رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي
المحقق: محمد الحسين الاعلمي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٦
الصفحات: ٤٨٠
عن ابن عمر قال : قال رجل : يا رسول الله ، فقال لبيك.
روى عن زيد بن ثابت قال : كنا إذا جلسنا إليه صلىاللهعليهوآله إن أخذنا في حديث في ذكر الاخرة أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا ، فكل هذا احدثكم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
عن أبي الحميساء قال : تابعت النبي صلىاللهعليهوآله قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليوم الثالث ، فقال عليهالسلام : يا فتى لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.
عن جرير بن عبد الله أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل بعض بيوته فامتلا البيت ، ودخل جرير فقعد خارج البيت ، فأبصره النبي صلىاللهعليهوآله فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال : إجلس على هذا ، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.
عن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي ، ثم قال : يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.
في مزاحه وضحكه صلىاللهعليهوآله
روي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقول : إني لامزح ولا أقول إلا حقا.
عن ابن عباس أن رجلا سأله : أكان النبي صلىاللهعليهوآله يمزح؟ فقال : كان النبي يمزح.
عن الحسن بن علي عليهالسلام قال : سألت خالي هندا عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : كان إذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ، يفتر عن مثل حبة الغمام.
عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله تبسم حتى بدت نواجذه.
عن أبي الدرداء قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.
عن يونس الشيباني قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت : قليلا ، قال : هلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق ، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك. ولقد كان النبي صلىاللهعليهوآله يداعب الرجل يريد به أن يسره.
في بكائه صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن أنس بن مالك قال : رأيت إبراهيم بن رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يجود بنفسه ، فدمعت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.
عن خالد بن سلمة المخزومي قال : لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى منزله ، فلما رأته ابنته جهشت (١) فانتحب رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال له بعض أصحابه : ما هذا يارسول الله؟ قال : هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.
في مشيه صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا مشى تكفأ تكفئا كأنما يتقلع من صبب ، لم أر قبله ولا بعده مثله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
عن جابر قال : كان رسول الله إذا خرج مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.
عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.
عن أنس قال : كنا إذا أتينا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جلسنا حلقة.
روي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحمله معه فإن أبي قال : تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد ، ودعاه صلىاللهعليهوآلهوسلم قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له ، ولاصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم ، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس ، فماشاهم ، فلما دنوا من بيت القوم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم للرجل السادس : إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك.
__________________
١ ـ جهش إليه : فزع إليه باكيا.
٢ ـ تكفأ في مشيته أي مشى الهوينا والصبب الانحدار والمراد نفي التبختر في مشيه (ص).
في جمل من أحواله وأخلاقه صلىاللهعليهوآلهوسلم
من كتاب النبوة عن علي عليهالسلام قال : ما صافح رسول الله أحدا قط فنزع صلىاللهعليهوآلهوسلم يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف ، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت ، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط ، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما ، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى ، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا ، وما سئل شيئا قط فقال لا ، وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول ، وكان أخف الناس صلاة في تمام ، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا (١) ، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل ، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده ، وكان إذا أكل أكل مما يليه ، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده (٢) وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس ، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا (٣) ، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه ، فكان لا يأخذ إلا بيمينه ، ولا يعطي إلا بيمينه ، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه ، وكان يحب التيمن في كل اموره : في لبسه وتنعله وترجله ، وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا تكلم تكلم وترا وإذا استأذن استأذن ثلاثا ، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه ، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، وإذا رأيته قلت : أفلج الثنيتين وليس بأفلج (٤) ، وكان نظره اللحظ بعينه ، وكان لا يكلم أحدا بشيء يكرهه ، وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكان يقول : إن خياركم أحسنكم أخلاقا ، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده ، وكان المحدث عنه يقول : لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده صلىاللهعليهوآله .
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا رئي في الليلة الظلماء
__________________
١ ـ هذر في منطقة : تكلم بما لا ينبغي.
٢ ـ جالت يده : أي أخذت من كل جانب.
٣ ـ مص الماء مصا : أي شربه شربا رقيقا مع جذب نفس بخلاف العب فانه شرب الماء بلا تنفس.
٤ ـ الفلج : فرجة بين الثنايا والرباعيات.
