موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وكذا يجوز النظر إلى جارية يريد شراءها (١) وإن كان بغير إذن سيِّدها. والظاهر اختصاص ذلك بالمشتري لنفسه ، فلا يشمل الوكيل والولي

______________________________________________________

المذكور في قوله (عليه السلام) : «إنّما يشتريها بأغلى الثمن» (١). إذ عرفت أنّ جواز نظره إليها كان بسبب سدّ باب ذهاب ماله هدراً ومن دون إمكان التدارك ، وحيث إنّ هذا الاحتمال لا يتأتى في حق المرأة ، إذ لا يمكن أن يذهب مالها هدراً ، باعتبار أنّها إنما تبذل بضعها بإزاء المهر فلا يتلف عليها شي‌ء ، فالتعدي عن مورد الروايات يكون مشكلاً جدّاً.

وعليه فالظاهر هو القول بعدم الجواز.

(١) استدل عليه :

أوّلاً : بالتعليل المذكور في الروايات الدالة على جواز النظر إلى المرأة التي يريد تزويجها ، لأنه «يشتريها بأغلى الثمن» فيجوز له النظر إليها.

وفيه : أنّ التعليل إنما يختص بباب الزواج بل بالزوج خاصة على ما عرفت ، إذ الغبن الذي لا يمكن تداركه والغرر الذي لا يمكن تلافيه لا يتصور إلّا في جانب الزوج ، وليس حال المشتري كحاله ، فإنّ أقل ما يتصوّر في المشتري هو خيار الحيوان ، فله أن يفسخ العقد إلى ثلاثة أيام إذا لم تعجبه الأَمة من دون أن يفوت منه شي‌ء.

وعليه فلا وجه للقول بشمول التعليل له أيضاً.

ثانياً : الروايات الخاصة.

فمنها : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعترض الأَمَة ليشتريها ، قال : «لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ويمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه» (٢).

__________________

(١) راجع ص ١٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، ب ٢٠ ح ١.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنها ضعيفة لوجود علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف في سندها.

ومنها : رواية عمران الجعفري عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا أحب للرجل أن يقلّب إلّا جارية يريد شراءها» (١) ببيان أنّ لازم التقليب هو النظر إلى بدنها عادة.

إلّا أنها غير تامة أيضاً ، فإنّ عمران الجعفري الذي يروي عنه الحارث هذه الرواية على ما في التهذيب (٢) والوسائل لم يرد له أي توثيق ، بل لم يذكر اسمه في غير هذه الرواية أصلاً. وصاحب الوافي وإن روى هذه الرواية عن الحارث بن عمران الجعفري (٣) الذي وثّقه النجاشي (٤) إلّا أنّه لمكان اختلاف النسخ لم تثبت صحتها فلا يمكن الاعتماد عليها.

فالعمدة في الاستدلال هو التمسك بالسيرة القطعية ، وعدم الخلاف بين الأعلام في خصوص الوجه واليدين ، فإنهن في عهدهم (عليهم السلام) كن يخدمن في المجالس ومن الواضح أنّ لازم ذلك وقوع نظر الرجال عليهن من دون أن يصدر في ذلك أي ردع منهم (عليهم السلام).

وأما في غير الوجه والكفّين من المحاسن ، فتكفينا معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السلام : «إنّه كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها» (٥).

فإنّه إذا ثبت جواز النظر إلى الساق التي هي أمر مستور عادة ، ثبت جواز النظر إلى ما ليس بمستور كذلك كالشعر والوجه واليدين بالأولوية القطعية ، فإنه لا حاجة إلى كشفها للنظر إليها.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، ب ٢٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣٠.

(٣) الوافي ١٧ : ٢٦٩.

(٤) النجاشي : ١٣٩ ، ترجمة رقم ٣٦٢.

(٥) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، ب ٢٠ ح ٤.

٢٢

والفضولي (١). وأما في الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص (٢).

[٣٦٥٩] مسألة ٢٧ : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة (٣)

______________________________________________________

(١) اختار صاحب الجواهر (قدس سره) الجواز للأولين (١) مستدلّاً بأنّ الموضوع في الروايات هو المشتري وهو يصدق عليهما. نعم ، لا يجوز ذلك في الفضولي باعتبار أنّه أجنبي ولا يصدق عليه عنوان المشتري.

وفيه : أنّه على تقدير تسليم وجود إطلاق يدل على جواز النظر للمشتري ، فهو منصرف إلى من يريد الشراء لنفسه ، فلا يشمل المشتري للغير بوكالة ، أو ولاية.

وعلى تقدير عدم الانصراف فقد عرفت أنّ عمدة الدليل على الجواز هو فعل علي (عليه السلام) كما جاء في رواية الحسين المتقدمة ومن المعلوم أنّه (عليه السلام) إنما كان يشتري لنفسه ، إذ من البعيد جدّاً تصديه (عليه السلام) لشراء الإماء لغيره فلا دلالة فيه على الجواز لغير المشتري لنفسه.

إذن فلا مقتضي للقول بجواز النظر للوكيل والولي.

(٢) لاختصاص موضوعه بمن يريد الزواج ، ومن الواضح اختصاصه بالزوج لا سيما بملاحظة التعليل المذكور في صحيحة محمد بن مسلم ومعتبرة البزنطي المتقدمتين (٢) فإنّه هو الذي «يشتريها بأغلى الثمن» دون الوكيل والولي.

