الكشف والبيان - ج ٤

أبي محمّد بن عاشور

الكشف والبيان - ج ٤

المؤلف:

أبي محمّد بن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٦

١
٢

٣

٤

سورة المائدة

مدينة ، فيها من المنسوخ تسع آيات منها قوله :

(لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) نسختها آية السيف (١).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خطبته يوم حجة الوداع قال : «يا أيها الناس إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها» (٢) [١] وهي إحدى عشر ألفا وتسعمائة وثلاثة وثلاثون حرفا ، وألفان وثمانمائة وأربع كلمات ، ومائة وعشرون آية.

عن عبد الله بن عمر قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة المائدة وهو على راحلة فلم تستطع أن تحمله حتى نزل عنها.

أبو أمامة عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات» (٣) [٢].

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ‌ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُ‌مٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِ‌يدُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ‌ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ‌ الْحَرَ‌امَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَ‌امَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرِ‌ضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِ‌مَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَ‌امِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ‌ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) حُرِّ‌مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ‌ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ‌ اللَّهِ

__________________

(١) عن هامش المخطوط : (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (سورة الأنفال : ٧٥). مما جاوز الرحم من المعصية ، أجرا من الله.

أنزلت آخر سورة كاملة «براءة» وآخر آية في سورة النساء (يَسْتَفْتُونَكَ).

وقال السدّي : آخر ما نزل من القرآن تلك الآيات : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (سورة النساء : ١٧٦) (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) (سورة التوبة : ١٢٩) (اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (سورة البقرة : ٢٨١)

(٢) تفسير القرطبي : ٦ / ٣١.

(٣) تفسير مجمع البيان : ٣ / ٢٥٧ ، وفي المصدر : (ورفع له عشر درجات)

٥

بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَ‌دِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ‌ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ‌ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ (٣) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِ‌حِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُ‌وا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِ‌يعُ الْحِسَابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَ‌هُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ‌ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ‌ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَ‌ةِ مِنَ الْخَاسِرِ‌ينَ (٥))

(يا أَيُّهَا) يا نداء أي إشارة ، ها تنبيه (الَّذِينَ آمَنُوا) (١) [نصب على البدل من : أيّها] (٢) (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يعني بالعهود.

قال الزجّاج : العقود أو كل العهود. يقال : عاقدت فلانا وعاهدت فلانا ، ومنه ذلك باستيثاق وأصله عقد الشيء بغيره. وهو وصله به كما يعقد الحبل بحبل إذا وصل شدّا قال الحطيئة :

قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم

شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا (٣)

واختلفوا في هذه العقود ما هي ، قال ابن جريح : هذا الخطاب خاص لأهل الكتاب وهم الذين آمنوا بالكتب المقدسة والرسل المتقدمين.

أوفوا بالعهود التي عهد بها بينكم في شأن محمد ، وهو قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) (٤). وقوله (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (٥) وقال الآخرون : فهو عالم.

قال قتادة : أراد به الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية دليله قوله (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) (٦).

__________________

(١) قال ابن الجوزي في زاد المسير : ٢ / ٢٣٠ : اختلف فيه فقيل : إنّهم المؤمنون من أمّتنا وهذا قول الجمهور وقيل : إنّهم أهل الكتاب ، قاله ابن جريج.

(٢) هكذا في المخطوط.

(٣) الصحاح : ١ / ٣٣١.

(٤) سورة آل عمران : ٨١.

(٥) سورة آل عمران : ١٨٧.

(٦) سورة النساء : ٣٣.

٦

ابن عباس : هي عهود الأيمان و [الفراق] ، غيره : هي العقود التي عقدها الناس بينهم ، (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) اختلفوا فيها ، فقال الحسن وقتادة والربيع والضحّاك والسدّي : هي الأنعام كلها وهي اسم للبقر والغنم والإبل ، يدل عليه قوله تعالى (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) (١) ثم بيّن ما هي ، فقال (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) وأراد بها ما حرّم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام.

وقال الشعبي : (بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) : الأجنّة التي توجد ميتة في بطن أمهاتها إذا ذبحت.

وروى عطية العوفي عن ابن عمر في قوله تعالى (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) قال ما في بطونها ، قلت : إن خرج ميتا آكله. قال : نعم هي بمنزلة رئتها وكبدها (٢).

وروى قابوس عن أبيه عن ابن عباس أن بقرة نحرت فوجد في بطنها جنين ، فأخذ ابن عباس بذنب الجنين وقال : هذا من بهيمة الأنعام التي (أُحِلَّتْ لَكُمْ) (٣).

وقال أبو سعيد الخدري : سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الجنين ، فقال : «ذكاته ذكاة أمّه» (٤) [٣].

