موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

حرمت على الأب (*) (١)

______________________________________________________

(١) وتدلّ عليه روايتان :

الأُولى : رواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل تكون عنده الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة ، هل يجوز لأبيه أن يتزوجها؟ قال : «لا ، إنّما ذلك إذا تزوّجها فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضره ، لأنّ الحرام لا يفسد الحلال ، وكذلك الجارية» (١).

إلّا أنّك قد عرفت فيما تقدم أنّها ضعيفة السند بسهل بن زياد. على أنّ في دلالتها توقفاً ، لأنّها تتضمن تحريم الزوجة لو زنى بها الابن قبل أن يطأها الأب ، وهو مما لم يلتزم به أحد إلّا شاذ ، ومن هنا فلا مجال للاعتماد عليها.

الثانية : معتبرة عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن رجل اشترى جارية ولم يمسها ، فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها فوقع عليها ، فما ترى فيه؟ فقال : «أثم الغلام وأثمت أُمه ، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها» (٢).

وهي معتبرة سنداً ودلالتها على الحرمة واضحة ، فتكون هي المعتمد في المقام.

لكنها معارضة بصحيحتين تدلّان على الجواز ، وهما :

أوّلاً : صحيحة مرازم ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع ، فقال : «أثمت وأثم ابنها ، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له : أمسكها فإنّ الحلال لا يفسده الحرام» (٣).

وهي ولا سيما بملاحظة التعليل المذكور في ذيلها ، شاملة لصورة وقوع الابن عليها قبل وطء الأب لها ، على حدّ شمولها لصورة وقوع الابن عليها بعد وطء الأب لها. فإنّه وبملاحظة التعليل لا يختلف الحال أبداً ، فإنّ الجارية في كلتا الصورتين حلال

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ٤.

٣٢١

وإن كان بعد وطئه لها لم تحرم (١).

______________________________________________________

للأب كما أنّ فعل الابن فيهما حرام. ومن هنا فتكون هذه الصحيحة كالنص في الجواز في المقام ، وعليه فلا يبقى وجه لدعوى تقييدها بمعتبرة الكاهلي.

على أنّ من المطمأنِّ به أنّ القضية واحدة ؛ غاية الأمر اختلف ما سمعه الكاهلي عما سمعه مرازم ، ومن هنا فتكون نسخة النص مختلفة. وحيث لا يعلم أنّ ما صدر من السائل هل كان السؤال عن خصوص فرض وطء الابن للجارية قبل وطء الأب لها ، أم كان السؤال عن الفرض من دون إضافة قيد قبليته عن وطء الأب ، فلا مجال للعمل بهما.

ثانياً : صحيحة زرارة المتقدمة حيث ورد فيها : «إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» (١). فإنّ مقتضى الحصر المذكور فيها عدم ثبوت الحرمة في المقام نظراً لحرمة فعل الابن.

إذن فالنصوص الواردة في المقام متعارضة ، ومقتضى الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة أو الرجوع إلى الأدلة العامة هو العمل بمضمون نصوص الجواز. فإنّ مقتضى قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) وقولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال» هو الجواز ، إذ لم يثبت كون المقام من المستثنى منه في الآية ، كما أنّ المقام مشمول للنص بل هو من أظهر مصاديقه ، فإنّ الجارية حلال للأب فعلاً باعتبار أنّه مالك لها ، وفعل الابن حرام جزماً فلا يقتضي فعله حرمتها على الأب.

ومن هنا فما أفاده (قدس سره) لا يخلو من إشكال بل منع.

على أنّه لا مانع من حمل معتبرة الكاهلي على الكراهة ، ولا يجري فيه ما ذكرناه من أنّه لا مجال لحمل الأحكام الوضعية على الكراهة ، وذلك فلأن السؤال فيها ولا سيما بملاحظة جوابه (عليه السلام) : «ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها» ليس عن نفوذ العقد وعدمه ، وإنّما هو عن جواز الوطء وعدمه ، وفيه لا مانع من الحمل على الكراهة.

(١) بلا خلاف يعتدّ به. وتدلّ عليه مضافاً إلى بعض النصوص الصحيحة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ١.

٣٢٢

وكذا الكلام إذا زنى الأب بمملوكة ابنه (١).

[٣٧٦٦] مسألة ٣٠ : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر (٢).

[٣٧٦٧] مسألة ٣١ : إذا شكّ في تحقق الزنا وعدمه بنى على العدم (٣). وإذا شكّ في كونه سابقاً أو لا بنى على كونه لاحقاً (٤).

[٣٧٦٨] مسألة ٣٢ : إذا علم أنّه زنى بإحدى الامرأتين ، ولم يدر أيتهما هي ، وجب عليه الاحتياط (*) إذا كان لكل منهما أُم أو بنت (٥).

______________________________________________________

المتقدِّمة أنّه المتيقن مما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال».

(١) وهو مشكل جدّاً إذ لا دليل عليه ، فإنّ معتبرة الكاهلي واردة في الابن فالتعدي عنه إلى الأب قياس محض ولا نقول به.

اللهمّ إلّا أن يتمسك لإثباته بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) بدعوى أنّ النكاح ظاهر في الوطء ، إلّا أنّك قد عرفت المناقشة فيه قريباً.

أو يتمسك بصحيحتي أبي بصير وعلي بن جعفر الواردتين في تحريم المزني بها على أب الواطئ وابنه ، بدعوى شمولها لزنا الأب بجارية ابنه ، لكنه ممنوع. على أنّك قد عرفت أنَّهما معارضتان بصحيحة زرارة الدالة على الجواز.

(٢) إذ لا يعتبر في مفهوم الزنا أن يكون الفعل من القبل بل يكفي الإتيان في الدبر أيضاً ، ولذا فلو أتى امرأة أجنبية من دبرها جرى عليه جميع أحكام الزنا من الحد وغيره. على أنّ بعض روايات المقام وإن تضمنت التعبير بالزنا ، إلّا أنّ المذكور في أكثرها عنوان الإفضاء أو الفجور ، وهما أعمّ من الإتيان في الدبر أو القبل جزماً. وعلى كل فالحكم مما لا إشكال فيه.

