موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجه التوهّم أنّ الكراهة لما كانت تقتضي جواز الفعل ، كانت هذه المعتبرة معارضة لتلك الأخبار ، ومقتضى الجمع بينهما هو حمل الأخبار المانعة على المبالغة في الكراهة ، ونتيجته الالتزام بالجواز لا محالة.

وفيه : ما تقدم غير مرة من أنّ الكراهة ظاهرة في التحريم ، فإنّ المعنى المصطلح لها إنّما نشأ في العهد المتأخر عن عصر النصوص ، وإلّا فهي في النصوص مستعملة في الحرمة. ومع التنزل عن ذلك فهي إنّما تدل على المبغوضية والحزازة الأعمّ من الحرمة والكراهة الاصطلاحية ، فلا تكون فيها دلالة على الجواز. على أنّ هذه المعتبرة أجنبية عن محل الكلام ، نظراً إلى أنّها واردة في لمس الأب أو نظره بشهوة إلى أَمة ابنه ، وهذه مسألة أجنبية عن لمس المالك أو نظره بشهوة إلى مملوكته ، وسيأتي التعرض إليها في المسألة الخامسة من هذا الفصل إن شاء الله.

ثانياً : معتبرة علي بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام) عن الرجل يقبل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحلّ لابنه أو لأبيه؟ قال : «لا بأس» (١).

وهذه المعتبرة كما تراها واضحة الدلالة على الجواز ، فتكون معارضة لما تقدم من الصحاح ، ومن هنا التزم جماعة بالكراهة في المقام جمعاً بينها وبين ما تقدم.

إلّا أنّه غير تام ، لكن لا لما قيل من أنّها مطلقة من حيث الشهوة وعدمها ، فتقيد بتلك الأخبار الدالة على عدم الجواز في صورة الشهوة صريحاً ، فإنّه بعيد جدّاً ، باعتبار أنّ الظاهر من قوله : (يباشرها من غير جماع داخل أو خارج) أنّه يعاملها معاملة الرجال للنساء ، وهو ظاهر في كون الفعل عن شهوة.

وإنّما لكون هذه المعتبرة مطلقة من حيث كون الجارية مملوكة للفاعل وعدمه فتقيد بتلك الأخبار الدالة على عدم الجواز فيما إذا كانت الجارية مملوكة له ، وبذلك يرتفع التعارض بينهما.

والحاصل أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو كون النظر واللمس بشهوة في حكم الجماع في ثبوت التحريم به ، فيما إذا كانت الجارية مملوكة للفاعل.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٧٧ ح ٣.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، قد يقال أنّ مقتضى مفهوم رواية أحمد بن محمد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل تكون عنده الجارية فيكشف ثوبها ويجرّدها لا يزيد على ذلك ، قال : «لا تحلّ لابنه إذا رأى فرجها» (١) هو عدم الحرمة فيما إذا كان النظر إلى غير الفرج حتى ولو كان ذلك عن شهوة ، فتكون معارضة لما دلّ على الحرمة بذلك.

إلّا أنّه مدفوع بأنّ هذه الرواية قد رويت بطريق آخر لا تشتمل على هذا الذيل وهو ما رواه الشيخ عن حميد ، عن الحسن بن سماعة ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الله ابن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل تكون عنده الجارية فتنكشف فيراها أو يجرّدها لا يزيد على ذلك ، قال : «لا تحل لابنه» (٢).

وحيث لا يحتمل أن يكون عبد الله بن سنان قد روى هذا النص مرتين ، حذف في إحداهما الذيل وذكره في الأُخرى ، سقطت الزيادة بالمعارضة فلا مجال للاعتماد عليها والتمسك بمفهومها.

على أنّ سند الرواية المشتملة على الزيادة وإن كان بظاهره صحيحاً ، إلّا أنّه لا يخلو من المناقشة ، فإنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد بعيدة جدّاً لاختلاف طبقتهما ، وبذلك فتكون الرواية مرسلة سنداً ، ونظير ذلك في النوادر كثير جدّاً ، فإنّه يروى كثيراً عن أصحاب الصادق (عليه السلام) الذين لم يدركوا الرضا (عليه السلام) مباشرة.

هذا مضافاً إلى أن تقييد النصوص التي جعلت الجسد في مقابل الفرج بالفرج بمعنى حمله عليها بعيد جدّاً ، فتتقدم تلك على هذه لا محالة. ثم إنّ موضوع الحرمة بالنسبة إلى النظر في النصوص لما كان هو النظر إلى ما يحرم على غيره بل في بعضها تجريدها ، فلا موجب للالتزام بها عند نظر الأب أو الابن إلى وجه مملوكته حتى ولو كان ذلك عن شهوة ، نظراً إلى عدم حرمة ذلك في حدّ نفسه على غيره.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣ ح ٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٧٧ ح ٢.

٢٦٢

وكذا لا تحرم المحللة (١) لأحدهما على الآخر إذا لم تكن مدخولة (٢).

______________________________________________________

(١) فإنّ مجرد التحليل لا يزيد عن مجرد الملكية ، وقد عرفت أنّ الثاني لا يقتضي التحريم فيكون الأمر في المقام كذلك ، وحيث لا دليل على إلحاق التحليل بالملك فتشملها عمومات الحل.

نعم ، خالف في ذلك بعض حيث اختار الحرمة فيها ، تمسكاً بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة : «إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحلّ لابنه» فإنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون الجارية مملوكة له أو محللة.

