موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وربّما قيل (*) بوجوب الصبر إلى انقضاء عدّتها (١) عملاً بإطلاق جملة من

______________________________________________________

المطلقة رجعية زوجة حقيقة على ما اخترناه ، أو هي في حكمها على ما ذهب إليه المشهور عدّة نصوص معتبرة :

كصحيحة محمد بن قيس ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في رجل كانت تحته أربع نسوة فطلق واحدة ، ثم نكح اخرى قبل أن تستكمل المطلقة العدّة قال : «فليلحقها بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها» ، الحديث (١).

وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا جمع الرجل أربعاً وطلّق إحداهن ، فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلق» وقال : «لا يجمع ماءه في خمس» (٢). إلى غيرهما من النصوص.

(١) وهو الصحيح ، لإطلاق الروايات المتقدمة ، حيث لم يرد التقييد في شي‌ء منها بالطلاق الرجعي.

ودعوى أن التقييد مستفاد من إجماع الأصحاب على اختصاص الحكم بالطلاق رجعيا.

يدفعها أنّ ثبوته أوّل الكلام ، فقد ذهب جملة منهم كالمفيد على ما نسب إليه في الحدائق (٣) ، والشيخ على ما نسب إليه في كشف اللثام (٤) إلى الحرمة مطلقاً.

إذن فلا يبقى موجب لرفع اليد عن إطلاق تلك النصوص ، وتقييدها بالطلاق الرجعي.

كما أن دعوى استفادة ذلك من معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلّق امرأة أو اختلعت أو بانت ، إله أن يتزوج بأُختها؟ قال فقال : «إذا برئت

__________________

(*) هذا القول إن لم يكن أظهر فهو أحوط.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٢ ح ١.

(٣) الحدائق ٢٣ : ٦٢٧.

(٤) كشف اللثام ٢ : ١٤٦.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

عصمتها ولم يكن عليها رجعة ، فله أن يخطب أُختها» (١) وغيرها. بتقريب : أنّ جوابه (عليه السلام) إنّما يكشف عن كون المانع من التزوج بالأُخت في الطلاق الرجعي هو بقاء العصمة ، ولما كان هذا المحذور منتفياً في الطلاق البائن فلا مانع من التزوج بأُختها ، فيفهم من ذلك أنّ الملاك في الجواز وعدمه هو بقاء العصمة وعدمه ، فلا يجوز مع الأول ويجوز مع الثاني. وعلى هذا فتكون هذه الرواية مقيدة لإطلاق الأخبار المتقدمة ، حيث تدلّ على الجواز فيما إذا انقطعت العصمة وكان الطلاق بائناً ، فيختص عدم الجواز بما إذا كان الطلاق رجعيا.

مردودة بأن مورد الرواية أجنبي عما نحن فيه بالمرة ، فإنّها إنّما تضمنت الجواز عند طلاق الأُخت طلاقاً بائناً من حيث الجمع بين الأُختين ، وإنّ الحرمة الثابتة له منتفية في هذه الحالة ، باعتبار أنّ الطلاق البائن يوجب قطع العصمة فلا يكون التزوج بأُختها من الجمع بين الأُختين ، وأين ذلك من محل كلامنا والتزوج بالخامسة في أثناء عدّة إحدى المطلقات بائناً! فإن ذلك من التعدي عن مورد الحكم التعبدي وقياس واضح.

ومثل هذا الوجه في البطلان ما قيل من تقييد قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة : «ولا يجمع ماءه في خمس» لإطلاق هذه النصوص. بدعوى أنّه عند الطلاق البائن تخرج المرأة عن الزوجية ، فلا يكون نكاح الأخيرة من جمع الماء في خمس ، إذ لم يكن للرجل عند ذلك خمس زوجات بالفعل.

والوجه في البطلان أنّ جمع الماء في خمس في حدّ نفسه لما لم يكن من المحاذير جزماً حيث يجوز ذلك في الإماء والمتعة قطعاً ، فمن غير البعيد أن تكون هذه الفقرة من النص جملة مستقلة ، تتضمن بيان حكم مستقل عما تكفلت الفقرات الاولى بيانه ، بحيث يكون الإمام (عليه السلام) بعد بيانه لحكم من طلق واحدة من أربع وأراد التزوج بأُخرى في عدّة تلك ، قد تعرض لبيان حكم الجمع بين خمس زوجات دائمات ابتداءً فأفاد (عليه السلام) بأنه أمر غير جائز. وبذلك تكون هذه الفقرة من أدلة عدم جواز

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب ٤٨ ح ٢.

١٦٢

الأخبار ، والأقوى المشهور ، والأخبار محمولة على الكراهة (١).

هذا ولو كانت الخامسة أُخت المطلقة ، فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدّة البائنة ، لورود النص فيه (*) (٢) معلّلاً بانقطاع العصمة.

______________________________________________________

التزوّج بأكثر من أربع نساء ، فلا تكون لها قرينية على تقييد إطلاق ما دلّت عليه الفقرات الاولى ، من عدم جواز التزوّج بالخامسة ما لم تنقضِ عدّة المطلقة بما إذا كان الطلاق رجعيا.

ولو تنزلنا عن ذلك فلا يخفى أنّه لا مجال للجمود على حاق ألفاظ الرواية والأخذ بها ، إذ أنّ جمع الماء في خمس بمعناه الحقيقي في آن واحد أمر غير معقول ، لوضوح عجزه عن مقاربة أكثر من واحدة في آن واحد ، بل لا بدّ من التصرف شيئاً ما في ظاهرها الأول وحملها على إرادة جمع مائه في رحم خمس من النساء في آن واحد حيث أنّ المفروض أنّه قد دخل بهن وإلّا لما كان للمطلقة عدّة ، فيكون ماؤه بالدخول بالخامسة موجوداً في رحم خمس نساء.