(٣) لأصالة العدم.

(٤) لأصالة عدم الزنا إلى حين التزويج ، فإنّ بها تثبت الحلية. ولا يعارضها أصالة عدم التزويج إلى حين الزنا ، فإنّها لا تثبت تأخر التزويج على الزنا إلّا بالملازمة ، فتكون أصلاً مثبتاً ولا نقول بحجيته.

(٥) لتنجيز العلم الإجمالي ، حيث إنّ أصالة عدم الزنا ببنت التي يريد التزوّج

__________________

(*) في إطلاقه منع ظاهر.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منها ، معارضة بأصالة عدم الزنا في الأُخرى.

إلّا أنّ ذلك إنّما يتمّ في خصوص ما إذا كان كل من البنتين والأُمين محلّاً لابتلائه بحيث كان من الممكن له التزوّج منها. وإلّا فلو كانت إحداهما خارجة عن محل ابتلائه بحيث لا يمكنه التزوّج منها ، لعدم قدرته على ذلك ، أو بعدها عنه ، أو كونها مزوّجة بالفعل من غيره ، أو محرمة عليه من غير هذه الجهة كالرضاع وشبهه ، فلا مانع من تزوجه من الأُخرى ، لجريان أصالة عدم الزنا ببنتها أو أُمها من دون معارض ، إذ لا أثر لأصالة عدم الزنا بأُم الأُخرى أو بنتها ، ومن هنا فينحل العلم الإجمالي لا محالة.

والحاصل أنّ تنجيز العلم الإجمالي إنّما يتوقف على جريان الأصلين معاً ومعارضتهما ، وإلّا فلو لم يجر الأصل في أحد الطرفين ، لعدم القدرة عليه أو لسبب آخر ، فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً ، ولا مانع من جريان الأصل في الطرف الآخر.

ثم إنّ الظاهر من كلامه (قدس سره) أنّ الزنا بالمرأة كما يوجب تحريم بنت المزنيّ بها يوجب تحريم أُمها أيضاً ، وهذا مما لم يذكره (قدس سره) سابقاً ولعلّ منشأه الغفلة ، وإلّا فمن حكم بتحريم البنت حكم بتحريم الأُم أيضاً.

وكيفما كان ، فقد عرفت فيما تقدم أنّ النصوص الواردة في المقام لم تتضمن الام باستثناء صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليها السلام) ، قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ، أيتزوّج أُمّها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : «لا» (١).

إلّا أنّك قد عرفت أيضاً أنّها معارضة بصحيحة هشام بن المثنى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه سئل عن الرجل يأتي المرأة حراماً ، أيتزوجها؟ قال : «نعم ، وأُمها وابنتها» (٢).

وحيث أنّ الترجيح للثانية نظراً لموافقتها للكتاب ، فلا مجال للاعتماد على الاولى والحكم بمضمونها ، بل المتعيّن هو القول بعدم التحريم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٧.

٣٢٤

وأمّا إذا لم يكن لإحداهما أُم ولا بنت ، فالظاهر جواز نكاح الأُم أو البنت من الأُخرى (١).

[٣٧٦٩] مسألة ٣٣ : لا فرق في الزِّنا بين كونه اختياريّاً ، أو إجباريّاً ، أو اضطراريّاً (*) (٢). ولا بين كونه حال النوم (**) (٣)

______________________________________________________

(١) لجريان أصالة عدم الزنا بأُمها في جانبها بلا معارض ، إذ لا أثر لأصالة عدم الزنا بالأُخرى.

(٢) ولكن الصحيح هو التفصيل بين الأحكام المترتبة على الفاعل نفسه ، وبين الأحكام المترتبة على غيره كأبيه أو ابنه ، حيث لا تثبت الاولى لحديث الرفع ، فإنّ مقتضاه اعتبار موضوع الحكم كأنه لم يقع في الخارج ، فلا يترتب عليه أي حكم أو عقوبة ما لم يدل دليل خاص على ثبوته كالقتل.

والحاصل ان مقتضى الحديث المذكور ، فرض الفعل الصادر من المجبور أو المضطر كالعدم في عالم التشريع ، فلا يترتب عليه أثر.

ويتضح ذلك جلياً بملاحظة ما احتملناه سابقاً بل استظهرناه ، من أنّ الحكم بالتحريم عقوبة للفاعل على ما اقترفه من فعل شنيع ، فإنّ العقوبة إنّما تتناسب مع صدور الفعل منه حراماً ومبغوضاً عليه ، ولا محلّ لها فيما إذا صدر الفعل منه حلالاً.

وبالجملة إنّه بعد عدم ورود دليل خاص في المكره والمضطر في المقام ، يكون حالهما حالهما في سائر موارد الإكراه والاضطرار ، ولا يثبت عليهما شي‌ء.

وهذا بخلاف الأحكام المترتبة على غيره ، فإنّ مقتضى إطلاق الأدلة ثبوتها ، فإنّ الفعل قد صدر من الفاعل عن قصد ، غاية الأمر أنّ قصده هذا ناشئ عن إكراه أو اضطرار ، ومن هنا يختلف الحال عنه في النائم على ما سيأتي.

(٣) لا مجال للمساعدة عليه. وذلك لأنّ مفهوم الزنا والفجور متقوم بالاختيار بمعنى القصد فإنّهما عبارتان عن الوطء من غير استحقاق ، ومن الواضح أنّه متقوم

__________________

(*) نشر الحرمة بالزنا بالنسبة إلى الزاني نفسه في فرض الإكراه أو الاضطرار لا يخلو من إشكال بل منع.

(**) الظاهر عدم شمول الحكم لما إذا كان الواطئ نائماً ، وذلك لاعتبار الاختيار في مفهوم الزنا.

٣٢٥

أو اليقظة. ولا بين كون الزاني بالغاً أو غير بالغ (١)

______________________________________________________

بالقصد فمن دونه لا يصدق الزنا ولا الفجور ، كما أنّ مفهوم الغصب لا يتحقق إلّا بالقصد إذ من دونه لا يكون متعدياً ، بل لا يكون وطؤه بلا قصد وطء شبهة أيضاً.

