موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وإذا شكّ في كونها زوجة أو لا فيجري مضافاً إلى ما ذكر من رجوعه إلى الشكّ في الشرط أصالة عدم حدوث الزوجية (١). وكذا لو شكّ في المحرمية من باب الرضاع.

نعم ، لو شكّ في كون المنظور إليه أو الناظر حيواناً أو إنساناً ، فالظاهر عدم وجوب الاحتياط (*) ، لانصراف عموم وجوب الغضّ إلى خصوص الإنسان (٢).

وإن كان الشكّ في كونه بالغاً أو صبياً أو طفلاً مميزاً أو غير مميز ، ففي وجوب الاحتياط وجهان (**) : من العموم على الوجه الذي ذكرنا ، ومن إمكان دعوى الانصراف ، والأظهر الأوّل (٣).

______________________________________________________

فإن الذي بلحاظه لا تكون للصفات الذاتية حالة سابقة إنّما هو الأوّل خاصة ، وأما بلحاظ الثاني الذي هو الملاك في الاستصحاب فهي مسبوقة بالعدم لا محالة ، فإنّ هذا الموجود في الخارج المشكوك فيه لم يكن وجوداً لرجل أو امرأة أو حجر أو غير ذلك من العناوين قبل وجوده ، فإذا وجد علم بوجود الإنسان في الخارج وبقي الشكّ في اتصافه بالرجولية عند تحققه ، فيستصحب عدمه لا محالة.

والحاصل أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين كون الصفة المشكوكة من قبيل الذاتيات أو كونها من العرضيات ، إذ الاستصحاب إنّما هو بلحاظ الوجود الخارجي وانقلاب العدم إلى الوجود ، لا بلحاظ الحمل الأولي الذاتي.

(١) المعبّر عنها باستصحاب العدم النعتي ، فإنّ الذات بعد وجودها لم تكن موصوفة بذلك الوصف ، فإذا شكّ في اتصافها به استصحب عدمه من دون أن تكون هناك حاجة إلى التمسك باستصحاب العدم الأزلي.

(٢) فتكون الشبهة موضوعية ، ومقتضى أصالة البراءة هو الجواز.

(٣) وفيه : أنّه لو سلمنا تمامية قاعدة المقتضي والمانع وأنّه لا بدّ من إحراز شرط الجواز ، إلّا أنّها لا تجري في المقام ، إذ إنّ شرط الجواز محرز بالاستصحاب. فإنّ

__________________

(*) بل الظاهر وجوب التستّر على المرأة في غير الوجه والكفّين في هذه الصورة.

(**) أظهرهما عدم الوجوب للاستحباب.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

المنظور إليه كان غير بالغ ، وكان صبياً غير مميز ، فإذا شكّ في بلوغه أو تمييزه استصحب بقاؤه على الوصف السابق كما هو الحال في باقي موارد الشبهات الموضوعية ، كالشكّ في طلاق الزوجة.

وبالجملة فإنّ الاستصحاب يرفع موضوع القاعدة المذكورة ويثبت شرط الجواز.

هذا كلّه بناء على ثبوت عموم يقتضي حرمة النظر مطلقاً إلّا ما خرج بالدليل ، على ما استفاده الماتن (قدس سره) من قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ).

وأما بناءً على ما ذكرنا من أنّ هذه الآية الكريمة غير ناظرة إلى حرمة النظر وإن استفدنا ذلك من أدلّة أُخرى كقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) وإنّما هي ناظرة إلى صرف النظر وقطعه عن الجنس الآخر ، من دون أن يكون لها نظر إلى حرمة نظر الرجل إلى كل أحد إلّا ما استثني ، فيختلف الحال بالنسبة إلى كثير من الأُصول المتقدمة.

فإن كان الشكّ في كون المرأة المنظور إليها محرماً أو غير محرم ، فالحكم كما تقدم فلا يجوز النظر إليها ، لأنّ مقتضى استصحاب العدم الأزلي هو عدم اتصافها بالمحرمية فتكون من أفراد المستثنى منه لا محالة.

وإن كان الشكّ في كون المنظور إليه مماثلاً له وعدمه ، فالظاهر جواز النظر إليه ، إذ بعد فرض عدم وجود عموم يفيد حرمة نظر الرجل إلى كل أحد إلّا ما استثني ، يكون موضوع حرمة النظر هي المرأة خاصة ، فإذا شكّ في تحققه كان مقتضى استصحاب العدم الأزلي عدم تحققه. ومع قطع النظر عنه فمقتضى أصالة البراءة هو الجواز.

ويظهر من كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) التسالم على هذا الحكم ، حيث نقض به كلام المحقق الثاني (قدس سره) حين التزم بعدم جواز النظر إلى الخنثى المشكل بدعوى أنّ من المحتمل كونها امرأة فلا يجوز النظر إليها مقدمة لتحصيل فراغ الذمّة فأورد عليه (قدس سره) بأنّ الشكّ شكّ في التكليف ، فلا يكون مجرى لقاعدة الاشتغال (١). فيظهر من إيراده هذا أنّ الحكم متسالم عليه بينهم ، وإلّا فلا وجه لجعله نقضاً عليه.

__________________

(١) جامع المقاصد ١٢ : ٤٢.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى كلّ فما أفاده (قدس سره) هو الصحيح ، لأنّ موضوع الحكم بحرمة النظر إليه على ما عرفت هو المرأة ، فمع الشكّ في تحققه يمكن التمسك بأصالة البراءة ، أو استصحاب العدم الأزلي.

