موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل أنّ هذه الرواية بسندها الصحيح لا دلالة فيها على المدعى ، وإنّما هي من أدلة القول بالجواز مطلقاً ، وبمتنها الدال ضعيفة سنداً ، فلا مجال للاعتماد عليها كدليل للقول بالحرمة مطلقاً.

وأمّا الطائفة الثانية : وهي الدالة على الجواز مطلقاً ، فهي على قسمين :

الأوّل : ما يقبل التقييد ببعد التوبة.

الثاني : ما لا يقبل التقييد بما تقدم.

أما القسم الأوّل فهو روايات عديدة :

كمعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها ، فقال : «حلال ، أوّله سفاح وآخره نكاح ، أوّله حرام وآخره حلال» (١).

وصحيحة إسحاق بن جرير المتقدمة ، بناء على ما رواه الشيخ (قدس سره).

ومعتبرة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالاً» قال : «أوّله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ، ثم اشتراها بعد فكانت له حلالاً» (٢).

فهذه الروايات كما تراها دالّة على الجواز مطلقاً ، إلّا أنّها لما كانت صالحة للتقييد لا تكون قابلة لمعارضة الطائفة الأُولى.

وأما القسم الثاني :

فكمعتبرة موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا النثاء عليها في شي‌ء من الفجور ، فقال : «لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها» (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١١ ح ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٢ ح ٢.

والنثاء : مثل الثناء ، إلّا أنّه في الخير والشر جميعاً ، والثناء في الخير خاصة ، راجع الصحاح ٦ : ٢٥٠١.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ تقييدها بالتوبة قبل الزواج بعيد جدّاً ، لا سيما بملاحظة قوله (عليه السلام) : «يتزوّجها ويحصنها» فإنه ظاهر بكل وضوح في عدم تحقق التوبة منها قبل الزواج وإنّما الإحصان يكون بعده.

وأوضح منها دلالة معتبرة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) (١).

فإنّ الظاهر من الإجابة بالإثبات على التزوج بالفواسق هو جوازه في حال كونهن كذلك بالفعل ، ومن هنا فلا مجال لحملها على توبتهن قبل الزواج ، نظراً لكونه حملاً على خلاف الظاهر.

وصحيحة علي بن رئاب قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم ، قال : «نعم ، وما يمنعه ، ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد» (٢).

فإنّها ظاهرة الدلالة على كون التزوج في حال اتصاف المرأة بالفجور وتلبّسها بذلك الوصف.

ومعتبرة إسحاق بن جرير ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور ، أيحلّ أن أتزوجها متعة؟ قال : فقال : «رفعت راية»؟ قلت : لا ، لو رفعت راية أخذها السلطان ، قال : «نعم ، تزوّجْها متعة» (٣).

ودلالتها على الجواز مع كونها معروفة بالفجور واضحة ، وتقييد الجواز فيها بالمتعة إنّما هو لأجل كون السؤال عنها خاصة ، وإلّا فلا إشكال في عدم الفرق بينها وبين الزواج الدائم.

وهذا القسم كما تراه لا يقبل التقييد بتوبتها قبل الزواج ، إذن يقع التعارض بينه وبين الطائفة الأُولى التي دلّت على المنع مطلقاً.

وأما الطائفة الثالثة ، فهي ما تضمنت التفصيل بين المشهورة المعلنة بالزنا وغيرها فلا يجوز التزوج بالأُولى بخلاف الثانية.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٢ ح ٦.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٩ ح ٣.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كمعتبرة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ، ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا ، إلّا بعد أن تعرف منهما التوبة» (١).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على عدم جواز التزوج بالمرأة المعلنة بالزنا ، وكذلك التزوج من الرجل المعلن للزنا. وظاهر النهي وإن كان هو الحرمة إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور في جانب الرجل للجزم بعدم الحرمة فيه ، لكن ذلك لا يقتضي رفع اليد عن ظهور النهي في جانب المرأة فإنه لا مبرر له على الإطلاق. ومن هنا فلا بدّ من التفصيل والالتزام بالحرمة في التزوج بالمرأة المعلنة بالزنا والكراهة في التزوج من الرجل المعلن بالزنا.

ولما كانت النسبة بين هذه المعتبرة وبين ما دلّ من النصوص على الجواز مطلقاً هي نسبة الخاص إلى العام ، خصص عموم تلك الروايات بهذه المعتبرة ، وبذلك فينتج اختصاص الجواز بما إذا لم تكن المرأة معلنة بالزنا. وبهذا التخصيص تنقلب النسبة بين هذه الطائفة وبين الطائفة التي دلّت على المنع مطلقاً إلى العموم والخصوص بعد ما كانت التعارض ، فتخصصها لا محالة.

فيكون الحاصل من ذلك كلّه اختصاص الحرمة بما إذا كانت المرأة معلنة بالزنا ومشهورة بذلك ، واختصاص الجواز بغيرها.

هذا كلّه ، ولكن قد ورد في ذيل معتبرة إسحاق بن جرير المتقدمة ما يدلّ على الجواز حتى في فرض كون المرأة معلنة بالزنا ، حيث ورد فيها : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسرّ إليه شيئاً ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك؟ فقال : إنّما قال لي : «ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شي‌ء ، إنّما يخرجها من حرام إلى حلال».

وبهذا فتكون هذه المعتبرة معارضة لمعتبرة الحلبي الدالة على عدم الجواز فيما إذا كانت معلنة بالزنا ، فتتساقطان لا محالة ، وحينئذ يتعيّن الرجوع إلى عمومات الحل وتكون نتيجة ذلك هو ما اختاره الماتن (قدس سره) من القول بالجواز مطلقاً.