(٣) ذهب إليه المحقق (قدس سره) في الشرائع ، معلِّلاً بأنّهنّ بمنزلة الإماء (٣).

والظاهر أنّ مراده (قدس سره) ليس هو كونهن مماليك للمسلمين إذ لم يقم دليل على ذلك ، فإنّ الملك لا يحصل إلّا بالاسترقاق وتنزيلهنّ بتلك المنزلة يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

كما أنّه ليس مراده (قدس سره) كونهنّ مماليك للإمام (عليه السلام) ، فإنّه وإن

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٦٨.

(٢) راجع ص ١٥ ه‍ ٢ ، ص ١٦ ه‍ ٤.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٣١٧.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

دلّت صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : «إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام» الحديث (١) على ذلك ، إلّا أنّه لا ينسجم مع تعبيره (قدس سره) بأنّهن بمنزلة الإماء ، فإنّه لو كان مراده هو ذلك لكان عليه أن يقول لأنّهنّ إماء لا أنّهنّ بمنزلة الإماء.

بل الظاهر أنّ مراده (قدس سره) والله العالم هو كونهنّ بمنزلة الإماء في عدم الحرمة لهنّ ، إذ الأَمة تختلف عن الحرّة في هذه الجهة ، فإن الحرة لها حرمة فلا يجوز النظر إليها بخلاف الإماء ، فإنه يجوز النظر إلى شعورهنّ ووجوههنّ وأيديهنّ ، فتكون نساء أهل الذمّة بمنزلة الإماء في هذه الجهة.

ولعلّه (قدس سره) يشير بذلك إلى معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ» (٢).

وعلى كلّ فهذا القول هو المتعيّن ، فإنّ أهل الذمة ليسوا بمماليك كما دلت عليه صحيحة أبي بصير وإنما هم أحرار ، ولا بدّ من حمل الصحيحة على نوع من العناية والتسامح ، إذ الالتزام بمضمونها ينافي جملة من الأحكام الثابتة لهم كالدية إذا قتل أحدهم فإنها تدفع إلى أقربائه في حين أنّه لو كان مملوكاً لما كان وجه لثبوت الدية بل المتعيّن هو دفع القيمة لا إلى أقربائه وإنما إلى مالكه كما هو واضح والإرث فإنّهم يرثون بعضهم بعضاً إذا لم يكن في الورثة مسلم يحجب الباقين ، والحال أنّ المملوك لا يرث ولا يورث.

فإن هذه الأحكام وما شابهها تدلنا على وجود نوع من العناية في إطلاق المملوك عليهم ، وإلّا فهم ليسوا بعبيد بل هم أحرار ، غاية الأمر أنّه لا حرمة لنسائهم فيجوز النظر إليهنّ ، لمعتبرة السكوني ، وصحيحة عباد بن صهيب الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل البادية ، فإنّ التعليل المذكور فيها من «أنّهم إذا نهوا لا ينتهون» (٣)

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٣ ح ١.

٢٤

بل مطلق الكفّار (١) مع عدم التلذّذ والريبة (٢) أي خوف الوقوع في الحرام ـ

______________________________________________________

النظر إلى نساء أهل البادية ، فإنّ التعليل المذكور فيها من «أنّهم إذا نهوا لا ينتهون» (١) يقتضي جواز النظر إلى ما جرت عادتهنّ على عدم ستره ، من دون فرق بين أهل البادية وغيرهم فيشمل أهل الذمة أيضاً.

(١) والحكم واضح إذا كان المستند في جواز النظر إلى نساء أهل الذمّة صحيحة عباد بن صهيب ، فإنها بتعليلها تعمّ سائر الكافرات أيضاً.

وأما إذا كان المستند معتبرة السكوني ، فقد يشكل الحكم باعتبار أنّ المذكور فيها نساء أهل الذمة خاصة ، وقد عرفت أنّ كل قيد يؤخذ في كلام الإمام (عليه السلام) ظاهر في الاحتراز ويدلُّ على عدم ثبوت الحكم للطبيعة المطلقة.

إلّا أنّه لا يخفى أن جعلها مستند الجواز في نساء أهل الذمة لا يمنع من الالتزام به في سائر الكافرات ، فإنه يمكن التفصي عما ذكر بأنّ ذكر الذمية في المعتبرة لدفع تخيّل أن لعرضهنّ حرمة كما هو الحال في أموالهنّ وأنفسهنّ وليس لوجود خصوصية فيهنّ. وحيث أن الكافرات لا حرمة لهنّ أبداً ، فيثبت جواز النظر إليهنّ بالأولوية القطعية.

وبعبارة أخرى : إنّ أهل الكتاب هم أقرب الأصناف إلى المسلمين ، فإنّ أموالهم وأنفسهم محترمة كمال المسلم ونفسه. فإذا لم تثبت حرمة لأعراضهم ، فعدم ثبوت ذلك في سائر الكفار يكون من باب الأوْلى.

(٢) بلا خلاف في ذلك ، وتدلّ عليه الآية الكريمة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) (٢). فإنّها تدلّ على لزوم كفّ النظر الذي هو بمعنى الانصراف عن الشي‌ء تماماً فتدل على حرمة جميع أنواع الاستمتاع من المرأة ما عدا المملوكة والزوجة. وعليه فإذا ثبت من الخارج جواز النظر إلى بعض أعضاء المرأة ، عُلم أنّ المراد من ذلك إنما هو النظر البحت لا المشوب بنوع من الاستمتاع والتلذّذ.

