عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار

شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي [ الحافظ ابن البطريق ]

عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار

المؤلف:

شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي [ الحافظ ابن البطريق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

وحزبيل : مؤمن آل فرعون وعلى بن ابى طالب عليه السلام الثالث وهو افضلهم (١).

٣٤٨ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال حدثنا ابى ، قال : وفيما كتب الينا عبد الله بن غنام الكوفى ، يذكر ان الحسن بن عبد الرحمان بنى ابى ليلى المكفوف ، حدثهم قال اخبرنا عمرو بن جميع البصري ، عن محمد بن ابى ليلى عن عسيى بن عبد الرحمان ، عن عبد الرحمان بن ابى ليلى ، عن ابيه.

ابى ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصديقون ثلاثة : حبيب النجار ، مؤمن آل ياسين الذي (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (٢) وحزبيل : مؤمن آل فرعون الذي قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) (٣) ، وعلى بن ابى طالب الثالث ، وهو افضلهم (٤).

٣٤٩ ـ ومن الجزء الثاني من اجزاء اثنين من كتاب الفردوس وهو نصف الكتاب ، تصنيف ابن شيرويه الديلمى في باب الصاد ، عن داود بن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، وحزبيل مؤمن آل فرعون وعلى بن ابى طالب وهو افضلهم (٥).

٣٥٠ ـ ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (٦) في آخر تفسير هذه الاية ذكر بالاسناد المقدم ، قال : وروى عبيدالله بن محمد ، عن العلاء عن منهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله ، قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : انا عبد الله واخو رسول الله صلى الله عليه وآله وانا الصديق الاكبر لا يقولها بعدى الا كذاب مفتر ، صليت قبل الناس سبع سنين (٧)

__________________

(١) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٢٧ ـ ح ١٠٧٢.

(٢) يس ـ ٢٠.

(٣) غافر ـ ٢٨.

(٤) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٥٥ ـ ح ١١١٧.

(٥) غاية الموام ص ٦٤٧ نقلا عن كتاب الفردوس ورواه عن داود بن بلال وهذا الحديث من النسخة الرضوية.

(٦) الواقعة ـ ١٠.

(٧) غاية المرام ص ٦٤٧.

٢٢١

٣٥١ ـ ومن مناقب الفقيه ابن المغازلى بالاسناد المقدم قال : اخبرنا أبو الحسين على بن عمر بن عبد الله بن عمر بن شوذب ، سنة ثمان وثلاثين واربع مأة قال : اخبرنا أبو بكر : احمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب القطيعى ، قال : حدثنا محمد بن يونس ، أبو العباس الكريمى ، قال : حدثنا اسحاق بن عبد الرحمان الانصاري حدثنا عمرو بن جميع ، عن ابى ليلى ، عن اخيه : عيسى بن عبد الرحمان بن ابى ليلى عن ابيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلى الله عليه وآله الصديقون ثلاثة : حبيب بن موسى النجار : مؤمن آل ياسين ، وحزبيل ، مؤمن آل فرعون وعلى بن ابى طالب (ع) وهو افضلهم (١).

٣٥٢ ـ وبالاسناد المقدم قال : اخبرنا على بن محمد بن عبد الوهاب اذنا ، قال : اخبرنا عمر بن عبد الله بن شوذب ، قال : حدثنا محمد بن العدل الواسطي الحافظ قال : حدثنا محمد بن عثمان بن ابى شيبة واحمد بن عمار بن خالد ، قالا : حدثنا الحسن بن عبد الرحمان بن ابى ليلى ، قال : حدثنا عمرو بن جميع البصري ، عن محمد بن عبد الرحمان بن ابى ليلى ، عن ابى عيسى بن عبد الرحمان بن ابى ليلى عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : الصديقون ثلاثة : حبيب النجار : مؤمن آل ياسين الذي قال (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (٢) وحزبيل مؤمن آل فرعون الذي قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) (٣) وعلى بن ابى طالب وهو افضلهم (٤).

قال يحيى بن الحسن : اعلم ان الصدق خلاف الكذب والصديق : الملازم للصدق الدائم في صدقه ، والصديق : من صدق عمله قوله ، ذكر ـ ذلك ، احمد بن فارس اللغوى في كتاب «المجمل في اللغة» وذكره أبو نصر اسماعيل بن حماد الجوهرى في كتاب «الصحاح».

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ٢٤٥.

(٢) يس ـ ٢٠.

(٣) غافر ـ ٢٨.

(٤) مناقب ابن المغازلى ص ٢٤٦.

٢٢٢

وإذا كان هذا هو معنى الصديق فالصديق ايضا ينقسم ثلاثة اقسام : صديق يكون نبيا وصديق يكون اماما وصديق يكون عبدا صالحا ، لا نبى ولا امام.

فاما ما يدل على اول الاقسام فقوله سبحانه وتعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (١) وكل نبي صديق وليس كل صديق نبيا وقوله تعالى (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) (٢).

وأما ما يدل على كون الصديق إماما فقوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٣).

فذكر النبيين ثم ثنى بذكر الصديقين ، لانه ليس بعد النبيين في الذكر اخص من الائمة.