نعم ، في صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باشر امرأة وقبّل غير أنّه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، فقال : «إن لم يكن أفضى إلى الأُم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها» (١) اعتبار الإفضاء ، فقد يقال إنّه يتحقق بغير اختيار أيضاً.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ الظاهر اعتبار القصد في تحققه أيضاً ، إذ الإفضاء إنّما هو بمعنى الإنهاء ، وبهذا يكون معنى النص أنّ الرجل إذا أنهى عمله إلى الزنا بها فقد حرمت ابنتها ، ومن هنا فلا يبقى هناك نص يدلّ على أنّ الجماع محرم مطلقاً.

وعلى تقدير وجوده كان حال النائم حال المكره والمضطر ، فيفصل بين الأحكام المترتبة عليه وبين الأحكام المترتبة على غيره ، لا لحديث : «رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ» (٢) فإنّه ضعيف السند ، بل لما دلّت عليه النصوص المعتبرة من «أنّ الأعمال بالنيّات» (٣) وإنّ العمل من دون نيّة وقصد كـ (لا عمل) ولا يترتب عليه شي‌ء ، ومن الواضح أنّ فعل النائم من أوضح مصاديقه.

والحاصل أنّ إثبات التحريم بهذا الفعل للنائم مشكل جدّاً ، بل الظاهر عدم ثبوته.

(١) وهو لا يخلو من إشكال ، إذ المذكور في النصوص عنوان الرجل أو الشاب وهما لا يصدقان على غير البالغ قطعاً ، فالتعدي عنهما إليه يحتاج إلى القرينة وهي مفقودة ، نظير ما تقدّم في مسألة اللواط.

نعم ، بناء على القول بتحريم المزني بها على أب الزاني فالنص موجود ، وهو صحيح الكاهلي المتقدم والوارد في المرأة التي أمرت ابنها وهو ابن عشر سنين أن يقع

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ج ١ كتاب الطهارة ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ٤ ح ١١.

(٣) الوسائل ، ج ١ كتاب الطهارة ، أبواب مقدمة العبادات ، ب ٥.

٣٢٦

وكذا المزني بها (١). بل لو أدخلت الامرأة ذكر الرضيع في فرجها نشر الحرمة ، على إشكال (٢).

______________________________________________________

على جارية أبيه ، حيث أمر الإمام (عليه السلام) أن لا يقع الأب عليها (١) ، فإنّه وارد في الصبي حيث أن ابن عشر سنين لا يكون بالغاً والحال أنّه أثبت الحرمة له. إلّا أنّك قد عرفت أنّ نسخ هذا النص مختلفة من حيث الجواز وعدمه ، فلا مجال للاعتماد عليه.

ثم لو فرضنا وجود دليل مطلق على الحرمة ، فلا بدّ من التفصيل بين الأحكام المترتبة عليه والأحكام المترتبة على غيره ، لحديث الرفع.

(١) أما بالنسبة إلى ما التزمنا به من تحريم بنت الخالة عند الزنا بالخالة وألحقنا بها العمة احتياطاً ، فيكفينا إطلاق الدليل ، فإنّ مقتضى إطلاق من زنى بخالته حرمت عليه ابنتها عدم الفرق بين البالغة وغيرها.

وأما في غير الخالة والعمة فإن التزمنا بالحرمة فيها فبالنسبة إلى زنا الابن بجارية أبيه ، فالحكم كذلك أيضاً ، لإطلاق الدليل إذ لم تقيد الجارية في شي‌ء منها بالبالغة.

وأما بالنسبة إلى غير هذا المورد كالزنا بالأجنبية ، فإثبات الحكم للزاني بغير البالغة مشكل جدّاً ، إذ المذكور في الأدلة عنوان المرأة وهي ظاهرة في غيرها. اللهم إلّا أن يقال : إنّ مقتضى ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ، حيث إنّ الحكم ثابت من حيث استناده إلى فاعله وصدوره منه محرماً ، أنّه لا خصوصية للبالغة. وهذه الدعوى غير بعيدة ، إلّا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّا لم نلتزم بثبوت الحرمة في جميع هذه الموارد.

ومن هنا يظهر الفرق بين المقام ومسألة اللواط ، حيث ألغينا خصوصية المرأة هنا وأثبتنا الحكم للزنا بغير البالغة ، في حين لم نرتض إلغاء خصوصية الرجل في اللائط وقلنا إنّ الحكم لا يثبت في لواط الصبي بمثله أو بكبير. فإنّ الحكم لما كان يثبت من حيث استناده إلى فاعله وصدوره منه حراماً ، لم يكن لعنوان المرأة خصوصية ، بخلاف الرجل حيث لا يصدر الفعل من الصبي حراماً.

(٢) قوي جدّاً ، فإنّ الرضيع كالنائم لا قصد له بالمرة ولا ينسب الفعل إليه. كما أنّ

__________________

(١) راجع ص ٣٢٣ ه‍ ٢.

٣٢٧

بل لو زنى بالميتة فكذلك على إشكال (*) (١) أيضاً. وأشكل من ذلك (٢) لو أدخلت ذكر الميت المتصل ، وأما لو أدخلت الذكر المقطوع فالظاهر عدم النشر (٣).

[٣٧٧٠] مسألة ٣٤ : إذا كان الزنا لاحقاً ، فطلقت الزوجة رجعيا ثم رجع الزوج في أثناء العدّة ، لم يعد سابقاً حتى ينشر الحرمة ، لأنّ الرجوع إعادة الزوجية الاولى (**) (٤).

وأمّا إذا نكحها بعد الخروج عن العدّة ، أو طلقت بائناً فنكحها بعقد جديد ، ففي صحة النكاح وعدمها وجهان : من أنّ الزنا حين وقوعه لم يؤثر في الحرمة ، لكونه

______________________________________________________

المذكور في النصوص على ما عرفت هو الرجل والشاب ، فلا وجه للتعدي عنهما إلى الرضيع حتى ولو ارتضينا التعدي عنهما إلى غير البالغ ، وذلك لعدم صدق الزنا أو الإفضاء المذكورين في النصوص ، بل وحتى المجامعة.