ولزيادة الإيضاح نقول : إنّ النظر وغضّ البصر أمران وجوديان متضادّان

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٣ ح ١.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٣٠.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس وجود أحدهما مقدمة لترك الآخر ، كما أنّ ترك الآخر ليس مقدمة لوجود الأول ، على ما هو الحال في جميع الأُمور المتضادة ، لا سيما إذا كان التضاد غير منحصر بفردين بل كان لهما ضد ثالث كما هو الحال في المقام. فإنّ التضاد بين غضّ البصر بمعناه الحقيقي أعني وضع جفن على جفن وإطباق الجفنين وبين النظر غير منحصر بينهما ، إذ للإنسان أن يضع حائلاً بين عينيه وبين الشي‌ء المنظور إليه فلا يراه من دون أن يطبق جفنيه.

ومن هنا يتضح أنّه لا وجه لما قيل : من أن غضّ البصر مقدمة لترك النظر ، وحيث أنّ الأمر بالمقدمة أبلغ من الأمر بذيها كان المراد بالأمر بغضّ البصر ترك ضده الآخر ، فإنّ ذلك من الاستعمال الغريب ، ولم نعثر بحسب تتبعنا على مورد لذلك ، بل لا معنى له بحسب الاستعمالات المتعارفة لا سيما إذا لم يكن التضادّ منحصراً بفردين.

وقد يتوهّم أنّ ذلك مستعمل فيما ورد من أنّ الناس يؤمرون يوم القيامة بغضّ أبصارهم كي تجوز فاطمة (عليها السلام) بنت حبيب الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) (١) بدعوى أنّ المراد من ذلك حقيقة إنما هو ترك النظر إليها.

وفيه : أنّ الظاهر من تلك الأوامر أنّ هذه الكلمة مستعملة في معناها الحقيقي أعني إطباق الجفون وجعل الإنسان نفسه كالأعمى إجلالاً وتعظيماً لمقامها (عليها السلام) ، لا ترك النظر إليها.

وعلى ضوء هذا فحيث أنّ المراد بالغضّ في الآية الكريمة ليس معناه الحقيقي يقيناً إذ لا يجب على الرجل أن يطبق جفنه كما لا يجب على المرأة أن تطبق جفنها جزماً وإرادة ترك النظر منها باعتبار أنّه ملازم له عناية يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، بل هو استعمال غريب لم يعثر عليه مطلقاً ، تعيّن أن يكون المراد به صرف النظر عن غير الزوجة والمملوكة ، وفرضها كالعدم ، وهو استعمال شائع عرفاً.

وتساعد عليه الآية الكريمة ، فإنّ كلمة «مِنْ» المذكورة فيها لا تنسجم إلّا مع هذا التفسير ، فإنّها تفيد التبعيض وهو إنما ينسجم مع تفسيرنا ، فيقال : إنّ المأمور به

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي : ٤٣٧ ٤٣٨ ح ٥٧٨.

٢٦

والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره (١).

______________________________________________________

ليس هو صرف النظر عن غير الزوجة والمملوكة على الإطلاق ، بل المأثور به هو حصّة خاصّة منها ، وهي صرف النظر عن غيرهما في خصوص الاستمتاعات الجنسية وما يتعلق بها من شؤون ، وفرضها في مثل هذه القضايا كالعدم.

وأما في غيرها كالبيع والشراء فلا مانع من الطمع فيهن ، فلا يقطع نظره عن معاملاتهن ، وهذا المعنى لا يتحقق على التفسير الآخر ، فإنه لو فرض أن المراد بالغضّ هو ترك النظر لما كان معنى للتبعيض فيه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المأمور به ليس هو ترك النظر إليها على الإطلاق ، بل المراد حصة خاصة منه. لكن يدفعه أنّ تلك الحصة غير معلومة ، إذ يحتمل أن تكون هي جسدها خاصة ، كما يحتمل أن تكون هي النظر إليها مع الشهوة والتلذّذ ، وبذلك تكون الآية مجملة فلا يصح الاستدلال بها على حرمة النظر.

والحاصل أنّ هذه الآية أجنبية بالمرة عن نظر الرجل إلى المرأة أو العكس ، وإنما هي واردة في مقام الأمر بقطع نظر كل من الجنسين عن الآخر وعدم الطمع فيه فيما يختص بالاستمتاعات الجنسية.

وأما بالنسبة إلى اعتبار عدم الريبة فيمكن التمسك فيه بقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (١). فإنّ الحفظ لما كان بمعنى الاهتمام بالشي‌ء كي لا يقع في خلاف ما ينتظره ، كان مدلول الآية الكريمة أنّه لا بدّ من التحفظ على الفرج من الزنا ، وحيث أن النظر إليهن مع الريبة يجعل العورة في معرض الزنا كان مشمولاً للنهي.

(١) وإن كان الأظهر هو الجواز مطلقاً ، إذ قد عرفت أن مستند الحكم في نساء أهل الذمّة والكفار إنما هو عدم وجود حرمة لأعراضهن. ومن هنا فلا يختلف الحال بين

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥ ٧.

٢٧

وقد يلحق بهم نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم (١) وهو مشكل (*) (٢).

نعم ، الظاهر عدم حرمة التردّد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهن ، ولا يجب غضّ البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان.

[٣٦٦٠] مسألة ٢٨ : يجوز لكل من الرّجل والمرأة النظر إلى ما عدا العورة

______________________________________________________

ما جرت عادتهنّ على ستره وما لم تجر ، فيجوز النظر إلى شعورهنّ حتى لو جرت عادتهنّ على ستره.