وفيه : أنّ هذه الصحيحة معارضة بموثقة علي بن يقطين المتقدمة أيضاً ، حيث دلّت على الجواز مطلقاً ومن غير تقييد بما إذا كانت الأَمة مملوكة للفاعل ، فتتعارضان لأنّ النسبة بينهما هو التباين. لكن لما قيدت موثقة علي بن يقطين بالأخبار التي دلت على ثبوت الحرمة فيما إذا كانت الجارية مملوكة له ، كان مدلولها هو الجواز فيما إذا لم تكن الجارية مملوكة له ، وبذلك تنقلب النسبة بينها وبين صحيحة محمد بن مسلم إلى المقيد والمطلق ، فتقيد إطلاق الصحيحة لا محالة ، وعندئذ يكون مدلول الصحيحة هو عدم الجواز فيما إذا كانت الجارية مملوكة له خاصة.

(٢) وإلّا فتثبت الحرمة ، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة : «إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» فإنّ مقتضى إطلاقه هو عدم الفرق بين كون الوطء بتزويج أو ملك يمين أو تحليل.

وأما الاستدلال على المدعى بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) فقد عرفت ما فيه ، باعتبار أنّ كلمة النكاح ولا سيما إذا وقعت في سياق النهي ظاهرة في التزويج دون الوطء.

ثم لا يخفى أنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» عدم اختصاص الحكم بما إذا كان الإتيان عن تزوج أو ملك يمين أو تحليل ، بل يثبت الحكم حتى ولو كان ذلك عن شبهة ، نظراً إلى صدق ذلك عليه.

٢٦٣

[٣٧٣٩] مسألة ٣ : تحرم على الزوج أُمّ الزوجة وإن علت ، نسباً أو رضاعاً (١) مطلقاً (٢).

______________________________________________________

ودعوى أنّ الرواية واردة في الجارية وهي ظاهرة في المملوكة ، فيختص الحكم بالوطء عن ملك يمين.

يدفعها صدر الرواية ، حيث قال زرارة : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إن زنى رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإنّ ذلك لا يحرمها على زوجها ولا يحرم الجارية على سيدها ، إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» (١).

فإنّ ذلك إنّما يكشف عن عدم اختصاص الرواية بالجارية ، وإن ذكرها في ذيلها إنّما هو على نحو المثال فلا يختص الحكم بها ، على أنّ اختصاص الحكم بالجارية مما لا قائل به أصلاً. وعلى هذا فكما يثبت بالوطء بالزوجية وبملك اليمين وبالتحليل يثبت بالوطء شبهة.

(١) لما دلّ على تنزيل الرضاع منزلة النسب.

(٢) على ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع عدا ما نسب إلى ابن أبي عقيل من اشتراط الدخول بالبنت في حرمتها (٢).

ويدلّ عليه قوله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) (٣) فإنّه مطلق من حيث الدخول بالزوجة وعدمه.

واحتمال رجوع قوله تعالى بعد ذلك (مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) إلى كل من (نِسائِكُمْ) و (رَبائِبُكُمُ) بعيد جدّاً. فإنّه مضافاً إلى كونه ركيكاً في نفسه حتى ولو لم يكن هناك فصل في البين باعتبار أنّه لا معنى لتكرار كلمة النساء بحيث يكون المعنى (وأُمّهات نسائكم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ) فإنّه زيادة ولا حاجة إليه ، أنّ

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٤ ح ١.

(٢) مختلف الشيعة ٧ : ٤٨.

(٣) سورة النساء ٤ : ٢٣.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كلمة (مِن) إذا كانت متعلقة بالنساء كانت بيانية وإذا كانت متعلقة بالربائب كانت نشوئية ، فإذا فرض تعلقها بهما معاً كانت مستعملة في معنيين وهو أمر غير معهود ولا دليل عليه. على أنّ الفصل الموجود بين كلمة (نِسائِكُمْ) وكلمة (مِنْ نِسائِكُمُ) يوجب زيادة البعد في احتمال رجوع الثانية إلى الأُولى.

ومن هنا يظهر الحال في دعوى كون قوله تعالى (اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) صفة لكل من (نِسائِكُمْ) الاولى والثانية ، بحيث يكون المعنى : وأُمّهات نسائكم اللّاتي دخلتم بهن وربائبكم اللّاتي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ ، فإنّه بعيد جدّاً للفصل بين الصفة والموصوف ، بل لم يعهد ذلك في الكتاب وغيره.

فمن هنا لا ينبغي الشكّ في إطلاق (نِسائِكُمْ) الاولى ، ورجوع كلمة (مِنْ نِسائِكُمُ) إلى الربائب خاصّة ، واختصاص قوله (اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) صفة لـ (نِسائِكُمْ) الثانية.

وأما النصوص الواردة في المقام فهي على طائفتين : فمنها ما هو صريح في الإطلاق وعدم الفرق بين الدخول وعدمه ، ومنها ما دلّ على اشتراط الدخول بالبنت في حرمة الأُم.

فمن الطائفة الأُولى صحيحة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه : «أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأُم ، فإذا لم يدخل بالأُم فلا بأس أن يتزوج بالابنة ، وإذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الام. وقال : الربائب عليكم حرام ، كنّ في الحجر أو لم يكنّ» (١).

وصحيحة وهيب بن حفص عن أبي بصير ، قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : «تحلّ له ابنتها ، ولا تحلّ له أُمّها» (٢).

