موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وظاهر المشهور أنّها كما تسقط بموت الزوجة تسقط بموت الزوج أيضاً (١) لكن يحتمل بعيداً عدم سقوطها بموته.

______________________________________________________

هذا كلّه بالنسبة إلى النفقة الثابتة بالزوجية. وأما النفقة الثابتة بالإفضاء على ما هو محل كلامنا فحيث لم يثبت تسالم من الفقهاء في تقدمها على نفقة سائر الأقارب ، كما لم يثبت احتمال الأهمية والتعيين ، فيتخير لعدم الموجب للترجيح.

ودعوى أنّ الإنفاق على المفضاة مقدّم على الإنفاق على سائر الأقارب ، لأنّه دين في الذمة حيث أنّ ثبوته بالوضع ، بخلاف الإنفاق على سائر الأقارب ، فإنّه حكم تكليفي محض.

واضحة الفساد ، فإنّ مجرّد كون أحدهما تكليفاً محضاً والآخر وضعاً لا يوجب تقدم الثاني. ولذا ذكروا أنّه لو كان عليه دَين وكان يجب عليه الإنفاق على بعض أرحامه ، ولم يكن يملك من المال إلّا ما يفي بأحدهما خاصة تخير بينهما. كما التزموا بعدم وجوب تقديم نفقة الزوجة الفائتة على نفقة سائر أقربائه الحاضرة. والحال أنّ ثبوت كل من الدَّين والنفقة الفائتة بالوضع ، في حين أنّ وجوب الإنفاق على الأقرباء تكليف محض.

(١) والوجه فيه أنّه لا إطلاق لدليل وجوب الإنفاق يشمل بعد الموت أيضاً ، وذلك لأنّ كلمة «الإجراء» المذكورة في قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة : «عليه الإجراء ما دامت حيّة» (١) دالة على استمرار الحكم الثابت قبل الإفضاء فيما بعده ما دامت حيّة ، وحيث أنّ الثابت للزوجة قبل الإفضاء إنّما هو النفقة تدريجاً فيجب عليه الإنفاق عليها يوماً فيوماً ، كما يشهد له أنّه ليس لها المطالبة بنفقة عمرها دفعة.

ولما كان هذا الحكم يسقط بمجرد موت الزوج فلا يخرج لزوجته من تركته شي‌ء بعنوان النفقة ، فيكون حال المفضاة حالها تماماً ، لأنّ كلمة «الإجراء» لا تدلّ على استمرار الحكم الثابت لها قبل الإفضاء لما بعده ، فيسقط بموته لا محالة.

__________________

(١) راجع ص ١٣٢ ه‍ ٢.

١٤١

والظاهر عدم سقوطها بعدم تمكّنه فتصير دَيناً عليه (١) ويحتمل بعيداً سقوطها. وكذا تصير دَيناً إذا امتنع من دفعها مع تمكنه (٢) إذ كونها حكماً تكليفياً صرفاً بعيد.

هذا بالنسبة إلى ما بعد الطلاق ، وإلّا فما دامت في حباله الظاهر أنّ حكمها حكم الزوجة.

فصل

[في ما يجوز من عدد الأزواج]

لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على الأربع (٣) حرّا كان أو عبداً ،

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من أنّ ظاهر كلمة «الإجراء» هو استمرار الحكم الثابت لها قبل الإفضاء لما بعده ، وحيث أنّ النفقة الثابتة للزوجة قبل الإفضاء إنّما هو بالوضع ، كان الثابت لها بعده بالوضع أيضاً.

(٢) لما تقدم.

فصل

(٣) وعليه إجماع المسلمين قاطبة.

وتدلّ عليه مضافاً إلى قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلّا تَعُولُوا) (١). حيث أنّ الظاهر منها أنّها في مقام بيان حدّ الترخيص ، فتدلّ بالمفهوم على عدم الجواز في ما زاد على ذلك الحدّ قهراً ، وهذا ما يعبّر عنه في الكلمات بمفهوم العدد ، وهو وإن لم نقل بحجيته مطلقاً إلّا أنّه لا مناص من الالتزام بحجيته ، فيما إذا كان الدليل في مقام التحديد وبيان حدّ الحكم كما هو الحال فيما نحن فيه ، حيث تكفّلت الآية الكريمة بيان الحد للحكم بالإباحة ، فتدلّ على عدم

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٣.

١٤٢

والزّوجة حرّة أو أَمة (١).

______________________________________________________

الجواز فيما زاد عن الحد النصوص المستفيضة حيث دلّت جملة منها وبالسنة مختلفة على عدم جواز التزوّج بأكثر من أربع بالعقد الدائم.

منها : صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل تزوّج خمساً في عقدة ، قال : «يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع» (١).

ومنها : معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في مجوسي أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه ، كيف يصنع؟ قال : «يمسك أربعاً ويطلق ثلاثاً» (٢).

ومنها : عدّة نصوص دلّت على أنّه ليس لمن كانت له أربعة نسوة فطلّق واحدة منهن أن يتزوّج اخرى ما لم تمض عدّة المطلقة ، كصحيحة زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا جمع الرجل أربعاً وطلّق إحداهن ، فلا يتزوّج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلق» ، وقال : «لا يجمع ماءه في خمس» (٣).

فإن هذه الروايات وغيرها ظاهرة في عدم جواز التزويج بأكثر من أربع بالعقد الدائم ، وإلّا فلا وجه للحكم بتخلية سبيل إحداهن في الأُولى والثلاث في الثانية وبطلان نكاح الأخيرة في الثالثة.

ودعوى أنّ المستفاد من أمثال صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أنّ الممنوع إنّما هو وطء الخامسة دون التزوج بها ، حيث قال (عليه السلام) : «لا يجمع ماءه في خمس».

مدفوعة بأنّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور والقول ببطلان الزواج ، لصراحة الأخبار المتقدمة في ذلك.

(١) لإطلاق النصوص المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٦ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٢ ح ١.

١٤٣

وأمّا في الملك والتحليل فيجوز ولو إلى ألف (١). وكذا في العقد الانقطاعي (٢).

