موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

[٣٦٦٧] مسألة ٣٥ : يُستثنى من عدم جواز النظر من الأجنبي والأجنبية

______________________________________________________

الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، اشترط أم لم يشترط. فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام ، فذلك رضا منه فلا شرط». قيل له : وما الحدث؟ قال : «إنْ لامس ، أو قبّل ، أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء» (١).

وصحيحته الأُخرى ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال : «الخيار لمن اشترى» ... قلت له : أرأيت إنْ قبّلها المشتري أو لامس؟ قال : فقال : «إذا قبّل ، أو لامس ، أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره ، فقد انقضى الشرط ولزمته» (٢).

فإنّهما واضحتا الدلالة على كون النظر بشهوة فضلاً عن الملامسة والمجامعة سبباً قهرياً في سقوط خياره ، معلّلاً ذلك بكونه رضا منه بالبيع ، ومقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بالبيع وسريانه إلى ما نحن فيه أيضاً ، فإنّ هذه الأُمور على ما يظهر منه أسباب قهرية لتحقق الرضا الذي هو بمعنى الاختيار إذ لا يكفي مجرد طيب النفس لا في سقوط الخيار ولا في تحقق الرجعة بالبيع أو الزوجية ، ورفع اليد عن الخيار أو الطلاق.

هذا ويمكن الاستدلال على الحكم في خصوص الجماع ، بما ورد في النصوص من أنّ العدّة والحد والغسل بالوطء (٣). فإنّ المستفاد منها ومن غيرها أنّ الوطء الصحيح ولو واقعاً موجب لثبوت العدّة على المرأة ، وحيث إنّ الوطء في المقام صحيح واقعاً باعتبار أنّ المرأة في العدّة الرجعية زوجة حقيقة وإن جهل الزوج ذلك ، فهو موجب للعدة لا محالة.

ولما كانت العدّة لا تكون إلّا مع الطلاق كشف ذلك عن بطلان الطلاق الأول قهراً إذ لا معنى لصحته مع الحاجة في البينونة إلى طلاق آخر. ويتضح ذلك جلياً فيما لو

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، ب ٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢ كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، ب ٦.

٦١

مواضع :

منها : مقام المعالجة (١) وما يتوقّف عليه من معرفة نبض العروق والكسر

______________________________________________________

وقع الوطء في آخر لحظات العدّة ، فإنّ خلو الوطء الصحيح من العدّة مخالف للنصوص ، وثبوت عدّة ثانية تستلزم الطلاق ، وهو يعني بطلان الطلاق الأوّل وهو المطلوب.

ومما يؤيد ذلك مضافاً إلى دعوى صاحب الجواهر تسالم الأصحاب عليه رواية محمد بن القاسم ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ ، وإنْ غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة» (١).

وهي وإنْ كانت صريحة في المدَّعَى إلّا أنّها ضعيفة السند بمحمد بن القاسم حيث لم يرد فيه توثيق ، وإنْ عبّر عنها صاحب الجواهر (قدس سره) بالصحيحة.

(١) لصحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر وإما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه ، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له النظر إليها؟ قال : «إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت» (٢). فإنّها صريحة في جواز النظر إذا اقتضت ضرورة العلاج ذلك.

ولا يخفى أنّه لا مجال للتمسك لإثبات الحكم بقاعدة نفي الضرر ، أو قوله (عليه السلام) : «ليس شي‌ء مما حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطر إليه» (٣). فإنّ من الواضح أنّ مثل هذين الدليلين لا يشملان الطبيب نفسه ، فإنّهما إنّما يرفعان الحكم عمّن يتوجه الضرر عليه نتيجة ذلك الحكم ، فلا يدلّان إلّا على جواز كشف المرأة المريضة نفسها أمام الطبيب ، أما جواز نظر الطبيب إليها فلا دلالة لهما عليه لعدم اضطراره إلى ذلك.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٨ كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ، ب ٢٩ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٣٠ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٥ كتاب الصلاة ، أبواب القيام ، ب ١ ح ٧.

٦٢

والجرح والفصد والحجامة ونحو ذلك إذا لم يمكن بالمماثل (١) بل يجوز المسّ واللّمس حينئذ (٢).

ومنها : مقام الضرورة ، كما إذا توقّف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما عليه أو على المسّ (٣).

ومنها : معارضة (٤) كلّ ما هو أهمّ في نظر الشارع مراعاته من مراعاة حرمة النظر أو اللّمس.

______________________________________________________

نعم ، لو تصوّرنا توجه الضرر إلى الطبيب في صورة عدم معالجتها ، أمكن التمسك بهما لإثبات الجواز بالنسبة إليه أيضاً.

وما ذكرناه هنا لا يتنافى مع ما تقدم منّا في الملازمة بين جواز الإبداء وجواز النظر إليها ، فإنّها إنما تتمّ فيما إذا كان جواز الإبداء ثابتاً بالحكم الأوّلي ، فلا يشمل ما لو كان الجواز ثابتاً بالعنوان الثانوي ، إذ إنّ هذه العناوين إنّما ترفع الحكم فيمن يتحقق فيه ذلك العنوان أما غيره فلا.

ولذا لا يعقل الحكم بجواز النظر إلى المرأة لو أُكرهت على رفع سترها وإبداء زينتها ، وأوضح من ذلك ما لو أُكرهت المرأة على الزنا ونحوه ، أفهل يحتمل الحكم بالجواز للرجل أيضاً نظراً إلى أنّها مكرهة؟!