والمذكور في نسخة الوسائل وإن كان هو وهب ، إلّا أنّ الصحيح هو وهيب (٣)

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٥.

(٣) هذه الملاحظة تختص بالطبعة القديمة من الوسائل.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي وثّقه النجاشي والذي له كتاب (١) ، وأما وهب فلا وجود له في كتب الرجال وغيرها.

وصحيحة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه : «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : الربائب عليكم حرام من الأُمّهات اللّاتي قد دخل بهن ، هنّ في الحجور وغير الحجور سواء ، والأُمّهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ ، فحرموا ، وأبهموا ما أبهم الله» (٢).

وأما الطائفة الثانية ، فمنها صحيحة جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «الام والبنت سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فإنّه إن شاء تزوّج أُمّها وإن شاء ابنتها» (٣).

وقد أشكل الشيخ في التهذيب على هذا الحديث بأنّه : مضطرب الإسناد ، لأن الأصل فيه جميل وحماد بن عثمان ، وهما تارة يرويانه عن أبي عبد الله (عليه السلام) بلا واسطة ، وأُخرى يرويانه عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، ثم أنّ جميلاً تارة يرويه مرسلاً عن بعض أصحابه عن أحدهما ، وهذا الاضطراب في الحديث مما يضعف الاحتجاج به (٤).

إلّا أنّ ما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ ما ذكره لا يعدّ اضطراباً في الحديث ، نظراً إلى إمكان سماع جميل وحماد الحديث عن الحلبي فروياه ، ثم سمعاه من أبي عبد الله (عليه السلام) مباشرة فروياه بلا واسطة ، وليس في ذلك أية غرابة أو بعد. كما أنّ الإرسال في إحدى روايتي جميل لا يوجب سقوط روايته عن الاعتبار فإنّ من الممكن أن يكون جميل قد صرح في إحدى الروايتين باسم الواسطة ، في حين لم يصرح به في الأُخرى. على أنّه لو فرض ضعف هذا الطريق للإرسال ، إلّا أنّ ذلك لا يعني رفع اليد عن الطريق الآخر الصحيح ، فإنّ الإرسال في رواية وعدم ذكر

__________________

(١) رجال النجاشي ٤٣١ / ١١٥٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٧٥.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الواسطة فيها لاعتقاد ضعفها مثلاً لا يستلزم رفع اليد عن الرواية الأُخرى مع وضوح صحة سندها.

ومنها : معتبرة محمد بن إسحاق بن عمار ، قال : قلت له : رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم ماتت ، أيحلّ له أن يتزوج أُمّها؟ قال : «سبحان الله ، كيف تحلّ له أُمّها وقد دخل بها». قال : قلت له : فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها ، تحلّ له أُمّها؟ قال : «وما الذي يحرّم عليه منها ولم يدخل بها» (١).

وقد أشكل الشيخ (قدس سره) عليها في التهذيب : أنّه ليس فيه ذكر المقول له ، لأنّ محمد بن إسحاق بن عمار قال : قلت له ، ولم يذكر من هو ، ويحتمل أن يكون الذي سأله غير الإمام والذي لا يجب العمل بقوله ، وإذا احتمل ذلك سقط الاحتجاج به (٢).

وفيه : أنّ ذكر الصفار (قدس سره) لذلك في كتابه بعنوان الرواية يدلّ على أنّه حديث من المعصوم (عليه السلام) ، وإلّا فكيف يمكن ذلك منه (قدس سره) على جلالة قدره ، ونظير ذلك في كتاب الصفار كثير.

ومنها : معتبرة منصور بن حازم ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوج بأُمّها؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «قد فعله رجل منّا فلم يَرَ به بأساً». فقلت له : جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلّا بقضاء علي (عليه السلام) في هذا الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنّه لا بأس بذلك ، ثم أتى عليّاً (عليه السلام) ، فسأله ، فقال له علي (عليه السلام) : «من أين أخذتها»؟ قال : من قول الله عزّ وجلّ (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ). فقال عليّ (عليه السلام) : «إنّ هذه مستثناة وهذه مرسلة وأُمّهات نسائكم» إلى أن قال : فقلت له : ما تقول فيها؟ فقال : «يا شيخ ، تخبرني أنّ عليّاً (عليه السلام) قضى بها وتسألني

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٠ ح ٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٥.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ما تقول فيها» (١).

ونسخ الكتب في هذه الرواية مختلفة ، ففي الكافي : «فلم نَرَ به بأساً» (٢) في حين أنّ في الوافي : «فلم يَرَ به بأساً» (٣) وكأنّه (عليه السلام) على التقدير الثاني قد أعرض عن الجواب ونسب الحكم إلى بعضهم. وأما نسخ الإستبصار فهي مختلفة فيما بينها ، وظاهر السؤال أن نسخته مطابق للثاني ، حيث ذكر (قدس سره) : أنّ قول الرجل المذكور ليس بحجة إذ لا تعلم عصمته (٤).

ومن هنا فلا يمكن الاعتماد على هذه المعتبرة لعدم ثبوت الحكم فيها. على أنّ ذيلها يدلّ على أنّ الحكم حتى ولو كان صادراً منه كان على نحو من التخلص عن الجواب الحقيقي ، إذ لا انسجام بين الحكم بالجواز وإمضاء ما نقله الشيخ عن علي (عليه السلام).