______________________________________________________

(١) لاختصاص المنع في الأخبار المتقدمة بالزواج ، بل لاقتضاء إطلاقات الأدلة ذلك ، فإنّ مقتضى إطلاقات أدلّة التملك بالشراء وغيره ووطء المملوكة الجواز من غير تحديد بحد معيّن.

هذا مضافاً إلى صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة ، فقال : «الق عبد الملك بن جريح فسله عنها» إلى أن قال : وكان فيما روى لي فيها ابن جريح : «أنّه ليس فيها وقت ولا عدد ، إنّما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء» (١). فإنّها صريحة في جواز نكاح أكثر من أربع إماء بملك اليمين.

(٢) وتدلّ عليه مضافاً إلى صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدمة جملة من النصوص التي دلّت صريحاً على أنّها ليست من الأربعة وإنّما هي مستأجرة ، وأنّه لا مانع من التزويج بألف منهنّ (٢).

إلّا أنّ بإزائها موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن المتعة ، فقال : «هي أحد الأربعة» (٣) حيث تدل على عدم جواز نكاح أكثر من أربعة منهنّ.

لكنها لا تصلح لمعارضة النصوص المتقدمة بعد تصريحه (عليه السلام) فيها بأنها ليست من الأربع ولا من السبعين ، ولا بدّ من حمل هذه الموثقة على الاحتياط على ما صرحت به جملة من النصوص (٤) حفظاً لماله ونفسه ، إذ لا طريق لإخفاء ذلك على المخالفين إلّا بالاقتصار على الأربع حيث يتصوّرون كونهن زوجات دائمات له ، وهو بخلاف ما لو زاد على الأربع إذ لا مجال لادعاء كونهن زوجات دائمات فيظهر أمره بذلك.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٤.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٤ ح ١٠.

(٤) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٤ ح ٩ ، ١٣.

١٤٤

ولا يجوز للحرّ أن يجمع بين أزيد من أمتين (١) ولا للعبد أن يجمع بين أزيد من حرّتين (٢). وعلى هذا فيجوز للحر أن يجمع بين أربع حرائر ، أو ثلاث وأَمة أو حرّتين وأَمتين.

______________________________________________________

(١) بمعنى عدم جواز التزوّج بأَمة ثالثة لا عدم جواز التزوج بالثالثة مطلقاً ، إذ له أن يتزوج مضافاً إليهما بحرّتين على ما سيأتي تفصيله فالتحديد تحديد للزواج من الأَمة لا لأصل الزواج.

وعلى كلّ فيدلّنا على أصل الحكم مضافاً إلى تسالم الأصحاب وعدم الخلاف فيه صحيح أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل له امرأة نصرانية ، له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : «إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منّا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج». قلت : فإنّه يتزوج عليها أَمة؟ قال : «لا يصلح له أن يتزوّج ثلاث إماء» (١).

وهي من حيث الدلالة كالصريحة ، لما تقدم مراراً من أنّ كلمة «لا يصلح» مرادفة لكلمة «لا يجوز» فإنّ معنى عدم الصلاحية هو عدم الجواز ، وإلّا فكل جائز صالح.

(٢) وتدلّ عليه جملة من الأخبار الصحيحة.

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : سألته عن العبد يتزوج أربع حرائر ، قال : «لا ، ولكن يتزوج حرّتين ، وإن شاء أربع إماء» (٢).

ومنها : صحيحة حسن بن زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن المملوك ما يحل له من النساء ، فقال : «حرّتان ، أو أربع إماء» (٣). وهذه الرواية صحيحة سنداً وإن عبّر عنها في بعض الكلمات بالخبر ، فإنّ حسن بن زياد هذا هو حسن بن زياد العطّار الثقة جزماً الذي يروي عن الصادق (عليه السلام) ، فإنّ حسن ابن زياد الصيقل من أصحاب الباقر (عليه السلام).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٨ ح ٢.

١٤٥

وللعبد أن يجمع بين أربع إماء ، أو حرّة وأَمتين (١) أو حرّتين ، ولا يجوز له أن يجمع بين أمتين وحرّتين (٢) أو ثلاث حرائر ،

______________________________________________________

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «لا يجمع العبد المملوك من النساء أكثر من حرّتين» (١).

ومن هنا يظهر أنّه لا بدّ من حمل ما ورد في بعض الروايات المعتبرة من أنّ العبد لا يتزوّج أكثر من امرأتين (٢) على الحرّة ، بمعنى أنّه لا يجوز له أن يتزوج أكثر من حرّتين ، وإلّا فلا ينبغي الشكّ في جواز تزوجه أربع إماء على ما صرحت

به الأخبار الصحيحة المتقدمة ، ويظهر من تقييد المنع بأكثر من اثنتين بالحرّتين. فإنّه لو كان تزوجه بأكثر من امرأتين ممنوعاً مطلقاً ، لما كان وجه للتقييد بالحرّتين في النصوص المتقدِّمة ، فيكشف التقييد بها عن جواز الأكثر إذا لم تكن من الحرائر.

(١) وهو المعروف بين الأصحاب.

ويدلّ عليه مضافاً إلى مرسل الصدوق (قدس سره) : «يتزوّج العبد بحرّتين أو أربع إماء ، أو أمتين وحرّة» (٣) تقييد منع الزيادة عن اثنتين في الصحاح المتقدمة بالحرّتين ، إذ لو كان المنع ثابتاً مطلقاً لكان هذا التقييد لغواً. وعليه فلا مانع من الالتزام بجواز جمع العبد بين أمتين وحرة ، إذ لا يشملها أخبار المنع عن الزيادة عن اثنتين.

(٢) ويدل عليه مضافاً إلى صحيح زرارة المتقدم حيث قال (عليه السلام) : «لا يجمع العبد المملوك من النساء أكثر من حرّتين» صحيحتا محمد بن مسلم وحسن بن زياد المتقدمتان ، حيث قيدتا جواز جمع العبد بين أربع زوجات بكونهنّ إماء ، فإنّ ظاهر ذلك انحصار الجواز في تلك الحالة ، بحيث لو كان بينهنّ من الحرائر لما كان للعبد الجمع بينهنّ ، وإلّا لكان ذكر القيد لغواً كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٨ ح ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٢ ح ١٠.