قال الكلبي : بهيمة الأنعام وحشها ، كالظباء وبقر الوحش مفردين ، وإنما قيل لها بهيمة لأن كل حي لا يمّيز فهو بهيمة ، سمّيت بذلك لأنها أبهمت عن أن تميّز.

(إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يقول : عليكم في القرآن [لأنه حاكم] وهو قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلى قوله (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) وقوله (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (٥).

(غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) قال الأخفش : هو نصب على الحال يعني (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) منسكين غير محلي الصيد وفيه [معنى النهي] (٦).

وقال الكسائي : هو حال من قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ... غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) كما يقول : أحل لكم الطعام غير معتدين فيه.

معناه أنّه أحلت لكم الأنعام كلها إلّا ما كان منها وحشيا فإنه صيد ولا يحل لكم إذا كنتم

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٤٢.

(٢) تفسير الطبري : ٦ / ٦٨.

(٣) تفسير الطبري : ٦ / ٦٨.

(٤) مسند أحمد : ٣ / ٣١.

(٥) سورة الأنعام : ١٢١.

(٦) كلمة غير مقروءة والظاهر ما أثبتناه.

٧

محرمين. فذلك قوله تعالى (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) قرأه العامة بضم أوّله وهي من حرم يحرم حراما في الحركات وهما جميعا جمع حرام ، ويقال : رجل حرام وحرم ومحرم ، وحلال وحلّ ومحلّ (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) [يحرم ما يريد على من يريد] (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الآية نزلت في الحطم واسمه شريح بن ضبيعة بن هند بن شرحبيل البكري ، وقال : إنه لما أتى المدينة وخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : إلى ما تدعو الناس؟ فقال : «إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة» (٢) [٤]. فقال : حسن إلّا إن لي من لا أقطع أمرا دونهم ولعلي أسلم وآتي بهم.

وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم بعض من ربيعة يتكلم بلسان الشيطان ، ثم خرج شريح من عنده ، فلما خرج ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقد دخل بوجه كافر ، وخرج بعقب غادر ، فمرّ بسرح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز :

لقد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر الوضم

باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم

خلج الساقين مسموح القدم (٣)

فلما كان في العام القابل خرج حاجّا في حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة وقد قلّدوا الهدي فقال ناس من أصحابه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا الحطم خرج حاجّا فحل بيننا وبينه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مه قد قلد الهدي» [٥].

فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية. فأبى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ).

ابن عباس ومجاهد : هي مناسك الحج ، وكان المشركون يحجّون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله تعالى عنها ، [وقال الحسن دين الله كلّه] يدل عليه قوله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٤).

عطية عن ابن عباس : هي أن تصيد وأنت محرم ، يدل عليه قوله (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا).

عطاء : شعائر حرمات الله اجتناب سخطه واتباع طاعته بالّذي حرم الله.

أبو عبيدة : هي الهدايا المشعرة وهي أن تطعن في سنامها ويحلل ويقلّد ليعلم أنها هدي ،

__________________

(١) زيادة عن زاد المسير : ٢ / ٢٣١.

(٢) أسباب نزول الآيات : ١٢٥ ، وتفسير القرطبي : ٦٧ / ٤٣.

(٣) جامع البيان : ٦ / ٧٩.

(٤) سورة الحج : ٣٢.

٨

والإشعار العلامة ، ومنه [الحديث] : حين ذبح عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أشعر أمير المؤمنين بها (١) كأنه أعلم بعلامة ، وهي على هذا القول فعيلة ، بمعنى مفعّلة.

قال الكميت :

نقتلهم جيلا فجيلا تراهم

شعائر قربان بهم يتقرب (٢)

ودليل هذا التأويل قوله : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) (٣) وقيل : الشعائر المشاعر.

وقال القتيبي : (شَعائِرَ اللهِ) واحدتها شعيرة (٤) ، وهي كل شيء جعل علما من أعلام طاعته.

(وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) بالقتال فيه فإنه محرم لقوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (٥).

وقال : النّسيء ، وذلك أنهم كانوا (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) ، دليله قوله (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (٦) (وَلَا الْهَدْيَ) وهو كل ما يهدى إلى بيت الله من بعير أو بقرة أو شاة.

(وَلَا الْقَلائِدَ) قال أكثر المفسّرين هي الهدايا ، والمراد به [المقلدات] وكانوا إذا أخرجوا إلى الحرم في الجاهلية قلّدوا السمر فلا يتعرض لهم أحد وإذا رجعوا تقلّدوا قلادة شعر فلم يتعرّض لهم أحد فهي عن استحلال واجب منهم.

وقال مطرف بن الشخير وعطاء : هي القلائد نفسها وذلك أنّ المشركين كانوا يأخذون من لحاء (٧) شجر مكّة ونحوها فيقلّدونها فيأمنون بها في الناس فنهى الله عزوجل أن ينزع شجرها فيقلدوه كفعل أهل الجاهلية (وَلَا آمِّينَ) قاصدين (الْبَيْتَ الْحَرامَ) يعني الكعبة.