إلّا أنّ هذا الذيل لا يمكن الاعتماد عليه ، نظراً إلى مجهولية بعض مواليه (عليه السلام) الذي يروي عنه الحلبي ، ومعه فلا مجال لقبول خبره.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٣ ح ١.

٢٢٣

مائه أو ماء غيره (١) إن لم تكن حاملاً.

______________________________________________________

وبذلك فيكون الصحيح في المقام هو ما ذكرناه من التفصيل بين المشهورة فلا يجوز التزوّج منها ، وغيرها حيث لا مانع من العقد عليها. بل إنّ معتبرة جرير بعد رفع اليد عن ذيلها مشعرة بالتفصيل إنْ لم نقل بظهورها فيه ، فتكون مؤكدة لصحيح الحلبي الدالّ على عدم جواز التزوّج من المعلنة.

(١) ذهب إلى وجوب الاستبراء في المقام جماعة من الأصحاب ، لعدّة من الروايات التي دلّت على أنّه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل والعدّة والمهر (١) فإنها تدل بإطلاقها على وجوب العدّة عند التقاء الختانين حتى ولو كان ذلك حراماً. وكذلك الحال فيما دلّ على أنّ العدّة إنّما هي من الماء (٢) فإنّ مقتضى إطلاقها ثبوتها في حالة الزنا أيضاً.

إلّا أنّ الظاهر أنّ الأمر ليس كذلك. والوجه فيه ما ثبت من أنّ ماء الزاني لا حرمة له «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ولأجله لم يتوقّف أحد من الأصحاب في عدم لزوم الاستبراء على الزوج فيما إذا زنت زوجته ، على ما ورد التصريح به في معتبرة عباد بن صهيب أيضاً.

ومن هنا يتضح أنّه لا تجب العدّة في مورد الزنا ، وأنّ العدّة كالمهر في هذا المورد خارج عن تلك الروايات التي دلّت على لزومهما عند التقاء الختانين.

هذا كلّه بالنسبة إلى غير الزاني. أما بالنسبة إليه فقد ورد في موثقة إسحاق بن جرير التي تقدمت في الطائفة الأُولى وجوب الاستبراء عليه ، حيث قال (عليه السلام) : «نعم ، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها». ولما كانت هذه الموثقة غير مبتلاة بالمعارض ، فلا محالة يتعيّن العمل بها والقول بلزوم الاستبراء عليه.

ولعلّ الفرق بين الزاني نفسه وغيره حيث يجب على الأوّل الاستبراء بخلاف

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب ٤٤ ح ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب ٤٤ ح ٣ ، ٤.

٢٢٤

وأما الحامل فلا حاجة فيها إلى الاستبراء (١) بل يجوز تزويجها ووطؤها بلا فصل.

نعم ، الأحوط (*) ترك تزويج المشهورة بالزنا (٢) إلّا بعد ظهور توبتها ، بل الأحوط ذلك بالنسبة إلى الزاني بها ، وأحوط من ذلك ترك تزويج الزانية مطلقاً (٣) إلّا بعد توبتها. ويظهر ذلك بدعائها إلى الفجور ، فإن أبت ظهر توبتها (٤).

______________________________________________________

الثاني ، يكمن في أنّ الزاني إذا كان غير من يريد التزوج بها فلا اشتباه في أمر الولد حيث إنه وإن كان يحتمل خلقه من ماء كل منهما إلّا أنّه لما لم يكن للعاهر غير الحجر فلا أثر للعدّة ، فإنّه يلحق الولد بالزوج بلا كلام. وهذا بخلاف ما لو كان من يريد التزوج منها هو الزوج نفسه ، حيث إنّ الولد ولده على كل تقدير ، غاية الأمر إنّه لا يعلم كونه من الحلال أو الحرام ، فيكون للاعتداد أثر واضح إذ بها يميز الحلال عن الحرام.

(١) جزماً حتى ولو كان مريد التزوج منها هو الزاني ، إذ لا يحتمل حينئذ أن يكون الولد ولده شرعاً بل هو من الزنا قطعاً ، فلا فائدة في الاعتداد.

وقد دلّ على ذلك بعض الروايات ، كرواية محمد بن الحسن القمي ، قال : كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في رجل فجر بامرأة فحبلت ، ثم إنّه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله به ، فكتب (عليه السلام) بخطه وخاتمه : «الولد لغية لا يورث» (١).

إلّا أنّها ضعيفة السند بمحمد بن الحسن القمي ، فلا مجال للاعتماد عليها. نعم لا بأس بجعلها مؤيدة للحكم.

(٢) قد عرفت أنّه على نحو الوجوب ، حيث دلّت صحيحة الحلبي عليه صريحاً.

(٣) نظراً إلى النصوص التي دلّت على المنع مطلقاً.

(٤) على ما دلّت عليه معتبرة أبي بصير المتقدمة.

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، ب ١٠١ ح ١.

٢٢٥

[٣٧٢٥] مسألة ١٨ : لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها وإن كانت مصرّة (١) على ذلك ، ولا يجب عليه أن يطلِّقها (٢).

______________________________________________________

(١) على ما هو المشهور والمعروف بين الفقهاء. ويقتضيه مضافاً إلى إطلاقات الحل ، كقوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١) ـ ما ورد صحيحاً من أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» وصحيحة عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، قال : «لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شي‌ء» (٢).

نعم ، إنّها معارضة برواية أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل تزوج المرأة متعة أياماً معلومة ، فتجيئه في بعض أيامها فتقول : إنّي قد بغيت قبل مجي‌ء إليك بساعة أو بيوم ، هل له أن يطأها وقد أقرت له ببغيها؟ قال : «لا ينبغي له أن يطأها» (٣).

