موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وعدمه ، فكذلك قدّم قول العمّة (١).

[٣٧٥٩] مسألة ٢٣ : إذا تزوج ابنة الأخ أو الأُخت ، وشكّ في أنّه هل كان عن إذن من العمة أو الخالة أو لا ، حمل فعله على الصحة (٢).

[٣٧٦٠] مسألة ٢٤ : إذا حصل بنتيّة الأخ أو الأُخت بعد التزويج بالرضاع لم يبطل (٣).

______________________________________________________

ومن هنا فلا مجال للتمسك بأصالة الصحة في الموارد التي لم تحرز فيها سلطنة العاقد على الفعل كما هو الحال في المقام ، بل لا بدّ من الرجوع إلى أصالة عدم نفوذ العقد للشكّ في تحقق شرطه المقتضية للحكم بالفساد ، نظير الحكم في بيع الراهن للعين المرتهنة مدعياً إذن المرتهن وإنكار المرتهن ذلك.

(١) لما تقدم.

(٢) فإنّ مقتضى تصادق الزوجين على الزوجية من دون خلاف بينهما هو الحكم بالزوجية ، حتى مع الشكّ في أصل وقوع العقد فضلاً عن الشكّ في صحته ، إذ الحق لا يعدوهما.

(٣) لعدم شمول أدلة المنع له ، نظراً لعدم تحقق موضوعها أعني عنوان دخول بنت الأخ أو الأُخت على العمة أو الخالة فإنّ الزوجية متحققة قبل تحقق البنتية ، وعليه فلا حاجة إلى إذنهما وإن جمع بينهما وبين البنتين.

نعم ، قد خالف في ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) فذهب إلى اعتبار إذنهما بقاءً ، فإنْ أذنتا فهو ، وإلّا تخير الزوج بينهما وبين البنتين (١).

ولعلّ مستنده (قدس سره) في ذلك خبر أبي الصباح الكناني المتقدم ، والذي دلّ على حرمة الجمع بين العمة وابنة الأخ والخالة وابنة الأُخت ، بدعوى شمول النهي للبقاء فضلاً عن الحدوث ، وعلى هذا فلا بدّ من إذنهما بعد تحقق البنتية ، وإلّا فالزوج بالخيار بينهما.

__________________

(١) الجواهر ٣٠ : ٧٠.

٣٠١

وكذا إذا جمع بينهما في حال الكفر ثم أسلم ، على وجه (١).

______________________________________________________

وفيه : أنّ الخبر على ما عرفت ضعيف السند بمحمد بن الفضيل ، فلا مجال للاعتماد عليه. وأما سائر الأخبار فهي لم تتضمن النهي عن الجمع ، وإنّما تضمنت النهي عن الإدخال ، وقد عرفت أنّه غير صادق في المقام.

ثم على تقدير التنزّل وتسليم صحة خبر الكناني ، فليس فيه دلالة على تخيّر الزوج بينهما عند عدم إذن العمة أو الخالة ، بل لم نعرف لذلك وجهاً أصلاً.

ولا مجال لقياس المقام على مسألة إسلام الكافر عن أُختين ، فإنّ القياس لا نقول بحجيته لا سيما أنّه مع الفارق ، فإنّ نسبة المنع والتحريم إلى كل من الأُختين سواء فكما لا يجوز ضمّ هذه إلى تلك لا يجوز العكس أيضاً ، ومن هنا فإذا أسلم عنهما فلم يجز له الجمع بينهما تخيّر بينهما لا محالة ، كما دلّ عليه النص الصحيح أيضاً. وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الممنوع إنّما هو ضمّ بنت الأخ أو الأُخت إلى العمة أو الخالة خاصة دون العكس ، إذ لا مانع من ضمّ العمة أو الخالة إلى بنت الأخ أو بنت الأُخت كما عرفت ، ففرق بين الجمع الممنوع في المقام والجمع الممنوع في مسألة الأُختين.

ومن هنا فلا مجال للقياس وإثبات التخيير الثابت للزوج في مسألة الأُختين لما نحن فيه ، بل الصحيح هو الالتزام ببطلان نكاح البنت لا محالة ، نظير الجمع بين الحرّة والأَمة ، حيث إنّ الحرّة إذا لم ترض بنكاح الأَمة يبطل نكاحها قهراً.

(١) وهو بناء على ما اخترناه من عدم تكليف الكفار بالفروع واضح ، فإنّه حين العقد غير مكلف بتحصيل الإذن فنكاحه في ذلك الحين صحيح ، وبعد الإسلام لم تدخل بنت الأخ أو الأُخت على العمة أو الخالة ، نظراً إلى أنّ الزوجية سابقة على الإسلام.

وأما بناء على ما ذهب إليه المشهور من تكليف الكفار بالفروع على حد تكليفهم بالأُصول ، فالأمر كذلك أيضاً لدليل الإمضاء ، فإنّ النكاح لما كان صحيحاً ونافذاً في حينه على وفق مذهبهم ، حكم بصحته بعد الإسلام أيضاً على ما كان عليه في حال الكفر إلّا ما أخرجه الدليل فلا تشمله أدلّة المنع.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وممّا يؤكد ذلك السيرة القطعية في عهد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فإنّ الكفار كانوا يسلمون على يديه الكريمتين وكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرهم على نكاحهم ، مع أن أكثرهم لم يكن يعتبر الإيجاب والقبول في العقد فإنّ عدم سؤاله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن كيفية عقدهم وإقرارهم على ما كانوا عليه سابقاً ، دليل على إمضاء نكاحهم بعد الإسلام.

ومما يدل على ذلك أيضاً ما تسالم عليه الفقهاء تبعاً لورود النص من تخيّر الزوج إذا أسلم عن أُختين أو أكثر من أربع نساء ، فإنّه صريح الدلالة على إقرارهم على نكاحهم والحكم بصحته ، وإلّا فلا وجه للتخيير ، بل لا بدّ من الحكم ببطلان نكاح المتأخرة زماناً بحسب العقد من الأُختين والخامسة فصاعداً من الزوجات.