وكيفما كان ، فهذه الروايات متعارضة مع ما دلّ صريحاً على عدم الجواز ، ومن هنا فقد يقال : أنّ مقتضى الجمع العرفي هو حمل الطائفة الأُولى على الكراهة ، إلّا أنّه مدفوع بأنّ الجمع العرفي بالحمل على الكراهة إنّما يكون في مورد الأمر والنهي أو النهي والترخيص ، وأما في مثل (تحلّ ولا تحلّ) فلا مجال للحمل على الكراهة ، لأنّهما من المتباينين والمتعارضين بتمام معنى الكلمة. على أنّ الحمل على الكراهة إنّما يكون في السؤال عن الحكم التكليفي ، وحيث أنّ السؤال في المورد إنّما هو عن الحكم الوضعي أعني الصحة وعدمها فلا مجال للحمل على الكراهة إذ لا معنى لها في الحكم الوضعي.

ومن هنا فقد حمل جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) الطائفة الثانية على التقية ، مستشهدين على ذلك بصحيحة منصور بن حازم المتقدمة (٥).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٠ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٢.

(٣) الوافي ٢١ : ١٦٨.

(٤) راجع الاستبصار ٣ : ٥٧٣. وفيه : «فلم نَرَ به بأساً».

(٥) الجواهر ٢٩ : ٣٥٣.

٢٦٨

وكذا ابنتها (١) وإن نزلت (٢) بشرط الدخول بالأُم (٣) سواء كانت في حجره أم لا (٤)

______________________________________________________

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، باعتبار أنّه لم ينقل القول باعتبار الدخول بالبنت في تحريم الأُم إلّا عن شاذّ من العامّة ، وإلّا فأئمّة المذاهب وأرباب الفتوى على ثبوت الحرمة في المقام مطلقاً ، سواء أدخل بالبنت أم لم يدخل ، وإذا كان الحال هكذا فكيف يمكن حمل الطائفة الثانية على التقية! فالصحيح في المقام هو ما ذكره الشيخ (قدس سره) في التهذيب من لابدّية اطّراح الطائفة الثانية والإعراض عنها ، نظراً لمخالفتها للكتاب العزيز (١). حيث عرفت أنّ مقتضى إطلاق قوله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) هو حرمتها بمجرد العقد على البنت ومن دون اعتبار الدخول بها.

إذن فلا بدّ من العمل بمقتضى الطائفة الأُولى وطرح الطائفة الثانية ، لموافقتها للكتاب ومخالفتها له ، فتترجح الاولى على الثانية بهذا الاعتبار ، وبذلك تنحلّ مشكلة التعارض في المقام.

(١) بلا شكّ ولا ريب ولا خلاف فيه. وقد دلّت عليه مضافاً إلى قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) النصوص الصريحة المتقدمة.

(٢) على ما يستفاد من الآية الكريمة بقرينة وحدة السياق ، إذ المراد من الأُمهات والبنات وبنات الأخ وبنات الأُخت الأعم من الصلبية وغير ذات الواسطة ومن ذات الواسطة بلا كلام ، فبهذه القرينة يستفاد إرادة الأعم من البنت في المقام أيضاً. وكذا الحال في النصوص الواردة في المقام. ومن هنا يظهر أنّه لا حاجة للتمسك في إثبات المدعى بالإجماع والتسالم وإن كان ذلك صحيحاً أيضاً.

(٣) على ما صرحت به الآية الكريمة والنصوص الصحيحة المتقدمة.

(٤) وذلك لأنّ الآية الكريمة وإن قيّدت الربائب ب (اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) إلّا أنّ هذا القيد ملغى إجماعاً إلّا عن شاذّ من العامة ومحمول على الغالب ، باعتبار أنّ

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٥.

٢٦٩

وإن كان تولّدها بعد خروج الام عن زوجيته (١).

______________________________________________________

المتعارف والغالب هو كونها مع أُمّها ، فتكون في حجر الزوج وتحت كفالته فيكون هو المربِّي لها.

إذن فيكون الحكم من هذه الجهة مطلقاً.

(١) قد يستدلّ عليه بقوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) بعد حمل القيد على الغالب والالتزام بحرمتها مطلقاً ، لصدق عنوان الربيبة عليها ، نظراً لتولدها من زوجته السابقة. وليس هذا الاستدلال متوقفاً على القول بكون المشتق حقيقة في الأعم من المتلبس بالمبدإ والمنقضي عنه ، فإنّ المقام ليس منه وإنّما هو من باب الإضافة ، حيث أُضيفت في الآية الكريمة إلى زوج الام ، ولما كان يكفي في الإضافة أدنى ملابسة ، صدق على البنت المولودة بعد خروج الام عن زوجيته أنّها بنت للمرأة المدخول بها.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لما تقدم في مبحث المشتق من المباحث الأُصولية أنّ النزاع في المسألة لا يختص بالمشتقات الاصطلاحية ، بل يعمّ كل ما هو موضوع لمعنى منتزع عن أمر خارج عن مقام الذات ، وحيث أنّ الإضافة من ذلك باعتبار أنّها توجب التلبس بوصف ، وكان مختارنا بل مختار المشهور ظهور العنوان في المتلبس بالمبدإ بالفعل ، فلا مجال لإثبات حكم الربيبة لبنت الزوجة المولودة بعد خروج الام عن زوجيته ، فإنّها إنّما هي بنت لمن كانت زوجته.