ويدل عليه ايضا هذه الاخبار الواردة بان الصديقين ثلاثة : حبيب وحزبيل وعلى وهو افضلهم فلما ذكر عليا (ع) مع هذين المذكورين دخل معهما في لفظة الصديقين وهما ليسا بنبيين ولا امامين ، فاراد افراده (ع) عنهما بما لا يكون لهما وهى الامامة ، فقال صلى الله عليه وآله : وهو افضلهم ، فليس في لفظة الصديق بينهم تفاضل لانه صلى الله عليه وآله قال : الصديقون ثلاثة ، فقد استووا في اللفظ ، فاراد الاخبار عن اختلافهم في المعنى وهو استحقاق الامامة فقال : وهو افضلهم ، تنبيها على كونه (ع) صديقا اماما ، وهذا معنى الوجه الثالث ، وإذا كان الصديق هو الملازم للصدق الدائم عليه ومن صدق علمه قوله ، فينبغي ان تختص هذه اللفظة بامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، لانه لم يعص الله تعالى منذ خلق ، ولم يشرك بالله تعالى ، فقد لازم الصدق ودام عليه ، وصدق عمله قوله ، فصح اختصاص هذه اللفظة به دون غيره.

وإذا ما الحلي زان نحورا

كان للحلي حسن نحرك زينا

وتزيدن طيب الطيب طيبا

إذ تسميه أين مثلك أينا

تم الجزء الاول من كتاب العمدة في عيون صحاح الاخبار في مناقب امام

__________________

(١) مريم ـ ٥٦.

(٢) يوسف ـ ٤٦.

(٣) النساء ـ ٦٩.

٢٢٣

الابرار ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصى الرسول المختار صلى الله عليه وآله ، وعلى ذريته الائمة الاطهار ، مدى الليالى والاسحار.

الفصل الثامن والعشرون

في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي (ع) : خاصف النعل

٣٥٣ ـ من مسند ابن حنبل وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا يحيى الحمانى ، قال : حدثنا شريك ، قال : حدثنا منصور ـ ولو ان غير منصور حدثنى ما قبلته منه ـ ولقد سألته فابى ان يحدثنى ، فلما جرت بينى وبينه المعرفة كان هو الذي دعاني إليه وما سألته عنه ولكن هو ابتدأنى به ، فقال : حدثنى ربعى بن خراش ، قال : حدثنا علي بن أبي طالب عليه السلام بالرحبة قال : اجتمعت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وفيهم سهيل بن عمرو فقالوا : يا محمد ان قومنا لحقوا بك ، فارددهم علينا ، فغضب حتى رأى الغضب في وجهه ثم قال : لتنتهن يا معشر قريش ـ اوليبعثن الله عليكم رجلا منكم ـ امتحن الله قلبه للايمان ، يضرب رقابكم على الدين قيل : يا رسول الله أبو بكر؟ قال : لا. قيل : فعمر؟ قال : لا. ولكن خاصف النعل في الحجرة ثم قال على : أما انى قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا تكذبوا على ، فمن كذب على متعمدا اولجته النار (١).

٣٥٤ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنى ابى قال : حدثنى يحيى بن آدم ، قال : حدثنا يونس بن اسحاق ، عن زيد بن يثيع (٢) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لينتهين بنو وليعة ـ أو لابعثن إليهم رجلا كنفسي ـ يمضى

__________________

(١) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٤٩ ـ ح ١١٠٥ وفيه في آخر الحديث : فليلج النار.

(٢) في المصدر : حدثنا يونس عن ابن اسحاق عن زيد بن يثيع عن انفس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٢٤

فيهم امرى ، يقتل المقاتلة ويسبي الدرية ، قال : فقال أبو ذر : فما راعني الا برد كف عمر في حجزتى من خلفي فقال : من تراه ـ يعنى؟ قلت : ما يعنيك ولكنه ـ يعنى خاصف النعل ـ يعنى عليا (١).

٣٥٥ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا احمد بن منصور ، قال : حدثنا الاحوص بن جواب (٢) قال : حدثنا عمار بن رزيق ، عن الاعمش ، عن اسماعيل بن رجاء ، عن ابيه ، عن ابى سعيد الخدرى ، قال : كنا جلوسا في المسجد فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى عليه السلام في بيت فاطمة (ع) فانقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وآله فاعطاها عليا عليه السلام يصلحها ، ثم جاء فقام علينا فقال : ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله؟ قال أبو بكر : انا هو يا رسول الله؟ فقال : لا. قال عمر : انا هو يا رسولا لله؟ قال : لا ولكنه صاحب النعل.

قال اسماعيل : فحدثني ابى ، انه شهد ـ يعنى عليا (ع) ـ بالرحبة ، فاتاه رجل فقال : يا امير المؤمنين هل كان من حديث النعل شيء؟ قال : وقد بلغك؟ قال نعم. قال : اللهم انك تعلم انه مما كان يخفى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (٣).

٣٥٦ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، عن ابيه ، قال : حدثنا ابى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر ، عن طاوس (٤) عن ابيه ، عن عبد المطلب بن عبد الله (٥) بن حنطب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لوفد ثقيف حين جاؤه : والله ـ لتسلمن ـ أو لابعثن اليكم رجلا منى ـ أو قال : مثل نفسي ـ

__________________

(١) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٥٧١ ـ ح ٩٦٦.

(٢) وفى نسخة : الاحوص بن خوات.

(٣) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٣٧ ـ ح ١٠٨٣.

(٤) في المصدر : عن ابن طاوس.

(٥) وفى المصدر : عن المطلب بن عبد الله.