١٤٦

أو أربع حرائر (١) أو ثلاث إماء وحرة (٢). كما لا يجوز للحرّ أيضاً أن يجمع بين ثلاث إماء وحرّة (*) (٣).

[٣٧٠٤] مسألة ١ : إذا كان العبد مبعضاً أو الأَمة مبعضة ، ففي لحوقهما بالحر أو القنّ إشكال ، ومقتضى الاحتياط (٤) أن يكون العبد المبعض كالحرّ بالنسبة إلى الإماء فلا يجوز له الزيادة على أمتين ، وكالعبد القنّ بالنسبة إلى الحرائر فلا يجوز له الزيادة على حرّتين. وأن تكون الأَمة المبعضة كالحرّة بالنسبة إلى العبد ، وكالأَمة بالنسبة إلى الحرّ.

بل يمكن أن يقال إنّه بمقتضى القاعدة ، بدعوى أنّ المبعض حرّ وعبد ، فمن حيث حرّيته لا يجوز له أزيد من أَمتين ، ومن حيث عبديته لا يجوز له أزيد من حرّتين. وكذا بالنسبة إلى الأَمة المبعضة.

إلّا أن يقال : إنّ الأخبار الدالّة على أن الحر لا يزيد على أَمتين ، والعبد لا يزيد على حرّتين ، منصرفة إلى الحر والعبد الخالصين ، وكذا في الأَمة ، فالمبعض قسم

______________________________________________________

ومما يؤيد ما اخترناه مرسلة الصدوق (قدس سره) ، قال : سُئل عن المملوك ما يحلّ له من النساء ، قال : «حرّتين أو أربع إماء» (١). وكذلك المرسل المتقدم.

(١) لما تقدّم من الأخبار الصحيحة.

(٢) لما سبق في تزوجه بأمتين وحرّتين.

(٣) والظاهر أنّه من سهو القلم ، حيث أنّ المنع فيه ليس من جهة انضمام الحرّة إلى الإماء على ما يظهر من قوله : كما لا يجوز للحرّ أيضاً ، وإنّما المنع من جهة أنّه ليس له الجمع بين ثلاث إماء مطلقاً ، سواء انضمت إليهن حرة أم لم تنضم. وحق العبارة أن يقال : كما لا يجوز للحر الجمع بين ثلاث إماء.

(٤) فيما لو قلنا بأن حكم المبعض لا يخرج عن حكم الحر والعبد ، وأنّه محكوم

__________________

(*) هذا من سهو القلم ، فانّ الحرّ لا يجوز له الجمع بين ثلاث إماء وإن لم تكن معهنّ حرّة.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٢٢ ح ٩.

١٤٧

ثالث (١) خارج عن الأخبار ، فالمرجع عمومات الأدلة على جواز التزويج ، غاية الأمر عدم جواز الزيادة على الأربع ، فيجوز له نكاح أربع حرائر أو أربع إماء.

لكنه بعيد من حيث لزوم كونه أولى من الحر الخالص ، وحينئذ فلا يبعد أن يقال : إنّ المرجع الاستصحاب (٢) ومقتضاه إجراء حكم العبد والأَمة عليهما ودعوى

______________________________________________________

بأحد الحكمين كما هو ليس ببعيد حيث تسقط إطلاقات الأدلة الدالة على جوار النكاح بأربع ، سواء أكانت من الحرائر أم من الإماء أم ملفّقة ، وذلك للعلم بالتخصيص وتردّده بين متباينين ، بمعنى العلم بمنع المبعض ، أما عن التزوج بأكثر من حرّتين ، وأما عن التزوج بأكثر من أَمتين.

فعند العلم بالتخصيص ودورانه بين متباينين يسقط العموم أو الإطلاق لا محالة ولا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي ، وهو يقتضي عدم نفوذ العقد في موارد الشكّ فليس له أن يتزوج بأكثر من حرتين ، ولا بأكثر من أَمتين فيما إذا كانت الثالثة أَمة أيضاً ، وهذا هو معنى الاحتياط.

وبما ذكرناه يظهر الحال في المبعضة ، فإنّ جواز النكاح بالنسبة إليها خصّص بأحد أمرين متباينين : إما بعدم جواز نكاحها من حر عنده أمتان ، أو بعدم جوازه من عبد عنده حرتان. فلا يمكن التمسك بالإطلاق ، وينتهي الأمر إلى التمسك بأصالة الفساد.

(١) على ما يحتمل احتمالاً بعيداً ، وعليه فلا مانع من التمسك بإطلاقات وعمومات ما دلّ على جواز التزويج بأربع إذ لا معارض لها ، حيث أنّ موضوع أدلة عدم جواز نكاح أكثر من حرتين هو العبد وهذا ليس بعبد ، كما أنّ موضوع أدلة عدم جواز نكاح أكثر من أَمتين هو الحر وهذا ليس بحر. إذن فلا مانع من الالتزام بصحة تزوجه بأكثر من حرتين أو أكثر من أَمتين.

(٢) ولا يخفى أنّ تفريع الاستصحاب على الالتزام بكون المبعض قسماً ثالثاً غير واضح ، فإنّه لو قلنا بجريان الاستصحاب فلا بدّ من القول به حتى بناءً على شمول الأخبار له أيضاً ، إذ ينتفع به في حل العلم الإجمالي الناشئ من شمول الأخبار له ، وبه يثبت له أحكام العبد.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى كل فقد يستشكل في جريان الاستصحاب بأنّه استصحاب تعليقي ، ولا نقول به لأنّه معارض بالاستصحاب التنجيزي ، حيث أنّ استصحاب ترتب أثر الزوجية على عقده على أربع إماء حال رقيته ، أو عقده إلى حال حرية بعضه ، معارض باستصحاب الحرمة وعدم ترتب الأثر على عقده فعلاً فلا يمكن الأخذ به.