(١) لصحيحة عباد بن صهيب ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج ، لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون» (١).

(٢) والوجه فيه ما قيل من ضعف الرواية بـ (عباد) ، وعدم انجبارها بعمل المشهور.

والظاهر أنّ منشأ القول بضعفها هو تعبير صاحب الجواهر (قدس سره) عنها بالخبر (٢). لكنه غير خفي على المتتبع أنّه (قدس سره) لا يلتزم بالاصطلاحات عند ذكر الأخبار ، إذ كثيراً ما يعبّر عن الصحيحة بالخبر ، بل يصف الرواية الواحدة في مسألة بالخبر ، وفي أخرى بالصحيحة ، وإلّا فعباد بن صهيب ثقة جزماً لتوثيق النجاشي له (٣).

وعليه فلا حاجة في إثبات وثاقة الرجل إلى دعوى أنّه ممن يروي عنه ابن محبوب ، وهو لا يروي إلّا عن ثقة ، فإن هذه الدعوى غير صحيحة على ما فصّلناه في مقدّمة معجم رجال الحديث ، فراجع (٤).

__________________

(*) لا إشكال فيه.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١٣ ح ١.

(٢) الجواهر ٢٩ : ٦٩.

(٣) رجال النجاشي : ٢٩٣ ترجمة برقم ٧٩١.

(٤) معجم رجال الحديث ١ : ٦٦.

٢٨

من مماثله شيخاً أو شابّاً ، حسن الصورة أو قبيحها (١) ما لم يكن بتلذّذ أو ريبة (٢). نعم ، يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية (٣)

______________________________________________________

والحاصل أنّ الرواية تامة دلالة وسنداً ، فالعمل بها متعيّن ولا وجه للاستشكال فيها.

إلّا أنّه لا يخفى أن الحكم هنا يختص بما جرت عادتهنّ على عدم ستره ، وليس الحكم فيهن كالحكم في الذميات. فإن منشأه في الذمية عدم الحرمة فلا يختص الحكم بما جرت عادتهنّ على عدم ستره ، في حين أنّ منشأه في أهل البوادي هو هتك حرمتهنّ بأيديهنّ إذ لا ينتهين إذا نهين ، فيكون الحكم في الجواز فيهنّ نظير ما ورد في الغيبة من أنّه «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له» (١) فإنّ الذي كشف ما ستره الله ولم يجعل لنفسه حرمة فلا مانع من استغابته.

وعليه فيختص الحكم بما جرت عادتهن على عدم ستره.

(١) بلا خلاف فيه بينهم. وقد دلت عليه السيرة العملية القطعية ، مضافاً إلى ما ورد في أبواب الحمام من نهي الإمام (عليه السلام) جماعة دخلوا الحمام عراة من جهة كشفهم للعورة فقط (٢) فإنّ ذلك يكشف عن عدم وجود البأس في النظر إلى سائر أعضاء بدن المماثل.

(٢) لما تقدم من دلالة الآيتين الكريمتين على ذلك.

(٣) استدل على ذلك :

أوّلاً : بصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن» (٣) حيث قد تقدّم أنّ كلمة (ينبغي) تستعمل في الجواز والإمكان.

وعلى هذا فتكون الرواية دالة على عدم جواز ذلك للمسلمة ، ومن ثمّ حكم صاحب الجواهر (قدس سره) بالحرمة (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ٢٦٠.

(٢) الوسائل ، ج ٢ كتاب الطهارة ، أبواب دخول الحمام ، ب ٩.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٩٨ ح ١.

(٤) الجواهر ٢٩ : ٧٢.

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانياً : قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... أَوْ نِسائِهِنَّ) (١) بدعوى أنّ المراد بالنساء هو المسلمات ، وذلك بملاحظة الإضافة إلى المسلمة.

إلّا أن كلا الاستدلالين لا يمكن المساعدة عليهما.

أمّا الأوّل : فلأن كلمة «لا ينبغي» وإن كانت ظاهرة فيما ذكر ، إلّا أن التعليل المذكور فيها يمنع من حملها على الكراهة فضلاً عن الحرمة ، إذ أن معرفة الكافر بحال المرأة المسلمة ليست من المحرمات قطعاً ، كي يكون التكشف أمراً حراماً باعتبار كونه سبباً لها ، بل لا بدّ من حملها على الإرشاد إلى أمر أخلاقي ، وهو التحفظ عن الكفار حتى في هذا المقدار.

وأمّا الثاني : فلا يخفى ان المحتمل في كلمة (نِسائِهِنَّ) أمور.

الأوّل : أن يراد بها الحرائر مطلقاً من دون خصوصية للمسلمة. وذلك ببيان أنّ المستثنى في الآية الكريمة حكم انحلالي بملاحظة كل امرأة بالنسبة إلى أبيها أو بعلها أو أخيها ، إلى آخر ما ذكر فيها ، إذ لا يحتمل جواز إبداء زينتهن لبعولة أو آباء أو إخوان غيرهنّ ، بل يختص الحكم بكل امرأة مستقلة بالنسبة إلى أبيها وسائر أرحامها المذكورين في الآية الكريمة بالإضافة إلى العم والخال. فإنهما وإن لم يذكرا في الآية إلّا أنّ الحكم لهما ثابت إجماعاً ، ولعل عدم ذكرهما إنما هو لوحدة النسبة بين العم وابن الأخ ، وبين الخال وابن الأُخت. فإنها كما يجوز لها إبداء زينتها لابن أخيها وابن أُختها نظراً إلى كونها عمة أو خالة لهما ، يجوز لها إبداء زينتها لعمها وخالها لوحدة النسبة.

