وعدمه ، فيكونوا أرقاء ، لكن لا على نحو الرق المطلق ، بل تكون رقيتهم رقية غير مستقرة ، فيجب على مولاها أن يدفعهم إلى أبيهم وله أن يأخذ ثمنهم منه فإن لم يكن له ما يأخذ ابنه به كان عليه السعي ، فإن أبى كان على الإمام دفع قيمتهم وفكّهم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٥.

٨٨

والأقوى كونه حرّا (١) كما في سائر موارد اشتباه الحرّ ، حيث إنه لا إشكال في كون الولد حرّا ، فلا خصوصيّة لهذه الصورة. والأخبار الدالّة على رقيته (*) منزَّلة على أنّ للمولى أخذه ليتسلم القيمة (٢) جمعاً بينها وبين ما دلّ على كونه حرّا. وعلى هذا القول أيضاً يجب عليه ما ذكر ، من دفع القيمة ، أو السعي ، أو دفع الإمام (عليه السلام) ، لموثقة سماعة.

هذا كلّه إذا كان الوطء حال اعتقاده كونها حرّة. وأما إذا وطئها بعد العلم بكونها أمة ، فالولد رقّ (٣) لأنه من زنا حينئذ. بل وكذا لو علم سبق رقيتها

______________________________________________________

والحاصل فالصحيح في المقام هو التفصيل بين وجود البيّنة للأب ، فيكون ولده أحراراً. وعدمه ، فيكونوا أرقاء ، لكن لا على نحو الرق المطلق ، بل تكون رقيتهم رقية غير مستقرة ، فيجب على مولاها أن يدفعهم إلى أبيهم وله أن يأخذ ثمنهم منه فإن لم يكن له ما يأخذ ابنه به كان عليه السعي ، فإن أبى كان على الإمام دفع قيمتهم وفكّهم.

(١) بل الأقوى هو التفصيل ، كما عرفت.

(٢) وهو في غاية البعد. فإنّه إنما يتمّ في خصوص ما دلّ على أنّ لمولاها أن يأخذهم ، ولا يتمّ فيما ورد فيه التصريح بكونهم أرقاء وعبيد كصحيحة محمّد بن قيس المتقدِّمة ، إذ لا مجال لحملها على أخذه لهم مقدّمة لاستلام قيمتهم.

(٣) بلا خلاف فيه ولا إشكال. إذ يكون الفعل حينئذ زنا ، فيجري عليه جميع

__________________

(*) الصحيح في المقام أن يُقال : إنّ مقتضى عدّة من الروايات العامّة أنّ الولد حر إذا كان أحد أبويه حرّا فيما إذا كان الوطء صحيحاً ولو كان شبهة ، ولكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق تلك الروايات بالروايات الواردة في المقام المفصّلة بين ما إذا كان الوطء بالشبهة مستنداً إلى بيِّنة شرعيّة وما إذا لم يكن مستنداً إليها ، فعلى الأوّل الولد حر وعلى الثاني رق ، فهذه الصورة بمقتضى هذه الروايات خارجة عن تلك المطلقات رغم أنّ الوطء فيها كان بشبهة ، نعم يجب على أبيه أن يفكّه عن الرقية بإعطاء قيمته لمولى الأمة يوم سقط حيّاً ، وهو اليوم الذي يصير إليه كما في موثّقة سماعة ، وإن لم يكن عند الأب ما يفكّه به سعى في قيمته ، وإن أبى فعلى الإمام عليه السلام أن يفديه ، وبذلك يظهر الحال فيما بعده.

٨٩

فادعت أنّ مولاها أعتقها ، ولم يحصل له العلم بذلك ولم يشهد به شاهدان ، فإنّ الوطء حينئذ أيضاً لا يجوز ، لاستصحاب بقائها على الرقية (*) (١).

نعم ، لو لم يعلم سبق رقيتها ، جاز له التعويل على قولها ، لأصالة الحرية (٢).

______________________________________________________

أحكام الزنا ، من إجراء الحدّ ، وكون الولد رقاً لمالكها.

(١) ولعدم حجية قول المملوك. ومن هنا فيكون الفعل زنا ، فيجري عليه جميع أحكامه.