(١) لظهور الزنا بالخالة أو الأجنبية في الفعل بالمرأة الحية ، وإلّا فإنّ الميتة لا يصدق عليها عنوان الخالة أو العمة أو ما شاكلهما من العناوين ، إلّا على نحو العناية والمجاز باعتبار أنهن كنّ متصفات بتلك الأوصاف.

(٢) لعدم صدق الزنا ، باعتبار ظهوره في الحي ، ولعدم قصده إلى الفعل.

(٣) بل هو المقطوع به.

(٤) وهو لا يتمّ بناء على حصول البينونة بأصل الطلاق على ما ذهب إليه المشهور فإنّ دعوى أنّ الزوجية هذه هي الزوجية السابقة مبنية على المسامحة العرفية وإلّا فالمعدوم لا يعاد ، فإنّ الزوجية السابقة قد ارتفعت بالطلاق وما حدث فعلاً فهي زوجية جديدة. نظير ما هو ثابت في موارد الفسخ في سائر العقود ، فإنّ الملكية التي تحصل بعد الفسخ ملكية جديدة وليست هي الملكية السابقة.

نعم ، بناء على ما اخترناه من أنّ البينونة لا تحصل إلّا بالطلاق وانقضاء العدّة وإلّا فهي في فترة العدّة زوجة حقيقة ، فالحكم واضح ، فإنّ هذه الزوجية استمرار للزوجية السابقة ، ومن هنا فلا تشمله أدلّة المنع.

__________________

(*) قوي جدّاً بل الظاهر عدم النشر ، وكذا الحال فيما بعده.

(**) بل الزوجيّة الأُولى باقية حقيقة ، والرجوع إبطال لأثر الطّلاق.

٣٢٨

لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أيضاً. ومن أنّه سابق بالنسبة إلى هذا العقد الجديد. والأحوط النشر (١).

[٣٧٧١] مسألة ٣٥ : إذا زوّجه رجل امرأة فضولاً ، فزنى بأُمها أو بنتها ثم أجاز العقد ، فإن قلنا بالكشف الحقيقي كان الزنا لاحقاً (٢) وإن قلنا بالكشف الحكمي أو النقل كان سابقاً (٣).

[٣٧٧٢] مسألة ٣٦ : إذا كان للأب مملوكة منظورة أو ملموسة بشهوة حرمت على ابنه. وكذا العكس على الأقوى فيهما (٤).

______________________________________________________

(١) بل هو الأقوى ، لانعدام الزوجية السابقة وبينونة المرأة عن الرجل ، فيكون هذا النكاح نكاحاً جديداً ، وحيث إنّه مسبوق بالزنا يكون مشمولاً لنصوص المنع لا محالة ، وقد تقدم نظير ذلك في مسألة اللواط.

(٢) فإنّ الكشف الحقيقي : إما أن يكون بمعنى كون الإجازة كاشفة محضاً ، تكشف عن تحقق الفعل في ظرفه من دون أي تأثير للإجازة ، بحيث يكون العقد بنفسه هو المؤثر فقط. وإما أن يكون بمعنى كون الإجازة دخيلة في العقد السابق على نحو الشرط المتأخر ، بحيث يكون الأثر للعقد المقيد بلحوقه بالإجازة ، فجزء الموضوع هو التقيد دون القيد نفسه.

والأول مما لا يمكن الالتزام به ، نظراً لاعتبار الرضا والصدور عن اختيار وولاية على الفعل في تأثير العقد ، فما لم يكن العقد كذلك لا يمكن الحكم بصحته ، وحيث إنّ لازم هذا القول هو تأثير العقد من دون رضا من له الأمر ومن دون استناد الفعل إليه ، فلا يمكن الالتزام به. نعم ، لو قلنا به تنزلاً ، لكان لازمه كون الزنا لاحقاً ، وذلك لتحقق الزوجية قبله.

والثاني وإن كان ممكناً ، فإنّ الشرط المتأخر ممكن بل هو واقع في الخارج ، إلّا أنّ إثباته يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل عليه في المقام. لكن لو التزمنا به كانت نتيجته تأخر الزنا عن التزويج أيضاً.

(٣) لتحقّق الزنا قبل تحقّق الحكم بالزوجية.

(٤) وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصلاً في المسألة الثانية من هذا الفصل

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث قد عرفت أنّ عدّة من النصوص المعتبرة دلت على المنع صريحاً ، كما عرفت أنّ معتبرتي عبد الله بن يحيى الكاهلي وعلي بن يقطين لا تصلحان لمعارضتها. فإنّ الأُولى أجنبية عن محل الكلام ، باعتبار أنّها واردة في لمس الأب لمملوكة ابنه ، فلا تدلّ على الحكم في لمسه لجاريته هو. وأما الثانية فهي مطلقة من حيث لمسه لجاريته أو جارية ابنه ، فتقيد بأدلة المنع. وبذلك تكون النتيجة ما أفاده (قدس سره) في المتن.

ثم إنّ الماتن (قدس سره) لم يتعرض إلى عموم الحكم لصورة ما إذا كان نظره إليها ولمسه لها محرماً كما إذا كانت مزوجة من غيره ، أو في فترة العدّة وعدمه ، إلّا أنّ الذي يظهر من كلامه أنّ الحكم لا يختص بفرض حلّية النظر أو اللمس. وقد خالف في ذلك جماعة ، حيث اختاروا عدم نشر الحرمة بالفعل المحرم ، تمسكاً بما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» ولاختصاص نصوص التحريم بالنظر واللّمس السائغين على ما نسب إلى الجواهر (١).

لكن الصحيح هو ما يظهر من عبارة الماتن (قدس سره) أعني عدم اختصاص التحريم بالنظر واللمس السائغين إذ لا دليل على اختصاص النصوص بالفعل الحلال ، بل مقتضى إطلاق صحيحة محمد بن إسماعيل ، الواردة في الرجل إذا قبّل جاريته بشهوة حيث أجابه (عليه السلام) بأنّه : «ما ترك شيئاً» عدم الفرق بين التقبيل الحلال والحرام ، وبذلك يقيد إطلاق ما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال».