والحاصل أنّ مقتضى دليل الإمضاء وإقرار الكفار الذين أسلموا على ما صدر منهم من العقود والإيقاعات ، هو الحكم بصحة كل من عقد العمة أو الخالة وبنت الأخ أو بنت الأُخت ، من دون توقف على رضا العمة أو الخالة.

وأما ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ الإقرار لما كان بمنزلة عقد جديد وإحداث نكاح من حينه فلا بدّ من اعتبار إذنهما (١) ، فهو غير واضح ، فإنّ العقد محكوم بصحته في زمان الكفر ، والإمضاء إبقاءً لما سبق وليس هو بمنزلة العقد الجديد.

ورواية الكناني مضافاً إلى ضعفها لا تشمل المقام ، للحكم بالصحة قبل الإسلام.

ومن غريب ما صدر منه (قدس سره) حكمه بتوقف عقد البنتين على إذن العمة أو الخالة ، حتى ولو كانتا هما الداخلتين على البنتين في حال الكفر (٢) ، فإنّه بعد الحكم بصحة العقد في حال الكفر وإقرار الإسلام له على ذلك لا وجه للتوقف على الإجازة ، لا سيما وإنّه لو كان ذلك في عهد الإسلام لما توقف عقد البنتين على إجازتهما.

__________________

(١) الجواهر ٣٠ : ٧٠.

(٢) الجواهر ٣٠ : ٧١.

٣٠٣

[٣٧٦١] مسألة ٢٥ : إذا طلق العمة أو الخالة طلاقاً رجعيا ، لم يجز تزويج إحدى البنتين إلّا بعد خروجهما عن العدّة (١). ولو كان الطلاق بائناً جاز من حينه (٢).

[٣٧٦٢] مسألة ٢٦ : إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع ، جاز له العقد على البنت ، لأنّ طلاق الخلع بائن. وإن رجعت في البذل لم يبطل العقد (٣).

______________________________________________________

(١) فإنّها على المختار زوجة حقيقة فتشملها الأدلة لا محالة. وأما بناء على مذهب المشهور من كونها بحكم الزوجة فلترتيب الأصحاب جميع آثار الزوجية عليها حرفاً بحرف ، فيثبت لها هذا الحكم أيضاً.

(٢) نظراً إلى أنّها ليست بزوجة له ، وحينئذ فلا يصدق على التزوّج بابنة أخيها أو ابنة أُختها عنوان الدخول على العمة أو الخالة.

(٣) حتى وإن رجع بها أيضاً ، نظراً إلى أنّ هذا الرجوع يعتبر زوجية جديدة ، ومعه فلا يصدق عنوان دخول بنت الأخ أو بنت الأُخت على العمة أو الخالة ، بل الأمر بالعكس من ذلك حيث إنّ العمة أو الخالة داخلة على بنت الأخ أو بنت الأُخت ، نظراً إلى أنّ التزوّج بالبنتين كان في فترة لم تكن العمة أو الخالة زوجة له.

ودعوى أنّ الرجوع بالعمة أو الخالة بعد رجوعهما بالبذل لا يعتبر عقداً جديداً وزوجية حادثة ، وإنّما هو استمرار للزوجية السابقة ، وعليه فيصدق عنوان دخول الابنتين عليهما فتشمله أدلة المنع.

مدفوعة بأنّ المفروض حصول البينونة بين العمة أو الخالة وبين الزوج في فترة العدّة ، ففي تلك الفترة لم تكونا زوجة له ولا هو زوجاً لهما ، ومعه فكيف يكون الرجوع استمراراً للزوجية السابقة؟ بل من الواضح أنّه زوجية جديدة ونكاح مستحدث. نظير الفسخ بعد البيع ، فإنّه لا إشكال في أنّ المبيع في الفترة بين البيع والفسخ ليس بمملوك للبائع ، وإنّما هو ملك للمشتري. نعم ، يعود من جديد إلى ملك البائع بعد الفسخ.

ومن هنا فلا يصدق عنوان دخول البنتين على العمة أو الخالة ، بل الأمر كما عرفت بالعكس من ذلك تماماً ، ومعه فلا مجال للقول بتوقف عقدهما بعد الرجوع

٣٠٤

[٣٧٦٣] مسألة ٢٧ : هل يجري الحكم (١) في المملوكتين والمختلفتين؟ وجهان ،

______________________________________________________

على إذن العمّة أو الخالة.

بل الحكم كذلك حتى ولو كان التزوّج بالبنتين بعد رجوع الزوجة بالبذل ، والسرّ في ذلك أنّ الثابت عند رجوع الزوجة في البذل إنّما هو جواز رجوع الزوج بالزوجية لا رجوع الزوجية رأساً. ومن هنا فلا يكون حالها حال المعتدّة رجعية ، حيث لا يجوز للزوج التزوّج بابنة أخيها أو أُختها في فترة العدّة نظراً لكونها زوجة له حقيقة ، وإنّما حال رجوعها في البذل حال ثبوت حق الخيار ، فإنّ من الواضح أنّ مجرّد ثبوته لا يعني رجوع المال إلى ملك من له الخيار ، بل يبقى المال على ملك الطرف الآخر وخارجاً عن ملك هذا حتى يستخدم حق الخيار فيفسخ.

والحاصل أنّ رجوع الزوجة بالبذل لا يقتضي إلّا ثبوت حق الرجوع في الزوجية للزوج ، ومن دون استلزام لرجوع الزوجية بالفعل. وعلى ذلك فالمرأة قبل رجوع الزوج بالزوجية أجنبية عن الرجل بتمام معنى الكلمة ، ومعه فلا مانع من التزوّج ببنت أخيها أو أُختها حتى وإن رجعت في البذل وكرهت ذلك ، وليس في المقام إجماع على إجراء جميع أحكام العدّة الرجعية على المطلقة خلعية التي ترجع في البذل.