ومن هنا فلا تصلح هذه الفقرة لتقييد الحكم بعدم الجواز بما إذا كان الطلاق رجعيا ، فإنّ ما هو المحذور فيه موجود بعينه في الطلاق البائن ، بل تكون الرواية شاملة للمطلقة بائناً على حد شمولها للمطلقة رجعية ، فإن ماءه موجود في رحمها بعد الطلاق أيضاً.

والحاصل أنّ هذه الفقرة على كل تقدير لا تصلح للقرينية على تقييد إطلاق أدلّة المنع كالوجهين السابقين ، وعلى هذا فحيث بقي إطلاق الأدلة سالماً عن المقيد ، فالقول بالتعميم إن لم يكن أظهر فهو أحوط بلا كلام.

(١) لا وجه لذلك بعد ما عرفت من دلالتها على المنع مطلقاً.

(٢) وهو عجيب منه (قدس سره) ، فإنّ مراده من النص إنّما هو صحيحة الحلبي

__________________

(*) لم يرد نص في المقام ، وإنّما ورد في جواز نكاح المرأة في عدّة أُختها إذا كان الطلاق بائناً ، وبين المسألتين بون بعيد ، وعليه فلا فرق في الخامسة بين كونها أُختاً للمطلّقة وعدمه.

١٦٣

كما أنّه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدّة لغير الطلاق (١) كالفسخ بعيب أو نحوه ، وكذا إذا ماتت الرابعة ، فلا يجب الصبر إلى أربعة أشهر وعشر ، والنص

______________________________________________________

المتقدمة ، وقد عرفت أنّها إنّما تتكفل الجواز من حيث محذور الجمع بين الأُختين ، فلا تكون لها دلالة على الجواز مطلقاً وإن ابتلي بمحذور من جهة أُخرى.

وبعبارة اخرى : إنّ الجواز من حيث الجمع بين الأُختين لا يلازم الجواز من حيث كونها خامسة لعدم انقضاء عدّة المطلقة ، فإنّ كلّاً منهما مسألة مستقلة ، فلا وجه لتسرية الحكم الثابت في إحداهما إلى الأُخرى على ما تقدم بل يبقى الإشكال في المسألة السابقة على حاله في هذا المورد أيضاً.

(١) لخروجها عن مورد النصوص المتقدمة ، فلا وجه للالتزام فيها بعدم الجواز بعد أن كان الحكم الثابت في المطلقة على خلاف القاعدة غير القياس ، وهو واضح البطلان.

ومن هنا فلا وجه للقول بعموم الحكم لمطلق موارد الطلاق ، فإنّه لا موجب له بعد أن كان مورد النص خصوص ما لو طلّق إحدى الأربع وأراد التزوج في عدّتها فلا يشمل ما لو طلّق ثانية بعد تلك بالطلاق البائن وأراد التزوج بغيرها في عدتها.

وبعبارة اخرى : إنّ الثابت بمقتضى هذه النصوص هو زوجية المطلقة بائناً في صورة خاصّة فقط ، وهي ما لو كانت المطلقة رابعة لا مطلقاً ، وعليه فلا مجال لإثبات الحكم لغيرها ، حيث لا يلزم من التزوج في عدّتها إذا لم تكن رجعية الجمع بين خمس زوجات.

ومن هنا يظهر وجه عدم شمول تلك النصوص للحر إذا طلّق إحدى الأَمتين ، أو العبد إذا طلق إحدى الحرتين ، بالطلاق البائن وأراد التزوج بغيرها في عدتها ، فإنّه لا دليل على المنع في ذلك كلّه بعد قصور النصوص عن إثبات زوجية المطلقة بائناً في هذه الصّور.

والحاصل أنّ الحكم بالمنع مختص بمورد النص ، وهو ما لو طلّق إحدى زوجاته

١٦٤

الوارد بوجوب الصبر (١) معارض بغيره (٢) ومحمول على الكراهة.

وأمّا إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول ، فلا عدّة حتى يجب الصبر أو لا يجب (٣).

______________________________________________________

الأربع وأراد التزوج في عدتها ، فلا مجال للقول به في غيره من الموارد.

(١) وهو معتبرة عمار ، قال : سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن ، فهل يحل له أن يتزوج اخرى مكانها؟ قال : «لا ، حتى تأتي عليها أربعة أشهر وعشر». سئل فإن طلق واحدة ، هل يحل له أن يتزوج؟ قال : «لا ، حتى تأتي عليها عدّة المطلقة» (١).

(٢) وهو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل كانت له أربع نسوة فماتت إحداهن ، هل يصلح له أن يتزوج في عدّتها اخرى قبل أن تنقضي عدّة المتوفاة؟ فقال : «إذا ماتت فليتزوج متى أحبّ» (٢).

(٣) فانتفاء الحكم فيها من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

ويؤيده خبر سنان بن طريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل كنّ له ثلاث نسوة ، ثم تزوج امرأة أُخرى فلم يدخل بها ، ثم أراد أن يعتق أَمة ويتزوجها ، فقال : «إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج اخرى من يومه ذلك ، وإن طلق من الثلاث النسوة اللّاتي دخل بهن واحدة ، لم يكن له أن يتزوج امرأة أُخرى حتى تنقضي عدّة المطلقة» (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٣ ح ٧.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٣ ح ٦.

١٦٥

فصل

[في التزويج في العدّة]

لا يجوز التزويج في عدّة الغير (١) دواماً أو متعة ، سواء كانت عدّة الطلاق بائنة ، أو رجعيّة ، أو عدّة الوفاة ، أو عدّة وطء الشبهة ، حرّة كانت المعتدّة ، أو أَمة.