إلّا أنّ هذه الرواية مرسلة ، فلا تصلح لمعارضة ما تقدم من الصحاح. على أنّه لو تمّ سندها فلا بدّ من حملها على الكراهة ، نظراً لصراحة صحيحة عباد في الجواز ، في حين إنّ كلمة «لا ينبغي» الواردة في هذه الرواية لا تعدو كونها ظاهرة في الحرمة. ومن الواضح أنّ مقتضى الصناعة عند تعارض النص والظاهر ، هو رفع اليد عن الثاني وحمله على بعض المحامل الذي هو الكراهة في مقام النهي.

(٢) وذلك لصحيحة عباد بن صهيب المتقدمة. نعم ، قد ورد في بعض النصوص المعتبرة وجوب التفريق بينهما في حالة واحدة ، هي ما لو زنت المرأة بعد العقد عليها وقبل أن يدخل بها الزوج.

ففي معتبرة الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت ، قال : «يفرق بينهما ، وتحدّ الحد

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٣٨ ح ١.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا صداق لها» (١).

وفي معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) ، قال : «قال علي (عليه السلام) في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها ، قال : يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأنّ الحدث كان من قبلها» (٢).

فإنّ كلمة «يفرق بينهما» ظاهرة على ما تقدم غير مرة في بطلان العقد السابق وفساده ، أو وجوب الطلاق على ما احتمله بعض. وعلى كلٍّ فهاتان المعتبرتان تدلّان على عدم بقاء العلقة الزوجية بين الزوجين ، فتكونان معارضتين لمعتبرة عباد بن صهيب في موردهما.

لكن هاتين المعتبرتين لا مجال للعمل بهما ، وذلك لا لإعراض المشهور عنهما إذ لم يعمل بمضمونهما أحد بل ولم ينقل القول به من أحد ، لأنّك قد عرفت منّا غير مرة أنّ إعراض المشهور لا يوجب الوهن في الحجية ، بل ذلك لمعارضتهما بروايتين معتبرتين أُخريين هما :

أوّلاً : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن المرأة تلد من الزنا ولا يعلم بذلك أحد إلّا وليها ، أيصلح له أن يزوجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفاً؟ فقال : «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثم علم بعد ذلك ، فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه كان ذلك على وليها ، وكان الصداق الذي أخذت لها ، لا سبيل عليها فيه بما استحل من فرجها. وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» (٣).

ومورد هذه الصحيحة وإن كان هو الزنا السابق على العقد إلّا أنّه لا يؤثر شيئاً ، فإنّ الزنا إذا كان موجباً لرفع العقد بعد وقوعه وتحققه ، فكونه دافعاً له ومانعاً من تحققه يثبت بالأولوية ، وعلى هذا تكون العبرة بزناها قبل أن يدخل الزوج بها وهو مشترك بين الموردين ، فتكون معارضة لهما لا محالة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٦ ح ١.

٢٢٧

[٣٧٢٦] مسألة ١٩ : إذا زنى بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً (*) (١) فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها ، أو طلاقه لها ، أو انقضاء مدتها إذا كانت متعة.

______________________________________________________

ثانياً : رواية الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن أبان ، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها كانت قد زنت ، قال : «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ، ولها الصداق بما استحل من فرجها. وإن شاء تركها» (١).

وهذه الرواية من حيث الدلالة كسابقتها إلّا أنها من حيث السند ضعيفة ، فإنّ قاسماً الذي يروي عن أبان ابن عثمان مشترك بين الثقة وغيره ، فلا يمكن الاعتماد عليها من هذه الجهة ، غير أنّ الشيخ الكليني (قدس سره) قد روى هذا المتن بعينه بسند صحيح عن معاوية بن وهب (٢) ، فمن هنا لا بأس بالاستدلال بها على المدعى.

إذن فيقع التعارض بين هاتين الطائفتين ، ونتيجة لذلك تتساقطان ، فيكون المرجع هو عمومات الحلّ لا محالة ، ومقتضى ذلك صحة العقد ونفوذه من دون أن يكون للزوج أي خيار ، على ما ذهب إليه المشهور.

(١) على ما هو المشهور بين الأصحاب. وقد توقف فيه المحقق (قدس سره) (٣) والظاهر أنّه في محلّه ، لعدم تمامية شي‌ء مما استدلّ به لمذهب المشهور ، فإنه قد استدلّ له بأُمور ثلاثة :

الأول : ما ذكره الشهيد (قدس سره) في المسالك من الأولوية القطعية (٤). ببيان أنّ العقد على ذات البعل مع العلم إذا كان موجباً لثبوت الحرمة الأبدية ، فثبوتها في حال زنا الرجل مع العلم يكون بطريق أولى ، فإنّ الفعل أشد وأقوى من الإنشاء المجرد. وكذلك إذا كان الدخول بذات البعل مع العقد حتى مع الجهل موجباً للحرمة الأبدية

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٥.

(٣) الشرائع ١ : ٣٤١.

(٤) مسالك الأفهام ٧ : ٣٤٢.

٢٢٨

ولا فرق على الظاهر بين كونه

______________________________________________________

فثبوتها في حال الزنا يكون بطريق أولى.

وفيه : أنّ الأولوية المدعاة غير محرزة ولا سيما بعد ما كانت الأحكام تعبدية ، فإنّ كلّاً منهما موضوع مستقل ، ومن الممكن أن يكون للتزويج موضوعية في الحكم ، فلا مجال لإثبات حكمه في المقام.

الثاني : ما ورد في الفقه الرضوي : ومن زنى بذات بعل محصناً كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها ، وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحلّ له أبداً (١).

وفيه : ما مرّ منّا غير مرّة من أنّ الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية فضلاً عن كونه حجّة.

الثالث : دعوى الإجماع. والأصل فيه ما ذكره السيد المرتضى (قدس سره) في الانتصار : إنّ مما انفردت به الإمامية القول بأنّ من زنى بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبداً وإن فارقها زوجها ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، والحجة في ذلك إجماع الطائفة (٢).