٢٢٥

فليضربن اعنقاكم وليسبين ذراريكم وليأخذن اموالكم.

قال عمر : والله ما اشتهيت الامارة الا يومئذ ، فجعلت انصب صدري له رجاء ان يقول : هذا ، فالفت إلى على (ع) فاخذه بيده ثم قال : هو هذا ، هو هذا ، مرتين (١).

٣٥٧ ـ ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدرى ـ امام الحرمين ـ من الجزء الثالث في آخره في باب ذكر غزوة الحديبية من سنن ابى داود وصحيح الترمذي وبالاسناد المقدم قال : عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بالرحبة ، قال : لما كان يوم الحديبية خرج الينا ناس من المشركين (فيهم سهيل بن عمرو واناس) من رؤسائهم فقالوا : (يا رسول الله) قد خرج اليك ناس من ابنائنا (واخواننا) وارقائنا (وليس لهم فقه في الدين) وانما خرجوا فرارا من خدمتنا (اموالنا وضياعنا) فارددهم الينا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله [فان لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله] يا معشر قريش لتنتهن عن مخالفة امر الله ـ اوليبعثن الله عليكم ـ من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن الله قلبه على الايمان.

قال بعض اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : من هويا رسول الله؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان قد اعطا عليا (ع) نعله يخصفها (٢).

قال يحيى بن الحسن بن البطريق المصنف : اعلم ان النبي صلى الله عليه وآله انما قال ذلك : تنويها بذكر امير المؤمنين (ع) ونصا ، عليه بامور : منها انه ولى الامة بعده ، لانه قال : يضرب رقابكم على الدين بعد قوله صلى الله عليه وآله امتحن الله قلبه للايمان ، وجعل ذلك ببعث الله سبحانه وتعالى له لا من قبل نفسه ، وهذا نص منه (ع) ومن قبل الله تعالى على امير المؤمنين (ع) باستحقاق استيفاء حق الله تعالى ممن كفر واشرك ، وذلك لا يستحقه بعد النبي صلى الله عليه وآله الا الامام عليه السلام.

__________________

(١) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٥٩٣ ح ١٠٠٨.

(٢) صحيح الترمذي الجزء الخامس ص ٦٣٤ وهذه الجمل الواردة بين المعقوفتين كلها من اصل المصدر.

٢٢٦

يدل على صحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وآله في الخبر : رجلا منى ، أو قال : ـ مثل نفسي ـ فدل على ان المراد بذلك التنويه باستحقاق الولاء لانه مثل نفسه في استحقاق الولاء.

ويزيده بيانا وايضاحا قول عمر بن الخطاب وقسمه بالله تعالى : انه ما اشتهى الامارة الا يومئذ ، والمتمني والطالب والمشتهى لا يطلبون ما هو دون قدرهم الا ما هو اعلى من قدرهم.

والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) فدل على ان التمنى انما يكون لما فضل به البعض على البعض لا بما استووا فيه.

ويزيده بيانا ما تقدم في الخبر الاول من قول ابى بكر : انا هو يا رسول الله؟ قال : لا.

فقال عمر : يا رسول الله انا هو؟ قال : لا فلولم يعلما ان ذلك كان علامة من النبي صلى الله عليه وآله تدل على مستحق الامر بعده ، ما تطاولا إلى طلبة ذلك واحد بعد واحد.

فان قال قائل : انهما انما طلبا ذلك لانه مما ظن (٢) كل واحد منهما ان يكون له ذلك لانه صلى الله عليه وآله قال : رجلا قد امتحن الله قلبه للايمان ، لا لموضع استحقاق الامر بعده قلنا : الذي يدل على كونه لاستحقاق الولاء دون ما عداه قوله صلى الله عليه وآله : «ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» فجعل القتالين سواء لانه ذكرهما بكاف التشبيه ، لان انكار التأويل كأنكار التنزيل سواء لان منكر التنزيل جاحد لقبوله ومنكر التأويل جاحد لقبول العمل به ، فهما سواء في الجحود وليس مرجع قتال الفريقين الا إلى النبي صلى الله عليه وآله أو إلى من قام بعده في مقامه فدل على ان الكناية انما كانت لاستحقاق الامامة حسب ما قدمناه.

وقوله صلى الله عليه وآله عنه بلفظ : «الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى» وهو واحد في هذه

__________________

(١) النساء : ٣٢.

(٢) وفى نسخة : «مما يحب» بدل «مما ظن».

٢٢٧

الاخبار الصحاح لا يخلو من قسمين.

اما ان يكون الراوى اراد ضياع الفائدة في الخبر ، أو يكون قد اورده على جهته ، فان كان قد قصد المعنى الاول فيكون قد خالف الفاظ هذه الاخبار المتقدمة فيتوجه الرد عليه بها لاتفاق الفاظها على مخالفة لفظه.

والقسم الثاني ، ان كان قد اورده على جهته من غير زيادة ولا نقصان فله معنى صحيح ، فيكون قد ذكره في لفظ هذا الخبر بلفظ «الذين» كما ذكره سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز بلفظ «الذين» وهو قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١).

فذكره سبحانه وتعالى في لفظ هذه الآية بالذين في موضعين وهو واحد وذكره له بلفظ الجمع في الخبر من قوله : (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) كمثل ذكره له تعالى بلفظ الجمع في الآية المذكورة وفي آية المباهلة أيضا وهو قوله تعالى : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٢) وهو عليه السلام واحد وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله كما قد تقدم ذكره في الصحاح واطرد ذلك في اسمه كما اطرد ذلك في اسم الله تعالى سبحانه وهو قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٣) وقوله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٤).

