موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

فالظاهر عدم الاستقرار (١). وإن قلنا بعدم وجوبه ، ففيه وجهان (*) ، أقواهما الاستقرار (٢).

والحاصل أنّ اللّازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ، ثمّ يقسم ما زاد عنه بينهما على حسب حصَّتهما ، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالرّبح وتماميتها بما ذكرنا من الفسخ والقسمة.

[٣٤٢٥] مسألة ٣٦ : إذا ظهر الرّبح ونض تمامه أو بعض منه ، فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر عليها ، لاحتمال الخسران بعد ذلك والحاجة إلى جبره به (٣).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان العبرة انما هي بوصول ما أعطاه المالك رأس المال إليه ، فما لم يتحقق ذلك يكون الخسران منجبراً بالرّبح خاصة ، ولا وجه لجعله في مال المالك أو المجموع منه ومن الرّبح.

(١) لعدم انتهاء العقد ، نظراً لبقاء المتمّم له.

إلّا أنّ هذا القول لا وجه له. إذ القول بوجوب الإنضاض على العامل بعد رضا المالك بقسمة العروض ، ومن ثمّ إلغاء حقه في المطالبة بالإنضاض كما هو مفروض المسألة ، بعيد جدّاً ولا موجب له ، نظراً لعدم كونه من الواجبات التعبدية.

(٢) لانتهاء عقد المضاربة بالقسمة ، وعدم كون الإنضاض متمّماً له ، فإنّ معه لا يبقى وجه للقول بعدم الاستقرار.

(٣) الظاهر أنّه (قدس سره) لا يريد بهذا التعليل دعوى كونها ضررية عليه ، كي يورد عليه بأنّه لا ضرر عليه في القسمة ، لإمكان أخذ الكفيل ونحوه على المال مما يطمئن معه بعدم الضرر. وإنما يريد به ما ذكره (قدس سره) في المسألة السابقة ، من كون الرّبح وقاية لرأس المال ، فإنّه وإن كان يملك بمجرّد ظهوره ، إلّا أن ذلك لا يعني أنّ للعامل أخذ حصّته من الرّبح في كل معاملة شخصية ، فإنه غير جائز ، لما عرفت من أن العبرة في الربح إنما هي بالنتيجة.

__________________

(*) الظاهر أنّه لا إشكال في عدم وجوبه مع فرض رضا المالك بالقسمة قبله كما هو المفروض.

٨١

قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ، لأنه لو حصل الخسران وجَب عليه ردّ ما أخذه ، ولعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده ، وهو ضرر عليه. وفيه : أنّ هذا لا يعدّ ضرراً (١). فالأقوى أنه يجبر إذا طلب المالك.

وكيف كان ، إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو وإلّا ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الرّبح ، لأنّ الأقل إن كان هو الخسران فليس عليه إلّا جبره والزائد له ، وإن كان هو الرّبح فليس عليه إلّا مقدار ما أخذه (٢).

ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط.

حيث قال على ما نقل عنه : إنّ المردود أقلّ الأمرين مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح. فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين ، فاقتسما العشرين

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ الملكيّة وإن كانت حاصلة من الأوّل حين حصول الربح.

ومعه فكيف يكون للعامل المطالبة به وأخذه وإتلافه وإن كنا على ثقة بعدم تضرر المالك؟ فإنّ الربح وبحكم الاشتراط متعلق لحق المالك ، فلا يجوز التصرّف فيه بغير إذنه.

إذن فلا بدّ للعامل حينئذ من كسب رضى المالك ، أو انتظار انتهاء الأمد ، أو انفساخ المضاربة.

(١) لإمكان تحفظه على المال وعدم التصرّف فيه حتى يتبين الأمر. وعلى تقدير تعديه بالتصرف فيه ، فدفع بدله لا يعدّ ضرراً.

على أننا لو سلّمنا كونه ضرراً في بعض الأحوال ، فهو لا يوجب سقوط سلطنة المالك عن ماله ، لأنه ضرر عليه أيضاً.

(٢) على ما يقتضيه عقد المضاربة ، كما ظهر مما تقدّم.

٨٢

فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ، نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس فالمأخوذ سدس الجميع ، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح. فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ، وهو نصف سدس العشرين وذلك درهم وثلثان ، يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال. فإذا خسر المال الباقي ردّ أقل الأمرين ، مما خسر ومن ثمانية وثلث.

وفيه : مضافاً إلى أنه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح وأن عليه غرامة ما أخذه منه ، أنظار أُخر.

منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال ، فوجوب ردّه لا يتوقف على حصول الخسران بعد ذلك.

ومنها : أنه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال ، فلا وجه للقسمة المفروضة.

ومنها : أنّ المفروض أنّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنه ربح ، لا بعنوان كونه منه ومن رأس المال.

ودعوى أنه لا يتعين لكونه من الربح بمجرّد قصدهما ، مع فرض إشاعته في تمام المال.

مدفوعة بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعين بعد تعيينهما مقدار ما لهما في هذا المال. فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ، ولا مانع منها.

[٣٤٢٦] مسألة ٣٧ : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره ، صحَّ مع تحقق الشرائط ، من معلومية المقدار وغيره. وإذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع (١) بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين ، من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران.

