موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

باختيارها (١) ومع نشوزها (٢).

ولا يجب أزيد من الإدخال والإنزال (٣) فلا بأس بترك سائر المقدمات (٤) من الاستمتاعات.

ولا يجري الحكم في المملوكة غير المزوّجة (٥) فيجوز ترك وطئها مطلقاً.

[٣٦٩٢] مسألة ٨ : إذا كانت الزوجة من جهة كثرة ميلها وشبقها لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر ، بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها ، فالأحوط المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة (٦) أو طلاقها وتخلية سبيلها.

______________________________________________________

(١) لأن ذلك منها إسقاط لحقّها. ومن هنا فلا يقاس سفرها بسفره لو قلنا بشمول الحكم للمسافر إذ يجب على تقدير سفره الرجوع ، في حين لا يجب عليه متابعتها في السفر حيث يكون باختيارها.

(٢) لسقوط حقها بذلك حيث لا تمكّن زوجها من نفسها ، وعليه فلا يجب عليه مقاربتها. ومع التنزل عن ذلك فيكفينا في عدم وجوب مقاربتها في تلك المدة قوله تعالى (وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) (١) حيث يختصّ الوجوب بملاحظتها بغير الناشزة.

(٣) تقدمت الإشارة إلى منافاته ، لما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة السابقة من جواز العزل في الوطء الواجب.

(٤) وهو وإن كان صحيحاً في نفسه إلّا أنّه لا يتلاءم مع دعواه (قدس سره) فيما تقدم من انصراف الخبر إلى الوطء المتعارف.

(٥) لظهور قوله : (عنده المرأة الشابّة) في الزوجة ، فإنّه لا يطلق على مالك الأَمة وإنّما يقال عنده الأَمة ، كما هو واضح.

(٦) لم أرَ من تعرّض لذلك من الأصحاب على الإطلاق ، ولعلّ ذلك لوضوح عدم وجوب دفع المنكر مطلقاً حتى ولو بفعل ما يوجب رفع المقتضي للحرام ، ولذا لا يجب

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٣٤.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

التزوّج من المرأة التي لو لم يتزوجها لوقعت في الحرام.

لكن من غير البعيد أن يكون الحقّ في المقام مع الماتن (قدس سره) ، وذلك لقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ) (١).

إذ المستفاد منها وجوب حفظ من يتولّاه عن الوقوع في الحرام مضافاً إلى وجوب حفظ نفسه ، فهو مكلّف بالإضافة إلى حفظ نفسه بحفظ أهله بخلاف الأجنبي حيث أنّه غير مكلف بحفظه.

وما ورد في النصوص من تفسيرها بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لا بدّ من حمله على بيان أوّل مرتبة تتحقق بها الوقاية دون التحديد ، وذلك لأنّها إنّما دلت على فراغ ذمّة المكلف بنصحهم وإرشادهم إلى ما هو الصحيح ، خاصة وإن الإثم يكون بعد ذلك على مرتكبه.

وحيث إنّ من الواضح أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختصّ حتى بالنسبة إلى غير الأهل بذلك ، بل قد يجب الضرب أو ما هو أشدّ منه في بعض الأحيان ، فلا يمكن حمل هذه النصوص على بيان الحدّ ، وأنّه لا يجب على المكلف أمر أهله بالمعروف ونهيهم عن المنكر بهذا المقدار خاصة ، إذ لا يحتمل أن يكون تكليفه بالنسبة إليهم أقلّ مما يجب عليه بالنسبة إلى غيرهم ، بل لا بدّ من حملها على بيان أقلّ مراتب تحقّق الوقاية ، فلا تكون هذه النصوص منافية لما استظهرناه.

ومع التنزّل وفرض دلالتها على الحدّ ، يمكن إثبات وجوب مواقعتها قبل أربعة أشهر بما تقدّم منّا غير مرة من أنّ حرمة الفعل إذا كانت مشدّدة ، بحيث علم كراهية وقوعه للشارع على كل تقدير حتى ولو من القاصرين كالزنا والقتل بل وشرب الخمر أيضاً وجب على المكلفين سدّ طريق تحقّقه في الخارج والمنع من وقوعه بأي طريق كان.

ومن هنا يجب على الزوج مواقعة زوجته الشبقة فيما دون الأربعة أشهر ، حفظاً لها من الوقوع في الحرام وسدّا لبابه إذا انحصر الطريق بها ، وإلّا فله أن يمنعها بكل وسيلة

__________________

(١) سورة التحريم ٦٦ : ٦.

١٢٢

[٣٦٩٣] مسألة ٩ : إذا ترك مواقعتها عند تمام الأربعة أشهر ، لمانع من حيض أو نحوه أو عصياناً ، لا يجب عليه القضاء (*) (١).

نعم ، الأحوط (٢) إرضاؤها بوجه من الوجوه ، لأنّ الظاهر أنّ ذلك حقّ لها عليه وقد فوّته عليها.

ثم اللّازم عدم التأخير من وطء إلى وطء أزيد من الأربعة ، فمبدأ اعتبار الأربعة اللّاحقة إنّما هو الوطء المتقدِّم (٣) لا حين انقضاء الأربعة المتقدِّمة (٤).

______________________________________________________

ممكنة ، ولا أقلّ في المقام من الاحتياط اللّازم.

(١) لعدم الدليل عليه ، ومقتضى الأصل البراءة ، وإن كان يجب عليه الوطء فوراً ففوراً ، لتحقق ترك الوطء أربعة أشهر ، فيكون آثماً في كل آن يمر عليه وهو قادر على وطئها حتى يطأها.

