موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

أو قبله (١). ولا يحرم بذلك وطء الاولى وإن كان قد دخل بالثانية (٢).

نعم ، لو دخل بها مع الجهل بأنّها أُخت الاولى ، يكره له وطء الاولى قبل خروج الثانية من العدّة ، بل قيل يحرم ، للنص الصحيح (٣) وهو الأحوط (*) (٤).

[٣٧٧٩] مسألة ٤٣ : لو تزوّج بالأُختين ولم يعلم السابق واللّاحق ، فإنْ علم تاريخ أحد العقدين حكم بصحّته (**) (٥)

______________________________________________________

ثم لو لم يتم هذا الحمل فلا بدّ من رفع اليد عن هذه الصحيحة ، لمعارضتها لصحيحتي زرارة الموافقتين للكتاب والسنة.

(١) لإطلاق النصوص.

(٢) لما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال».

(٣) وهو صحيحتا زرارة المتقدمتان.

(٤) بل هو الأقوى ، إذ لا موجب لرفع اليد عن ظاهرهما وحملهما على الكراهة فإنّه لا معارض لهما. وإعراض الأصحاب على أنّه لم نقل بوهنه للحجية لم يثبت حيث ذهب إلى الحرمة كل من الشيخ (١) وابن البراج (٢) وابن حمزة (٣).

(٥) وكأنّه لاستصحاب عدم العقد على الأُخت المجهول تاريخ عقدها إلى حين وقوع العقد على الأُخت المعلوم تاريخ عقدها ، ولا يعارض ذلك استصحاب عدم العقد على الأُخت المعلوم تاريخ عقدها إلى حين العقد على الأُخت المجهول تاريخ عقدها ، فإنّ مثل هذا الاستصحاب لا يجري إذ لا شكّ في عمود الزمان ، فإنّه لا شكّ في زمن العقد بالنسبة إلى معلوم التاريخ ، فإنّ العقد ذلك التاريخ معلوم العدم وعنده معلوم التحقّق ، فلا شكّ فيه في زمان كي يتمسك لإثباته بالاستصحاب.

__________________

(*) لا يُترك بل هو الأظهر.

(**) فيه إشكال بل منع ، وذلك بيما بنينا عليه من معارضة الاستصحابين في أمثال المقام.

(١) راجع النهاية : ٤٥٤ و ٤٥٥ و ٤٥٦.

(٢) المهذّب ٢ : ١٨٤ و ١٨٥ و ١٨٦.

(٣) الوسيلة : ٢٩٣.

٣٤١

دون المجهول. وإن جهل تاريخهما حرم عليه وطؤهما (١) وكذا وطء إحداهما (٢) إلّا بعد طلاقهما ، أو طلاق الزوجة الواقعية منهما ، ثم تزويج من شاء منهما بعقد جديد (٣) بعد خروج الأُخرى من العدّة إن كان دخل بها أو بهما.

وهل يجبر على هذا الطلاق دفعاً لضرر (٤) الصبر عليهما؟ لا يبعد ذلك (*) ،

______________________________________________________

إلّا أنّنا ذكرنا في محلّه من المباحث الأُصولية مفصلاً أنّ ذلك غير تام وإن ذهب إليه بعض أكابر المحققين ، فإنّ العلم بالتاريخ وإن كان يمنع من جريان الاستصحاب بالنسبة إلى عمود الزمان حيث لا شكّ فيه ، إلّا أنّه لا يمنع من جريانه بالقياس إلى حادث آخر كما هو الحال في المقام حيث يشكّ في تقدم العقد على الأُخت المجهول تاريخ عقدها على العقد على هذه وتأخره عنه ، فلا مانع من الالتزام بجريانه.

فيقال : إنّ مقتضى الاستصحاب عدم وقوع العقد على الأُخت المعلوم تاريخ عقدها إلى زمان وقوع العقد على هذه ، فإنّ اليقين بعدم كونها زوجة له سابقاً متحقّق ، والشكّ في تحققه في زمان العقد على الثانية وجداني ، فيستصحب ، وبذلك يكون معارضاً لاستصحاب عدم العقد على الأُخت المجهول تاريخ عقدها إلى حين وقوع العقد على الأُخت المعلوم تاريخ عقدها ، فيتساقطان لا محالة ، ويكون مقتضى العلم الإجمالي حينئذ حرمة الاستمتاع بهما معاً تحصيلاً للموافقة القطعية.

(١) للعلم الإجمالي بعد تساقط الاستصحابين بالتعارض.

(٢) تحصيلاً للموافقة القطعية.

(٣) أو يطلّق إحداهما المعينة ويصبر حتى انقضاء عدّتها ثم يتزوج الأُخرى ، فإنّها تحل له حينئذ قطعاً ، لأنّها إن كانت زوجة له من الأول فالعقد الثاني لا يقتضي تحريمها ، وإن كانت أجنبية حلّت له بهذا العقد.

(٤) يظهر من هذا التعبير أنّه (قدس سره) يتمسك لإثبات وجوب الطلاق بقاعدة نفي الضرر.

إلّا أنّ فيه ، مضافاً إلى أنّ الضرر ليس في الزوجية نفسها كي يلتزم بارتفاعها وإنّما

__________________

(*) لا دليل عليه ، والآية الكريمة على ما فسّرت راجعة إلى النّفقة ، فإذن ينتهي الأمر إلى القرعة.

٣٤٢

لقوله تعالى (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١).

______________________________________________________

هو في الأحكام المترتبة عليها ، أنّ روايات قاعدة نفي الضرر على ما تقدم بيانه غير مرة إنّما تقتضي نفي الحكم المترتب عليه الضرر خاصة من دون أن تتكفل إثبات حكم آخر يرتفع به الضرر ، ومن هنا فلا يمكن إثبات وجوب الطلاق بدليل نفي الضرر. على أنّ إلزام الزوج بطلاقهما ودفع نصف المهر لكل منهما ، ضرر على الزوج على حدّ تضرره بإبقاء المرأتين والإنفاق عليهما ، فيحتاج إثباته إلى الدليل.