______________________________________________________

(١) أما إذا كان البيع بإذن المالك ، فلا ينبغي الشك في صحّته ، لكونه بمنزلة التقسيم وعدم ما يقتضي منعه منه ، فإن «الناس مسلَّطون على أموالهم» وللمالك التصرّف فيما

٨٣

[٣٤٢٧] مسألة ٣٨ : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح (١) سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ، ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ

______________________________________________________

يملكه كيفما يشاء. فإن ظهرت هناك خسارة بعد ذلك ، فلا بدّ من تداركها بالبدل لا محالة ، لتلف العين المملوكة بالملك المتزلزل.

وأما إذا كان البيع بغير إذن المالك ، فقد يقال ببطلانه ، نظراً لكون الربح متعلقاً لحق المالك. ومن هنا فالخسارة ، إما ان تكشف عن عدم ملكيّة العامل للحصّة المبيعة من أوّل الأمر ، وإما أن تكشف من تعلق حق المالك بها ، فلا يصحّ التصرّف فيها بغير إذنه.

لكن الظاهر أن هذه المسألة لا تقاس بمسألة عدم إلزام المالك بالقسمة عند طلب العامل ذلك.

والوجه فيه أنّ مطالبة العامل بالقسمة مطالبة لتمييز حقه ليستقل به ، وهو أمر على خلاف أساس المضاربة ، حيث إنه عقد قائم على أساس كون الربح وقاية لرأس المال وتداركاً للخسارة المحتملة ، وهذا بخلاف تصرف العامل فيما يستقل به ويملكه. فإنه وإن كان على خلاف ما شرط عليه ، إلّا أنه لا يوجب بطلان التصرّف الصادر منه وإنما غايته ثبوت الخيار للمالك في فسخ عقد المضاربة ، نظراً لتخلف الشرط. فإن فسخ فهو ، وإلّا الزم العامل بتدارك الخسارة من ماله بدلاً عما أتلفه من الربح بالبيع بدفع أقلّ الأمرين من قيمة ما باعه ومقدار الخسران.

وأما احتمال بطلان بيع العامل ، فلا موجب له بعد ما كان البيع واقعاً على ما يملكه بالفعل.

وكذا الحال في احتمال كشف الخسارة اللاحقة عن عدم ملكيّة العامل للمبيع من بادئ الأمر ، فإنه موهون ولا وجه له ، إذ الملك يحصل بمجرّد ظهور الربح ، ويستقلّ به العامل من غير أن يكون هناك أي حق للمالك فيه.

ومن هنا فتصرفه فيه لا يكون إلّا مخالفة للشرط ، وهي لا تقتضي إلّا الحكم التكليفي بالحرمة ، وثبوت الخيار للمالك.

(١) على ما يقتضيه عقد المضاربة بنفسه.

٨٤

عملها. نعم ، قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقر ملكيّته.

وأمّا التلف ، فإما أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله. ثمّ إما أن يكون التالف البعض ، أو الكلّ. وأيضاً إما إن يكون بآفة من الله سماوية أو أرضية ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان.

فإن كان بعد الدوران في التجارة ، فالظاهر جبره بالربح (١) ولو كان لاحقاً مطلقاً ، سواء كان التالف البعض أو الكل (٢) كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي. ودعوى أنّ مع الضمان كأنه لم يتلف ، لأنّه في ذمّة الضامن كما ترى (٣). نعم ، لو أخذ العوض يكون من جملة المال (٤).

بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ (٥). كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى.

كما أن الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً (٦). كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر.

______________________________________________________

(١) لاقتضاء أصل المضاربة ذلك ، حيث إنها مبنية على بقاء رأس المال وعوده إلى المالك وعدم تضرره فيه.

(٢) حيث يقوم الباقي مقام رأس المال إن كان مساوياً له ، فيختص به المالك ، لما تقدّم. وكذا الحال إذا كان أنقص منه ، حيث يأخذه المالك ولا شي‌ء للعامل.

(٣) إذ العبرة إنما هي بأخذ المالك وتسلّطه على ما أعطاه للعامل من رأس المال وهو غير متحقّق في المقام. ومجرّد وجوده في ذمّة ضامن ، لا يوجب عدم صدق التلف عليه ، فإنّ التلف صادق وجداناً وإن كانت الملكيّة محفوظة.

(٤) فيكون مشتركاً بينهما على ما اتفقا عليه.

(٥) لما تقدّم من اقتضاء العقد له.

(٦) لما عرفت من كون أساس المضاربة على عدم ورود النقص على مال المضاربة

٨٥

وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة ، فالظاهر انه موجب لانفساخ العقد إذ لا يبقى معه مال للتجارة حتى يجبر أو لا يجبر. نعم ، إذا أتلفه أجنبي وادّى عوضه ، تكون المضاربة باقية. وكذا إذا أتلفه العامل.

[٣٤٢٨] مسألة ٣٩ : العامل أمين (١). فلا يضمن إلّا بالخيانة (٢) كما لو أكل بعض مال المضاربة ، أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك ، أو وطئ الجارية المشتراة ، أو نحو ذلك. أو التفريط ، بترك الحفظ. أو التعدّي ، بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو ترك شراء ما أمره به. فإنه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماويّة ، وإن بقيت المضاربة ، كما مرّ. والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً (٣).

وإذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أوْ لا؟ وجهان. مقتضى الاستصحاب بقاؤه ، كما ذكروا في باب الوديعة أنه لو أخرجها الودعي عن الحرز

______________________________________________________

وأخذ المالك لتمام رأس المال ، وكون الاشتراك في الزائد خاصّة.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، بل وعليه الإجماع.

(٢) على ما يستفاد من جملة من النصوص الواردة في الضمان ، بل والنصوص الواردة في خصوص المضاربة ، حيث علّقت الضمان على المخالفة والتعدي ، فيكون مفهومها عدم ضمان العامل عند تلف مال المضاربة من غير تعدٍّ أو تفريط.

نعم ، عند التلف بالتعدّي أو التفريط يكون ضامناً له بلا خلاف ، لقاعدة اليد حيث خرج منها عنوان الأمين ويد العامل هذا ليست منه. مضافاً إلى النصوص الكثيرة الدالّة على ضمان العامل عند مخالفته لما اشترط عليه. وقد تقدمت في المسألة الخامسة ، فراجع.

(٣) لإطلاق النصوص ، حيث إنّ مقتضاه كون الوضيعة على العامل حينئذ ما لم يصل مال المالك بتمامه إليه ، بلا فرق في ذلك بين كونها حال المعاملة أو بعدها.

٨٦

بقي الضمان وإن ردّها بعد ذلك إليه. ولكن لا يخلو عن إشكال ، لأن المفروض بقاء الإذن ، وارتفاع سبب الضمان (١).

ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ، ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك (٢). وهل يضمن بنية الخيانة مع عدم فعلها؟ وجهان (*) (٣) : من عدم كون مجرّد النيّة خيانة ، ومن صيرورة يده حال النيّة بمنزلة يد الغاصب. ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك (٤).

[٣٤٢٩] مسألة ٤٠ : لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة ، لأنه ماله (٥). نعم ، إذا ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصّة العامل منه

______________________________________________________

(١) وبذلك ينتفي موضوع الاستصحاب ، أعني التعدي أو التفريط ، ومعه فلا مقتضي للحكم بالضمان. هذا مضافاً إلى عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة ، على ما بينّاه في محلّه.

ومنه يظهر الحال فيما ذكروه في باب إخراج الودعيّ للوديعة من الحرز.

(٢) وتقتضيه الأخبار الواردة في مخالفة العامل لما شرط عليه. فإنّ إبقاء المال عنده على خلاف المصلحة على خلاف ما شرط عليه ومبنى عقد المضاربة من كون المال متخذاً للاسترباح.

(٣) أقربهما عدم الضمان ، نظراً لكون المستفاد من النصوص الواردة في المقام دوران الضمان مدار المخالفة الفعليّة والخيانة الخارجيّة فيكون مقتضى مفهومها عدمه عند عدمها.

ودعوى انّ النيّة توجب انقلاب اليد من الأمانة إلى الغصب ، أوّل الكلام وعهدتها على مدّعيها ، فإن النيّة المحضة لا أثر لها.

(٤) بالالتزام بالضمان في الأوّل ، باعتبار كون يده في ذلك الحين يداً غصبية. وعدمه في الثاني ، لبقاء يده حين النيّة على وصف الأمانية. لكن ضعفه يظهر مما تقدّم.

(٥) ومعه فلا تتحقق المعاوضة ، ولا يصدق كونه مبادلة مال بمال ، كما هو واضح.

__________________

(*) لا يبعد أن يكون الوجه الأوّل أقرب.

٨٧

مع معلومية قدرها (١). ولا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك ، فإنه بمنزلة التلف (٢). ويجب على العامل ردّ قيمتها لجبر الخسارة (٣) كما لو باعها من غير المالك.

وأما العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح (٤) بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصّته من المبيع ، لأنه ماله. نعم ، لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته ، بحيث يكون الربح حاصلاً بهذا الشراء ، يمكن الإشكال فيه ، حيث إن بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه.

ويمكن دفعه بأن كونه ربحاً متأخر عن صيرورته للبائع ، فيصير أوّلاً للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمناً ، وبعد أن تمّت المعاملة وصار ملكاً للبائع وصدق كونه ربحاً ، يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة ، فملكيّة البائع متقدِّمة طبعاً.

وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته ، فإنّ المبيع ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركاً بينه وبين العامل. ولا بأس به ، فإنّه من الأوّل يصير ملكاً للمالك ، ثمّ يصير بمقدار حصّة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة.

______________________________________________________

(١) لما عرفت فيما سبق ، من ملكيّة العامل لحصّته من الربح بمجرّد ظهوره.

(٢) على ما تقدّم بيانه في المسألة السابعة والثلاثين مفصَّلاً ، فراجع.

(٣) لأنّ مجرّد الإذن في البيع وجواز الإتلاف ، لا يقتضي عدم ضمانه ووجوب تداركه عند ظهور الخسارة.

(٤) لعدم اتحاد مالك العوض والمعوض ، فتصدق المعاوضة حقيقة ، حيث ينتقل المال المشترى من المالك إلى العامل ، في حين ينتقل الثمن من العامل إلى المالك.