(٢) إذ لا دليل على اللزوم إلّا رواية واحدة قد تمسّك بها الشيخ الأعظم (قدس سره) (١). وهي رواية القاسم بن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً لا براءة له منها إلّا بالأداء أو العفو» ، الحديث (٢). لكنها لضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها. وعليه فأصالة البراءة عند الشكّ محكمة.

(٣) كما أنّ مبدأ الأوّل هو من الساعة التي زفّت المرأة إليه إلى أن يتمّ له أربعة أشهر.

(٤) لمخالفته لظاهر النص ، حيث يصدق عليه أنّه ترك وطأها أكثر من أربعة أشهر ، فيكون آثماً لا محالة.

__________________

(*) وإن كان يجب عليه الوطء في أوّل أزمنة الإمكان.

(١) أي الشيخ الأنصاري في رسالة النِّكاح.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ : ٢١٢ كتاب الحج ، أبواب أحكام العشرة ، ح ١٦١١٤.

١٢٣

فصل

[٣٦٩٤] مسألة ١ : لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين (١) حرّة كانت أو أَمة ، دواماً كان النكاح أو متعة (٢) ، بل لا يجوز وطء المملوكة (٣) والمحلّلة كذلك.

______________________________________________________

فصل

(١) وهو في الجملة محلّ وفاق ، وتدلّ عليه جملة من النصوص.

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة ، فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين» (١).

ومنها : موثَّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين» (٢). وحيث إنّ الترديد في الحدّ أمر غير معقول فلا بدّ من حمل الحد الثاني على الأفضلية لا محالة.

ومنها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) ، قال : «لا توطأ جارية لأقلّ من عشر سنين ، فإنْ فعل فعيبت فقد ضمن» (٣). ولا بدّ من حملها على الأفضلية أو دخولها في العاشرة لا إتمامها لها ، فتتحد مع ما تقدم. إلى غير ذلك من النصوص.

(٢) لإطلاق النصوص المتقدمة.

(٣) وفي الجواهر حكاية الإجماع عليه من جماعة (٤) ، وهو مقتضى إطلاق بعض النصوص المتقدمة.

لكن الذي يظهر من صاحب الوسائل (قدس سره) بل هو صريح عبارته ، هو

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٤٥ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٤٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٤٥ ح ٧.

(٤) الجواهر ٢٩ : ٤١٤.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اختصاص الحرمة بالزوجة وعدم شمولها للمملوكة ، فإنّه (قدس سره) ذكر في الوسائل باباً بعنوان : باب سقوط الاستبراء عمّن اشترى جارية صغيرة لم تبلغ وجواز وطئه إيّاها (١) ، وقد استدلّ لذلك بعدة نصوص ذكرها في ذلك الباب.

إلّا أنّ الظاهر أنّ ما أفاده (قدس سره) غير تامّ ، فإنّ تلك النصوص أجنبية عن محلّ الكلام ، حيث لم يرد شي‌ء منها في

جواز وطء الأَمة قبل بلوغها تسع سنين ، وإنّما هي واردة لفصل الموارد التي يجب فيها الاستبراء عن التي لا يجب فيها ذلك.

كما يظهر ذلك بوضوح من ملاحظة عمدة تلك النصوص ، وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال في رجل ابتاع جارية ولم تطمث ، قال : «إنْ كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحبل فليس له عليها عدّة وليطأها إنْ شاء ، وإنْ كانت قد بلغت ولم تطمث فإنّ عليها العدّة» (٢).

فإنّ هذه الصحيحة ليست بصدد بيان جواز وطء الأَمة قبل بلوغها تسع سنين ، إذ أن كلمة «صغيرة» فيها مستعملة في معناها العرفي أعني ما يقابل الكبيرة لا ما يقابل البالغة على ما يشهد له تقييدها بـ «لا يتخوّف عليها الحبل». فإنّ ظاهر القيد لما كان هو الاحتراز لم يكن معنى الإرادة ما يقابل البالغة منها ، فإنّ الصغيرة بهذا المعنى ليست إلّا قسماً واحداً لعدم قابليتها للحبل ، فلا معنى لتقسيمها إلى ما يتخوّف عليها الحبل وما لا يتخوّف ذلك ، وتخصيص الحكم بالقسم الثاني دون الأول.

وإنّما ينسجم هذا التقييد الذي يكون نتيجته التخصص لا محالة مع ما ذكرناه من إرادة ما يقابل الكبيرة منها ، فإنّها على قسمين :

منها : ما يتخوّف عليها من الحبل كابنة الأربع عشرة سنة.

ومنها : ما لا يتخوّف عليها ذلك كابنة العشر.

ومما يزيد في ذلك وضوحاً ملاحظة صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل ، قال : «ليس

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣ ح ١.

١٢٥

وأما الاستمتاع بما عدا الوطء من النظر واللّمس بشهوة والضم والتفخيذ فجائز في الجميع (١) ولو في الرضيعة.

[٣٦٩٥] مسألة ٢ : إذا تزوج صغيرة دواماً أو متعة ، ودخل بها قبل إكمالها تسع سنين فأفضاها ، حرمت عليه أبداً على المشهور (٢) وهو الأحوط وإن لم تخرج

______________________________________________________

عليها عدّة يقع عليها» (١).

فإنّها واضحة الدلالة في أنّ النظر فيها ليس إلى بلوغها من حيث السن ، وإنّما النظر إلى بلوغها من حيث الحبل ، وما يجب فيها من الاستبراء.

نعم ، رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) في حدّ الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها ، قال : «إذا لم تبلغ استُبرئت بشهر». قلت : وإن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما لا تحمل؟ فقال : «هي صغيرة ، ولا يضرّك أن لا تستبرئها». فقلت : ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال : «نعم تسع سنين» (٢) واضحة الدلالة على جواز الوطء قبل بلوغها تسع سنين.