فعبر عن اسمه العزيز تعالى في هذه الاية بلفظ الجمع في اربعة مواضع وكذا في الكناية عن امير المؤمنين عليه السلام ، في الاية المتقدمة ، بلفظ الجمع في سبعة مواضع ومثل هذا في الكتاب العزيز كثير والمراد بذلك كله التعظيم.

واما قوله صلى الله عليه وآله عنه (ع) في لفظ الخبر : «منهم خاصف النعل» فلم يرد ـ ان تم ـ غيره بهذه الصفة وهو مستنى منهم ، وانما اراد ان هذه الصفة موجودة فيه لا في

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) الحجر : ٩.

(٤) القصص : ٧.

٢٢٨

غيره ، وذلك مثل قوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) (١) لم يرد بذلك إلا جميع من قال بهذه المقالة من الناس لم يكن مستثنيا بعضا من كل.

ومثله قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَ) (٣) وأراد بذلك سبحانه وتعالى جميع من كان بهذه الصفة وإبانة من هو مستحق لإطلاقها عليه لم يكن مستثنيا بعضا من كل.

ومثله قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) (٣) فلم يرد أنه ترك البعض ممن هو بهذه الصفة وذكر البعض (٤) وإنما أراد تعالى بيان من هو مستحق بهذه الصفة دون غيره.

وكذلك ذكره عليه السلام في لفظ هذا الخبر بقوله صلى الله عليه وآله منهم إنه هو المستحق لهذه الصفة دون غيره لا أنه بعض من كل ولله المنة والحمد.

لهم رتب فضلا على الناس كلهم

فضائل يستعلي بها المترتب

محاسن من دنيا ودين كأنما

بها خلقت بالأمس عنقاء مغرب

الفصل التاسع والعشرون

في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام :

انك وارثي وحامل لوائى يوم القيامة ، ومكتوب على باب الجنة

٣٥٨ ـ من مسند ابن حنبل وبالاسناد المقدم ، قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو عبد الله : الحسين بن الراشد الطفاوى والصباح بن عبد الله : أبو بشر ، (٥) والخبر ان يتقاربان في اللفظ ، ويزيد احدهما

__________________

(١) التوبة : ٦١.

(٢) البقرة : ٧٨.

(٣) التوبه : ٥٨.

(٤) وفى نسخة : انه لمزك البعض ممن هو بهذه الصفة دون غيره.

(٥) وفى المصدر : أبو بشر جار بدل بن محبر.

٢٢٩

على صاحبه ، قالا : حدثنا قيس بن الربيع ، قال : حدثنا سعد الخفاف ، عن عطية ، عن مخدوج بن زيد الهذلى : ان رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين المسلمين ، ثم قال : يا على انت اخى وانت منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى ، اما علمت يا على انه اول من يدعى به يوم القيامة ، يدعى بى ، فاقوم عن يمين العرش في ظله ، فاكسي حلة خضراء من حلل الجنة ، ثم يدعى بالنبيين ، بعضهم على اثر بعض ، فيقومون سماطين (١) عن يمين العرش ، ويكسون حللا خضراء من حلل الجنة ، ألا وانى اخبرك يا على ، ان امتى اول الامم ، يحاسبون يوم القيامة ، ثم انت (٢) اول من يدعى بك ، لقرابتك منى ومنزلتك عندي ، ويدفع اليك لوائى وهو لواء الحمد ، فتسير به بين السماطين ، آدم عليه السلام وجميع خلق الله ، يستظلون بظل لوائى يوم القيامة ، وطوله مسيرة الف سنة ، سنانه ياقوتة حمراء ، [قضبته فضة بيضاء ، زجة درة خضراء] (٣) له ثلاث ذوائب من نور : ذوابة في المشرق وذوابة في المغرب ، والثالثة وسط الدنيا (٤) مكتوب عليه ثلاثة اسطر :

السطر الاول ـ بسم الله الرحمن الرحيم.

والثانى ـ الحمد لله رب العالمين.

والثالث ـ لا اله الا الله محمد رسول الله.

طول كل سطر مسيرة الف سنة ، وعرضه مسيرة الف سنة ، فتسير باللواء ، والحسن عن يمينك ، الحسين عن يسارك ، حتى تقف بينى وبين ابراهيم عليه السلام في ظل العرش ، ثم تكسى حلة خضراء من حلل الجنة ، ثم ينادى مناد من تحت العرش : نعم الاب ابوك ابراهيم عليه السلام ، ونعم الاخ اخوك على عليه السلام ، ابشر يا على ، انك

__________________

(١) سماط القوم : صفهم لسان العرب.

(٢) وفى المصدر : ثم ابشر.

(٣) ما بين المعقوفتين كان في المصدر.

(٤) وفى نسخة : وسط السماء

٢٣٠

تكسى إذا كسيت وتدعى إذا دعيت وتحبى إذا حبيت (١).

٣٥٩ ـ وبالاسناد المقدم ذكره ، قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا محمد بن هشام البخترى (٢) قال : حدثنا الفضيل بن مرزوق ، عن عطية و ـ هو العوفى ـ عن ابى سعيد الخدرى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اعطيت في على خمس خصال ، هن احب إلى من الدنيا وما فيها.