هذا كلّه في غير (نِسائِهِنَّ). وأما فيها فلا يمكن الالتزام بكون الحكم انحلالياً ، إذ لا يعقل تصوّر كونها امرأة لامرأة دون أخرى ، فيكون المراد لا محالة طبيعي النساء فيكون المعنى : لا يبدين زينتهنّ إلّا من طبيعي النساء ، وبقرينة عطف (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) الإماء عليهن يفهم أنّ المراد من طبيعي النساء هو الحرائر ، فيتحصل من الآية الكريمة أنّ طبيعي المرأة لا بأس بأن تبدي زينتها لطبيعي الحرائر وطبيعي الإماء.

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣١.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : أن يراد بها مطلق النساء ، ونسب ذلك إلى الجواهر (١) ، وعليه فيتعيّن أن يراد ب (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) العبيد خاصة.

وفيه :

أوّلاً : إنّ الظاهر من الإضافة هو الاختصاص وإرادة طائفة خاصة بالنسبة إلى المرأة ، فحملها على طبيعي النساء بعيد جدّاً.

وثانياً : إنّ حمل (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) على العبيد لا مبرر له ، إذ لا وجه للتخصيص من دون قرينة عليه ، على أنّه مخالف لسياق الآية الكريمة حيث قد عرفت أنّ الحكم في النساء طبيعي لا انحلالي ، وهو مما لا يمكن الالتزام به في العبيد. فإنه بناءً على القول بجواز كشف المرأة وجهها للعبد ، فإنما يقال بذلك بالنسبة إلى خصوص عبدها لا مطلقاً. وهذا يعني أنّ الحكم في (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) انحلالي ، فيكون مخالفاً للسياق لا محالة.

الثالث : أن يراد بها المؤمنات خاصة ، وذهب إليه في الحدائق (٢) تبعاً لابن حمزة (٣).

وفيه : أنّه لا قرينة على ذلك بالمرة ، على أن لازمه الالتزام بعدم جواز إبداء المرأة المسلمة زينتها لطبيعي المرأة الكافرة حتى ولو لم تكن متزوجة ، وهو خلاف ضرورة المسلمين جزماً. فإنّ مثل هذا الحكم لو كان ثابتاً لكان من أوضح الواضحات ، ومما لا خلاف فيه أصلاً ، نظراً إلى كثرة ابتلائهن بهن ، إذ أن نساء أهل الكتاب كن يخدمن في كثير من بيوت المسلمين بما في ذلك بيوت الأئمة (عليهم السلام) ، فكيف ولم يقل به فيما نعلم أحد من الفقهاء؟! أضف إلى ذلك كلّه أنّه بناءً على هذا الوجه فما يكون المراد بقوله تعالى : (أَوْ

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٧٢.

(٢) الحدائق ٢٣ : ٦٢.

(٣) لم نعثر عليه في كتاب الوسيلة ، ويحتمل أن يكون قوله هذا في كتابه الواسطة أو الرائع في الشرائع ذكرهما الطهراني في الذريعة ، فلاحظ.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) وهل يراد به خصوص العبيد ، أم خصوص الإماء الكافرات ، أم الجامع بينهما؟

فإنّ من غير الخفي أنّه لا مجال لأن يصار إلى الأوّل ، فإنّ لازمه السكوت عن الأَمة الكافرة ، والحال أنّه لا ينبغي الشك في جواز نظرها إليها فإنها مستثناة جزماً وعليه فلا يبقى وجه للتخصيص بالعبيد ، على أنّه يرد ما تقدم على الوجه السابق من لزوم اختلاف السياق.

والاحتمال الثاني : وإن كان ممكناً بحد ذاته ، إذ لا يلزم منه محذور اختلاف السياق إلّا أنّه لا دليل عليه.

وأمّا الاحتمال الثالث : فهو غير معقول بحدّ ذاته ، لأنّ الحكم بالنسبة إلى العبيد انحلالي وبالنسبة إلى الإماء طبيعي ، والجمع بينهما في نسبة واحدة محال حتى على القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، فإنّ من غير المعقول أن يلحظ مفهوم (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) في نسبة واحدة بلحاظين ، بأن يكون انحلالياً بالنسبة إلى بعض الأفراد ، وطبيعياً بالنسبة إلى بعضهم الآخر.

الرابع : أن يراد بها الأقرباء خاصة.

وفيه : أنّه أبعد الاحتمالات كلها ، إذ أنّ لازمه الالتزام بدلالة الآية الكريمة على حرمة إبداء المرأة زينتها لغير نساء عشيرتها ، وهو خلاف الضرورة الفقهية. على أنّه يردُ عليه ما تقدم على الوجه الثالث في المراد من قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ).

ومما تقدم يتضح أنّ المتعيّن هو الالتزام بالوجه الأوّل ، لعدم ورود شي‌ء من الإشكالات عليه.

ثم إنّه بناءً على هذا الاحتمال يتعيّن كون المراد بقوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) خصوص الأمة ، وذلك لبطلان احتمال إرادة خصوص العبد أو الجامع بينهما كما تقدّم.

وقد نسب صاحب الوسائل (قدس سره) إلى الشيخ (قدس سره) في الخلاف أنّه قال : (روى أصحابنا في قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) أنّ المراد به الإماء دون

٣٢

بل مطلق الكافرة (١) فإنّهن يصفن ذلك لأزواجهن.