وأولى من هذه الصورة بالجواز ما إذا كان الشكّ في أنّ المنظور إليه إنسان أو غيره فإنه ليس هناك عموم يقتضي حرمة النظر إلى كل شي‌ء ، إذ أنّه على تقدير ثبوته فهو إنّما يقتضي حرمة النظر إلى كل إنسان إلّا ما أخرج بالدليل. وعليه فمع الشكّ في تحقق الموضوع يكون المورد مجرى البراءة ، كما يمكن إثبات عدم تحقق الموضوع بالتمسك باستصحاب العدم الأزلي.

وأما باقي الصور فحكمها لا يختلف ، نتيجة القول بعدم وجود عموم يقتضي حرمة نظر الرجل إلى كل أحد ، فإنّ مقتضى استصحاب العدم النعتي هو عدم حدوث الزوجية فيما إذا كان الشكّ فيها فلا يجوز النظر إليها ، كما أنّ مقتضاه هو عدم البلوغ أو التمييز فيما إذا كان الشكّ فيهما فيجوز النظر إليهما.

هذا كلّه بالنسبة إلى نظر الرجل أو المرأة إلى من يشكّ في جواز النظر إليه. وأما بالنسبة إلى وجوب التستّر على المرأة فيما إذا شكّت في كون الطرف مماثلاً أو من محارمها ، أو شكّت في حدوث سبب يسوغ الإبداء كالزوجية أو المصاهرة أو الرضاع أو شكّت في كونه إنساناً أو غيره ، فيختلف الحكم في ذلك.

أما في الفرضين الأولين ، فلا يخفى أنّ مقتضى استصحاب العدم الأزلي في الأوّل أعني الشكّ في المماثلة أو المحرمية هو عدم اتصاف الموجود في الخارج بعنوان المستثنى ، وعليه فيبقى تحت عنوان المستثنى منه ، ومقتضى عموم حرمة إبداء الزينة هو وجوب الستر عليها.

كما أنّ مقتضى استصحاب العدم النعتي في الثاني هو عدم حدوث السبب المسوغ للإبداء ، فيجب عليها الستر لا محالة.

وأما في الفرض الثالث ، فلا بدّ من التفصيل بين الوجه واليدين وبين سائر الأعضاء. فلا يجب التستّر في الأولين لقوله تعالى (إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها) حيث استفدنا منه عدم وجوب سترهما ، وإن حرم عليها إبداؤهما لغير ما استثني ، ومن هنا فلما لم

١٠٣

[٣٦٨٣] مسألة ٥١ : يجب على النساء التستّر (١) كما يحرم على الرجال النظر (٢) ولا يجب على الرجال التستّر (٣) وإن كان يحرم على النساء النظر (*) (٤).

نعم ، حال الرجال بالنسبة إلى العورة حال النساء (٥) ويجب عليهم التستّر (**) مع العلم بتعمد النساء في النظر ، من باب حرمة الإعانة على الإثم (٦).

______________________________________________________

تحرز كون الناظر إليها إنساناً فلا يجب عليها التستّر بخلاف سائر أعضاء البدن ، حيث استفيد من قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها) حرمة إظهارها مع قطع النظر عن وجود الناظر ، وإنّ حالها حال عورة الرجل فيحرم جعلها في معرض نظر الغير ويجب سترها في نفسه ، وعليه فيكفي في وجوب الستر عليها احتمال وجود الإنسان أو كون الموجود إنساناً.

(١) لقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) على ما تقدّم بيانه مفصّلاً.

(٢) لما تقدّم من أنّه مقتضى النهي عن إبداء الزينة.

(٣) جزماً ، بل جوازه من الضروريات التي قامت السيرة القطعية عليه.

(٤) وقد تقدّم الكلام فيه ، حيث عرفت أنّ مقتضى السيرة العملية القطعية هو الجواز فيما هو المتعارف في الخارج كالوجه واليدين والرأس والرقبة والقدمين فإنّ النساء ينظرن إلى الرجال ولو من وراء حجابهن من دون أن يثبت ردع عن ذلك.

(٥) حيث يجب سترها جزماً ، للنصوص الصحيحة الدالّة عليه ، وقد تقدّم الكلام فيه مفصّلاً في بحث التخلي من كتاب الطهارة.

(٦) والصحيح هو التفصيل في المقام بين ما إذا كان الرجل قاصداً بكشفه نظر المرأة إليه ، وبين ما إذا لم يكن قاصداً لذلك.

ففي الأول : يجب التستّر ويحرم عليه الكشف ، لأنّه بفعله مسبب للحرام ، ومتعاون

__________________

(١) مرّ الكلام فيه [في المسألة ٣٦٦٣].

(٢) على الأحوط.

١٠٤

[٣٦٨٤] مسألة ٥٢ : هل المحرّم من النظر ما يكون على وجه يتمكّن من التمييز بين الرجل والمرأة وأنّه العضو الفلاني أو غيره ، أو مطلقه؟ فلو رأى الأجنبية من بعيد بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها ، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلاً أو امرأة بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً ، هل هو حرام أو لا؟ وجهان الأحوط الحرمة (١).

______________________________________________________

على عمل مبغوض للمولى.

وفي الثاني : فالحكم بالحرمة لا يخلو من إشكال بل منع ، لعدم صدق الإعانة أولاً.

وعلى تقدير صدقها فلا دليل على حرمة مطلق الإعانة على الإثم ، فإنّ الدليل مختص بإعانة الظالمين فلا يشمل غيرهم ، بل السيرة قائمة على الجواز في غير ذلك المورد من موارد ترتب المحرم على فعل المكلف في الخارج ، إذ لا يحتمل القول بحرمة بيع الخباز الخبز ممن يفطر به في شهر رمضان متعمداً ، وكذا صاحب السيارة أو السفينة إذا حمل من هو في سفر معصية إلى غير ذلك من الأمثلة ، بل المحرم هو التعاون على الإثم ومن الواضح أنّه غير الإعانة ، فإنّه إنّما يتحقق بالاشتراك في الإتيان بالمحرم بحيث يكون له دور القيام ببعض الأجزاء والمقدمات ، وفي غيره لا دليل على الحرمة.