إلّا أنّها ضعيفة سنداً ، لوقوع جعفر بن نعيم بن شاذان (شيخ الصدوق (قدس سره)) ومحمد بن شاذان في طريقها ، وهما ممن لم يرد فيهما توثيق ، فلا يمكن الاعتماد عليها.

ومن هنا فلا تصلح هذه النصوص لمعارضة إطلاق النصوص المتقدمة ، الدالة على عدم جواز وطء الجارية قبل بلوغها تسع سنين ، فيتعيّن العمل بالإطلاق والقول بالحرمة قبل بلوغها تسع سنين ، من دون فرق بين الزوجة والمملوكة ، وفاقاً لما اختاره المشهور.

(١) لعدم الدليل على الحرمة ، بل لعمومات جواز الاستمتاع بالزوجة والمملوكة.

(٢) واستدلّ له بمرسلة يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين ، فُرِّق

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٣ ح ١١.

١٢٦

عن زوجيته. وقيل بخروجها عن الزوجية أيضاً (١)

______________________________________________________

بينهما ولم تحل له أبداً» (١).

إلّا أنّها كما ترى قاصرة سنداً ودلالة ، فإنّها مرسلة مضافاً إلى وقوع سهل بن زياد في طريقها. على أنّها دالّة على التحريم بمجرد الدخول وإن لم يفضها وهو لا قائل به على ما سيأتي فلا تصلح للاستدلال بها على المدعى.

ودعوى أنّها من نسبة الحكم إلى السبب وإرادة المسبب ، بمعنى أنّ الرواية قد تكفّلت نسبة التحريم إلى الدخول الذي هو سبب في الإفضاء وإرادة بيان ثبوت التحريم عند الإفضاء ، كما تراه بعيد جدّاً بحاجة إلى التأويل ولا دليل عليه.

نعم ، قد يتمسك له بالإجماع ، لكن الكلام بعد ثبوته في حجيته ، حيث استند كثير من القائلين بالحرمة إلى المرسلة المتقدمة.

(١) نسب ذلك في بعض الكلمات إلى الشيخين وابن إدريس (قدس سرهم) على تأمل في النسبة (٢).

وتدلّ عليه المرسلة المتقدمة ، إلّا أنّ في الاستدلال بها ما عرفت.

نعم ، قد يستدلّ لخروجها عن الزوجية بأنّ التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح بحيث لا ينسجم القول بالتحريم مع بقاء الزوجية ، وعليه فإذا ثبت الأوّل كان لازمه انتفاء الثاني لا محالة.

إلّا أنّ فيه : أنّ ما يلازم بطلان الزوجية إنّما هو حرمة النكاح لا محالة ، كما لو صارت زوجته الصغيرة بنتاً له بالرضاع ، فإنّها تحرم عليه بقاءً كما كانت تحرم عليه حدوثاً لو كان الارتضاع قبل التزوج منها ، وهذا بخلاف حرمة الوطء خاصة دون سائر الاستمتاعات ، إذ لا ملازمة بينها وبين بطلان الزوجية.

هذا كلّه مضافاً إلى دلالة صحيحة حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال :

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٤ ح ٢.

(٢) راجع الجواهر ٢٩ : ٤١٨.

١٢٧

بل الأحوط حرمتها عليه بمجرد الدخول (١) وإن لم يفضها. ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة (٢) وعدم حرمتها عليه أيضاً (٣) خصوصاً إذا كان جاهلاً (٤) بالموضوع أو الحكم

______________________________________________________

سُئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها ، فقال : «إنْ كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين افتضها فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج ، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإنْ أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه» (١) صريحاً على بقاء الزوجية وعدم ارتفاعها بمجرد الإفضاء ، حيث جوّز (عليه السلام) إمساكها وعدم تطليقها.

ويؤيدها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل افتض جارية يعني امرأته فأفضاها ، قال : «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين» قال : «وإنْ أمسكها ولم يطلّقها فلا شي‌ء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلّق» (٢).

(١) لمرسلة يعقوب بن يزيد المتقدمة.

(٢) لصحيحة حمران المتقدمة حيث دلت على ذلك صراحة.

(٣) لعدم الدليل عليها ، على ما عرفت.

(٤) وذلك لأنّ دليل التحريم إن كان هو الإجماع المدّعى ، فلا ينبغي الشكّ في عدم وجود إطلاق له يشمل الجاهل أيضاً ، لا سيما بملاحظة تصريح جماعة منهم بأنّ الحكم بالتحريم المؤبَّد إنّما هو عقوبة للفاعل ، فإنّها إنّما تترتّب على فعل العامد خاصة.

وإن كان الدليل هو المرسل المتقدم بحمل الدخول على الإفضاء فالحكم أيضاً كذلك ، لأنّ الحكم إنّما هو مترتّب على الإفضاء.

وقد تقدم غير مرة أنّ موضوع الحكم إذا كان عملاً من الأعمال ، فالعبرة في ترتّب

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٤ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٤ ح ٣.

١٢٨

أو كان صغيراً (١) أو مجنوناً (٢) أو كان بعد اندمال جرحها (٣) أو طلّقها ثم عقد عليها جديداً (٤).

نعم ، يجب عليه دية الإفضاء وهي دية النفس (٥) ففي الحرّة نصف دية الرجل ،

______________________________________________________

الحكم عليه إنّما هو بإتيانه عمداً ، فلا يترتب على العمل الصادر عن جهالة أثر أصلاً بل يكون في حكم العدم ، على ما دلّت عليه عدّة نصوص.