وقرأ الأعمش : ولا آمّي البيت الحرام بالإضافة كقوله تعالى (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ).

(يَبْتَغُونَ) يطلبون (فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) يعني الرزق بالتجارة (وَرِضْواناً) معناه على زعمهم وعدهم لأن الكافر لا نصيب له في الرضوان ، وهذا كقوله (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ) (٨) فلا يرضى الله تعالى عنهم حتى يسلموا.

__________________

(١) غريب الحديث لابن سلام : ٢ / ٦٦ ، وتاريخ دمشق : ٤٤ / ٣٩٧.

(٢) تفسير الطبري : ٢ / ٦٠.

(٣) سورة الحج : ٣٦.

(٤) في تفسير القرطبي : ٦ / ٣٧ عن ابن فارس : شعارة.

(٥) سورة البقرة : ٢١٧.

(٦) سورة التوبة : ٣٧.

(٧) لحاء الشجر : قشره.

(٨) سورة طه : ٩٧.

٩

قتادة : هو أن يصلح معايشهم في الدنيا ولا يعجل لهم العقوبة فيها.

وقيل : ابتغاء الفضل للمؤمنين والمشركين عامّة ، وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة لأن الناس كانوا يحجون من بين مسلم وكافر ، يدل عليه قراءة حميد بن قيس تبتغون فضلا من ربّكم على الخطاب للمؤمنين ، وهذه الآية منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) وقوله (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا).

فلا يجوز أن يحجّ مشرك ، ولا يأمن الكافر بالهدي والقلائد والحج.

(وَإِذا حَلَلْتُمْ) من إحرامكم (فَاصْطادُوا) أمر إباحة وتخيير كقوله (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٢) (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ).

روح ابن عبادة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : أقبل رجل مؤمن كان حليفا لأبي سفيان بن الهذيل يوم الفتح بعرفة لأنه كان يقتل حلفاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لعن الله من قبل دخل الجاهلية [ما شيء كان في الجاهلية إلّا وهو] (٣) تحت قدميّ هاتين إلّا سدانة الكعبة وسقاية الحج فإنّهما مردودتان إلى أهليهما» (٤) [٦].

وقال الآخرون : نزلت في حجاج كفار العرب ، وقوله (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) ، قرأ الأعمش وعيسى ويحيى بن أبي كثير : يُجْرِمَنَّكُمْ بضم الياء وقرأ الباقون بالفتح ، وهما لغتان ولو أن الفتح أجود وأشهر وهو اختيار أبي محمد وأبي حاتم ، قال أبو عبيد : لأنها اللغة الفاشية وإن كانت الأخرى مقبولة.

واختلفوا في معناه ، فقال ابن عباس وقتادة : لا يحملنكم. قال أبو عبيد : يقال جرمني فلان على أن صنعت كذا أي حملني.

قال الشاعر ، وهو أبو أسماء بن الضرية :

يا كرز إنك قد فتكت بفارس

بطل إذا هاب الكماة مجرّب

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا (٥).

والمؤرج : لا يدعونكم. الفرّاء : لأكسبنكم ، يقال فلان جرمه أهله أي كافيهم.

وقال الهذلي يصف عقابا :

__________________

(١) سورة التوبة : ٥.

(٢) سورة الجمعة : ١٠.

(٣) زيادة عن تفسير القرطبي : ٤ / ١١٩.

(٤) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٦٠.

(٥) لسان العرب : ١٢ / ٩٣. ٩٤.

١٠

جرمة ناهض في رأس نيق

ترى لعظام ما جمعت صليبا (١).

وقال بعضهم وهو الأخفش : قوله (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) : أي حق لهم النار.

(شَنَآنُ قَوْمٍ) أي بغضهم وعداوتهم وهو مصدر شنئت.

قرأ أهل المدينة والشام ، وعاصم والأعمش : بجزم النون الأول ، وقرأ الآخرون بالفتح ، وهما لغتان إلّا أن الفتح أجود لأنه أفخم اللغتين. فهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لأن المصادر نحوه على فعلان بفتح العين مثل الضربان والنزوان والعسلان ونحوها.

(أَنْ صَدُّوكُمْ) قرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمر : إِنْ صَدُّوكُمْ بكسر الألف على الاستيناف والجزاء واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة عبد الله : أن يصدّوكم ، وقرأ الباقون بفتح الألف أي لأن صدّوكم ، ومعنى الآية لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء لأنهم صدّوكم ، واختاره أبو حاتم ومحمد بن جرير ، قال ابن جرير : لأنه لا يدافع بين أهل العلم أن هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية فإذا كان كذلك فالصدّ قد يقدم.