(١) أو المحرم ، إذ مع الإمكان بهما لا يصدق عنوان الاضطرار إلى الأجنبي.

(٢) لأنّ النظر في صحيحة الثمالي مذكور في كلام السائل خاصة ، أمّا جوابه (عليه السلام) فمطلق وغير مقيّد به ، فيستفاد منه عدم البأس بالمعالجة فيما اضطرت إليه وحيث إنّ من الواضح أنّ المعالجة بطبعها تقتضي اللمس لا سيما في الكسور ، فيستفاد منها جواز ذلك أيضاً.

(٣) لمزاحمة المهمّ للأهمّ ، فترفع اليد عن المهمّ طبق القاعدة.

(٤) في تعبيره (قدس سره) بالمعارضة تسامح واضح ، والصحيح التعبير بالمزاحمة. والحكم واضح حيث لا يتمكن المكلف من امتثالهما معاً ، فيقدم الأهمّ بحسب نظر الشارع طبعاً.

٦٣

ومنها : مقام الشهادة تحمّلاً أو أداءً (١) مع دعاء الضرورة (٢).

______________________________________________________

(١) وتدلّ عليه صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) ، قال : «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها ، ولا يجوز عندهم أنْ يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها» (١).

وصحيحة الصفار قال : كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهد بهذا كلامه ، أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع (عليه السلام) : «تتنقب وتظهر للشهادة إن شاء الله» (٢).

وصحيحة ابن يقطين عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) ، قال : «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها ، فأما إذا كانت لا تعرف بعينها ولا يحضر من يعرفها ، فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها» (٣).

فإنّ هذه الروايات الثلاث تدل على جواز النظر إليها عند أداء الشهادة. والمذكور في الروايتين الاولى والثالثة كلمة (تسفر) وهي تدلّ بإطلاقها على جواز النظر إلى تمام الوجه ، إلّا أنّه لا بدّ من تقييد إطلاقهما بما يظهر بعد لبس النقاب ، وذلك لأجل ما ورد في مكاتبة الصفار.

(٢) وهو إنّما يتمّ لو غضضْنا النظر عن النصوص المتقدمة ، فإنّه حينئذ لا بدّ من التقييد بدعاء الضرورة ، كي يدخل المورد في باب التزاحم ، ويكون الحكم بالجواز

__________________

(١) النصوص الثلاثة ساقطة في أكثر نسخ الوسائل ومنها الطبعة الحديثة إلّا نص واحد ذكر في باب ٤٣ من أبواب الشهادات ، غير أنّه مركب من صدر النص الأوّل وذيل النص الثالث. نعم ، النصوص الثلاثة مذكورة في نسختين منه مطبوعتين بطهران ، الأُولى سنة ١٢٨٨ ه‍ ، والثانية في سنة ١٣١٣ ه‍ ، فراجع.

(٢) النصوص الثلاثة ساقطة في أكثر نسخ الوسائل ومنها الطبعة الحديثة إلّا نص واحد ذكر في باب ٤٣ من أبواب الشهادات ، غير أنّه مركب من صدر النص الأوّل وذيل النص الثالث. نعم ، النصوص الثلاثة مذكورة في نسختين منه مطبوعتين بطهران ، الأُولى سنة ١٢٨٨ ه‍ ، والثانية في سنة ١٣١٣ ه‍ ، فراجع.

(٣) النصوص الثلاثة ساقطة في أكثر نسخ الوسائل ومنها الطبعة الحديثة إلّا نص واحد ذكر في باب ٤٣ من أبواب الشهادات ، غير أنّه مركب من صدر النص الأوّل وذيل النص الثالث. نعم ، النصوص الثلاثة مذكورة في نسختين منه مطبوعتين بطهران ، الأُولى سنة ١٢٨٨ ه‍ ، والثانية في سنة ١٣١٣ ه‍ ، فراجع.

٦٤

وليس منها ما عن العلّامة من جواز النظر إلى الزانيين لتحمّل الشهادة (١) فالأقوى عدم الجواز. وكذا ليس منها النظر إلى الفرج للشهادة على الولادة ، أو الثدي للشهادة على الرضاع وإن لم يمكن إثباتها بالنساء (٢) وإن استجوده الشهيد الثاني.

ومنها : القواعد من النساء (٣) اللّاتي لا يرجون نكاحاً بالنسبة إلى ما هو المعتاد له (٤)

______________________________________________________

لأجل تقديم الأهمّ على المهمّ. أمّا بملاحظة تلك النصوص فلا وجه للتقييد بذلك فإنّها مطلقة وغير مقيدة بالضرورة ، فيكون الحكم بالجواز في المقام من باب تخصيص عمومات عدم جواز النظر إلى الأجنبية.

(١) فإنّه لا دليل على الجواز ، إذ النصوص المتقدمة إنما تختص بالشهادة على إقرار المرأة وليس هناك حكم آخر يزاحمه ، فالمتعيّن هو القول بعدم الجواز.

(٢) لما سبق.

(٣) بلا خلاف في ذلك ، ويدلّ عليه قوله تعالى (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) (١).

(٤) وقع الكلام بين الأعلام في حدّ ما يجوز للقواعد إبداؤه. فنسب إلى العلّامة والشهيد (قدس سره) القول بجواز إبداء ما عدا العورة (٢) في حين اختار الماتن (قدس سره) وجماعة جواز إبداء ما هو معتاد لها من الكشف خاصة.