بل ذكرنا في محلّه أنّ الحكم في المسألة المعروفة من كانت له زوجتان إحداهما كبيرة والأُخرى صغيرة فأرضعت الكبيرةُ الصغيرة بتحريم الكبيرة مبتن على الالتزام بكون المشتق موضوعاً للأعم ، باعتبار أن الأُمية والبنتية من العناوين المتضايفة التي لا يمكن الفصل بينهما ، بمعنى أنّه لا يمكن تحقق إحداهما دون تحقق الأُخرى ، فمتى ما تمّ شرائط الرضاع تحققا معاً ، فكانت الكبيرة امّاً للصغيرة وهي بنتاً لها.

فالالتزام بحرمتهما يتوقف على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلّا فلو قلنا بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ فلا مجال للقول بحرمتهما ، لأن الصغيرة حين تمامية الرضاع لم تكن زوجة له كي تكون الكبيرة امّاً لزوجته ، وحيث كانت زوجة له لم تكن

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الكبيرة أُمّا لها ، وكذلك الكبيرة حين تمامية الرضاع لم تكن زوجة له كي تكون الصغيرة بنتاً لزوجته. نعم ، لو كان الرضاع بلبنه حرمت الصغيرة جزماً ، لأنّها تصبح بنتاً له.

وبعبارة اخرى : إنّ الأُمية والبنتية لم تكونا عند الزوجية ، وعند تحققهما لم تكن هناك زوجية ، فلا وجه للقول بتحريمهما لو كنّا نحن والآية الكريمة ، لما عرفت من توقف الاستدلال على ظهور المشتق في الأعم وهو مما لم نرتضه.

هذا كلّه بحسب القواعد الأُصولية ، وإلّا فقد دلّ النص الصحيح على حرمتهما معاً (١).

إذن فالصحيح في الاستدلال على المدعى هو التمسك بصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل كانت له جارية فأُعتقت فزُوجت فوَلدت ، أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟ قال : «لا ، هي حرام وهي ابنته والحرّة والمملوكة في هذا سواء» (٢) فإنّها صحيحة سنداً وواضحة دلالة.

بل حتى ولو فرض عدم هذه الصحيحة أيضاً ، لأمكن إثبات الحرمة بالروايات التي دلّت على أنّ من تزوج امرأة ودخل بها حرمت عليه ابنتها ، فإنّ مقتضى إطلاقها هو عدم اختصاص الحكم ببنتها حال الزواج.

ومن هنا يثبت الحكم في عكس هذا الفرض ، كما لو تزوج طفلة صغيرة لا أُمّ لها ثم ارتضعت من امرأة فأصبحت أُمّا لها بالرضاع ، حرمت على الزوج لإطلاق قوله (عليه السلام) : «حرمت عليه أُمّها» (٣).

بل يمكن تأييد هذا الحكم بقوله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ). فإنّه بعد أن علمنا من الخارج أنّ الربيبة أعم من كونها للزوجة الفعلية والسابقة على ما دلّت عليه صحيحة محمد بن مسلم فبقرينة وحدة السياق يفهم أنّ المراد من (نِسائِكُمْ) الاولى في الآية الكريمة هو الأعم من الأُمّ الفعلية والتي

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٢٦٠٨٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٢٦٠٩٠.

٢٧١

وكذا تحرم أُمّ المملوكة الموطوءة على الواطئ وإن علت مطلقاً ، وبنتها (١).

______________________________________________________

تكون امّاً لها بعد الزواج.

وعلى كلٍّ فالحكم في المقام متسالم عليه ، ولا خلاف فيه ولا إشكال.

(١) بلا خلاف فيه عندنا ، بل والعامّة أيضاً على ما ذكره ابن قدامة في المغني (١).

وقد نصّت عليه نصوص متضافرة. ففي معتبرة الحسين بن سعيد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : رجل له أَمة يطأها فماتت أو باعها ثم أصاب بعد ذلك أُمّها هل له أن ينكحها؟ فكتب (عليه السلام) : «لا تحلّ له» (٢).

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها فباعها فأُعتقت وتزوجت فولدت ابنة ، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال : «هي عليه حرام» (٣). إلى غيرهما من النصوص المعتبرة الدالة على المدعى صريحاً.

إلّا أنّ بإزاء هذه النصوص روايتين تدلّان على الجواز ، هما :

أولاً : رواية الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله ، قالا : سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت له مملوكة يطأها فماتت ثم أصاب بعدُ أُمّها ، قال : «لا بأس ليست بمنزلة الحرة» (٤).

وقد ردّها الشيخ (قدس سره) بأنّه ليس فيه ما ينافي ما تقدم ، لأنّه ليس في ظاهر الخبر أنّه إذا أصاب بعدُ أُمّها له وطؤها ، بل تضمن أنّ له أن يصيب أُمّها ، ونحن نقول أنّه له أن يصيبها بالملك والاستخدام دون الوطء. ويكون قوله (عليه السلام) : «ليست بمنزلة الحرة» معناه أنّ هذه ليست بمنزلة الحرة ، لأنّ الحرة محرم منها الوطء وما هو

__________________

(١) المغني الكبير.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢١ ح ٧.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢١ ح ٦.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢١ ح ١٥.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

سبب لاستباحة الوطء من العقد ، وليس كذلك المملوكة ، لأن الذي يحرم منها الوطء دون الملك الذي هو سبب استباحة الوطء في حال من الأحوال ، وبهذا افترقت الحرة من الأَمة (١).