رئي له نور كأنه شقة قمر.
وعنه عليهالسلام قال : نزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك : هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا ، قال : فنظر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السماء ثلاثا ، ثم قال : لا يا رب ، ولكن أشبع يوما فأحمدك ، وأجوع يوما فأسألك.
وعنه عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحلب عنز أهله.
وعنه عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لست أدع ركوب الحمار مؤكفا (١) والاكل على الحصير مع العبيد ومناولة السائل بيدي.
عن جابر بن عبد الله قال : كان في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خصال : لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه وريح عرقه ، ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.
عن ثابت بن أنس بن مالك قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أزهر اللون ، كأن لونه اللؤلؤ ، وإذا مشى تكفأ ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته ، ولا مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله ، كان أخف الناس صلاة في تمام.
عن جرير بن عبد الله قال : لما بعث النبي أتيته لابايعه ، فقال لي : يا جرير لاي شيء جئت ، قال : قلت لاسلم على يديك يا رسول الله ، فألقى لي كساءه ، ثم أقبل على أصحابه فقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله واعد رجلا إلى الصخرة فقال : أنا لك هنا حتى تأتي ، قال : فاشتدت الشمس عليه ، فقال له أصحابه : يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل ، قال : وعدته ههنا وإن لم يجئ كان منه الجشر (٢).
عن عائشة قالت : قلت : ، رسول الله إنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت
__________________
١ ـ مؤكفا من اكف الحمار : شد عليه الاكف أي البرذعة وهي جلته.
٢ ـ الجشر : الترك. وبالتحريك المال الذي يرعى في مكانه ولا يرجع إلى أهله في الليل.
في أثرك فلم أر شيئا خرج منك غير أني أجد رائحة المسك ، قال : يا عائشة إنا معشر الانبياء بنيت أجسادنا على أرواح أهل الجنة ، فما خرج منا من شيء ابتلعته الارض.
عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه ، فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشا ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما لي وللدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف (١) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.
عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله.
عن أبي رافع قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه ، ولا تجبهوه (٢) ، ولا تضربوه ، بورك لبيت فيه محمد ، ومجلس فيه محمد ، ورفقة فيها محمد.
[ في جلوسه صلىاللهعليهوآله وأمر أصحابه في آداب الجلوس ]
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة ، أو يسميه ، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمه لاهله ، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقول صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تزرموا بالصبي (٣) فيدعه حتى يقضي بوله ، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتاذي ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.
ودخل عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح له صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال الرجل : في المكان سعة يا رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.
وروي ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده
__________________
١ ـ الصائف : الحار ، ويقال : صيف صائف كما يقال : ليل لائل.
٢ ـ جبهه الرجل : رده عن حاجته. ضربه على جبهته.
٣ ـ زرم البول : انقطع. ولا تزرموا : يعني لا تقطعوا بوله.
من النار. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تقوموا كما يقوم الاعاجم بعضهم لبعض ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه.
روي عن أبي عبد الله من كتاب المحاسن قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل ، وروي عنه عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
وروي عنه عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى مجلسه.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلم فليست الاولى بأولى من الاخرى ، وروي عنه عليهالسلام إنه قال : إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع فهو أولى بمكانه.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : أعطوا المجالس حقها قيل : وما حقها؟ قال : غضوا أبصاركم وردوا السلام وأرشدوا الاعمى وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر؟
عن أبي أمامة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا جلس جلس القرفصاء (١).
من كتاب المحاسن كان النبي صلىاللهعليهوآله يجلس القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقلهما بيديه فيشد يده في ذراعيه وكان يجثوا على ركبتيه وكان يثني رجلا واحدا ويبسط عليها الاخرى ، ولم ير متربعا قط وكان يجثوا على ركبتيه ولا يتكي (٢).
الفصل الثالث
في صفة أخلاقه صلىاللهعليهوآله في مطعمه
من كتاب مواليد الصادقين كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يأكل كل الاصناف من الطعام وكان يأكل ما أحل الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا ، ومع من يدعوه من
__________________
١ ـ القرفصاء ممدودا ، ومثلثة القاف والفاء : أن يجلس الرجل على إليته ، ويلصق فخذيه ببطنه ، ويحتبي بيديه ، ويضعهما على ساقيه ، أو يجلس على ركبتيه منكبا ، ويلصق بطنه بفخذيه ، ويتأبط كفيه.