ولعلّ مستند القول الأوّل هو إطلاق الآية الكريمة ، لا سيما بملاحظة أنّ المذكور فيها الثياب بصيغة الجمع ، فإنّ ذلك يدلّ على جواز وضع جميع ثيابهن. نعم ، لا بدّ من تقييد الإطلاق في خصوص العورة لما علم من الخارج عدم جواز إبدائها.

وعلى كلّ فلو كنّا نحن وهذه الآية الكريمة ، ولم نستظهر منها بأنّ جمع الثياب إنّما هو

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٦٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٤. الجواهر ٢٩ : ٨٦.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بلحاظ إفراد القواعد لا بلحاظ كلّ واحدة على حدة كما هو قريب لكان هذا القول قوياً جدّاً ، إلّا أنّ في المقام عدّة نصوص تقيد على اختلاف مضمونها إطلاق الآية الكريمة وتمنع من العمل به.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهنّ؟ قال : «الجلباب» (١).

فهذه الصحيحة وغيرها تقيّد إطلاق الآية بالجلباب وحده.

ولكن في صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قرأ يضعن من ثيابهنّ قال : «الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنّة» (٢).

فتقيّد الآية الكريمة بالجلباب والخمار ، فتكون منافية للصحيحة الاولى ، فلا بدّ من حمل الاولى على الاستحباب ، والقول بأنّه يستحب في مقام إبداء الزينة للقواعد وضع الجلباب خاصة ، عملاً بمقتضى قاعدة تعارض الظاهر والنصّ.

هذا كلّه لو كنّا نحن وهاتين الصحيحتين ، لكن رواية أبي الصباح الكناني قد تضمنت التفصيل بين الحرة والأمة ، وأنّ الحرة لا تضع إلّا جلبابها في حين يحقّ للأمة وضْع خمارها أيضاً.

فقد روى محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القواعد من النساء ، ما الذي يصلح لهنّ أنْ يضعن من ثيابهن؟ فقال : «الجلباب ، إلّا أن تكون أَمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها» (٣).

فقد يقال إنّه لا بدّ من الجمع بين الصحيحتين المتقدمتين بالعمل بمضمون هذه الرواية ، فيتعيّن تخصيص صحيحة محمد بن مسلم بالحرة وصحيحة حريز بالأمة ، إلّا

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٠ ح ٤.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٠ ح ٦.

٦٦

من كشف بعض الشعر (١) والذراع ونحو ذلك ، لا مثل الثدي والبطن ونحوهما مما يعتاد سترهنّ له (٢).

ومنها : غير المميز من الصبي والصبية ، فإنّه يجوز النظر إليهما بل اللّمس ، ولا يجب التستّر منهما (٣) بل الظاهر جواز النظر إليهما قبل البلوغ (٤) إذا لم يبلغا مبلغاً

______________________________________________________

أنّ هذه الرواية ضعيفة السند بمحمد بن الفضيل ، فإنّه مشترك بين الثقة والضعيف.

على أنّه لو تمّ سندها فلا بدّ من حملها على الأفضلية ، وذلك لصريح صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يحلّ له أن ينظر إلى شعر أُخت امرأته ، فقال : «لا ، إلّا أن تكون من القواعد». قلت له : أُخت امرأته والغريبة سواء؟ قال : «نعم». قلت : فما لي من النظر إليه منها؟ فقال : «شعرها وذراعها» (١).

فهي بملاحظة أنّ الغالب والمتعارف في الزوجة وأُختها كونهما حرتين ، تدلّ بالصراحة على جواز النظر إلى شعر وذراعي القواعد من الحرائر ، وعليه فلا محيص عن حمل رواية الكناني لو تمّ سندها على الأفضلية.

ومن هنا يتّضح أنّ الصحيح في المقام هو حمل ما دلّ على وضع الجلباب فقط على الأفضلية ، عملاً بقانون تعارض الظاهر والنص.

(١) لا وجه لتخصيص الجواز ببعض الشعر ، بعد ما دلّت الأخبار الصحيحة على جواز وضع الخمار المستلزم لكشف الشعر كلّه.

(٢) لما تقدّم من عدم سلامة إطلاق الآية الكريمة.

(٣) كلّ ذلك لعدم المقتضي إذ لا تشملهما أدلّة المنع ، فإنّهما بحكم الحيوان ، بل يمكن القول بأنّ مقتضى السيرة القطعية هو الجواز. على أنّ ما يأتي من الدليل على الجواز في المميز يدلّ على الجواز فيما نحن فيه بالأولوية القطعية.

(٤) والكلام فيه تارة في حكم النظر إلى عورتهما أو نظرهما إلى عورة الغير واخرى في حكم النظر إلى غير عورتهما أو نظرهما إلى ذلك من الغير.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٠٧ ح ١.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الشك في عدم جواز النظر إلى عورتهما ، ووجوب حفظ الفرج عنهم ، لإطلاق أدلّة المنع إذ لا موجب لتخصيصها بالبالغ ، فإنّ مقتضى قوله (عليه السلام) : «عورة المؤمن على المؤمن حرام» (١) هو حرمة النظر إلى عورة المؤمن من دون تقييد بكونه بالغاً فإنّ المميز من غير البالغين إذا أدرك وجود الله تبارك وتعالى وآمن به صدق عليه عنوان المؤمن ، وبذلك يصبح مشمولاً لأدلّة المنع.