نعم ، لا بدّ من تقييد ذلك بما إذا لم تحصل شبهة في البين ، وإلّا كما لو اعتقد حجية قولها فلا وجه لإجراء أحكام الزنا عليه.

ولعلّ والله العالم على هذا الفرض ، أعني الاستناد إلى قولها في العتق من دون حصول قطع أو قيام بيّنة ، تحمل موثقة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرّة ، فوثب عليها حينئذٍ رجل فتزوّجها ، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولاداً ، قال : «إنّ أقام البيِّنة الزّوج على أنه تزوّجها على أنها حرّة أعتق ولدها ، وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البيّنة أوجع ظهره واسترق ولده» (١).

فإنها تحمل على علم الرجل الذي وثب عليها برقيتها قبل ذلك ، وتزوجه منها من دون قيام بيّنة على حريتها أو حصول قطع من دعواها ، وإلّا فالحكم بإجراء الحدّ عليه ورقية أولاده بلا موجب.

(٢) المستفادة من صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول : الناس كلهم أحرار ، إلّا من أقرّ على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ، ومن شهد عليه بالرق صغيراً كان أو

__________________

(*) هذا إذا لم تكن شبهة ، وإلّا كما إذا اعتقد أنّ قولها حجّة فتزوّجها ثمّ وطئها كان الوطء وطء شبهة ، وحكمه ما عرفت بالإضافة إلى الولد ، يعني أن الولد رق ، ولكن يجب على أبيه فكّه على ما تقدّم.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٣.

٩٠

فلو تبيّن الخلاف لم يحكم برقِّيّة الولد. وكذا مع سبقها مع قيام البيّنة على دعواها (١).

[٣٨١٣] مسألة ١٣ : إذا تزوّج عبد بحرّة من دون إذن مولاه ولا إجازته كان النكاح باطلاً (٢) فلا تستحق مهراً (٣) ولا نفقة (٤) بل الظاهر أنها تحدّ حدّ الزنا (٥) إذا كانت عالمة بالحال ، وأنه لا يجوز لها ذلك.

نعم ، لو كان ذلك لها بتوقع الإجازة واعتقدت جواز الإقدام حينئذ ، بحيث تكون شبهة في حقها ، لم تحدَّ. كما أنه كذلك إذا علمت بمجي‌ء الإجازة (*) (٦). وأما إذا كان بتوقع الإجازة ، وعلمت مع ذلك بعدم جواز ذلك ، فتحدّ مع عدم حصولها ، بخلاف ما إذا حصلت ، فإنها تعزّر حينئذ ، لمكان تجرُّئِها (**) (٧).

______________________________________________________

كبيراً» (١).

(١) أو حصول القطع له بصدقها ، لاستناده حينئذٍ إلى الحجة الشرعية.

(٢) بلا خلاف فيه ، على ما تقدّم بيانه مفصلاً.

(٣) لكونها زانية و «لا مهر لبغي».

(٤) لأنها فرع الزوجية ، ومع فرض بطلانها فلا موضوع لها.

(٥) لعموم أدلّته.

(٦) وقد تقدّم الإشكال فيه في المسألة العاشرة ، فراجع.

(٧) بناءً على ما اختاره (قدس سره) من الكشف الحقيقي ، فإنها كانت معتقدة بالحرمة وأقدمت على الفعل مع جهلها بالحلية. وأما بناء على ما اخترناه من الكشف الحكمي تعزّز ، لارتكابها المحرّم الواقعي ، حيث إنّ الفعل إنّما يتّصف بالحلِّيّة من حين

__________________

(*) مجرّد العلم بتحقّق الإجازة فيما بعد لا يوجب سقوط الحد عنها ما لم تتحقّق في الخارج إلّا إذا كانت مشتبهة وكانت معتقدة بالجواز في هذا الفرض.

(**) بل لارتكابها المحرّم واقعاً في ظرفه.

(١) الوسائل ، ج ٢٣ كتاب العتق ، ب ٢٩ ح ١.