٢ ـ جثا فلان كرمى ودعا : جلس على ركبتيه ، أو قام على أطراف الاصابع.
المسلمين على الارض ، وعلى ما أكلوا عليه ، ومما أكلوا إلا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف (١) ، ولقد قال ذات يوم وعنده أصحابه : اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك اللذين لا يملكهما غيرك ، فبينما هم كذلك إذ أهدي إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاة مشوية فقال : خذوا هذا من فضل الله ونحن ننتظر رحتمه ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا وضعت المائدة بين يديه قال : بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنة. وكان كثيرا إذا جلس ليأكل يأكل ما بين يديه ويجمع ركبتيه وقدميه كما يجلس المصلي في اثنتين إلا أن الركبة فوق الركبة والقدم على القدم ويقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد.
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل نبيا حتى قبضه الله إليه متواضعا لله عزوجل ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا وضع يده في الطعام قال : بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه.
من مجموع أبي عن الصادق عن آبائه عليهمالسلام : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا ، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الاجر.
وقال عليهالسلام : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أكل عند قوم قال : أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الابرار.
وقال : دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.
وقد جاءت الرواية : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يفطر على التمر وكان إذا وجد السكر أفطر عليه.
عن الصادق عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده يفطر على الماء الفاتر وكان يقول إنه يبقي الكبد والمعدة ويطيب النكهة والفم ويقوي الاضراس والحدق ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة
__________________
١ ـ الضفف : التناول مع الناس ، أو كثرة الايدي ، ومعناه : إنه لم يأكل خبزا ولا لحما وحده.
الغالبة ويقطع البلغم ويطفي الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع (١).
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يأكل الحار حتى يبرد ويقول : إن الله لا يطعمنا نارا ، إن الطعام الحار غير ذي بركة فأبردوه.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أكل سمى ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ولا يتناول من بين يدي غيره ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون ، وكان يأكل بأصابعه الثلاث الابهام والتي تليها والوسطى وربما استعان بالرابعة ، وكان صلىاللهعليهوآله يأكل بكفها كلها ولم يأكل باصبعين ويقول : إن الاكل باصبعين هو أكلة الشيطان.
ولقد جاءه بعض أصحابه يوما بفالوذج فأكل منه وقال : مم هذا يا أبا عبد الله؟
فقال : بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة (٢) ونضعها على النار ثم نقليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت فنلقيه على السمن والعسل ثم نسوطه حتى ينضج (٣) فيأتي كما ترى ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن هذا الطعام طيب.
ولقد كان يأكل الشعير غير منخول خبزا أو عصيدة في حالة كل ذلك كان يأكله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومن كتاب روضة الواعظين قال العيص بن القاسم قلت للصادق عليهالسلام. حديث يروى عن أبيك أنه قال : ما شبع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من خبز بر قط أهو صحيح؟ فقال : لا ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط.
وقالت عائشة : ما شبع رسول الله صلىاللهعليهوآله من خبز الشعير يومين حتى مات.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأكل على خوان قط حتى مات ولا أكل خبزا مرققا (٤) حتى مات.
__________________
١ ـ فتر الماء : سكن حره. النكهة : ريح الفم. الاضراس جمع ضرس : الاسنان والسن. النقاء : النظافة. وأحداق وحداق جمع حدقة محركة : سواد العين. المرة : خلط من أخلاط البدن غير الدم والجمع مرار.
٢ ـ البرمة كغرفة قدر من الحجر.
٣ ـ السوط : الخلط. ونضج اللحم : استوى وطاب أكله.
٤ ـ يقال : خبز رقاق بالضم : أي رقيق خلاف الغليظ.
وقالت عائشة : ما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلما قبض صبت الدنيا علينا صبا.
ومن كتاب النبوة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ما زال طعام رسول الله الشعير حتى قبضه الله إليه.
عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجيب دعوة المملوك ويردفه خلفه ويضع طعامه على الارض ، وكان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بالملح ، وكان يأكل الفاكهة الرطبة ، وكان أحبها إليه البطيخ والعنب ، وكان يأكل البطيخ بالخبز وربما أكل بالسكر وكان صلىاللهعليهوآله ربما أكل البطيخ بالرطب ، ويستعين باليدين جميعا.