اما واحدة : فهو تكأى (٣) بين يدى الله تعالى حتى يفرغ من الحساب.

اما الثانية : فلواء الحمد بيده وآدم (ع) ومن ولد تحته.

واما الثالثة : فواقف على عقر حوضى (٤) ، يسقى من عرف من امتى.

واما الرابعة : فساتر عورتى ومسلمي إلى ربى عزوجل.

واما الخامسة : فلست اخشى عليه ان يرجع زانيا بعد احصان ، ولا كافرا بعد ايمان (٥).

٣٦٠ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا حسين بن محمد الذراع ، قال : حدثنا عبد المؤمن بن عباد ، قال : حدثنا يزيد بن معن ، عن عبد الله بن شرجبيل ، عن زيد بن ابى اوفى ، قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده فذكر قصة مواخاة رسول الله بين اصحابه ، فقال على (ع) ـ يعنى للنبى صلى الله عليه وآله ـ لقد ذهبت روحي وانقطع ظهرى ، حين رأيتك فعلت باصحابك ، ما فعلت غيرى ، فان كان هذا من سخط على ، فلك العتبى منى والكرامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله والذى بعثنى بالحق نبيا ما اخرتك الا لنفسي ، فانت منى بمنزلة هارون من موسى

__________________

(١) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٦٣ ـ ح ١١٣١.

(٢) في المصدر : هشام بن البخترى قال الحسين بن عبيدالله العجلى حدثنا الفضيل.

(٣) تكأى : توكأ على الشئ واتكا : تحمل واعتمد فهو متكئى ـ لسان العرب.

(٤) عقر : عقر الحوض بالضم : موضع الشاربة منه. النهاية لابن الاثير.

(٥) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ١٦٦١ ـ ح ١١٢٧.

٢٣١

الا انه لا نبى بعدى. وانت اخى ووارثى قال : فقال : وما ارث منك يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال صلى الله عليه وآله : ما ورث الانبياء قبلى ، قال : وما ورث الانبياء قبلك؟ قال : كتاب الله وسنة نبيهم ، وانت معى في قصرى في الجنة مع ابنتى فاطمة عليها السلام ، وانت اخى ورفيقي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (١). المتحابون في الله ، ينظر بعضهم إلى بعض (٢).

٣٦١ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفى (٣) قال : حدثنا أبو الحسين (٤) بن محمد السعدى البصري في جمادى الاول سنة احدى وثلاثين ومأتين ، قال : حدثنا عبد المؤمن بن عباد العبدرى ، قال : حدثنى يزيد بن معن ، عن عبد الله بن شرجيل ، عن زيد بن ابى اوفى ، قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده فقال : اين فلان ، اين فلان؟ فجعل ينظر في وجوه اصحابه ويتفقدهم ويبعث إليهم حتى توافوا عنده ، ، فحمد الله واثنى عليه فآخى بينهم وذكر الحديث : حديث المواخاة بينهم.

فقال على (ع) : لقد ذهبت روحي وانقطع ظهرى حين رأيتك فعلت باصحابك ما فعلت غيرى ، فان كان هذا من سخط على ، فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله والذى بعثنى بالحق ما اخرتك الا لنفسي ، وانت منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى ، وانت اخى ووارثى قال : وما ارث منك يا نبى الله؟ قال : ما ورث الانبياء من قبلى. قال : وما ورث الانبياء من قبلك؟ قال : كتاب الله وسنة نبيه ، وانت معى في قصرى في الجنة مع فاطمة ابنتى عليها السلام ، وانت اخى ورفيقي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٥) المتحابون في الله عزوجل ،

__________________

(١) الحجر : ٤٧.

(٢) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٣٨ ح ١٠٨٥.

(٣) وفى المصدر : حدثنا احمد بن عبد الجبار الصوفى بن الحسن.

(٤) في المصدر : حدثنا أبو على الحسين بن محمد.

(٥) الحجر : ٤٧.

٢٣٢

ينظر بعضهم إلى بعض (١).

٣٦٢ ـ وبالاسناد المقدم ، قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا أبو يعلى : حمزة بن داود الابلى بالابلة (٢) قال : حدثنا سليمان بن الربيع النهدي (٣) الكوفى قال : حدثنا كادح بن رحمة ، قال : حدثنا مسعر ، عن عطية ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت على باب الجنة مكتوبا : لا اله الا الله ، محمد رسول الله وعلى اخوه (٤).

٣٦٣ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال : حدثنا احمد بن اسرائيل ، قال : حدثنا محمد بن عثمان ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي قال : حدثنا يحيى بن سالم ، قال : حدثنا اشعث ـ ابن عم الحسن بن صالح ـ وكان يفضل عليه ـ (٥) قال : حدثنا مسعر ، عن عطية العوفى ، عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله مكتوب على باب الجنة : محمد رسول الله ، على اخو رسول الله ، قبل ان تخلق السموات بالفى عام (٦).

٣٦٤ ـ ومن مناقب الفقيه ابن المغازلى الواسطي وبالاسناد المقدم قال : اخبرنا أبو الحسن : احمد بن المظفر الفقيه الشافعي بقرائتي عليه فاقر به قلت له : اخبركم أبو محمد : عبد الله بن محمد بن عمار (٧) المزني الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي قال : حدثنا أبو يعلى : احمد بن على بن المثنى الموصلي قال : حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي ، قال : حدثنا يحيى بن سالم ، قال : حدثنا اشعث ـ ابن عم الحسن بن صالح ـ

__________________

(١) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٦٦ ـ ح ١١٣٧.