______________________________________________________

فصل

(١) بلا خلاف ولا إشكال فيه. ويمكن استفادته من عدّة مواضع من الكتاب العزيز.

كقوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (١). فإنّ مفهوم العدّة ليس إلّا عد أيام معينة ، والاجتناب فيها من التزوج حتى تنقضي.

وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢). فإنّ الأمر بالتربص لا سيما بملاحظة قوله تعالى في ذيل الآية (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) واضح الدلالة على عدم جواز التزوج في تلك المدة ، إذ ليس للتربص معنى معقول غير ذلك.

وقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٣). فإنّها كالسابقة تدل على وجوب التربص في فترة العدّة وعدم جواز التزوج فيها ، كما يوضح ذلك قوله عزّ وجلّ بعد ذلك (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) (٤) فإنّها واضحة الدلالة في أنّ المقصود من التربص في تلك الفترة

__________________

(١) سورة الطلاق ٦٥ : ١.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٣٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٢٨.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٣٢.

١٦٦

ولو تزوّجها حرمت عليه أبداً (١)

______________________________________________________

إنّما هو الامتناع عن التزوّج ، ولذلك فلا مانع منه بعد انقضائها.

هذا كلّه بالنسبة إلى دلالة الكتاب العزيز على هذا الحكم. وأما بالنسبة إلى النصوص فما دلّ منها عليه متجاوز لحد التظافر ، حيث أجمعت النصوص على لزوم التفريق بين الزوجين لو وقع العقد في أثنائها. على أن المسألة إجماعية ولا خلاف فيها بين المسلمين قاطبة.

فالحاصل أنّ الحكم مما لا إشكال فيه كتاباً وسنة وإجماعاً من المسلمين.

(١) والوجه في ذلك أنّ الأخبار الواردة في هذا المقام على طوائف :

فمنها : ما دلّ على الحرمة مطلقاً.

ومنها : ما دلّ على نفيها مطلقاً.

ومنها : ما دلّ على ثبوتها في حالة دون اخرى.

فمن القسم الأوّل : رواية أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتزوج المرأة المطلقة قبل أن تنقضي عدّتها ، قال : «يفرق بينهما ، ولا تحل له أبداً ، ويكون لها صداقها بما استحلّ من فرجها ، أو نصفه إن لم يكن دخل بها» (١).

إلّا أنّها ضعيفة سنداً ، فإنّ من البعيد جدّاً رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد بلا واسطة ، كما يشهد بذلك أنّه لم يوجد له في الكتب الأربعة رواية عنه مباشرة ومن غير واسطة إلّا في مورد واحد من الكافي ، والحال أن أحمد بن محمد ابن عيسى كثير الرواية.

ومعتبرة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها ، قال : «يفرق بينهما ، ولا تحل له أبداً» (٢).

وهذه الرواية واضحة دلالة ، ومعتبرة سنداً ، فإنّ عبد الله بن بحر المذكور في السند

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٢١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٢٢.

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن لم يرد فيه توثيق أو مدح ، إلّا أنّه مذكور في أسناد تفسير علي بن إبراهيم (١) فلا بأس بالاعتماد على رواياته.

ومن القسم الثاني : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) ، قال : سألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : «يفرق بينها وبينه ويكون خاطباً من الخطاب» (٢).

وهذه الرواية وإن عُبّر عنها في بعض الكلمات بالخبر ، نظراً لوقوع عبد الله بن الحسن في طريقها وهو لم يرد فيه توثيق أو مدح ، إلّا أنّ الظاهر أنّها صحيحه ، فإنّها قد وردت في كتاب علي بن جعفر وطريق الشيخ إليه صحيح ، فلا يضرّ كون طريق عبد الله بن جعفر إلى علي بن جعفر ضعيفاً بعبد الله بن الحسن.

ثم إنّ من الواضح أنّ التعارض بين هاتين الطائفتين إنّما هو على حد التباين ، حيث أنّ الطائفة الأُولى تثبت الحرمة الأبدية مطلقاً ومن غير تقييد بشي‌ء ، في حين تثبت الطائفة الثانية عدمها مطلقاً ومن غير تقييد بشي‌ء أيضاً. فمن هنا لا بدّ من الرجوع إلى الطائفة الثالثة ، وهي التي تثبت الحرمة في حالة دون أُخرى ، كي تكون هي وجه الجمع بين هاتين الطائفتين ، إلّا أنّ هذه الطائفة أيضاً على قسمين :

الأوّل : ما تضمن التفصيل بين حالتي العلم والجهل ، حيث تحرم أبداً في الأُولى دون الثانية.

الثاني : ما تضمن التفصيل بين الدخول بها وعدمه ، فتحرم في الأُولى دون الثانية.

أما القسم الأوّل : فكصحيحة إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : بلغنا عن أبيك أنّ الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبداً ، فقال : «هذا إذا كان عالماً ، فإذا كان جاهلاً فارقها وتعتد ثم يتزوجها نكاحاً جديداً» (٣).

وصحيحته الأُخرى ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الأَمة يموت

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١١ : ١٢٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ١٩.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ١٠.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

سيدها ، قال : «تعتد عدّة المتوفى عنها زوجها». قلت : فإنّ رجلاً تزوجها قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال : فقال : «يفارقها ثم يتزوجها نكاحاً جديداً بعد انقضاء عدّتها». قلت : فأين ما بلغنا عن أبيك في الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبداً؟ قال : «هذا جاهل» (١).

وصحيحة زرارة بن أعين وداود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنّه قال : «والذي يتزوج المرأة في عدّتها وهو يعلم لا تحلّ له أبداً» (٢). فإن تقييد الحرمة بالعلم يكشف عن عدمها عند الجهل.