ولقد جلس يوما يأكل رطبا فأكل بيمينه وأمسك النوى بيساره ولم يلقه في الارض فمرت به شاة قريبة منه فأشار إليها بالنوى الذي في كفه فدنت إليه وجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه ويلقي إليها النوى حتى فرغ وانصرفت الشاة حينئذ.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان صائما يفطر على الرطب في زمانه وكان ربما أكل العنب حبة حبة ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم ربما أكله خرطا حتى يرى رواله على لحيته كتحدر اللؤلؤ (١). والروال الماء الذي يخرج من تحت القشر.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل الحيس (٢) ، وكان يأكل التمر ويشرب عليه الماء ، وكان التمر والماء أكثر طعامه.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يتمجع باللبن والتمر (٣) ويسميهما الاطيبين ، وكان يأكل العصيدة من الشعير باهالة الشحم (٤) ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل الهريسة أكثر ما يأكل ويتسحر بها ، وكان جبرئيل قد جاءه بها من الجنة فتسحر بها ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل في بيته مما يأكل الناس ،
__________________
١ ـ خرط العنقود : وضعه في فمه وأخرج عمشوشه عاريا.
٢ ـ الحيس : طعام مركب من تمر وسمن وأقط ، وربما جعل معه سويق.
٣ ـ التمجع : أكل تمر اليابس باللبن معا أو أكل التمر وشرب عليه اللبن.
٤ ـ العصيدة : طعام من الشعير باهالة الشحم والاهالة : شحم المذاب أو دهن يؤتدم به.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل اللحم طبيخا بالخبز ويأكله مشويا بالخبز ، وكان يأكل القديد وحده وربما أكله بالخبز ، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول : هو يزيد في السمع والبصر.
وكان يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل الثريد باللحم والقرع (١) ويقول : إنها شجرة أخي يونس.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يعجبه الدباء ويلتقطه من الصفحة (٢) ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل الدجاج ولحم الوحش ولحم الطير الذي يصاد وكان لا يبتاعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به مصنوعا فيأكله أو غير مصنوع فيصنع له فيأكله.
وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه ثم ينتهشه انتهاشا (٣) وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل (٤) ومن البقول الهندباء والباذروج (٥) وبقلة الانصار ويقال إنها الكرنب (٦) وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المغافير وهو ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى ريح في الفم.
وما ذم رسول الله طعاما قط ، كان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا عاف شيئا فإنه لا يحرمه على غيره ولا يبغضه إليه ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يلحس الصحفة ويقول : آخر الصحفة أعظم الطعام بركة ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها فإن بقي فيها شيء عاوده فلعقها حتى تتنظف ، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول : إنه لا يدري في أي الاصابع البركة.
__________________
١ ـ القرع : نوع من اليقطين ويقال أيضا : الدباء ، والقديد. اللحم المقدد.
٢ ـ الصحفة : قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة ، أو مناقع صغيرة للماء.
٣ ـ ينتهشه انتهاشا : الاخذ بمقدم الاسنان للاكل. وقيل : النهس بالمهملة.
٤ ـ الصبغ بالكسر : ما يصطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمس فيه.
٥ ـ باذروج : نبات يؤكل ، وهو نوع من الريحان الجبلي.
٦ ـ بنات بستاني أحلى وأغض من القنبيط.
وكان صلىاللهعليهوآله يأكل البرد ويتفقد ذلك أصحابه فيلتقطونه له فيأكله ويقول إنه يذهب بأكلة الاسنان (١) ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يغسل يديه من الطعام حتى ينقيهما فلا يوجد لما أكل ريح.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا ، ثم مسح بفضل الماء الذي في يده وجهه ، وكان لا يأكل وحده ما يمكنه وقال : ألاأنبئكم بشراركم؟ قالوا : بلى قال من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده (٢).