٨٨

لكن هذا على ما هو المشهور (*) (١) من أن مقتضى المعاوضة دخول المعوض في ملك من خرج عنه العوض وأنه لا يعقل غيره. وأما على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوض لشخص ، والعوض داخل في ملك غيره ، وأنه لا ينافي حقيقة المعاوضة ، فيمكن أن يقال : من الأوّل يدخل الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة ، فلا تكون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظيراً له.

[٣٤٣٠] مسألة ٤١ : يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة (٢)

______________________________________________________

(١) بل هو المتعيّن ، لما ذكرناه في مباحث المكاسب من أنّ حقيقة البيع مبادلة بين المالين وتبديل للمال ، وإلغاء للخصوصية في العوضين. فمن يشتري الكتاب مثلاً بدينار أو يبيعه به ، يبدّل ماله بشي‌ء آخر يقوم مقامه في المالية ، وإن لم يكن مشتملاً على ما اشتمل عليه ماله من الخصوصيات.

وعلى هذا فحقيقة البيع متقوّمة بالأخذ والعطاء في قباله بحسب المرتكز العرفي وحيث إنّ هذا المعنى غير متحقّق في المقام ، فقد يشكل الحكم بصحّته.

إلّا أنه مندفع بما في المتن ، من أنّ حصّة العامل من الربح في المضاربة لا تدخل في ملكه ابتداء ، بل تدخل في ملك البائع المالك آناً ما ، ثمّ تنتقل وبموجب عقد المضاربة إليه.

وهذا مما لا محيص عن الالتزام به ، إذ به يتحقّق الجمع بين مقتضى العقدين : البيع المقتضي لدخول المعوض في ملك من خرج منه العوض ، والمضاربة المقتضية لملكية العامل للحصّة المعيّنة من الربح.

(٢) لوجود المقتضي وانتفاء المانع. فإنّ المالك لمّا أصبح شريكاً للعامل في المال بشرائه حصّة شريكه ، شملته أدلّة الشفعة من غير معارض ، فإنه شريك وله الأخذ بالشفعة في حصّة شريكه المبيعة لغيره.

__________________

(*) وهو صحيح.

٨٩

ولا يجوز العكس (١). مثلاً إذا كانت دار مشتركة بين العامل والأجنبي ، فاشترى العامل حصّة الأجنبي بمال المضاربة ، يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة (٢) لأن الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك ، فللعامل أن يأخذ تلك الحصّة بالشفعة منه. وأما إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبي ، فاشترى العامل حصّة الأجنبي ، ليس للمالك الأخذ بالشفعة ، لأن الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة ما هو له.

[٣٤٣١] مسألة ٤٢ : لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك ، سواء كان قبل ظهور الربح أو بعده ، لأنها مال الغير ، أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك. فإن فعل كان زانياً يحدّ مع عدم الشبهة كاملاً إن كان قبل حصول الربح (٣) وبقدر نصيب المالك إن كان بعده (٤). كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن له المالك بعد الشراء ، وكان

______________________________________________________

(١) لانتفاء موضوعها فيه. فإنّ المال وبشراء العامل حصّة شريك المالك له يصبح وبتمامه مملوكاً للمالك ، ومعه فلا مجال لأخذه بالشفعة ، لأنها إنما تثبت لأحد الشريكين في الحصّة المبيعة لشريكه الآخر من غيره ، وهو منتفٍ في المقام.

(٢) مقتضى مفهوم هذه القضيّة ، عدم ثبوت الشفعة للعامل إذا كان بعد ظهور الربح. ولم يظهر لنا وجه ذلك ، فإنّ أدلّة الشفعة شاملة للمقام من غير معارض ، حيث إنّ الحصّة المبيعة حصّة شريك العامل ، فله أن يأخذ بالشفعة حتى بعد ظهور الربح.

نعم ، إنه يملك بعض تلك الحصّة من جهة ظهور الربح بمقتضى عقد المضاربة ، لكنه لا يمنع من الأخذ بالشفعة في غيره ، ولعله (قدس سره) نظر إلى عدم جواز أخذ الجميع بالشفعة ، وإلّا فلا وجه لما ذكره.

(٣) لتمحض الجارية في الرقية لمولاها وانفراده في ملكها.

(٤) لاشتراكهما في ملكيّتها.

٩٠

قبل حصول الربح (١) بل يجوز بعده ، على الأقوى (٢) من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وطء الجارية المشتركة بينهما.

وهل يجوز وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع عقد المضاربة ، أو بعده قبل الشراء ، أم لا؟ المشهور على عدم الجواز ، لأن التحليل إما تمليك أو عقد ، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء (٣).

والأقوى كما عن الشيخ في النهاية الجواز ، لمنع كونه أحد الأمرين ، بل هو إباحة (٤) ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد ذلك ، كما إذا

______________________________________________________

(١) حيث تكون محللة من قبل المالك.

(٢) تقدّم الكلام في هذا الفرع في المسألة الحادية والعشرين من فصل نكاح العبيد والإماء. وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة في المقام وإن كان هو المنع والحرمة ، باعتبار أنّ الملفقة من التحليل والملك لا يشملها شي‌ء من أسباب الحلّ المذكورة في الآية الكريمة والنصوص ، إلّا أنه لا محيص عن رفع اليد عنها والالتزام بالجواز.

