موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وإلّا كان زانياً (١).

[٣٧٤٢] مسألة ٦ : يجوز للأب أن يقوّم مملوكة ابنه الصغير على نفسه ووطؤها (٢).

______________________________________________________

إلّا أنّ هذه الرواية لا تصلح لمعارضة ما تقدم من النصوص المتقدمة ، الدالة على لزوم التقويم على نفسه ونقلها إلى ملكه. على أنّها ضعيفة السند بعروة الخياط ، فإنّه لم يثبت توثيقه.

(١) لكونه وطئاً بغير استحقاق أو شبهة.

(٢) بلا خلاف في ذلك بين الأصحاب ، والنصوص الدالة عليه متضافرة ، إلّا أنّها كما تقدّمت الإشارة إليه في المسألة السابقة على قسمين : فمنها ما هو وارد في خصوص جارية الولد الصغير ، ومنها ما هو مطلق بالنسبة لجارية الولد الكبير أو صريح في ذلك.

أمّا القسم الأوّل : فهو عبارة عن صحيحتي أبي الصباح ومحمد بن إسماعيل المتقدِّمتين في المسألة السابقة وغيرهما من النصوص الصحيحة.

وأمّا القسم الثاني : فهو عبارة عن جملة من النصوص الصحيحة. منها : صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل يكون لابنه جارية ، إله أن يطأها؟ فقال : «يقوّمها على نفسه ويشهد على نفسه بثمنها أحبّ إليّ» (١). فإنّها بإطلاقها تدلّ على عدم اختصاص الحكم بجارية الولد الصغير.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «في كتاب علي (عليه السلام) : أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً ، ويأخذ الوالد من مال ولده ما يشاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إن لم يكن الابن وقع عليها» (٢). فإنّها كسابقتها في الإطلاق.

ومنها : صحيحة ابن سنان المتقدمة ، حيث ورد فيها : «وإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها ، إلّا أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه».

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٠ ح ٣.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة أيضاً.

ومنها : صريح صحيحة الحسن بن محبوب المتقدمة ، حيث فرض فيها أنّها جارية لابنته المزوجة والتي رجعت إلى بيته بعد وفاة زوجها.

وأصرح من جميع ذلك صحيحة إسحاق بن عمار المتقدمة أيضاً ، حيث ورد فيها : «وإن كان للرجل جارية فأبوه أملك بها أن يقع عليها ما لم يمسّها الابن».

ومقتضى هذه النصوص هو جواز التقويم مطلقاً ، سواء أكان الولد صغيراً أم كبيراً. ولا يعارضها ما ورد في القسم الأول ، لأنّ التقييد بالصغير إنّما ورد في كلام السائل وهو لا يقتضي اختصاص الحكم به ، بل غاية ما يفيده هو عدم ثبوت الحكم في غيره إلّا بالدليل ، وقد عرفت ما يدلّ عليه.

نعم ، ورد التقييد بالصغير في كلام الإمام (عليه السلام) في موردين هما :

١ ـ صحيحة ابن سنان المتقدمة ، حيث ورد في ذيلها : «فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحبّ أن يقتضها ، فليقوّمها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ، إن شاء وطئ وإن شاء باع».

٢ ـ رواية الحسن بن صدقة عن أبي الحسن (عليه السلام) ، حيث ورد فيها : فقال : «إذا اشتريت أنت لابنتك جارية أو لابنك ، وكان الابن صغيراً ولم يطأها ، حلّ لك أن تقتضها فتنكحها ، وإلّا فلا إلّا بإذنهما» (١).

إلّا أنّ ذلك لا يؤثر شيئاً فيما ذكرناه ، فإنّ الرواية الأُولى يرد عليها بأنّ مفهومها إنّما هو (إن لم يكن للرجل ولد صغار) وهو لا حجية فيه.

ولا يجري فيه ما ذكرنا في محلّه من أنّ ذكر القيد يدلّ على عدم ثبوت الحكم للطبيعي وإلّا لكان ذكره لغواً ، وذلك لإمكان حمل القيد على بيان انحصار حلية وطء جاريته بذلك إذ لا طريق لها بغير التقويم ، بخلاف الكبير حيث لا يختص جواز الوطء بذلك بل يجوز بالتحليل وغيره أيضاً ، فلا يكون ذكر القيد لغواً.

ودعوى أنّ حلّية جارية الولد الصغير لا تنحصر بالتقويم ، لإمكانها بعقد الأب

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٠ ح ٥.

٢٨٢

والظاهر إلحاق الجد بالأب (١)

______________________________________________________

عليها ، أو تحليلها لنفسه بالولاية.

مدفوعة بأنّ العقد والتحليل لما كان يشتمل بطبيعة الحال على المفسدة ، نظراً لإيجابهما تحريم الجارية على الصغير ، لم يكن للأب ولاية على ذلك ، ومن هنا فينحصر طريق الحلّية بالتقويم لا محالة.

والحاصل أنّ القيد في هذه الصحيحة لما أمكن حمله على بيان جهة وخصوصية فيه ، فلا مجال لجعل هذه الصحيحة معارضة للصحاح التي دلّت بإطلاقها على التعميم ، فضلاً عن التي دلّت على ثبوت الحكم في جارية الولد الكبير صراحة.

وأما الرواية الثانية ؛ فهي ضعيفة أولاً بسهل حيث لم تثبت وثاقته ، وثانياً بموسى ابن جعفر فإنّه ضعيف ولا اعتبار بروايته. على أنّ هذه الرواية قد تضمنت إثبات الحلّية لخصوص ما اشتراه الأب لابنه أو لابنته ، دون التي دخلت في ملك الولد أو البنت بطريق آخر كالإرث أو الشراء من مالهما وهذا منافٍ للأخبار الصحيحة المتقدمة ، ولا قائل به بين الأصحاب. ومن هنا فلا مجال للاعتماد على هذه الرواية في قبال ما تقدم من الأخبار الصحيحة.

نعم ، لا يخفى أنّ مقتضى جملة من النصوص المتقدمة هو اختصاص الحكم في جانب الكبير بمورد حاجة الأب إلى جاريته ، إذ قد ورد في عدّة من النصوص اختصاص جواز الأخذ من مال الابن بمورد حاجته إليه ، بخلاف الحكم في جانب الصغير حيث يجوز للأب تقويم جاريته وتملكه لها مطلقاً ، سواء أكان بحاجة إليها أم لم يكن ، على ما يظهر ذلك من التعبير بـ «إن أحبّ» في صحيحة ابن سنان وغيرها. وبهذا يختلف الحكم فيهما نظراً لما يظهر من النصوص.