وأمّا القسم الثاني : فكصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألته عن رجل تزوج امرأة في عدّتها ، قال : فقال : «يفرّق بينهما ، وإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ، ويفرق بينهما فلا تحل له أبداً. وإن لم يكن دخل بها فلا شي‌ء لها من مهرها» (٣).

وهذان القسمان من النصوص وإن كانا بحسب النظر البدوي من المتعارضين حيث يدل القسم الأول على عدم الحرمة مع الجهل مطلقاً سواء أدخل بها أم لم يدخل ، في حين يدل القسم الثاني على ثبوتها مع الدخول مطلقاً من غير تقييد بصورة العلم إلّا أنّه قد تقدم منّا في مبحث المفاهيم من المباحث الأُصولية أنّ في هذه الموارد لا بدّ من رفع التعارض ، إمّا بتقييد منطوق كل منهما بمنطوق الآخر ، أو تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر.

وحيث أنّ الأوّل وإن احتمله بعضهم لا مبرر له ، إذ لا تعارض بين المنطوقين بالمرة كي يقيدا بما ذكر ، وإنّما المعارضة نشأت من المفهومين ودلالتهما على الحصر فلا ينسجم كل منهما مع منطوق الآخر. فيتعيّن القول بالثاني ، فيقيد ما دلّ على عدم البأس في حالة الجهل بصورة عدم الدخول ، وما دلّ على الجواز في حالة عدم الدخول بصورة الجهل وعدم العلم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٧.

١٦٩

إذا كانا عالمين بالحكم والموضوع (١) أو كان أحدهما

______________________________________________________

ومع التنزّل عن ذلك يكفينا في إثبات هذا الحكم أعني كون الموجب للحرمة أحد أمرين : الدخول ، أو العلم صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا تزوج الرجل المرأة في عدّتها ودخل بها لم تحلّ له أبداً عالماً كان أو جاهلاً ، وإن لم يدخل بها حلّت للجاهل ولم تحلّ للآخر» (١).

فإنّها كما تراها صريحة الدلالة في أنّه يكفي في الحرمة أحد أمرين : الدخول بها ولو كان جاهلاً ، والعلم ولو مع عدم الدخول. فتكون هذه الصحيحة وجه جمع بين جميع الأخبار المتقدمة ، فإنّه بها تنحلّ مشكلة التعارض ، وبالنتيجة يتحصل منها أنّ الموجب للتحريم المؤبد إنّما هو أحد أمرين : الدخول ، أو العلم.

(١) والوجه فيه أنّ المذكور في الأخبار المتقدمة وإن كان العلم بالعدة والذي يعبّر عنه بالعلم بالموضوع إلّا أنّ الظاهر أنّ العلم بالحكم لا ينفصل عنه إلّا نادراً كموارد الغفلة ، وذلك لما تقدم من أنّ المفهوم العرفي للعدة إنّما هو عدّ أيام معينة وعدم جواز التزوج فيها ، فمن هنا لا ينفك العلم بكونها معتدة عن العلم بأنّه لا يجوز التزوج منها.

على أنّه قد ورد التصريح بالتعميم في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدّتها بجهالة ، أهي ممن لا تحلّ له أبداً؟ فقال : «لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدّتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك». فقلت : بأي الجهالتين يعذر بجهالته أنّ ذلك محرم عليه ، أم بجهالته أنّها في عدّة؟ فقال : «إحدى الجهالتين أهون من الأُخرى ، الجهالة بأنّ الله حرم ذلك عليه وذلك بأنّه لا يقدر على الاحتياط معها». فقلت : وهو في الأُخرى معذور؟ قال : «نعم ، إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوّجها». فقلت : فإن كان أحدهما متعمداً والآخر بجهل؟ فقال : «الذي تعمد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً» (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٤.

١٧٠

عالماً بهما (١) مطلقاً ، سواء دخل بها أو لا. وكذا مع جهلهما بهما ، لكن بشرط الدخول بها.

ولا فرق في التزويج بين الدوام والمتعة (٢) كما لا فرق في الدخول بين القُبل والدُّبر (٣).

ولا يلحق بالعدّة أيام استبراء الأَمة (٤) فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبدية

______________________________________________________

فإنّها كما تراها واضحة الدلالة في اعتبار العلم بالحكم والموضوع معاً في ثبوت الحرمة الأبدية ، وعدم كفاية العلم بأحدهما خاصة.

(١) أما إذا كان الزوج هو العالم فلا إشكال في بطلان العقد ، وثبوت الحرمة الأبدية ، لأنّه مورد النصوص المتقدمة ، على ما عرفت.

وأما إذا كان الزوج جاهلاً والزوجة عالمة ، فثبوت الحرمة الأبدية فيها أيضاً يقتضيه ذيل صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج المتقدمة ، فإن الزواج أمر قائم بالطرفين فإذا حرم من أحد الطرفين حرم من الطرف الآخر لا محالة.

وعليه فيتعيّن حمل قوله (عليه السلام) : «الذي تعمد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً» على الحكم التكليفي الظاهري لا الحكم الوضعي الواقعي ، لامتناع التفكيك فيه.

(٢) وهو متسالم عليه بين الأصحاب ، لأنّ موضوع النصوص المتقدمة هو عنوان التزوج بالمرأة في عدّتها ، من دون تقييد بكون الزواج دائماً أو منقطعاً ، فمقتضى إطلاقها من هذه الجهة هو عدم الفرق في الحكم بين كون الزواج دائماً أو منقطعاً.

(٣) لإطلاق النصوص حيث لم يرد فيها تقييد الدخول بالقبل ، فيشمل الدخول بالدبر أيضاً فإنّه أحد السبيلين ، ولذا يثبت جميع أحكام الدخول إلّا ما خرج بالدليل.