(١) وهو إنّما يتمّ بناءً على ما اختاره (قدس سره) من كون مستند عدم الجواز هو قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) فإنّ مقتضى إطلاقها ثبوت الحكم ، سواء أأمكن التمييز أم لم يمكن.

وأما بناء على ما اخترناه من كون المستند قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) فلا يبعد دعوى توقّف صدق النظر إلى الزينة وإبدائها على التمييز ، إذ لا يصدق النظر إلى ذراع المرأة مثلاً إذا لم يمكنه تمييزه.

وعليه فالحكم بالحرمة فيما إذا لم يميز أعضاءها فضلاً عما إذا لم يمكنه تمييز كونها رجلاً أو امرأة ، أو لم يمكنه تمييز كونها إنساناً أو جماداً مشكل جدّاً.

نعم ، لا بأس بالاحتياط بالترك.

١٠٥

فصل

فيما يتعلّق بأحكام الدّخول على الزّوجة

وفيه مسائل

[٣٦٨٥] مسألة ١ : الأقوى وفاقاً للمشهور جواز وطء الزوجة والمملوكة دبراً على كراهة شديدة (١)

______________________________________________________

فصل

فيما يتعلّق بأحكام الدّخول على الزّوجة وفيه مسائل

(١) والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

الأوّل : ما يستفاد من الآيات الكريمة.

الثاني : المستفاد من النصوص.

أمّا المقام الأول : فقد ادُّعي استفادة الجواز من قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) (١).

بدعوى أنّ كلمة «أَنَّى» مكانية ، فتدلّ على جواز إتيان النساء في أي مكان منها فتكون دليلاً على جواز وطئها دبراً.

إلّا أنّه ضعيف ، فإنّ كلمة «أَنَّى» ليست مكانية وإنّما هي زمانية صرفة ، كما يظهر ذلك من ملاحظة الآية السابقة ، حيث قال تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٢).

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٢٣.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّها تدلّ على أنّ الممنوع إنّما هو إتيان النساء زمان حيضهن وفي تلك الحالة ، وأمّا في غيرها فيجوز إتيان الزوجة في أي وقت شاء الرجل.

على أنّه لو سلمنا كونها مكانية ، فهي لا تدلّ على جواز إتيان المرأة في كل عضو وكل مكان في بدنها ، بحيث يقال بجواز إتيانها في اذنها أو فمها أو أنفها ، بل هي إنّما تدل على عدم اختصاص الجواز بمكان خارجي دون آخر ، كما هو أوضح من أن يخفى.

على أنّ كلمة ال «حَرْث» المذكورة تدلّ بوضوح على اختصاص جواز الوطء بالقبل ، فإنّه محل الحرث دون غيره ، فالأمر بإتيان الحرث أمر بإتيانهن من القبل ، كما يظهر ذلك بملاحظة الأمثلة العرفية. فإنّ المولى إذا أعطى الحب لعبده وأمره بحرثه أينما شاء ، أفهل يحتمل أن يكون مراده وضعه في أي مكان كان ولو في البحر أو النهر؟ كلّا فإنّ من الواضح اختصاص ذلك بما يقبل الحرث والزرع وليس ذلك سوى الأرض.

وعليه فيظهر أنّه لا مجال لاستفادة الجواز من هذه الآية.

وفي قبال هذا القول فقد استدلّ للحرمة بقوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ).

بدعوى انّها تدل على عدم جواز الوطء في الدبر ، لأنّه ليس مما أمر به الله سبحانه ، بل الذي أمر به على ما عرفت من قوله تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) هو إتيانهنّ في القبل ، لأن القيد وإن لم يكن له مفهوم على ما تقرر في الأُصول إلّا أنّه لما كان ظاهراً في الاحتراز استفيد منه عدم ثبوت الحكم أعني الجواز في المقام لمطلق الإتيان والوطء ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن وهو الإتيان في غير الدّبر ، فلا يكون الإتيان في الدّبر مما أمر به الله سبحانه.

وأمّا المقام الثاني : فالنصوص الواردة فيه على طائفتين :

الأُولى : ما تدلّ على الجواز.

الثانية : ما تدلّ على عدم الجواز.

أمّا الطائفة الأُولى : فهي عدّة روايات إلّا أنّ أكثرها ضعيفة سنداً ، بل بعضها مقطوعة البطلان ، على ما سيأتي توضيحه.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : رواية يونس بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّي ربّما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها ، ونذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعليَّ صدقة درهم وقد ثقل ذلك عليَّ ، فقال : «ليس عليك شي‌ء وذلك لك» (١).

وهي مقطوعة البطلان مع قطع النظر عن سندها ، إذ لا موجب للحكم ببطلان نذره وأنّه لا شي‌ء عليه بعد ما كان متعلّقه أمراً راجحاً ، فإن الوطء في الدّبر مرجوح بلا خلاف فيكون تركه أمراً راجحاً.

ومنها : رواية علي بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «إذا أتى الرجل المرأة في الدّبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل» (٢).

وهي كسابقتها في ضعف السند والبطلان ، حيث لم يقل بمضمونها أحد من المسلمين قاطبة.

ومنها : معتبرة حماد بن عثمان عن ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : «لا بأس به» (٣).

ومنها : معتبرة عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : «لا بأس إذا رضيت». قلت : فأين قول الله عزّ وجلّ (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)؟ قال : «هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) (٤).