(٢) في نسخة : حدثنا أبو يعلى بن حمزة بن ابى داود.

(٣) في نسخة : الربيع النهدي ، وفى بعضها : النهري.

(٤) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٦٥ ـ ح ١١٣٤.

(٥) في نسخة : حدثنا اشعث بن الحسن بن صالح ، وكان يفضل على ابن صالح.

(٦) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦٦٨ ـ ح ١١٤٠.

(٧) وفى المصدر : محمد بن عثمان.

٢٣٣

وكان يفضل على الحسن بن صالح ، قال : حدثنى مسعر بن كدام عن عطية بن سعيد ، عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : مكتوب على باب الجنة قبل ان يخلق السموات والارض بالفى عام : محمد رسول الله وعلى اخوه (١).

٣٦٥ ـ وبالاسناد المقدم قال : اخبرنا أبو نصر بن الطحان ـ اجازة عن ابى الفرج الخيوطى ـ حدثنا سالم بن الفضل (٢) ، عن ابن اسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن ابى ربيعة الابادي ، عن عبد الله بن بريدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لكل نبى وصى ووارث ، وان وصيى ووارثى علي بن أبي طالب (ع) (٣).

قال يحيى بن الحسن : اعلم ان في هذه الاخبار دليلا على نفى المثل لامير المؤمنين (ع) الا ان يكون رسول الله صلى الله عليه وآله اولا لانه صلى الله عليه وآله قال : انه وارثه ، وفسر فيها ما يرثه منه.

فقال : كتاب الله وسنة الرسول وذكر ان ذلك هو وارثة الانبياء عليهم السلام قبله.

وهذا هو غاية التنويه بذكره في استحقاق الامر بعده لان الميراث هو حق جعله الله تعالى لمستحقه ليس بجعل المتوفى له ، وإذا كان ميراث الانبياء (ع) هو كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وآله وهما مستحقان من قبل الله تعالى ، والعلم لا يخرج عن الكتاب والسنة جملة وبالكتاب والسنة صحت دعوة الانبياء وثبتت لهم النبوة ، لان مرجع الامة إلى النبي ان يعلمهم ما وجب عليهم وما ندبوا إلى فعله ، فيكونوا عند ذلك لربهم طائعين ولنبيهم تابعين ، ومن اعرض عن استعمال شريعة الرسول كان كافرا بمثله ومكذبا بنبوته.

واما كتاب الله سبحانه وتعالى فلولاه على يد كل رسول لما كان للامة طريق إلى تصديق الرسل ، لان الرسول يدعى النبوة فيعرض عنه ولا يلتفت إليه ، فينزل الله

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ٩١.

(٢) وفى المصدر : سلمة بن الفضل.

(٣) مناقب ابن المغازلى ص ٢٠٠.

٢٣٤

تعالى كتابا خارقا لعادة البشر ، مبينا مع عجز الامة عنه ، وانه من فعل الله تعالى الذي ارسل هذا الرسول لكونه غير حاصل في مقدور البشر ولا يحصل الا من فاعل البشر فثبتت حينئذ نبوتهم عند الامة ، خصوصا القرآن المجيد الذي تحدى الله سبحانه وتعالى الامة ومن برز من فصحاء العرب به أو ببعضه فلم يقدروا على الاتيان بمثله ولا بسورة من مثله ، بدليل قوله سبحانه وتعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١) وبقوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٢).

عدلوا عن معارضته إلى حربه ومخاصمته ، علمنا عجزهم ، لان العاقل لا يعدل عن الاسهل إلى الاشق الا للعجز.

فصار الكتاب والسنة هما الدليل على صحة دعوى النبي صلى الله عليه وآله وثبوت نبوته ، وقد ورثهما الامام بعده بما فرض الله تعالى له وجعله له حقا واجبا ، فقد ثبتت امامته ووجب الاقتداء به بطريق لا يقدر احد من البشر ان يشركه فيها لان وارث الشريعة هو اعلم الناس بها ، ووارث الكتاب هو اعلم الناس به ، ومن كان اعلم الناس بهما ، كان احق بالتقديم على الامة ممن لا علم له بهما ، وإذا كانا طريقي تصديق ادعاء النبوة فهما طريقا تصديق الامامة ، فقد ثبتت له (ع) الامامة بنفس طريق ثبوتها للنبى صلى الله عليه وآله ، وما كان طريقه اخص كان وجوبه الزم.

ويلزم استحقاق الولاء له بعده (ع) بنفس هذا الخبر من وجه آخر وهو انه عليه السلام وارث لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله بسبب صحيح من قبل الله تعالى ومن كان وارث الكتاب والسنة ، كان بهما اعلم.

وعلم الرسول صلى الله عليه وآله لا يخرج عن الكتاب والسنة ، وإذا كان علم الرسول صلى الله عليه وآله غير خارج عنهما وهما حاصلان لامير المؤمنين (ع) بدليل الخبر الوارد من قول النبي صلى الله عليه وآله بذلك ، فثبت انه (ع) اولى بالاقتداء من غيره.

__________________

(١) الاسراء : ٨٨.

(٢) البقرة : ٢٣.