(١) الظاهر أنّ مراده (قدس سره) من الحكم إنّما هو عدم جواز الجمع بينهما في الوطء بالملك فيهما ، أو بالاختلاف بالملك في إحداهما والتزويج في الأُخرى ، فإنّ الفقهاء أيضاً تعرضوا لثبوت عدم الجواز الثابت في التزويج في وطء العمة وابنة أخيها أو الخالة وابنة أُختها ، ملكاً أو وطء إحداهما بالملك والأُخرى بالزوجية. وإلّا فلو كان مراده (قدس سره) من الحكم هو عدم جواز التزوّج من المملوكتين أو المختلفتين إلّا بإذن العمة أو الخالة ، فلا وجه لما ذكره (قدس سره) من أنّ الأقوى عدمه.

فإنّ في المختلفتين لا بدّ من إذن الحرّة ، سواء أكانت المملوكة هي العمة أو الخالة ، أم كانت هي بنت الأخ أو بنت الأُخت. وأما في المملوكتين فلا بدّ من إذن العمة أو الخالة ، لإطلاق النصوص حيث لم يرد في شي‌ء منها تقييد الحكم بالحرتين ، وكذا الحال في المختلفتين ، إذا أراد إدخال بنت الأخ أو بنت الأُخت على العمة أو الخالة حرّة كانت البنت أم أَمة.

٣٠٥

أقواهما العدم (١).

[٣٧٦٤] مسألة ٢٨ : الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة إذا كان بعد الوطء (٢) بل قبله أيضاً على الأقوى (٣). فلو تزوّج امرأة ثم زنى بأُمها أو ابنتها

______________________________________________________

نعم ، ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّ اعتبار الإذن إنّما يناسب الحرّة خاصة ، ومن هنا فلا يعتبر إذن الأَمة ، سواء أكانت الداخلة عليها حرّة أم أَمة أيضاً (١).

إلّا أنّه استحسان محض ، لا يصلح لتقييد الإطلاقات ورفع اليد عنها.

(١) لاختصاص النصوص بالتزويج ، فيحتاج التعدِّي عنه إلى الدليل وهو مفقود وليس الحال في المقام كمسألة الأُختين حيث يحرم الجمع بينهما في الوطء نكاحاً وملكاً إذ لا دليل على حرمة الجمع بينهما ، فإنّ رواية أبي الصباح الكناني ضعيفة على أنّها واردة في التزويج أيضاً ، وإنّما دلّ الدليل على حرمة إدخال ابنة الأخ أو ابنة الأُخت تزويجاً على العمة أو الخالة ، وهو غير صادق في المقام.

(٢) إجماعاً ، ولما ورد في جملة من النصوص من أنّ «الحرام لا يفسد الحلال» أو أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» وما ورد في خصوص الزنا بالعمة أو الخالة بعد التزوّج من ابنتيهما.

(٣) وهو المشهور والمعروف بين الأصحاب. ويدلّ عليه إطلاق قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يفسد الحلال» أو أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» لا سيما ما ورد في بعضها من التعبير بـ «قط» فإنّه يدلّ على عدم الحرمة في المقام.

إلّا أنّ صاحب الحدائق (قدس سره) ذهب إلى ثبوت الحرمة في المقام على حد ثبوتها فيما إذا كان الزنا قبل العقد ، ونسبه إلى بعض مشايخه (٢) مستدلّاً عليها بروايتين ، هما :

أوّلاً : رواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل تكون عنده الجارية

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٦٠.

(٢) الحدائق ٢٣ : ٤٨٤.

٣٠٦

لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، وكذا لو زنى الابن بامرأة الأب لا تحرم على أبيه.

وكذا الحال في اللّواط الطارئ على التزويج (١). فلو تزوّج امرأة ولاط بأخيها أو أبيها أو ابنها ، لم تحرم عليه امرأته ،

______________________________________________________

فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة ، هل يجوز لأبيه أن يتزوجها؟ قال : «لا ، إنّما ذلك إذا تزوجها فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضره ، لأنّ الحرام لا يفسد الحلال ، وكذلك الجارية» (١).

ثانياً : رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها أبداً ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأُمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأُمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها ، وهو قول : لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا» (٢).

وهاتان الروايتان وإن كانتا واضحتي الدلالة بل الثانية صريحة في مدعاه (قدس سره) ، إلّا أنّه لا مجال للاعتماد عليهما نظراً لضعف سندهما. فإنّ في طريق الاولى سهل بن زياد وقد عرفت ما فيه غير مرة ، وفي طريق الثانية محمد بن الفضيل وقد تقدم الكلام فيه قريباً.

إذن فالروايتان ضعيفتان سنداً وإن عبّر عن الاولى في بعض الكلمات بالموثقة.

ومن هنا فالمتعيّن هو اختيار عدم التحريم ، لإطلاق قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يفسد الحلال» الشامل للمقام ، حيث إنّ الحلية ثابتة في المقام بأصل العقد إذ لا يعتبر في ثبوتها الدخول ، وعدم ثبوت المقيد له.

(١) وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً في المسألة الحادية والعشرين من الفصل السابق فراجع.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٨ ح ٨.

٣٠٧

إلّا أنّ الاحتياط فيه لا يترك (*) (١).

وأمّا إذا كان الزنا سابقاً على التزويج ، فإن كان بالعمة أو الخالة يوجب حرمة بنتيهما (**) (٢).

______________________________________________________

(١) وقد عرفت أنّ وجه الاحتياط إنّما هو مرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل يأتي أخا امرأته ، فقال : «إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة» (١). إلّا أنّك عرفت أيضاً أنّها لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها لا سيما وإنّها لم يعمل بها المشهور كي يدعى انجبار ضعفها بعملهم.