٩١

وإذا جاءت بولد فالولد لمولى العبد (١). مع كونه مشتبهاً ، بل مع كونه زانياً

______________________________________________________

الإجازة ، وإلّا فهو قبلها حرام واقعاً ، وقد عرفت فيما تقدّم من الكلام في المسألة العاشرة أنه لا مانع من اعتبار الحرمة لفعل في زمان واعتبار الحلية له في زمان آخر.

(١) فيه إشكال بل منع. فإنّ قاعدة النمائية غير ثابتة في جانب الأب ، إذ قد عرفت أنّ الولد من نتاج الأُم خاصة ، وأنّ الأب لا يقوم إلّا بدور اللقاح. وعلى تقدير ثبوتها ، فلا وجه لتفصيله (قدس سره) بين الزنا المقرون بالعقد الفاسد الذي هو محل كلامنا في هذه المسألة ، وبين الزنا المجرّد عنه الذي هو موضوع المسألة الآتية.

فإنّ الوجه في إلحاق الولد بالأب في المقام ، إن كان هو نفي انتساب الولد إلى الزاني من الأبوين وهو في الفرض الام ، فيكون نماءً للآخر أي الأب قهراً ، فهو بعينه جار في الزنا المجرد عن العقد الفاسد ، فلا بدّ من الحكم بلحوقه بالأب ، كما صرح به في المسألة الثامنة.

وإن كان هو رواية العلاء بن رزين عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال في رجل دبّر غلاماً له ، فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد فولد له أولاد وكسب مالاً ، ومات مولاه الذي دبّره فجاء ورثة الميت الذي دبّر العبد فطالبوا العبد فما ترى؟ فقال : «العبد وولده لورثة الميت». قلت : أليس قد دبّر العبد؟ قال : «لأنه لما أبق هدم تدبيره ورجع رقّاً» (١) على ما يظهر ذلك من صاحب الجواهر (قدس سره) حيث دلّت على لحوق الولد بالعبد في العقد الفاسد ، فيبقى غيره أعني فرض عدم وجود العقد خالياً من الدليل ، فلا يلحق الولد به.

فهي مضافاً إلى كونها مضطربة السند إلى حد لم يعهد لها مثيل في جميع النصوص على ما عرفت تقتضي عدم الفرق بين علمها بالحال وجهلها به ، إذ إن موردها إن لم يكن هو فرض جهل المرأة كما يظهر ذلك من قوله (ولم يعلمهم أنه عبد) فلا أقل من شمولها له. وحينئذ فلا وجه للتفصيل بين علم المرأة وجهلها ، بل ينبغي الحكم بلحوق

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٨ ح ١.

٩٢

أيضاً ، لقاعدة النمائية (*) بعد عدم لحوقه بالحرّة.

وأمّا إذا كانت جاهلة بالحال ، فلا حدّ. والولد حرّ (١). وتستحق عليه المهر يتبع به بعد العتق (٢).

[٣٨١٤] مسألة ١٤ : إذا زنى العبد بحرّة من غير عقد ، فالولد حرّ (٣). وإن كانت الحرّة أيضاً زانية. ففرق (١) بين الزنا المجرّد

______________________________________________________

الولد بأبيه في فرض وجود العقد الفاسد مطلقاً ، مع أنه (قدس سره) قد حكم بحرية الولد في فرض جهل المرأة.

والحاصل أن كلام الماتن (قدس سره) هنا مضافاً إلى عدم التئامه مع ما ذكره هو (قدس سره) في المسألة الثامنة غير تامّ في نفسه.

فالصحيح هو ما ذكرناه في المسألة الثامنة ، من تبعية الولد لُامه مطلقاً ، سواء أكانت عالمة بالحال أو جاهلة ، فإنّ الولد من نمائها ، ولا دليل على نفي النسب بين الزاني وبين المولود منه شرعاً ، إذ غاية ما دلّ عليه الدليل هو نفي التوارث ، ومن الواضح أنه لا يقتضي نفي الانتساب.

(١) لانتساب الولد إليها شرعاً حينئذ ، بلا خلاف أو إشكال ، فيتبعها في الحرية لكونها أشرف أبويه.

(٢) لعدم إمكان الاستيفاء منه في حال الرقية.

(٣) على ما تقدّم بيانه في المسألة الثامنة.