(١) لأنّ مستند الحكم إن كان هو الإجماع فهو لا إطلاق له يشمله ، وإن كان هو المرسل فموضوعه إنّما هو الرجل وهو لا يصدق على الصغير.

(٢) وحاله حال الصغير إذا كان المستند هو الإجماع ، وأمّا إذا كان هو المرسل فإطلاقه لا بأس به ، غير أنّ حديث الرفع مانع من العمل به إذ لا يترتب على عمله حكم.

(٣) فإن كان المستند هو الإجماع فالأمر كما تقدم ، للشكّ في عموم موضوعه للمرأة بعد اندمال جرحها. ولا مجال لإثبات الحكم بالاستصحاب ، نظراً إلى أنّه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية ولا نقول بحجيته. مضافاً إلى تغيّر الموضوع بنظر العرف ، حيث إنّ الحكم كان ثابتاً للمرأة بوصف كونها مفضاة ، فلا يمكن إثباته للمرأة بعد زوال الوصف.

وإن كان المستند هو المرسل فلا بأس بإثبات التحريم فيها ، تمسكاً بإطلاق قوله : «ولم تحلّ له أبداً».

(٤) يجري فيه ما تقدم في الصورة السابقة حرفاً بحرف.

(٥) وتدلّ عليه صحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه ، ما فيه من الدية؟ فقال : «الدية كاملة». وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد ، فقال : «الدية كاملة» (١).

وما رواه الصدوق (قدس سره) بسنده الصحيح إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب ديات المنافع ، ب ٩ ح ١.

١٢٩

وفي الأَمة أقلّ الأمرين من قيمتها ودية الحرّة.

______________________________________________________

السلام) : أنه قضى في امرأة أُفضيت بالدية (١).

فهاتان الصحيحتان مضافاً إلى معتبرة غياث بن إبراهيم التي تقدم ذكرها في أوّل هذا الفصل حيث ورد فيها : «فإن فعل فعيبت فقد ضمن» (٢) وغيرها من الروايات المعتبرة التي دلّت على الضمان بحصول العيب تدلّان بإطلاقهما على ثبوت الدية بالإفضاء مطلقاً.

إلّا أنّه لا بدّ من تقييدها بما إذا لم يكن المفضي هو الزوج وكان الدخول بها بعد بلوغها تسع سنين ، وذلك لصريح صحيحة حمران والمؤيدة برواية بريد بن معاوية المتقدمتين حيث قال (عليه السلام) : «إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه». ثم إنّ من ملاحظة هذه الصحاح يتّضح المراد بالضمان في معتبرة غياث بن إبراهيم وغيرها ، وأنّه هو الدية كاملة ، فإن هذه النصوص تكون مفسِّرة لها كما لا يخفى.

هذا ولكن بإزاء هذه النصوص قد دلّت معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) : «انّ رجلاً أفضى امرأة فقومها قيمة الأَمة الصحيحة وقيمتها مفضاة ، ثم نظر ما بين ذلك فجعل من ديتها وأجبر الزوج على إمساكها» (٣) على الضمان بفرق قيمتها صحيحة ومفضاة ، فتكون معارضة للصحاح المتقدمة حيث دلّت على ضمانه الدية كاملة.

إلّا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ أحداً من الأصحاب لم يلتزم بمضمونها ، على أنّها موافقة لمذهب أكثر العامة على ما ذكره الشيخ (قدس سره) في الاستبصار (٤) فتحمل على التقيّة لا محالة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب ديات الأعضاء ، ب ٢٦ ح ١.

(٢) راجع ص ١٢٤ ه‍ ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، ب ٤٤ ح ٣.

(٤) الاستبصار ٤ : ٢٩٥.

١٣٠

وظاهر المشهور (١) ثبوت الدية مطلقاً وإن أمسكها ولم يطلقها ، إلّا أنّ مقتضى حسنة حمران وخبر بريد المثبتين لها عدم وجوبها عليه إذا لم يطلِّقها (*) (٢) والأحوط ما ذكره المشهور.

______________________________________________________

(١) وفي الجواهر : انّه لا إشكال بل لا خلاف معتد به (١).

(٢) وهو الصحيح. فإنّ المسألة ليست إجماعية جزماً ، فإنّ أكثر الأصحاب من القدماء لم يتعرضوا لهذه المسألة بالمرة فلا طريق لتحصيل آرائهم ، على أنّ تخصيص الحكم بالمطلقة ظاهر عبارات جملة منهم أو صريحها.

فقد ذكر الصدوق (قدس سره) صحيحة حمران المتقدمة في كتابه (من لا يحضره الفقيه) والدالة على التفصيل من دون أن يعلّق عليها شيئاً (٢) فإنّ ذلك بملاحظة ما ذكره (قدس سره) في أوّل كتابه من العمل بما يرويه (٣) يدلّ على العمل بها والفتوى بمضمونها.

كما يظهر ذلك من المحقق (قدس سره) في (نكت النهاية) حيث استدلّ على التفصيل بين الدخول قبل تسع سنين وبعده بصحيحة حمران ورواية بريد (٤) ، فإنّ ظاهر ذلك الالتزام بمضمونهما والعمل وفقاً لهما ، بل ذلك صريح الحدائق (٥).

وعليه فالمسألة ليست إجماعية. ومن هنا فلا يبقى وجه لترك العمل بصحيحة حمران الدالة على اختصاص الحكم بصورة طلاقه لها والمؤيدة برواية بريد بن معاوية.

وما في الجواهر من وجوب حملها على سقوط الدية عند الإمساك صلحاً بأن تختار المقام معه بدلاً عن الدية ، لأنّ الدية قد لزمته بالإفضاء بدلالة النص والفتوى فلا تسقط مجاناً من غير عوض (٦) ، فهو غريب منه (قدس سره) ، لإمكان أن يكون

__________________

(*) هذا هو الصحيح.