وأمّا نظرهما إلى عورة الغير فلا ينبغي التأمّل في جوازه ، فإنّ حرمة النظر إلى عورة الغير مختصة بالمكلفين ، أمّا غيرهم فلا يجب عليهم الامتناع من ذلك ، كما لا يجب عليهم حفظ عورتهم والتستر عليها من الغير ، فإنّ كلّ ذلك من شؤون المكلفين والمفروض أنّهم ليسوا منهم.

نعم ، نسب الخلاف في جواز نظرهما إلى عورة الغير إلى المحقق النراقي (قدس سره) حيث ذهب إلى عدم الجواز ، مدّعياً تخصيص ما دلّ على رفع القلم من الصبي وعدم تكليفه بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ) (٢).

فإنّ الخطاب في الآية الكريمة وإنْ كان متوجّهاً إلى المكلّفين ، إلّا أنّ الأمر بالاستئذان متوجه إلى غير المكلّفين كما هو واضح ، فيتحصل منها أنّ الصبيان مكلّفون في هذا المورد بعدم النظر إلى عورة الغير ويجب عليهم ذلك ، ويكون ذلك استثناءً وتخصيصاً لحديث رفع القلم عن الصبيان (٣).

إلّا أنّ فيه : أوّلاً : ما تقدّم منّا في مباحث الأُصول من أنّ الوجوب غير مستفاد من صيغة الأمر بحدّ ذاتها ، وإنّما هو مستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة المولى حيث لم يرد

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢ كتاب الطهارة ، أبواب آداب الحمام ، ب ٩ ح ٤.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٥٨.

(٣) مستند الشيعة ٢ : ٤٦٩.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ترخيص ، وعليه فالآية الكريمة وإنْ تضمّنت الأمر بالاستئذان إلّا أنّه لا مجال لاستفادة الوجوب من ذلك ، باعتبار ثبوت الترخيص بحديث الرفع وما في معناه فلا يبقى مجال لاستفادة الوجوب.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ ثبوت الأمر شي‌ء وثبوت الوجوب شي‌ء آخر ، إذ لا ملازمة بينهما أصلاً ، فقد يثبت الأمر ولا يثبت الوجوب كما هو الحال في الأوامر الاستحبابية ، بل لا بدّ في إثبات الوجوب مضافاً إلى الأمر من إثبات عدم الترخيص ، فمن دون ذلك لا مجال لإثبات الوجوب.

ومن هنا فحيث إنّ الآية الكريمة لا تتكفل إلّا الجهة الاولى أعني ثبوت الأمر فلا مجال للتمسّك بها وحدها لإثبات الوجوب ، بل لا بدّ من البحث عن وجود ما يدلّ على الترخيص ، فإنْ وجد ما يدلّ على ذلك فلا مجال للقول بالوجوب ، وإلّا فمقتضى حكم العقل بلزوم إطاعة المولى هو ذلك ، وحيث إنّ مقامنا من قبيل الأوّل حيث دلّ حديث رفع القلم على الترخيص فلا وجه للالتزام بالوجوب.

ثانياً : إنّ الآية الكريمة أجنبية عن محل الكلام بالمرة ، فإنّها واردة في مقام رؤية المميز للرجل والمرأة في حالة غير مناسبة ، بحيث يطلع على ما يستقبح التطلع عليه حتى لو لم يستلزم ذلك النظر إلى عورتهما ، فلا تصلح للاستدلال بها على حرمة نظر الصبي أو الصبية إلى عورة الغير كما لا يخفى.

وأمّا المقام الثاني : فلا ينبغي الشك أيضاً في جواز نظر كلّ منهما إلى بدن غير المماثل له من البالغين ، وذلك لحديث الرفع حيث تختصّ الحرمة بالمكلفين.

وأما جواز نظر كل من الرجل إلى الصبية والمرأة إلى الصبي لو قلنا بحرمة نظرها إلى الرجل فيمكن الاستدلال عليه :

أوّلاً : بعدم وجود مقتضٍ للحرمة ، نظراً لاختصاص قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ) بالبالغات ، حيث إنّ التكليف لا يشمل غير البالغ فلا يجب على الصبية التستّر. ومن هنا فيجوز النظر إليها ، باعتبار أنّ حرمة النظر إلى المرأة إنّما استفيدت من وجوب التستّر عليها ، حيث استظهرنا من ذلك كونه مقدمة لعدم النظر إليها ، وحيث إنّ وجوب التستّر غير ثابت على الصبية فلا بأس بالنظر إليها.

٦٩

يترتّب على النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة (١).

______________________________________________________

ثانياً : صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الجارية التي لم تدرك ، متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال : «لا تغطّي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة» (١). فإنّها دالّة بكلّ وضوح على عدم وجوب الستر عليها ، وجواز إبدائها لشعرها ما لم تحِضْ ، وبثبوت ذلك يثبت جواز النظر إليها بالملازمة العرفية كما عرفت.

هذا كلّه بالنسبة إلى حكم الصبي ، وأمّا بالنسبة إلى المرأة فهل يجوز لها إبداء زينتها للصبي المميز أم يجب عليها التستّر منه؟

ظاهر قوله تعالى (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) (٢) هو الثاني ، باعتبار أنّ المستثنى هو غير المميز فقط ، فيبقى المميز على عموم المنع.

لكن للبزنطي صحيحتان تدلّان بالصراحة على عدم وجوب التستّر من الصبي حتى يبلغ ، فقد روى عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال : «يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم» (٣).