ولكنه لا يمكن المساعدة عليه ، لأن الاستصحاب التعليقي إنّما يختص بما إذا كان الموضوع مركباً من جزءين ، وكان أحدهما حاصلاً بالفعل والآخر غير حاصل ، ولكن عند تحقق الجزء الثاني وحصوله يتغيّر وصف الأوّل ويزول. نظير المثال المعروف (العنب إذا غلى يحرم) فإنّه لا يمكن إثبات الحرمة للزبيب إذا غلى بالاستصحاب ، لأنّه قبل الغليان لم يكن موضوع الحرمة بتمامه متحققاً نظراً لفقدان الجزء الثاني ، وعند حصوله يزول وصف الجزء الأول ويتغيّر ، فلا مجال للتمسك بمثل هذا الاستصحاب حيث إنّه معارض بالاستصحاب التنجيزي بحلية الزبيب.

إلّا أنّ هذا أجنبي عما نحن فيه ، إذ موردنا من استصحاب الحكم الشرعي ليترتب عليه حكم شرعي آخر ، كما لو شكّ في جواز التوضؤ بالماء المعيّن ، فاستصحب جوازه فإنّه يترتب عليه جواز الصلاة به. ولا مجال لأن يقال بأنّه من الاستصحاب التعليقي ، وأنّه معارض باستصحاب عدم جواز الدخول في الصلاة ، فإنّ جواز الدخول في الصلاة من الأحكام الشرعية المترتبة على جواز الوضوء ، فإذا ثبت ذلك ثبت هذا الحكم أيضاً قهراً.

وهكذا الحال في جواز البيع بالنسبة إلى جواز التملك ، فإنّ الثاني مترتب على ثبوت الأوّل ولو كان ذلك بالاستصحاب.

ومن هنا ففيما نحن فيه تترتب آثار الزوجية بأكملها على جواز التزوج بالمرأة ، فإذا شكّ في الثاني فثبت الجواز بالاستصحاب ترتبت عليه آثار الزوجية شرعاً. ومن الواضح أنّ بين هذا أعني استصحاب الحكم الشرعي ليترتب عليه حكم شرعي آخر وبين الاستصحاب التعليقي ، بون شاسع وفرق ظاهر.

ولزيادة التوضيح نقول : إنّ ارتباط الحكم الشرعي المجعول التكليفي والوضعي ـ

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بما يرتبط به على نحوين :

فتارة يكون ارتباطه على نحو ترتب الحكم عليه كترتب المعلول على علته في التكوينيات ، بحيث يكون ذلك الشي‌ء في مرتبة سابقة على الحكم ، ويكون الحكم متأخراً عنه كتأخر المعلول عن علته.

وأُخرى ينعكس فيكون الحكم في مرتبة سابقة على ذلك الشي‌ء ، بحيث يكون ذلك الشي‌ء ناشئاً من الحكم الشرعي ومترتباً عليه.

ففي القسم الأوّل يعبّر عن ذلك الشي‌ء بالموضوع ، فيما يعبّر عنه في القسم الثاني بالمتعلّق.

ففي مثل الحضر والسفر وزوال الشمس وغروبها يرتبط الحكم الشرعي به ، حيث يجب التمام على الحاضر فيما يجب القصر على المسافر ، وتجب العصران عند زوال الشمس والعشاءان عند غروبها. إلّا أنّ ارتباط الحكم بهذه الأُمور من قبيل القسم الأول ، حيث تكون هذه الأُمور بمنزلة العلّة للحكم ، فلا بدّ من فرض السفر في وجوب القصر ، والحضر في وجوب التمام ، وهكذا.

وفي مثل وجوب الصلاة يرتبط الحكم الشرعي أعني الوجوب به أيضاً ، إلّا أنّ ارتباطه في هذا المقام من قبيل القسم الثاني ، حيث تترتب الصلاة في الخارج على الوجوب بحيث يكون الوجوب كالعلّة في وجودها ، فإنّ الوجوب متحقق قبل تحقق الصلاة في الخارج ومع قطع النظر عن تحققها وعدمه ، فهو كالسبب في وجودها حيث يؤتى بها باعتبار كونها واجبة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ تمييز أحد القسمين عن الآخر ، وأنّ ارتباط الشي‌ء المعيّن بالحكم من قبيل الأول أو الثاني ، إنّما يتبع ذلك الشي‌ء الذي يرتبط الحكم به.

فإن كان أمراً خارجاً عن اختيار المكلف نظير زوال الشمس ، فهو موضوع للحكم قهراً إذ لا يعقل كونه متعلقاً له ، سواء أذكر في لسان الدليل على نحو القضية الشرطية كقولنا : (إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان) أم ذكر على نحو القيدية كقولنا : (تجب الصلاة عند زوال الشمس).

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان أمراً اختيارياً فهو يختلف باختلاف لسان الدليل ، فإن أُخذ شرطاً كقولنا : (إن سافرت فقصر) أو أُخذ على نحو تكون نتيجته نتيجة الاشتراط ، كما إذا أُخذ في القضية موضوعاً كقولنا : (المسافر يجب عليه القصر) فإنّ نتيجة كون المسافر موضوعاً هو فرضه مفروغ الوجود ، بمعنى أنّه على تقدير وجوده يجب القصر ، وهو يعني كون السفر شرطاً في وجوب القصر ، لما ذكرناه غير مرة من أنّ القضية الحقيقية تنحلّ إلى القضية الشرطية فهو موضوع لا محالة.

وأما إذا أُخذ قيداً في المتعلق كقولنا : (صلّ متطهراً) كان المتفاهم منه أنّ التكليف كما هو متعلق بالصلاة متعلق بقيدها أيضاً ، بحيث يكونان معاً معلولين للتكليف.

إذا اتضح ذلك كلّه يظهر أنّ الحلّية والحرمة الثابتتين للبيع أو النكاح أو التملك أو غيرها ، إنّما هما حكمان ثابتان قبل تحقق تلك الأُمور في الخارج. فحلّية البيع أو حرمته مثلاً حكم ثابت قبل تحققه في الخارج ، لا أنّ حليته أو حرمته متوقّفة على تحققه في الخارج ، فهو حلال سواء أوقع البيع في الخارج أم لم يقع ، وكذلك الحال في التملك والنكاح.