(١) وقد خالف فيه جماعة ، مدعين اختصاص النصوص بالأب وهو ظاهر في الوالد بلا واسطة ، والتعدي عنه يحتاج إلى الدليل.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، نظراً إلى أنّ المذكور في بعض النصوص وإن كان لفظ الأب إلّا أنّه غير مذكور في عمدة النصوص المعتبرة ، وإنّما المذكور فيها «للرجل ولد صغار» على ما في صحيحة ابن سنان ، أو (الرجل يكون لبعض ولده جارية) على ما في صحيحة الكناني ، وهو عام يشمل الأب بلا واسطة والجدّ.

٢٨٣

والبنت بالابن (١) وإن كان الأحوط خلافه. ولا يعتبر إجراء صيغة البيع أو نحوه (٢) وإن كان أحوط (*). وكذا لا يعتبر كونه مصلحة للصبي (٣).

______________________________________________________

ومعه كيف يمكن دعوى اختصاص النصوص بالأب بلا واسطة ، ولا سيما بعد ظهور لفظ الولد في الأعمّ من الابن بلا واسطة والابن مع الواسطة! بل من غير البعيد دعوى أنّ شمول مورد الأسئلة للجدّ أقرب من شموله للأب بلا واسطة ، وذلك نظراً للغلبة الخارجية. فإنّ فرض كون الجارية للابن الصغير أو الابنة الصغيرة إنّما يكون غالباً بموت الأب وانتقال الجارية إليهما بالإرث ، وإلّا ففرض شراء الأب الجارية لهم وإن كان ممكناً إلّا أنّه بعيد.

(١) وذلك فلأنّ عنوان الابن لم يذكر إلّا في بعض النصوص ، والمذكور في أكثرها إنّما هو عنوان الولد ، ومقتضى إطلاقه هو عدم اختصاص الحكم بالابن وعمومه للبنت أيضاً. بل يمكن استفادة التعميم من النصوص التي دلّت على أنّ الحكم بجواز تقويم الأب لجارية ابنه الصغير إرفاق في حق الأب ، إذ إنّ من الواضح أنّ الإرفاق في حقّه لا يختص بالنسبة إلى جارية ابنه الصغير خاصة ، وإنّما هو ثابت في جارية ابنته الصغيرة أيضاً.

(٢) لا يخفى أنّ مقتضى النصوص هو عدم كفاية مجرد التقويم في حلّية الجارية ، إذ إنّ المذكور فيها هو التخليص ، ومن الواضح أنّه عبارة عن فكّ علاقة الجارية عن ملك الولد وإدخالها في ملكه ، وهو لا يتحقق بمجرد التقويم ومعرفة قيمتها فقط ، ومن هنا فلا بدّ من أجل ثبوت الحلّ من مملّك بعد معرفة قيمتها ، ولا أقل من إجراء المعاملة المعاطاتية.

(٣) لعدم الدليل على اعتبارها ، بل إطلاقات النصوص تدلّ على عدم اعتبارها بل يمكن دعوى أنّه لا حاجة لإثبات الحكم إلى التمسك بالإطلاق ، وذلك لأنّ هذه النصوص تدلّ على وجود خصوصية للأب في هذا الحكم. فلو كانت المصلحة معتبرة لما كانت للأب خصوصية بل كان الحكم ثابتاً في جميع الأولياء ، سواء أكان الحاكم الشرعي أم كان القيّم على الصغير ، فإنّه يجوز لهم جميع أنواع التصرف في أموال الصبي

__________________

(*) لا يُترك الاحتياط فيه وفيما بعده.

٢٨٤

نعم ، يعتبر عدم المفسدة (١). وكذا لا يعتبر الملاءة في الأب (٢) وإن كان أحوط.

[مسألة ٣٧٤٣] مسألة ٧ : إذا زنى الابن بمملوكة الأب حدّ (٣). وأما إذا زنى الأب بمملوكة الابن ، فالمشهور عدم الحدّ عليه ، وفيه إشكال (*) (٤).

______________________________________________________

بيعاً كان أو غيره إذا كان في ذلك مصلحة للصغير ، والحال أنّه لا شكّ في عدم ثبوت هذه الخصوصية في سائر الأولياء.

(١) بلا خلاف فيه بينهم. وتدلّ عليه صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) : «أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك» ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) : «ما أُحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه إنّ (اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)» (٢).

على أنّ في النصوص التي دلّت على لزوم الإعلان والإشهاد على التقويم إشعاراً على ذلك ، إذ لو كان للأب أن يفعل كيفما شاء بحيث يجوز له تملكها حتى مع فقره وعدم تمكّنه من أداء قيمتها ، لم يكن للإعلان والإشهاد وجه.

(٢) لإطلاق النصوص. إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لما ورد في النصوص من لزوم الإعلان والإشهاد ، فإنّ من الواضح أنّ فائدتهما إنّما هو معرفة ثبوت القيمة في ذمته كي لا تفوت على الصغير ، فإذا فرض أنّ الأب فقير بحيث لا يتمكن من الأداء ولا تتحمل ذمته ذلك يجوز له التملك بالتقويم ، فلا تبقى للإعلان والإشهاد فائدة وأثر. على أنّ في تقويم جارية الصغير وتملكها مع عدم الملاءة إفساداً واضحاً ، لأنّه من جعل ماله في معرض التلف ، فلا يجوز للأب ذلك.

(٣) لإطلاقات الأدلة ، فيكون حال هذا الفعل حال الزنا بالأجنبية.

(٤) بل الظاهر ثبوت الحد عليه ، لعدم النص على العدم ، وإن كان ظاهر المسالك وجود النص (٣) ، إلّا أنّه سهو منه (قدس سره).

__________________

(*) بل الظاهر ثبوت الحدّ عليه ، ويظهر من المسالك في المسألة الرابعة من حدّ السارق المفروغية على ترتّب حدّ الزاني على الأب لو زنى بجارية الابن.

(١) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٨ ح ٢.