(١) وهذا المضمون قد ورد في عدّة موارد من الكتاب العزيز.

منها : قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١). والظاهر منها أنّ الفاء فيها للتفريع ، بمعنى أن بعد تطليق الزوجة مرتين إما أن يمسكها بمعروف فيتزوّجها ويبقيها زوجة له من غير إضرار إليها ، أو يطلقها الطلاق الثالث كما دلّت عليه موثقة الحسن بن فضال. وهي بهذا المدلول أجنبية عن محلّ الكلام ، إذ لا دلالة فيها على وجوب الطلاق على الزوج ، فيما إذا لم يمكنه القيام بالاستمتاعات الجنسية لبعض المحاذير الشرعية.

ومنها : قوله تعالى (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٢). وهي كما تراها ظاهرة الدلالة في أنّ الإمساك بالمعروف إنّما يكون بعد طلاقها وبلوغها الأجل ، الذي هو عبارة عن انقضاء عدّتها وخروجها منها ، فيكون مفادها أن للرجل بعد انقضاء عدّة زوجته الخيار في أن يتزوّجها من غير قصد الإضرار بها ، أو أن يغض النظر عنها كي تتزوج هي ممن شاءت.

وبهذا المضمون وردت عدة آيات أُخر ، فقد قال الله عزّ وجلّ (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٢٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٣١.

٣٤٣

 .................................................................................................

______________________________________________________

بِالْمَعْرُوفِ) (١). فإنّها واردة فيما بعد الطلاق وانقضاء العدّة بكل وضوح.

وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢). فإنّها واردة في عدم جواز منعها من الزواج بعد انقضاء عدّتها.

ومن هنا فحمل الآية الكريمة على الرجوع في أثناء العدّة ، أو استفادة لزوم الطلاق منها ، بعيد جدّاً فإنّها أجنبية عن ذلك بالمرة. على أنّ في بعض الروايات تفسير هذه الآية بلزوم قيام الزوج بكسوة زوجته وشؤونها بحسب ما هو اللّائق بحالها وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سنداً ، إلّا أنّ جملة من النصوص المعتبرة قد تضمنت هذا المضمون.

والحاصل أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى وجوب الطلاق على الزوج عند تركه للأُمور الجنسية والاستمتاع بزوجته ، وإنّما يجب ذلك عند تخلفه عن القيام بنفقتها على تفصيل يذكر في محلّه بل قد صرح بذلك في روايتين ، هما :

أوّلاً : رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ولم ينفق عليها ولم تدر أحيّ هو أم ميّت ، أيجبر وليه على أن يطلقها؟ قال : «نعم ، وإن لم يكن له وليّ طلقها السلطان». قلت : فإن قال الولي : أنا أُنفق عليها؟ قال : «فلا يجبر على طلاقها». قال : قلت : أرأيت إن قالت : أنا أُريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال : «ليس لها ذلك ، ولا كرامة إذا أنفق عليها» (٣).

إلّا أنّها ضعيفة سنداً لورود محمد بن الفضيل فيه.

ثانياً : معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سئل عن المفقود ، فقال : «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي ، أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٣٢.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٣٤.

(٣) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب ٢٣ ح ٥.

٣٤٤

وربّما يقال : بعدم وجوب الطلاق عليه وعدم إجباره ، وأنّه يعيّن بالقرعة. وقد يقال : إنّ الحاكم يفسخ نكاحهما (١).

______________________________________________________

فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته». قال : قلت : فإنّها تقول : فإنّي أُريد ما تريد النساء ، قال : «ليس ذاك لها ، ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلقها ، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً» (١).

فإنّها صريحة الدلالة على عدم حقّ الزوجة في المطالبة بالطلاق عند تخلّف الزوج عن الأُمور الجنسية.

إذن فلا يجبر الزوج على الطلاق ، لعدم الدليل عليه. إلّا أنّه ونتيجة لذلك يقع في عدّة محاذير ، فإنّ إبقاءهما معاً والإنفاق عليهما من غير الاستمتاع حتى بواحدة منهما ضرري بالنسبة إليه ، كما أنّه يقع بين المحذورين من جهة علمه الإجمالي بلزوم مقاربته لإحداهما في كل أربعة أشهر مرّة.

على أنّ المحذور لا يختص به ، إذ يلزم كلّاً من المرأتين أن تعامل مع نفسها معاملة الزوجة مع ذلك الرجل ، باعتبار أنّ تنجيز العلم الإجمالي الحاصل للزوج إنّما يختص به ولا يعمّ الزوجات. فإنّ مقتضى استصحاب كل واحدة منهما لعدم العقد على الأُخرى إلى حين وقوع عقدها هو الحكم بصحة عقدها ، ولا يعارضه تمسك الأُخرى بالاستصحاب أيضاً ، فإنّ علمه الإجمالي لا يؤثر في حقهما شيئاً ، فلا بدّ لهما معاً من معاملته زوجاً لهما ، في حين لا يجوز له معاملتهما معاً معاملة الزوجة له ، فتنشأ من هذا الاختلاف في الحكم مشكلة اخرى تضاف إلى ما تقدّم.

بل لعلّ هذا ينافي ما ورد من أنّ المرأة لا تبقى معطلة وبلا زوج.

فلا بدّ من إيجاد حلّ لهذه المشكلة ، والظاهر أنّه منحصر في الالتزام بالقرعة ، فإنّ بها تتميز الزوجة عن غيرها ، وقد ذكرنا في كتابنا (مباني تكملة المنهاج) أنّ أدلة القرعة وافية لشمول المقام بلا محذور (٢).