(١) الجواهر ٢٩ : ٤٢٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧٢ / ١٢٩٤.

(٣) الفقيه ١ : ٣.

(٤) راجع نكت النهاية ٢ : ٢٩٢.

(٥) الحدائق ٢٣ : ٦١٠.

(٦) الجواهر ٢٩ : ٤٢٢.

١٣١

ويجب عليه أيضاً نفقتها ما دامت حيّة (١) وإن طلّقها (٢) بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط (٣).

______________________________________________________

ثبوتها مشروطاً بالطلاق على نحو الشرط المتأخر ، فلا تثبت في صورة الإمساك.

والحاصل أنّ الصحيح في المقام هو الالتزام بالتفصيل وتخصيص الدية بما إذا لم يمسكها الزوج ، وإلّا فلا دية عليه لصريح صحيحة حمران المؤيدة برواية بريد بن معاوية.

(١) وهو محلّ وفاق في الجملة ، ولم ينقل فيه الخلاف عن أحد ، بل نسب إلى الشيخ في الخلاف دعوى إجماع الفرقة عليه (١).

وتدلّ عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع بها فأفضاها ، قال : «عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة» (٢).

(٢) خلافاً للإسكافي ، حيث التزم بسقوطها بالطلاق (٣). وإطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة حجة عليه ، إذ لا موجب لتقييدها بعدم الطلاق.

(٣) بل الأقوى ، لإطلاق الصحيحة المتقدمة.

ولا ينافيه وجوب نفقتها على الثاني بعد ظهور النص في الوجوب على الأوّل تعبداً وللإفضاء ، فلا يتنافى مع ثبوتها على الثاني للزوجية.

ومن هنا فمن الغريب ما صدر عن الشيخ (قدس سره) في الاستبصار من حمل هذه الصحيحة على الدخول بها بعد بلوغها تسع سنين ، جمعاً بينها وبين صحيحة حمران المؤيدة برواية بريد بن معاوية المتقدمتين الدالّتين على وجوب الدية عليه بذلك ، حيث تحملان على الدخول بها قبل تسع سنين. فيتحصل أنّ الدخول والإفضاء إن كان قبل بلوغها تسع سنين وجبت الدية خاصة ، وإن كان بعد بلوغها تسع سنين وجب الإجراء عليها ما دامت حيّة فقط (٤).

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٩٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب ٣٤ ح ٤.

(٣) ذكره السيد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى ١٤ : ٨٥.

(٤) الاستبصار ٤ : ٢٩٤.

١٣٢

[٣٦٩٦] مسألة ٣ : لا فرق في الدخول الموجب للإفضاء بين أن يكون في القُبل أو الدُّبر (١).

______________________________________________________

ووجه الغرابة أنّه لا قائل بوجوب الإنفاق إذا كان الإفضاء بعد بلوغها تسع سنين ، وقد صرح هو (قدس سره) بذلك في الخلاف وادّعى الإجماع عليه (١) فلا وجه لحمل هذه الصحيحة عليه. على أنّه لا منافاة بين هاتين الصحيحتين كي يحتاج إلى الجمع بينهما ، فإنّ كلّاً منهما إنّما تتكفّل بيان حكم إثباتي ، ومن الواضح أنّه لا منافاة بينهما فيلتزم بثبوتهما معاً.

نعم ، صحيحة الحلبي هذه الدالة على وجوب الإنفاق بالإفضاء مطلقة من حيث زمان دخوله بها ، ولا تختصّ بما إذا كان الإفضاء نتيجة الدخول بها قبل بلوغها تسع سنين ، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها وتقييدها بالدخول بها قبل بلوغها تسع سنين.

إما للإجماع على عدم وجوبه إذا كان ذلك بعد بلوغها ذلك الحد ، حيث لم يقل أحد بوجوب الإنفاق فيه إلّا الشيخ في الاستبصار.

وإما لمعارضته لقوله (عليه السلام) في صحيحة حمران المتقدمة : «إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه». فإنّ مقتضى وقوع النكرة في سياق النفي لما كان العموم ، كان مفاد هذه الجملة عدم وجوب شي‌ء على الإطلاق من الدية أو النفقة في إفضاء الكبيرة ، فتكون بذلك معارضة لإطلاق صحيحة الحلبي المثبت للنفقة في الكبيرة أيضاً.

وعليه فإن قلنا بترجيح دليل النفي لأظهريته فهو المطلوب ، وإلّا فيكفينا تساقطهما ، حيث أنّ مقتضى أصالة البراءة هو عدم الوجوب.

والحاصل أنّ ما أفاده الشيخ (قدس سره) من اختصاص الإجراء بالكبيرة في قبال اختصاص الصغيرة بالدية ، زلة من قلمه الشريف ولا يمكن المساعدة عليه.

(١) لإطلاق النصوص ، حيث أنّ موضوع الحكم هو حصول الإفضاء بالدخول من دون تقييد بكونه من جهة معينة.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٩٥.

١٣٣

والإفضاء أعم (١) من أن يكون باتحاد مسلكي البول والحيض ، أو مسلكي الحيض والغائط ، أو اتحاد الجميع ، وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأوّل.

[٣٦٩٧] مسألة ٤ : لا يلحق بالزوجة في الحرمة الأبدية على القول بها ووجوب النفقة المملوكة ، والمحلّلة ، والموطوءة بشبهة أو زنا ، ولا الزوجة الكبيرة (٢).