وأما ترتب الآثار الشرعية عليها ، فهي أحكام مترتبة على هذا الحكم أعني الحلّية أو الحرمة من دون أن يكون من الاستصحاب التعليقي. فإنّه إذا كان نكاحاً حلالاً ثم شككنا في زوال الحلّية ، كان مقتضى القاعدة استصحاب بقائها ، لأنّها كانت ثابتة قبل العقد والنكاح في الخارج ولم تكن مترتبة عليه ، فلا وجه لأن يقال إنّه من الاستصحاب التعليقي فإنّ خطأ ، والصحيح أنّه من الاستصحاب التنجيزي.

ومن هنا فلا بأس بأن يقال : إنّ هذا المبعض كان يحرم عليه أن يتزوج من الحرائر بأكثر من اثنتين ، فمقتضى الاستصحاب أنّه الآن كذلك أيضاً ، وبه تجري عليه أحكام العبد. إلّا أنّ هذا كلّه لا يقتضي التزامنا بجريان الاستصحاب في المقام ، وذلك لما تقدم منّا غير مرة من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية الكلّية ، حيث أنّ جريانه فيها معارض باستصحاب عدم الجعل من الأول فيسقط بالمعارضة ، بل الثاني حاكم على الأوّل ، على ما مرّ توضيحه في محلّه من المباحث الأُصولية.

١٥١

تغيّر الموضوع كما ترى (١).

فتحصل أنّ الأوْلى الاحتياط الذي ذكرنا أوّلاً ، والأقوى العمل بالاستصحاب (*) وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما.

[٣٧٠٥] مسألة ٢ : لو كان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء ، فأُعتق وصار حرّا لم يجز إبقاء الجميع ، لأنّ الاستدامة كالابتداء ، فلا بدّ من إطلاق الواحدة أو الاثنتين. والظاهر كونه مخيَّراً بينهما ، كما في إسلام الكافر عن أزيد من أربع (٢).

______________________________________________________

ثم لو تنزّلنا وقلنا بجريانه في الأحكام التكليفية الكلّية فلا نلتزم به في المقام ، وذلك لاختلاف الموضوع بنظر العرف ، حيث يرى عنوان الحرية والرقية مقوِّماً للموضوع ، نظير ما يراه في عنوان المسافر والحاضر. وعلى هذا فلا يمكن التمسك بالاستصحاب ، لعدم اتّحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ، فإنّ الذي لم يكن له التزوج بأكثر من حرتين إنّما كان هو هذا الشخص بما هو عبد لا ذاته بما هي ، ومن الواضح أنّه بذلك الوصف غير المبعض حيث إنّه ليس بعبد وإنّما نصفه عبد خاصة ، وهو لم يكن موضوعاً للحكم.

وعليه فحكمه يبتني على الاحتمالين السابقين ، من عدم خروج حكمه عن حكم أحد القسمين فيجب عليه الاحتياط ، ومن كونه قسماً ثالثاً فيحكم بصحة تزوجه بأربع مطلقاً ، سواء أكنّ من الحرائر أم الإماء أم ملفّقاً منهما.

(١) وفيه ما تقدم.

(٢) حيث ورد في معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في مجوسي أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه ، كيف يصنع؟ قال : «يمسك أربعاً ويطلق ثلاثاً» (١).

فقد استدلّ بها لإثبات التخيير في المقام حيث كان الزواج كما فيما نحن فيه صحيحاً ابتداءً حيث يقر على مذهبه ما لم يسلم.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب ٦ ح ١.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّه غير تامّ ومن القياس الباطل ، حيث أنّ ثبوت التخيير في ذلك المورد لا يلازم ثبوته فيما نحن فيه ، بعد أن لم يكن هناك إطلاق أو عموم أو تعليل يشمل المقام أيضاً.

ومن هنا يظهر حال الاستدلال بما ورد فيمن تزوج خمساً أو تزوج الأُختين بعقد واحد ، كصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل تزوج أُختين في عقدة واحدة ، قال (عليه السلام) : «يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأُخرى» ، وقال في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة : «يخلي سبيل أيّتهن شاء» (١).

بدعوى أنّ هذا الحكم إذا كان ثابتاً ابتداءً ، كان ثابتاً استدامة بطريق أوْلى.

فإنّه ضعيف جدّاً ، فإنّ الحكم الثابت في هذين الموردين حكم تعبدي خاص ثبت بالدليل على خلاف القاعدة ، فلا مجال للتعدي عنه إلى سائر الموارد وذلك لاقتضاء القاعدة في مثله البطلان ، حيث أنّ دليل صحة العقد ونفوذه شامل لكل من العقدين أو العقود في نفسه.

إلّا أنّه لما كان الجمع بينهما غير ممكن ، وكان ترجيح أحدهما على الآخر ترجيحاً بلا مرجّح ، كان مقتضى القاعدة فيهما بطبيعة الحال هو البطلان ، على ما هو الحال في جميع موارد عدم إمكان التمسك بالدليل بالنسبة إلى كلا الفردين أو الأفراد. كما لو باع داره لشخص وباع وكيله الدار لآخر مقارناً لبيعه لها ، فإن كلا من العقدين في نفسه وإن كان مشمولاً للصحة ، إلّا أنّه لما لم يمكن الجمع بينهما. ولم يكن لأحدهما مرجح على الآخر ، حكم ببطلانهما عملاً بالقاعدة.

ومن هنا يقال بالبطلان من رأس لو تزوج العبد بثلاث حرائر بعقد واحد من دون أن يلتزم فيه بالتخيير ، وكذا الحال لو تزوج الحر بثلاث إماء في عقد واحد.

والحاصل أنّ الحكم الثابت في فرض التزوج بالأُختين أو التزوج بالخمس دفعة حكم تعبدي ثبت بالنص على خلاف القاعدة ، فلا مجال للتعدي عن موردهما إلى غيرهما من الموارد خصوصاً إلى ما نحن فيه ، حيث أنّ العقد قد وقع صحيحاً ابتداءً بمقتضى القاعدة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٢٥ ح ١.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى هذا فقد يلتزم بالبطلان في الجميع فيما نحن فيه حيث لا ترجيح في البين ولا يمكن الجمع بينهن ، إلّا أنّه غير صحيح إذ لا مقتضي للبطلان بعد ما كان العقد صحيحاً وكانت الزوجية ثابتة ، فإنّ الفرق بين هذه المسألة ومسألة الجمع بينهن ابتداءً واضح ، حيث كانت القاعدة كما تقدم تقتضي البطلان في الثانية بخلاف ما نحن فيه حيث وقعت العقود في وقتها صحيحة ، غاية الأمر أنّ الجمع بينهن بقاءً غير ممكن.