(٤) والوجه فيه واضح ، فإنّ الحكم لما كان ثابتاً بالدليل التعبدي على خلاف القاعدة ، فلا مجال للتعدي عن مورده والقول بشموله للاستبراء ، فإنّ عنوان العدّة غير عنوان الاستبراء على ما يظهر من أحكامهما ، حيث لا يحرم في الثاني غير الوطء فيجوز ما دونه من الاستمتاعات حتى التفخيذ على ما صرح به بعض النصوص بخلاف العدّة ، إذ لا يجوز فيها مجرد العقد فضلاً عن الاستمتاع.

١٧١

ولو مع العلم والدخول ، بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوطء قبل انقضائها ، فإنّ المحرم فيها هو الوطء دون سائر الاستمتاعات.

وكذا لا يلحق بالتزويج الوطء بالملك أو التحليل (١). فلو كانت مزوجة فمات زوجها أو طلّقها ، وإن كان لا يجوز لمالكها وطؤها ولا الاستمتاع بها في أيام عدّتها ، ولا تحليلها للغير ، لكن لو وطأها أو حللها للغير فوطأها لم تحرم أبداً (٢) عليه (*) ، أو على ذلك الغير ، ولو مع العلم بالحكم والموضوع.

[٣٧٠٨] مسألة ١ : لا يلحق بالتزويج في العدّة وطء المعتدة شبهة من غير عقد (٣) بل ولا زنا ، إلّا إذا كانت العدّة رجعية (٤) كما سيأتي. وكذا إذا كان بعقد فاسد لعدم تمامية أركانه (٥).

وأمّا إذا كان بعقد تامّ الأركان وكان فساده لتعبّد شرعي كما إذا تزوّج أُخت

______________________________________________________

(١) لاختلافهما مع عنوان التزويج المذكور في النصوص ، فلا وجه لتعميم الحكم الثابت له إليهما.

(٢) في غير العدّة الرجعية. وأما فيها فلما كانت المرأة أما زوجة حقيقة كما اخترناه ، وأما في حكم الزوجة كما ذهب إليه المشهور ، كان وطؤها فيها من الزنا بذات البعل وهو موجب للحرمة الأبدية ، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

والحاصل أنّ الوطء بالملك أو التحليل إذا كان في أيام العدّة الرجعية كان موجباً لثبوت الحرمة الأبدية ، لكن لا لأجل إلحاق الملك أو التحليل بالتزويج ، بل من باب الزنا بذات البعل فإنّه عنوان مستقل للتحريم.

(٣) لعدم الدليل على الإلحاق بعد اختصاص موضوع النصوص بالتزويج.

(٤) حيث يكون من الزنا بذات البعل ، وهو سبب مستقل للتحريم الأبدي ، على ما تقدم قبل قليل ، وسيأتي إن شاء الله التعرض إليه مفصلاً.

(٥) حيث لا يصدق معه عقد الزواج ، فلا يكون مشمولاً لأدلّة التحريم الأبدي.

__________________

(*) هذا في غير العدّة الرجعيّة ، وأمّا فيها فيجري عليها حكم الزِّنا بذات البعل.

١٧٢

زوجته في عدّتها ، أو أُمّها (*) (١) أو بنتها ، أو نحو ذلك ممّا يصدق عليه التزويج وإن كان فاسداً شرعاً ففي كونه كالتزويج الصحيح إلّا من جهة كونه في العدّة وعدمه ، لأنّ المتبادر من الأخبار التزويج الصحيح مع قطع النظر عن كونه في العدّة ، إشكال. والأحوط الإلحاق (**) في التحريم الأبدي (٢) فيوجب الحرمة مع العلم مطلقاً ، ومع الدخول في صورة الجهل.

______________________________________________________

(١) وذكرها من سهو القلم أو خطأ النساخ جزماً ، حيث أنّ أُمّ الزوجة محرمة أبداً قبل العقد عليها في العدّة ، فلا معنى لجعل العقد عليها من أمثلة المقام.

(٢) وربّما يقال : أنّ الحكم في المسألة مبني على النزاع في ألفاظ المعاملات ، وهل أنّها موضوعة لخصوص الصحيح منها أو للأعم؟ فلا تثبت الحرمة الأبدية على الأول لفساد العقد فلا تشمله النصوص ، في حين تثبت على الثاني لصدق التزوج بالمرأة في عدّتها.

إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّه لا يحتمل أن يكون لفظ التزوج في هذه النصوص مستعملاً في النكاح الصحيح ، إذ كيف يعقل أن يكون النكاح الصحيح موجباً للفرقة بين الزوجين والحكم بالحرمة الأبدية! نعم ، للنزاع في أن المستعمل فيه لفظ التزوج هل هو النكاح الصحيح من غير جهة وقوعه في العدّة أو الأعم وجه ، إلّا أنّه أجنبي عن النزاع المتقدم ، فإنّ الصحيح من غير جهة الوقوع في العدّة غير موضوع له لفظ النكاح أو التزوج جزماً ، بل المقصود بناءً على القول بوضع ألفاظ المعاملات للصحيح هو الصحيح مطلقاً ومن جميع الجهات.

والحاصل أنه لا وجه لبناء الحكم في هذه المسألة على النزاع في وضع ألفاظ المعاملات ، فإنّ اللفظ في المقام مستعمل في غير الصحيح جزماً ، سواء أقلنا بوضع ألفاظ المعاملات للصحيح أو للأعمّ.

__________________

(*) هذه الكلمة من سهو القلم ، أو غلط النسّاخ.

(**) لا بأس بتركه.