(٤) لكنك قد عرفت أنه لا وجه للتفريق.

__________________

(*) لم تثبت هذه القاعدة في طرف العبد ، وإنّما هي ثابتة من طرف الأمة ، وعلى تقدير ثبوتها فلا فرق بين الزنا المجرّد عن العقد الفاسد والزنا المقرون به ولا دليل على هذا الفرق أصلاً ، وأما إذا كان المدرك لذلك رواية العلاء بن رزين فهي ضعيفة سنداً ، ولو تمّت الرواية لم يختص الحكم بصورة العلم ، بل يعم صورة الجهل أيضاً مع أن الماتن (قدس سره) قد حكم في صورة جهل المرأة بكون الولد حرّا.

٩٣

عن عقد (*) والزنا المقرون به مع العلم بفساده ، حيث قلنا إنّ الولد لمولى العبد.

[٣٨١٥] مسألة ١٥ : إذا زنى حر بأمة ، فالولد لمولاها (١) وإن كانت هي أيضاً زانية. وكذا لو زنى عبد بأمة الغير ، فإن الولد لمولاها (٢).

[٣٨١٦] مسألة ١٦ : يجوز للمولى تحليل أمته لعبده (٣).

______________________________________________________

(١) تقدّم الكلام في هذا الفرع في المسألة الثامنة ، وقد عرفت أن عموم أدلّة حرية المتولد من حر ومملوك وإن كان يقتضي حرية الولد هذا ، إلّا أن مقتضى بعض النصوص المعتبرة الواردة في خصوص هذا الفرض هو رقيته ، فتكون مخصصة للعمومات لا محالة.

(٢) بلا خلاف فيه بينهم. إلّا أنه إنما يتم بناءً على ما اخترناه من كون الولد من نماءات الأُم خاصة. وأما بناء على ما ذهب إليه المشهور واختاره الماتن (قدس سره) من كونه نماء للعبد والأمة ، فاللازم هو الحكم بكونه مشتركاً بين مولييهما ، وقد تقدّم الكلام فيه في المسألة الثامنة.

وكيف كان ، فإجماعهم هنا على كون الولد لمولاها خاصة ، خير مؤيد لما اخترناه من كونه من نماءات الأمة فقط.

(٣) على ما هو المشهور بينهم. وقد خالف فيه بعضهم مستدلاً عليه :

أوّلاً : بأن التحليل نوع من التمليك ، والعبد غير قابل لأن يملك.

وثانياً : بصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) ، أنه سئل عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحلّ له مولاه؟ قال : «لا يحلّ له» (١).

وفي الاستدلال بهما نظر.

__________________

(*) تقدّم أنه لا فرق بينهما وأن الولد حر على التقديرين ، كما أنه تقدّم منه (قدس سره) عدم الفرق بينهما وأن الولد رق على التقديرين في المسألة الثامنة من هذا الفصل.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٣ ح ٢.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فلأن التحليل ليس بتمليك ولا تزويج ، وإنما هو إباحة يشبه العارية في غير مورد التحليل وبذلك يكون مخصصاً لقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (١).

على أنه لا دليل على عدم أهلية العبد للملك ، بل الدليل ثابت على خلافه ، غاية الأمر أنه محجور عليه ، حيث لا يجوز له التصرف إلّا بإذن مولاه.

وأما الثاني ، فلمعارضتها بما ورد في تفريق المولى بين العبد وزوجته الأمة ، من أنه يأمره بالاعتزال وتعتدّ من العبد ، ثمّ له أن يطأها بعد ذلك إن شاء ، وإن شاء ردّها إلى العبد بغير تزويج.

كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : «هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته ، فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثمّ يحبسها عنه حتى تحيض ثمّ يمسّها ، فإذا حاضت بعد مسّه إياها ردّها عليه بغير نكاح» (٢). فإنها ظاهرة في كون ردّها إليه بالتحليل ، إذ إن النكاح الأوّل قد بطل بأمره باعتزالها والذي هو بمنزلة الطلاق ، والمفروض أنه لا نكاح جديد ، فينحصر الأمر بالتحليل لا محالة. وبذلك تتساقطان ، ويكون المرجع بعد ذلك هو إطلاقات ما دلّ على جواز التحليل من غير تقييد.