وهذه الرواية معتبرة سنداً وإن عبّر عنها في بعض الكلمات بالخبر ، فإنّ علي بن أسباط وإن كان فطحياً إلّا أنّه ممّن وثّقه النجاشي (قدس سره) ، بل ذكر أنّه قد رجع

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٣ ح ٩.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٣ ح ٥.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٣ ح ٢.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن ذلك إلى مذهب الحق (١) ، كما أنّ محمد بن حمران النهدي ثقة جزماً (٢).

ومنها : معتبرة علي بن الحكم ، قال : سمعت صفوان يقول : قلت للرضا (عليه السلام) : إنّ رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك عنها ، قال : «ما هي»؟ قال : قلت : الرجل يأتي امرأة في دبرها؟ قال : «نعم ذلك له». قلت : وأنت تفعل ذلك؟ قال : «لا ، إنّا لا نفعل ذلك» (٣).

الطائفة الثانية : فكمعتبرة معمر بن خلاد ، قال : قال لي أبو الحسن (عليه السلام) : «أي شي‌ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن»؟ قلت : إنّه بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأساً ، فقال : «إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله عزّ وجلّ (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) من خلف أو قدام خلافاً لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن» (٤).

فإن إنكاره (عليه السلام) لنفي أهل المدينة البأس عنه ، وتفسيره للآية الكريمة بأنّ المراد إتيانهن من خلف أو قدّام لا وطؤهن في أدبارهن ، يكشف عن ثبوت البأس فيه كما هو واضح.

وهاتان الطائفتان متعارضتان ، ولا يمكن الجمع بينهما بحمل الثانية على الكراهة إذ قد عرفت أنّ الملاك في الجمع العرفي هو إمكان جمع الجوابين في جملة واحدة من دون تهافت أو تناقض ، وهو غير موجود فيما نحن فيه إذ لا يمكن الجمع بين «لا بأس به» و «به بأس» في كلام واحد. وعليه فلو لم يمكن جمعهما بشكل آخر ، كان اللّازم الرجوع إلى الكتاب العزيز والقول بعدم الجواز مطلقاً.

إلّا أن مقتضى معتبرة عبد الله بن أبي يعفور هو الجمع فيهما بحمل الاولى على صورة رضاها ، وحمل الثانية على صورة عدم رضاها ، حيث أنّها دلّت على الجواز في

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥٢ ترجمة برقم ٦٦٣.

(٢) معجم رجال الحديث ١٧ : ٤٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٣ ح ١.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٢ ح ١.

١٠٩

بل الأحوط تركه (*) ، خصوصاً مع عدم رضاها بذلك (١).

[٣٦٨٦] مسألة ٢ : قد مرّ في باب الحيض الإشكال في وطء الحائض دبراً (٢) وإن قلنا بجوازه في غير حال الحيض.

[٣٦٨٧] مسألة ٣ : ذكر بعض الفقهاء ممن قال بالجواز ، أنّه يتحقق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطئها دبراً ، وهو مشكل (٣) لعدم الدليل على وجوب تمكينها في كل ما هو جائز من أنواع الاستمتاعات حتى يكون تركه نشوزاً (٤).

______________________________________________________

الصورة الأُولى ، فيكون مفهومها عدم الجواز في الصورة الثانية قهراً ، وبذلك تنحل مشكلة التعارض بينهما.

وعليه فلا بدّ من الالتزام بالتفصيل بين صورة رضاها وصورة عدم رضاها ، حيث يجوز في الأُولى دون الثانية. نعم ، لا بدّ من الالتزام بالكراهة في صورة الجواز ، لما ورد في الأخبار من قولهم (عليهم السلام) : «إنّا لا نفعله» فإنّ ذلك يدلّ على مبغوضية الفعل وكراهته.

(١) ظهر مما تقدّم عدم الجواز في هذه الصورة.

(٢) تقدم الكلام في محلّه في باب الحيض من كتاب الطهارة ، أنّ منشأ هذا الإشكال إنّما هو صدق القرب المنهي عنه بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) على الوطء في الدبر ، إلّا أنّك قد عرفت أنّه غير صحيح ، وأنّه لا مانع من الالتزام بجوازه لو قلنا بالجواز في غير تلك الحالة.

(٣) بل ممنوع.

(٤) مضافاً إلى ما ورد في معتبرة ابن أبي يعفور المتقدمة من اعتبار رضاها بالفعل. فإنّ تعليق الجواز على رضاها يكشف بوضوح عن أنّ ذلك ليس من حقوق الزوج وإنّما هو من حقوقها ، فإن رضيت فهو ، وإلّا فلا يجوز الفعل فضلاً عن عدم تحقق النشوز.

__________________

(*) لا يترك.

١١٠

[٣٦٨٨] مسألة ٤ : الوطء في دبر المرأة كالوطء في قبلها في وجوب الغسل والعدّة ، واستقرار المهر ، وبطلان الصوم ، وثبوت حدّ الزنا إذا كانت أجنبية وثبوت مهر المثل إذا وطِئها شبهة (١) وكون المناط فيه دخول الحشفة أو مقدارها (٢) وفي حرمة البنت والام (٣) وغير ذلك من أحكام المصاهرة المعلقة على الدخول.

نعم ، في كفايته في حصول تحليل المطلقة ثلاثاً إشكال ، كما أنّ في كفاية الوطء في القبل فيه بدون الإنزال أيضاً كذلك (*) ، لما ورد في الأخبار من اعتبار ذوق عسيلته وعسيلتها فيه (٤).

______________________________________________________

(١) كل ذلك لصدق العناوين المأخوذة موضوعاً لتلك الأحكام من قبيل الجماع والوطء وما شاكلها ، فإنّ من الواضح عدم اختصاصها بمقاربتها في القبل.