(١) إلّا أنّه لا دليل عليه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ب ٢٣ ح ٤.

(٢) مباني تكملة المنهاج.

٣٤٥

ثم مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق عليهما ما لم يطلّق (١) ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لكل منهما (٢) وإن كان بعد الدخول فتمامه (٣). لكن ذكر بعضهم أنّه لا يجب عليه إلّا نصف المهر لهما ، فلكلّ منهما الربع في صورة عدم الدخول (٤)

______________________________________________________

(١) أو يعيّن الزوجة منهما بالقرعة.

(٢) إلّا أنّه محكوم بقاعدة «لا ضرر» ، فإنّها جارية في المقام. وإن كان يظهر من صاحب الكفاية (قدس سره) وغيره الالتزام بعدم جريانها في أمثال المقام (١) نظراً إلى أنّها ناظرة إلى الأحكام الشرعية خاصة دون الأحكام العقلية والتي منها الاحتياط. غير أنّه قد تقدمت غير مرة منّا الإجابة على ذلك ، باعتبار أنّ لزوم الاحتياط إنّما هو من لوازم الحكم الشرعي بدفع نصف المهر إلى الزوجة الواقعية فتشمله القاعدة وعليه فلا يجب الاحتياط بدفع نصف المهر إلى كل منهما.

(٣) فيجب عليه دفع المسمّى للزوجية والمثل للوطء شبهة ، إلّا أنّه لما لم يكن يميز الموطوءة بالزوجية عن الموطوءة شبهة ، فلا مناص من الرجوع إلى القرعة لتعيين مستحق كل منهما.

(٤) وكأنّه لقاعدة «العدل والإنصاف» نظير ما يذكر في جواز صرف بعض المال في مقدمات إيصاله إلى مالكه ، فيقال بجواز دفع بعض المال إلى غير مالكه مقدّمة للعلم بوصول بعضه الآخر إلى المالك.

إلّا أنّه لا مجال للاعتماد عليها ، إذ لا وجه لقياس المقدمات العلمية على المقدّمات الموجبة لتحقّق الإيصال في الخارج ، فإنّ الفرق بينهما واضح. فإنّ وصول المال في الثاني يتوقّف حقيقة على صرف بعضه وإعطائه إلى غير مالكه ، في حين أنّه في الأوّل لا يتوقّف على ذلك ، وإنّما الذي يتوقّف عليه هو خصوص العلم به ، ومن هنا فلا مجال لقياسه عليه والتعدِّي عن مورد النص.

__________________

(١) كفاية الأُصول.

٣٤٦

وتمام أحد المهرين لهما في صورة الدخول (*) (١). والمسألة محل إشكال ، كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات.

[٣٧٨٠] مسألة ٤٤ : لو اقترن عقد الأُختين ، بأن تزوجهما بصيغة واحدة ، أو عقد على إحداهما ووكيله على الأُخرى في زمان واحد ، بطلا معاً (٢). وربّما يقال : بكونه مخيّراً (**) في اختيار أيهما شاء ، لرواية (٣)

______________________________________________________

إذن فلا بدّ من تعيينها بالقرعة ، لكون المقام من مصاديق الأمر المشكل.

(١) وقد عرفت الوجه فيه ومناقشته.

(٢) للقاعدة ، فإنّ الجمع بينهما غير جائز ، وترجيح إحداهما على الأُخرى من غير مرجح.

(٣) هي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل تزوج أُختين في عقدة واحدة ، قال : «يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأُخرى». وقال في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة ، قال : «يخلي سبيل أيتهنّ شاء» (١).

فإنّها صريحة الدلالة على المدعى. وهي صحيحة السند على ما ذكرها الصدوق (قدس سره) (٢) وإن كانت مرسلة أو ضعيفة على ما رواها الكليني (٣) والشيخ (قدس

__________________

(*) إذا فرض الدخول فيهما معاً وجب عليه تمام المهر لكل منهما ، غاية الأمر أنّ أحد المهرين مهر المثل والآخر مهر المسمّى ، وتعيّن ذلك إنّما هو بالقرعة ، وكذا الحال في فرض عدم الدخول فإنّ نصف المهر يتعيّن بالقرعة.

(**) لا تبعد صحّة هذا القول ، فإنّ الرواية صحيحة وظاهرة الدلالة ، وقد عمل بها جماعة من الأصحاب ، فلا وجه لحملها على خلاف ظاهرها ، هذا في الصورة الأُولى ، وأمّا الصورة الثانية فلا تبعد صحّة عقد نفسه فيها ، وبما ذكرنا يظهر ما في الحكم ببطلانهما في فرض الشك في السبق والاقتران ، وعليه فإن كان محتمل السبق عقد إحداهما معيّنة فيؤخذ به ، وإن كانت غير معيّنة فالمرجع هو القرعة لتعين السبق والاقتران.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٥ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٥ / ١٢٦٠.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣١.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

سره) (١) ، إلّا أنّ هذا الضعف لا يضرّ بالسند المعتبر الذي ذكره الصدوق (قدس سره).

نعم ، قد يتوهّم أنّ الرواية لما كانت رواية واحدة في قضية واحدة جزماً فلا بدّ من الالتزام بوقوع الخطأ فيها ، إذ لا يعقل أن يكون جميل بن دراج قد رواها لابن أبي عمير مرتين ، فتارة رواها مرسلاً والأُخرى رواها عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة. وكذا ابن أبي عمير بالنسبة إلى إبراهيم بن هاشم ، وهو بالنسبة إلى ابنه وهكذا. ومن هنا تسقط الرواية عن الحجية لا محالة.