ومن هنا فلا بأس بترك الاحتياط ، لإطلاق قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يفسد الحلال» ، حيث لم يثبت له مقيد.

نعم ، تقدم أيضاً أنّه لو لاط بأخي زوجته ثم طلقها وبعد ذلك أراد التزوّج منها ثانياً ، فلا يبعد شمول أدلة المنع له ، حيث إنّ أدلة عدم إفساد الحرام للحلال ناظرة إلى الزوجية الثابتة بالفعل والحلية الفعلية ، فلا تشمل الزوجية السابقة والزائلة بالفعل.

وهذا الحكم لا يختص باللواط بل يجري في ابنة العمّة وابنة الخالة أيضاً ، فإنّه لو زنى بالعمّة أو الخالة في حال كون ابنتهما زوجة له ، ثم طلقهما وبعد ذلك أراد التزوّج منهما ، فإنّ أدلّة المنع تشمله نظراً لاختصاص أدلّة عدم الإفساد بالزوجة بالفعل.

(٢) على ما هو المعروف والمشهور بينهم.

وتدلّ على الحكم في الخالة صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع ، يتزوج ابنتها؟ قال : «لا». قلت : إنّه لم يكن أفضى إليها إنّما كان شي‌ء دون شي‌ء؟ فقال : «لا يصدق ولا كرامة» (٢).

__________________

(*) لا بأس بتركه في غير ما إذا أراد التزويج بها ثانياً.

(**) على الأحوط في بنت العمّة.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٠ ح ١.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وخبر أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثم ارتدع ، أيتزوج ابنتها؟ قال : «لا». قال : إنّه لم يكن أفضى إليها إنّما كان شي‌ء دون ذلك؟ قال : «كذب» (١).

وقد نسب التوقف في المسألة إلى بعض الأصحاب من جهة المناقشة في متن الروايتين وسنديهما.

أمّا الأوّل : فبدعوى أنّ تكذيب الإمام (عليه السلام) للفاعل في إخباره مناقشة صغروية ، وهي لا تناسب شأنه (عليه السلام) وغير لائقة بمقامه.

وأمّا الثاني : فللتنافي بين السندين ، حيث إنّ أبا أيوب يرويها عن محمد بن مسلم في الأُولى ومحمد بن مسلم يقول سأله رجل وأنا جالس ، في حين إنّ أبا أيوب في الثانية يقول إنّ محمد بن مسلم سأل الإمام (عليه السلام) وأنا جالس ، فإنّ مثل هذا التنافي مع كون القضية واحدة جزماً يوجب ضعف الروايتين سنداً.

إلّا أنّ هاتين المناقشتين معاً قابلتان للدفع.

أمّا الاولى : فلأنّ من الممكن أن تكون المناقشة الصغروية لمصلحة عرفها الإمام (عليه السلام) ، فإنّه حينئذ لا مانع من ذلك وإن لم يكن واجباً عليه (عليه السلام).

وأمّا الثانية : فلأنّ مثل هذا الاختلاف لا يضر بصحة الرواية سنداً بعد اتفاق النصين على المضمون ، إذ ليس من المهم بعد وضوح المطلب سؤالاً وجواباً من كان هو السائل ومن كان هو السامع.

على أنّ الرواية الثانية ضعيفة سنداً وإنْ عبّر عنها في بعض الكلمات بالموثقة فلا تصلح لمعارضة الاولى الصحيحة سنداً ، وذلك لأنّ الرجال المذكورين في السند وإن كانوا جميعاً ثقات فإن الطاطري ثقة ، ومحمد بن أبي حمزة هو الثمالي الجليل القدر ، ومحمد بن زياد هو محمد بن زياد بن عيسى بياع السابري ابن أبي عمير الثقة إلّا أنّ طريق الشيخ (قدس سره) إلى علي بن الحسن الطاطري ضعيف بعلي بن الزبير القرشي.

إذن فينحصر النص بالرواية الاولى من غير معارض لسندها أو متنها ، ومن هنا

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٠ ح ٢.

٣٠٩

وإن كان بغيرهما ففيه خلاف (١) والأحوط التحريم ،

______________________________________________________

فيتعيّن العمل بها.

هذا كلّه بالنسبة إلى الخالة. وأما بالنسبة إلى العمة فلم نعثر على أيّ نص يقتضي حرمة ابنتها إذا زنى ابن أخيها بها ، غير ما نسب إلى السيد المرتضى (قدس سره) في الانتصار من الاستدلال على حرمتها بالإجماع والنصوص (١) إلّا أنّنا لم نعثر عليها.

نعم ، لو قلنا بحرمة بنت مطلق المزني بها ، لشملتها الأخبار الدالة على الحرمة بلا إشكال ، باعتبار كونها مصداقاً لها. إلّا أنّه خروج عن محل الكلام ، حيث إنّ الكلام في هذا المقام إنّما هو عن ثبوت الحرمة لبنت العمة في فرض الزنا بالعمة ، من حيث كونه زنا بالعمة وبالنظر إلى هذه الخصوصية ، بحيث لو لم نقل بثبوت الحرمة في فرض الزنا بالأجنبية لقلنا بها في المقام ، ولا يخفى على المتتبع أنّ مثل هذا النص مفقود.

ومن هنا فإن ثبت قطع بعدم القول بالفصل أو ثبتت أولوية العمة عن الخالة فهو وإلّا فالقول بالتحريم مشكل لعدم الدليل عليه. نعم ، الاحتياط في محلّه.

(١) فقد نسب إلى المشهور القول بالحرمة ، في حين إنّه نسب إلى جماعة من الأصحاب بل قيل أنّه المشهور بين القدماء القول بالعدم. ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة في المقام : فمنها ما دلّ على التحريم ، ومنها ما دلّ على العدم.