وفيه : أنّ الإجماع إنّما يكون حجة فيما إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، وحيث إنّ هذا ليس من ذلك القبيل ، نظراً إلى أنّ السيد (قدس سره) كثيراً ما يدعي الإجماع وهو غير ثابت ، بل لا قائل بما ادعى الإجماع عليه غيره ، فلا تفيد دعواه هذه الظن فضلاً عن العلم برأي المعصوم (عليه السلام) ، ومن ثم فلا يكون حجة.

ومما يؤيد ذلك أنّه (قدس سره) ذكر بعد دعواه الإجماع : أنّه قد ورد من طرق الشيعة في حظر من ذكرناه أخبار معروفة ، والحال إنّه لا أثر لذلك بالمرة ، حيث لم ترد ولا رواية ضعيفة تدلّ على مدعاه. فمع ذلك كيف يمكن قبول دعواه (قدس سره) الإجماع! والظاهر أنّ ما ذكره مبني على ما تخيّله من الدليل.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) : ٢٧٨.

(٢) الانتصار : ١٠٦.

٢٢٩

حال الزنا عالماً بأنها ذات بعل أو لا (١). كما لا فرق بين كونها حرّة أو أَمة ، وزوجها حرّا أو عبداً ، كبيراً أو صغيراً (٢). ولا بين كونها مدخولاً بها من زوجها أو لا (١). ولا بين أن يكون ذلك بإجراء العقد عليها وعدمه (٣) بعد فرض العلم بعدم صحة

______________________________________________________

(١) كأنه لإطلاق معقد الإجماع.

(٢) إذ إنّ موضوع الحكم بناءً على الحرمة هو المرأة ذات البعل ، وهو صادق في جميع الفروض.

نعم ، يشكل الحكم فيما إذا كان الزاني صغيراً ، حيث إنّ عمدة الدليل على الحرمة هو الإجماع المدعى من قبل السيد (قدس سره) وهو دليل لبي ، فلا ينفع إطلاقه شيئاً بل لا بدّ من الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو ما إذا كان الزاني كبيراً.

والحاصل أنّ الحكم بالحرمة الأبدية فيما إذا كان الزاني صغيراً مشكل جدّاً ، إذ يكفينا في عدم ثبوتها احتمال اختصاصها بما إذا كان الزاني كبيراً.

(٣) وذلك لصدق الزنا بذات البعل ، كما هو واضح.

(٤) الظاهر أنّ هذا التعميم في غير محلّه ، وذلك فلأن الحرمة في فرض العقد عليها مع العلم بكونها ذات البعل ، أو الجهل بذلك مع الدخول على ما هو مفروض المسألة ثابتة ، بدليل من تزوج بذات البعل عالماً أو جاهلاً وقد دخل بها حرمت عليه مؤبداً وقد تقدم البحث فيه مفصَّلاً فلا حاجة لإثبات الحرمة في هذا الفرض عن طريق تعميم حكم الزنا لصورة إجراء العقد عليها.

وبعبارة اخرى : إنّ التعميم في المقام إنّما هو بلحاظ ما إذا عقد عليها جاهلاً بكونها ذات بعل ، ثم علم بذلك ودخل بها. إذ لو تزوج بها عالماً بكونها ذات بعل ولو لم يدخل بها ، أو عقد عليها جاهلاً ودخل بها ، لم تكن الحرمة من قبل الزنا في شي‌ء ، بل كانت الحرمة ثابتة بمقتضى ما تقدم من أنّ من موجباتها هو العقد على ذات البعل عالماً أو جاهلاً مع الدخول.

ومن هنا فحيث إنّ ما بلحاظه كان التعميم أعني صورة ما إذا عقد عليها جاهلاً ثم علم ودخل بها من مصاديق القسم الثاني ، حيث يصدق عليه أنه عقد على ذات

٢٣٠

العقد. ولا بين أن تكون الزوجة مشتبهة أو زانية أو مكرهة (١).

نعم ، لو كانت هي الزانية ، وكان الواطئ مشتبهاً ، فالأقوى عدم الحرمة الأبدية (٢).

ولا يلحق بذات البعل الأَمة المستفرشة ولا المحللة (٣). نعم ، لو كانت الأَمة مزوجة فوطئها سيِّدها ، لم يبعد الحرمة الأبدية عليه (٤) وإن كان لا يخلو عن إشكال.

______________________________________________________

البعل جاهلاً ودخل بها ، فالحرمة فيه ثابتة بهذا اللحاظ ، فلا حاجة للتعميم كي تثبت الحرمة عن طريق كونه من مصاديق الزنا بذات البعل.

(١) كل ذلك لصدق الزنا بذات البعل في هذه الفروض.

(٢) لاختصاصها بالزنا بذات البعل ، وليس منه الوطء شبهة.

نعم ، قد استشكل في ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) ، بناءً على كون المدرك في الحرمة الأبدية هو الأولوية القطعية (١) ، على ما ذكره الشهيد (قدس سره) في المسالك. فإنّه لو ثبتت الحرمة الأبدية عند العقد عليها مع علم المرأة حيث تقدم كفاية علم أحد الزوجين وإن كان الآخر جاهلاً فثبوتها في وطء الشبهة يكون بطريق أولى ، إذ إنّ الفعل أقوى وأشد من صرف الإنشاء.

وما ذكره (قدس سره) في محلّه ، غير أنّك قد عرفت منّا المناقشة في المبنى حيث لم نرتض الأولوية المدعاة.

(٣) لاختصاص الحكم بالزنا بذات البعل ، ولا موجب للتعدي عنه إلى الزنا بغيرها.