(أَنْ تَعْتَدُوا) عليهم فتقتلوهم وتأخذوا أموالهم.

(وَتَعاوَنُوا) أي ليعين بعضكم بعضا ، ويقال للمرأة إذا كسى لحمها وتراجمها : متعاونة (عَلَى الْبِرِّ) وهو متابعة الأمر (وَالتَّقْوى) وهو مجانبة الهوى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) يعني المعصية والظلم.

عن واصب بن معبد صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : جئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسأله عن البر والإثم قال : «جئت إليّ تسألني عن البر والإثم»؟ فقلت : والذي بعثك بالحق ما جئت أسألك عن غيره ، فقال : «البر ما انشرح به صدرك ، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس» (٢) [٧].

عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، قال : حدّثني أبي قال : سمعت النؤاس بن سمعان الأنصاري ، قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البر والإثم فقال : «البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك فكرهت أن يطلع عليه الناس» (٣) [٨] (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) وهي كل ما له نفس سائلة مما أباح الله عزوجل أكلها ، فارقتها روحها بغير تذكية ، وإنما قلنا : نفس سائلة لأن السمك والجراد دمان وهما حلال.

(وَالدَّمُ) أجمل هاهنا وفسر في آية أخرى فقال عز من قائل : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) فالدم الملطخ فهو كاللحم في أكله لأن الكبد والطحال دمان وهما حلال.

__________________

(١) الصحاح : ١ / ١٦٤.

(٢) المعجم الكبير : ٢٢ / ١٤٨.

(٣) مسند أحمد : ٤ / ١٨٢.

١١

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحلّت لنا ميتتان ودمان فالميتتان الحوت والجراد وأما الدّمان فالطحال والكبد» (١) [٩].

(وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وكل شيء منه حرام وإنما خصّ اللحم لأنّ اللحم من أعظم منافعه.

(وَما أُهِلَ) ذبح (لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وذكر عليه غير اسم الله.

قال أبو ميسرة : في المائدة ثمان عشرة (٢) فريضة ليس في سورة من القرآن وهي آخر سورة نزلت ليس فيها منسوخ.

(وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) ، (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) ، (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ، (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ).

و (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) إلى قوله (ذُو انْتِقامٍ) (٣) (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) (٤).

فأما (الْمُنْخَنِقَةُ) فهي التي تختنق فتموت ، قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها ، (وَالْمَوْقُوذَةُ) : التي تضرب بالخشب حتّى تموت.

قال قتادة : كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا حتّى إذا ماتت أكلوها. فقال فيه : قذّه يقذّه وقذا إذا ضربه حتى شفى على الهلاك.

قال الفرزدق :

شغارة (٥) تقذ الفصيل برجلها

طارة لقوادم الأبكار (٦)

(وَالْمُتَرَدِّيَةُ) : التي تتردى من مكان عال أو في بئر فتموت.

(وَالنَّطِيحَةُ) : التي تنطحها صاحبتها فتموت ، و «هاء» التأنيث تدخل في الفعيل بمعنى الفاعل فإذا كان بمعنى المفعول استوى فيها المذكر والمؤنث نحو لحية دهين ، وعين كحيل ، وكف خضيب ، فإنما أدخل الهاء هاهنا لأن الإسم لا يسقط منها ولو أسقط الهاء منها لم يدر أهي

__________________

(١) كنز العمال : ١٥ / ٢٧٧ ، ح / ٤٠٩٧٢.

(٢) كلمة غير مقروءة والظاهر ما أثبتناه.

(٣) سورة المائدة : ٩٥.

(٤) سورة المائدة : ١٠٣. ١٠٤.

(٥) الشغارة : هي الناقة ترفع قوائمها لتضرب والنطر الحلب بالسبابة والوسطى ويستعين بطرف الإبهام.

(٦) كتاب العين : ٧ / ٤١٧ ، تفسير الطبري : ٦ / ٩٢ وتفسير القرطبي : ٦ / ٤٨.

١٢

صفة لمؤنث أو مذكر ، والعرب تقول لحية دهين ، وعين كحيل ، وكف خضيب فإذا حذفوا الإسم وأفردوا الصفة أدخلوا الهاء ، قالوا : رأينا كحيلة وخضيبة ودهينة ، وأكيلة السبع فأدخلوا الهاء مثل الذبيحة والسكينة (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) غير [المعلم].

وقرأ ابن عباس : وأكيل السبع ، وقرأ ابن أبي زائدة : وأكيلة السبع ، وقرأ الحسن وطلحة ابن سليمان : وما أكل السبْعُ بسكون الباء [وهي لغة لأهل نجد] (١).