(٢) تقدم في باب الغسل أنّه لا دليل على التقييد بمقدار الحشفة لمقطوعها ، وعليه فلا بدّ في ترتّب الأحكام المذكورة بالنسبة إليه من مراجعة الإطلاقات وملاحظة الصدق العرفي. فكل مورد صدق فيه الإتيان أو الوطء أو ما شاكلهما من العناوين المأخوذة موضوعاً لتلك الأحكام ، ترتبت عليه تلك الأحكام وإن كان الداخل أقلّ من مقدار الحشفة.

(٣) اعتبار الدخول بالبنت في تحريم الأُم إنّما يفرض في مثل ما لو ملك الام والبنت ، فإنّه إذا وطِئ البنت ولو في دبرها حرمت عليه الام.

(٤) ولا يخفى أنّه لم يرد في شي‌ء من رواياتنا المعتبرة ما يدلّ على اعتبار ذوقها لعسيلته ، بل المذكور فيها هو اعتبار ذوقه عسيلتها (١). نعم ، هو مذكور في كتب العامّة (٢) ومرسلة الشيخ في المبسوط (٣).

__________________

(*) بل الظاهر كفايته ، وأمّا الأخبار فلم يرد في الصحيح منها ذوق عسيلته ، وإنّما الوارد : «ذوقَ عسيلتها» ، والمراد به إدراك اللّذّة جزماً ، وهو يتحقّق بدون الإنزال.

(١) الوسائل ، ج ٢٢ كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق ، ب ٧ ح ١ ، ٣.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٤١٧ / ٥٣١٧.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٤٣.

١١١

وكذا في كفايته في الوطء الواجب في أربعة أشهر (١) ، وكذا في كفايته في حصول الفئة والرجوع في الإيلاء أيضاً (٢).

[٣٦٨٩] مسألة ٥ : إذا حلف على ترك وطء امرأته في زمان أو مكان ، يتحقّق الحنث بوطئها دبراً (٣) إلّا أن يكون هناك انصراف إلى الوطء في القبل ، من حيث كون غرضه عدم انعقاد النطفة.

[٣٦٩٠] مسألة ٦ : يجوز العزل بمعنى إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المني خارج الفرج في الأَمة وإن كانت منكوحة بعقد الدوام (٤)

______________________________________________________

وعلى هذا فحيث إنّ من الواضح أنّ المراد بذوقه عسيلتها هو تلذّذه بها ، بمعنى إدراك اللّذّة منها ومجامعته إياها ، وهما غير منحصرين بالقبل ، فلا مانع من الالتزام بتحقق التحليل وطئها في الدبر ، أو في القبل من دون إنزال.

(١) وذلك لأن صريح الأدلة الدالة على وجوبه هو كونه للإرفاق بها ، كما يظهر ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ تلك المدة غاية ما يمكنها من الصبر ، ومن الواضح أنّ الإرفاق بحالها إنّما يكون بوطئها في القبل وإلّا فوطؤها في الدبر ليس إرفاقاً بها ، كما أنّ تلك المدة ليست غاية ما يمكنها من الصبر من هذه الناحية.

(٢) والوجه فيه ظاهر ، حيث يعتبر في الإيلاء الحلف على ترك وطئها قبلا بداعي الإضرار بحالها ، ومن الواضح عدم تحقق الفئة التي هي عبارة عن حنث اليمين إلّا بوطئها كذلك.

(٣) لأنّه مصداق للوطء المحلوف تركه.

(٤) وتدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن العزل ، فقال : «أما الأَمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكره ذلك إلّا أن يشترط عليها حين يتزوجها» (١). فإنّ مقتضى إطلاقها هو الجواز مطلقاً ، سواء أكانت منكوحة بعقد الدوام أو الملك.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٦ ح ١.

١١٢

والحرّة المتمتع بها (١) ومع إذنها وإن كانت دائمة (٢) ومع اشتراط ذلك عليها في العقد (٣) وفي الدبر (٤) وفي حال الاضطرار (٥) من ضرر أو نحوه.

وفي جوازه في الحرة المنكوحة بعقد الدوام في غير ما ذكر قولان ، الأقوى ما هو المشهور من الجواز (٦) مع الكراهة (٧). بل يمكن أن يقال بعدمها أو أخفيتها في العجوزة ، والعقيمة ، والسليطة ، والبذية ، والتي لا ترضع ولدها (٨).

______________________________________________________

(١) وهو مشكل فيما إذا التزمنا بعدم الجواز في الحرة المنكوحة بعقد الدوام. والوجه فيه إطلاق الأدلة ، وعدم تخصيصها الحكم بالدائمة. نعم ، لا بأس بما أفاده (قدس سره) لو ثبت هناك إجماع ، إلّا أنّه في غاية الإشكال.

(٢) لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، حيث يظهر منها أنّ ذلك من حقوق الزوجة ، وعليه فلا مانع منه لو رضيت به.

(٣) لصريح صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

(٤) لما يظهر من بعض الأخبار أنّ المنع إنّما هو لأجل الولد (١) وعليه فحيث لا يتوقع ذلك من الوطء في الدبر ، فلا تشمله أدلّة المنع.

(٥) لأدلّة نفي الاضطرار المقتضية لنفي الحرمة على تقدير ثبوتها.

(٦) وذلك لأنّ صحيحة محمد بن مسلم وإن كانت تقتضي بظاهرها الحرمة لما تقدّم مراراً من أنّ التعبير بالكراهة يدلّ على عدم الجواز ما لم يثبت ما يدل على خلافه إلّا أنّه لا مجال للعمل بظاهرها في المقام ، لما ورد في عدّة روايات معتبرة من أنّ «ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء» (٢) وما شاكله من التعابير.

(٧) للأخبار الدالة بظاهرها على المنع ، كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

(٨) لرواية يعقوب الجعفي ، قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : «لا بأس بالعزل في ستة وجوه : المرأة التي تيقنت أنّها لا تلد ، والمسنّة ، والمرأة السليطة ، والبذية والمرأة التي لا ترضع ولدها ، والأمة» (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٦.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٥ ح ١.