(٤) وكأنّه لإطلاق معقد الإجماع ، حيث لم يقيد بما إذا كان الزاني غير المولى. إلّا أنّ للإشكال فيه مجالاً واسعاً ، وذلك من جهتين :

الاولى : إنّ الإطلاق في معقد الإجماع لا أثر له ، إذ إنّ الإجماع دليل لبي وليس هو كالدليل اللفظي ، فلا مجال للتمسك بإطلاقه بل لا بدّ عند الشكّ من الأخذ بالقدر

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٤٤٦.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

المتيقن ، لعدم إحراز رأي المعصوم (عليه السلام) فيما زاد عنه ، وحيث إنّ الظاهر من الزنا بذات البعل هو فعل الأجنبي فلا يشمل الحكم زنا المولى ، ويكفينا في ذلك الشكّ.

الثانية : إنّ صدق الزنا على فعل المولى مشكل ، وذلك فلأن الزنا بحسب ما فسره الأعلام إنّما هو الوطء المحرم بالأصالة ، وحيث إنّ حرمة وطء المولى في المقام عرضية إذ المقتضي للجواز موجود ، فإنّ الأَمة أَمته ؛ غاية الأمر أنّه يحرم عليه وطؤها نظراً لكونها مزوجة من الغير ، فلا يصدق على فعله عنوان الزنا.

ومما يؤيد ذلك أنّه يجوز للمولى النظر إلى جميع بدن أَمته الزوجة باستثناء ما بين السرة والركبة على ما دلّت عليه معتبرة الحسين بن علوان (١) فإنّ هذا يكشف عن أنّ حال الأَمة بالنسبة إلى المولى ليس كحال الأجنبية إلى الأجنبي.

والحاصل أنّ صدق الزنا على وطء المولى ، بحسب ما ذكره الأعلام في تفسيره مشكل جدّاً.

نعم ، قد وردت في المقام روايتان تدلّان على أنّ المولى إذا وطئ أَمته المزوجة من الغير حدّ لذلك.

أُولاهما : ما ذكره في المقنع ، قال : روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي برجل زوّج جاريته مملوكه ثم وطئها فضربه الحدّ (٢).

وهذه الرواية وإن كانت ظاهرة في أنّ المولى يحدّ حد الزنا إذا وطئ أَمته المزوجة من الغير نظراً لظهور الألف واللّام في كلمة «الحد» في العهد ، فيكون المعنى أنّه يحد الحد المعهود ، ومن الواضح أنّ الحد المعهود في المقام إنّما هو حدّ الزنا إلّا أنّها مرسلة فلا مجال للاعتماد عليها.

ثانيتهما : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل زوّج أَمته رجلاً ثم وقع عليها ، قال : «يضرب الحدّ» (٣).

__________________

(١) راجع ص ٥٢ ه‍ ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤٤ ح ٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٨ كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ، ب ٢٢ ح ٩.

٢٣٢

ولو كان الواطئ مكرهاً على الزنا ، فالظاهر لحوق الحكم (١) وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً (٢).

[٣٧٢٧] مسألة ٢٠ : إذا زنى بامرأة في العدّة الرجعية حرمت عليه أبداً (*) (٣) دون البائنة ، وعدّة الوفاة ، وعدّة المتعة ، والوطء بالشبهة ، والفسخ (٤).

______________________________________________________

وهذه الرواية مضافاً إلى وضوح دلالتها معتبرة سنداً ، ولأجلها يشكل دعوى عدم صدق الزنا على فعل المولى هذا ، وإن كان الإشكال في حدّ ذاته مع قطع النظر عن هذا النص وارداً.

إذن فيقتصر في الإشكال على ما ذكره الماتن (قدس سره) من ثبوت الحرمة الأبدية بوطء المولى أَمته المزوّجة من الغير على الجهة الأُولى خاصة.

(١) والظاهر أنّه لإطلاق معقد الإجماع أيضاً.

(٢) ومنشأه :

أوّلاً : الخدشة في أصل التمسك بالإطلاق في المقام ، نظراً لكون الإجماع دليلاً لبياً.

ثانياً : أنّ المحتمل قوياً بل من المطمأنِّ به كون الحرمة الأبدية عقوبة للفاعل ، وحيث إنّ المكره لا يستحق العقوبة نظراً لعدم الإرادة والإكراه ، فلا مجال للقول بثبوتها في المقام.

ثالثاً : أنّ الإكراه لما كان يقتضي رفع الآثار المترتبة على الفعل المكره عليه على ما دلّ عليه حديث الرفع وكانت الحرمة الأبدية من آثار الفعل المكره عليه ، فهي ترتفع بمقتضى حديث الرفع.

إذن فلا وجه للقول بثبوت الحرمة الأبدية فيما لو كان الواطئ مكرهاً على الزنا.

(٣) وذلك لما تقدم غير مرة من أنّ المعتدّة بالعدّة الرجعية زوجة حقيقة ، فيترتب على الزنا بها جميع الأحكام المترتبة على الزنا بذات البعل حرفاً بحرف.

(٤) كلّ ذلك لعدم شمول معقد الإجماع أو ما ذكر في الفقه الرضوي لها ، فتكون

__________________

(*) على الأحوط.

٢٣٣

ولو شكّ في كونها في العدة أو لا ، أو في العدّة الرجعية أو البائنة ، فلا حرمة ما دام باقياً على الشكّ (١).

______________________________________________________

مشمولة لأدلّة الحلّ لا محالة.

نعم ، لصاحب الرياض (قدس سره) كلام في المقام حاصله : أنّ دليل الحرمة في الزنا بذات البعل إذا كان هو الأولوية القطعية ، لم يكن هناك محيص عن الالتزام بثبوتها في المقام أيضاً. وذلك فلأنّ مجرد العقد على ذات العدّة غير الرجعية مع العلم إذا كان موجباً لثبوت الحرمة الأبدية ، فثبوتها بالزنا بها يكون بطريق أولى قطعاً (١).