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، ينبغي البحث في أنّ اللفظ في المقام هل هو مستعمل في مطلق الفاسد ، أو خصوص الفاسد من هذه الجهة بحيث لولاها لكان العقد صحيحاً؟

والذي يقتضيه التحقيق هو الثاني ، وذلك لا لما تقدم وإنّما لظاهر تفريع التفريق على وقوع العقد في العدّة وجعله جزاء لذلك الشرط ، فإنّ الظاهر منه كون ذلك هو السبب فيه بحيث لولاه لكان العقد صحيحاً ، وإلّا فلو كان العقد فاسداً من جهة أُخرى لما كان وجه لتفريع التفريق على وقوع العقد في العدّة ، فإنه حينئذ يثبت سواء أكان العقد واقعاً في أيام عدتها أم لم يكن كذلك.

إذن فالظاهر من الأدلة اختصاص الحكم بما إذا كان العقد صحيحاً في نفسه ، ومن قطع النظر عن الوقوع في العدّة.

نعم ، لو فرضنا أن سبباً آخر للبطلان والتحريم الأبدي قارن وقوع العقد في العدّة كما لو تزوج المحرم امرأة في عدتها عالماً بالحرمة لثبتت الحرمة الأبدية بالأولوية القطعية ، حيث أن كلّاً منهما على انفراده صالح لإثباتها.

وتدل عليه رواية الحكم بن عتيبة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن محرم تزوج امرأة في عدّتها ، قال : «يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً» (١).

وهي وإن كانت ضعيفة سنداً ، إلّا أنّنا في غنى عنها بعد كون الحكم على ما عرفت على مقتضى القاعدة ، ولذلك نتعدى عن موردها إلى سائر الموارد ، إلّا أنّه لا بدّ هنا أيضاً من استكمال العقد لبقية الشرائط ، بحيث لو لا هاتان الجهتان لكان العقد صحيحاً.

وملخّص الكلام : أن اجتماع سببين للحرمة الأبدية لا ينافي ثبوتها في المجمع ، بل إنّما يقتضي ثبوتها فيه بالأولوية القطعية ، وهذا بخلاف ما لو قارن العقد في العدّة ما يوجب فساده في ذاته كالتعليق وما شابهه فإنّه حينئذ لا يكون المورد مشمولاً للنصوص ، حتى ولو قلنا بكون لفظ التزوج موضوعاً للأعمّ من الصحيح والفاسد ، لما عرفت من ظهور الأدلة في المقام في العقد الصحيح من غير جهة وقوعه في العدّة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ١٥.

١٧٤

[٣٧٠٩] مسألة ٢ : إذا زوّجه الولي في عدّة الغير مع علمه بالحكم والموضوع ، أو زوّجه الوكيل في التزويج بدون تعيين الزوجة كذلك لا يوجب الحرمة الأبديّة ، لأن المناط علم الزوج لا وليّه أو وكيله. نعم ، لو كان وكيلاً في تزويج امرأة معينة وهي في العدّة (١) فالظاهر كونه كمباشرته بنفسه (*) ، لكن المدار علم الموكل لا الوكيل.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّ مراده (قدس سره) من التفصيل بين تعيين المرأة وعدم تعيينها ، إنّما هو الفرق بين كون متعلق الوكالة تزويج امرأة ذات عدّة ، وبين كون متعلقها تزويج امرأة مطلقاً ، ومن دون التقييد بكونها ذات عدّة وإن كان الوكيل يختار ذلك في الخارج. فيحكم في الثاني بعدم ثبوت الحرمة الأبدية ، لأنّ ظاهر التوكيل أنّه توكيل في عقد وزواج صحيح ، ومن هنا فلا تكون الوكالة شاملة لتزويجه امرأة في العدّة ، بل يكون ذلك العقد عقداً فضولياً فلا يوجب ثبوت الحرمة الأبدية. وهذا بخلاف الأول حيث تثبت الحرمة الأبدية ، نظراً لشمول الوكالة لذلك العقد ، حتى ولو انضمت إليها وكالة بتزويج امرأة خلية.

فالعبرة إنّما هي بصدق التزوج بامرأة في عدتها وعدمه. وهذا هو ما يعنيه المصنف (قدس سره) من التعبير بالإطلاق والتعيين ، حيث لا تكون الوكالة على الأول شاملة لذات العدّة ، فلا يصدق التزويج في العدّة مع علم الزوج بخلاف الثاني ، فإنه بعد شمول الوكالة لها يصدق التزوج بالمرأة في عدتها ، وبذلك تثبت الحرمة الأبدية.

إلّا أنّ للمناقشة في ثبوت الحرمة الأبدية حتى في صورة التعيين والعلم بالحكم والموضوع ، أو الجهل ولكن مع الدخول بها مجالاً ، نظراً لعدم شمول دليل التحريم له. وذلك لأنّ موضوع الحرمة في لسان الأدلة لما كان هو التزوج من امرأة ذات عدّة كان لا بدّ في ثبوت هذه الحرمة من صدق الانتساب ، إذ لولاه لما كان لثبوتها وجه.

ومن هنا فحيث أنّ الانتساب لا يتحقق إلّا بالمباشرة ، أو باعتبار من يكون اعتباره اعتباراً له كالوكيل في الأُمور الاعتبارية بحيث ينتسب الفعل إليه حقيقة

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كان من الواضح عدم تحقق الانتساب. ومن ثم كان عدم ثبوت الحرمة الأبدية في المقام واضحاً ، فإنّ الانتساب نتيجة فعل الوكيل إنّما يكون فيما إذا كانت الوكالة صحيحة ، وأما إذا كانت باطلة فلا وجه لنسبة الفعل الصادر من فاعله إلى غيره.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الوكالة باطلة نظراً لاختصاصها بما يصح صدوره من الموكل نفسه ، فما لا يصح صدوره منه لا يصح فيه التوكيل أيضاً ، وحيث أن التزويج من امرأة ذات عدّة إذا صدر من نفسه كان محكوماً بالبطلان ، فلا تصح الوكالة فيه.