______________________________________________________

العبيد الذكران) (١). وهذه الرواية وإن لم نعثر عليها إلّا أن ما ذكره (قدس سره) يكفينا كمؤيد.

نعم ، روى معاوية بن عمار في الصحيح ، قال : كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) نحواً من ثلاثين رجلاً إذ دخل عليه أبي فرحب به إلى أن قال فقال له : «هذا ابنك»؟ قال : نعم ، وهو يزعم أنّ أهل المدينة يصنعون شيئاً لا يحلّ لهم ، قال : «وما هو»؟ قال : المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعها على عنقه ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «يا بني أما تقرأ القرآن»؟ قلت : بلى ، قال : «اقرأ هذه الآية (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ) حتى بلغ (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) ثم قال : يا بني ، لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق» (٢).

فإنّها تدل عموماً أو خصوصاً على دخول العبيد في قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ).

إلّا أنّه لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها ، وذلك لأنها غير قابلة للتصديق والقبول. فإنّها دلّت على جواز مماسة المرأة للعبد ، وهي لا قائل بجوازها ولا خلاف في حرمتها ولم ترد الآية الكريمة فيها ، فهي أجنبية عن محل الكلام. على أنها لم تتضمن حكماً تعبدياً كي يقال بتخصيص الحكم بها ، وإنما استدل بظاهر القرآن الكريم ، وحيث عرفت أنّ الآية الكريمة غير ظاهرة في ذلك ، فلا بدّ من حملها على التقية وإرادة التخلص عن إظهار الجواب الحقيقي للسؤال.

(١) لعموم التعليل ، وقد علم حاله مما تقدم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٤ ح ٩. الخلاف ٤ : ٢٤٩.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٤ ح ٥. والآية الكريمة في سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٥.

٣٣

والقول بالحرمة للآية حيث قال تعالى (أَوْ نِسائِهِنَّ) فخص بالمسلمات ، ضعيف ، لاحتمال كون (*) المراد من «نِسائِهنَّ» الجواري والخدم لهنّ من الحرائر (١).

[٣٦٦١] مسألة ٢٩ : يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر حتى العورة (٢) مع التلذّذ وبدونه ، بل يجوز لكلّ منهما مسّ الآخر بكل عضو منه كل

______________________________________________________

(١) وقد عرفت بعده.

(٢) وعليه اتفاق العلماء ، لدلالة الآية الكريمة بإطلاقها وكثير من الروايات عليه ، إذ أن مقتضى إطلاق استثناء الأزواج من قوله تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ) هو جواز نظر الزوجة حتى إلى عورة زوجها كما أنّ مقتضى إطلاق استثناء الزوجات من قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (١) هو جواز نظر الزوج حتى إلى عورة زوجته.

نعم ، نُسب إلى ابن حمزة القول بحرمة النظر إلى عورة الزوجة حين الجماع (٢) مستدلّاً برواية أبي سعيد الخدري في وصية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) ، قال : «ولا ينظر أحد إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإنّ النّظر إلى الفرج يورث العمى في الولد» (٣).

والظاهر أنّ النظر إلى عورة المرأة في حال الجماع أمر من الصعب تحققه ، فلا مجال للتكلّم في جوازه وعدمه ، ولعل المراد بحال الجماع حال التهيؤ له ، وعلى كل فالرواية ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها.

على أنّه لا مجال لاستفادة الكراهة منها فضلاً عن الحرمة وذلك للتعليل المذكور فيها ، فإنه يكشف عن أنّ الرواية لا تتضمّن حكماً تكليفياً ، وإنما هي بصدد الإرشاد

__________________

(*) هذا الاحتمال ضعيف جدّاً ، إذ الظاهر أنّ المراد من «نسائهنّ» الحرائر ، بقرينة قوله تعالى «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ».

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥.

(٢) الوسيلة : ٣١٤.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٥٩ ح ٥.

٣٤

عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه (١).

[٣٦٦٢] مسألة ٣٠ : الخنثى مع الأُنثى كالذّكر ، ومع الذّكر كالأُنثى (٢).

______________________________________________________

إلى أثر وضعي لا أكثر.

مضافاً إلى أنّه قد ورد صريحاً في صحيحة سماعة الجواز ، حيث قال : سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة وهو يجامعها ، قال : «لا بأس به ، إلّا أنّه يورث العمى» (١).

والحاصل أنّه لا مجال للقول بكراهة النظر إلى فرج المرأة سواء في حال الجماع أم غيره فضلاً عن الحرمة.

(١) بلا خلاف في ذلك.

(٢) والكلام في هذه المسألة في جواز نظر الخنثى إلى كل من الرجل والأُنثى لا العكس ، فإنه يأتي التعرض إليه في محله إن شاء الله تعالى.

وعلى كلّ فالأمر كما أفاده الماتن (قدس سره) ، وذلك للعلم الإجمالي بحرمة النظر إلى بدن أحدهما وهو منجز لا محالة ، فيجب عليه ترك النظر إلى كليهما.

هذا إذا كان كل منهما محلّاً لابتلائه فعلاً. وأما إذا كان أحدهما محلّاً لابتلائه فعلاً وكان الآخر محلّاً لابتلائه فيما بعد ، كان الحكم أيضاً كذلك ، إذ لا يفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين كون جميع أطرافه محلّاً للابتلاء فعلاً ، وبين كون بعضها محلّاً للابتلاء فعلاً وبعضها الآخر محلّاً للابتلاء في المستقبل.