فمن الأوّل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة ، أيتزوج بابنتها؟ قال : «لا» (٢).

وصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : عن رجل باشر امرأة وقبّل غير أنّه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، فقال : «إن لم يكن أفضى إلى الأُم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها» (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل فجر بامرأة

__________________

(١) راجع الانتصار : ١٠٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٢.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أيتزوّج أُمّها من الرضاع أو ابنتها؟ قال : «لا» (١). بدعوى أنّ السؤال عن خصوص الام الرضاعية وابنتها إنّما يكشف عن وضوح الحرمة في جانب الام والبنت النسبية لدى السائل ، وإنّما السؤال عن تنزيل الرضاعية منزلتهما.

ومثلها صحيحته الأُخرى عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ، أيتزوج أُمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : «لا» (٢).

والظاهر اتحاد هذين النصّين ، إذ من البعيد جدّاً أن يسأل محمد بن مسلم قضية واحدة من الإمام (عليه السلام) مرتين بلفظ واحد ويرويها لعلاء مرتين كذلك ، بل الظاهر أنّ الرواية واحدة ، غاية الأمر أنّ العلاء الذي يرويها عن محمد بن مسلم قد رواها مرتين ، فتارة رواها لعلي بن الحكم ، وأُخرى رواها لابن محبوب.

وصحيحة يزيد الكناسي ، قال : إنّ رجلاً من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنّه كان يلاعب أُمها ويقبّلها من غير أن يكون أفضى إليها ، قال : فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال لي : «كذب ، مره فليفارقها». قال : فأخبرت الرجل ، فوالله ما دفع ذلك عن نفسه وخلى سبيلها (٣).

وهذه الرواية قد رواها في الوسائل عن بريد ، إلّا أنّ الظاهر أنّ الصحيح هو يزيد الكناسي على ما في الكافي (٤). ثم إنّه لا مجال للمناقشة في سند هذه الرواية بأنّ يزيد الكناسي لم يرد فيه توثيق ، وذلك لما ذكرناه في كتابنا (معجم رجال الحديث) من أنّه هو يزيد أبو خالد القماط الذي وثّقه النجاشي ، فراجع (٥).

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ فقال : «إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها وليتزوّجها هي إن شاء» (٦).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٥.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٦.

(٥) معجم رجال الحديث ٢١ : ١١١.

(٦) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٣.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد روي هذا النص باختلاف يسير جدّاً عن منصور بن حازم بطريق صحيح أيضاً (١).

وهذه كل الروايات الواردة في المقام والمعتبرة سنداً ، وإلّا فهناك عدّة روايات أُخر تدل على المنع إلّا أنّها لا تخلو من الإشكال السندي ، كمرسلة زرارة ورواية أبي الصباح الكناني.

وبإزاء هذه النصوص الصحيحة نصوص صحيحة أُخرى دالة على الجواز ، منها :

صحيحة هاشم (هشام) بن المثنى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، إنّه سُئل عن الرجل يأتي المرأة حراماً ، أيتزوجها؟ قال : «نعم ، وأُمها وابنتها» (٢).

ولا يخفى أنّ القاسم بن محمد المذكور في سند هذه الرواية ليس مردداً بين الأصفهاني الضعيف والجوهري الثقة ، وذلك فلأنّ الحسين بن سعيد لم يرو عن الأصفهاني قط ، فمن يروي عن الحسين بن سعيد هو الجوهري لا محالة. ومن هنا فالرواية معتبرة سنداً.

ثم إنّ المذكور في التهذيب هو القاسم بن حميد ، وهو من غلط النسخة جزماً ، كما تشهد له نسخة الاستبصار. على أنّ القاسم بن حميد لا وجود له لا في كتب الروايات ولا في كتب الرجال ، فالصحيح هو القاسم بن محمد.

وصحيحته الأُخرى ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل : رجل فجر بامرأة ، أتحل له ابنتها؟ قال : «نعم ، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» (٣).

ولا يخفى أنّ ترديد نسخ الكتب في الراوي بين هاشم وهشام لا يضر بصحتها فإنّهما شخص واحد جزماً ، كما تدل عليه رواية الشيخ (قدس سره) في كتابيه لنص واحد ، مع إسناده إلى هاشم في أحدهما وإلى هشام في الآخر.

__________________

وفي الكافي ٥ : ٤١٦ : «فليتزوج ابنتها إن شاء ، وإن كان جماعاً فلا يتزوّج ابنتها ...» ونحوه في التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٧.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٧.

وفي هامشه : هاشم «هامش المخطوط» وكذلك التهذيبين.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ١٠.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة سعيد بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل فجر بامرأة ، يتزوج ابنتها؟ قال : «نعم يا سعيد ، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» (١).

وصحيحة حنان بن سدير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحاً ، هل تحلّ له ابنتها؟ قال : «نعم ، إنّ الحرام لا يحرم الحلال» (٢).

وصحيحة صفوان ، قال : سأله المرزبان عن رجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ثم اشترى ابنتها ، أيحل له ذلك؟ قال : «لا يحرم الحرام الحلال». ورجل فجر بامرأة حراماً ، أيتزوج بابنتها؟ قال : «لا يحرم الحرام الحلال» (٣).

وفي مقام حل مشكلة التعارض بين هاتين الطائفتين ، ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) : أنّ روايات الجواز قاصرة عن معارضة نصوص الحرمة سنداً وعدداً وعاملاً ودلالة ، لاحتمال إرادة مقدمات الوطء من الفجور الوارد في أدلة الجواز ، أو حمله على الزنا بعد التزويج ، أو حمل نصوص الجواز على التقية وهو أحسن المحامل (٤).

إلّا أنّ ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه. أما من حيث السند فما أفاده (قدس سره) عجيب ، فإنّ رواة الطائفتين معاً ثقات وممدوحون ، فلا مجال لترجيح إحداهما على الأُخرى.