(٢) مسالك الافهام ٧ : ٢٨٧.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واحتمال أن يكون المراد بالنص قوله (عليه السلام) : «أنت ومالك لأبيك» لا يمكن المساعدة عليه حتى ولو فرض حمل هذه الجملة على معناها الحقيقي ، إذ لازمه الخروج عن محل الكلام نظراً لعدم تحقق الزنا ، حيث إنّ للأب حينئذٍ أن يطأ جارية ابنه حتى من غير تقويم باعتبار كونها مملوكة للأب حقيقة. ومن هنا تكون هذه الرواية أجنبية عن حكم زنا الأب بمملوكة ابنه لو تحقق ، كما لو وطئ جارية ابنه الموطوءة من قبله.

نعم ، ظاهر الأصحاب استفادة الحكم في المقام مما دلّ على أنّ الوالد لا يقاد بابنه (١) وما ورد من أنّ الأب لا يحدّ إذا قذف ابنه (٢) وما هو المشهور بين الأصحاب وهو الصحيح من أنّ الولد لا يقتصّ من أبيه إذا قتل امه ، عن طريق الأولوية القطعية. نظير استفادة عدم قطع يد الأب بالسرقة من مال ابنه ، مع أنّه لا دليل عليه بخصوصه أصلاً. وذلك بدعوى أنّ الولد إذا لم يكن له المطالبة بحدّ الأب في النفس والعرض اللذين هما من المال قطعاً ، لم يكن له المطالبة بحدّه فيما لو سرق منه أو زنى بمملوكته بطريق أولى.

إلّا أنّ ما ذكر بالنسبة إلى عدم القطع في السرقة متين وفي محلّه جدّاً ، إذ للمسروق منه العفو عن السارق قبل الإقرار أو قيام البينة إجماعاً ، وإن لم يكن له ذلك بعدهما على الأقوى وإن ذهب المشهور إلى خلافه ، فبذلك تكون في السرقة شبهة حق الناس فتلحق بالقتل والعرض. وأما بالنسبة إلى عدم الحدّ في الزنا فهو مما لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لا وجه للتعدي مما هو من حقوق الناس كالقتل والقذف حيث ليس للحاكم إجراء الحد من دون مطالبة من له الحق إلى ما هو من حقوق الله تبارك وتعالى محضاً كحدّ الزنا ، فإنّه من حقوق الله تعالى وليس لأحد إسقاطه.

ومن هنا فحيث لا نصّ في المقام ، ولا وجه للتعدي ، ولا إجماع على ما يظهر من عبارة المسالك في المسألة الرابعة من حدّ السارق حيث حكم بالحدّ عند زنا الأب بجارية ابنه وإن كان ذلك مخالفاً لما ذكره في المقام فلا مبرر للقول بالفرق بين الأب والابن ، بل الصحيح هو الالتزام بحدّ الأب إذ زنى بجارية ابنه أيضاً.

__________________

(١) راجع الكافي ٧ : ٢٩٧ ح ١ ، التهذيب : ١٠ : ٢٣٦ ح ٤٩١.

(٢) الوسائل ٢٨ : ١٩٦ من أبواب حد القذف باب ١٤ ح ٣٤٥٤٩.

٢٨٦

[٣٧٤٤] مسألة ٨ : إذا وطئ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحد (١) ولكن عليه مهر المثل (٢). ولو حبلت (٣) فإن كان الواطئ هو الابن عتق الولد قهراً مطلقاً (٤). وإن كان الأب لم ينعتق (*) (٥).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه على الإطلاق ، لاختصاصه بالزنا ودرء الحدود عند الشبهات.

(٢) على طبق القاعدة. وقد تقدم الكلام فيه مفصلاً في المسألة الثالثة عشرة من الفصل الأسبق.

(٣) المظنون قوياً كون هذا الذيل من ملحقات المسألة السابقة ، نظراً إلى أنّ المولود من الشبهة يلحق بالواطئ بلا خلاف ، فلا وجه لما ذكره (قدس سره) من التفصيل في هذا المقام ، وإنّما ينسجم ذلك مع كون الواطئ زانياً.

فإنّ الواطئ إذا كان هو الابن انعتق الولد مطلقاً ، لأنّه حينئذ حفيد للمالك وهو لا يملك ابنه حتى ولو كان مخلوقاً من الزنا. وإن كان الواطئ هو الأب : فإن كان المولود أُنثى انعتق أيضاً لكونها أُختاً للمالك فلا يملكها ، وإن كان ذكراً فيملكه إذ لا مانع من أن يملك الرجل أخاه. ولا يشمله ما دلّ على أنّ الولد يلحق بأشرف أبويه جزماً لاختصاص الحكم بالنكاح الصحيح نصاً وفتوى.

نعم ، يرد على إلحاق هذا الذيل بالمسألة السابقة أنّه لا وجه لما يذكره (قدس سره) في خاتمة الذيل من ثبوت قيمة الولد على الأب ، فإنّه لا دليل عليه فيما إذا كان الوطء عن زنا ، لاختصاص النص بما إذا كان النكاح صحيحاً.

(٤) سواء أكان ذكراً أم كان أُنثى ، لأنّه مع كون الوطء عن شبهة كما هو مفروض كلامه (قدس سره) يلحق بالابن الحر فيكون حراً ، ومع كون الوطء زنا فالمولود لمالك الأَمة ، وبما أنّه والد الزاني فلا يملك ولد ولده.

(٥) وهو إنّما يتمّ في فرض كون الواطئ زانياً ، كما مرّ.

وأمّا إذا كان الوطء عن شبهة كما هو مفروض كلامه (قدس سره) فهو بالإضافة إلى منافاته لما سيأتي منه (قدس سره) في فصل نكاح العبيد والإماء ، غير

__________________

(*) الظاهر هو الانعتاق كما صرّح به في المسألة الثامنة من فصل نكاح العبيد والإماء.

٢٨٧

إلّا إذا كان أُنثى. نعم ، يجب على الأب فكّه (١) إن كان ذكراً (٢).

[٣٧٤٥] مسألة ٩ : لا يجوز نكاح بنت الأخ أو الأُخت على العمّة والخالة إلّا بإذنهما (٣)

______________________________________________________

صحيح في نفسه ، وذلك لأن المولود عن الوطء الصحيح سواء أكان بالتزويج أم كان بالشبهة يلحق مطلقاً بأشرف أبويه ، وحيث إنّ الأب بحسب الفرض حر فيلحق الولد به وينعتق قهراً عليه.