هذا وقد حمل بعض الأصحاب صحيحة علي بن يقطين على التقية ، وهو غير بعيد ، باعتبار أن العامّة لا يرون جواز التحليل مطلقاً.

ثمّ أنّ في المقام رواية تتضمن التفصيل بين تعيين المحلّلة وعدمه ، هي رواية الفضيل مولى راشد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : لمولاي في يدي مال ، فسألته أن يحلّ لي ما اشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحلّ لي أن أحلّ لك فهو لك حلال فقال : «إن أحلّ لك جارية بعينها فهي لك حلال ، وإن قال : اشتر منهنّ ما شئت ، فلا

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ : ٥ ٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٥ ح ١.

٩٥

وكذا يجوز أن ينكحه إيّاها (١). والأقوى أنه حينئذ نكاح لا تحليل (٢). كما أن الأقوى كفاية أن يقول له : (أنكحتك فلانة) ولا يحتاج إلى القبول منه أو من

______________________________________________________

تطأ منهنّ شيئاً إلّا ما يأمرك ، إلّا جارية يراها فيقول : هي لك حلال. وإن كان لك أنت مال فاشتر من مالك ما بدا لك» (١).

فربّما يقال : إنه وجه جمع بين صحيحة علي بن يقطين وبين ما دلّ على الجواز فتحمل الاولى على عدم التعيين ، وتحمل الثانية على فرض تعيين المحلِّلة.

إلّا أنه لا يمكن المساعدة عليه ، نظراً إلى أنّ هذا الجمع بعيد في نفسه ، لمخالفته لظاهر صحيحة علي بن يقطين. مع كون الرواية ضعيفة السند وإن عبّر عنها في بعض الكلمات بالصحيحة ، فإنّ فضيل مجهول ولم يرد فيه توثيق فلا مجال للاعتماد عليها حتى وإن كان الراوي عنه هو ابن أبي عمير ، لما قد عرفت غير مرة من أنه لا مجال للقول بوثاقة كل من يروي عنه ابن أبي عمير ، فإنه غير ثابت بل الثابت في بعض الموارد خلافه.

(١) بلا خلاف فيه بينهم. وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة ، كصحيحة عليّ ابن يقطين المتقدِّمة ، حيث إن ظاهرها المفروغية عن جواز التزويج ومشروعيته.

(٢) وتشهد له جملة من النصوص ، كصحيحة علي بن يقطين المتقدِّمة. وما ورد في طلاق العبد ، وأنه ليس له أن يطلق زوجته إذا كانت مملوكة لمولاه (٢). أو الواردة في كيفية نكاح المولى عبده من أمته (٣) وغيرها. فإنها بأجمعها ظاهرة في ثبوت النكاح والتزويج في العبد على حد ثبوته في الأحرار.

وقد ذهب بعض إلى الثاني ، مستدلّاً عليه بما دلّ على جواز تفريق المولى بينهما بالأمر بالاعتزال ، حيث يظهر منه أنه تحليل ، إذ لو كان تزويجاً حقيقة لما ارتفع إلّا بالطّلاق.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٣ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٦.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٣.

٩٦

العبد (١) لإطلاق الأخبار (٢). ولأنّ الأمر بيده ، فإيجابه مغنٍ عن القبول. فإيجابه

______________________________________________________

وفيه : أن الزوجية من الأُمور التعبدية الاعتبارية التي أمرها بيد الشارع ، فلا محذور في التعبد بارتفاعها بالأمر بالاعتزال كالطلاق.

(١) على ما تقتضيه القاعدة.

إذ العقد إنما هو عبارة عن ربط التزام بالتزام آخر. وهو في غير المقام واضح حيث يعتبر الإنشاء والإبراز من كلّ من الطرفين ، لعدم كفاية مجرد الرضا القلبي في صدق العقد ، لأنه إنما يصدق فيما إذا كان كل من الالتزامين مبرزاً في الخارج ، وإلّا فلا يصدق عقد الالتزامين وربط أحدهما بالآخر ، كما هو واضح.