وهذا الحكم يجري بعينه فيما إذا كان أحد الطرفين خاصة محلّاً لابتلائه ، وذلك للعلم الإجمالي حين البلوغ بتوجه تكاليف شرعية مرددة بين تكاليف الرجل وتكاليف المرأة ، فهو يعلم إجمالاً بحرمة النظر إلى الرجل الذي هو محل ابتلائه ، أو وجوب الجهر في الصلاة. ومن الواضح أنّ مقتضى هذا العلم الإجمالي هو تنجز جميع التكاليف سواء المتوجهة للرجال والمتوجهة للنساء في حقه ، فيجب عليه امتثالها.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٥٩ ح ٣.

٣٥

[٣٦٦٣] مسألة ٣١ : لا يجوز النظر إلى الأجنبية (١) ولا للمرأة النظر إلى

______________________________________________________

(١) وهو في غير الوجه واليدين مما لا خلاف فيه ، ويدلّ عليه :

أوّلاً : قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) بناء على ما ورد في عدّة من الصحاح من تفسير الزينة بمواضع الزينة (١). وعليه فالآية الكريمة تدلّ على وجوب ستر تلك المواضع وحرمة كشفها ، وحيث إنّ من الواضح عرفاً أنّه لا موضوعية لستر الزينة وإنّما هو مقدمة لعدم نظر الرجل إليها ، فتثبت حرمة نظر الرجل إلى تلك المواضع.

ثانياً : الأخبار الدالّة على حرمة النظر إلى وجه المرأة ويديها على ما سيأتي بيانها فإنّها تدل بالأولوية القطعية على حرمة النظر إلى غيرهما من أعضائها.

ثالثاً : الروايات المتقدمة الدالة على جواز النظر إلى شعر المرأة وساقها لمن يريد التزويج منها ، أو يريد شراء الأمة (٢) فإنّ اختصاص الحكم فيها بمريد التزويج والشراء يدلّ بوضوح على الحرمة إذا لم يكن الرجل بصدد الزواج منها ، أو شرائها.

رابعاً : معتبرة السكوني المتقدمة الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل الكتاب معللة ذلك بأنّهن لا حرمة لهنّ (٣) فإنّها تدل على حرمة النظر إلى المسلمة ، نظراً إلى كونها محترمة من حيث العرض.

خامساً : النصوص المتقدمة الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل البادية ، باعتبار أنّهنّ لا ينتهين إذا نهين (٤) فإنّ التعليل يكشف عن حرمة النظر إلى المرأة بحد ذاته وإنّ الحكم بالجواز في أهل البادية إنّما ثبت نتيجة إلغائهن لحرمة أنفسهن ، وإلّا فالحكم الأوّلي فيهن أيضاً هو عدم الجواز.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٢١ ح ١ ٥.

(٢) راجع ص ١٢ ه‍ ١ ، ص ٢٢ ه‍ ٥.

(٣) راجع ص ٢٨ ه‍ ٢.

(٤) راجع ص ٤٢ ه‍ ١.

٣٦

الأجنبي (١) من غير ضرورة.

______________________________________________________

(١) ذهب إليه في الرياض ، مستدلّاً بالإجماع على الملازمة بين ثبوت الحكم في جانب الرجل وثبوته في جانب المرأة (١).

وفيه : أنّ الإجماع لو تمّ فهو ، ولكن أنّى لنا إثبات كونه إجماعاً قطعياً محصّلاً ، كيف ولم يتعرض للمسألة كثير من القدماء والمتأخرين! على أنّه يكفينا في إثبات عدم الملازمة الجزم بجواز نظرها إلى وجه الرجل ويديه حتى مع القول بحرمة نظر الرجل إلى وجهها ويديها ، فإنّ السيرة القطعية قائمة على الجواز بالنسبة إليها من عصر الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى زماننا هذا ، فإنّهن كن ينظرن إلى الرجال في حين التكلّم معهم أو غيره ولو من وراء الحجاب. ويؤيد ذلك ملاحظة أنّ نظر المرأة إلى الرجل من حيث الحكم في عصرهم (عليهم السلام) لا يخلو من حالات ثلاث :

فإمّا أن يكون واضح الحرمة.

وإمّا أن يكون واضح الجواز.

وإمّا أن يكون مشتبهاً.

والأوّل بعيد جدّاً ، إذ لا يحتمل أن تكون حرمة نظر المرأة إلى الرجل أوضح من حرمة نظر الرجل إليها ، بحيث يرد السؤال عن الثاني ولا يرد عن الأوّل.

والثالث يدفعه عدم السؤال عنه ولا في رواية واحدة ، فإنّه لو كان الحكم مشكوكاً ومشتبهاً فكيف لم يُسأل عنه المعصوم (عليه السلام)؟ وكيف لم ينبّه عليه هو بعد ما عرفت أنّ المتعارف في الخارج ذلك؟

ومن هنا يتعيّن الاحتمال الثاني ، وأنّ الحكم بالجواز كان واضحاً لدى المتشرعة في عصرهم (عليهم السلام) إلى حد لم تكن هناك حاجة للسؤال عنه.

وعليه فمثل هذا الإجماع لا يمكن الاعتماد عليه ، بل لا بدّ في القول بعدم الجواز من

__________________

(١) رياض المسائل ، ٢ : ٧٣.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تتبع سائر الأدلة ، وقد استدل على ذلك بأُمور.