نعم ، تثبت الدية في الجميع عدا الزوجة الكبيرة (*) (٣) إذا أفضاها بالدخول

______________________________________________________

(١) وهو الصحيح بعد أن لم يرد في النصوص تفسير له كي يكون ذلك المعنى حقيقة شرعية له ، ومن هنا فلا بدّ من حمله على معناه اللغوي ، وهو إيجاد الفضوة وجعل الشي‌ء متسعاً ، على ما ذكره الزمخشري (١).

ومن الواضح أنّ ذلك يصدق على مطلق اتحاد المسلكين من دون تحديد لهما بمسلكي البول والحيض ، أو مسلكي الحيض والغائط ، أو مسلكي البول والغائط على ما قيل وإن كان تحققه في الخارج ممنوعاً ، حيث لا يتصوّر اتحاد مسلكي البول والغائط من دون اتحادهما مع مسلك الحيض أيضاً حيث أنّه يتوسطهما.

ويدلّ على ما ذكرناه التعبير بالعيب في لسان عدّة من النصوص مع الحكم بالضمان فيها (٢) ، ومن الواضح أنّ العيب يشمل بإطلاقه جميع الأقسام المذكورة.

كما يشهد له عدم التعرّض للسؤال عن معنى الإفضاء ، وعدم تعرّض الإمام (عليه السلام) لتفسيره مع وقوعه في ألسنة الأخبار كثيراً ، فإنّه إنْ كشف عن شي‌ء فإنّما يكشف عن كون المتفاهم منه هو معناه اللغوي العرفي.

ومن هنا يظهر الحال في سائر الأقوال المذكورة في المسألة حيث لا دليل على شي‌ء منها.

(٢) اقتصاراً فيما خالف القاعدة على مورد النص وهو الزوجة الصغيرة ، فإنّ التعدي عنه يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

(٣) لصريح صحيحة حمران المتقدمة ، حيث قال (عليه السلام) : «إن كان دخل بها

__________________

(*) وعدا المملوكة ، إلّا معنى لوجوب الدية على المالك.

(١) الفائق في غريب الحديث ٣ : ٤٤٣.

(٢) راجع الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ب ٤٥ ح ٥ ٨.

١٣٤

بها حتى في الزنا وإن كانت عالمة مطاوعة وكانت كبيرة (١).

وكذا لا يلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع ونحوه (٢) فلا تحرم عليه مؤبداً. نعم ، تثبت فيه الدية (٣).

[٣٦٩٨] مسألة ٥ : إذا دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولا تثبت الدية (٤) كما مرّ ، ولكن الأحوط (٥) الإنفاق عليها ما دامت حيّة.

______________________________________________________

ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه» والمؤيدة برواية بريد بن معاوية.

وكان عليه (قدس سره) استثناء المملوكة أيضاً ، إذ لا معنى لكون مولاها ضامناً لنفسه.

(١) لإطلاق صحيحتي سليمان بن خالد والصدوق (قدس سره) المتقدمتين (١) ، فإنّ مقتضى إطلاقهما عدم الفرق في ثبوت الدية بين كون المفضاة صغيرة أو كبيرة ، كان الدخول شرعياً أم زنا ، ولم يثبت ما يعارضهما أو يقيّد إطلاقهما.

(٢) لعدم الدليل عليه.

(٣) وذلك لأنّ الدية مترتبة على الإفضاء بما هو جناية من دون التقييد بسبب خاص ، وهو متحقق في المقام.

وذكر السبب في صحيحة سليمان بن خالد حيث قال السائل : (رجل وقع بجارية فأفضاها) لا يدل على اختصاص الحكم به وانحصار السبب فيه كما هو واضح ، إذ أنّه لا ينافي ترتب الدية على الإفضاء الحاصل بغير ذلك السبب ، بعد أن كانت الدية مترتبة عليه بما هو جناية.

(٤) لصحيحة حمران المؤيدة برواية بريد المتقدمتين. وقد عرفت أنّ إطلاقها وإن كان معارضاً بإطلاق صحيحة سليمان بن خالد المثبتة للدية ، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الثانية ، إما لترجيح إطلاق الأُولى لأظهريتها ، أو لتساقطهما والرجوع إلى أصالة البراءة في دية الزوجة الكبيرة المفضاة.

(٥) الأولى ، حيث أنّه مسبوق بالفتوى بعدم الوجوب في المسألة السابقة.

__________________

(١) راجع ص ١٢٩ ه‍ ١ ، ٢.

١٣٥

[٣٦٩٩] مسألة ٦ : إذا كان المفضي صغيراً أو مجنوناً ، ففي كون الدية عليهما أو على عاقلتهما إشكال ، وإن كان الوجه الثاني لا يخلو عن قوة (١).

______________________________________________________

(١) بل هو المتعيّن ، وذلك لأنّ مقتضى قوله تعالى (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) (١) هو ثبوت القصاص في الجنايات مطلقاً.

إلّا أننا وبفضل الأدلّة الواردة في باب الجنايات قد خرجنا عن هذا الإطلاق حيث قيّد بما إذا كان القصاص ممكناً ، وكانت الجناية عمدية. وأما في غيرها فإن كانت الجناية شبيهة بالعمد ، أو كان القصاص غير ممكن ، فالدية يتحملها الجاني نفسه. وإن كانت الجناية خطأ فالدية أيضاً إلّا أنّها يتحملها العاقلة ، بمعنى أنّه يجب عليهم فكّ ذمة الجاني تكليفاً.