وأما في المقام ، فالزوجية وإن كانت قائمة بالعبد والأمة ، إلّا أنهما لما كانا بالنظر إلى مملوكيتهما غير قادرين على شي‌ء بحيث لم يكن لرضاهما أو عدمه أثر ، بل أمرهما بيد المولى يتصرف كيف يشاء ، فلا حاجة إلى وجود التزامين في المقام ، لأن المولى شخص واحد فيكفي التزامه خاصة.

ومن هنا فيكون المقام من الإيقاع لا العقد ، كي يحتاج إلى التزام آخر يرتبط مع التزامه.

ومجرّد قيام الزوجية في العبد والأمة لا يعني كونهما طرفي العقد كي يعتبر قبولهما بل الإنشاء ليس له إلّا طرف واحد هو المولى ، فيكون التزامه بزوجية العبد لها التزاماً منه بزوجية الأمة له أيضاً ، وعليه فيكتفى بمجرد إنشائه من دون حاجة إلى القبول منه أو من العبد.

(٢) كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل ، كيف ينكح عبده أمته؟ قال : «يجزئه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله أو من مولاه ، ولا بدّ من طعام أو درهم أو نحو ذلك» (١).

وصحيحته الأُخرى عنه (عليه السلام) أيضاً ، في المملوك يكون لمولاه أو مولاته أمة فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه نكاحاً أو يجزئه أن يقول : قد أنكحتك فلانة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٣ ح ١.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويعطي من قبله شيئاً أو من قبل العبد؟ قال : «نعم ، ولو مدّاً» وقد رأيته يعطي الدراهم (١).

وعبد الله بن محمد المذكور في سند هذه الرواية والذي يروي عنه محمّد بن يحيى هو عبد الله أخو محمّد بن عيسى الملقب بـ (بنان) وهو ثقة ، فالرواية معتبرة.

وصحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل ، كيف يُنكح عبده أمته؟ قال : «يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ، ولو مدّاً من طعام أو درهماً أو نحو ذلك» (٢).

فإنّ هذه الروايات المعتبرة ظاهرة وواضحة الدلالة على كفاية إنشاء المولى ، ومن غير حاجة إلى اعتبار القبول.

هذا وقد ناقش صاحب الجواهر في دلالة هذه الروايات بوجهين (٣) :

الأوّل : أنها واردة لبيان كيفية قيام المولى مقام العبد في الإنشاء ، وليس لها نظر إلى ما به تمام العقد ، فلا تدلّ على كفاية إنشاء المولى خاصة في تحقّق التزويج.

وفيه : أنه خلاف ظاهر هذه الروايات ولا سيما صحيحة محمد بن مسلم الثانية حيث إن الظاهر منها هو كونها في مقام بيان تمام العقد ، لا خصوص قيام المولى في الإنشاء مقام العبد.

الثاني : ما عن كشف اللِّثام من أن الاكتفاء بقوله : (أنكحتك فلانة) ليس من جهة عدم اعتبار القبول في نكاح العبد والأمة ، بحيث يكون تخصيصاً في أدلّة اعتبار الإيجاب والقبول في التزويج ، وإنما هو من جهة دلالة قول المولى هذا على قبوله أيضاً ، فيكون إنشاؤه إيجاباً وقبولاً في آن واحد.

وفيه : أنه إن أُريد بدلالة إنشاء المولى على القبول استكشاف رضاه من طرف الأمة أيضاً فهو تامّ ، إلّا أنك قد عرفت أن مجرّد الرضا لا يكفي ، بل لا بدّ من إبرازه وإنشائه. وإن أُريد به أنّ إنشاءه إنشاء من طرف العبد والأمة معاً ، فهو مما لا يمكن

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٣ ح ١.

(٣) الجواهر ٣٠ : ٢٢٩ و ٢٣٠.

٩٨

مغنٍ عن القبول. بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك (*) في سائر المقامات (١) مثل الولي والوكيل عن الطرفين.

______________________________________________________

المساعدة عليه ، لأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى الإيجاب والقبول وهو وإن كان ممكناً ، إلّا أنه خلاف الاستعمال العرفي بلا إشكال ، بل يعد من الأغلاط.