نعم ، قد يكون مستند صاحب الجواهر (قدس سره) فيما اختاره هو معتبرة عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في الرجل تكون عنده الجارية يجرّدها وينظر إلى جسمها نظر شهوة ، هل تحلّ لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحلّ لابنه؟ قال : «إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحلّ للأب» (٢).

فلعلّه (قدس سره) قد استظهر من قوله (عليه السلام) : «نظر منها إلى ما يحرم على غيره» أنّ النظر كان بالنسبة إليه حلالاً ، فيكون مفهومه أنّ النظر إذا كان بالنسبة

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٧٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣ ح ٦.

٣٣٠

بخلاف ما إذا كان النظر أو اللمس بغير شهوة (١) كما إذا كان للاختبار أو للطبابة أو كان اتفاقياً ، بل وإن أوجب شهوة أيضاً (٢).

نعم ، لو لمسها لإثارة الشهوة كما إذا مسّ فرجها أو ثديها أو ضمّها لتحريك الشهوة فالظاهر النشر (٣).

[٣٧٧٣] مسألة ٣٧ : لا تحرم أُمّ المملوكة الملموسة والمنظورة على اللّامس والناظر على الأقوى (٤) وإن كان الأحوط الاجتناب. كما أنّ الأحوط اجتناب الربيبة الملموسة أو المنظورة أُمّها وإن كان الأقوى عدمه (٥).

______________________________________________________

إليه حراماً لم تحرم لابنه. إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ مفهوم القضية المذكورة في النص ليس هو ما ذكر ، بل غاية ما يظهر منها أنّه إن نظر منها إلى ما لا يحرم على غيره لم تحرم لابنه كما هو واضح ، فلا تدلّ على التفصيل بين نظر المالك الحلال ونظره الحرام كما قيل.

(١) لعدم شمول الأدلة له.

(٢) لأنّ موضوع النصوص هو النظر أو اللمس المترتبان على الشهوة دون العكس.

(٣) لشمول النصوص له.

(٤) لعدم الدليل عليه ، والتعدي عن الوطء إليهما قياس مع الفارق.

نعم ، قد يستدل لإثباته بما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «لا ينظر الله تعالى إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها» (١). وما روي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «من كشف قناع امرأة حرمت عليه أُمها وبنتها» (٢). إلّا أنّ ضعف سندهما يغنينا عن التكلّم في دلالتهما.

(٥) لما تقدّم.

نعم ، نسب إلى صاحب الجواهر (قدس سره) إلحاق النظر واللّمس بالوطء في

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٣٣٣ ح ٢٢٢ ، المستدرك ١٤ : ٣٩٩ ح ١٧٠٨٥.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٣٣٣ ح ٢٢٣ ، المستدرك ١٤ : ٤٠١ ح ١٧٠٩٣.

٣٣١

بل قد يقال : إنّ اللمس والنظر يقومان مقام الوطء في كل مورد يكون الوطء ناشراً للحرمة (١) فتحرم الأجنبية الملموسة أو المنظورة شبهة أو حراماً على الأب

______________________________________________________

تحريم ابنة المعقود عليها (١).

وقد تقدم الكلام فيه ، حيث عرفت أنّ القول بثبوت التحريم بالنظر واللمس وإن كان مقتضى جملة من النصوص ، إلّا أنّها معارضة بصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باشر امرأته وقبّل غير أنّه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، قال : «إن لم يكن أفضى إلى الأُم فلا بأس ، وإن كان أفضى فلا يتزوج» (٢) فإنّها صريحة الدلالة على الجواز.

ولا مجال للمناقشة فيها بأنّها مختلفة النسخة ، حيث إنّ في بعضها (باشر امرأة) وعلى هذا تكون أجنبية عن محل الكلام. فإنّك قد عرفت أنّها غير مختلفة النسخة وإنّما هي روايتان : إحداهما واردة في باب الفجور ، والأُخرى في تحريم الربيبة ، ومن هنا فلا بأس بالعمل بها.

على أنّنا لو فرضنا اختلاف نسخة الرواية إلّا أنّ ذلك لا يعني العمل بروايات التحريم ، فإنّها مخالفة للكتاب العزيز حيث إنّ ظاهره انحصار سبب تحريم البنت بالدخول بالأُم. ومن هنا فإذا كان اللمس والنظر موجبين لثبوت التحريم أيضاً لكان إناطة الحكم بالدخول لغواً ، حيث إنّ النظر يسبقه غالباً فيما يسبقه اللمس دائماً.

(١) وفيه : أنّه لا دليل عليه ، فإنّ بعض النصوص الواردة في تحريم المزنيّ بها على أب الزاني وابنه وإن تضمن حرمتها باللمس أيضاً ، إلّا أنّك قد عرفت فيما تقدم أنّ صحيحة علي بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام) عن الرجل يقبّل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحلّ لابنه أو لأبيه؟ قال : «لا بأس» (٣) صريحة في الجواز. فإنّ بمقتضاها لا بدّ من الالتزام بعدم ثبوت التحريم عند اللمس والنظر ، حتى ولو قلنا بثبوته في فرض الزنا.

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٧٤ ٣٧٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٩ ح ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٧٧ ح ٣.

٣٣٢

والابن ، وتحرم أُمها وبنتها حرّة كانت أو أَمة. وهو وإن كان أحوط ، إلّا أنّ الأقوى خلافه (١). وعلى ما ذكر فتنحصر الحرمة في مملوكة كل من الأب والابن على الآخر إذا كانت ملموسة أو منظورة بشهوة.

[٣٧٧٤] مسألة ٣٨ : في إيجاب النظر أو اللّمس إلى الوجه والكفين إذا كان بشهوة نظر. والأقوى العدم (٢) وإن كان هو الأحوط (*).