إلّا أنّه لما كان من الواضح أنّ الذي لا يمكن بقاؤه إنّما هو الزائد عن الاثنتين لا كل واحدة منهن ، فلا بدّ بحسب ما تقتضيه الأدلة الحكم ببطلان عقد الزائد عن الاثنتين وصحة عقدهما. ولا يقدح في ذلك كونهن لا تعيين لهنّ ، إذ لا تعيين للاثنتين المحكوم بصحة نكاحهما عن الزائد عنهما المحكوم بفساد نكاحها ، فإنّه لا مانع من الحكم بصحة نكاح اثنتين منهنّ في الواقع وفساد نكاح الأُخريين في الواقع أيضاً ، ومن دون تعيين لهنّ على نحو الجامع ، حيث لا محذور في قيام الزوجية أو عدمها فيه ، فيقال : إن اثنتين من هذه النساء زوجتان ، واثنتين منهنّ ليستا بزوجتين من دون تعيين.

وما قد يقال : من أنّ الزوجية ونحوها لا يمكن قيامها في الفرد المردد والمبهم ، فلا يمكن الحكم بقيامها باثنتين مبهمتين ومرددتين وانتفائها عن اثنتين كذلك ، فلا بدّ من الحكم بفساد نكاح جميعهن.

مدفوع بما ذكرناه في مبحث العلم الإجمالي من أنّ الفرد المردّد والمبهم وإن كان لا يمكن أن يكون متعلقاً لأي شي‌ء حيث لا وجود له ولا ذات ، إلّا أنّ الجامع ليس منه ، حيث أنّ معنى الجامع إنّما هو إلغاء الخصوصيات والأخذ بما يجمع بين الأفراد. وعلى هذا فلا مانع من كونه متعلقاً لعرض خارجي كما هو الحال في موارد العلم الإجمالي.

كما لو علم إجمالاً بوقوع قطرة من النجاسة في أحد الإناءين ، في حين كان الواقع في علم الله سبحانه وقوع قطرة في كل من الإناءين من دون أن يعلم المكلف بوقوع الثانية ، بحيث أنّه لم يكن يعلم إلّا بنجاسة أحد الإناءين لا كليهما معاً ، فإنّ من الواضح حينئذ أنّ المعلوم ما تعلق به العلم للمكلف ليس إلّا الجامع ، وإلّا فكل من الإناءين

١٥٤

ويحتمل القرعة (١) والأحوط أن يختار هو القرعة بينهنّ (*).

ولو اعتقت أَمة أو أمتان ، فإن اختارت الفسخ حيث أن العتق موجب لخيارها

______________________________________________________

ليس بمعلوم النجاسة كما أنّه ليس هو النجس الواقعي ، لأنّه بحسب الفرض اثنان ، فلا معنى لأن يقال : إنّ علم المكلف قد تعلّق به ، فليس المعلوم إلّا الكلي والجامع كما هو واضح.

وعليه فإذا كان العلم الذي هو وصف خارجي موجود قابلاً للتعلق بالجامع بما هو ، فكيف لا يمكن أن يكون الأمر الاعتباري كالملكية والزوجية متعلقاً به؟

إذن فلا مانع من حكم الشارع بفساد نكاح اثنتين من هذه النساء ، وصحة نكاح الاثنتين الأُخريين منهنّ على نحو الكلّي.

وحينئذ فلا بدّ من معيّن للتي بقيت على الزوجية عن التي انفسخت زوجيتها وحيث لا نصّ خاص يدلّ على التعيين بالتخيير ، فلا بدّ من الرجوع إلى القرعة لا محالة إذ لا طريق آخر سواها.

(١) بل القول بها هو المتعين ، على ما تقدم.

وما قد يقال : من أنّ القرعة إنّما هي لما هو مشكل عندنا ، ومعيّن في الواقع على ما دلّت عليه بعض الأخبار (١) فلا تشمل المقام ، حيث لا واقع له بعد أن كانت النسبة في الجميع واحدة.

يندفع بأنّ القرعة على ما يظهر من نصوصها لا تختص بما ذكر ، وإنّما تجري لحل المشكلة مطلقاً ، سواء أكان لها واقع أم لم يكن ، فإنّ عمدة أدلّتها صحيحتان :

الأُولى : صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قال : أوّل مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة ، قال : «يقرع بينهم ، فمن أصابه القرعة أعتق» ، قال : «والقرعة سنّة» (٢).

__________________

(*) بل هو الأظهر.

(١) الوسائل ، ج ٢٧ كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، ب ١٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٧ كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، ب ١٣ ح ٢.

١٥٥

بين الفسخ والبقاء فهو ، وإن اختارت البقاء يكون الزوج مخيّراً (*) (١) والأحوط اختياره القرعة كما في الصورة الأُولى.

______________________________________________________

فإنّ من الواضح أنّ موردها مما لا واقع له ، حيث أنّه التزم بعتق أوّل مملوك يملكه فورث ثلاثة. ولا مجال لدعوى اختصاص الحكم بمورده ، وذلك لما ورد في ذيلها من أنّ «القرعة سنّة» حيث اعتبرها الإمام (عليه السلام) كقاعدة كبروية ثم طبقها على المورد ، فيظهر منه عدم اختصاص القرعة بذلك المورد.

الثانية : معتبرة منصور بن حازم ، قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسألة ، فقال : «هذه تخرج في القرعة» ثم قال : «فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلى الله عزّ وجلّ ، أليس الله يقول (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)» (١).