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه لكونه حملاً بعيداً جدّاً ، فإنّ الجمع بينهما في الملكية لا بأس به حتى في زمان واحد بلا خلاف فيه ، ومن هنا فلا وجه لحمل السؤال عليه لا سيما بملاحظة أنّ ظاهره أنّ للموت خصوصية يرتفع معها محذور الجمع بينهما فيسوغ بعدها تملك الام ، ومن الواضح أنّ ذلك إنّما ينسجم مع إرادة الوطء من الإصابة ، وإلّا فلا خصوصية للموت في جواز تملكها المجرد إذ أنّه جائز حتى في زمان حياتها.

فالصحيح ردّ الرواية لضعف سندها نظراً لوقوع محمد بن سنان في الطريق ، وهو ممن لم يثبت توثيقه.

ثانياً : رواية رزين بياع الأنماط عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : قلت له : تكون عندي الأَمة فأطأها ثم تموت أو تخرج من ملكي فأُصيب ابنتها ، يحل لي أن أطأها؟ قال : «نعم ، لا بأس به ، إنّما حرّم الله ذلك من الحرائر ، فأما الإماء فلا بأس به» (٢).

وقد أورد عليها صاحب الوسائل (قدس سره) تارة بأنّها محمولة على التقية وأُخرى بأنّ من الممكن كون الضمير في (أطأها) راجعاً إلى الأُم ، يعني وإن ملك البنت تحل له الام واستدامة ملك البنت بخلاف الحرائر.

إلّا أنّه مردود ، بأنّ الحمل على التقية لا مجال له بالمرة ، بعد ما عرفت أنّ الحكم متسالم عليه حتى عند العامّة. والحمل الثاني غريب منه (قدس سره) ، إذ المفروض في الرواية أنّ الأُم قد ماتت أو خرجت عن ملكه ، ومعه كيف يمكن القول برجوع الضمير إليها! نعم ، ردّها الشيخ (قدس سره) بأنّ هذا الخبر شاذ نادر لم يروه غير بياع الأنماط

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢١ ح ١٦.

٢٧٣

[٣٧٤٠] مسألة ٤ : لا فرق في الدخول بين القبل والدبر (١) ويكفي الحشفة أو مقدارها (٢). ولا يكفي الإنزال

______________________________________________________

وإن تكرر في الكتب ، وما يجري هذا المجرى في الشذوذ يجب طرحه ولا يعترض به على الأحاديث الكثيرة ، ثم أنّه قد روى ما ينقض هذه الرواية ويوافق ما قدمناه. فإذا كان الأمر على ما ذكرناه وجب الأخذ بروايته التي توافق الروايات الأُخر ، ويعدل عن الرواية التي تفرّد بها ، لأنّه يجوز أن يكون ذلك وهماً (١).

وما ذكره (قدس سره) صحيح ومتين ، فلا بدّ من طرح الرواية لذلك. على أنّها ضعيفة السند في حد ذاتها ، نظراً لعدم ثبوت وثاقة رزين بياع الأنماط ، فلا مجال للاعتماد عليها وجعلها معارضة للنصوص الصحيحة المتقدمة.

(١) لإطلاق الأدلة ، حيث لم يرد في شي‌ء منها التقييد بالوطء في القبل.

(٢) وذلك لتحقق الوطء بهما. نعم ، في بعض الكلمات أنّه لو لا الإجماع على اعتبار إدخال الحشفة أو مقدارها لمقطوعها ، لقيل بكفاية إدخال الأقل منها في ثبوت الحكم لصدق الدخول عليه أيضاً.

إلّا أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، نظراً إلى أنّ كلمة (دخل بها) ليست بمعنى إدخال شي‌ء فيها ، كي يقال بأنّه يصدق بإدخال بعض الحشفة أيضاً ، وإنّما معناها هو دخول الرجل بها ، وحيث أنّ من الواضح أنّ المعنى الحقيقي هذا غير مقصود جزماً ، فلا بدّ من حملها على الكناية عن الإتيان والجماع والمقاربة والوطء ، ومن هنا فلا يكون فيها إطلاق يشمل إدخال بعض الحشفة.

ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض النصوص المعتبرة من التعبير بالإفضاء. ففي معتبرة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باشر امرأته وقبّل غير أنّه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، قال : «إن لم يكن أفضى إلى الأُم فلا بأس وإن كان أفضى فلا يتزوج» (٢). فإنّ من الواضح أن الإفضاء لا يتحقق إلّا بالوطء

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٨.

(٢) الوسائل : ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٩ ح ٣.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعارف بإدخال الحشفة أو الأكثر منها ، ولا يتحقق بإدخال الأقل منها ، فتكون هذه المعتبرة مبيّنة لمعنى الدخول المذكور في سائر النصوص.

نعم ، ناقش صاحب الجواهر (قدس سره) في هذه المعتبرة بأنّ النسخة فيها مختلفة ، حيث أنّ المذكور في بعضها (باشر امرأته) في حين أن المذكور في بعضها الآخر (باشر امرأة) ولما كانت الرواية على النسخة الثانية أجنبية عن محل الكلام ، نظراً إلى أنّها حينئذٍ إنّما تكون من روايات باب الفجور ، فلا مجال للاعتماد عليها في إثبات حرمة الربيبة بتقبيل الأُم أو لمسها (١).