وما أفاده (قدس سره) صحيح ومتين في حدّ نفسه ، إلّا أنّك قد عرفت منّا المناقشة في أصل المبنى.

(١) ومستند الحكم ليس هو أصالة الحل ، إذ الكلام ليس في الحلية التكليفية كي يتمسك لإثباتها بها ، وإنّما الكلام في الحلية الوضعية بمعنى صحة العقد وترتب الأثر عليه ، وفيها لا مجال للتمسك بأصالة الحلّ ، كما هو واضح.

كما أنّ المستند ليس هو التمسك بعمومات الحلّ ، فإنّ الشبهة في المقام مصداقية ، باعتبار أنها ناشئة من الشكّ في كون المرأة من مصاديق العام أو الخاص ، ولا مجال فيها للتمسك بالعام.

وإنّما المستند هو الأُصول. ومن هنا فإن كان هناك أصل ينقح الموضوع ، كما لو كانت المرأة في العدّة الرجعية ثم شككنا في خروجها منها للشكّ في زمان وقوع الطلاق أو مضي الأقراء ، أو كان الشكّ في كون عدّتها رجعية أو بائنة للشكّ في كون طلاقها الثالث أو ما دونه ، كان مقتضى الاستصحاب الموضوعي في الفرض الأوّل هو بقاءها في العدّة وبه تثبت الحرمة بناءً على القول بها لا محالة ، كما أنّ مقتضى أصالة عدم كون الطلاق طلاقاً ثالثاً هو الحكم بكون العدّة رجعية فيجري عليها حكمها.

وإن لم يكن هناك أصل موضوعي ، فيما أنّ اعتداد المرأة بالعدّة الرجعية أمر حادث ومسبوق بالعدم ، فلا مانع من استصحاب عدمه ، ونتيجة لذلك فلا يترتب على الزنا بها حكم الزنا بذات العدّة الرجعية.

__________________

(١) رياض المسائل ٢ : ٨٥.

٢٣٤

نعم ، لو علم كونها في عدّة رجعية ، وشكّ في انقضائها وعدمه ، فالظاهر الحرمة (١) وخصوصاً إذا أخبرت هي بعدم الانقضاء.

ولا فرق بين أن يكون الزنا في القُبل أو الدّبر (٢). وكذا في المسألة السابقة.

[٣٧٢٨] مسألة ٢١ : من لاط بغلام فأوقب ولو بعض (٣) الحشفة (*) حرمت عليه امّه أبداً وإن علت ، وبنته وإن نزلت ، وأُخته (٤) من غير فرق بين كونهما

______________________________________________________

(١) لاستصحاب بقائها في العدّة ، كما تقدم.

(٢) وذلك لصدق الزنا على كل منهما بنحو واحد ، لأنّه على ما عرفت عبارة عن الوطء من غير استحقاق بالأصالة ، وهو صادق على الوطء في الدبر على حدّ صدقه على الوطء في القبل.

(٣) وهو مشكل. فإنّ النصوص المعتبرة الواردة في المقام على ما سيأتي بيانها إنّما تضمنت عنوان الثقب ، وهو لا يتحقق بإدخال تمام الحشفة خاصّة فضلاً عن إدخال بعضها ، وذلك لأن الثقب إنّما هو عبارة عن إيجاد الفرجة في الشي‌ء ، فلا يصدق إلّا بإدخال تمام الذكر أو ما قاربه.

نعم ، لما كان إدخال تمام الحشفة موجباً لثبوت الحرمة قطعاً ، لم يكن لنا محيص عن الالتزام بها. وأما إيجاب إدخال بعضها للحرمة فمشكل جدّاً ، ولا سيما إنّ مقتضى عمومات الحل هو الجواز.

نعم ، لو كان المستند في المقام هو مراسيل ابن أبي عمير وغيرها مما لا مجال للاعتماد عليها سنداً ، كان الالتزام بكفاية إدخال بعض الحشفة في ثبوت الحرمة في محلّه ، إذ أنها تتضمن ترتيب الحرمة على الإيقاب وهو صادق على إدخال بعضها.

(٤) استدلّ لذلك في كلماتهم بعدة روايات إلّا أنّ أكثرها ضعيفة السند بالإرسال فلا مجال للاعتماد عليها وإن كان مرسلها ابن أبي عمير وأضرابه. نعم ، وردت في المقام روايتان معتبرتان :

١ ـ معتبرة حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل أتى غلاماً

__________________

(*) الحكم بالحرمة في هذه الصورة مبنيّ على الاحتياط.

٢٣٥

كبيرين أو صغيرين (*) (١) أو مختلفين.

______________________________________________________

أتحل له أُخته؟ قال : فقال : «إن كان ثقب فلا» (١).

٢ ـ معتبرة إبراهيم بن عمر (عثمان) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل لعب بغلام ، هل تحل له امه؟ قال : «إن كان ثقب فلا» (٢).

وهذه الرواية وإن كانت مروية بطريق الشيخ (قدس سره) بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضال وكان الطريق ضعيفاً إلّا أنّها معتبرة ، نظراً إلى أنّ الشيخ (قدس سره) إنّما تلقى كتاب ابن فضال مع النجاشي عن شيخهما ابن عبدون وطريقه هذا ضعيف أيضاً ، إلّا أنّه بعد أن يذكر طريقه هذا يذكر أنّ له إلى هذا الكتاب طريقاً آخر معتبراً وهو ما تلقاه عن شيخه محمد بن جعفر (٣).