فإنّ استدلاله (عليه السلام) بالآية الكريمة يكشف عن عدم اختصاص القرعة بما إذا كان للمشكلة واقع وكان المكلف جاهلاً به ، إذ الظاهر والله العالم أنّ أهل السفينة لم يكونوا يعلمون أنّ الحوت إنّما يطلب شخصاً معيناً ، بل تخيلوا أنّه إنّما يطلب شخصاً من غير تعيين لسدّ جوعه أو غير ذلك من دون خصوصية فيه ، وإلّا فلو كانوا يعلمون أنّه إنّما يطلب يونس بخصوصه لأخذوه وألقوه في البحر من دون توقف أو حاجة إلى القرعة ، فرجوعهم مع ذلك إلى القرعة يكشف عن صحة التمسك بها لتعيين ما لا تعيّن له في الواقع أيضاً.

ومن هنا فتدل الآية الكريمة على عدم اختصاص القرعة بما كان له تعيّن في الواقع ، بل تعمّ ما لا تعيّن له أيضاً.

(١) في إطلاقه نظر ، ولا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ موضوع الكلام ما إذا كان العبد متزوجاً بثلاث إماء أو أربع ثم أعتقت واحدة منها أو اثنتان.

__________________

(*) هذا إذا كانت عنده أربع إماء أو كانت المعتقة أمتين ، وأمّا إن كانت عنده ثلاث إماء وكانت المعتقة إحداهما فلا مانع من الجمع بينها وبين الباقيتين فإنّه من الجمع بين حرّة وأمتين.

(١) الوسائل ، ج ٢٧ كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، ب ١٣ ح ١٧.

١٥٦

[٣٧٠٦] مسألة ٣ : إذا كان عنده أربع ، وشكّ في أن الجميع بالعقد الدائم ، أو البعض المعيّن أو غير المعيّن منهن بعقد الانقطاع ، ففي جواز نكاح الخامسة دواماً إشكال (*) (١).

______________________________________________________

ومن الواضح أنّ الذي ذكره (قدس سره) من الإطلاق بالتخيير أو القرعة إنّما يتمّ فيما إذا كان متزوجاً بأربع فأُعتقت واحدة أو اثنتان ، حيث لا يجوز للعبد الجمع بين الأربع إلّا إذا كان جميعهن من الإماء ، وفيما إذا كان متزوِّجاً بثلاث إماء فأُعتقت اثنتان حيث لا يجوز له التزوج بأكثر من حرتين. وأما لو كان متزوجاً بثلاث إماء فأُعتقت واحدة منهن واختارت البقاء ، فلا موجب للقول بالتخيير أو القرعة ، إذ لا مانع من جمع العبد بين أَمتين وحرة ابتداءً ، على ما تقدم التصريح منه (قدس سره) أيضاً.

(١) منشأ القول بالجواز هو عدم إحراز موضوع الحرمة ، حيث أنّ موضوعها كونها خامسة لأربع عنده بالعقد الدائم ، وهو غير محرز للشكّ في دوام نكاح بعض التي عنده ، ومن هنا فلا يحرز كون التي يريد العقد عليها خامسة ، ومعه فمقتضى الأصل هو الجواز.

ومنشأ القول بعدم الجواز أحد أُمور :

الأوّل : التمسك بالاستصحاب ، فإنّه مع الشكّ في انقضاء زوجية بعض التي عنده وزوالها بعد مرور المدة المعينة يستصحب بقاؤها ، وبه تثبت الزوجية الدائمة إلى أن تموت أو يموت هو ، وبذلك تترتب عليها أحكام الزوجية الدائمة فيحرز موضوع الحرمة ، فلا يجوز له التزوج بغيرهن دواماً ، نظير ما يذكر في باب الإرث من إحراز الدوام بالاستصحاب عند الشكّ في دوامها وعدمه.

وفيه : أنّ الاستصحاب لا يجري في أمثال المقام ، وذلك لأن الشكّ في بقاء الزوجية وعدمه بعد انقضاء الأجل مسبب عن ضيق المجعول وسعته ، بمعنى الشكّ في كون الزوجية التي أنشأها المتعاقدان زوجية محدودة إلى أمد معيّن أو مطلقة من هذه الناحية وكونها زوجية دائمة ، ومن هنا فاستصحاب عدم جعل الزوجية بعد تلك المدة من

__________________

(*) أظهره الجواز.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل يكون حاكماً على هذا الاستصحاب ومقدّماً عليه ، وبه يحكم بعدم كونها بعد تلك المدة المتيقنة زوجة له. نظير ما تقدم في باب الإجارة عند الشكّ في مدة استئجارها ، حيث حكمنا بفضل الاستصحاب بعد مرور المدة المتيقنة بعدم ملكية المستأجر منفعة العين.

وعلى كلّ فلا أقلّ من كون هذا الاستصحاب معارضاً للاستصحاب المتقدِّم فلا يبقى معه مجال للتمسك به.

الثاني : التمسك بما دلّ من الأخبار على أنّه إذا لم يذكر الأجل في العقد كان النكاح دائماً والعقد باتاً ، حيث أنّ المستفاد منها كون عدم ذكر الأجل موضوعاً لدوام العقد فبمجرّد عدم ذكر الأجل ينقلب العقد دائماً ، سواء أكان ذلك عن عمد أم نسيان أم غيرهما ، على ما ذكره بعضهم. وعلى هذا فيمكن فيما نحن فيه إحراز موضوع الدوام بالاستصحاب فيقال : إنّ مرجع الشكّ ، في كون عقد واحدة من الأربع الموجودات بالفعل دائماً أو منقطعاً ، إنّما هو إلى الشكّ في ذكر الأجل في عقدها وعدمه ، فيكون مقتضى استصحاب عدم ذكره كون عقدها دائماً لا محالة.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ استصحاب عدم ذكر الأجل عند الشكّ فيه ، يحرز كون عقد كل واحدة من الأربع الموجودات بالفعل دائماً ، وبه يتمّ موضوع حرمة التزوّج بالخامسة.

وفيه : أنّ هذه الروايات وإن كانت تتضمن بعض النصوص الصحيحة سنداً ، إلّا أنّها بحسب الدلالة أجنبية عن محل كلامنا ، حيث إنّها في مقام بيان الفارق بين العقد الدائم والعقد المنقطع ، وإنّه إذا ذُكر الأجل وأُنشئ العقد مقيداً بزمان معيّن كان العقد منقطعاً ، وإن لم يذكر الأجل وأُنشئت الزوجية مطلقة كان العقد دائماً.