وأما من حيث العدد فإنّ عدد الروايات الصحيحة من الطائفتين متساو بتمام معنى الكلمة ، إذ أن عدد الروايات الصحيحة الدالة على المنع كعدد الروايات الصحيحة الدالة على الجواز خمسة لا غير. نعم ، لو نظرنا إلى مجموع النصوص الواردة في المنع بالقياس إلى مجموع النصوص الواردة في الجواز ، أو اقتصرنا على خصوص الصحاح منهما ولكن قلنا باتحاد روايتي هشام بن المثنى الدالتين على الجواز ، كان عدد رواية المنع أكثر من عدد روايات الجواز ، إلّا أنّ الفارق بينهما ليس إلى حد يوجب طرح

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ١١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ١٢.

(٤) الجواهر ٢٩ : ٣٧٢.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

روايات الجواز ، إذ لا يصدق مع الفارق البسيط عنوان الشاذ على نصوص الجواز. هذا كلّه بالنظر إلى عدد الروايات نفسها ، وأما بالنظر إلى عدد الرواة فالأمر كذلك أيضاً ، فإنّ عدد كل من رواة الطائفتين هو أربعة فقط. وعليه فلا مجال للترجيح من هذه الجهة.

وأما من حيث العامل فلا مجال للترجيح به أيضاً ، لما عرفت غير مرة أنّ كثرة العامل أو عمل المشهور لا توجب وهن الرواية الصحيحة ورفع اليد عنها. على أنّ العامل بروايات الجواز ليس بقليل ، فقد عمل بها جملة من الأصحاب ، بل أفتى بمضمونها المشهور من القدماء ، بل ادعى السيد (قدس سره) في الناصريات الإجماع عليه (١).

وأما من حيث الدلالة ، فأما حمله للفجور على ما دون الجماع فهو خلاف الظاهر جزماً ، ولا مجال للمصير إليه ولا سيما وإنّ المذكور في بعضها هو الإتيان والتزوّج سفاحاً ، ومن الواضح أنّه لا مجال لحملهما على مقدمات الجماع.

وأما حمله على التقية فهو أبعد الكل وإن ذكر (قدس سره) أنّه أقرب المحامل ، وذلك فلأن المسألة كما هي خلافية بيننا فهي خلافية بينهم أيضاً ، فقد ذهب أكثرهم إلى المنع في حين اختار جماعة منهم الجواز ، ومعه فلا مجال للحمل على التقية. على أنّ الحمل على التقية في مقام الترجيح إنّما هو في مرحلة متأخرة عن العرض على الكتاب الكريم ، فإنّه إنّما يصار إليه بعد موافقة الطائفتين المتعارضتين أو مخالفتهما للكتاب ، وإلّا فالترجيح للموافق منهما له. ومن هنا فحيث أنّ نصوص الجواز موافقة لقوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) فالترجيح لها ، ولا مجال للحمل على التقية.

ثم إنّ بعضهم قد حاول الجمع بين الأخبار بحمل أدلة المنع على الكراهة ، نظير ما يقال في كل مورد ورد فيه منع ودلّ الدليل على جوازه.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، وذلك :

أوّلاً : لما تقدم منّا غير مرة من أنّ الجمع العرفي إنّما يكون في مورد لو فرض فيه اتصال الكلامين لكان أحدهما قرينة على الآخر ، وحيث أنّ هذا غير متصوّر فيما نحن

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ٢٤٥.

٣١٤

بل لعلّه لا يخلو عن قوّة (*) (١).

وكذا الكلام في الوطء بالشبهة ، فإنّه إن كان طارئاً لا يوجب الحرمة (٢) وإن كان سابقاً على التزويج أوجبها (**) (٣).

______________________________________________________

فيه فلا مجال للجمع بينهما ، فإنّ «لا» المذكورة في أدلّة المنع لا تجتمع مع «نعم» المذكورة في أدلّة الجواز في كلام واحد ، فإنّهما متهافتان بتمام معنى الكلمة.

وثانياً : إنّ بعض روايات المنع قد تضمنت تعابير تأبى عن الحمل على الكراهة نظير ما ورد في معتبرة يزيد الكناسي من الأمر بمفارقتها ، فإنّ ظاهره أنّها ليست بزوجته وإنّ نكاحهما باطل ، ومن الواضح أنّه لو كان الزواج مكروهاً لم يكن لمفارقتها بهذا المعنى وجه.

وثالثاً : إنّ الجمع العرفي بالحمل على الكراهة إنّما يتصوّر في الأحكام التكليفية وأما الأحكام الوضعية كنفوذ العقد وعدمه فلا مجال فيها للحمل على الكراهة فإنّ العقد إما هو نافذ أو لا.

وبالجملة : فالمتحصل مما تقدم أنّ الأخبار الواردة في المقام متعارضة بتمام معنى الكلمة ، وأنّ المحامل التي ذكرت للجمع بينها لا تخلو من مناقشة.

إذن فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه قواعد الترجيح ، وقد عرفت في طيات البحث أنّ مقتضاها ترجيح نصوص الجواز نظراً لموافقتها للكتاب. ومع التنزل عن ذلك فمقتضى القواعد هو التساقط ، ويكون المرجع حينئذ هو عمومات الحل إذ لم يثبت لها مخصص.

(١) وقد عرفت ما فيها من الإشكال.

(٢) لعدم الدليل عليها ، بعد أن كان دليل الإمضاء مقتضياً لثبوت ما أنشأه المنشئ وعدم ارتفاعه إلّا برافع.

(٣) وهو مختار المشهور. واستدل عليه :

تارة بالأولوية ، ببيان أنّ الزنا المحرم إذا كان موجباً لثبوت الحرمة ، فالوطء الحلال

__________________

(*) في القوّة إشكال بل منع.