وبعبارة اخرى : إنّ رواية الصدوق (قدس سره) وإن كانت بحسب ظاهرها معتبرة سنداً إلّا أنّها ساقطة عن الحجية ، نتيجة معارضتها لرواية الكليني والشيخ (قدس سره) بعد العلم باتحادهما ووقوع الخطأ في إحداهما جزماً.

إلّا أنّه مدفوع بأنّه لا ينبغي الإشكال في وقوع الاشتباه من إبراهيم بن هاشم ، فإنّ الكليني والشيخ (قدس سره) إنّما يرويان عنه ، وهو يرويها تارة مرسلة وأُخرى مسندة. في حين إنّ رواية الصدوق (قدس سره) لا تنحصر به ، بل هو (قدس سره) إنّما يرويها بإسناده عنه وعن يعقوب بن شعيب ومحمد بن عبد الجبار وأيوب بن نوح عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) بلا واسطة. وهذا يكشف بوضوح عن أنّ الخطأ والاشتباه إنّما كان من إبراهيم بن هاشم.

ثم إنّ هذا كلّه فيما إذا تزوج الأُختين بعقد واحد. وأما الفرض الثاني أعني ما إذا عقد هو على إحداهما ، وزوّجه وكيله من الأُخرى في زمان واحد فلا مجال للقول فيه بالخيار ، وإنْ نسب صاحب الجواهر (قدس سره) إلى القائلين به في هذا الفرض أيضاً. لكنه مشكل جدّاً ، فإنّه لا وجه للتعدي عن مورد النص بعد أن كان الحكم على خلاف القاعدة.

إذن فلا بدّ من الالتزام بالبطلان ، إلّا أنّ الظاهر أنّه يختص بعقد الوكيل دون عقده هو ، وذلك لقصور التوكيل عن شمول التزويج الفاسد الذي لا يُمضى شرعاً ، فإنّ دائرة الوكالة ضيقة ولا تشمله كما هو الحال في سائر المعاملات ، ومن هنا فلا ينسب فعل الوكيل إليه ، ويكون عقده هو بلا مزاحم فيحكم بصحته لا محالة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٨٥ / ١٢٠٣.

٣٤٨

محمولة على التخيير بعقد جديد (١). ولو تزوّجهما ، وشكّ في السبق والاقتران حكم ببطلانهما أيضاً (٢).

______________________________________________________

(١) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (١). إلّا أنّه بعيد غايته ، إذ لا موجب له مطلقاً ، بل هو خلاف ظاهر النص ، فإنّ ظاهره ثبوت الخيار له في إمساك أيتهما شاء خارجاً ومن دون حاجة إلى عقد جديد ، كما يشهد لذلك ذيل الحديث ، فإنّ من تزوج خمساً بعقدة واحدة يبقي أربعاً منهنّ ويخلي سبيل واحدة ، من دون حاجة إلى عقد جديد على اللّاتي أمسكهنّ اتفاقاً.

(٢) يفرض الكلام تارة في صورة العلم بعدم سبق أحد العقدين على الآخر ويشكّ في سبق الآخر عليه واقترانه له ، وأُخرى في صورة احتمال سبق كل منهما على الآخر وتقارنه له.

والظاهر خروج الفرض الأول عن محل كلامه (قدس سره) ، فإنّه ظاهر في احتمال السبق في الطرفين.

وعلى كل فالظاهر في الفرض الأول هو الحكم ببطلان العقد الذي علم عدم سبقه وصحة الآخر. والوجه فيه أن العقد الذي علم عدم سبقه إما مقارن للآخر أو متأخر عنه ، وعلى كلا التقديرين فهو محكوم بالبطلان ، بخلاف العقد الآخر حيث يجري فيه الاستصحاب بلا معارض ، فإنّ الطرف الآخر معلوم اللّحوق أو الاقتران ، فلا يجري فيه استصحاب عدم العقد على أُختها قبل الفراغ من عقدها.

هذا كلّه بناء على ما اختاره الماتن (قدس سره) من الحكم ببطلان العقدين المتقارنين. وأما بناء على ما اخترناه من تخير الزوج بينهما فالأمر كما تقدم أيضاً ، فإنّ الاستصحاب في الآخر جار بلا معارض ، فيحكم بصحته وبطلان عقد التي علم عدم سبق عقدها على الآخر.

وأمّا الحكم في الفرض الثاني فهو كما ذكره (قدس سره) ، بناء على ما اختاره من

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٨٤.

٣٤٩

[٣٧٨١] مسألة ٤٥ : لو كان عنده اختان مملوكتان ، فوطئ إحداهما ، حرمت عليه الأُخرى (١) حتى تموت الأُولى ، أو يخرجها من ملكه (٢) ببيع أو صلح أو هبة أو نحوهما ،

______________________________________________________

بطلان العقدين المتقارنين ، وذلك لعدم إحراز الصحة في كل منهما ، إذ إنّ استصحاب عدم العقد على أُخت هذه المرأة قبل الفراغ من عقدها معارض بمثله في الطرف الآخر ، فيحكم ببطلانهما معاً لا محالة ، ومن هنا فلا يترتب عليهما أي أثر.

هذا ولكن الحكم لا يتم على إطلاقه إلّا بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ ومعلومه كما اخترناه في محلّه فإنّه حينئذ يتعارض الاستصحابان كما عرفت فيحكم ببطلانهما. غير أنّ الماتن (قدس سره) ليس من القائلين بذلك ، فإنّه ممن يرى اختصاص جريان الاستصحاب بمجهول التاريخ ، ومن هنا كان عليه (قدس سره) تقييد الحكم بما إذا كان العقدان معاً مجهولي التاريخ ، وإلّا فلو كان أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً لجرى الاستصحاب في مجهول التاريخ بلا معارض ، ولازمه الحكم بصحته وبطلان الآخر.