بمعنى أنّ العقد المنقطع إنّما هو العقد المنشأ مقيداً ، في قبال العقد الدائم الذي هو عبارة عن العقد المنشأ مطلقاً ، ومن غير تحديد بأمر خاص حتى ولو كان ذلك استحياءً على ما دلّت عليه بعض النصوص المعتبرة (١) من دون أن يكون لها نظر

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب ٢٠.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى بيان حكم تعبدي ، وأنّه إذا لم يذكر الأجل انقلب العقد دائماً حتى ولو لم يكن ذلك مقصوداً للمنشئ.

والحاصل أنّه لا يستفاد من هذه الروايات حكم تعبدي ، بحيث إنّه متى لم يذكر الأجل كان العقد دائماً وإن كان ذلك لنسيان أو غفلة أو نحوهما ، بل الظاهر منها التفرقة بين العقد الدائم والعقد المنقطع ، وأنّ المجعول في الثاني إنّما هو الزوجية في وقت معيّن وأجل مسمى ، فإن لم يذكر ذلك بحيث أنشأ زوجية مطلقة ولو للاستحياء كان العقد دائماً.

وعلى هذا فلا أثر لأصالة عدم ذكر الأجل ، حيث لا يثبت بها كون المنشأ هو العقد الدائم ، فإنّ كلّاً من العقد الدائم والعقد المنقطع مشكوك فيه ، حيث لا يدرى أنّ المنشأ هل كان الأوّل أم الثاني ، فلا مجال لإحراز أحدهما بأصالة عدم ذكر الأجل في العقد.

الثالث : دعوى اتحاد العقد الدائم والعقد المنقطع حقيقة ، فإنّ كلّاً منهما إنّما يتكفل إنشاء طبيعي الزواج ، غاية الأمر أنّ المنقطع يزيد على الدائم أنّه يجعله إلى وقت معيّن يرتفع بانقضائه ، فهو أمر زائد على مقتضى أصل العقد وحقيقته ، نظير الشروط في العقود حيث تكون أصالة عدم الاشتراط فيما لو شكّ في اشتراط شي‌ء فيه بعد إحراز أصل المبادلة محكمة.

وعليه ففي المقام يقال : أنّ العقد الدائم والعقد المنقطع لما كانا حقيقة واحدة كان المنشأ فيهما طبيعي الزواج حدوثاً ، بمعنى أنّ الزوجة إنّما تنشأ زوجيتها للرجل حدوثاً فيقبلها الرجل ، والبقاء غير منشأ للزوجة ولا للزوج وإنّما هو لاستعداد ذاتها ، فهي تبقى بطبيعة الحال ما لم يثبت رافع من موت أو طلاق أو انقضاء المدة في المنقطعة ، ومن هنا يكون جعل الرافع في العقد أمراً زائداً عن طبيعي الزوجية المُنشأة للزوجين ، فإذا شككنا فيه كان مقتضى أصالة عدم جعله هو الدوام بمقتضى طبع العقد.

وفيه : أنّ الزوجية والملكية وغيرهما ليست من الأُمور التكوينية ، كي يكون للقول بأنّ علّة حدوثها كافية في بقائها ، وأنّها إذا وجدت كان بقاؤها بطبعها ولاستعداد ذاتها وجه وإن كان ذلك غير تامّ أيضاً على ما تقدم بيانه في محلّه وإنّما

١٥٩

[٤٧٠٧] مسألة ٤ : إذا كان عنده أربع فطلق واحدة منهنّ وأراد نكاح الخامسة ، فإن كان الطلاق رجعيا لا يجوز له ذلك إلّا بعد خروجها عن العدّة (١). وإن كان بائناً ففي الجواز قبل الخروج عن العدّة قولان ، المشهور على الجواز ، لانقطاع العصمة بينه وبينها.

______________________________________________________

هي من الأُمور الاعتبارية التي ليس لها وجود سوى اعتبار من بيده الاعتبار ، فلا مجال فيها بالمرة لأن يقال بكفاية علّة حدوثها في بقائها.

وعليه فحيث أن الزوجية تنقسم بطبيعة الحال إلى قسمين مؤقت وغير مؤقت ، فلا يخلو المنشئ لها من أن ينشئها مطلقة أو مقيدة بزمان معيّن ، لعدم معقولية الإهمال في الواقعيات ، على ما تقدم بيانه غير مرة.

ومن هنا فإذا دار أمر المنشأ بين الإطلاق والتقييد ، لم يكن أحدهما موافقاً للأصل والآخر مخالفاً له ، فإن كلّاً منهما حادث فلا مجال لإحراز أحدهما بالأصل.

نعم ، بلحاظ الأثر الخارجي فالمقدار المتيقن قد أُنشئ جزماً ، أما في ضمن الإطلاق أو في ضمن التقييد ، فيرجع الشكّ إلى إنشاء الزائد عن ذلك ، وقد ذكرنا أنّ الأصل إنّما هو عدم إنشاء الزوجية بالنسبة إليه.

والحاصل أنّه لما لم يكن في المقام أصل أو دليل يحرز به كون العقد المشكوك عقداً دائماً ، كان مقتضى القاعدة هو الالتزام بجواز التزويج بالتي يريد التزوج منها ، لعدم إحراز كونها خامسة بالمعنى الذي ذكرناه.

ثم إنّه لا يخفى أنّه لا منافاة بين الزوجية الدائمة وبين الطلاق حيث أنّ الطلاق إنّما هو بمنزلة الرافع ، فلا ينافي كون المنشأ هو الزوجية الأبدية ، نظير البيع بالنسبة إلى الملكية إذ لا منافاة بينهما ، فيحق للذي يملك الشي‌ء بالملكية الأبدية أن يرفعها وينقل ذلك الشي‌ء بالبيع أو غيره إلى غيره.

وبالجملة : فالذي يتحصل من جميع ما تقدم هو أنّ ما ورد في عبارة جملة من الأصحاب ، من أنّ الزوجية الدائمة والزوجية المنقطعة نوعان وصنفان هو الصحيح.

(١) بلا خلاف في ذلك. وتدل عليه مضافاً إلى كونه موافقاً للقاعدة حيث أن

١٦٠