وهذا هو الثابت في باب الجنايات على نحو الكلية ، إلّا أنّه قد وردت عدّة نصوص لفرض بعض الصغريات تعبداً ، نظير ما ورد في الصبي من أنّ عمده وخطأه واحد (٢) وقريب منه ما ورد في المعتوه (٣). وحيث أنّ هذه الأدلّة تكون حاكمة على تلك ، فلا بدّ من رفع اليد عما ثبت بنحو الكلية في باب الجنايات في هذه الموارد ، والعمل على وفق هذه الأدلّة ، فيكون الحاصل أنّ جناية الصبي والمجنون تكون على العاقلة مطلقاً.

نعم ، ذكر بعضهم أنّه لا يمكن تصوّر الإفضاء الخطائي ، فإنّه إما يقع عمداً أو شبه عمد. إلّا أنّه كما تراه في حيّز المنع ، فإنّه يتحقق فيمن يقصد التفخيذ فيدخل بها خطأ كما يتحقق فيما لو رمى المكلف سهماً فأصاب امرأة فأفضاها ، فإنّه يتحقق به الإفضاء الخطائي كما هو واضح ، وإن كان تحقّق الثاني في الخارج نادراً ، إلّا أنّ الندرة لا تؤثر شيئاً بعد أن كانت الأحكام الشرعية على نحو القضايا الحقيقية لا الخارجية.

ثم لا يخفى أنّ ثبوت الدية على العاقلة في الجناية الخطئية ليست بمعنى وجوبها

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٤٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، ب ١١.

(٣) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، ب ١١.

١٣٦

[٣٧٠٠] مسألة ٧ : إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب آخر غير الإفضاء ضمن أرشه (١). وكذا إذا حصل مع الإفضاء عيب آخر يوجب الأرش أو الدية ضمنه مع دية الإفضاء (٢).

[٣٧٠١] مسألة ٨ : إذا شكّ في إكمالها تسع سنين لا يجوز له وطؤها ، لاستصحاب الحرمة (*) السابقة (٣). فإن وطأها مع ذلك فأفضاها ، ولم يعلم بعد ذلك أيضاً كونها حال الوطء بالغة أو لا ، لم تحرم أبداً ولو على القول بها ، لعدم إحراز

______________________________________________________

عليهم وضعاً ، وعدم اشتغال ذمة الجاني بها أصلاً ، وإنّما هو بمعنى اشتغال ذمة الجاني بها أوّلاً وبالذات ، إلّا أنّه يجب على العاقلة تفريغ ذمته وجوباً تكليفياً ، ومن هنا فلو عصوا وتخلّفوا كان الجاني ملزماً بدفعها من ماله.

(١) ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «من وطِئ امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن» (١).

وفي صحيحته الأُخرى عنه (عليه السلام) أيضاً : «إنّ من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن» (٢). إلى غيرهما من الروايات المعتبرة الدالة صريحاً على الضمان بحصول العيب.

(٢) لما دلّ على ثبوت الدية بالإفضاء والأرش بالعيب ، على ما تقدم بيانه.

(٣) بل لاستصحاب الموضوع أعني عدم بلوغها تسع سنين فإنّه مقدم على استصحاب الحكم ، لتقدّم الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبّب.

بل لا مجال للتمسك باستصحاب الحكم فيما نحن فيه ، لعدم اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ، حيث أنّ موضوع الحكم ليس هو ذات الجارية وإنّما هو الجارية بوصف عدم بلوغها تسع سنين ، ولمّا كان هذا الوصف من مقوّمات الموضوع ، فلا يمكن استصحاب الحكم عند عدم إحرازه ، لاختلاف الموضوع بنظر العرف.

__________________

(*) بل لاستصحاب عدم البلوغ وكون المرأة في أقلّ من تسع سنين ، ويترتّب عليه جميع الآثار.

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٤٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٤٥ ح ٨.

١٣٧

كونه قبل التسع (١)

______________________________________________________

(١) وفيه : أنّ عنوان القبلية لا يحتمل أخذه في الموضوع وصفاً بحيث يكون له دخل فيه ، وإنّما المراد به الزمان الذي لم تكن المرأة بالغة فيه ، وهو يمكن إثباته بالاستصحاب ، فإنّها قبل الشكّ لم تكن بالغة جزماً فيستصحب ذلك ، وبه يثبت الموضوع ويترتب عليه الحكم.

والوجه فيما ذكرناه أنّ القبلية والبعدية عنوانان متضايفان ، فلا يعقل تحقّق أحدهما دون تحقّق الآخر ، فكلما فرض تحقّق أحدهما تحقق الآخر قهراً ، كما أنّ استحالة أحدهما يعني استحالة الآخر أيضاً.

ومن هنا فإذا فرض كون عنوان القبلية وصفاً للموضوع ، فلا بدّ وأن يفرض تحقق عنوان البعدية في الخارج أيضاً ، للتلازم بينهما على ما عرفت. وحيث أنّ من الضروري بطلان ذلك ، إذ يمكن موتها بعد الدخول بها وقبل بلوغها تسع سنين فلا يمكن القول بأنّ القبلية مأخوذة في النص وصفاً للموضوع ، لأنّ لازم ذلك القول بعدم حرمة الفعل حينئذ ، لعدم تحقق البعدية الملازم لعدم تحقّق القبلية أيضاً ، وهو لا يمكن القول به فإنّه مقطوع البطلان.

ويظهر ذلك بوضوح من قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلّا أنّ هذه قبل هذه (١). فإنّه لا يحتمل أن يكون المراد بالقبلية فيها دخله في موضوع الحكم ، بحيث لو صلّى الظهر وترك العصر لحكم ببطلان صلاته لعدم تحقق البعدية فإنّه لا يمكن القول به ، بل المراد بالقبلية فيها كون صلاة الظهر في مرحلة سابقة وزمان سابق عن صلاة العصر.