٢٣٥

بدليل ما فضل الله تعالى به من يعلم على من ليس كذلك وهو قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١) فقد فضل من يعلم على من ليس يعلم ووبخ من لم يتذكر وجعل التذكرة في ذلك إنما هي لأولى الألباب.

وبقوله تعالى (وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ) (٢) وبقوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٣). ويزيده بيانا وإيضاحا في وجوب الاقتداء بمن كان أعلم قوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٤) فجعل اتباع من كان أعلم بكلامه (٥) سبحانه وتعالى الذي ارتضاه ووبخ من لم يحكم بحكمه تعالى بقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) و (الْفاسِقُونَ) و (الظَّالِمُونَ) (٦) فوجبت ولايته بطريق لا ينبغي أن تجب ولاية غيره وإمامته أيضا كذلك وثبت بذلك أيضا صحة ميراث النبي صلى الله عليه وآله فلا معنى لإنكاره.

ويدل على صحة ميراث النبي (ص) من الكتاب العزيز مشيدا لهذا الخبر ودالا على صحته قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (٧) وقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٨) فدل ذلك على استحقاق ميراث الأنبياء عليهم السلام فإنكاره مخالف للكتاب والسنة بما قدمناه فلا يعتد به.

ويزيده بيانا قوله تعالى : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) فميراث يحيى ، الكتاب والسنة عن ابيه عليهما السلام وميراثه من آل يعقوب ، المال بغير شبهة لان الحاجة من آل يعقوب إلى يحيى في معنى الكتاب والسنة لا حاجته إليهم ، فكيف يرث منهم

ما هو مستحق له من غيرهم وماهم محتاجون فيه إليه دون حاجته هو إليهم فيه وهو به اعلم.

__________________

(١) الزمر : ٩.

(٢) العنكبوت : ٤٣.

(٣) فاطر : ٢٨.

(٤) يونس : ٣٥.

(٥) وفى نسخة : اعلم احكمه.

(٦) مائدة : ٤٧ ـ ٤٥ ـ ٤٤.

(٧) النمل : ١٦.

(٨) مريم : ٥.

٢٣٦

وهذا بعيد من الصواب ، فلما اقترن في لفظ هذه الاية ذكر ميراث العلم والمال وجب ان يكونا مستحقين من قبل الانبياء (ع).

ومما ينفى المماثلة له (ع) ايضا ما ذكره في الخبر الاخر انه مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله ، على اخو رسول الله قبل ان يخلق الله السموات والارض بالفى عام ومن كان اسمه مكتوبا قبل خلق السموات والارض بالفى عام فمن مثله في ذلك من خلق الله تعالى؟ سوى رسول الله صلوات الله عليهما وسلامه المصاحب له في الكتابة والقدمة والاخوة ، واين كان آدم (ع) ومن ولد هناك حتى يدعى احد منهم مماثلة ، فهذا غبن في العقول وبعد عن المنقول.

ومن ذلك ايضا في نفى المماثلة له قوله صلى الله عليه وآله انه عليه السلام واقف على عقر (١) حوض ، يسقى من عرف من امتى ، وهذا مما لا نظير له فيه لان احدا من الامة لا يقدر على شربه من حوضه الا بكف على (ع) ، ومن ذلك ايضا ان لواء الحمد بيده وآدم (ع) ومن ولد تحته.

ومن ذلك انه صلى الله عليه وآله قال له (ع) : انك تكسى إذا كسيت وتحبى إذا حبيت وتدعى إذا دعيت ، وهذا غاية الميزة ، وقطع النظارة له عليه السلام.

وإذا ما الحلي زان نحورا

كان للحلي حسن نحرك زينا

وتزيدن أطيب الطلب طيبا

أن تمسه أين مثلك أينا

الفصل الثلاثون

في قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٢)

وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ عليه‌السلام

٣٦٦ ـ من مسند ابن حنبل وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، عن ابيه ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال : حدثنا ابوبلج ،

__________________

(١) عقر : عقر الحوض بالضم موضع الشاربة منه. النهاية لابن الاثير.

(٢) البقره : ٢٠٧.

٢٣٧

قال : حدثنا عمرو بن ميمون. قال : انى لجالس إلى ابن عباس إذ اتاه تسعة رهط فقالوا : يابن عباس ، اما ان تقوم معنا واما ان تخلو بنا عن هؤلاء ، قال ابن عباس : بل انا اقوم معكم ـ وهو يومئذ صحيح قبل ان يعمى ـ قال : فابتدؤا ، فتحدثوا ، فلا ندرى ما قالوا ، فجاء ينفض ثوبه ويقول : اف وتف (١) ، وقعوا في رجل له عشر خصال.

١ ـ وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وآله لابعثن رجلا لا يخزيه الله ابدا يحب الله ورسوله. قال : فاستشرف لها من استشرف فقال : اين على؟ قالوا : هو في الرحى يطحن ، قال : وما كان احدكم ليطحن ، قال : فجاء وهو ارمد ، لا يكاد يبصر ، قال : فنفث في عينيه ، ثم هز الراية ثلاثا فاعطاه اياها فجاء بصفية بنت حى.

٢ ـ وقال : ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا عليه السلام خلفه فاخذها منه وقال : لا يذهب بها الا رجل منى وانا منه.