فالصحيح هو ما اخترناه من كفاية مجرد إنشاء المولى ، من غير حاجة إلى القبول منه أو من العبد.

(١) بل هو في غاية البعد ، فإنّ الفرق بين المقام وسائر المقامات واضح.

ففي المقام حيث لا يوجد هناك التزام ينضم إلى التزام آخر ، باعتبار أن طرف العقد منحصر بالمولى خاصة إذ العبد والأمة مملوكان لا أثر لرضاهما وعدمه ، يكتفى بإنشائه ولا يعتبر في صحّته قبوله أو قبول العبد.

وهذا بخلاف سائر المقامات كالبيع والإجارة وما شاكلهما ، حيث لا يوجد مورد يخلو من الالتزامين ، فإنّ لكل من الطرفين البائع والمشتري التزاماً مستقلا عن التزام الآخر ، غاية الأمر أنهما لا يقومان بأنفسهما بإبراز التزامهما ، وإنما يقوم الوكيل عنهما بهذا الدور. فينشئ وبه يبرز التزام موكله الأوّل البائع ، ثمّ يقبل وبه يبرز التزام موكله الثاني المشتري ولا يمكن له أن يبرز بإنشائه الأوّل كلا الاعتبارين والالتزامين معاً ، لأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وهو على تقدير القول بإمكانه مخالف للسيرة العرفية في مقام الاستعمال قطعاً ، بل لا يبعد عدّه من الأغلاط.

ومن هنا يظهر الحال في الولي أيضاً ، إذ الالتزام في الحقيقة قائم بالمولى عليهما والعقد بينهما ، غاية الأمر أنه حيث لا عبرة بإنشائهما مباشرة ، يقوم الولي مقامهما في الإبراز والإنشاء.

فالولي إنما يلتزم من قبل المولى عليه ، في حين إن السيد إنما يلتزم من قبل نفسه لا من قبل العبد أو الأمة.

__________________

(*) بل هو بعيد.

٩٩

وكذا إذا وكّل غيره في التزويج (١) فيكفي قول الوكيل : أنكحت أمة موكلي لعبده فلان ، أو : أنكحت عبد موكلي أمته.

وأما لو أذن للعبد والأمة في التزويج بينهما ، فالظاهر الحاجة إلى الإيجاب والقبول (٢).

[٣٨١٧] مسألة ١٧ : إذا أراد المولى التفريق بينهما ، لا حاجة إلى الطلاق ، بل يكفي أمره إياهما بالمفارقة (٣).

______________________________________________________

فالفرق بين المقامين واضح. ومعه لا مجال للتعدي عن مورد تزويج المولى أمته من عبده إلى مثل مورد الوكالة من قبل الطرفين أو الولاية عليهما ، بل لا بدّ فيهما من ضم قبوله إلى إيجابه ، كي يكون بذلك مبرزاً لالتزام الطرف الآخر أيضاً.

(١) لأنّ الوكيل كالأصيل وفعله فعله ، من دون فرق بين أن يكون الوكيل عبده أو أمته اللّذين يريد تزويجهما أو غيرهما ، ويكون إنشاء الوكيل إنشاء للسيد ، فيكتفى به ولا يحتاج إلى القبول.

(٢) إذ الظاهر من هذا الإذن كونه قائماً بهما معاً ، بحيث يكون كل منهما مأذوناً فيما يخصه ويرتبط به ، فتكون الأمة مأذونه في الإيجاب والعبد مأذوناً في القبول ، ومن هنا فلا بدّ من صدور الصيغة منهما معاً.

ولا يقاس هذا بتوكيل السيد لشخص واحد ، حيث ينزل الوكيل منزلة السيد ويكتفى بإنشائه خاصة ، فإن الفرق بينهما لا يكاد يخفى.

(٣) وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة الدالة على أن أمره بالاعتزال طلاق للأمة :

كصحيحة محمد بن مسلم التي تقدّمت في المسألة السابقة.

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يزوّج عبده أمته ثمّ يبدو له فينزعها منه بطيبة نفسه ، أيكون ذلك طلاقاً من العبد؟ فقال : «نعم ، لأن طلاق المولى هو طلاقها ، ولا طلاق للعبد إلّا بإذن

١٠٠