(**) فيه إشكال بل منع.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

موجب لثبوتها بطريق أولى.

وأُخرى بالاستقراء ، بدعوى أنّ المتتبّع لكلام الأصحاب ومسائل الفقه يجد ثبوت جميع الأحكام المترتبة على النكاح الصحيح من لزوم المهر والعدّة ولحوق الولد للوطء بالشبهة ، ومن هنا فإذا كان الوطء الصحيح موجباً لحرمة البنت ، كان الوطء شبهة موجباً لها أيضاً.

وثالثة بمفهوم قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال» بتقريب أنّ مقتضاه هو أنّ الحلال يحرم الحلال ، وحيث إنّ الوطء شبهة من مصاديق الحلال يكون محرماً لا محالة.

إلّا أنّ في جميع هذه الوجوه نظراً.

أمّا الأول : فلأن إثباتها في غير العمة والخالة يتوقف على القول بالتحريم عند الزنا بهنّ ، وأما على المختار من عدم ثبوت الحرمة فلا مجال للقول بالأولوية. على أنّ المناقشة في أصل الأولوية واضحة ، فإنّ من القريب جدّاً أن يكون التحريم حكماً تأديبياً للفاعل وعقوبة له على فعله الشنيع ، وحيث لا وجه للعقوبة في وطء الشبهة فلا مجال لقياسه حتى بالأولوية على الزنا.

وأمّا الثاني : فلعدم الدليل على إلحاق الوطء شبهة بالنكاح الصحيح. نعم ، ورد الدليل على إثبات جملة من آثار النكاح الصحيح كالعدّة والمهر ولحوق الولد للوطء شبهة ، وأما جميع الآثار فلم يدل دليل عليه ، بل ثبت العكس من ذلك ، فإنّه لا يجوز النظر إلى أُم الموطوءة شبهة والحال أنّه من أظهر آثار النكاح الصحيح.

وأمّا الثالث : ففيه :

أوّلاً : إنّ الوطء شبهة لا يلزم أن يكون حلالاً دائماً ، بل قد يكون حلالاً وقد يكون حراماً ، فإنّ الواطئ شبهة إنّما يعذر فيما إذا كان جهله غير ناشئ عن تقصير وأما إذا كان عن تقصير ففعله حرام وهو معاقب عليه. بل القاصر نفسه لا يكون فعله حلالاً دائماً ، فإنّه إن كان قاطعاً بحلّية المرأة من غير شكّ كان فعله حلالاً ظاهراً وواقعاً ، لأنّه كالغافل والناسي لا يكلف بشي‌ء. وأما إذا لم يكن الأمر كذلك ، كما لو استند فعله إلى دعواها عدم وجود الزوج لها ، ففعله وإن كان حلالاً ظاهراً إلّا أنّه حرام واقعاً.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانياً : إنّ مفهوم هذه القضية ليس هو أنّ كل حلال يحرم الحلال كي ينفعنا في المقام ، فإنّ هذه القضية ليست بشرطية ، والوصف لا مفهوم له ؛ غاية الأمر أنّه يدل على عدم ثبوت الحكم الطبيعي وإلّا لكان ذكره لغواً ، وهذا يكفي فيه ثبوت التحريم لبعض أفراد الحلال فإنّه يرفع اللغوية.

والحاصل أنّ غاية ما يقتضيه هذا الوصف من المفهوم هو أنّ بعض الحلال يحرم ومن الواضح أنّ ذلك لا يقتضي إثبات الحرمة في المقام.

ثم إنّ الظاهر من كلام الماتن (قدس سره) أنّ زنا الأب بامرأة لا يوجب تحريمها على ابنه ، وكذا العكس ، حتى ولو كان الزنا سابقاً على العقد.

والوجه في هذا الظهور أنّه (قدس سره) قد تعرّض في صدر كلامه إلى الزنا الطارئ على العقد ، فذكر أنّ زنا الأب بامرأة الابن لا يوجب تحريمها عليه ، وكذا العكس. ثم تعرض للزنا بالعمة والخالة السابق على العقد على ابنتيهما ، واختار فيه التحريم أيضاً. ثم ذكر في آخر كلامه الوطء شبهة ، فذكر أنّه إن كان طارئاً لا يوجب التحريم ، وإن كان سابقاً أوجبها ، من دون أن يتعرّض لزنا الأب أو الابن بالأجنبية وأنّه هل يقتضي تحريمها على الآخر أم لا؟

فيظهر من ذلك أنّه (قدس سره) لم يَرَ ثبوت الحرمة في الزنا السابق على العقد ، فلا تحرم موطوءة الأب بالزنا على الابن ، كما لا تحرم موطوءة الابن كذلك على الأب. وهذا هو الصحيح إذ لا موجب للقول بالحرمة ، لا سيما بعد دلالة جملة من النصوص المعتبرة على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» ، فإنّ مقتضاها أنّ حلّية التزوّج بالمرأة الثابتة لكل من الأب والابن قبل صدور الفعل الشنيع من الآخر لا ترتفع بصدور الفعل من الآخر.

نعم ، قد وردت في المقام روايتان تدلّان على الحرمة صريحاً ، هما :

١ ـ صحيحة أبي بصير ، قال : سألته عن الرجل يفجر بالمرأة ، أتحلّ لابنه؟ أو يفجر بها الابن ، أتحل لأبيه؟ قال : «لا ، إن كان الأب أو الابن مسها واحد منهما فلا تحلّ» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٩ ح ١.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٢ ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل زنى بامرأة ، هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : «لا» (١).

وهاتان الروايتان معتبرتان سنداً وواضحتان دلالة ، فلو كنّا نحن وهاتين الروايتين لكان اللّازم تخصيص عموم : «الحرام لا يحرم الحلال» بهما ، حيث دلّتا على تحريم الحرام للحلال في هذا المورد.