هذا كلّه بناءً على الحكم ببطلان العقدين المتقارنين ، كما ذهب إليه الماتن (قدس سره). وأما بناءً على ما اخترناه من تخيّر الزوج بينهما ، فلا موجب للحكم بالبطلان في المقام ، بل لا بدّ من الرجوع إلى القرعة لتعيين السبق والاقتران ، فإنّها لكل أمر مشكل ، والمقام منه. ومن هنا فإن خرجت القرعة بسبق أحد العقدين تعينت صاحبته للزوجية وكانت الأُخرى أجنبية ، وإن خرجت القرعة بالاقتران تخيّر بينهما.

(١) بلا خلاف فيه ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً.

(٢) وتدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة.

كصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «إذا كانت عند الرجل الأُختان المملوكتان فنكح إحداهما ، ثم بدا له في الثانية فنكحها فليس ينبغي له أن ينكح الأُخرى حتى تخرج الاولى من ملكه ، يهبها أو يبيعها فإن وهبها لولده يجزيه» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ١.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها موثقة عبد الغفار الطائي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كانت عنده أُختان فوطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأُخرى ، قال : «يخرجها عن ملكه». قلت : إلى من؟ قال : «إلى بعض أهله». قلت : فإن جهل ذلك حتى وطئها؟ قال : «حرمتا عليه كلتاهما» (١).

فإنّ هاتين الروايتين المعتبرتين وغيرهما من النصوص ، تدلّان على عدم جواز وطء الأُخت الثانية ما لم يخرج مالكهما الاولى عن ملكه.

نعم ، ربّما يستدل لكفاية مجرد اعتزال الاولى في جواز وطء الثانية بصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت عنده جاريتان أُختان فوطئ إحداهما ثم بدا له في الأُخرى ، قال : «يعتزل هذه ويطأ الأُخرى». قال : قلت : فإنّه تنبعث نفسه للأُولى ، قال : «لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه» (٢).

وقد أورد صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّها ليست بحجة في نفسها ، مضافاً إلى مخالفتها للإجماع والنصوص الكثيرة ، الدالة على عدم جواز وطء الثانية ما لم تخرج الاولى عن ملكه (٣).

وما ذكره (قدس سره) من أنّ الرواية ليست بحجة في نفسها غير واضح ولا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ رواتها من الثقات الأجلّاء ، وليس فيهم أحد يمكن الخدشة فيه من حيث الوثاقة.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من كونها مخالفة للإجماع والنصوص ، فهو وإن كان صحيحاً في حدّ ذاته لو تمّت دلالتها على المدعى إلّا أنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى هذه المناقشة. فإنّ هذه المعتبرة ليست مغايرة للنصوص المتقدمة ، إذ الظاهر أنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «هذه» هو الأُخت الثانية لا الاولى ، كما يقتضيه القرب أيضاً ، وإلّا فلو كان المراد هي الأُولى لكان الأنسب بل الصحيح التعبير بـ (تلك) بدلاً عن (هذه).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الجواهر ٢٩ : ٣٨٨.

٣٥١

ولو بأن يهبها لولده (١). والظاهر كفاية التمليك الذي له فيه الخيار (٢) وإن كان الأحوط اعتبار لزومه. ولا يكفي على الأقوى ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية (٣) ، كالتزويج للغير ،

______________________________________________________

ومن هنا فيكون مدلول هذا النص أنّه يجب عليه اجتناب الثانية وعدم مقاربتها ويحل له وطء الأُخرى ، فإن انبعثت نفسه نحو الاولى كما في كلام الإمام (عليه السلام) التي هي الأُخت الثانية كما عرفت ، لم يجز له مقاربتها حتى تخرج تلك أي الاولى عن ملكه.

وعلى هذا فهذا النص من أدلة المنع لا الجواز ، ولا أقل من الإجمال ، فلا تكون دالّة على خلاف ما دلّت عليه النصوص المعتبرة.

ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا بدلالتها على خلاف ما دلت عليه تلك النصوص ، فلا حاجة في إسقاطها إلى القول بأنّها مخالفة للإجماع أو غيره ، فإنّ في مقام المعارضة تترجح صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها لكونها الموافقة للكتاب والسنة ، فإنّ وطء الثانية مع مجرد اعتزال الاولى من الجمع بين الأُختين وهو محرم كتاباً وسنّة.

(١) كما دلّت عليه صحيحة عبد الله بن سنان ، ومعتبرة عبد الغفار الطائي وغيرهما.

(٢) لإطلاقات النصوص ، فإنّ مقتضاها كون العبرة في جواز وطء الثانية بمجرّد إخراج الأُولى عن ملكه ، وحيث إنّ هذا العنوان متحقق مع الإخراج الجائز فلا موجب للقول بعدم الجواز.

ودعوى أنّ الملاك في جواز وطء الثانية هو عدم تمكن المالك من وطء الاولى وحيث إنّه غير متحقق في المقام لإمكان جواز الرجوع فيها فلا يجوز له وطء الثانية.

غير مسموعة ، فإنّها استحسان محض ، ولا تصلح لتقييد الإطلاقات.

(٣) لما تقدّم أيضاً ، فإنّ مقتضي إطلاقات أدلة المنع عدم الفرق بين جواز مقاربته للأُولى وعدمه ، بل لا يجوز له وطء الثانية ما لم تخرج الاولى عن ملكه. ودعوى كون المنع من المقاربة بمنزلة الإخراج ، استحسان محض ولا مجال للمساعدة عليه.

٣٥٢

والرّهن (١) والكتابة ، ونذر عدم المقاربة ، ونحوها. ولو وطئها من غير إخراج للأُولى لم يكن زنا (٢) فلا يحد ويلحق به الولد (٣). نعم ، يعزّر (٤).