______________________________________________________

هذا كلّه بالنسبة إلى حرمة الملموسة والمنظورة لأب اللّامس وابنه. وأما بالنسبة إلى حرمة ابنتها وأُمها للفاعل فالأمر كذلك ، فإنّه حتى ولو قلنا بحرمتها عند الزنا فلا مجال للقول بها في فرض اللمس والنظر إذ لا دليل عليها. اللهم إلّا أن يتمسك بإطلاق ما دلّ على حرمتهما عند الفجور بالمرأة ، فإنّ مقتضاه ثبوت الحرمة سواء أكان الفجور بالوطء أم القبلة أم النظر.

لكنه لو سلمناه فلا بدّ من رفع اليد عنه ، لصريح صحيحة العيص بن القاسم الواردة في باب الفجور ، وصحيحة يزيد الكناسي ، قال : إنّ رجلاً من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنّه كان يلاعب أُمها ويقبّلها من غير أن يكون أفضى إليها ، قال : فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال : «كذب ، مره فليفارقها» (١).

فإنّها ظاهرة في أنّ الأمر بالمفارقة إنّما هو لكذبه ومقاربته لها ، وهذا يعني أنّ ما دون ذلك لا يوجب التحريم ، وإلّا فلو كان مثل القبلة موجباً للتحريم لما كان وجه لتكذيبه (عليه السلام) له ، بل كان اللّازم الأمر بالمفارقة رأساً حيث لا فرق بين الفرضين.

إذن فالصحيح هو القول بعدم ثبوت الحرمة في الفرض حتى وإن قلنا بها في فرض الزنا ، وإن كنّا لا نقول بها كما عرفته.

(١) لعدم الدليل عليه.

(٢) وهو بالنسبة إلى النظر متين. والوجه فيه أن المذكور في نصوص التحريم هو

__________________

(*) لا يترك الاحتياط في اللّمس.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٥.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تجريد الأَمة والنظر إلى ما يحرم على غيره النظر إليه ، وظاهر ذلك اختصاص التحريم بالنظر بشهوة إلى ما جرت العادة بستره ، ومن هنا فلا تشمل النظر إلى ما لا يحتاج إلى التجريد والكشف كاليدين والوجه وما شاكلهما.

وأمّا بالنسبة إلى اللمس فالأقوى فيه التحريم ، وذلك لانحصار دليل تحريم اللمس بصحيحة محمد بن إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل تكون له الجارية فيقبّلها ، هل تحلّ لولده؟ قال : «بشهوة»؟ قلت : نعم ، قال : «ما ترك شيئاً إذا قبّلها بشهوة» (١).

وحيث إنّ التقبيل مسّ لوجهها لا محالة ، فلا محيص عن الالتزام بثبوت الحرمة عند لمس وجهها ، بل مقتضى قوله (عليه السلام) : «ما ترك شيئاً» الالتزام بتحريم كل لمس يصدق عليه ذلك ، سواء في الوجه كوضع خدّه على خدّها ، أم في اليدين كملاعبتها لآلته ، فإنّهما محرمان جزماً.

والحاصل أنّ الصحيح في المسألة هو التفصيل بين النظر واللمس ، والالتزام في الأوّل بعدم التحريم لاختصاص نصوصه بتجريدها والنظر إلى ما يحرم على غيره النظر إليه ، وفي الثاني بالحرمة لصحيحة محمد بن إسماعيل حيث لم يرد فيها التقييد بالتجريد بل موردها لمس الوجه (التقبيل).

نعم ، في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه» (٢).

ومن هنا فقد يقال باختصاص التحريم باللمس الذي يستدعي التجريد ، فلا يثبت في مثل لمس الوجه والكفين.

غير أنّ من غير الخفي أنّ هذه الصحيحة أجنبية عن محل كلامنا أعني لمس الجارية المملوكة فإنّها واردة في تجريد الرجل الجارية من غير تقييد بكونها مملوكة له ، فلا تصلح دليلاً على اختصاص التحريم في لمس المملوكة بالذي يكون في عضو يستدعي التجريد.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣ ح ٤.

٣٣٤

[٣٧٧٥] مسألة ٣٩ : لا يجوز الجمع بين الأُختين في النكاح (١) دواماً أو متعة (٢) سواء كانتا نَسبيّتين أو رضاعيتين (٣) أو مختلفتين (*) (٤). وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الملك مع وطئهما (٥). وأما الجمع بينهما في مجرد الملك من غير وطء

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه بين المسلمين قاطبة. ويدلّ عليه قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) (١) والنصوص المتضافرة.

(٢) لإطلاق الأدلة ، وصريح بعض النصوص.

(٣) لما دلّ على تنزيل الرضاع منزلة النسب ، وصريح صحيحة أبي عبيدة ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ، ولا على أُختها من الرضاعة» (٢).

(٤) والمراد به ما إذا كانت إحداهما أُختاً للأُخرى بالرضاعة ، بمعنى أنّها قد ارتضعت من المرأة التي ولدت الثانية ، وكانت الثانية أُختاً للأُولى بالنسب ، بمعنى أنّها مولودة من المرأة التي أرضعت الاولى.

وبعبارة اخرى : إنّ منشأ الأُختية التي هي من العناوين المتضايفة تارة يكون ولادتهما من امرأة واحدة ، فيكون منشأها الولادة محضاً. وأُخرى يكون ارتضاعهما من امرأة واحدة ، فيكون منشأها الرضاع محضاً. وثالثة يكون ولادة إحداهما من امرأة وارتضاع الأُخرى من تلك المرأة بالذات ، فيكون منشأها الرضاع والنسب معاً بمعنى أنّ الاولى تكون أُختاً للثانية باعتبار أنّها مولودة من امرأة قد أرضعتها ، وتكون الثانية أُختاً للأُولى باعتبار أنّها قد ارتضعت من امرأة قد أولدتها.

(٥) بلا خلاف فيه ، وتدل عليه جملة من النصوص.

منها : معتبرة مسعدة بن زياد ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «يحرم من

__________________

(*) يريد بذلك ما إذا كانت الأُختيّة بين المرأتين ناشئة من ولادة إحداهما وارتضاع الأُخرى.

(١) سورة النساء ٤ : ٢٣.

(٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٤ ح ٢.