وذلك لصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ، ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لشريكه ، قال : «هو حلال وأيّهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حراً من قبل الذي مات ونصفها مدبّراً» الحديث (١) ، فإنها صريحة في جواز وطء الجارية المشتركة بإذن الشريك.

وهذه الصحيحة وإن لم تكن واردة في المضاربة ، إلّا أن الحكم ثابت فيما نحن فيه أيضاً ، للقطع بعدم وجود خصوصية للتدبير ، فإنّ الحكم ثابت للأمة المشتركة بما هي مشتركة.

(٣) لعدم ملكيّته لها ، ومن هنا فلا أثر لتمليكه وطأها لغيره أو العقد عليها له.

(٤) وفيه : أنّ الوطء وإن كان من منافع الأمة ، فيمكن تمليكه للغير بإباحتها له ويدخل ذلك في قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (٢) إلّا أنه لا دليل على جوازه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب ٤١ ح ١.

(٢) سورة المؤمنون ٢٣ : ٦.

٩١

قال : اشتر بمالي طعاماً ثمّ كل منه (١).

هذا مضافاً إلى خبر الكاهلي (*) (٢) عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قلت : رجل

______________________________________________________

على أنّ الظاهر من الآية الكريمة كون المجوز للوطء هو ملكيّة عين الأمة ، فلا تشمل ملكيّة منفعتها.

وبعبارة اخرى : إنّه لو كنا نحن والآية الكريمة لقلنا بعدم جواز وطء الأمة المحللة حيث إنها ظاهرة في حصر سبب الحل في الزوجية وملك اليمين ، والتحليل خارج عنهما.

غير أننا التزمنا بجوازه به للنصوص الخاصّة الدالّة عليه ، فإنّها تكون مخصِّصة لعموم الآية الكريمة.

لكن هذا لا يعني الموافقة على ما أفاده الماتن (قدس سره) في مقام التعليل. فإنّ هذه النصوص وإن كانت دالّة على حلّية الجارية بالتحليل ، إلّا أنها ظاهرة في حلّيتها بالتحليل الصادر من المالك بالفعل ، فلا تشمل المقام ، حيث لا يكون الآذن مالكاً لها حين إذنه وإنما سيملكها بعد ذلك.

(١) قياسه (قدس سره) للمقام على ما ذكره من المثال ، قياس مع الفارق. فإنّ جواز الأكل في المثال على القاعدة ، حيث لا يعتبر في أكل مال الغير والتصرّف فيه إلّا تحصيل رضاه وطيب نفسه ولو باطناً ، فيجوز التصرّف فيه حتى مع عدم الإذن الإنشائي بالمرّة ، فضلاً عن وجوده في مرحلة سابقة على ملكيته له.

وأين هذا من المقام ، أعني باب التحليل ، حيث يعتبر فيه الإنشاء ولا يكفي مجرّد إحراز رضا المالك؟! والحاصل أنّ المؤثر في حلّية الجارية إنما هو إنشاء المالك لحلّيتها له ، ومن هنا فلا أثر لإنشاء غيره وإن كان سيملكها فيما بعد ، لعدم الدليل عليه.

(٢) رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد

__________________

(*) هذا هو العمدة ، وإلّا فللمناقشة فيما ذكره مجال.

٩٢

سألني أن أسألك : أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربة يشتري له ما يرى من شي‌ء وقال له : اشتر جارية تكون معك ، والجارية إنما هي لصاحب المال ، إن كان فيها وضيعة فعليه وإن كان ربح فله ، فللمضارب أن يطأها؟ قال عليه السلام : «نعم». ولا يضر ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها للمالك لأنّ الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن السابق وعدمه.

______________________________________________________

ابن زياد ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي الحسن (عليه السلام) (١).

وهذه الرواية هي العمدة في الاستدلال ، فإنها إن تمّت أمكن الالتزام بالجواز في المقام ، وإلّا فمقتضى القاعدة هو المنع. وما ذكره الماتن (قدس سره) أوّلاً لا يصلح دليلاً.

وكيف كان ، قد أورد على هذه الرواية تارة بضعف السند ، وأُخرى بضعف الدلالة.

أمّا الأوّل : فلأن المذكورين في السند وإن كانوا بأجمعهم ثقات ، إلّا أنّ طريق الشيخ (قدس سره) إلى الحسن بن محمد بن سماعة على ما في الفهرست ضعيف بأبي طالب الأنباري وعلي بن محمد بن الزبير (٢).

وفيه : أنّ الأمر وإن كان كذلك ، فإنّ طريق الشيخ (قدس سره) في الفهرست إلى الحسن بن محمد بن سماعة ضعيف ، خلافاً لما ادعاه الأردبيلي (قدس سره) من صحّته (٣) ، إلّا أن ذلك لا يمنع من القول بصحّة الرواية بعد وجود طريق آخر صحيح للشيخ (قدس سره) إلى الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو ما ذكره (قدس سره) في المشيخة (٤).

والحاصل أنّ صحّة طريقه (قدس سره) في المشيخة إلى الحسن بن محمد بن

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٥ ، الوسائل / ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١١ ح ١.

(٢) الفهرست ص : ٥١ ٥٢ رقم ١٩٣.

(٣) جامع الرواة ٢ : ٤٧٢.