[٣٧٨٢] مسألة ٤٦ : إذا وطئ الثانية بعد وطء الاولى ، حرمتا عليه مع علمه بالموضوع والحكم (٥).

______________________________________________________

(١) بناءً على ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز وطء الراهن للأَمة المرهونة. وأما بناءً على ما اخترناه من الجواز لكون ما استدلّ به نبوياً مرسلاً فلا يكون الرهن من مصاديق المنع من المقاربة.

(٢) لأنّه كما عرفت مراراً عبارة عن الوطء غير المستحق بالأصالة. وهو غير صادق في المقام ، فإنّ الوطء مستحق له بالأصالة ، لكونها أَمة مملوكة له وإن حرمت عليه بالعارض كالحائض.

(٣) لعدم كونه زانياً.

(٤) لارتكابه ما هو من الكبائر.

(٥) ذكر صاحب المسالك (قدس سره) على ما نقله عنه في الجواهر أنّه يظهر من المحقق (قدس سره) وجود القائل بحرمة الاولى وحلية الثانية حينئذ ، ثم أورد عليه بأنّه لم يظهر لهذا القول قائل بل لم ينقله سوى المصنف (١). وأما المحقق نفسه فقد اختار بقاء الاولى على الحلّية والثانية على الحرمة (٢) وكأنّه لِما ورد من أنّ «الحرام لا يفسد الحلال».

لكن الظاهر أنّ الصحيح في المقام هو ما اختاره الماتن (قدس سره) ، وفاقاً للأكثر. والوجه فيه :

أمّا حرمة الثانية ، فلإطلاقات أدلة المنع ، حيث إنّ مقتضاها عدم الفرق بين الوطء الأوّل وغيره ، مضافاً إلى صحيحة الحلبي الآتية.

وأمّا حرمة الاولى ، فلجملة من النصوص :

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٨٧ ، مسالك الافهام ٧ : ٣٢١.

(٢) الشرائع ١ : ٣٣٩.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل يشتري الأُختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأُخرى بجهالة ، قال : «إذا وطئ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الاولى ، وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أنّها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً» (١).

وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت له اختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الأُخرى ، أيرجع إلى الأُولى فيطأها؟ قال : «إذا وطئ الثانية فقد حرمت عليه الأولة حتى تموت ، أو يبيع الثانية من غير أن

يبيعها من شهوة لأجل أن يرجع إلى الأُولى» (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الأُخرى ، فقال : «إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأُخرى». قلت : أرأيت إن باعها؟ فقال : «إن كان إنّما يبيعها لحاجة ولا يخطر على باله من الأُخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأساً ، وإن كان إنّما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا» (٣).

ومثلها خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٤).

وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل ملك أُختين ، أيطؤهما جميعاً؟ قال : «يطأ إحداهما ، فإذا وطئ الثانية حرمت عليه الاولى التي وطئ حتى تموت الثانية أو يفارقها ، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأُولى ليرجع إليها إلّا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت» (٥). إلى غيرها من النصوص.

والحاصل أنّ المستفاد من مجموع هذه النصوص هو حرمة الأُختين معاً ، فيما إذا وطئ الثانية بعد وطئه للأُولى ، ومن هنا فتخصيص الحكم بالأُولى أو الثانية لا يعرف له وجه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٧.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٩.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٩.

(٥) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ١٠.

٣٥٤

وحينئذ فإنْ أخرج الأُولى عن ملكه حلت الثانية مطلقاً (١) وإن كان بقصد الرجوع إليها (٢). وإن أخرج الثانية عن ملكه ، يشترط في حلّية الاولى أن يكون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلى الأُولى (٣) وإلّا لم تحلّ.

وأمّا في صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حكماً ، فلا يبعد بقاء الاولى على حلِّيّتها والثانية على حرمتها (٤) وإن كان الأحوط عدم حلِّيّة الأُولى إلّا بإخراج الثانية (٥)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف في ذلك بينهم ، وتدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها.

(٢) لإطلاق الأدلة.

(٣) لصحيحتي أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدمتين ، وغيرهما من النصوص. فيكون الحكم ثابتاً على نحو التعبد ، وبه تقيد القواعد المقتضية للحل بمجرّد إخراج الثانية عن ملكه ، نظراً لارتفاع محذور الجمع بين الأُختين.

(٤) لصحيحة الحلبي المتقدمة ، فإنّها صريحة في التفصيل بين فرض العلم والجهل وعدم حرمة الاولى فيما إذا كان وطؤه للثانية عن جهالة.

(٥) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (١) ، مستنداً إلى معتبرة عبد الغفار الطائي المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كانت عنده أُختان فوطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأُخرى ، قال : «يخرجها عن ملكه». قلت : إلى من؟ قال : «إلى بعض أهله». قلت : فإن جهل ذلك حتى وطئها؟ قال : «حرمتا عليه كلتاهما» (٢).

بدعوى ظهورها في عدم الفرق في الحكم أعني حرمتهما معاً بين صورتي العلم والجهل ، إذ تثبت الحرمة في كلتا الصورتين من غير اختلاف بينهما في هذه الجهة.

نعم ، هما تختلفان في جهة أُخرى غير هذه الجهة هو المحلل ، فإنّ في فرض العلم لا تحلّ الأُولى إلّا بإخراج الثانية عن ملكه لا لغاية الرجوع إلى الأُولى ، وهذا بخلاف

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٨٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٦.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فرض الجهل حيث تحل الاولى بمجرد إخراج الثانية عن ملكه حتى وإن كان ذلك لأجل الرجوع إلى الأُولى.

ومن هنا تكون هذه المعتبرة معارضة لصحيحة الحلبي.