وروى أيضاً عنه (عليه السلام) قال : «لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ الغلام» (٤).

ومن الواضح أنّ مقتضى الجمع بين هاتين الصحيحتين والآية المباركة هو تقييد إطلاق الآية الكريمة بمفادهما ، فيتحصل من ذلك جواز الكشف وعدم وجوب التستّر على المرأة ما لم يبلغ الصبي الحلم.

وأخيراً فمن غير البعيد دعوى قيام السيرة على الجواز أيضاً.

(١) والحكم بعدم الجواز في الأوّل مبنيٌّ على ما تقدم في غير مورد من أن ما علم

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٦ ح ٢.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٣١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٦ ح ٣.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٦ ح ٤.

٧٠

[٣٦٦٨] مسألة ٣٦ : لا بأس بتقبيل الرجل الصبية التي ليست له بمحرم ووضعها في حجره قبل أن يأتي عليها ستّ سنين (١) إذا لم يكن عن

______________________________________________________

مبغوضية وقوعه في الخارج من الشارع المقدس على كل تقدير ، بحيث لا يفرق الحال بين أن يكون مرتكبه بالغاً أو غير بالغ كالزنا ، وشرب الخمر ، واللواط ونحوها يجب على المكلفين المنع من تحقّقه وسدّ الطريق إليه وقطع السبيل على فاعله قولاً وفعلاً.

وعلى هذا فحيث إنّ من غير البعيد كون ما نحن فيه من هذا القبيل ، ولو بلحاظ انتهاء ذلك شيئاً فشيئاً إلى ما هو أعظم منه ، باعتبار أنّ ذلك يوجب الاعتياد ونتيجته الابتلاء به أو بما هو أشدّ منه بعد البلوغ ، يجب على المرأة قطع السبيل على الصبي وعدم السماح له بذلك ، وهو لا يتحقق عادة إلّا بالتستّر فيجب عليها ذلك.

هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ مقتضى قوله تعالى (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) وهو وجوب التستّر عن مطلق المميز ، سواء كان نظره بشهوة أم بغيرها. وإنما خرجنا عن الإطلاق لصحيحتي البزنطي ، وحيث إنّ من الواضح اختصاصهما بالنظر المجرد عن الشهوة ، فإنّ موردهما السؤال عن الكشف بحسب طبع الحال لا بلحاظ جهة أُخرى ، فيبقى الإبداء بلحاظ النظر مع الشهوة تحت عموم المنع كما هو واضح.

وأما الحكم في الثاني أعني عدم جواز نظر الرجل إلى الصبية المميزة مع الشهوة والتلذّذ فلما عرفت في تفسير قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) حيث تقدّم أنّ مقتضى هذه الآية وقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) هو حرمة جميع الاستمتاعات الجنسية على الرجل على الإطلاق بالنسبة إلى غير الزوجة والمملوكة على تفصيل قد مرّ ، فعلى ذلك لا يجوز للرجل الاستمتاع والتلذّذ بالنظر إلى الصبية.

(١) بلا خلاف فيه بين الأصحاب.

وأما إذا بلغت ستّ سنين ، فقد استدل على عدم جوازه برواية أبي أحمد الكاهلي

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : سألته عن جارية ليس بيني وبينها محرم ، تغشاني فأحملها وأقبّلها ، فقال : «إذا أتى عليها ستّ سنين فلا تضعها على حجرك» (١).

فإنّ السؤال فيها عن الحمل والتقبيل ، إلّا أنّه (عليه السلام) قد أجاب بالنهي عن وضعها في الحجر إذا أتى عليها ستّ سنين ، وهو يكشف بحسب المتفاهم العرفي كما هو واضح عن أنّه (عليه السلام) إنّما أجاب عما هو أهون منهما ، فيستفاد منها أنّه لا مانع من التقبيل والحمل ما لم تبلغ الصبية ستّ سنين ، فإذا بلغت ذلك فلا يجوز وضعها في الحجر فضلاً عن حملها أو تقبيلها.

إلّا أنّ الرواية ضعيفة بأبي أحمد الكاهلي فلا مجال للاعتماد عليها.

نعم ، ذكر صاحب الوسائل (قدس سره) أنّه : رواه الصدوق بإسناده عن عبد الله ابن يحيى الكاهلي ، قال : سأل أحمد بن النعمان أبا عبد الله (عليه السلام) ، وذكر نحوه.

إلّا أنّه يعدّ غريباً منه (قدس سره) ومسامحة في التعبير ، فإنّ الذي رواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ليس نحو رواية أبي أحمد الكاهلي بل هو مغاير لها ، فإنّ الموجود في الفقيه قال : سأل محمد بن النعمان أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له : جويرية ليس بيني وبينها رحم ولها ستّ سنين ، قال (عليه السلام) : «لا تضعها في حجرك» (٢).

وهي أجنبية عن محلّ كلامنا بالمرّة ، إذْ لم يذكر فيها الحمل ولا التقبيل ، فلا مجال للاستدلال بها.

وما ذكرناه في رواية أبي أحمد الكاهلي من استفادة الحكم فيها بالأوْلوية نظراً إلى أن الوضع في الحجر أهون منهما بحسب نظر العرف لا يتأتى هنا ، فإنّ الأولوية في تلك إنما استفيدت من إعراض الإمام (عليه السلام) عن الجواب عن المسئول عنه والإجابة ببيان حكم الوضع في الحجر ، وحيث لم يرد في هذه الرواية سؤال عن الحمل والتقبيل فلا يكون لكلامه (عليه السلام) ظهور عرفي في بيان حكمهما بالأولوية ، بل يبقى مدلول الرواية منحصراً ببيان حكم الوضع في الحجر للصبية التي

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧٥ / ١٣٠٧.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بلغت ستّ سنين.