(٤) التهذيب ١٠ : ٧٥ من المشيخة.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

سماعة ، تكفي في الحكم بصحّة هذه الرواية ، وإن كان طريقه (قدس سره) في الفهرست إليه ضعيفاً.

إذن فالرواية صحيحة من حيث السند.

وأمّا الثاني : فقد أورد على دلالتها بإيرادين :

الأوّل : ما ذكره (قدس سره) في المتن من كونها أجنبية عن محل الكلام ، نظراً لتضمنها الحكم بكون الربح بأجمعه للمالك.

وفيه : ما أفاده (قدس سره) من عدم وجود فرق بين المضاربة وغيرها من هذه الناحية ، فإذا كان التحليل قبل الملكيّة مجوِّزاً لوطء الجارية في غير مال المضاربة لكان مجوِّزاً له في مال المضاربة أيضاً.

الثاني : ما ذكره غير واحد من كونها مضطربة من حيث المفهوم والدلالة ومتروكة أو مهجورة من قبل الأصحاب. وذلك لظهورها في كون الجارية وديعة عنده ، حيث لم يرد فيها ما دلّ على تحليله إياها له ، وهذا المعنى مما يقطع ببطلانه ولم يلتزم أحد بجوازه. ومن هنا فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها.

وفيه : منع عدم دلالتها على التحليل ، فإنّ كلمة : (تكون معك) ظاهرة فيه ، فإنها بمعنى المصاحبة ، وهي في المقام كناية واضحة عن جواز وطئها باتخاذها زوجة أم أمة محللة له ، على ما يشهد استعمالها في القرآن الكريم فيه.

قال تعالى (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) (١).

وقال تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (٢).

والحاصل أنّ الرواية واردة في المقام ، أعني تحليل الرجل الأمة لغيره قبل أن يملكها.

__________________

(١) سورة المعارج ٧٠ : ١١ ١٢.

(٢) سورة عبس ٨٠ : ٣٤ ٣٦.

٩٤

وأما وطء المالك لتلك الجارية ، فلا بأس به قبل حصول الربح (١) بل مع الشك فيه ، لأصالة عدمه. وأما بعده ، فيتوقف على إذن العامل ، فيجوز معه ، على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه.

[٣٤٣٢] مسألة ٤٣ : لو كان المالك في المضاربة امرأة ، فاشترى العامل زوجها ، فإن كان بإذنها ، فلا إشكال في صحّته (٢) وبطلان نكاحها (٣) ولا ضمان عليه (٤) وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها (*) ونفقتها (٥). وإلّا ففي المسألة أقوال :

البطلان مطلقاً ، للاستلزام المذكور ، فيكون خلاف مصلحتها.

______________________________________________________

وأما دعوى إعراض المشهور عنها ، فقد عرفت منّا غير مرّة أنه لا يوجب رفع اليد عن الرواية وطرحها بعد تمامية سندها.

إذن فما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من الجواز هو الصحيح ، حيث لا موجب لرفع اليد عن صحيحة الكاهلي ، وإن كان ما استند إليه (قدس سره) أوّلاً قابلاً للمناقشة.

(١) لاستقلاله حينئذ في ملكيّتها.

(٢) بلا خلاف فيها ، كما لو باشرت هي ذلك بنفسها.

(٣) ويدلّ عليه مضافاً إلى النصوص العديدة الإجماع وتسالم الأصحاب عليه. وقد تقدّم بيان ذلك مفصَّلاً في المسألة السابعة من فصل نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح ، فراجع.

(٤) لصدور الفعل عن إذنها.

(٥) أما الأخير فلارتفاع موضوعها ، أعني الزوجية.

__________________

(*) إنّ الشراء إن كان بعد الدخول فلا إشكال في عدم سقوط المهر ، وإن كان قبل الدخول ففي سقوطه كلام يأتي في المسألة السابعة من نكاح الإماء ، ولعلّ الماتن (قدس سره) أراد هذه الصورة.

٩٥

والصحّة كذلك ، لأنّه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد ، كما إذا اشترى غير زوجها.

والصحّة إذا أجازت بعد ذلك. وهذا هو الأقوى ، إذ لا فرق بين الإذن السابق والإجازة اللّاحقة (١).

فلا وجه للقول الأوّل ، مع أن قائله غير معلوم ، ولعله من يقول بعدم صحّة الفضولي إلّا فيما ورد دليل خاص. مع أن الاستلزام المذكور ممنوع ، لأنها لا تستحقّ النفقة إلّا تدريجاً ، فليست هي مالاً لها فوّته عليها ، وإلّا لزم غرامتها على من قتل الزوج. وأما المهر فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط ، وإن كان قبله فيمكن أن يدعى عدم سقوطه أيضاً بمطلق المبطل ، وإنما يسقط بالطلاق فقط (٢). مع أنّ

______________________________________________________

وأمّا الأوّل ، فإن كان ذلك بعد دخوله بها ، فلا إشكال في عدم سقوطه واستقراره به. وإن كان قبله ، ففيه أقوال : السقوط مطلقاً ، وعدمه كذلك ، والتنصيف إلحاقاً له بالطلاق.