وهذا الحكم غير مختص بما إذا كان الواطئ هو الأب أو الابن ، بل يعمّ حتى إذا كان الواطئ رجلاً أجنبياً.

وقد دلّت على ذلك جملة من النصوص ، ففي صحيحة جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحر يتزوج الأَمة أو عبد يتزوج حرة ، قال : فقال لي : «ليس يسترقّ الولد إذا كان أحد أبويه حراً ، إنّه يلحق بالحر منهما أيّهما كان ، أباً كان أو امّاً» (١).

ومن الواضح أنّه لا خصوصية للتزويج ، وإنّما العبرة بكون النكاح صحيحاً.

(١) بدفع ثمنه يوم سقط حياً. وتدلّ عليه موثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنّها حرة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثم إنّ مولاها أتاهم فأقام عندهم البيّنة أنّها مملوكة وأقرّت الجارية بذلك ، فقال : «تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه» (٢).

(٢) ظهر مما تقدم عدم صحة التفصيل بين الذكر والأُنثى بما ذكره. فإن الوطء إذا كان زنا فإنّ التفصيل في الانعتاق بين الذكر والأُنثى صحيح ، فإنّ الابن يملك أخاه ولا يملك أُخته ، إلّا أنّ الحكم بلزوم الفكّ في الذكر بلا موجب. وإذا كان الوطء وطء شبهة كما هو مفروض كلامه (قدس سره) فالولد حر مطلقاً ، فلا وجه للتفصيل بين الذكر والأُنثى.

(٣) على ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل ادعي في بعض الكلمات

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣٠ ح ٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٦٧ ح ٥.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجماع عليه ، والنصوص الدالة عليه كثيرة بل متضافرة.

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأُخت على العمة ولا على الخالة إلّا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأُخت بغير إذنهما» (١). وغيرها من النصوص الصحيحة الدالة على المدعى صريحاً.

نعم ، قد نسب الخلاف في ذلك إلى العماني والإسكافي والصدوق (قدس سره). حيث ذهب الأولان إلى الجواز مطلقاً (٢). لقوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣). وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن امرأة تزوج على عمتها وخالتها ، قال : «لا بأس» (٤).

في حين ذهب الصدوق (قدس سره) إلى المنع مطلقاً (٥) استناداً إلى صحيحة أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، ولا على أُختها من الرضاعة» (٦).

ومن هنا يُعرف أنّ النصوص الواردة في المقام على طوائف ثلاث ، والطائفتان الثانية والثالثة متعارضتان ، إلّا أنّ من الواضح أنّ الطائفة الأُولى هي وجه الجمع بين هذه الأخبار. وعليه فيتعيّن حمل صحيحة علي بن جعفر على فرض الإذن ، في حين تحمل صحيحة أبي عبيدة على فرض عدمه ، وبذلك تنحلّ مشكلة التعارض.

والحاصل أنّ الصحيح في المقام هو ما ذهب إليه المشهور من تقييد الجواز بصورة الإذن.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ١.

(٢) مختلف الشيعة ٧ : ٧٧.

(٣) سورة النساء ٤ : ٢٤.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ٣.

(٥) المقنع : ٣٢٨.

(٦) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ٨.

٢٨٩

من غير فرق بين الدوام والانقطاع (١) ولا بين علم العمّة والخالة وجهلهما (٢). ويجوز العكس (٣) وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين بالحال على الأقوى (٤).

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأدلة.

(٢) لإطلاق الأدلة أيضاً.

(٣) وهو المعروف والمشهور ، بل لم ينسب الخلاف فيه إلى أحد إلّا الصدوق (قدس سره) ، حيث منع عنه مطلقاً أيضاً ، فجعل ابنة الأخ مع العمة وابنة الأُخت مع الخالة كالاختين ، لا يجوز لأحد الجمع بينهما (١).

وكأنّ ذلك لرواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها» (٢).

إلّا أنّ هذه الرواية ضعيفة السند بمحمد بن الفضيل ، فإنّه الأزدي الصيرفي بقرينة الراوي والمرويّ عنه وهو ضعيف. نعم ، أصرّ الشيخ الأردبيلي (قدس سره) على أنّه محمد بن القاسم بن فضيل الثقة ، وقد ذكر لذلك عدّة قرائن (٣) وقد تعرّضنا لدفعها في كتابنا (معجم رجال الحديث) ، فراجع (٤).

على أنّ هذه الرواية لا دلالة لها على المنع إلّا بالإطلاق ، وإلّا فهي غير صريحة في عدم جواز التزوج بالعمة أو الخالة على ابنة الأخ وابنة الأُخت ، وهو يقيد بصريح صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وصحيحته الأُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضاً ، قال : «لا تنكح ابنة الأُخت على خالتها وتنكح الخالة على ابنة أُختها ، ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها وتنكح العمة على ابنة أخيها» (٥).

(٤) وفي المسالك أنّه : على تقدير جهلها بالحال ، فهل يقع العقد باطلاً ، أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها ، أم عقدها وعقد المدخول عليها؟ أوجه ، أوجهها الوسط (٦).

__________________

(١) المقنع : ٣٢٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ٧.

(٣) جامع الرواة ٢ : ١٧٤ ، ١٨٣.

(٤) معجم رجال الحديث ١٨ : ١٥٣.

(٥) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ١٢.

(٦) مسالك الافهام ٧ : ٢٩٢.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والمحتمل في مستنده أُمور :

الأوّل : دعوى كونه مقتضى احترام العمة والخالة ، نظير ما ورد فيمن تزوج حرة جاهلة بأنّ له زوجة أَمة ، فإنّها تتخيّر في إبطال عقدها بعد علمها بالحال ، فإنّ مقتضى اشتراك المسألتين في حكمة الحكم أعني الاحترام هو ثبوت الحكم فيما نحن فيه أيضاً.

وفيه : أنّه قياس لا نقول به. على أنّ لازم الالتزام بهذه الحكمة هو القول بتخير كل امرأة لها احترام خاص ، فيما إذا علمت بأنّ لزوجها زوجة هي دونها في الاحترام ، كما لو تزوج بمسلمة ثم علمت بأنّ له زوجة كتابية ، أو تزوج بعلوية ثم علمت بأنّ له زوجة عامية ، والحال إنّه مما لا يقول به أحد من الفقهاء.