الأوّل : قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ).

بدعوى أنّ الغضّ عبارة عن الترك ، فتكون الآية دالة على وجوب ترك النظر إلى الرجال.

وفيه : ما تقدّم من أنّ الغضّ ليس عبارة عن الترك ، وإنّما هو عبارة عن جعل الشي‌ء مغفولاً عنه ، وعدم الطمع فيه بالمرة والانصراف عنه.

وعليه فلا تكون للآية دلالة على حرمة نظرهن إلى الرجال على ما تقدم بيانه تفصيلاً.

وممّا يؤيِّد ذلك أنّ الخطاب في الآية الكريمة عامّ لجميع المؤمنات ، لإفادة الجمع المحلّى بالألف واللّام ذلك ، فيشمل المبصرات منهن وغير المبصرات ، وحيث إنّ من الواضح أنّه لا معنى لتكليف غير المبصرات بترك النظر ، فيتعيّن حمل الغضّ على ما ذكرنا من الانصراف عن الرجال وعدم الطمع فيهم.

نعم ، قد يتوهّم كون الآية الكريمة ناظرة إلى النظر ، وذلك بملاحظة معتبرة سعد الإسكاف عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره ، فقال : والله لآتين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولأُخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : ما هذا؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) (١) فإنّها وردت في فرض النظر إلى المرأة ، فتكون دالّة على أنّ المراد بالغضّ هو ترك النظر.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٠٤ ح ٤.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الظاهر أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ موردها هو صورة التلذّذ والاستمتاع بالنظر إليها ، وهي مشمولة للآية الكريمة بلا إشكال إلّا أنّها أجنبية عمّا نحن فيه حيث إنّ كلامنا في النظر المجرد عن التلذّذ لا مطلقاً.

ويؤيد ما ذكرناه أنّ نظر الشاب إليها كان من خلفها فيما عدا اللّحظات الاولى ، ومما لا إشكال فيه أنّ ذلك إذا كان مجرداً عن التلذّذ ليس بحرام قطعاً.

الثاني : رواية أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، قال : استأذن ابن أُم مكتوم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعنده عائشة وحفصة ، فقال لهما : «قوما فادخلا البيت». فقالتا : إنه أعمى ، فقال : «إن لم يركما فإنكما تريانه» (١).

وفيه : أنّها ضعيفة مرسلة ، باعتبار أنّ البرقي يرويها عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من دون ذكر الواسطة ، ومن المعلوم أنّ الفصل الزمني بينهما كثير جدّاً فلا يمكن الاعتماد عليها. على أنّها قابلة للمناقشة من حيث إنّها تكفلت بيان فعل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، وهو لا يدل على اللّزوم.

الثالث : رواية محمد بن علي بن الحسين في (عقاب الأعمال) ، قال : قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «اشتدّ غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها ، أو غير ذي محرم منها» (٢).

وفيه : أنّها ضعيفة السند جدّاً ، لوجود عدّة مجاهيل في سندها. على أنّها أخصّ من المدّعى ، لأنّ موردها ذات البعل.

الرابع : رواية الحسن الطبرسي في (مكارم الأخلاق) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ فاطمة قالت له في حديث «خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهنّ الرجال» (٣).

وفيه : أنّها مرسلة. على أنّه لا دلالة فيها على اللّزوم.

الخامس : رواية الحسن الطبرسي أيضاً عن أُم سلمة ، قالت : كنت عند رسول الله

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٩ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٩ ح ٣.

٣٩

واستثنى جماعة الوجه والكفّين فقالوا بالجواز فيهما (١) مع عدم الريبة والتلذّذ.

______________________________________________________

(صلّى الله عليه وآله وسلم) وعنده ميمونة ، فأقبل ابن أُم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب ، فقال : «احتجبا». فقلنا : يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه» (١).

وفيه : أنّ الكلام فيها عين الكلام في رواية البرقي.

والحاصل : أنّه ليس هناك أي رواية معتبرة تدل على حرمة نظر المرأة إلى الرجل وعليه فالحكم بالمنع مبني على الاحتياط.

(١) قد عرفت الحكم بالنسبة إلى المرأة ، وأنّه لا مانع من نظرها إلى الرجل إذا لم يكن عن تلذّذ وريبة.

وأما بالنسبة إلى الرجل فهل يستثني من حرمة نظره إلى المرأة وجهها ويداها أم لا؟

اختار المحقق (قدس سره) التفصيل بين النظرة الأُولى والثانية ، فحكم بالجواز في الأُولى وبالحرمة في الثانية (٢) وذهب صاحب الجواهر (قدس سره) إلى المنع مطلقاً (٣) في حين أصرّ الشيخ الأعظم (قدس سره) على الجواز كذلك (٤). واستدل للقول بالجواز :

أوّلاً : بقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها) (٥).

بدعوى أنّ مقتضى الاستثناء في الآية الكريمة هو جواز إبداء مواضع الزينة الظاهرة وعدم وجوب سترها ، ولازم ذلك جواز نظر الرجل إليها ، وحيث أنّ الوجه والكفّين منها جزماً ، فتدلّ الآية الكريمة على جواز النظر إليهما.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١٢٩ ح ٤.

(٢) الشرائع ١ : ٣١٧.

(٣) الجواهر ٢٩ : ٧٧.

(٤) كتاب النكاح ٢٠ : ٥٣.

(٥) سورة النور ٢٤ : ٣١.

٤٠