إلّا أنّ هذه المناقشة قابلة للدفع ، فإنّ نسخة الرواية غير مختلفة ، وإنّما في المقام روايتان :

الاولى : ما رواه الكليني (قدس سره) في (باب الرجل يفجر بالمرأة فيتزوج أُمّها أو ابنتها أو يفجر بأُم امرأته أو ابنتها) من الكافي ، عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، جميعاً ، عن صفوان بن يحيى ، عن العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باشر امرأة ، الحديث (٢).

وقد رواها الشيخ (قدس سره) في التهذيب في (باب الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له نكاحها) عن الكليني (قدس سره) بعين السند المتقدم (٣). وكذا الحال في الاستبصار (٤).

كما رواها صاحب الوسائل (قدس سره) أيضاً في (باب أنّ من زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وأُمّها ، وإن كان منه ما دون الجماع لم تحرما) (٥).

الثانية : ما رواه الشيخ (قدس سره) في (باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرم

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٣٧٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٦.

(٤) الإستبصار ٣ : ١٦٦ / ٦٠٧.

(٥) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٢.

٢٧٥

على فرجها من غير دخول وإن حبلت به (١). وكذا

______________________________________________________

منهنّ في شرع الإسلام) عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان ابن يحيى ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باشر امرأته ، الحديث (١).

كما رواها صاحب الوسائل (قدس سره) في (باب من تزوج امرأة ولم يدخل بها إلّا أنّه رأى منها ما يحرم على غيره كره له تزويج ابنتها) (٢).

وبعد هذا كلّه كيف يمكن القول باتحاد الروايتين وأنّ الاختلاف إنّما هو في النسخ خاصة ، فإن إحداهما واردة في الزنا والأُخرى واردة في نكاح الزوجة ، ولا سيما بملاحظة ذكر كل منهما فيما يخصه من بابه ، على ما عرفت.

نعم ، روى الشيخ (قدس سره) في الاستبصار في (باب حدّ الدخول الذي يحرم معه نكاح الربيبة) بنفس السند المذكور في التهذيب هذه الرواية ، إلّا أنّ فيها (باشر امرأة) (٣). لكنه من خطأ النساخ جزماً ، وذلك لما يذكره (قدس سره) تعليقاً على هذه الرواية : بأنّها مطابقة لظاهر الكتاب ، حيث قال الله عزّ وجلّ (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) (٤).

فإنّ هذا الكلام ظاهر الدلالة في أنّ النسخة الصحيحة هي (امرأته) كي ينسجم ذلك مع استفادة حكم الربيبة ، وإلّا لكانت الرواية أجنبية عنها.

(١) إذ الموضوع للحكم في النصوص إنّما هو الوطء والدخول ، فلا يكون للحمل أثر بعد أن لم يذكر لا في الكتاب ولا السنّة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٨٠ / ١١٨٦ ، إلّا أن فيه : باشر امرأة.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٩ ح ٣.

(٣) الاستبصار ٣ : ١٦٢ / ٥٨٩.

(٤) سورة النساء ٤ : ٢٣.

٢٧٦

لا فرق بين أن يكون في حال اليقظة أو النوم ، اختياراً أو جبراً منه أو منها (١).

[٣٧٤١] مسألة ٥ : لا يجوز لكل من الأب والابن وطء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل وإن لم تكن مدخولة له (٢)

______________________________________________________

(١) أما من جهة المرأة فالحكم واضح ، باعتبار أنّ الموضوع له في لسان الأدلة إنّما هو دخول الأزواج بزوجاتهم ، على ما يستفاد ذلك من قوله تعالى (اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ومن النصوص.

وأما من جهة الرجل فقد يقال أنّ ظاهر قوله تعالى (اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) هو أن يكون ذلك فعلاً اختيارياً له.

إلّا أنّه يندفع بأنّ ذلك وإن أمكن استفادته من الآية الكريمة ، إلّا أنّ الظاهر من جملة من النصوص المعتبرة أنّ موضوع الحكم ليس هو صدور الفعل من الفاعل واستناده إليه ، وإنّما هو صدور النتيجة وتحققها في الخارج بحيث تكون الزوجة مدخولاً بها.

ففي معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه : «أنّ عليّاً كان يقول : الربائب عليكم حرام من الأُمهات اللّاتي قد دخل بهن ، هنّ في الحجور وغير الحجور سواء» (١). فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «دخل بهنّ» هو عدم الفرق بين كون ذلك في حالة اليقظة أو النوم ، اختيارياً كان ذلك أم جبراً منه أو منها.

(٢) بلا خلاف فيه بين الأصحاب. وتدلّ عليه جملة من النصوص على ما سيأتي بيانها ولقبح التصرف في ملك الغير.

نعم ، يستفاد من بعض الروايات جواز ذلك بالنسبة إلى الأب خاصة.

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ، قال : «يأكل منه ما شاء من غير سرف». وقال : «في كتاب علي (عليه السلام) : أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه ، والوالد

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٨ ح ٣.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها». وذكر أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لرجل : «أنت ومالك لأبيك» (١).

وفي معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يكون لولده الجارية ، أيطؤها؟ قال : «إن أحبّ ، وإن كان لولده مال وأحبّ أن يأخذ منه فليأخذ» (٢).