إلّا أنّهما مبتلاتان بالمعارض ، إذ يعارضهما صحيح زرارة ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إن زنا رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه ، فإنّ ذلك لا يحرمها على زوجها ، ولا يحرم الجارية على سيدها. إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» (٢).

ومحل الشاهد منها هو الذيل ، فإنّ مقتضى الحصر المذكور فيه بـ «إنّما» هو عدم ثبوت الحرمة في غير الإتيان حلالاً أبداً ، ومن هنا تكون معارضة للصحيحتين السابقتين.

إذن فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات ، وقد عرفت في الفرع السابق أنّ أوّل المرجحات هو موافقة الكتاب العزيز ، وحيث إنّ صحيحة زرارة المقتضية لعدم الحرمة في المقام هي الموافقة للكتاب وللسنة أيضاً لما تقدم من أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» كان الترجيح لها لا محالة ، وعليه فتكون النتيجة هو اختيار عدم الحرمة في زنا الأب أو الابن بامرأة بالنسبة إلى الآخر.

نعم ، قد يستدلّ للتحريم بالنسبة إلى موطوءة الأب خاصة بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) بدعوى أنّ النكاح اسم للوطء ، ومن هنا فتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) وبذلك فيكون الترجيح لأدلة المنع بالنظر إلى أنّها الموافقة للكتاب العزيز.

إلّا أنّه لا يسلم من المناقشة ، وذلك فلأنّ كلمة النكاح ومشتقاتها قد وردت في الكتاب العزيز فيما يزيد عن عشرين مورداً ، وهي مستعملة في جميع تلك الموارد في

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ١.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التزويج.

كقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (١).

وقوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٢).

وقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ) (٣).

وقوله تعالى (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٤).

وقوله تعالى (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا) (٥). إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

نعم ، هي مستعملة في مورد واحد في الوطء هو قوله تعالى (الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (٦) وذلك على ما اختاره في محلّه ، وإلّا فقد ذهب المشهور إلى أنّها مستعملة في التزويج أيضاً.

ومن هنا فحمل النكاح في المقام على الوطء من غير قرينة خلاف الظاهر جدّاً بل الظاهر منه ولا سيما بملاحظة استعمالاته في سائر الموارد هو التزويج.

نعم ، لا يبعد دعوى اشتراك هذه الكلمة لفظاً بين التزويج والوطء ، وعلى هذا فتحتاج معرفة المراد بها في كل مورد إلى القرينة وإن كان الغالب استعمالها في التزويج. وأما احتمال كونها مشتركة معنوية بينهما بمعنى كونها موضوعة للجامع بينهما فهو بعيد جدّاً ، إذ لا جامع حقيقي بين الأمر الاعتباري والأمر الحقيقي ، والجامع الانتزاعي وإن كان ممكناً في حدّ ذاته وثابتاً في متعلقات الأوامر ، إلّا أنّه لا دليل عليه في باب الوضع بل لم يعهد ذلك في شي‌ء من موارده.

ثم هل إنّ حكم الوطء شبهة حكم الزنا ، فلو وطئ الأب امرأة شبهة ثم أراد الابن

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣٢.

(٢) سورة النساء ٤ : ٣.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٢١.

(٤) سورة الممتحنة ٦٠ : ١٠.

(٥) سورة البقرة ٢ : ٢٢١.

(٦) سورة النور ٢٤ : ٣.

٣١٩

[٣٧٦٥] مسألة ٢٩ : إذا زنى بمملوكة أبيه ، فإن كان قبل أن يطأها الأب

______________________________________________________

التزوّج منها ، أو بالعكس ، فهل يلتزم بالتحريم أم لا؟

نسب إلى جماعة القول بالحرمة. واستدلوا عليها بما تقدّم من الاستقراء ، والأولوية ومفهوم قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال» وقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ). وقد عرفت المناقشة فيها جميعاً.

نعم ، قد يتمسك لإثباتها بذيل صحيحة زرارة المتقدمة ، حيث ورد فيها : «إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال» ببيان أنّ الوطء إذا كان حلالاً اقتضى ذلك حرمة الجارية على الابن.

وفيه : ما قد عرفت من أنّه ليس كل وطء شبهة حلالاً ، فإنّه قد يكون حراماً ومعاقباً عليه.

على أنّ الرواية إنّما تضمنت إثبات الحرمة فيما إذا كانت المرأة له حلالاً وهو أجنبي عن كون الوطء حلالاً ، فإنّ البون بينهما بعيد ، فإنّ معنى حلية المرأة هو انفتاح الطريق وعدم انسداده وهو المعبّر عنه بالحلّية الأصلية ، في مقابل الحلّية العارضية فإنّها قد تتحقق حتى مع كون المرأة أجنبية ، نظير ما تقدم في لباس المصلي حيث يشترط فيه أن لا يكون من أجزاء محرّم الأكل ، إذ قلنا أنّ المراد من الحلية والحرمة ما ثبتت بالأصل دون العارض ، فلا يضرّ الصلاة في ثوب من أجزاء ما حرّم أكله لوقف وما شابهه ، كما لا تصحّ الصلاة في أجزاء ما حلّ أكله لاضطرار وما شاكله.

ومن هنا فالنص لا يشمل المقام ، باعتبار أنّ حلية الوطء إنّما ثبتت في المقام لعارض ، وإلّا فالمرأة أجنبية وهي محرمة عليه ولا يجوز له وطؤها. وعلى هذا فحيث لا دليل على حرمة موطوءة الأب شبهة على الابن أو العكس ، فلا محيص عن الالتزام بالجواز.

ولو تمّ الاستدلال بصحيحة زرارة في المقام ، لكان اللّازم القول بثبوت التحريم حتى ولو كان الوطء متأخراً عن الدخول أيضاً ، والحال أنّه مما لا قائل به على الإطلاق.

٣٢٠