الثاني : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «لا تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وبنت الأُخت بغير إذنهما». بدعوى رجوع الضمير إلى العمة والخالة.

وفيه : أنّه لا شكّ في اشتباه الشهيد (قدس سره) في نقل هذه الرواية ، فإنّما المثبت في كتب الأحاديث أجمع هو «تزوج الخالة والعمة ...» بالإثبات (١) وأما نسخة النفي فلم نعثر عليها في غير المسالك (٢). على أننا لو سلمنا النسخة فالظاهر منها هو رجوع الضمير إلى بنت الأخ وابنة الأُخت لقربهما ، فدعوى رجوعه إلى العمة والخالة بعيدة جدّاً ، وعلى هذا التقدير تكون الرواية معارضة لما دلّ على عدم اعتبار إذنهما.

الثالث : خبر أبي الصباح الكناني المتقدم ، حيث ورد فيه : «لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها». فإنّ مقتضاه عدم الجواز مطلقاً سواء أذنتا أم لم تأذنا ، كان عقدهما متقدماً أم متأخراً ، غير أننا خرجنا عنه في صورة إذنهما لما دلّ على الجواز فيها ، فيبقى الباقي ومنه المقام مشمولاً للإطلاق.

وفيه : أنّ الخبر ضعيف السند بمحمد بن الفضيل على ما تقدم. على أنّها لو صحت فمن المظنون قوياً صدورها مورد التقية ، حيث ذهب العامّة إلى حرمة الجمع بين كل

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ٥.

(٢) مسالك الافهام ٧ : ٢٩٠.

٢٩١

[٣٧٤٦] مسألة ١٠ : الظاهر عدم الفرق (١) بين الصغيرتين والكبيرتين والمختلفتين ، ولا بين اطلاع العمّة والخالة على ذلك وعدم اطلاعهما أبداً ، ولا بين كون مدّة الانقطاع قصيرة ولو ساعة أو طويلة ، على إشكال في بعض هذه الصور ، لإمكان دعوى انصراف الأخبار (٢).

______________________________________________________

امرأتين أو فرض إحداهما رجلاً حرم التناكح بينهما كالمقام ، حيث لو فرض كون ابنة الأخ رجلاً حرم عليها التزوج بعمتها ، كما لو فرض كون العمة رجلاً حرم عليها التزوج بابنة أخيها ، وهكذا لو فرض ابنة الأُخت رجلاً حرم عليها التزوج بخالتها أو فرض كون الخالة رجلاً حرم عليها التزوج بابنة أُختها (١).

وقد رووا في صحاحهم عدّة روايات عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) تدلّ على حرمة الجمع بين العمة وابنة أخيها وبين الخالة وابنة أُختها مطلقاً (٢).

ولو تنزلنا عن ذلك فإطلاق النصوص الصحيحة الدالة على جواز التزويج بالعمة على ابنة الأخ والخالة على ابنة الأُخت ، المقتضي لعدم الفرق بين علم الداخلة وجهلها ، موجب لرفع اليد عن إطلاق هذه الرواية وتقييدها بما إذا كان عقد العمة أو الخالة متقدماً على عقد ابنة الأخ أو ابنة الأُخت.

على أننا لو فرضنا تساقطهما بالتعارض ، فعمومات الحلّ في المقام محكمة.

ثم إنّ ما ذكره (قدس سره) من احتمال تخيرها في عقد ابنة الأخ وابنة الأُخت لم نعرف له وجهاً بالمرة ، فإنّه بعد فرض وقوع عقدهما صحيحاً في مرحلة سابقة على عقد العمة والخالة ، لا وجه لتوقفه على إذنهما وتخيرهما فيه.

إذن فالصحيح في المقام هو ما اختاره الماتن (قدس سره) من الالتزام بالجواز مطلقاً.

(١) كل ذلك لإطلاقات الأدلة.

(٢) إلّا أنّه لا وجه له بعد ترتب جميع الآثار على ذلك العقد ، من حرمة أُمها والتزوج بأُختها وثبوت الإرث وغيرها من الأحكام.

__________________

(١) المغني ٧ : ٤٧٩.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٣٦٥.

٢٩٢

[٣٧٤٧] مسألة ١١ : الظاهر (*) أنّ حكم اقتران العقدين حكم سبق العمّة والخالة (١).

______________________________________________________

(١) إلّا أنّه مشكل جدّاً ، بل الظاهر عدم جريان حكم تأخر عقد ابنة الأخ وابنة الأُخت على التقارن.

والوجه في ذلك هو أنّه لو لم تكن الأدلة الخاصة والنصوص المتقدمة ، لكان مقتضى عمومات الحلّ هو جواز الجمع بين العمة وابنة الأخ والخالة وابنة الأُخت مطلقاً ، سواء أتقدم عقد العمة والخالة على عقدهما أم تأخر أم كان مقارناً لعقدهما لكننا وبمقتضى هذه النصوص قد خرجنا عن العموم وقلنا بعدم جواز إدخال ابنة الأخ وابنة الأُخت على العمة والخالة إلّا بإذنهما ، إلّا أنّ عنوان الإدخال لما لم يكن صادقاً مع الاقتران لم تكن النصوص شاملة له ، ومن هنا فتكون عمومات الحلّ محكمة فيه.

نعم ، قد يقال بأنّ الحكم بالتوقف على إجازة العمة والخالة في المقام هو مقتضى احترامهما على ما رواه الصدوق (قدس سره) في العلل (١) ، نظير الخيار الثابت للحرة إذا اقترن عقدها بعقد الأَمة.

إلّا أنّه مردود بأنّ الرواية ضعيفة السند ، فلا مجال للاعتماد عليها. على أنّها لو صحت فالظاهر منها أنّها في مقام بيان حكمة الحكم لا علته وبينهما بون بعيد ، إذ لا يفهم من الأول العموم حيث لا يفهم منه أنّ الحكمة هي موضوع الحكم بخلاف الثاني. وأما تنظير المسألة بمسألة التزوج بالحرة والأَمة معاً بعقد واحد ، فهو قياس لا نقول به.

نعم ، لو فرضنا صحّة سند رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة لكانت دليلاً على المنع في المقام أيضاً ، حيث ورد فيها النهي عن الجمع بينهما ، وهو صادق على كل من التقدّم والتأخر والاقتران ، فيكون مقتضاها الحرمة مطلقاً.