(٣) الوسائل : ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧٦ ح ٤.

١١٣

والأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة (١). وقيل بوجوبها عليه للزوجة وهي عشرة دنانير للخبر الوارد (٢) فيمن أفزع رجلاً عن عرسه فعزل عنها الماء ، من وجوب نصف خمس المائة عشرة دنانير عليه. لكنه في غير ما نحن فيه ، ولا وجه للقياس عليه مع أنّه مع الفارق (٣).

______________________________________________________

إلّا أنّ هذه الرواية بهذا السند لا يمكن الاعتماد عليها ، فإنّ يعقوب الجعفي مجهول حيث لم يرد اسمه في غير هذه الرواية على الإطلاق. ومن هنا فلا تصلح هذه الرواية لنفي الكراهة عن هذه الموارد ، بعد ما دلّت صحيحة محمد بن مسلم على ثبوتها في الحرة مطلقاً.

نعم ، من القريب جدّاً دعوى وقوع التحريف في النسخة وأنّ الصحيح هو يعقوب الجعفري ، كما ذكره الشيخ الصدوق (قدس سره) في كتابيه الخصال (١) والعيون (٢) وتشهد له رواية الحسن بن راشد عنه كثيراً.

وعليه فحيث إنّ الرجل ثقة فلا مانع من العمل بهذه الرواية ، وتخصيص صحيحة محمد بن مسلم بها.

(١) لعدم الدليل عليه.

(٢) وهو ما رواه الكليني (قدس سره) في الكافي بأسانيده عن كتاب ظريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال : وأفتى في مني الرجل يفزع عن عرسه ، فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك ، نصف خمس المائة عشرة دنانير (٣).

(٣) إذ الزوج مالك للماء على ما صرحت به النصوص المتقدمة فلا مجال لقياسه على الأجنبي المتعدي.

على أنّ القياس إنّما يكون له وجه لو قيل بوجوب دفع الدية إلى الزوجة ، وإلّا فلا معنى لثبوتها في المقام ، إذ لا يعقل القول بوجوب دفع الدية على من عزل لنفسه

__________________

(١) الخصال : ٣٢٨.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السّلام ١ : ٢٧٨.

(٣) الوسائل ، ج ٢٩ كتاب الديات ، أبواب ديات الأعضاء ، ب ١٩ ح ١.

١١٤

وأمّا عزل المرأة بمعنى منعها من الإنزال في فرجها فالظاهر حرمته بدون رضا الزوج ، فإنّه منافٍ للتمكين الواجب عليها ، بل يمكن وجوب دية النطفة عليها (١).

هذا ولا فرق في جواز العزل بين الجماع الواجب وغيره حتى فيما يجب في كل أربعة أشهر (٢).

[٣٦٩١] مسألة ٧ : لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر (٣)

______________________________________________________

وحيث إنّه لا دليل على وجوب دفع الدية إلى الزوجة حيث إنّها أجنبية عن الماء ولا حق لها فيه ، وإنّما هو ملك للزوج يضعه حيث يشاء على ما صرحت به النصوص ، فلا مجال للقول بثبوت الدية عليه في المقام وقياسه على الأجنبي.

(١) لأنّها حينئذ كالأجنبي حيث لا حقّ لها في الماء ، فيشملها حكمه لا محالة.

(٢) لإطلاق أدلة جواز العزل عن الحرة ، فإنّها غير مقيدة بالوطء غير الواجب.

(٣) وهو في الجملة موضع وفاق ، بل لم ينقل الخلاف فيه عن أحد.

واستدلّ له في الجواهر مضافاً إلى الإجماع ، وكونه مدة الإيلاء بصحيحة صفوان بن يحيى عن الرضا (عليه السلام) ، أنّه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابّة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال : «إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك».

مؤيداً بنفي الحرج والإضرار ، وبالمروي عن الصادق (عليه السلام) ، قال : «من جمع من النساء ما لا ينكح فزنى منهن شي‌ء فالإثم عليه» (١).

ولكن في جميع ما استدل به (قدس سره) باستثناء صحيحة صفوان نظر.

إذ لا ينبغي الشكّ في عدم كون الإجماع تعبدياً ، فإنّه بعد ورود الصحيحة وتمسّك الأصحاب بها يكون مثل هذا الإجماع مدركياً ، فلا يمكن الاعتماد عليه لأنّه لا يكشف

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ١١٥.

وصحيحة صفوان ورواية الصادق (عليه السّلام) في الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧١ ح ١ ، ٢.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عن رأي المعصوم (عليه السلام).

كما أنّ كون هذه المدة هي مدة الإيلاء حيث يجب على المُؤلي الفي‌ء أو الطلاق ، ليس فيه أي إشعار أو استشهاد للحكم بالوجوب فيما نحن فيه ، فضلاً عن أن يكون دليلاً عليه. فإنّها في الإيلاء حكم تعبدي خاص قد ثبت في خصوص ذلك المورد بدليله الخاص ، فلا مجال لأن يستفاد منه عدم جواز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر فإنّ كلّاً من الموردين أجنبي عن الآخر.

كما يدلّ عليه أنّ مبدأ الأشهر الأربعة في الإيلاء إنّما هو من حين رفع الزوجة أمرها إلى الحاكم ، ومن الواضح أنّ ذلك قد يكون بعد مرور فترة من وقوع الإيلاء بحيث قد يصبح مجموع الزمن الذي لم يجامعها فيه أكثر من سنة ، لا سيما إذا فرض عدم مجامعته لها قبل الإيلاء بفترة أيضاً ، فلا مجال لأن يستفاد من الإيلاء حكم المقام ، لأن مجرد الاتفاق في الأربعة لا يقتضي استكشاف حكم ما نحن فيه من الإيلاء بعد وضوح الفرق بينهما. فإنّ مبدأ الأربعة فيما نحن فيه من زمان ترك الوطء ، في حين إن مبدأها في الإيلاء من حين رفع أمرها إلى الحاكم ، وإلّا لكان اللّازم احتساب أربعة الإيلاء من حين ترك الوطء لا الإيلاء نفسه ، فضلاً عن رفع أمرها إلى الحاكم ، وهو لا قائل به على الإطلاق.