الفصل الرابع
في صفة أخلاقه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مشربه
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا شرب بدأ فسمى وحسا حسوة وحسوتين (٣) ثم يقطع فيحمد الله ثم يعود فيسمي ثم يزيد في الثالثة ، ثم يقطع فيحمد الله فكان له في شربة ثلاث تسميات وثلاث تحميدات ويمص الماء مصا ولا يعبه عبا ، ويقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الكباد من العب (٤) وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يتنفس في الاناء إذا شرب فإن أراد أن يتنفس أبعد الاناء عن فيه حتى يتنفس ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم ربما شرب بنفس واحد حتى يفرغ ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يشرب في أقداح القوارير التي يؤتى بها من الشام ، ويشرب في الاقداح التي يتخذ من الخشب ، وفي الجلود ، ويشرب في الخزف ويشرب بكفيه ، يصب فيهما الماء ويشرب ويقول : ليس إناء أطيب من الكف ويشرب من أفواه القرب والاداوي (٥) ولا يختنثها اختناثا ويقول : إن اختناثها ينتنها (٦). وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يشرب قائما وربما يشرب راكبا
__________________
١ ـ أكل وتأكل السن ، صار منخورا وسقط.
٢ ـ الرفد : الضيف.
٣ ـ الحسوة بالضم والفتح : الجرعة ، وحسا حسوا : شرب منه شيئا بعد شيء.
٤ ـ الكباد بالضم : وجع الكبد.
٥ ـ اداوي : جمع أدواة ، المطهرة وهي إناء صغير من جلد يتطهر ويشرب.
٦ ـ الاختناث من خنث السقاء : كسر فمه وثناه إلى الخارج.
وربما قام فشرب من القربة أو الجرة (١) أو الاداوة وفي كل إناء يجده وفي يديه.
وكان يشرب الماء الذي حلب عليه اللبن ويشرب السويق
وكان أحب الاشربة إليه الحلو. وفي رواية : أحب الشراب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الحلو البارد. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يشرب الماء على العسل. وكان يماث له الخبز فيشربه أيضا. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم شربة يفطر عليها وشربة للسحر وربما كانت واحدة وربما كانت لبنا وربما كانت الشربة خبزا يماث فهيأتها له صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات ليلة فاحتبس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فظننت أن بعض أصحابه دعاه فشربتها حين احتبس ، فجاء صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد العشاء بساعة فسألت بعض من كان معه : هل كان النبي أفطر في مكان أو دعاه أحد؟ فقال : لا ، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله خوف أن يطلبها مني النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يجدها ، فيبيت جائعا فأصبح صائما وما سألني عنها ولا ذكرها حتى الساعة. ولقد قرب إليه إناء فيه لبن وابن عباس عن يمينه وخالد بن الوليد عن يساره ، فشرب ثم قال لعبدالله بن عباس : إن الشربة لك أفتأذن أن أعطي خالد بن الوليد ـ يزيد الاسن ـ؟ فقال ابن عباس : لا والله لا اوثر بفضل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحدا ، فتناول ابن عباس القدح فشربه.
ولقد جاءه صلىاللهعليهوآله ابن خولي بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه فقال : شربتان في شربة وإناءان في إناء واحد ، فأبى أن يشربه ثم قال : ما احرمه ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا واحب التواضع ، فإن من تواضع لله رفعه الله.
الفصل الخامس
في صفة أخلاقه صلىاللهعليهوآله في الطيب والدهن ولبس الثياب وغير ذلك
في غسل رأسه
وكان صلىاللهعليهوآله إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر.
__________________
١ ـ الجرة المرة من الجر : إناء من خزف له بطن كبير ، وعروتان ، وفم واسع.
في دهنه صلىاللهعليهوآله
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يحب الدهن ويكره الشعث ويقول : إن الدهن يذهب بالبؤس (١). وكان يدهن بأصناف من الدهن. وكان إذا ادهن بدأ برأسه ولحيته ويقول : إن الرأس قبل اللحية. وكان يدهن بالبنفسج ويقول : هو أفضل الادهان. وكان صلىاللهعليهوآله إذا ادهن بدأ بحاجبيه ثم بشاربيه ثم يدخله في أنفه ويشمه ثم يدهن رأسه. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يدهن حاجبيه من الصداع ويدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته.
في تسريحه صلىاللهعليهوآله
وكان صلىاللهعليهوآله يتمشط ويرجل رأسه بالمدرى (٢) وترجله نساؤه وتتفقد نساؤه تسريحه إذا سرح رأسه ولحيته فيأخذن المشاطة ، فيقال : إن الشعر الذي في أيدي الناس من تلك المشاطات ، فأما ما حلق في عمرته وحجته فإن جبريل عليهالسلام كان ينزل فيأخذه فيعرج به إلى السماء. ولربما سرح لحيته في اليوم مرتين. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يضع المشط تحت وسادته إذا تمشط به ويقول : إن المشط يذهب بالوباء. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يسرح تحت لحيته أربعين مرة ومن فوقها سبع مرات ويقول : إنه يزيد في الذهن ويقطع البلغم.