ثم إنّ ظاهرها وإن كان حرمة ذلك ، إلّا أنّ الذي يستفاد من عدم تعرّض الفقهاء له في كلماتهم ، وعدم وروده في غير هذه الرواية مع كثرة الابتلاء به ، أنّ الحكم ليس بالزامي ، فلا بدّ من حملها على الكراهة وبيان الحكم الأخلاقي.

ومما يؤيد ذلك أنّ الحكم بالحرمة لو كان ثابتاً لكان من أوضح الواضحات لكثرة الابتلاء به كما عرفت ، فكيف والسيرة قائمة على الجواز! ثم لا يخفى أنّه لا مجال للاستدلال على المدعى بمرفوعة زكريا المؤمن ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام ، والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين» (١).

فإنّها ضعيفة السند باعتبار كونها مرفوعة ، فإنّ زكريا المؤمن وإن كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) وقد ذكر النجاشي أنّه يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وعن أبي الحسن (عليه السلام) (٢) إلّا أنّه لم يوجد له في مجموع الكتب الأربعة ولا رواية واحدة عن الصادق (عليه السلام) ، فإنّ هذه الجهة هي التي تمنعنا عن القول بأنّ الرواية ليست بمرفوعة ، وإلّا فليس هناك أي مانع غيرها ، فإنّ الرجل من أصحاب الصادق (عليه السلام) فلا محذور في أن يروي عنه مباشرة.

على أنّها قاصرة دلالة ، لأنّ موردها الغلام وهو يطلق على غير البالغ ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، أعني تقبيل البالغ للصبية.

وما ذكرناه في هذه الرواية يجري في جميع أخبار هذا الباب ، فإنّها جميعاً لا تخلو من ضعف سندي ، أو قصور دلالي على سبيل منع الخلو ، فراجع وتأمّل.

وعلى هذا فيتحصل مما تقدم أنّه ليس في المقام ولا رواية واحدة صحيحة السند وتامّة الدلالة ، يمكن الاعتماد عليها لإثبات الحكم. وعليه فمقتضى أصالة البراءة هو الجواز ما لم يكن ذلك عن شهوة وتلذّذ.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٧ ح ٤.

(٢) رجال النجاشي ، ١٧٢ ترجمة برقم ٤٥٣.

٧٣

شهوة (١).

[٣٦٦٩] مسألة ٣٧ : لا يجوز للمملوك النظر إلى مالكته (٢) ولا للخصي

______________________________________________________

(١) لما تقدّم في المسألة السابقة.

(٢) والكلام فيه في مقامين :

الأوّل : في دلالة قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ).

الثاني : في دلالة النصوص.

أمّا المقام الأول : فقد تقدم قريباً أنّه لا مجال لاستفادة الجواز منها ، حيث عرفت أنّ المراد بها هو خصوص الإماء ، لامتناع إرادة خصوص العبيد أو الجامع بينهما ، على ما تقدّم مفصّلاً.

كما عرفت أنّ صحيحة معاوية بن عمّار (١) لا يمكن تصديق مدلولها بل لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها ، لأنها تتضمن جواز المماسة وهو مما لا يقول به أحد.

نعم ، نسب إلى الشهيد (قدس سره) في المسالك القول بأنّ الكليني قد روى أخباراً كثيرة بطرق صحيحة عن الصادق (عليه السلام) تدلّ على أنّ قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) شامل للمملوك مطلقاً (٢). إلّا أنّه غير تامّ ، فإنّه لم يرد في الكافي ما يمكن جعله دليلاً لكلام الشهيد (قدس سره) غير صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وقد عرفت الحال فيها.

وأمّا المقام الثاني : فلا يخفى أنّ النصوص الواردة في المقام على طائفتين :

الأُولى : ما دلّ على الجواز ، كصحيحة معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : المملوك يرى شعر مولاته وساقها؟ قال : «لا بأس» (٣).

وصحيحة إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال : «نعم ، وإلى ساقها» (٤).

__________________

(١) راجع ص ٣٣ ه‍ ٢.

(٢) مسالك الأفهام ٧ : ٥٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٤ ح ٣.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٤ ح ٦.

٧٤

النظر إلى مالكته أو غيرها (١) كما لا يجوز للعنِّين والمجبوب

______________________________________________________

الثانية : ما دلّ على عدم الجواز ، كصحيحة يونس بن عمار ويونس بن يعقوب جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي‌ء من جسدها إلّا إلى شعرها غير متعمّد لذلك» (١).

والظاهر أنّ استثناء الشعر ليس من جهة حرمة النظر إلى سائر أعضائها حتى ولو لم يكن متعمداً ، إذ لا كلام في عدم حرمة ذلك ، بل ذلك من جهة أنّ وقوع النظر غير العمدي إلى الشعر أمر يتفق حصوله في الخارج كثيراً ، فإنّ من المتعارف كشف المرأة رأسها في المنزل بخلاف سائر أعضائها فإنّها مستورة بثيابها ، فلا يتّفق وقوع النظر غير العمدي إليها إلّا نادراً.

وحيث أنّ المعارضة بين هاتين الطائفتين مستحكمة ، إذ لا مجال للجمع بين «لا بأس» و «لا يحل» فلا بدّ من الرجوع إلى قواعد باب التعارض.