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا ينبغي تركه.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٠ ح ١٠.

علل الشرائع : ٤٩٩.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أننا قد خرجنا عن ذلك فيما إذا دخلت العمة أو الخالة على ابنة الأخ أو ابنة الأُخت ، أو دخلتا هما على العمّة والخالة لكن برضاهما ، استناداً إلى ما دلّ على ذلك فيبقى الباقي بما في ذلك صورة اقتران عقد العمة مع عقد ابنة الأخ ، وعقد الخالة مع عقد ابنة الأُخت ، من غير إذن العمة والخالة مشمولاً لإطلاق المنع. وأما مع إذنهما فالعقد صحيح بلا إشكال ، حيث لا يزيد حاله عن حال تأخّر عقد ابنة الأخ أو ابنة الأُخت عن عقد العمة أو الخالة ، وقد التزمنا فيه بالصحة.

إلّا أنّك قد عرفت أنّ الرواية لضعف سندها بمحمد بن الفضيل غير قابلة للاعتماد عليها ، وحينئذٍ فالمتعيّن هو الرجوع إلى عمومات الحلّ والالتزام بالجواز في المقام مطلقاً ، سواء أرضيت العمة أو الخالة أم لم ترضيا.

والمتحصل من جميع ما تقدم أنّ للجمع بين العمة أو الخالة وبنت الأخ أو ابنة الأُخت وبين الحرة والأَمة صوراً ثلاث :

الأُولى : تأخر عقد ابنة الأخ أو ابنة الأُخت أو الأَمة عن عقد العمة أو الخالة أو الحرة. وفيها فالحكم في كلتا المسألتين أعني الجمع بين الحرة والأَمة ، والجمع بين العمة أو الخالة وبنت الأخ أو بنت الأُخت واحد ، حيث تتوقف صحة عقد المتأخر على إذن العمة أو الخالة أو الحرة.

الثانية : تأخّر عقد العمة أو الخالة أو الحرة عن عقد ابنة الأخ أو عقد ابنة الأُخت أو عقد الأَمة. وفيها فالحكم في كلتا المسألتين في فرض العلم واحد أيضاً ، حيث يصح العقد الثاني بلا إشكال وليس لأحد الخيار في العقد المتقدم. وأما في فرض الجهل : فإن كانت الداخلة هي الحرة فالحكم فيه هو ثبوت الخيار للحرة في عقدها ، فلها البقاء مع الزوج كما أنّ لها فسخ العقد. وأما إذا كانت الداخلة هي العمة أو الخالة ، فقد عرفت أنّ صاحب المسالك (قدس سره) قد اختار ثبوت الخيار لهما في عقدهما أيضاً كالحرة ، إلّا أنّه قد تقدمت منّا المناقشة في ذلك باعتباره قياساً محضاً إذ لا نص عليه.

الثالثة : اقتران عقد الحرة مع عقد الأَمة ، أو عقد العمة مع عقد ابنة الأخ ، أو عقد الخالة مع عقد ابنة الأُخت. ففيها يختلف الحكم في المسألتين ، إذ الثابت في مسألة الحرّة والأَمة هو صحّة عقد الحرة مع تخيّرها في عقد الأَمة ، وذلك لدلالة النص الصحيح عليه. وأما في مسألة العمة وابنة الأخ أو الخالة وابنة الأُخت ، فقد عرفت أنّ

٢٩٤

[٣٧٤٨] مسألة ١٢ : لا فرق بين المسلمتين والكافرتين والمختلفتين (١).

[٣٧٤٩] مسألة ١٣ : لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما والعليا (٢).

[٣٧٥٠] مسألة ١٤ : في كفاية الرضا الباطني منهما من دون إظهاره ، وعدمها وكون اللّازم إظهاره بالإذن قولاً أو فعلاً ، وجهان (*) (٣).

______________________________________________________

النصوص الواردة فيها لا تشمل صورة الاقتران ، نظراً إلى أنّ المذكور فيها هو الإدخال وهو لا يشمل الاقتران ، وعليه فيتعيّن الالتزام بصحة كلا العقدين من دون ثبوت خيار لأحد. فما ذهب إليه الماتن (قدس سره) في هذه الصورة من ثبوت الخيار لهما في غير محلّه ، باعتبار أنّه متوقف على القياس ولا نقول به.

(١) لإطلاق النصوص.

نعم ، لو كان متزوجاً بامرأة غير مسلمة ، ثم أراد التزوج بابنة أخيها أو ابنة أُختها فربّما يقال بعدم توقف عقدهما على إذنها ، نظراً إلى أنّ التوقف على إذنها إنّما هو لكونه احتراماً لها وإجلالاً لقدرها ، وحيث إنهما غير ثابتين للكافرة فلا حاجة إلى إذنها في صحة عقدهما.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لإطلاق النصوص ، وعدم ثبوت كون الاحترام هو العلّة في الحكم ، بل قد عرفت أنّ غاية ما يمكن الالتزام به هو كونه حكمة له ، ومن الواضح أنّ انتفاءها لا يستلزم انتفاءه.

(٢) لإطلاق الأدلة وصدق العمة والخالة على العليا.

(٣) أظهرهما الأول. والوجه فيه أنّ أكثر الروايات الواردة في المقام وإن تضمنت اعتبار الإذن وهو ظاهر في إبراز الرضا الباطني ، إلّا أنّ المذكور في معتبرة علي بن جعفر اعتبار الرضا وهو أعم من وجود المبرز وعدمه. ومقتضى الصناعة وإن كان هو حمل المطلق على المقيد ، إلّا أنّ وجود القرينة الخارجية الدالة على أنّ ذكر الإذن إنّما هو لأجل كاشفيته عن الرضا ، هو الذي جعلنا نقول بكفاية الرضا الباطني وعدم لزوم الإظهار بقول أو فعل.

__________________

(*) والأوجه هو الأوّل.

٢٩٥

[مسألة ١٥] : إذا أذنت ثم رجعت ، ولم يبلغه الخبر فتزوج ، لم يكفه الإذن السابق (١).

[مسألة ١٦] : إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم يؤثر في البطلان (٢).