وفي رواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : من أمر المشط على رأسه ولحيته وصدره سبع مرات لم يقاربه داء أبدا.
في طيبه صلىاللهعليهوآله
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفرقه (٣). وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يتطيب
__________________
١ ـ الشعث : تلبد الشعر ، ومنه رجل أشعث وامرأة شعثاء ، وأصله الانتشار والتفرق.
٢ ـ المدرى : نوع من المشط ، يقال درى الرأس : حكه بالمدرى.
٣ ـ وبيصه : من وبص وبصا : لمع وبرق والمفرق : موضع افتراق الشعر كالفرق.
( مكارم الاخلاق ـ ٣ )
بذكور الطيب (١) وهو المسك والعنبر. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يطيب بالغالية تطيبه بها نساؤه بأيديهن. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يستجمر بالعود القماري (٢). وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرف في الليلة المظلمة قبل أن يرى بالطيب. فيقال : هذا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
عن الصادق عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينفق على الطيب أكثر من ينفق على الطعام. وقال الباقر عليهالسلام : كان في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره : لم يكن له فئ. وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له. وكان لا يعرض عليه طيب إلا تطيب به ويقول : هو طيب ريحه خفيف حمله ، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : جعل الله لذتي في النساء والطيب ، وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم.
في تكحله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين. وقال : من شاء اكتحل ثلاثا وكل حين. ومن فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج. وربما اكتحل وهو صائم. وكانت له مكحلة يكتحل بها بالليل. وكان كحله الاثمد.
في نظره صلىاللهعليهوآلهوسلم في المرآة
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم ينظر في المرآة ويرجل جمته (٣) ويتمشط. وربما نظر في الماء وسوى جمته فيه. ولقد كان يتجمل لاصحابه فضلا عن تجمله لاهله.
وقال ذلك لعائشة ، حين رأته ينظر في ركوة (٤) فيها ماء في حجرتها ويسوي فيها جمته وهو يخرج إلى أصحابه ، فقالت : بأبي أنت وأمي تتمرأ (٥) في الركوة
__________________
١ ـ الذكارة والذكورة : ما يصلح للرجل. وهو ما لا لون له كالمسك والعنبر والعود.
٢ ـ القمارى بالفتح : نوع من عود منسوب إلى القمار ، وهو موضع.
٣ ـ الجمة بالضم : مجتمع شعر الرأس.
٤ ـ الركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
٥ ـ من الرؤية والميم زائدة ، أي تنظر.
وتسوي جمتك وأنت النبي وخير خلقه؟ فقال : إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.
في اطلائه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يطلى فيطليه من يطليه حتى إذا بلغ ما تحت الازار تولاه بنفسه. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يفارقه في أسفاره قارورة الدهن والمكحلة والمقراض والمسواك والمشط. وفي رواية يكون معه الخيوط والابرة والمخصف والسيور فيخيط ثيابه ويخصف نعله. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا استاك إستاك عرضا (١)
في لباسه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يلبس الشملة ويأتزر بها ويلبس النمرة ويأتزر بها أيضا (٢) فتحسن عليه النمرة لسوادها على بياض ما يبدو من ساقيه وقدميه. وقيل : لقد قبضه الله جل وعلا وإن له لنمرة تنسج في بني عبدالاشهل ليلبسها صلىاللهعليهوآلهوسلم. وربما كان يصلي بالناس وهو لابس الشملة. وقال أنس : ربما رأيته صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي بنا الظهر في شملة عاقدا طرفيها بين كتفيه.
في عمامته وقلنسوته صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس القلانس بغير العمائم ، والعمائم بغير القلانس.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يلبس البرطلة (٣) وكان يلبس من القلانس اليمنية ومن البيض (٤)
__________________
١ ـ استاك استياكا : أي تدلك بالمسواك.
٢ ـ الشملة : كساء دون القطيفة يشتمل به. والنمرة بالفتح والكسر : شملة أو بردة من صوف فيها خطوط بيض وسود.