وعليه فلما كانت الطائفة الثانية هي الموافقة لكتاب الله ، حيث عرفت أنّ الآية الكريمة تدلّ على عدم الجواز ، فلا بدّ من العمل بها وطرح الطائفة الأُولى. على أنّ الطائفة الأُولى هي الموافقة للعامّة ، حيث يلتزمون بجواز نظر العبد إلى مولاته ، فتكون مخالفة الطائفة الثانية للعامّة مرجحاً آخر لها ، فتحمل الطائفة الأُولى على التقيّة لا محالة.

ومن هنا يتضح أنّه لا داعي لتوجيه ترجيح الثانية على الاولى بإعراض المشهور عنها ، فإنّ فيه ما قد عرفته مراراً.

(١) والكلام فيه تارة فيما يستفاد من قوله تعالى (أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (٢) ، وأُخرى فيما يستفاد من النصوص.

أمّا المقام الأوّل : فقد استدلّ بالآية الكريمة على عدم وجوب التستّر من الخصي

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٤ ح ١.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٣١.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وجواز إبداء الزينة له ، باعتبار أنّه من مصاديق (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) نظراً إلى أنّ معناه من لا يطمع في النساء وليس بحاجة إليهن.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ المستثنى في الآية الكريمة من حرمة الإبداء ليس مطلق (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) وإنّما خصوص التابعين ، ومن الواضح أنّ المتفاهم العرفي من التابع من لا استقلال له فيختصّ الحكم به ، كالعبد الخصي أو المجبوب أو كبير السن.

وهذا المطلب أعني كون المستثنى خصوص التابعين لم أجد من تنبّه إليه من قبل حيث لم يذكر في كلماتهم.

نعم ، استظهر العلّامة (قدس سره) الجواز في خصوص العبد الخصي (١) وتابعه على ذلك المحقق الكركي (٢).

هذا كلّه لو كنّا نحن وهذه الآية المباركة فقط ، إلّا أنّه قد ورد في جملة من النصوص الصحيحة تفسير (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) بالأحمق.

ففي صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله عزّ وجلّ (أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) قال : «الأحمق الذي لا يأتي النساء» (٣).

وفي صحيحة عبد الرّحمن عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) قال : «الأحمق المولّى عليه الذي لا يأتي النساء» (٤).

ومن الواضح أنّه بعد صراحة هاتين الصحيحتين وغيرهما ، لا مجال للتمسك بإطلاق الآية الكريمة لإثبات الحكم لمطلق التابع الذي لا رغبة له في النساء ، بل لا بدّ من الاقتصار على مدلولهما مقيدين إطلاق الآية الكريمة بذلك.

وأمّا المقام الثاني : فالنصوص الواردة على طائفتين

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٧٤.

(٢) جامع المقاصد ١٢ : ٣٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١١ ح ١.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١١ ح ٢.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُولى : ما تدلّ على الجواز ، كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قناع الحرائر من الخصيان ، فقال : «كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (عليه السلام) ولا يتقنعن». قلت : فكانوا أحراراً؟ قال : «لا». قلت : فالأحرار يتقنع منهم؟ قال : «لا» (١).

الثانية : ما تدلّ على عدم الجواز ، كصحيحة عبد الملك بن عتبة النخعي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أُم الولد ، هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال : «لا يحلّ ذلك» (٢).

وهي من حيث السند صحيحة ، فإنّ عبد الملك بن عتبة النخعي قد وثّقه النجاشي صريحاً في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، وذكر أن الكتاب الذي نسب إليه هو للأول (٣).

وأما من حيث الدلالة فلا يخفى أنّ السؤال فيها عن نظر الخصي إلى أُم الولد وهي تغتسل ، ومن الواضح أنّ كلمة (تغتسل) إن لم تكن ظاهرة في كشف تمام البدن فلا أقلّ من احتمال ذلك فيها ، وعليه فتكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام ولا تعارض صحيحة ابن بزيع لاختلاف موضوعها ، حيث إنّ الكلام في جواز نظره إلى الشعر خاصّة لا تمام الجسد فإنّه مقطوع العدم.

وصحيحة محمد بن إسحاق ، قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) قلت : يكون للرجل الخصي يدخل على نسائه فيناولهنّ الوضوء فيرى شعورهنّ ، قال : «لا» (٤).

وهي صحيحة السند أيضاً ، فإنّ محمد بن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن عمّار الثقة كما صرح بذلك الشيخ الصدوق (قدس سره) (٥) ، ويشهد له رواية ابن أبي

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٥ ح ١.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٩ ترجمة برقم ٦٣٥.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٥ ح ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٠٠ / ١٤٣٤.

٧٧

بلا إشكال (١) بل ولا لكبير السن الذي هو شبه القواعد من النساء على الأحوط (٢).

______________________________________________________

عمير عنه كثيراً.

فهذه الصحيحة تدلّ على عدم الجواز بكلّ وضوح ، فتتعارض مع صحيحة ابن بزيع لا محالة ، وحيث لا يمكن الجمع بينهما بحمل الثانية على الكراهة لما تقدّم مراراً من أنّ الملاك والميزان في الجمع العرفي هو جواز جمعهما في جملة واحدة من دون استلزام للتهافت والتناقض ، وهذا الملاك غير موجود فيما نحن فيه ، إذ لا يمكن الجمع بين «لا» وبين «كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (عليه السلام) ولا يتقنعن» فلا بدّ من إعمال قواعد باب التعارض.