[مسألة ١٧] : الظاهر كفاية إذنهما وإن كان عن غرور (٣) بأن وعدها أن يعطيها شيئاً فرضيت ، ثم لم يف بوعده ، سواء كان بانياً على الوفاء حين العقد أم لا. نعم ، لو قيدت الإذن بإعطاء شي‌ء ، فتزوّج ثم لم يعط ، كشف عن بطلان

______________________________________________________

ولتوضيحه نقول : إنّ الإذن والإجازة إنّما يعتبران لإسناد العقد إلى أحد طرفيه بحيث لولاهما لما أُسند العقد إلى من اعتبر إذنه ، كما هو الحال في اعتبار رضا المالك في البيع الفضولي ، حيث إنّ بإذنه يسند العقد إليه ولولاه لما كان العقد مسنداً إليه.

وأما إذا كان من اعتبر إذنه خارجاً عن طرفي العقد قبل الإذن وبعده كالمقام وكاعتبار إذن الأب في التزوج من الباكرة فلا وجه لاعتبار الإذن بمعنى اعتبار إظهار الرضا الباطني حيث لا يستند العقد إليهم بوجه ، بل الذي يفهمه العرف من اعتبار الإذن هو إحراز الرضا خاصة ، إذ لا يرى العرف أية خصوصية للإبراز. ومن هذا القبيل التصرف في مال الغير ، حيث لا يفهم العرف من اعتبار إذنه غير إحراز رضاه ، فبذلك يجوز التصرف وإن لم يبرزه بقول أو فعل.

(١) لأنّ الحكم بالجواز وعدمه دائر مدار واقع الإذن وعدمه لا علمه به وعدمه وحيث إنّ المفروض أنّه لا إذن حين وقوع العقد فلا مجال للحكم بصحته. وقياس المقام على باب الوكالة حيث لا ينعزل الوكيل إلّا بإخباره ، قياس مع الفارق ، حيث قد دلّ النص الصحيح على ذلك في الوكالة في حين لم يرد أيّ نص في المقام.

(٢) لا لاستصحاب بقاء الأثر بحاله ، وإنّما لأجل أنّ العقد الذي وقع صحيحاً وقد أمضاه الشارع كما وقع يحتاج في رفعه إلى الدليل ، فإن ثبت رافعية شي‌ء كما هو الحال في الطلاق والارتداد والموت فهو ، وإلّا فمقتضى إطلاق دليل إمضائه كما وقع هو الاستمرار.

(٣) لتحقق الرضا المعتبر في صحة العقد ، ومجرد تخلف الداعي لا يضر شيئاً.

٢٩٦

الإذن (*) (١) والعقد (٢) وإن كان حين العقد بانياً على العمل به (٣).

[٣٧٥٤] مسألة ١٨ : الظاهر أنّ اعتبار إذنهما من باب الحكم الشرعي (٤) لا أن يكون لحقّ منهما ، فلا يسقط بالإسقاط.

[٣٧٥٥] مسألة ١٩ : إذا اشترط في عقد العمة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ والأُخت ، ثم لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط ، لم يصح العقد على

______________________________________________________

(١) التعبير ببطلان الإذن لا يخلو عن مسامحة ، فإنّه لا يتصف بالصحة والبطلان وإنّما يتصف بالوجود والعدم ، فالصحيح التعبير بعدم تحقق الإذن ، لعدم تحقّق المعلق عليه.

(٢) لعدم تحقق الشرط المعلق عليه الإذن ، فيكون العقد من دون رضاهما ومقتضى النصوص بطلانه.

(٣) إذ الشرط في الحكم بالصحة إنّما هو تحقق ما اشترط عليه في الخارج ، فلا أثر لمجرّد البناء والعزم.

(٤) تقدم منّا في مباحث المكاسب في الفرق بين الحق والحكم أنّه لا يتصوّر للحق معنى شرعي يغاير معنى الحكم وإن ورد ذلك في معظم الكلمات فإنّ الحق حكم شرعي أيضاً ، غاية الأمر أنّ الحكم الشرعي على قسمين : فمنه ما يكون أمره بيد المكلف من حيث الإبقاء والإسقاط ، ومنه ما يكون أمره بيد الشارع المقدس مطلقاً بحيث لا يكون لأحد رفعه أو إسقاطه.

نعم ، ورد في كثير من الكلمات التعبير بالحق عن القسم الأول ، في حين عبّر عن القسم الثاني بالحكم ، إلّا أنّ ذلك لا يخرج القسم الأول عن كونه حكماً أيضاً. ومن هنا فلا بدّ من ملاحظة دليل الحكم لمعرفة أنّه من أيّ القسمين من الأحكام ، وحيث إنّ مقتضى إطلاق دليل اعتبار إذن العمة أو الخالة في التزوج من بنت الأخ أو بنت الأُخت هو عدم سقوط اعتبار رضاهما بالإسقاط ، فلا محيص عن اعتبار المورد من القسم الثاني ، ولازمه اعتبار رضاهما مطلقاً سواء أأسقطتا ذلك أم لا.

__________________

(*) لا يتّصف الإذن بالعصمة والبطلان فإنّه إمّا موجود أو معدوم ، ولعلّه يريد بذلك عدم تحقّقه باعتبار عدم تحقّق المعلّق عليه.

٢٩٧

إحدى البنتين (١). وهل له إجبارهما في الإذن؟ وجهان (*) (٢). نعم ، إذا اشترط عليهما في ضمن عقدهما أن يكون له العقد على ابنة الأخ أو الأُخت ، فالظاهر الصحّة (**) (٣) وإن أظهرتا الكراهة بعد هذا.

[٣٧٥٦] مسألة ٢٠ : إذا تزوجهما من غير إذن ثم أجازتا صحّ على الأقوى (٤).

______________________________________________________

(١) فإنّ عصيانهما لا يوجب سقوط اعتبار إذنهما في الحكم بصحة عقد البنتين. ومن هنا فإذا تزوج منهما بغير إذنهما ، كان مقتضى النصوص الحكم ببطلان العقد لكونه عن غير إذنهما.

(٢) أظهرهما الجواز ، إما لكون مقتضى العقد ذلك كما قواه الشيخ (قدس سره) في المكاسب (١) وإما من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو جائز إما حقاً أو حكماً. إلّا أنّه لا أثر للإجبار في المقام ، حيث قد عرفت أنّ المعتبر في صحة عقد البنتين إنّما هو رضا العمة أو الخالة ، ومن الواضح أنّه غير قابل للتحقق بالإجبار لتقومه بالاختيار ، فلا ينفع جواز الإخبار في الحكم بالصحة في المقام.