٣ ـ البرطلة : قلنسوة طويلة وفي بعض النسخ البرطل.
٤ ـ البيض : الخوذة وهو من آلات الحرب لوقاية الرأس.
المصرية ويلبس القلانس ذوات الاذان في الحرب ومنها يكون من السيجان (١) الخضر وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه يصلي إليها. وكان صلىاللهعليهوآله كثيرا ما يتعمم بعمائم الخز السود في أسفاره وغيرها ويعتجر اعتجارا (٢) وربما لم تكن له العمامة فيشد العصابة على رأسه أو على جبهته وكان شد العصابة من فعاله كثيرا ما يرى عليه وكانت له صلىاللهعليهوآلهوسلم عمامة يعتم بها يقال لها : السحاب ، فكساها عليا عليهالسلام وكان ربما طلع علي فيها فيقول : أتاكم علي تحت السحاب يعني عمامته التي وهبها له.
وقالت عائشة : ولقد لبس رسول الله صلىاللهعليهوآله جبة صوف وعمامة صوف ثم خرج فخطب الناس على المنبر ، فما رأيت شيئا مما خلق الله تعالى أحسن منه فيها.
في كيفية لبسه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لبس ثوبا جديدا قال : « الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي وأتجمل به في الناس ». وكان إذا نزعه نزع من مياسره أولا. وكان من أفعاله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لبس الثوب الجديد حمد الله ثم يدعو مسكينا فيعطيه القديم ثم يقول : ما من مسلم يكسو مسلما من شمل ثيابه لا يكسوه إلا لله عزوجل إلا كان في ضمان الله عز وجل وحرزه وخيره وأمانه ، حيا وميتا. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لبس ثيابه واستوى قائما قبل أن يخرج قال : اللهم بك استترت وإليك توجهت وبك اعتصمت وعليك توكلت اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهمني وما لا أهتم به وما انت أعلم به مني عز جارك وجل ثناءك ولا إله غيرك ، اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير حيثما توجهت ثم يندفع لحاجته. وكان له صلىاللهعليهوآلهوسلم ثوبان للجمعة خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة. وكانت له صلىاللهعليهوآلهوسلم خرقة ومنديل يمسح به وجهه من الوضوء وربما لم يكن مع المنديل فيمسح وجهه بطرف الرداء الذي يكون عليه.
__________________
١ ـ السيجان جمع الساج : الطيلسان الواسع المدور.
٢ ـ إعتجر : لف عمامته. والاعتجار : لبس العمامة دون التلحي وهو أن يلفيها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
في خاتمه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم لبس خاتما من فضة وكان فصه حبشيا فجعل الفص مما يلي بطن الكف. ولبس خاتما من حديد ملويا عليه وفضة أهداها له معاذ بن جبل فيه محمد رسول الله ، ولبس خاتمه في يده اليمنى ثم نقله إلى شماله ، وكان خاتمه الاخر الذي قبض وهو في يده خاتم فضة فصة فضة ظاهرا كما يلبس الناس خواتيمهم وفيه محمد رسول الله.
وكان يستنجئ بيساره وهو فيها ويروى أنه لم يزل كان في يمينه إلى أن قبض. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم ربما جعل خاتمه في إصبعه الوسطى في المفصل الثاني منها. وربما لبسه كذلك في الاصبع التي تلي الابهام. وكان ربما خرج على أصحابه وفي خاتمه خيط مربوط ليستذكر به الشيء. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يختم بخواتيمه على الكتب ويقول الخاتم على الكتاب حرز من التهمة.
في نعله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يلبس النعلين بقبالين (١) وكانت مخصرة (٢) معقبة حسنة التخصير مما يلي مقدم العقب مستوية ليست بملسنة وكان منها ما يكون في موضع الشيء الخارج قليلا. وكان كثيرا ما يلبس السبتية (٣) التي ليس لها شعر. وكان إذا لبس بدأ باليمنى وإذا خلع بدأ باليسرى. وكان يأمر بلبس النعلين جميعا وتركها جميعا كراهة أن يلبس واحدة دون اخرى. وكان يلبس من الخفاف من كل ضرب.
في فراشه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان فراشه صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي قبض وهو عنده من أشمال وادى القرى محشوا وبرا وقيل : كان طوله ذراعين أو نحوهما وعرضه ذراع وشبر.