٣٣٥

فلا مانع منه (*) (١).

______________________________________________________

الإماء عشر : لا تجمع بين الام والابنة ، ولا بين الأُختين» (١). فإنّ من الواضح أنّ المراد من الجمع الممنوع بين الأُختين في الملك إنّما هو الجمع بينهما في الوطء ، وإلّا فالجمع بينهما في الملك خاصة مما لا خلاف فيه.

بل يمكن استفادة ذلك من قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) فإنّ حذف المتعلق لما كان يفيد العموم كان مقتضاها حرمة الجمع بين الأُختين مطلقاً ، سواء في التزويج ، أم في الملك مع الوطء. وأما الجمع في الملك بدون وطء فلو سلم شمولها له أيضاً ، فقد خرجنا عنه بما دلّ على جواز الجمع بين الأُختين في الملك خاصة ، فيبقى الباقي تحت عموم المنع.

نعم ، قد يقال أنّ مقتضى معتبرة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن أُختين مملوكتين وجمعهما ، قال : «مستقيم ولا أحبه لك» (٢) هو الجواز ، إلّا أنّها لشذوذها وإعراض الأصحاب عنها لا مجال للاعتياد عليها.

إلّا أنّ الظاهر أنّها محمولة على الجمع بين الأُختين في الملك خاصة على ما أفاده الشيخ (قدس سره) (٣) باعتبار أنّها مطلقة ، فتقيد بما دلّ على عدم جواز الجمع بينهما في الوطء.

والحاصل أنّ هذه المعتبرة غير قابلة لمعارضة ما تقدم من النصوص ، لكن لا لما قيل من سقوطها عن الحجية بإعراض الأصحاب عنها ، وإنّما لكونها مطلقة فتقيد بما دلّ على المنع من الجمع بينهما في الوطء.

(١) بلا خلاف فيه ، كما عرفت.

وتدلّ عليه مضافاً إلى النصوص الخاصة السيرة القطعية ، فإنّ المسلمين في عهد

__________________

(*) النص الوارد في المقام ضعيف جدّاً.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٨٩.

٣٣٦

وهل يجوز الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوطء ، بأن لم يطأهما أو وطئ إحداهما واستمتع بالأُخرى بما دون الوطء؟ فيه نظر ، مقتضى بعض النصوص (١) الجواز ، وهو الأقوى (*) ، لكن الأحوط العدم (٢).

______________________________________________________

النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) كانوا يملكون العبيد والإماء وكانت إماؤهم يلدن البنات المتعددة ، وكان المسلمون يملكونها من دون أن يصدر أي ردع أو نهي من قبلهم (عليهم السلام).

بل يمكن دعوى أنّ الآية المباركة غير شاملة للجمع بين الأُختين في الملك خاصّة وذلك بملاحظة مناسبات الحكم والموضوع فيها. فإنّ بملاحظتها يستكشف أنّها ناظرة إلى الجمع بينهما فيما هو المطلوب من النساء من أنواع الاستمتاعات الجنسية ، لا مطلق الجمع بينهما في كل شي‌ء حتى في مثل الجمع بينهما على مائدة واحدة ونحوها ؛ نظير ما يذكر في تحريم الام والأُخت.

ومن هنا فلو لا وضوح تلازم الوطء وسائر الاستمتاعات الجنسية مع الزواج بحيث لا يمكن انفكاكها عنه ، لقلنا بجواز الجمع بينهما في التزويج المجرد عن الوطء والاستمتاعات الجنسية أيضاً.

(١) وهو خبر عيسى بن عبد الله الذي ذكره العياشي في تفسيره ، قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن أُختين مملوكتين ينكح إحداهما ، أتحلّ له الأُخرى؟ فقال : «ليس ينكح الأُخرى إلّا فيما دون الفرج وإن لم يفعل فهو خير له ، نظير تلك المرأة تحيض فتحرم على زوجها أن يأتيها في فرجها ، لقول الله عزّ وجلّ (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ)». وقال : «(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ) يعني في النكاح ، فيستقيم للرجل أن يأتي امرأته وهي حائض فيما دون الفرج» (١).

(٢) بل هو الأقوى. فإنّ النص المتقدم ضعيف السند جدّاً ، فلا مجال للاعتماد عليه.

على أنّ مقتضى الآية الكريمة بالتقريب الذي ذكرناه من أنّها بملاحظة الحكم

__________________

(*) في القوّة إشكال بل منع.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٩ ح ١١.

٣٣٧

[٣٧٧٦] مسألة ٤٠ : لو تزوّج بإحدى الأُختين وتملّك الأُخرى ، لا يجوز له وطء المملوكة (١) إلّا بعد طلاق المزوجة وخروجها عن العدّة إن كانت رجعية. فلو وطئها قبل ذلك فعل حراماً ، لكن لا تحرم عليه الزوجة بذلك (٢). ولا يحدّ حدّ

______________________________________________________

والموضوع ناظرة إلى الاستمتاعات الجنسية وما يطلب من النساء هو حرمة كل ما يرتبط بالجنس والقوة الشهوية.

ولو أغمضنا النظر عن الآية الكريمة ودلالتها كفانا في إثبات المدعى موثق مسعدة ابن زياد المتقدم ، فإنّه وبكل وضوح غير ناظر إلى الجمع بينهما في التزويج ، فإنّه وارد في الإماء وناظر إلى ما يحرم منها بطبعها وبحد ذاتها ، وحيث نسبت الحرمة إلى الأَمة نفسها كان ظاهره حرمتها مطلقاً وبالنسبة إلى جميع الاستمتاعات ، كما يظهر ذلك جلياً بالنظر إلى سائر المذكورات في النص من أقسام الإماء كالتي هي مشتركة بينه وبين غيره ، أو التي هي أُخت له من الرضاعة ، وغيرهما فإنّ من الواضح أنّ المحرم منهن ليس هو خصوص الوطء ، وإنّما هو كل ما يمتّ بالجنس بصلة.

ومن هنا فيترتب على ما ذكرناه حرمة الأُخت عند استمتاع المولى بأُختها الأُخرى حتى ولو لم يطأها. نعم ، لا يترتب على فعله الأحكام الخاصة بالوطء.