(٣) بل الظاهر هو الفساد ، فإنّه بعد ما كان اعتبار الإذن حكماً للزوجة ، احتاج نقله إلى غيرها وجعله له إلى الدليل وهو مفقود ، فمقتضى النصوص الحكم بالبطلان في المقام.

نعم ، لو فرض أنّه قد اشترط عليها في ضمن عقدها ، أو في ضمن عقد لازم آخر أن يكون وكيلاً عنها في الإذن صح العقد وإن أظهرت الكراهة. ولا يجوز للزوجة عزله عن الوكالة ، باعتبار أنّ الوكالة وإن كانت بحد ذاتها من العقود الجائزة ، إلّا أنّها لما كانت شرطاً في ضمن عقد لازم ، كان مقتضى دليل لزوم ذلك العقد لزوم الشرط أيضاً ، لكونه من توابع العقد ومتعلقاته.

(٤) خلافاً لجملة من الأصحاب حيث ذهبوا إلى البطلان ، نظراً إلى أنّ الرضا

__________________

(*) الظاهر هو جواز الإجبار إلّا أنّه لا يجدي فإنّ الموضوع لصحّة العقد على بنت الأخ أو الأخت رضا العمّة أو الخالة وهو لا يتحقّق به.

(**) بل الظاهر الفساد إلّا إذا رجع الاشتراط إلى اشتراط وكالته عنهما في الإذن.

(١) المكاسب.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المتأخر لا يؤثر في البطلان الثابت للعقد في حينه. نظير ما لو كان المتعاملان جاهلين بالعوضين حين العقد ثم علما بهما ، فإنّ علمهما المتأخر لا يؤثر شيئاً في العقد الذي وقع غير مستكمل للشرائط ومن ثم كان باطلاً.

ولا يقاس ما نحن فيه بالعقد الفضولي ، حيث يحكم بصحته فيما إذا لحقته الإجازة بعد ذلك ، إذ الفرق بينهما واضح. فإنّ العقد الفضولي حين استناده إلى من له الأمر وانتسابه إليه مستكمل لجميع الشرائط ، وحين فقدانه للشرائط لم يكن مستنداً إليه. وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإن العقد حين استناده إلى من له الأمر وانتسابه إليه فاقد لشرط إذن العمة والخالة ، فهو في هذا الحال محكوم بالبطلان فلا يكون لاستكمال الشرائط بعد ذلك أثر ، لأنّ انقلاب العقد من البطلان إلى الصحة يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

وهذا الكلام لا يختص بالمقام ، بل يشمل كل مورد يعتبر في صحته أمر غير متحقق حين العقد ثم يتحقق بعد ذلك ، كالتزوج بالبكر مع عدم رضا الأب حين العقد ثم رضاه بعد ذلك ، وكبيع الراهن العين المرتهنة قبل إجازة المرتهن ثم رضاه بعد ذلك. فإنّه يحكم في جميعها بالبطلان ، نظراً إلى أنّ العقد حين استناده إلى من له الأمر كان محكوماً بالفساد فلا يؤثر الرضا المتأخر فيه شيئاً ، لأن الانقلاب يحتاج إلى الدليل.

وهذا الذي ذكروه تام وصحيح على القاعدة ، إلّا أنّه لا محيص عن الالتزام بالصحة بالنظر إلى التعليل الوارد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، قال : «ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما». قلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (١).

فإنّ مقتضى هذا التعليل هو الالتزام بالصحة في كل مورد كان العقد حلالاً في

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٤ ح ١.

وفيه : الحكم بن عتيبة.

٢٩٩

[٣٧٥٧] مسألة ٢١ : إذا تزوّج العمّة وابنة الأخ ، وشكّ في سبق عقد العمة أو سبق عقد الابنة ، حكم بالصحة (١). وكذا إذا شكّ في السبق والاقتران (٢) بناء على البطلان مع الاقتران.

[٣٧٥٨] مسألة ٢٢ : إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الإذن ، وادعى هو الإذن منهما ، قدّم قولهما (٣). وإذا كانت الدعوى بين العمة وابنة الأخ مثلاً في الإذن

______________________________________________________

نفسه ومرخصاً فيه شرعاً ، غاية الأمر كان العقد فاقداً لإذن من يعتبر إذنه في صحته شرعاً ثم لحقه الرضا بعد ذلك ، باعتبار أنّه لم يعصِ الله تبارك وتعالى وإنّما عصى غيره ، فإذا أجاز جاز.

والحاصل أنّ مقتضى القاعدة في المقام وأمثاله وإن كان هو البطلان كما عرفت ، إلّا أن مقتضى التعليل المذكور في صحيحة زرارة هو الالتزام بالصحة.

(١) والوجه فيه واضح ، فإنّ الذي خرج بالدليل عن عمومات الحلّ إنّما هو دخول ابنة الأخ على العمة وابنة الأُخت على الخالة ، حيث تتوقف صحة عقدهما على إذن العمة والخالة ، ومن الواضح أنّ مقتضى الأصل عند الشكّ في ذلك هو العدم فإنّ مقتضى الاستصحاب عدم كونه العمة أو الخالة زوجة له حين تزوجه من ابنة الأخ أو ابنة الأُخت.

ولا يعارض ذلك بأصالة عدم كون ابنة الأخ أو ابنة الأُخت زوجة له حين تزوجه من العمة أو الخالة ، لأنّها لا تثبت التأخر إلّا بالملازمة ، ومن هنا فيحكم بصحة العقدين معاً لا محالة.

(٢) لما تقدم من استصحاب عدم كون العمة أو الخالة زوجة له حين تزوجه من ابنة الأخ أو ابنة الأُخت.

(٣) وحكم بفساد العقد ، لاستصحاب عدم الإذن.

ولا مجال للتمسك بأصالة الصحة ، نظراً لما ذكرناه غير مرة من أنّ أصالة الصحة بمعنى ترتب الأثر على العقد والحكم بصحته لم تثبت بدليل لفظي ، وإنّما هي ثابتة بالسيرة القطعية في خصوص الموارد التي ثبتت فيها سلطنة العاقد على ذلك الفعل.

٣٠٠