__________________
١ ـ القبال بالكسر : زمام النعل.
٢ ـ مخصرة : أي مستدقة الوسط ، وكانت نعله مخصرة أي لها دقة في الوسط ، وكانت معقبة أي جعل لها العقب ، غير ملسنة : أي ما جعلت شبيهة باللسان في دقة مقدمه.
٣ ـ السبت : الجلد المدبوغ.
عن علي عليهالسلام : كان فراش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عباءة. وكانت مرفقته (١) أدم حشوها ليف. فثنيت ذات ليلة ، فلما أصبح قال : لقد منعني الليلة الفراش الصلاة فأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجعل له بطاق واحد. وكان له صلىاللهعليهوآلهوسلم فراش من أدم حشوه ليف ، وكانت له عباءة تفرش له حيثما انتقل وتثنى ثنتين. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم كثيرا ما يتوسد وسادة له من أدم حشوها ليف ويجلس عليها. وكانت له قطيفة فدكية يلبسها يتحنشع بها ، وكانت له قطيفة مصرية قصيرة الخمل (٢) ، وكان له بساط من شعر يجلس عليه وربما صلى عليه.
في نومه صلىاللهعليهوآلهوسلم
كان صلىاللهعليهوآلهوسلم ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يستاك إذا أراد أن ينام ويأخذ مضجعه. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أوى إلى فراشه اضطجع على شقه الايمن ووضع يده اليمنى تحت خده الايمن ، ثم يقول : أللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك.
في دعائه عند مضجعه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان له أصناف من الدعوات يدعو بها إذا أخذ مضجعه ، فمنها أنه كان يقول : اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك ، اللهم إني لا أستطيع أن أبلغ في الثناء عليك ولو حرصت أنت كما أثنيت على نفسك.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول عند منامه : بسم الله أموت وأحيا وإلى الله المصير ، اللهم آمن روعتي واستر عورتي وأدعني أمانتي.
ما يقول عند نومه صلىاللهعليهوآلهوسلم
كان يقرأ آية الكرسي عند منامه ويقول : أتاني جبرئيل فقال : يا محمد إن عفريتا من الجن يكيدك في منامك فعليك بآية الكرسي.
__________________
١ ـ المرفقة : المخدة.
٢ ـ الخمل بالفتح : ما يكون كالزغب على القطيفة والثوب ونحوهما وهو من أصل النسيج.
ما يقول عند اسيتقاظه صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ما استيقظ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من نوم إلا خر لله ساجدا. وروي أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا نهض بدأ بالسواك. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي. وكان مما يقول إذا استيقظ : الحمد لله الذي أحياني بعد موتي إن ربي لغفور شكور. وكان يقول : اللهم إني أسألك خير هذا اليوم ونوره وهداه وبركته وطهوره ومعافاته ، اللهم إني أسألك خيره وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما بعده.
في سواكه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يستاك كل ليلة ثلاث مرات : مرة قبل نومه ومرة إذا قام من نومه إلى ورده ومرة قبل خروجه إلى صلاة الصبح. وكان يستاك بالاراك ، أمره بذلك جبرئيل عليهالسلام.
عن الصادق عليهالسلام قال : إني لاكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأت بها.
الباب الثاني
في آداب التنظيف والتطييب والتكحل والتدهن والسواك
ثلاثة فصول
الفصل الاول
في التنظيف والتطييب وما يجري مجراه
في التنظيف
روي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أميرالمؤمين علي بن أبي طالب عليهالسلام : تنظفوا بالماء من الرائحة المنتنة فإن الله تعالى يبغض من عباده القاذورة. وعنه عليهالسلام قال : غسل الثياب يذهب الهم وهو طهور للصلاة. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لانس : يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك ، فإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل ، فإنك تكون إذا مت على طهارة مت شهيدا.
من كتاب روضة الواعظين قال الصادق عليهالسلام : من توضأ وتمندل كتب له حسنة ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوئه كتب له ثلاثون حسنة.
عن علي بن أسباط قال : سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : أربع من أخلاق الانبياء : التطيب والتنظف وحلق الجسد بالنورة وكثرة الطروقة (١).
__________________
١ ـ الطروقة : فعولة من طرق النحل الناقة أي ضربها ، وكل امرأة طروقة بعلها ويمكن أن يراد بها الملاعبة.