ومن هنا فلا مانع من إحراز موضوع الحرمة الأبدية على القول بها بالاستصحاب ، فإنها في الزمان السابق لم تكن بالغة ، وعند الشكّ يستصحب عدم بلوغها ، وبه يثبت الحكم بالحرمة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، ب ١٦ ح ٢٤.

١٣٨

والأصل لا يثبت ذلك. نعم ، يجب عليه الدية (١) والنفقة عليها ما دامت حيّة (٢).

[٣٧٠٢] مسألة ٩ : يجري عليها بعد الإفضاء جميع أحكام الزوجة (٣) من حرمة الخامسة ، وحرمة الأُخت ، واعتبار الإذن في نكاح بنت الأخ والأُخت ،

______________________________________________________

هذا إذا كان مستند التحريم هو مرسل يعقوب بن يزيد المتقدِّم (١). وأما إذا كان المستند هو الإجماع أو الشهرة المحققة على ما قيل ، فلا مانع من التمسك بالاستصحاب لإثبات موضوعها أيضاً. فإنّ الظاهر من كلماتهم بل المطمأنّ به أن موضوع الحرمة الأبدية إنّما هو بعينه موضوع حرمة الوطء ، حيث ذكروا أنّ الجارية الصغيرة لا يجوز وطؤها فإذا فعل حرمت عليه مؤبداً. وعليه فإذا ثبت الحكم بحرمة وطء المشكوكة لإحراز موضوعه بالاستصحاب ، ثبت الحكم بالحرمة الأبدية أيضاً ، لاتحاد موضوعهما.

(١) إذ لم يؤخذ في موضوعها على ما ورد في صحيحة حمران عنوان القبلية وإنّما الموضوع هو عدم بلوغها تسع سنين ، وهو ممكن الإحراز بالاستصحاب.

نعم ، قد أخذ عنوان القبلية في موضوعها في رواية بريد بن معاوية ، إلّا أنّها ضعيفة لا تصلح للاستناد إليها. وعلى فرض تماميتها يجري فيها ما تقدم في مرسل يعقوب بن يزيد.

(٢) والأمر فيه أوضح مما تقدم. فإنّ موضوع الإجراء بحسب ما ورد في صحيحة الحلبي إنّما هو مطلق الجارية ، غاية الأمر قد خرجنا عن إطلاقها لما دلّ على أنّ الدخول إذا كان بعد بلوغها تسع سنين فلا شي‌ء عليه. ومن هنا فإذا شكّ في اتصافها بعنوان المخصص استصحب العدم ، وبه يكون مشمولاً للعموم.

(٣) والحكم بناءً على القول بعدم الحرمة الأبدية وعدم زوال الزوجية واضح ، إذ لا موجب حينئذ للشكّ في عدم ترتب أحكام الزوجية.

كما أنّه بناءً على القول بثبوت الحرمة الأبدية وزوال الزوجية واضح أيضاً ، حيث لا موجب للقول بترتب أحكام الزوجية عليها.

__________________

(١) راجع ص ١٢٧ ه‍ ١.

١٣٩

وسائر الأحكام ، ولو على القول بالحرمة الأبدية ، بل يلحق به الولد (١) وإن قلنا بالحرمة ، لأنّه على القول بها يكون كالحرمة حال الحيض (٢).

[٣٧٠٣] مسألة ١٠ : في سقوط وجوب الإنفاق عليها ما دامت حيّة بالنشوز إشكال (٣) لاحتمال كون هذه النفقة لا من باب إنفاق الزوجة ، ولذا تثبت بعد الطلاق ، بل بعد التزويج بالغير. وكذا في تقدّمها على نفقة الأقارب (٤).

______________________________________________________

وأما بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من التفصيل بين الحرمة الأبدية وزوال الزوجية حيث التزم بثبوت الأوّل دون الثاني ، فالأمر كما ذكره (قدس سره) في المتن من جريان جميع أحكام الزوجية عليها ، وذلك لأن المفضاة زوجة ومقتضى إطلاق أدلة أحكام الزوجية ترتبها على هذه أيضاً.

(١) لما ورد من «أن الولد للفراش ، وللعاهر الحجر» (١) ، وحيث أنّ المفضاة زوجة فهي فراش له ، ومن هنا فيحكم بكون الولد المشكوك له أيضاً.

(٢) حيث لا تنافيها كون الحائض فراشاً ، والحكم بلحوق الولد المشكوك به.

(٣) والأقوى هو وجوب الإنفاق وعدم سقوطه ، وذلك لأنّ النشوز إنّما يوجب سقوط وجوب الإنفاق الثابت بالزوجية ، وأما وجوب الإنفاق الثابت بالإفضاء فلا موجب لسقوطه ، بل إنّ مقتضى إطلاق دليله عدم الفرق في ثبوت الحكم بين النشوز وعدمه. ويشهد له ما ذكره (قدس سره) في المتن من ثبوت النفقة بعد الطلاق ، بل بعد التزويج من الغير أيضاً.

(٤) ذكر الأعلام (قدس سرهم) في باب الإنفاق أنّ نفقة الزوجة مقدمة على نفقة سائر الأقارب ممن يجب نفقتهم عليه ، وهو وإن لم يدل عليه نص خاص إلّا أنّه متسالم عليه بينهم فلا بدّ من الالتزام به ، لأنّه من موارد دوران الأمر بين التخيير والتعيين حيث لا قائل بتقديم نفقة الأقارب على نفقتها ، ومن الواضح أنّ مقتضى القاعدة في تلك الموارد من التزاحم هو التعيين لاحتمال أهميته.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٩٢ ح ٣ ، ٧ : ١٦٣ ح ١ و ٣ ، الفقيه ٤ : ٣٨ ح ٥٨١٢.

١٤٠