وقد عرفت في المسألة السابعة من فصل نكاح العبيد والإماء أن القاعدة تقتضي الثاني. إذ السقوط ينحصر بالفسخ الكاشف عن عدم ثبوت العقد من حينه ، فإلحاق غيره من موجبات البطلان كالرضاع ونحوه به ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود. كما لا وجه لقياسه على الطلاق ، حيث ثبت فيه التنصيف بالدليل التعبدي الخاص.

(١) بناءً على ما هو الصحيح من كون صحّة العقد بالإجازة اللاحقة على القاعدة. وأما لو قلنا بأن صحّته على خلاف القاعدة ، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بصحّة العقد الفضولي على القدر المتيقن منه ، حيث ليس في المقام دليل خاص يقتضي صحّته.

(٢) ما أفاده (قدس سره) من سهو القلم جزماً ، إذ لا قائل بسقوط المهر بالطلاق وإنما به ينتصف المهر. وحقّ العبارة أن يبدل كلمة (الطلاق) بـ (الفسخ).

٩٦

المهر كان لسيِّدها (١) لا لها (١).

وكذا لا وجه للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها لا من حيث استلزام الضرر المذكور (٢) بل لأنها تريد زوجها لأغراض أُخر والإذن الذي تضمنه العقد منصرف عن مثل هذا.

ومما ذكرنا ظهر حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك ، فإنه صحيح مع الإذن السابق أو الإجازة اللّاحقة ، ولا يكفيه الإذن الضمني في العقد ، للانصراف.

[٣٤٣٣] مسألة ٤٤ : إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، فإما أن يكون بإذنه ، أوْ لا.

فعلى الأوّل ، ولم يكن فيه ربح ، صح وانعتق عليه (٣) وبطلت المضاربة بالنسبة إليه ، لأنه خلاف وضعها وخارج عن عنوانها ، حيث إنها مبنيّة على طلب الربح المفروض عدمه ، بل كونه خسارة محضة ، فيكون صحّة الشراء من حيث الإذن من المالك ، لا من حيث المضاربة. وحينئذ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه (٤) وإلّا بطلت من الأصل (٥) وللعامل اجرة عمله إذا لم يقصد التبرع (٦).

______________________________________________________

(١) وهو من سهو القلم أيضاً ، فإنّ الكلام في الحرّة التي يكون زوجها عبداً.

(٢) لما عرفت من عدم ثبوته. فإنّ ارتفاع النفقة بعد ارتفاع موضوعها وكونها تدريجياً ، لا يعدّ ضرراً. وسقوط المهر لا نقول به.

(٣) جزماً وبلا خلاف فيه ، فإنّه كما يصحّ للمالك مباشرته لشرائهم ، يصحّ له شراؤهم بالواسطة.

(٤) لعدم المقتضي للبطلان بالقياس إليه.

(٥) لانتفاء موضوعها بذهاب رأس المال بأجمعه.

(٦) لاستيفاء المالك عمله المحترم الصادر عن أمره من غير قصد للمجانية والتبرع.

__________________

(*) مفروض المسألة رقية الزوج دون المرأة ، وعليه فلا موقع لهذا الكلام.

٩٧

وإن كان فيه ربح ، فلا إشكال في صحّته. لكن في كونه قراضاً فيملك العامل بمقدار حصّته من العبد (١) أو يستحق عوضه على المالك للسراية (٢) أو بطلانه مضاربة واستحقاق العامل اجرة المثل لعمله (٣) كما إذا لم يكن ربح ، أقوال ، لا يبعد ترجيح الأخير لا لكونه خلاف وضع المضاربة ، للفرق بينه وبين صورة عدم الربح (٤) بل لأنه فرع ملكيّة المالك (*) المفروض عدمها (٥).

ودعوى أنه لا بدّ أن يقال : إنه يملكه آناً ما ثمّ ينعتق ، أو تقدر ملكيّته حفظاً لحقيقة البيع ، على القولين في تلك المسألة ، وأي منهما كان يكفي في ملكيّة الربح.

مدفوعة بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضاً متفرع على ملكيّة المالك ، فإن لها أثرين في عرض واحد : ملكيّة العامل للربح والانعتاق ، ومقتضى بناء العتق على التغليب تقديم الثاني. وعليه فلم يحصل للعامل ملكيّة نفس العبد ، ولم يفوِّت المالك عليه أيضاً شيئاً ، بل فعل ما يمنع عن ملكيّته. مع أنه يمكن أن يقال : إن التفويت من الشارع لا منه.

لكن الإنصاف أنّ المسألة مشكلة ، بناءً على لزوم تقدّم ملكيّة المالك وصيرورته للعامل بعده ، إذ تقدّم الانعتاق على ملكيّة العامل عند المعارضة في

______________________________________________________

(١) وكأنّ الوجه فيه عموم أدلّة المضاربة مع عدم القول بالسراية.

(٢) لكون الانعتاق عليه ، فيكون وكأنه هو المعتق له بالمباشرة.

(٣) لصدوره عن أمره من غير قصد للتبرع.

(٤) إذ مع وجود الربح لا يمكن أن يقال إنه خلاف كونه في مقام الاسترباح.

(٥) بل الصحيح في التعليل أن يقال : إنّ عدم استحقاق العامل للحصّة من الربح ناشئ عن عدم تحققه واقعاً في المقام ، وذلك لتوقف ملكيّة العامل لها على كون المعاملة رابحة بالنسبة إلى المالك ، وهو غير متصور فيما نحن فيه ، إذ الملكيّة آناً ما قبل الانعتاق القهري لا يعدّ ربحاً ، كي يقال باستحقاق العامل منه شيئاً.