وحيث إنّ من غير المحتمل أن يكون ما تلقاه الشيخ (قدس سره) من ابن عبدون مختلفاً عما تلقاه النجاشي (قدس سره) منه ، كان وجود طريق معتبر للنجاشي إلى كتاب ابن فضال كافياً في الحكم بصحة ما يرويه الشيخ (قدس سره) عن كتاب ابن فضال. وباقي رجال السند ثقات ، فإنّ إبراهيم بن عمر المذكور في السند هو اليماني الثقة ، وإبراهيم بن عثمان المذكور في نسخة اخرى هو أبو أيوب الخزاز الثقة أيضاً.

وعليه فالرواية معتبرة.

ثم لا يخفى أنّ هاتين المعتبرتين إنّما تكفلتا بيان حرمة أُم الموطوء وأُخته من غير تعرض لحرمة بنته ، إلّا أنّه لا ينبغي الإشكال في حرمتها أيضاً نظراً للأولوية القطعية ، حيث إنّها أقرب نسباً من الأُخت ، ولعدم القول بالفصل ، ويؤيد ما تضمنته عدّة مراسيل من الحكم بحرمتها أيضاً.

(١) الظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان الواطئ كبيراً والموطوء صغيراً ، وذلك لأخذ عنوان الرجل في الواطئ وعنوان الغلام في الموطوء في الروايات الواردة في

__________________

(*) الظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان الواطئ كبيراً والموطوء صغيراً.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٥ ح ٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٥٧ ترجمة رقم ٦٧٦.

٢٣٦

ولا تحرم على الموطوء أُمّ الواطئ وبنته وأُخته على الأقوى (١).

ولو كان الموطوء خنثى حرمت أُمّها وبنتها على الواطئ ، لأنّه إمّا لواط أو زنا وهو محرم (٢)

______________________________________________________

المقام ، ولا سيما المعتبرتين اللتين كانتا هما العمدة في القول بالحرمة. وحيث إنّ من الواضح أنّ عنوان الرجل لا يصدق على غير البالغ ، كما أنّ عنوان الغلام غير صادق على من بلغ من العمر ثلاثين سنة أو ما قاربها ، فلا مجال للقول بثبوتها عند وطء غير البالغ للبالغ ، بل في مطلق فرض كون الواطئ غير رجل أو الموطوء غير غلام.

ودعوى أنّ المراد من الرجل إنّما هو مطلق الذكر ، وإنّما ذكر هذا العنوان في النصوص نظراً لغلبته في جانب الواطئ ، وكذا الحال في جانب الغلام.

غير مسموعة بعد ما كان الحكم على خلاف القاعدة ، ولم يثبت إجماع على ثبوت الحرمة حتى في فرض كون الواطئ صغيراً والموطوء كبيراً ، إذن فلا بدّ من مراعاة تحقق العنوان في الحكم بالحرمة اقتصاراً على موضع النص ، والرجوع في غيره إلى عمومات الحلّ.

(١) لاختصاص النصوص بالواطئ ، فإثبات حكمه لغيره قياس. واحتمال رجوع الضمير في النصوص إلى الفاعل والمفعول معاً بحيث يكون معناها (حرِّمت على كل منهما أُم الآخر وأُخته) بعيد جدّاً ، بل لا مجال للمصير إليه بعد ما كان السؤال عن الرجل اللّاعب بالغلام ، فيكون الحكم مختصاً به لا محالة.

(٢) سيأتي منّا عند تعرض الماتن (قدس سره) لهذه المسألة أنّ الزنا بالمرأة لا يوجب تحريم أُمها وبنتها إلّا في الخالة والعمة. وعليه فلا مجال لإثبات الحرمة في وطء الخنثى كما هو الحال فيما إذا كان الخنثى هو الواطئ ، وذلك لعدم إحراز ذكوريته فلا يحرز صدق اللواط على الفعل الذي صدر منه أو الذي وقع عليه.

نعم ، لو التزمنا بثبوت الحرمة بسبب الزنا بالمرأة حرمت على الواطئ أُم الموطوء بلا كلام ، إذ أنّها محرمة سواء أكان الفعل لواطاً أم كان زنا.

وأما حرمة البنت فقد يقال بعدم ثبوتها ، نظراً لعدم حصول العلم بالتحريم. وذلك لأنّ البنت التي تحرم باللواط إنّما هي التي تتولد من ماء الموطوء ، في حين إنّ البنت

٢٣٧

إذا كان سابقاً كما مرّ (*) (١).

والأحوط حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد التزويج (٢)

______________________________________________________

التي تحرم بالزنا إنّما هي التي تولدها الموطوءة من ماء غيره. إذن فلا تحرم البنت المولودة من ماء الخنثى لعدم إحراز كونها بنتاً للملوط به ، كما لا تحرم بنتها المولودة من ماء الغير لعدم إحراز كونها بنتاً للمرأة المزني بها.

نعم ، لو جمع الواطئ بينهما ثبتت الحرمة من جهة العلم الإجمالي.

إلّا أنّه مدفوع بأنّ مقتضى إطلاق دليل حرمة بنت الملوط به هو حرمتها مطلقاً حتى ولو كان الموطوء قد حمل بها من ماء غيره. وإن كان هذا الفرض لا تحقق له في الخارج ، إلّا في الخنثى المشكل التي تحمل من الغير وتحمل امرأة أُخرى منه ، إلّا أنّ ندرة الفرض لا تمنع من شمول إطلاق الدليل له ، ولا مقتضي لتقييده بما إذا كانت البنت مخلوقة من ماء الموطوء.

وعلى هذا فتحرم بنت الخنثى على الواطئ بالعلم التفصيلي ، إما لكونها بنت الملوط به ، أو كونها بنت المزني بها.

(١) وهو من سهو القلم ، والصحيح كما يأتي.

(٢) الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين :

الأوّل : في اقتضاء هذا الفعل الشنيع لرفع الحلية الفعلية وعدمه.

الثاني : في اقتضائه لرفع الحلية الشأنية الثابتة بأصل الشرع وعدمه.