وما قيل من تعيّن العمل بصحيحة الحلبي ، لأنّ رواية الطائي ليست بحجة في نفسها ، غير مسموع ، لما عرفت من أنّ رجال السند كلّهم ثقات أجلّاء ولا مجال للخدشة فيهم.

نعم ، ربّما يجمع بينهما بحمل معتبرة الطائي على الكراهة ، لكونها ظاهرة في ثبوت الحرمة في فرض الجهل ، في حين إنّ صحيحة الحلبي صريحة في الجواز. إلّا أنّه بعيد جدّاً ، فإنّه ليس من الجمع العرفي ، لما عرفت غير مرة أنّ النفي والإثبات إذا وردا في دليلين على عنوان واحد كان الدليلان من المتعارضين لا محالة ، وحيث إنّ المقام من هذا القبيل فلا مجال لحمل النهي فيه على الكراهة.

وكذا الحال فيما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ المراد بقوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي : «لم تحرم عليه الاولى» أنّها لا تحرم في فرض الجهل بمثل ما تحرم في فرض العلم ، إذ في فرض العلم تحرم عليه الاولى ولا تحلّ عليه إلّا بإخراج الثانية عن ملكه لا لغرض الرجوع إلى الأُولى ، وهذا بخلاف فرض الجهل فإنّها تحرم عليه لكنها تحلّ بمجرد إخراج الثانية عن ملكه وإن كان ذلك لأجل الرجوع إلى الأُولى. ومن هنا فلا تكون هذه الصحيحة معارضة لمعتبرة عبد الغفار الطائي الدالة على ثبوت الحرمة (١).

فإنّه بعيد عن العبارة جدّاً وغريب منه (قدس سره).

ثم إنّه قد ذكر أنّ معتبرة عبد الغفّار الطائي تتقدم على صحيحة الحلبي عند المعارضة ، نظراً لموافقتها للإطلاقات ، حيث إنّ مقتضاها عدم الفرق في ثبوت الحرمة بين صورتي العلم والجهل (٢).

وما أفاده (قدس سره) وإن كان مما لا بأس به في نفسه ، إلّا أنّ من الممكن دعوى كون الإطلاقات مقيدة في نفسها حتى مع قطع النظر عن صحيحة الحلبي ومعارضتها

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٩١.

(٢) الجواهر ٢٩ : ٣٩١.

٣٥٦

ولو كان بقصد الرجوع إلى الأُولى. وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم (١).

[٣٧٨٣] مسألة ٤٧ : لو كانت الأُختان كلتاهما أو إحداهما من الزِّنا ، فالأحوط (٢) لحقوق الحكم من حرمة الجمع بينهما في النِّكاح ، والوطء إذا كانتا مملوكتين.

______________________________________________________

على العمل فيما إذا صدر عن جهالة (١) فتكون مقيدة للإطلاقات.

وكيف كان ، فالذي يقتضيه التحقيق هو القول بعدم معارضة صحيحة الحلبي لمعتبرة عبد الغفار الطائي مطلقاً.

وذلك فلأنّ المراد بالجهل في صحيحة الحلبي هو الجهل بالحكم قطعاً ، وذلك قوله (عليه السلام) بعد الحكم بعدم ثبوت الحرمة في فرض الجهالة : «وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أنّها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً» فإنّه يكشف بكل وضوح عن أنّ المراد بالجهل هو ما يقابل العلم بكونها عليه حرام ، المعبّر عنه بالعلم بالحكم.

وهذا بخلاف الجهل المذكور في معتبرة الطائي ، إذ الظاهر من قول السائل بعد جوابه (عليه السلام) بوجوب إخراج الأُولى عن ملكه ولو إلى بعض أهله : (فإن جهل ذلك حتى وطئها) أنّ الجهل إنّما هو في وجود المحلل للثانية بعد وطئه للأُولى وإلّا لكان يختاره ولم يكن يرتكب الحرام ، إلّا أنّ الجهل في أصل الحرمة أو في كونها أُختاً لموطوءته الاولى.

ومن هنا تكون هذه المعتبرة في عداد النصوص المطلقة ، الدالة على ثبوت الحرمة الأبدية لهما معاً عند وطئه للثانية ، من غير تقييد بصورة العلم أو الجهل ، فتقيد بصحيحة الحلبي وصحيحة عبد الصمد لا محالة ، وبذلك تنحلّ مشكلة التعارض بينهما من دون أن تصل النوبة إلى شي‌ء مما قيل.

(١) إلّا أنّه لم يعرف لذلك قائل.

(٢) بل الأقوى ذلك. والوجه فيه أنّه لم ترد حتى ولا رواية ضعيفة تنفي النسب

__________________

(١) الوسائل ، ج ٨ كتاب الصلاة ، أبواب الخلل ، ب ٣٠ ح ١.

٣٥٧

[٣٧٨٤] مسألة ٤٨ : إذا تزوّج بإحدى الأُختين ثمّ طلّقها طلاقاً رجعيا ، لا يجوز له نكاح الأُخرى إلّا بعد خروج الاولى عن العدّة (١). وأما إذا كان بائناً بأن كان قبل الدخول ، أو ثالثاً ، أو كان الفراق بالفسخ لأحد العيوب ،

______________________________________________________

عن المولود بالزنا ، بل المذكور فيها نفي الإرث خاصة. وما ورد من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ناظر إلى مقام الشكّ والخصومة وبيان الحكم الظاهري ، فلا يشمل صورة العلم والقطع بكون الولد للعاهر ، فإنّه حينئذ لا يلحق بصاحب الفراش قطعاً. ومن هنا فلا يبقى دليل يقتضي نفي المولود بالزنا عن الزاني ، بل مقتضى ما يفهم من مذاق الشارع وظاهر بعض الأدلة أنّ النسب موكول إلى العرف. وعليه فحيث إنّه يرى كون المولودتين كلتيهما أو إحداهما من الزنا أُختين ، فلا محالة لا يجوز الجمع بينهما في الوطء وفي النكاح.