__________________

(*) بل لأنّ هذه المعاملة لم يربح المالك فيها لتكون حصّة منه للعامل.

٩٨

محل المنع (*) (١).

نعم لو قلنا : إنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسط ملكيّة المالك بالجعل الأوّلي حين العقد ، وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة ، لكون العوض من مال المالك والمعوض مشتركاً بينه وبين العامل كما هو الأقوى (**) ـ (٢) لا يبقى إشكال.

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إن أدلّة المضاربة لما كانت صريحة في تقسيم الربح بين المالك والعامل على ما اتفقا عليه ، وكان ذلك متوقفاً على صدق الربح وتحققه في الخارج وهو مفقود في المقام ، حيث لا أثر للربح التقديري وإنما العبرة بالربح الفعلي ، فلا مجال لشمولها له.

إذن فالصحيح في التعليل هو نفي تحقق الربح في المقام ، لا نفي تحقق ملكيّة المالك.

(١) وكأنه من جهة أن دليل صحّة المضاربة ملكه للعمودين ، فلا يشمل ما إذا لم يكن ملكه مستقراً حتى مع عدم دليل الانعتاق.

وبعبارة اخرى : إنّ ظاهر دليل الانعتاق هو عدم استقرار ملكه للعمودين على نحو بحيث لولاه لكان مستقراً ، فلا يشمل المقام الذي لا يكون الملك مستقراً حتى ولو فرض عدم الدليل على الانعتاق القهري ، حيث إنّ الحصّة المعيّنة تنتقل إلى ملك العامل بمقتضى قانون المضاربة ، ولا تكون مستقرة في ملك المالك.

وفيه : أنه إنما يتمّ فيما إذا لم نلتزم بكون ملكيّة العامل مترتبة على ربح المالك في المعاملة ، وإلّا فلا وجه للمنع من تقدّم الانعتاق عليها ، نظراً لما عرفت من عدم صدق الربح بالملك التقديري عرفاً مع كفايته في الانعتاق.

ومن هنا تكون أدلّة الانعتاق شاملة للمقام من غير مزاحم ، لعدم شمول أدلّة المضاربة له ، باعتبار أن أساسها مبني على الاسترباح ، وهذه المعاملة خاسرة بالقياس إلى المالك من بادئ الأمر.

(٢) بل الأقوى خلافه ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة ، باعتبار أنّ حقيقة المعاوضة

__________________

(*) لا وجه للمنع بعد كون ملكيّة العامل مترتِّبة على ربح المالك في المعاملة.

(**) تقدّم أنّ الأقوى خلافه.

٩٩

فيمكن أن يقال بصحّته مضاربة ، وملكيّة العامل حصّته من نفس العبد على القول بعدم السراية ، وملكيّته عوضها إن قلنا بها.

وعلى الثاني أي إذا كان من غير إذن المالك فإن أجاز فكما في صورة الإذن (١) وإن لم يجز بطل الشراء. ودعوى البطلان ولو مع الإجازة ، لأنه تصرف منهيّ عنه ، كما ترى ، إذ النهي ليس عن المعاملة بما هي ، بل لأمر خارج (٢) فلا مانع من صحّتها مع الإجازة.

ولا فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالماً بأنه ممن ينعتق على المالك حين الشراء ، أو جاهلاً. والقول بالصحّة مع الجهل ، لأنّ بناء معاملات

______________________________________________________

والمبادلة بدخول العوض في كيس من خرج منه المعوض وبالعكس ، وإلّا لما كانت معاوضة.

(١) حيث ينتسب العقد بالإجازة إليه ، وحاله في ذلك حال سائر العقود الفضولية. وبذلك يكون كالعقد الصادر عن إذنه السابق ، فيلحقه حكمه حرفاً بحرف.

(٢) الصحيح في الجواب أن يقال : إنّ المعاملة الخارجية المفروضة قد تقع على شخص مال المضاربة ، بأن يشتري العامل أبا المالك بعين مال المضاربة. وقد تقع على الذمّة بأن يشتري العامل أبا المالك في ذمّته قاصداً الأداء من مال المضاربة.

أما في الثاني فالحكم واضح ، حيث لا نهي مولوي في البين ولا حرمة شرعية مطلقاً ، بل غاية ما هناك عدم نفوذ المعاملة قهراً على المالك وتوقفها على إذنه.

وأما في الأوّل فالأمر كذلك ، إذ المعاملة بما هي ليست بمحرمة شرعاً ، وإنما المحرم التصرّف في مال الغير بتسليمه إلى البائع بغير إذن المالك.

فالحكم في هذه المعاملة هو الحكم في بيع الغاصب لنفسه ، حيث يتعلق التحريم بتصرفه فيه ولو بإبقاء المال عنده.

إذن فالحرمة في المقام لم تتعلق ، لا بالمعاملة نفسها ، ولا لأمر خارج عنها.

هذا مضافاً إلى ما تقدّم غير مرّة ، من أن النهي حتى ولو كان متعلقاً بعنوان المعاملة لا يوجب الفساد.

١٠٠