وعلى هذا فلا وجه للحكم بثبوت الحرمة الأبدية ، فإن التزويج بامرأة في العدّة لم يصدر منه ولا من وكيله.

أمّا الأوّل فواضح. وأما الثاني فللسالبة بانتفاء الموضوع ، فإنه لا وكيل له حيث لم تصدر وكالة منه حقيقة في الخارج ، وإن وجدت صورة الوكالة في الخارج.

والحاصل أنّ التزويج بامرأة في العدّة لما لم يكن يصدر من نفسه ، أو من وكيله لعدم وجود الوكالة ، لم يكن موضوع الحرمة الأبدية متحققاً ، ومن هنا لم يكن للقول بثبوتها وجه.

وكذا الحال في الولي ، فإنّ الولاية تختص بما أمضاه الشارع وكان صحيحاً ، ولا تثبت في العقود الفاسدة ، فليس الولي ولياً للطفل أو المجنون حتى في التزوج بامرأة في عدّتها ، فلو فعل ذلك كان العقد فضولياً فلا تثبت الحرمة الأبدية.

ثم إنّ في فرض الوكالة لو تنزلنا وقلنا بثبوت الحرمة الأبدية فيه ، فهل تعم صورة التوكيل في تزويج امرأة لا بعينها أم لا؟

إن قلنا بانصراف الوكالة إلى التزويج المباح شرعاً كما هو ليس ببعيد فلا ينبغي الشكّ في عدم ثبوتها لهذا الفرض ، إذ لا وجه لثبوتها له بعد عدم شمول الوكالة له.

وأما إذا قلنا بعدم الانصراف ، أو كانت الوكالة صريحة في العموم ، فالظاهر هو القول بعدم ثبوتها أيضاً ، وذلك لعدم صدق علم الزوج بذلك ، فإنّ المستفاد من صحيحة الحلبي (١) ومعتبرة إسحاق بن عمّار (٢) أنّ العبرة إنّما هي بعلم الزوج بوقوع

__________________

(١) راجع ص ١٧٠ ه‍ ١.

(٢) راجع ص ١٦٩ ه‍ ١.

١٧٦

[٣٧١٠] مسألة ٣ : لا إشكال في جواز تزويج من في العدّة لنفسه (١) سواء كانت عدّة الطلاق ، أو الوطء شبهة ، أو عدّة المتعة ، أو الفسخ بأحد الموجبات (٢) أو المجوزات له.

______________________________________________________

العقد على ذات العدّة وكونه محرماً شرعياً.

ومن هنا فالتوكيل في التزويج من إحدى بنات زيد مثلاً مع العلم بكون إحداهن في العدّة وحرمة التزوج من ذات العدّة وإن كان شاملاً لذات العدّة أيضاً ، إلّا أنّه لا مجال للقول بصدق علم الزوج بوقوع العقد على ذات العدّة ، لاحتمال وقوعه على غيرها حيث أن الوكالة متعلقة بالأعمّ ، فلا يكفي مجرد علمه بكونها في العدّة وعموم الوكالة لها في ثبوت الحرمة ، ما دام لم يكن يعلم بوقوع العقد عليها في الخارج.

وبعبارة أُخرى نقول : إنّ التزويج وإن كان تزويجاً للموكل حيث تعمّها الوكالة إلّا أنّ علم الوكيل ليس علماً للموكل ، فلا موجب للقول بثبوت الحرمة الأبدية.

ثم لو فرضنا إجازة الصبي بعد بلوغه ، أو المجنون بعد كماله ، أو مطلق من وقع العقد فضولة عنه ، مع علمه بالحكم والموضوع أو الدخول بها مع الجهل ، فهل يوجب ذلك الحرمة الأبدية أم لا؟

الظاهر هو التفصيل بين ما لو وقعت الإجازة بعد خروج العدّة ومضيها وبين ما لو وقعت قبل انقضائها ، حيث ينبغي الالتزام في الأول بعدم ثبوتها ، وذلك لعدم انتساب التزوج في العدّة إليه ، حتى بناء على القول بالكشف الحقيقي وإنْ كنّا لا نقول به فضلاً عن القول بالكشف الحكمي أو النقل ، إذ الانتساب إنّما يكون بالإجازة ومن حينها ، والمفروض أنّ المرأة في ذلك الزمان ليست بذات عدّة ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الحرمة حينئذ. وهذا بخلاف الثاني ، حيث لا يبعد القول بثبوت الحرمة الأبدية ، لانتساب التزويج بامرأة ذات عدّة إليه قبل انقضاء العدّة.

(١) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وقد دلّت على بعض مواردها نصوص خاصة.

(٢) ما لم يكن موجباً لثبوت الحرمة الأبدية ، كالرضاع فإنّه موجب لها ، فلا مجال

١٧٧

والعقد صحيح إلّا في العدّة الرجعية ، فإن التزويج فيها باطل ، لكونها بمنزلة الزوجة (١).

وإلّا في الطلاق الثالث الذي يحتاج إلى المحلل ، فإنّه أيضاً باطل بل حرام (٢) ولكن مع ذلك لا يوجب الحرمة الأبدية.

______________________________________________________

للقول بجواز تزوّجه منها في عدتها ثانياً. وكذا الكفر ، بناءً على ما اختاره المشهور من عدم ارتفاع الزوجية به في أثناء العدّة ، فإنّه لا مجال للقول بجواز تزوجه منها بعد إسلامه في العدّة ، لأنّها زوجة له. نعم ، لا بأس بالقول به بناءً على ما اخترناه من انقطاع العلقة الزوجية وارتفاعها بمجرد الارتداد.