قال حسّان بن ثابت في عتبة بن أبي لهب :

من يرجع العام إلى أهله

فما أكيل السبع بالراجع (٢)

قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا أكل السبع مليا أو أكل منه أكلوا ما بقي (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) يعني إلّا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء ، والتذكية تمام فري الأوداج ، وانهار الدم ، ومنه الذكاة في السنّ وهو أن يأتي على قروحه سنة ، وذلك تمام استكمال القوة ومثله المثل السائد : جري المذكيات غلاب (٣).

قال الشاعر (٤) :

يفضله إذا اجتهدوا عليه

تمام السن منه والذكاء (٥)

ومنه الذكاء في الفهم إذا كان تام العقل سريع القبول.

ويقول في الذكاة إذا أتممت إشعالها ، فمعنى ذكيتم أدركتم ذبحه على التمام.

وقال ابن عباس وعتبة بن عمير : إذا طرفت بعينها أو ظربت بذنبها أو ركضت برجلها أو تحركت فقد حلت لك.

وعن زيد بن ثابت : أن ذئبا نيب في شاة فذبحوها بمروة فرخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أكله (٦).

أبو قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» (٧) [١٠].

__________________

(١) زيادة عن تفسير القرطبي : ٦ / ٥٠.

(٢) تفسير القرطبي : ١٧ / ٨٣.

(٣) الغاب : المغالبة أي إنّ المذكّي يغالب مجاريه فيغلبه لقوّته.

(٤) والقائل هو : زهير.

(٥) لسان العرب : ١٤ / ٢٨٨.

(٦) مسند أحمد : ٥ / ١٨٤.

(٧) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٠٥٨.

١٣

قال عاصم عن عكرمة : إن رجلا أضجع شاته وجعل يحدّ شفرته ليذبحها ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تريد أن تميتها موتات قبل أن تذبحها!» (١) [١١].

(وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) قال بعضهم : فهو جمع واحدها نصاب ، وقيل : هو واحدة جمعها أنصاب مثل عنق وأعناق.

وقرأ الحسن بن صالح وطلحة بن مصرف : النَّصْبِ بجزم الصّاد.

وروى الحسن بن علي الجعفي عن أبي عمرو : النَّصْبِ بفتح النون وسكون الصّاد.

وقرأ الجحدري : بفتح النون والصّاد [جعله] اسما موحدا كالجبل والجمل والجمع أنصاب كالأجمال والأجبال وكلها لغات وهو الشيء المنصوب ، ومنه قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) (٢) واختلفوا في معنى النصب هاهنا.

فقال مجاهد وقتادة وابن جريح : كان حول البيت ثلاثمائة وستين حجرا وكان أهل الجاهلية يذكّون عليها يشرّحون اللّحم عليها وكانوا يعظمون هذه الحجارة ويعبدونها ويذبحون لها ، وكانوا مع هذا يبدلونها إذا شاؤوا لحجارة [من قبالهم] (٣) منها ، قالوا : وليست هي بأصنام إنما الصنم ما يصوّر وينقش.

وقال الآخرون : هي الأصنام المنصوبة.

قال الأعشى :

وذا النصب المنصوب لا تستكنّه

لعاقبة والله ربك فاعبدا (٤)

ثم اختلفوا في معناها. فقال بعضهم : تقديره على اسم النصب. ابن زيد (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) و (ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) هما واحدة.

قطرب : معناه : ما ذبح للنصب أي لأجلها على معنى اللام وهما يتعاقبان في الكلام. قال الله تعالى (فَسَلامٌ لَكَ) (٥) أي عليك ، وقال (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (٦) أي فعليها ، (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا) معطوف على ما قبله ، وأن في محل الرفع أي وحرم عليكم الاستقسام (بِالْأَزْلامِ) ، والاستقسام طلب القسم والحكم من الأزلام وهي القداح التي لا ريش لها ولا نصل ، واحدها زلم مثل عمر ، وزلم وهي القداح.

__________________

(١) المستدرك للحاكم : ٤ / ٢٣١.

(٢) سورة المعارج : ٤٣.

(٣) هكذا في الأصل.

(٤) الصحاح : ١ / ٢٢٥ ، وتاج العروس : ١ / ٤٨٦.

(٥) سورة الواقعة : ٩١.

(٦) سورة الإسراء : ٧.

١٤

قال الشاعر :

فلئن جذيمة قتّلت سرواتها

فنساؤها يضربن بالأزلام (١)

وكان استقسامهم بالأزلام على ما ذكره المفسّرون أن أهل الجاهلية إذا كان سفرا أو غزوا أو تجارة أو تزويجا أو غير ذلك ضرب القداح وكانت قداحا مكتوب على بعضها : نهاني ربي ، وعلى بعضها : أمرني ربي ، إن خرج الآمر مضى لأمره ، وإن خرج الناهي أمسك.

وقال سعيد بن جبير : الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.