٣ ـ وقال : لبنى عمه : ايكم يوالينى في الدنيا والاخرة؟ قال : وعلى عليه السلام جالس معهم فابوا ، فقال على (ع) انا اواليك في الدنيا والاخرة ، قال : انت وليى في الدنيا والاخرة ، قال : فتركه ، ثم اقبل على رجل منهم فقال : ايكم يوالينى في الدنيا والاخرة؟ فابوا ، فقال على (ع) انا اواليك في الدنيا والاخرة ، فقال : انت وليى في الدنيا والاخرة.

٤ ـ قال : وكان اول من آمن من الناس بعد خديجة.

٥ ـ قال : واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ثوبه فوضعه على على وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

٦ ـ وقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).

٧ ـ قال : وشرى على (ع) نفسه لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نام مكانه قال : وكان المشركون يتوهمون (٣) انه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجاء أبو بكر وعلى عليه السلام نائم ،

__________________

(١) اف وتف : معناه الاستقذار لما شم.

وقيل : معناه الاحتقار والاستقلال وهى صوت إذا صوت به الانسان علم انه متضجر متكره ـ النهاية لابن الاثير.

(٢) الاحزاب : ٣٣.

(٣) وفى المصدر : «يرمون» بدل «يتوهمون».

٢٣٨

قال : وابو بكر يحسب انه رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقال : يا نبى الله ، قال : فقال له على (ع) ان نبى الله قد انطلق نحو بئر ميمون فادركه ، قال : فانطلق أبو بكر ، فدخل معه الغار قال : وجعل على يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبى الله صلى الله عليه وآله وهو يتضور ، (١) قد لف رأسه في الثوب ، لا يخرجه حتى اصبح (٢) ثم كشف رأسه فقالوا : انك للئيم ، كان صاحبك كنا نرميه فلا يتضور وانت تتضور ، وقد استنكرنا ذلك.

٨ ـ قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك ، فقال على (ع) اخرج معك؟ قال : فقال له نبى الله صلى الله عليه وآله لا ، فبكى على (ع) فقال له : اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا انك لست بنبى ان لا ينبغى ان اذهب الا وانت خليفتي.

قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وآله له : انت ولى كل مؤمن بعدى ومؤمنة.

٩ ـ قال : وسد ابواب المسجد غير باب على عليه السلام قال : فيدخل المسجد جنبا ، وهو طريقه ، ليس له طريق غيره.

١٠ ـ قال : وقال : من كنت مولاه فان عليا مولاه (٣).

٣٦٧ ـ ومن تفسير الثعلبي في الجزء الاول في تفسير سورة البقرة ، قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٤) وبالاسناد المقدم قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما اراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب (ع) بمكة لقضاء ديونه وبرد الودائع التي كانت عنده ، وامره ليلة خرج إلى الغار وقد احاط المشركون بالدار ان ينام على فراشه صلى الله عليه وآله فقال له : يا على اتشح (٥) ببردى الحضرمي الاخضر ،

__________________

(١) يتضور : أي يتلوى ويضج وينقلب ظهرا لبطن من شدة الحمى وقيل يتضور أي يظهر الضور بمعنى الضر ـ النهاية لابن اثير.

(٢) هكذا في المصدر ولكن في النسخ التي بايدينا : حتى اهيج.

(٣) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج ٢ ص ٨٦٢ ح ١١٦٨.

(٤) البقرة : ٢٠٧.

(٥) يتوشح بثوبه أي يتغش به والاصل فيه من الوشاع. لسان العرب.

٢٣٩

ثم نم على فراشي فانه لا يخلص اليك منهم مكروه ان شاء الله عزوجل ، ففعل ذلك (ع) فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام : انى قد آخيت بينكما وجعلت عمر احدكما اطول من الاخر ، فايكما يؤثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى الله عزوجل اليهما : الا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله ، فنام على فراشه ، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الارض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرئيل (ع) عند رأسه وميكائيل (ع) عند رجليه ، فقال جبرئيل (ع) : بخ بخ ، من مثلك يا ابن ابى طالب؟ يباهى الله بك الملائكة ، فانزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (ع) : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) الاية (١).

قال : ودليل ذلك ما رواه محمد بن عبد الله القائنى (٢) قال : حدثنى أبو الحسين : محمد بن عثمان بن الحسن النصيبى (٣) ببغداد ، قال : حدثنى أبو بكر : محمد بن الحسين بن صالح السبيعى بحلب ، حدثنا احمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنى محمد بن منصور ، قال : حدثنى احمد بن عبد الرحمان ، حدثنى الحسن بن محمد بن فرقد ، قال : حدثنى الحكم بن ظهير ، قال : حدثنا السدى في قوله عزوجل (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) قال : قال ابن عباس : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام حين هرب النبي صلى الله عليه وآله من المشركين إلى الغارمع ابى بكر ونام على (ع) على فراش النبي صلى الله عليه وآله (٤).

قال يحيى بن الحسن ايده الله تعالى : اعلم ان الله سبحانه وتعالى قد مدح امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذه الاية بمدحة قد تفرد بها من دون خلق

__________________

(١) غاية المرام ص ٣٤٤ نقلا عن الثعلبي في تفسيره.

(٢) وفى نسخة : القارى.

(٣) وفى نسخة : حدثنى أبو الحسين محمد بن الحسين عثمان بن الحسن القيلسى.

(٤) غاية المرام ص ٣٤٥ نقلا عن الثعلبي في تفسيره.

٢٤٠