ثم إنّه كان عليه (قدس سره) تخصيص الحكم في المقام بالموارد التي يصح التزوج فيها. أما الموارد التي لا يصح التزوّج فيها لبعض المحاذير ، كما لو أسلم النصراني عن سبع ففسخ نكاح ثلاث منهن بالقرعة أو بالاختيار ، فإنّه لا يجوز له التزوج من إحداهن وإن كانت العدّة لنفسه ، وذلك لاستلزامه الجمع بين خمس زوجات.

(١) وبذلك فيكون مجرد مطالبته لها بالزواج محققاً للرجوع ورضاء بالزوجية السابقة واعتباراً لها مع المبرز في الخارج ، وعندئذ فيكون العقد الثاني من التزوج بعد التزوج فلا يقع مؤثراً ، إذ بعد اعتباره للزوجية مع إبرازه لا مجال للتزوج بها ثانياً.

هذا كلّه بناءً على مذهب المشهور من كون المطلقة الرجعية بمنزلة الزوجة. وأما بناءً على ما اخترناه من كونها زوجة حقيقة فالأمر أوضح ، فإنّه لا مجال للتزوج من المزوَّجة ثانياً.

(٢) لقوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) (١).

فإنّ ظاهر التعبير ب (فَلا تَحِلُّ) هو حرمة الفعل تكليفاً مضافاً إلى البطلان ، وإلّا فمجرد البطلان وضعاً لا يعبّر عنه بهذا التعبير. كما يشهد له عدم صدقه في الزواج المعلّق وزواج المتعة من دون ذكر الأجل ، إلى غيرهما من الموارد التي يكون الزواج

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٣٠.

١٧٨

وإلّا في عدّة الطلاق التاسع في الصورة التي تحرم أبداً (١).

وإلّا في العدّة لوطئه زوجة الغير شبهة ، لكن لا من حيث كونها في العدّة ، بل لكونها ذات بعل (٢).

وكذا في العدّة لوطئه في العدّة شبهة إذا حملت منه ، بناءً على عدم تداخل العدتين ، فإنّ عدّة وطء الشبهة حينئذ مقدمة على العدّة السابقة التي هي عدّة الطلاق أو نحوه لمكان الحمل ، وبعد وضعه تأتي بتتمة العدّة السابقة ، فلا يجوز له تزويجها في هذه العدّة أعني عدّة وطء الشبهة وإن كانت لنفسه (٣).

______________________________________________________

فيها باطلاً ، فإنّه لا مجال فيها للتعبير ب (فَلا تَحِلُّ) وإنّما يعبّر عنها بـ (لا تصحّ) خاصّة ، وليس ذلك إلّا لكون مفاد هذا التعبير كقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (١) هو حرمة الفعل لا البطلان خاصّة ، بل يمكن أن يقال إنّ البطلان في المقام مترتب على الحرمة التكليفية ، بحيث تكون الحرمة هي السبب في البطلان.

والحاصل أنّ العرف لا يرى فرقاً بين التعبير بكلمة (حُرِّمَتْ) والتعبير بكلمة (فَلا تَحِلُّ) بل يرى كلّاً منهما لازماً للآخر ، فعدم الحليّة لازم للحرمة ، كما أنّ الحرمة لازمة لعدم الحلّ.

(١) وتقدّم منّا في محلّه استظهار كون الطلاق التاسع موجباً لثبوت الحرمة الأبدية على الإطلاق.

(٢) إلّا أنّه خارج عن محلّ كلامنا ، نظير اعتداد المحارم عن وطئهن شبهة.

(٣) ويقتضيه قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (٢).

وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) (٣).

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٣.

(٢) سورة الطلاق ٦٥ : ١.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٣٤.

١٧٩

فلو تزوّجها فيها عالماً أو جاهلاً بطل ، ولكن في إيجابه التحريم الأبدي إشكال (١) (*).

______________________________________________________

والنصوص الدالّة على أن حلّيتها للأزواج متوقّفة على انقضاء العدّة (١). فإنّها ما دامت بعد في العدّة الأُولى ولم تخرج منها فلا يجوز التزوج منها.

(١) والأقوى ثبوتها ، وذلك لصدق التزوج بذات العدّة ، فإنّ المرأة بدخولها نتيجة للطلاق أو غيره في العدّة الاولى لا تخرج منها إلّا بانقضائها ، وحيث لم يتحقق إلّا بعد إتمامها من بعد الاعتداد بالعدّة الثانية ، كان التزوج منها في أثناء العدّة الثانية تزوّجاً منها في أثناء العدّة ، وبذلك يكون مشمولاً للنصوص الدالة على ثبوت الحرمة الأبدية بالتزوج من المرأة في العدّة.

نعم لو قلنا : بأنّها بالدخول في العدّة الثانية تخرج عن العدّة الأُولى ، وإن كانت تدخل فيها ثانية بعد انقضائها ، كان للقول بعدم ثبوت الحرمة وجه. إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّها لا تخرج بالدخول في العدّة الثانية عن العدّة الاولى ، بل إنّما تجب الثانية من باب العدّة في العدّة.

والحاصل أنّ الموضوع للحرمة الأبدية إنّما هو التزوج من امرأة دخلت في العدّة ولم تخرج منها ، وهو متحقّق في المقام.

ومما يدلّ على ما ذكرنا معتبرة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الأَمة يموت سيدها ، قال : «تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها». قلت : فإنّ رجلاً تزوّجها قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال : فقال : «يفارقها ثم يتزوجها نكاحاً جديداً بعد انقضاء عدّتها» ، الحديث (٢).

فإنّها واضحة الدلالة على أنّ موضوع الحكم إنّما هو التزوج منها قبل انقضاء عدّتها ، وحيث أنّه صادق في المقام فلا بدّ من القول بثبوتها.

__________________

(*) لا يبعد جريان حكم التزويج في العدّة عليه.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ١٧ ح ٥.

١٨٠