أبو هشام عن زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق قال : كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة ، وكانت على بئر في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكانت عند هبل أقداح سبعة كل قدح منها فيه كتاب ، قدح فيه : العقل ، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل حمله ، وقدح فيه : نعم ، للأمر ، إذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح فإن خرج ذلك القدح فعلوا ذلك الأمر.

وقدح فيه : لا إذا أرادوا أمر يضربون فإن خرج قدح «لا» لم يفعلوا ذلك الأمر ، وقدح فيه : منكم وقدح فيه : ملصق وقدح فيه : من غيركم ، وقدح فيه المياه إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القداح فحيثما خرج عملوا به.

وكانوا إذا أرادوا أن يختتنوا غلاما أو أن ينكحوا امرأة أو يدفنوا ميّتا أو شكّوا في نسب خصمهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وبجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا : يا إلهنا هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق ، ثم يقولون لصاحب القداح : اضرب فيضرب ، فإن خرج عليه : منكم ، كان وسيطا منهم وإن خرج عليه : من غيركم ، كان حليفا ، وإن خرج عليه : ملصق ، كان على منزلته منهم لا نسب له ولا حليف ، وإن كان في شيء مما سوى هذا مما يعملون به كنعم عملوا به ، فإن خرج : لا ، أخّروا عامهم ذلك حتى يأتوه مرة أخرى ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح.

فقال الله عزوجل (ذلِكُمْ فِسْقٌ) (٢).

قال مجاهد : هي كعاب فارس والرّوم التي يتقامرون بها (٣).

قال سفيان بن وكيع : الشطرنج.

رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من تكهّن أو استقسم أو تطيّر

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٦ / ٥٨.

(٢) بطوله في تفسير الطبري : ٦ / ١٠٤ وتصويب العبارة منه.

(٣) تفسير الطبري : ٦ / ١٠٢.

١٥

طيرة تردّه عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة» (١) [١٢].

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) يعني عن أن يرجعوا إلى دينهم كفّارا ، وفيه لغتان قال : الشعبي وائس يايس إياسا وإياسة.

قال النضر بن شميل : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) نزلت الآية في يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر للهجرة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء وكادت عضد الناقة ينقد من ثقلها فبركت (٢).

وقال طارق بن شهاب : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فقال : آية [نقرؤها] لو علينا نزلت في ذلك اليوم لاتخذناه عيدا ، قال : أية آية؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ) ، قال عمر : قد علمت في أي يوم نزلت وفي أي مكان! ، إنها نزلت يوم عرفة في يوم جمعة ونحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوفا بعرفات وكلاهما بحمد الله لنا عيد ، ولا يزال ذلك اليوم عيدا للمسلمين ما بقي منهم أحد وقد صار من ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود والنصارى والمجوس ولا يجمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده.

وروى هارون بن عنترة عن أبيه قال : لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضي‌الله‌عنه فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما يبكيك يا عمر» قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأمّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلّا نقص ، فقال : «صدقت» [١٣] (٣).

وكانت هذه الآية نعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعاش بعدها أحد وثمانون يوما أو نحوها.

واختلف المفسّرون في معنى الآية فقال ابن عباس والسدّي : (الْيَوْمَ) وهو يوم نزول هذه الآية (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أي الفرائض والسنن والحدود والأحكام والحلال والحرام فلم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض. فهذا معنى قول ابن عباس والسدي.

وقال سعيد بن جبير وقتادة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فلم يحج معكم مشرك ، وقيل : هو أن الله تعالى أعطى هذه الأمة من أنواع العلم والحكمة جميع ما أعطى سائر الرسل والأمم فزادهم.

وقيل : إن شرائع الأنبياء زالت ونقضت وشريعة هذه الأمة باقية لا تنمح ولا تتغيّر إلى يوم القيامة [...] (٤) هو بايعك ثم فرّقوه ، يكن هذا لغيرهم ، وقيل : لم يكن إلّا هذه الأمة ،

__________________

(١) تاريخ دمشق : ١٨ / ٩٨ ط دار الفكر.

(٢) تفسير القرطبي : ٦ / ٦١.

(٣) تفسير الطبري : ٦ / ١٠٧. ١٠٦.

(٤) كلام غير مقروء.

١٦

وقيل : هو أن الله تعالى جمع بهذه الآية جميع [...] (١) الولاية وأسبابها.

قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم بن حسيب قال : سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرّازي قال : سمعت العباس بن حمزة قال : سمعت ذا النون يقول يعلمنا من سياسة فيقول أربعة أشياء : الكتاب والرسول ، والخلعة والولاية.

قال : كتاب جعله أشرف الكتب وأكثرها يسرا وأخفّها أمرا وأغزرها علما وأوفرها حكما ، ورسول الله جعله أعظم الرسل وأفضلهم ، والخلعة جعله عطاء ولم يجعلها عارية ، والولاية جعلها دائمة إلى نفخ الصور.