ومن هنا تترجح الطائفة الثانية على الاولى حيث إنّها موافقة للكتاب العزيز ، لما تقدّم من أنّ مقتضاه حرمة إبداء الزينة لكل أحد إلّا من استثني كالزوج ، وحيث أنّ الخصي خارج عن المستثنى كما عرفت فيبقى على عموم المنع لا محالة.

على أن الحكم بالجواز موافق للعامة على ما ذكره الشيخ (قدس سره) (١) كما يشهد له إعراضه (عليه السلام) عن الإجابة على ذلك في بعض الأحيان (٢) فيتعيّن حمل الطائفة الأُولى على التقية.

(١) وقد ظهر الحكم فيهما مما تقدّم في الخصي ، فإنّه لا دليل فيهما على الجواز بعد تفسير الآية المباركة بالأحمق على ما ورد في النصوص.

(٢) بل الأقوى لما تقدم.

وما ذكره الفاضل المقداد في كنز العرفان من أنّ المروي عن الكاظم (عليه السلام) أنّ المراد ب (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) الشيوخ الذين سقطت شهوتهم وليس لهم حاجة إلى النساء (٣) مرسل ، لا يصلح لتخصيص عمومات حرمة النظر.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٨٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٨٠ / ١٩٢٧.

(٣) كنز العرفان ٢ : ٢٢٣.

٧٨

[٣٦٧٠] مسألة ٣٨ : الأعمى كالبصير في حرمة (*) نظر المرأة إليه (١).

[٣٦٧١] مسألة ٣٩ : لا بأس بسماع صوت الأجنبية (٢) ما لم يكن تلذّذ

______________________________________________________

(١) وهو إنما يتمّ بناء على ما اختاره جماعة من حرمة نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي ، إذ على ذلك لا خصوصية للبصير نظراً إلى أن العبرة بنظر المرأة نفسها لا بنظر الرجل ، كما هو واضح.

وأما بناء على ما اخترناه من جواز نظرها إلى مثل الرأس والوجه والرقبة واليدين والساقين من الرجل ، لقيام السيرة القطعية على ذلك ، فلا يختلف الحال بين كون الرجل أعمى أو بصيراً أيضاً.

وأما مرفوعة أحمد بن أبي عبد الله ، قال : استأذن ابن أُم مكتوم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعنده عائشة وحفصة ، فقال لهما : «قوما فادخلا البيت». فقالتا : إنّه أعمى. فقال : «إنْ لم يركما فإنّكما تريانه» (١).

ومرسلة أُمّ سلمة ، قالت : كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعنده ميمونة ، فأقبل ابن أُم مكتوم وذلك بعد الأمر بالحجاب ، فقال : «احتجبا». فقلنا : يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه» (٢).

فلا تصلحان للاستدلال بهما ، لضعف سندهما بالرفع في الاولى والإرسال في الثانية. على أنه لو فرض صحتهما من حيث السند ، فمن المحتمل قريباً كون الحكم أخلاقياً مختصاً بنساء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فلا تدلّان على ثبوت الحكم لمطلق النساء.

(٢) نسب القول بالحرمة إلى المشهور ، واستدل له :

أوّلاً : بأنّ صوت المرأة كبدنها عورة.

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه [في المسألة ٣٦٦٣].

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٩ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٩ ح ٤.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانياً : بالروايات الناهية عن ابتداء الرجل بالسلام على المرأة ، كموثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تبدؤوا النساء بالسلام ، ولا تدعوهن إلى الطعام ، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : النساء عيّ وعورة ، فاستروا عيّهنّ بالسكوت ، واستروا عوراتهنّ بالبيوت» (١).

وفيه :

أمّا الأول : فهي وإنْ كانت كلمة مشهورة بينهم ، إلّا أنّها لم ترد في شي‌ء من النصوص ، فلا وجه لجعلها دليلاً.

وأمّا الثاني : فلأنّ هذه الروايات غير ناظرة للنهي من حيث عدم جواز سماع صوتهن ، وإنّما النهي من أجل منع إظهار المودّة والمحبّة لها ، كما يشهد لذلك ما ورد من «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يسلِّم على النساء وكان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ ، ويقول : أتخوّف أن يعجبني صوتها ، فيدخل عليَّ أكثر مما طلبت من الأجر» (٢).

فهذه الرواية تكشف بوضوح عن أنّ النهي عن ابتدائهن بالسلام ليس من أجل عدم جواز سماع صوتهن ، وإنّما ذلك من أجل المنع عن إظهار المحبة لهن ، وإلّا فلو كان النهي من أجل حرمة سماع صوتهن ، لكان الأَوْلى تعلّق النهي بجواب المرأة وتوجيه الخطاب إليها ، فإنّه أنسب بحرمة سماع صوتها من نهي الرجل عن ابتدائها بالسلام ، كما هو أوضح من أن يخفى.

وعلى هذا فلا تدلّ هذه الرواية على حرمة سماع صوتها والكلام معها إذا لم يكن في ذلك إظهار المحبة والمودة.

وعليه فلا مانع من الالتزام بالجواز لقصور ما استدل به للحرمة عن إثبات المدّعَى ، بل لوجود الدليل على ذلك ، وهو مضافاً إلى السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) حيث كانت النساء تتكلّم مع الرجال من دون تقيد بحالة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٣١ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٣١ ح ٣.

٨٠