أما المقام الأوّل : فلا يخفى أنّ الفرض وإن كان مشمولاً لإطلاق الحكم بالحرمة في النصوص ، إلّا أنّ هذا الإطلاق مقيد بما دلّ على أنّ الحرام لا يفسد الحلال. ففي معتبرة سعيد بن يسار : «إنّ الحرام لا يفسد الحلال» (١) ومثله معتبرة هشام بن المثنى (٢).

__________________

(*) هذا من سهو القلم والصحيح «كما يأتي» ، ثمّ إنّه يأتي ما هو المختار من أنّ الزنا بالمرأة لا يوجب تحريم أُمّها وبنتها إلّا في الخالة والعمّة ، وعليه فلا تحرم أُمّ الخنثى وبنتها على الواطئ لعدم إحراز كونه ذكراً.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٦ ح ١٠.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ الظاهر من عدم الإفساد إنّما هو عدم ارتفاع الحلية الفعلية ، فيكون مقتضاه أنّ اللواط الواقع زمان كون المرأة زوجة لهذا الرجل وحلالاً له ، لا يوجب حرمتها عليه بالفعل وارتفاع الحلية الفعلية من حين وقوع العمل الشنيع.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ أدلة حرمة المذكورات وإن كانت مخصصة لما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» فكأنّ مقتضاه ثبوت الحرمة وارتفاع الحلية الفعلية بمقتضى الإطلاق في مفروض المسألة ، إلّا أنّ هذا الإطلاق غير سليم عن المعارض والمقيد ، إذ قد دلّت المعتبرتان اللتان تقدم ذكرهما على عدم ارتفاع الحلية الفعلية نتيجة لهذا الفعل الشنيع ، ومن هنا فلا محيص عن تقييد ذلك الإطلاق بهما والالتزام بعدم ارتفاع الحلية الثابتة بالفعل.

هذا ولكن قد وردت في المقام رواية تدلّ على ارتفاع الحلية الفعلية إذا ما لاط الرجل بأخي زوجته ، وهذه الرواية هي رواية ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل يأتي أخا امرأته ، فقال : «إذا أوقبه حرمت عليه المرأة» (١).

ودلالتها واضحة ، إذ إنّها ظاهرة في كون الفعل في زمان كون المرأة زوجة للرجل واتصافها بذلك ، وقد حكم فيه الإمام (عليه السلام) بارتفاع الحلية الفعلية ، ومن هنا يظهر فساد حمل المرأة على كونها زوجة له في السابق.

نعم ، هذه الرواية نظراً لضعف سندها بالإرسال لا يمكن الاعتماد عليها ، وبذلك فتكون النتيجة هو ما اخترناه من عدم ارتفاع الحلية الفعلية.

وأمّا المقام الثاني : أعني اقتضاء اللواط بعد التزويج لرفع الحلية الشأنية ، بحيث لا يكون للزوج التزوج منها ثانياً فيما لو طلقها بعد الفعل ، وعدمه فقد ذهب جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) إلى الثاني ، محتجاً باستصحاب الجواز (٢).

والظاهر أنّ مراده (قدس سره) من الاستصحاب إنّما هو الاستصحاب التعليقي

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٥ ح ٢.

(٢) الجوهر ٢٩ : ٤٤٩.

٢٣٩

خصوصاً إذا طلّقها (*) وأراد تزويجها جديداً (١).

______________________________________________________

ببيان أنّ للزوج قبل أن يرتكب هذا الفعل أن يطلق زوجته ثم يتزوج بها ثانياً ، فإذا ارتكب ذلك وشكّ في بقاء الجواز وعدمه ، كان مقتضى استصحاب الجواز الثابت قبل الفعل هو الحكم بالجواز بعد الفعل أيضاً.

إلّا أنّ ما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّا لا نقول بحجية الاستصحاب التعليقي ، على ما تقدم بيانه في المباحث الأُصولية مفصلاً.

على أنّه لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بحجية الاستصحاب التعليقي فلا مجال للتمسك به في المقام ، وذلك لوجود الدليل على ارتفاع الحلية ، إلا وهو إطلاق ما دلّ على ثبوت الحرمة بمجرد صدور هذا العمل الشنيع ، فإنّ مقتضاه ارتفاع الحلية مطلقاً الفعلية والشأنية غير أنّا قد رفعنا اليد عنه في الأوّل نظراً لوجود الدليل الدال على عدم ارتفاعها ، فبقي الإطلاق في الثاني محكماً إذ ليس في قباله شي‌ء يعارضه ، سوى ما يتوهّم من قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال» إلّا أنّك قد عرفت أنّه مخصص بمعتبرتي حماد بن عثمان وإبراهيم بن عمر ، الدالتين على ثبوت الحرمة في الفرض.

إذن فلا محيص من الالتزام بإيجاب اللواط للحرمة ، ورفع الحلية الشأنية الثابتة بأصل الشرع في المقام لا محالة.

والحاصل أنّه لا بدّ من التفصيل في المقام بين الحلية الفعلية والحلية الشأنية ، حيث لا ترتفع الاولى نتيجة للواط الزوج بأخي امرأته أو ابنها ، في حين ترتفع الثانية بذلك.

(١) وقد تقدم بيانه في المقام الثاني من التعليقة السابقة ، حيث عرفت أنّ لواط الزوج في أثناء الزوجية موجب لارتفاع الحلية الشأنية.

وأوضح من هذا الفرض حكماً ما لو وقع اللواط بعد الطلاق أيضاً ، حيث يحكم بالحرمة فليس له أن يتزوج بها ثانياً بلا كلام.

والوجه فيه ظاهر ، فإنّ التزويج السابق الذي كان حلالاً قد مضى وقته ولا أثر له

__________________

(*) لا بأس بترك الاحتياط في غير هذه الصورة.

٢٤٠