ومما يؤيد كون النسب من المواضيع العرفية ، أنّه لم يقل أحد بجواز وطء الرجل للبنت المولودة منه عن الزنا ، فإنّه ليس إلّا لكونه يرى كونها بنتاً له ، وكون ذلك من الأُمور الموكولة له.

(١) وتدلّ عليه مضافاً إلى القاعدة باعتبار أنّها زوجة حقيقة فيكون التزوّج بأُختها في عدّتها من الجمع بين الأُختين جملة من النصوص الصحيحة.

كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل طلق امرأته وهي حبلى أيتزوّج أُختها قبل أن تضع؟ قال : «لا يتزوجها حتى يخلو أجلها» (١). فإنّها لو لم تتم دعوى اختصاصها بالطلاق الرجعي ، فلا أقلّ من كونها شاملة له بالإطلاق.

ويؤيده خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألت عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحلّ له أن يخطب أُختها قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال : «إذا برئت عصمتها منه ، ولم يكن له رجعة ، فقد حلّ له أن يخطب أُختها» (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٨ ح ١.

٣٥٨

أو بالخلع ، أو المبارأة ، جاز له نكاح الأُخرى (١). والظاهر عدم صحّة رجوع الزوجة في البذل بعد تزويج أُختها (٢) كما سيأتي في باب الخلع إن شاء الله. نعم ، لو كان عنده إحدى الأُختين بعقد الانقطاع وانقضت المدّة ، لا يجوز له على الأحوط نكاح أُختها في عدّتها وإن كانت بائنة ، للنص الصحيح (٣).

______________________________________________________

(١) وتدلّ عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أُختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال : «نعم ، قد برئت عصمتها منه ، وليس له عليها رجعة» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلق امرأة أو اختلعت أو بانت ، إله أن يتزوج بأُختها؟ قال : فقال : «إذا برئت عصمتها ، ولم يكن له عليها رجعة ، فله أن يخطب أُختها» (٢). وغيرها من النصوص المعتبرة.

وبهذه الروايات يقيد إطلاق معتبرة زرارة المتقدمة ، فتختص بالعدّة الرجعية لا محالة.

(٢) لما يذكر في محلّه من أنّ ظاهر الأدلة التلازم بين جواز رجوعها في البذل وجواز رجوعه في الطلاق ، فإذا لم يكن له الرجوع بها لم يكن لها الرجوع في البذل.

(٣) وهو معتبرة يونس ، قال : قرأت كتاب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى فينقضي الأجل بينهما ، هل يحلّ له أن ينكح أُختها من قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب : «لا يحلّ له أن يتزوجها حتى تنقضي عدّتها» (٣).

وحيث إنّ هذه المعتبرة صريحة الدلالة على المنع ، فلا بدّ من القول به وتخصيص القواعد العامة المقتضية للجواز ، باعتبار أنّه لا رجوع للزوج بها في العدّة ، فلا يكون التزوّج بالأُخت من الجمع بين الأُختين.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، ب ٤٨ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، ب ٤٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٧ ح ١.

٣٥٩

والظاهر أنّه كذلك إذا وهب مدّتها (١) وإن كان مورد النص انقضاء المدّة.

[٣٧٨٥] مسألة ٤٩ : إذا زنى بإحدى الأُختين ، جاز له نكاح الأُخرى في مدّة استبراء الاولى (٢). وكذا إذا وطئها شبهة جاز له نكاح أُختها في عدّتها ، لأنّها بائنة (٣). نعم ، الأحوط اعتبار الخروج عن العدّة (٤)

______________________________________________________

(١) إذ لا خصوصية لانقضاء الأجل جزماً.

(٢) بلا إشكال فيه ، إذ إنّ الممنوع بحسب النصوص إنّما هو التزويج بالأُخت في زمان العدّة الرجعية للأُولى ، وحيث إنّ الاستبراء ليس منها ، فلا مانع من التزويج بها في هذه العدّة.

هذا كلّه بناءً على وجوب الاستبراء من الزنا. وأما بناءً على القول بعدمه فلا مجال لتوهّم المنع ، وقد عرفت في محلّه أنّ الاستبراء إنّما يجب عليه إذا أراد أن يتزوجها بعد السفاح دون غيره.

(٣) فمقتضى القاعدة فيها الجواز ، حيث لا يصدق الجمع بين الأُختين.

(٤) لصحيحة بريد العجلي ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فزفتها إليه أُختها وكانت أكبر منها ، فأدخلت منزل زوجها ليلاً فعمدت إلى ثياب امرأته فنزعتها منها ولبستها ، ثم قعدت في حجلة أُختها ونحّت امرأته وأطفأت المصباح واستحيت الجارية أن تتكلّم ، فدخل الزوج الحجلة فواقعها وهو يظن أنّها امرأته التي تزوجها ، فلما أن أصبح الرجل قامت إليه امرأته فقالت : أنا امرأتك فلانة التي تزوّجت ، وإنّ أُختي مكرت بي فأخذت ثيابي فلبستها وقعدت في الحجلة ونحّتني ، فنظر الرجل في ذلك فوجد كما ذكر ، فقال : «أرى أن لا مهر للتي دلست نفسها ، وأرى أنّ عليها الحدّ لما فعلت حدّ الزاني غير محصن ، ولا يقرب الزوج امرأته التي تزوج حتى تنقضي عدّة التي دلست نفسها ، فإذا انقضت عدّتها ضمّ إليه امرأته» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٩ ح ١.

٣٦٠