(١) فإنّ وطء المملوكة لو كان جائزاً ، فوطء الزوجة إما أن يكون جائزاً أيضاً وإمّا أن يكون محرماً. وحيث أنّ الأوّل منافٍ للآية الكريمة والنص الصحيح وتسالُم الأصحاب ، فيتعيّن الثاني لا محالة. وحيث إنّه منافٍ للزوجية ، إذ قد عرفت أنّ جواز الوطء وسائر الاستمتاعات الجنسية من اللّازم غير المفارق لها ، فلا بدّ إما من الالتزام ببطلانها أو الالتزام بحرمة وطء المملوكة. وحيث لا مقتضي للأول إذ الزوجية لا ترتفع إلّا بعروض ما ثبتت رافعيته كالطلاق والفسخ والموت ، وليس منه وطء أُخت الزوجة فيتعيّن الثاني ، فلا بدّ من القول بحرمة المملوكة دون الزوجة.

(٢) لأنّ وطء الأُخت إن كان بعد وطء الزوجة ، فهو من أظهر مصاديق قوله (عليه السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال». وإن كان قبله فالأمر كذلك ، لما تقدم من أنّ حرمتها ملازمة لارتفاع الزوجية وهو يحتاج إلى الدليل.

٣٣٨

الزِّنا بوطء المملوكة (١) بل يعزّر (٢) فيكون حرمة وطئها كحرمة وطء الحائض.

[٣٧٧٧] مسألة ٤١ : لو وطئ إحدى الأُختين بالملك ثم تزوج الأُخرى ، فالأظهر بطلان التزويج (٣).

وقد يقال بصحّته (٤) وحرمة وطء الأُولى إلّا بعد طلاق الثانية.

[٣٧٧٨] مسألة ٤٢ : لو تزوج بإحدى الأُختين ، ثم تزوج بالأُخرى ، بطل عقد الثانية (١) سواء كان بعد وطء الاولى

______________________________________________________

(١) لمّا عرفت غير مرة من أنّ الزنا ليس عبارة عن مطلق الوطء من غير استحقاق ، وإنّما هو عبارة عن الوطء من غير استحقاق بالأصالة. وحيث إنّ هذا العنوان غير متحقِّق في المقام ، فإنّ الوطء مستحق له بالأصالة ، غاية الأمر أنّه محرم عليه لعارض ، نظير وطء الصائمة أو الحائض أو في المسجد ، فلا يكون زنا.

(٢) لكون الفعل من المعاصي الكبيرة.

(٣) فيما إذا كان متأخراً عن وطء المملوكة ، فإنّه لو كان صحيحاً لكان لازمه غير المفارق جواز أنواع الاستمتاعات بها ، وهو مما لا يمكن الالتزام به لكونه من أظهر مصاديق الجمع بين الأُختين المحرم ، فلا بدّ من الالتزام بعدم جواز الاستمتاع المساوق لبطلان الزوجية.

نعم ، لو كانت الزوجية قبل وطء المملوكة فلا ينبغي الشكّ في صحتها وحرمة وطء المملوكة ، لعين ما ذكرناه في المسألة السابقة. فإنّ بطلان الزوجية يحتاج إلى الدليل ، والقول بالصحة من دون جواز الاستمتاع غير ممكن ، فلا بدّ من القول بالجواز وصحة التزويج ، ولازمه حرمة وطء المملوكة لا محالة.

(٤) نظراً إلى أنّ الزوجية أهمّ ، إلّا أنّه استحسان محض فلا مجال للاعتماد عليه.

(٥) بلا خلاف فيه ، بل التسالم عليه.

وتدلّ عليه مضافاً إلى الآية الكريمة ومعتبرة مسعدة بن زياد بالتقريب المتقدم أعني أنّه لو كان صحيحاً للزم منه جواز الوطء ، وحيث أنّه ممنوع فلا بدّ من

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الالتزام بالبطلان صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل كانت عنده امرأة فزنى بأُمها أو بابنتها أو بأُختها ، فقال : «ما حرم حرام قط حلالاً ، امرأته له حلال» إلى أن قال : «وإن كان تحته امرأة فتزوج أُمها أو ابنتها أو أُختها فدخل بها ثم علم ، فارَق الأخيرة والأولى امرأته ، ولم يقرب امرأته حتى يستبرئ رحم التي فارق» (١).

وصحيحته الأُخرى ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة بالعراق ثم خرج إلى الشام فتزوج امرأة أُخرى ، فإذا هي أُخت امرأته التي بالعراق؟ قال : «يفرّق بينه وبين المرأة التي تزوجها بالشام ، ولا يقرب المرأة العراقية حتى تنقضي عدّة الشامية» (٢).

فإنّهما كما تراهما تدلّان وبكل وضوح على بطلان نكاح الثانية ، حيث أمر (عليه السلام) بلزوم مفارقتها.

لكن بإزائهما صحيحة أبي بكر الحضرمي ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل نكح امرأة ثم أتى أرضاً فنكح أُختها ولا يعلم ، قال : «يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأُخرى» (٣). فإنّها حيث دلّت على تخيّر الرجل ، كان مقتضاها صحة الزواج الثاني أيضاً وإلّا فلا وجه للتخيير ، وبذلك تكون معارضة للصحيحتين المتقدمتين.

ولكن الظاهر أنّ هذه الصحيحة غير معارضة للصحيحتين المتقدمتين ، حيث لم يصرح في هذه الصحيحة بالتزويج بل المذكور فيها النكاح ، فلا تعارض صحيحتي زرارة اللتين قد ذكر فيهما التزويج صريحاً ، بل يتعيّن حمل النكاح على الوطء بالملك فتدلّ على تخيّر المالك فيما لو وطئ أَمتين ثم بان كونهما أُختين.

ثم لو لم يتم هذا الحمل فلا بدّ من رفع اليد عن هذه الصحيحة ، لمعارضتها لصحيحتي زرارة الموافقتين للكتاب والسنّة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٦ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٦ ح ٢.

٣٤٠