(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) حققت وعدي في قولي (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) فكان من تمام نعمته أن دخلوا مكة آمنين وعليها ظاهرين وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين.

وقال الشعبي : نزلت هذا الآية بعرفات حيث هدم منار الجاهلية ومناسكهم واضمحل الشرك ولم يحج معهم في ذلك العام مشرك ، ولم يطف بالبيت [غيرهم].

السّدي : أظهرتكم على العرب.

(وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ) اجتهد (فِي مَخْمَصَةٍ) مجاعة يقال : هو خميص البطن إذا كان طاويا خاويا ، ورجل خمصان وامرأة خمصانة إذا كانا ضامرين مضيمين والخمص والخمص الجوع.

قال الشاعر :

يرى الخمص تعذيبا وإن يلق شبعة

يبت قلبه من قلّة الهمّ مبهما (٢)

(غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ).

قال أبو عبيدة : غير متحرف مائل ، قطرب : مائل ، المبرّد : [زائغ] وقرأ النخعي : متجنف وهما بمعنى واحد يقال : تجنّف وتجانف مثل تعهد وتعاهد.

قتادة : غير متعرض بمعصية في مقصده وهو قول الشافعي.

وقال أبو حنيفة : ما أكل فوق الشبع (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيه إضمار ، تقديره : فأكله ، ويكتفى بدلالة الكلام عليه ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي غفور له غفور كما يقول عبد الله : ضربت ، فيريد ضربته.

قال الشاعر :

__________________

(١) كلمة غير مقروءة.

(٢) زاد المسير : ٢ / ٢٤٠.

١٧

ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا

فأخرى الله رابعة تعود (١)

وقد فسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المخمصة [بما رواه] [الأوزاعي] عن حسان بن عطية عن أبي واقد قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا بأرض يصيبنا بها مخمصة فمتى تحل لنا الميتة؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا لم تصطبحوا (٢) ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها» (٣) [١٤].

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) الآية.

قال أبو رافع : جاء جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستأذن عليه فأذن له فأبطأ وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رداءه فخرج فقال : قد أذنا لك يا رسول الله ، قال : أجل يا رسول الله ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو.

عن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب» (٤) [١٥].

رجعنا إلى حديث أبي رافع قال : فأمرني أن لا أدع كلبا بالمدينة إلّا قتلته وقلت حتى خفت العوالي [فأتيت] إلى امرأة في ناحية المدينة عندها كلب يحرس عنها فرحمته فتركته ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته بأمري ، فأمرني بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته.

وقال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول رافعا صوته : «اقتلوا الكلاب» [١٦] (٥).

قال : وكنا نلقى المرأة [تقدم من] المدينة بكلبها فنقتله ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتلها وحرم ثمنها.

وروى علي بن رباح اللخمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحل ثمن الكلاب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي» (٦) [١٧].

ونهى عن اقتنائها وإمساكها وأمر بغسل الإناء من ولوغها سبع مرات أولاهنّ بالتراب نرجع إلى الحديث الأول.

قال : فلما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا : يا رسول الله ماذا يحلّ لنا من هذه الآمة التي نقتلها ، فسكت رسول الله فأنزل الله هذه الآية وأذن رسول الله في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها ، وأمر بقتل الكلب العقور وما يضر ويؤذي ورفع القتل عمّا سواها ممّا لا ضرر فيه.

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية : ١ / ٢٣٩.

(٢) في المعجم الكبير (٣ / ٢٥١) وتفسير ابن كثير : ٢ / ١٦ ، : تصطحبوا.

(٣) مسند أحمد : ٥ / ٢١٨.

(٤) السنن الكبرى : ٣ / ١٤٨.

(٥) المعجم الأوسط : ٦ / ٢٥٢.

(٦) سنن أبي داود : ٢ / ١٤١ ، ح / ٣٤٤٨ ، وسنن النسائي : ١ / ١٧٧.

١٨

وروى الحسن عن عبد الله بن معقل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا أنّ الكلاب أمّة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم وأيما قوم اتخذوا كلبا ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية نقصوا من أجورهم كل يوم قيراطا» (١) [١٨].

عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من اقتنى كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينتقص من أجره قيراطان كل يوم» (٢) [١٩].

والحكمة في ذلك ما روى أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرزاق السريعي قال : قيل لعبد الله بن المبارك : ما تقول في قول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من اقتنى كلبا لا كلب صيد ولا ماشية نقص من عمله كل يوم كذا وكذا من الأجر» (٣) [٢٠].