وقد تقدّم في محلِّه أن ذيل الصحيحة الأُولى محمول على بيان حكم أخلاقي محض جزماً ، إذ الولد الحر غير قابل لأن يكون مملوكاً لأحد كي يكون ماله كذلك أيضاً ، بل الأب لا ولاية له عليه فضلاً عن أن يكون مالكاً له ، فمن هنا لا محيص عن حمل هذا الذيل على بيان حكم أخلاقي فقط.

ومما يدلّ على ذلك صحيحة الحسين بن أبي العلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال : «قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه». قال : فقلت له : فقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له : «أنت ومالك لأبيك»؟ فقال : «إنّما جاء بأبيه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله ، هذا أبي وقد ظلمني ميراثي عن أُمي فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، وقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء أوَكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يحبس الأب للابن»؟! (٣).

فإنّها صريحة الدلالة على أنّ التعبير بـ «أنت ومالك لأبيك» إنّما هو لبيان الحكم الأخلاقي ، باعتبار أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يحبس الأب للابن.

وعلى كل فالمعتبرتان تدلّان على جواز وطء الأب مملوكة ابنه إذا لم يكن قد دخل بها مطلقاً ، إلّا أنّ مقتضى جملة من النصوص تقييد الحكم بما إذا قوّمها على نفسه وأصبحت بذلك مملوكة له.

والنصوص الواردة في المقام كثيرة منها

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٨ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٨ ح ١٠.

(٣) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٨ ح ٨.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون لبعض ولده جارية وولده صغار ، هل يصلح له أن يطأها؟ فقال : «يقوّمها قيمة عدل ثم يأخذها ويكون لولده عليه ثمنها» (١).

وصحيحة محمد بن إسماعيل ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في جارية لابن لي صغير ، يجوز لي أن أطأها؟ فكتب : «لا ، حتى تخلصها» (٢).

وصحيحة ابن سنان ، قال : سألته يعني أبا عبد الله (عليه السلام) ماذا يحلّ للوالد من مال ولده؟ قال : «أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً ، وإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها ، إلّا أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه». قال : «ويعلن ذلك». قال : وسألته عن الوالد أيرزأ من مال ولده شيئاً؟ قال : «نعم ، ولا يرزأ الولد من مال والده شيئاً إلّا بإذنه» (٣).

ولا يخفى أنّ هذه الرواية مروية في التهذيب تارة عن الحسين وهو ابن سعيد جزماً بقرينة الرواية السابقة عليها عن حماد ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان (٤). وأُخرى عن الحسين بن حماد ، عن حماد ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان (٥) ، وبهذا الطريق لا تكون الرواية معتبرة نظراً إلى أنّ الحسين بن حماد لم يوثق. إلّا أنّ هذه النسخة غلط جزماً ، فإنّ هذه الرواية بعينها مروية في الاستبصار أيضاً وقد صرّح الشيخ (قدس سره) فيه بالحسين بن سعيد (٦). إذن فالرواية معتبرة سنداً.

وصحيحة الحسن بن محبوب ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : إنّي كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها ، فلم تزل عندها وفي بيت زوجها حتى مات زوجها ، فرجعت إليّ هي والجارية ، أفيحلّ لي أن أطأ الجارية؟ قال : «قوّمها

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٠ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٥ ح ٩٦٨.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٤٥ ح ٩٦٨.

(٦) الاستبصار ٣ : ٥٠ / ١٦٣.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قيمة عادلة وأشهد على ذلك ، ثم إن شئت فطأها» (١).

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الوالد يحلّ له من مال ولده إذا احتاج إليه؟ قال : «نعم ، وإن كان له جارية فأراد أن ينكحها قوّمها على نفسه ويعلن ذلك». قال : «وإن كان للرجل جارية فأبوه أملك بها أن يقع عليها ما لم يمسّها الابن» (٢).

فهذه جملة من النصوص تدلّ على عدم جواز وطء كل من الأب والابن مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل. نعم ، يجوز للأب تقويم جارية ولده على نفسه وإخراجها بذلك عن ملك الولد ووطؤها إلّا أنّه خروج عن محل النزاع ، وسيأتي التعرض إليه في المسألة القادمة.

وبذلك تكون هذه النصوص مقيدة لصحيحة محمد بن مسلم ومعتبرة علي بن جعفر المتقدمتين ، حيث دلّتا على الجواز بالنسبة للأب مطلقاً.

نعم ، ورد في رواية واحدة جواز وطء الأب لجارية ابنته خاصة ، وهي رواية عروة الخياط عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : لِمَ يحرم على الرجل جارية ابنه وإن كان صغيراً وأُحلّ له جارية ابنته؟ قال : «لأن الابنة لا تنكح والابن ينكح ، ولا يدري لعلّه ينكحها ويخفى ذلك عن أبيه ، ويشبّ ابنه فينكحها فيكون وزره في عنق أبيه» (٣).

وموضوع هذه الرواية كما تراه هو جارية الابنة وجارية الابن ، فتكون هذه الرواية دالّة على الجواز في جارية الابنة مطلقاً ، ومن دون حاجة إلى نقلها إلى ملكه بتقويمها على نفسه ، بحيث يكون وطؤه لها في حال كونها مملوكة له.

وقد التزم الشيخ الصدوق (قدس سره) بصحة هذه الرواية ، إلّا أنّه حملها على بيان أنّ الأصلح للأب أن لا يأتي جارية ابنه وإن كان صغيراً (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٩ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٧٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٠ ح ٨.

(٤) علل الشرائع : ٥٢٥.

٢٨٠