وأما التأييد بنفي الحرج والضرر فهو عجيب منه (قدس سره) ، إذ العبرة فيهما إنّما هي بملاحظة كل مكلّف مستقلا وعلى حدة لا الغالب والنوع ، ومعه فلا وجه لتقييد الحكم بأربعة أشهر ، فربّما تقع امرأة في الحرج والضرر بترك وطئها شهراً واحداً ، في حين لا تضرر الأُخرى بترك وطئها سنة أو أكثر.

على أنّه قد تقدم منّا في غير مورد أن دليل نفي الضرر والحرج لا يتكفّل إلّا نفي الأحكام الضررية أو الحرجية ، أما إثبات حكم آخر لرفع الضرر أو الحرج أو لدفعهما فلا نظر إليه بالمرة. ومن هنا فلا يجب على الزوج دفع الضرر أو الحرج عن زوجته بل هو غير محتمل ، وإلّا لكان اللّازم وجوب تزويج اللّاتي لا أزواج لهن مع كونهن في حرج أو ضرر من ذلك ، وهو لا يمكن القول به.

وأما المرسلة فهي مضافاً إلى ضعف سندها قاصرة الدلالة أيضاً ، فإنّها واردة

١١٦

من غير فرق بين الدائمة والمتمتّع بها (١) ولا الشابّة والشائبة على الأظهر (*) (٢)

______________________________________________________

في من يتزوّج امرأة لا ينكحها أبداً بل يذرها كالمعلّقة ، وهو أجنبي عن ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر وعدم جواز التأخير عنها ولو يوماً واحداً.

وممّا تقدّم يتضح أنّ الصحيح في الاستدلال على المدّعى التمسك بصحيحة صفوان ابن يحيى المتقدِّمة ، فإنّها صريحة الدلالة على عدم جواز ترك وطئها أكثر من أربعة أشهر.

(١) لإطلاق صحيحة صفوان المتقدِّمة ، حيث كان موضوع الحكم فيها الزوجة من غير تقييد بالدائمة.

ومنه يظهر ما في رسالة الشيخ الأعظم (قدس سره) من الاستشكال فيه (١). وما في الجواهر من تخصيصه بالدائم ، لأنّه المتيقن حيث لا إبلاء ولا قسمة ولا نفقة في المنقطعة لأنهنّ مستأجرات (٢). فإنّ إطلاق صحيحة صفوان مانع من الأخذ بالمتيقن ، مضافاً إلى ما تقدم من عدم الملازمة بين حكم الإيلاء وما نحن فيه.

(٢) وهو المشهور ، بل في الجواهر إنّ : اختصاص السؤال في الصحيح بالشابّة بعد نفي الحرج وإطلاق الفتوى ومعقد الإجماع ، بل في الرياض : لا اختصاص بها إجماعاً لا ينافي التعميم وإنْ توهّمه بعض القاصرين من متأخري المتأخرين على ما حكي عنه ، فيجوز ترك الوطء في غير الشابّة تمام العمر ، لكنه كما ترى لا يستأهل أن يسطر (٣).

إلّا أنّ للمناقشة فيه مجالاً واسعاً ، فإنّ الدليل على الحكم ليس على ما عرفت نفي الحرج أو الإجماع ، وإنّما هو صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة ، وحيث إنّ الموضوع فيها هو الشابة فالتعدّي عنها وإثبات الحرمة لغيرها يحتاج إلى الدليل إذ

__________________

(*) بل على الأحوط الأولى.

(١) رسالة النكاح ٢٠ : ٧٥.

(٢) الجواهر ٢٩ : ١١٧.

(٣) الجواهر ٢٩ : ١١٦.

١١٧

والأَمة والحرّة (١) لإطلاق الخبر ، كما أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر والمسافر (*) (٢)

______________________________________________________

لا وجه لحملها على الغالب وهو مفقود.

نعم ، هجران المرأة بالمرة حرام مطلقاً ، لقوله تعالى (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) (١) إلّا أنّه أجنبي عن محل كلامنا.

وعليه يتّضح أنّ الصحيح في المقام هو الالتزام باختصاص الحكم بالشابّة دون غيرها.

(١) قال في الجواهر : أمّا الدائمة الأَمة فلم أجد فيها تصريحاً من الأصحاب ، وربّما كان ظاهر إطلاق النص والفتوى دخولها (٢). وهو الصحيح ، فإنّ مقتضى إطلاق النص ثبوت الحكم لمطلق الزوجة من غير فرق بين الحرّة والأمة.

(٢) وهو في غير محلّه ، إذ لا إطلاق للنص بعد كون موضوع السؤال (من عنده المرأة) الظاهر في الحضور ، فلا يشمل المسافر إذ لا يصدق عليه أنّ المرأة عنده. ولذا ذكروا في باب الحدود أنّ الزاني لا يرجم إذا لم تكن زوجته عنده ، لأنّه ليس محصناً إذ لا يكفي فيه مجرد التزويج ، بل يعتبر كون زوجته عنده. نعم ، لو كان موضوع الحكم فيها من له زوجة ، كان تعميمه للمسافر حسناً.