فقال حدّثني [الأصمعي] قال : قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد : ما بلغك في الكلب؟ قال : بلغني أن من أخذ كلبا لغير زرع ولا حراسة نقص من أجره كل يوم قيراط. فقال له : ولم ذلك؟ قال : هكذا جاء الحديث ، قال : خذها بحقّها إنّما ذلك لأنّه ينبح على الضيف ويروع السائل (٤).

وكانت أسخياء العرب تبغض الكلاب لهذا المعنى وتذم من ربطه وهمّ بقتله.

قال الثعلبي : أنشدني أبو الحسن الفارسي قال : أنشدني أبو الحسن الحراني البصري أنّ بعض شعراء البصرة نزل بعمّار فسمع لكلابه نبحا فأنشأ يقول :

نزلنا بعمار فأشلى كلابه

علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل

فقلت لأصحابي أسر إليهم

إذا اليوم أم يوم القيامة أطول (٥).

قال عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال : نزلت في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل [الطائيين] وهو زيد الخيل الذي سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد الخير وذلك إنهما جاءا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالا : يا رسول الله إنّا قوم نصيد الكلاب والبزاة فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته وقد حرّم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ : أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) يعني الذبائح التي أحلّها الله (وَما عَلَّمْتُمْ) يعني وصيد ما علمتم (مِنَ الْجَوارِحِ).

__________________

(١) مسند أحمد : ٤ / ٨٥.

(٢) صحيح مسلم : ٥ / ٣٨.

(٣) مسند أحمد : ٢ / ٦٠.

(٤) تنوير الحوالك : ٦٩٧ ح ١٧٤٢ ،.

(٥) عمار : اسم شخص ، والبيت في تفسير القرطبي : ٦ / ٧٤.

١٩

واختلفوا في هذه الجوارح التي يحل صيدها بالتعليم غير المدرك ذكاته وما أدركت فما ذكاته فهو لك ، وإلّا فلا يطعم ، وهذا غير معمول به.

وقال سائر العلماء : هي الكواسب من السباع والبهائم والطير مثل النمر والفهد والكلب والعقاب ، والصقر ، والبازي ، والباشق ، والشاهين ونحوها مما يقبل التعليم ، فسميت جوارح لجرحها أربابها أقواتهم من الصيد أي كسبها. يقال : فلان جارحة أهلها أي كاسبهم ولا جارحة لفلان إذ لم تكن لها كسب (مُكَلِّبِينَ) منصوب على الحساب في المعنى وصيد (ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) إلى هذه الحال أي في حال صيدكم [أصحاب] كلاب ، والتكليب إغراء الصيد وإشلاؤه (١) على الصيد.

قال الشاعر :

باكره عند الصباح مكلّب

أزلّ كسرحان القصيمة أغبر (٢)

قرأ أبن مسعود وأبو زرين والحسن : مُكْلِبِينَ بتخفيف اللام على هذا المعنى ، وهي قراءة الحسن والقتيبي أيضا ، ويجوز أن يكون من قولهم : أكلب الرجل ، إذا كثرت كلابه ، مثل : وأمشى إذا كثرت ماشيته ، وذكر الكلاب لأنها أكثر وأعم والمراد به جميع الجوارح.

(تُعَلِّمُونَهُنَ) آداب الصيد (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) أي من العلم الذي علمكم الله ، وقال السّدي : من بمعنى الكاف ، أي كما علّمكم الله ، وهو أن لا [يجثمن] (٣) ولا يعضنّ ولا يقتلن ولا يأكلن (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) عند إرسال البهم والجوارح.

حكم الآية

والمعلم من الجوارح الذي يحلّ صيده هو أن يكون إذا أرسله صاحبه وأشلاه استشلى وإذا أخذ أمسك ولم يأكل. فإذا دعاه أجابه ، وإذا أراده لم يفرّ منه ، فإذا فعل ذلك مرّات. فهو معلّم فمتى كان بهذا الوصف. فاصطاد جاز أكله فإذا أمسك الصيد ولم يأكل منه جاز أكله ، وكان حلالا ، فإن أكل منه ، فللشافعي فيه قولان : أحدهما : لا يحلّ ولا يؤكل وهو الأشهر والأظهر من مذهبه لأنّ الله عزوجل قال : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وهو لم يمسك علينا وإنما أمسك على نفسه ، وهذا قول الحسن وطاوس والشعبي وعطاء والسدّي.

وقال ابن عباس : إذا أرسلت الكلب فأكل من صيد فهي ميتة لا يحل أكله لأنه سبع أمسكه على نفسه ، ولم يمسك عليك ولم يتعلم ما علّمته ، فاضربه ولا تأكل من صيده.

__________________

(١) أشليت الكلب على الصيد دعوته فأرسلته ، وقيل : أغريته.

(٢) لسان العرب : ١٢ / ٤٨٦.

(٣) هكذا في الأصل.

٢٠