وبعبارة اخرى : إنّه لا ينبغي الاستشكال في اختصاص الصحيحة بالحاضر ، وذلك لظهور قوله : (تكون عنده المرأة الشابّة) في حضور زوجته عنده وعدم كفاية مطلق التزوّج ، كما هو الظاهر في أمثال هذا التعبير ، إذ المتفاهم من قولنا : (فلان عنده السكينة) مثلاً أنّ السكينة عنده بالفعل لا أنّه مالك لها فقط.

ولو تنزلنا وسلمنا عدم ظهورها في الحاضر فلا أقلّ من احتمال ذلك ، ومعه تصبح الرواية مجملة فلا يمكن إثبات الحكم للمسافر ، لأنّه حكم تعبدي وإثباته لغير المورد المتيقّن يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

__________________

(*) على الأحوط في المسافر.

(١) سورة النساء ٤ : ١٢٩.

(٢) الجواهر ٢٩ : ١١٧.

١١٨

في غير سفر الواجب (١).

______________________________________________________

ثم إنّه قد استدل في الجواهر على المدّعى بما روته العامّة عن عمر ، أنّه سأل نساء أهل المدينة لما خرج أزواجهن إلى الجهاد وسمع امرأة تنشد أبياتاً من جملتها :

فوَ الله لولا الله لا شي‌ء غيره

لزلزل من هذا السرير جوانبه

عن أكثر ما تصبر المرأة عن الجماع ، فقيل له : أربعة أشهر ، فجعل المدة المضروبة للغيبة أربعة أشهر (١).

إلّا أنها كما ترى ، لأنّها مضافاً إلى عدم ثبوتها وعدم حجيتها أجنبية عن محل الكلام ، حيث إنّ مبدأ الأربعة فيها إنّما هو من حين الخروج ، في حين إنّ كلامنا في الأربعة التي يكون مبدؤها من تاريخ آخر وطء. وبينهما فرق واضح ، فإنّه قد يفرض تأخر تأريخ الخروج عن الوطء بكثير كالحيض والمرض ونحوه ، فلا تصلح للاستدلال بها على المدعى.

ومن هنا يعلم عدم شمول الحكم للمعقودة إذا لم يدخل عليها الزوج ، فإنّه لا يجب عليه مواقعتها قبل مرور أربعة أشهر ، لأنّها خارجة عن موضوع النص.

(١) ووجهه غير ظاهر ، إذ لا فرق بين السفر الواجب وغيره لو قلنا بعموم الحكم للمسافر أيضاً ، غاية الأمر أنّ في السفر الواجب يتحقق التزاحم بينهما ، وحينئذ فلا بدّ من العمل بمقتضيات بابه وتقديم الأهمّ على المهمّ. فإذا كان السفر هو الأهمّ كسفر الحجّ في الأزمنة السابقة حيث كان يستغرق أربعة أشهر أو أكثر وجب تقديمه ، وإنْ كان هذا الحكم هو الأهمّ وجب تقديمه على السفر الواجب ، ومع تساويهما في الأهمية يكون المكلّف مخيّراً لا محالة.

والحاصل أنّ إطلاق استثناء السفر الواجب من هذا الحكم بناء على عمومه للمسافر في غير محلّه ، بل لا بدّ من تقديم الأهمّ منهما ، والتخيير عند التساوي عملاً بمقتضى قاعدة التزاحم.

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ١١٦.

١١٩

وفي كفاية الوطء في الدبر إشكال كما مرّ (١). وكذا في الإدخال بدون الإنزال (٢) لانصراف الخبر (*) إلى الوطء المتعارف وهو مع الإنزال.

والظاهر عدم توقّف الوجوب على مطالبتها ذلك (٣).

ويجوز تركه مع رضاها (٤) أو اشتراط ذلك حين العقد عليها ، ومع عدم التمكن منه (٥) لعدم انتشار العضو ، ومع خوف الضرر عليه (٦) أو عليها (٧) ومع غيبتها

______________________________________________________

(١) حيث لا إرفاق فيه للزوجة ، وقد تقدّم تفصيل الكلام في المسألة الرابعة ، فراجع.

(٢) وهو مناف لصريح ذيل المسألة المتقدمة حيث التزم فيها بالجواز ، ومن الظاهر أنّ الجواز ملازم لكفايته حيث لا معنى للفصل بينهما.

وعلى كلّ فقد تقدم في المسألة السابقة أنّ الصحيح جواز العزل حتى في الوطء الواجب ، حيث لا موجب لدعوى الانصراف بعد تحقّق عنوان الواجب بذلك ، وإلّا فلو تمّ الانصراف إلى المتعارف لكان اللّازم القول بوجوب مقدِّماته أيضاً حيث لا يخلو الوطء المتعارف منها ، والحال أنّه لم يذهب إليه أحد من الأعلام.

(٣) إذ لا موجب لتقييد الصحيحة بها ، بعد أن كان مقتضى إطلاقها كون الرجل آثماً بترك الوطء أكثر من أربعة أشهر من غير تقييد بالمطالبة.

(٤) لأنه من قبيل الحقوق لا الأحكام ، حيث أنّ الظاهر كونه إرفاقاً بحالها. وعليه فيكون حاله حال سائر الحقوق ، يسقط بالرضا بتركه ، كما يسقط باشتراطه في ضمن العقد.

(٥) لاعتبار القدرة في التكليف حيث يقبح تكليف العاجز.

(٦) لحديث نفي الضرر.

(٧) لما تقدم من أنّ الحكم إرفاق بحالها ، فلا يثبت في موارد الضرر عليها ، على أن الإضرار بالغير محرم. فإذا حصل التزاحم بينهما سقط الواجب إن كان الحرام هو الأهمّ ، ومع تساويهما يسقط تعيّنه لا محالة.

__________________

(*) لا وجه للانصراف ، وقد مرّ منه (قدس سره) ما ينافي ذلك في المسألة السابقة.

١٢٠