موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

.................................................................................................

______________________________________________________

يتحقّق في موردين : ادعائه على غيره شيئاً من مال أو حق. أو اعترافه بثبوت حق لغيره عليه مع دعواه الأداء والوفاء ، كما لو أقرّ بدين لغيره على نفسه وادّعى الأداء فإنّ المطالب وإن كان هو المقرض ولو ترك ترك ، إلّا أنه لما اعترف الطرف الآخر به كان هو المدّعى والملزم بالإثبات لدى العقلاء.

ومن هنا فإن كان هذا من طَرف واحد فهو المدّعى ، والطرف الآخر هو المنكر. وإن كان من الطرفين ، بحيث يدّعي كلّ منهما على الآخر شيئاً وهو ينكره ، فهو التداعي ، فيلزم كلّ منهما ببناء العقلاء بإثبات ما يدعيه ، فلا بدّ من التحالف. فإن حلفا سقطت كلتا الدعويين ، وإلّا فدعوى الذي لم يحلف خاصة.

هذا كله بحسب كبرى المسألة. وأما بلحاظ تطبيقها على المقام ، فقد يفرض أن المالك يدّعي القرض والعامل يدّعي المضاربة الفاسدة ، وكانت المعاملة خاسرة ، فبناءً على ما تقدّم منه (قدس سره) من استحقاق العامل لُاجرة المثل في المضاربة الفاسدة مطلقاً وإن ناقشنا فيه على تفصيل تقدّم فهو من مصاديق التداعي ، حيث يطالب كلّ منهما الآخر بشي‌ء. فالمالك يدّعي القرض ويطالب العامل بتمام المال من دون أن يتحمل شيئاً من الخسارة ، والعامل يدّعي المضاربة الفاسدة ويطالب المالك بأُجرة مثل عمله ، فيتحالفان لا محالة.

وأما لو انعكس الأمر بأن كانت التجارة مربحة ، والمالك يدّعي المضاربة الفاسدة كي يكون تمام الربح له ، والعامل يدّعي القرض ليحرمه منه ، فليس المورد من التداعي في شي‌ء. وذلك لأنّ المالك بدعواه المضاربة الفاسدة لا يطالب العامل بشي‌ء كي يكون عليه إثباته ، وإنما يكفيه عدم ثبوت ما يدّعيه العامل ، لأنّ انتقال الربح التابع لرأس المال قهراً إلى العامل بالقرض هو الذي يحتاج إلى الإثبات ، فإن أثبته بالبيّنة كان الربح له ، وإلّا حلف المالك وأخذه بتمامه.

وبعبارة اخرى : إنّ المالك لا يحتاج في أخذ الربح إلى إثبات كون العقد مضاربة فاسدة ، فإنه لا يلزم العامل بشي‌ء ، وإنما يطالبه بربح ماله بعد أن يثبت كونه قرضاً.

ومن هنا فالنماء له حتى ولو لم يدع المضاربة الفاسدة ، حيث يكفيه مجرّد إنكاره للقرض.

٦١

وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحة. وهو مشكل ، إذ مورد الحمل على الصحّة (١) ما إذا علم أنهما أوقعا معاملة معينة واختلفا في صحّتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح وعلى الأُخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أنهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلاً. وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف. وأصالة الصحّة لا تثبت كونه بيعاً مثلاً لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة مثلاً لا مضاربة فاسدة.

______________________________________________________

وعلى هذا فالعامل هو المدّعى ، والمالك هو المنكر.

وأوضح من هذا ما لو ادّعى أحدهما البضاعة والآخر المضاربة الفاسدة ، بناءً على ما اختاره (قدس سره) من ثبوت اجرة المثل للعامل في كلا الفرضين ، مع كون الربح بتمامه للمالك. فإنه لا وجه لجعله من موارد التداعي ، إذ لا نزاع بينهما بالمرة ، لاتفاقهما على ثبوت الربح للمالك واستحقاق العامل اجرة المثل على التقديرين ، فليس هناك نزاع بينهما إلّا في الصورة ، وإلّا فليس في الواقع مدّعٍ ومنكر.

نعم ، بناءً على ما اخترناه من عدم استحقاق العامل الأُجرة في البضاعة ، فلو ادّعى العامل المضاربة الفاسدة والمالك البضاعة ، كان العامل هو المدّعى والمالك منكراً ، لأنه لا يلزمه بشي‌ء ، ولا تصل النوبة إلى التداعي.

(١) على ما تقدّم بيانه منّا غير مرّة ، فإنّ أصالة الصحّة تجري في موردين :

الأوّل : حمل فعل المؤمن على الصحّة وأنه لا يرتكب فعلاً على خلاف وظيفته والأصل في هذا المورد ثابت بدليل لفظي ، وأنه لا ينبغي أن يُتَّهم بل ينبغي حمل فعله على أحسنه.

ومن هنا فلا يختلف الحال فيه بين إحراز عنوان العمل وعدمه. فلا فرق في وجوب الحمل على الصحّة بهذا المعنى ، بين أن يرى مفطراً في شهر رمضان مع احتمال كونه مسافراً أو مريضاً ، فيحمل عمله على الصحّة ولا يتهم بالإفطار في شهر رمضان عمداً ، وبين ما لو صدر منه كلام مردد بين الشتم والسلام ، فيحمل على الصحيح ولا يظن به السوء.

٦٢

[٣٤١٤] مسألة ٢٥ : إذا قال المالك للعامل : خذ هذا المال قراضاً والرّبح بيننا ، صحّ ولكلٍّ منهما النصف (١).

وإذا قال : ونصف الربح لك ، فكذلك (٢).

بل وكذا لو قال : ونصف الربح لي ، فإنّ الظاهر إنّ النصف الآخر للعامل.

ولكن فرق بعضهم بين العبارتين ، وحكم بالصحَّة في الأُولى ، لأنه صرح فيها بكون النصف للعامل والنصف الآخر يبقى له ، على قاعدة التبعية. بخلاف العبارة الثانية ، فإن كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له أيضاً ، على قاعدة التبعية

______________________________________________________

إلّا أن أصالة الصحّة بهذا المعنى لا تثبت لوازمها وأنه قد سلّم ، ومن هنا فلا يجب الجواب عليه.

الثاني : الحمل على الصحّة ، بمعنى ترتيب آثارها على الفعل. فإذا صدر منه بيع أو طلاق أو غيرهما من العقود ، وشككنا في اشتماله على شرائط الصحّة وعدمه ، كان مقتضى أصالة الصحّة الحكم بالصحّة وترتيب آثارها عليه. فهي كقاعدة الفراغ في العبادات.

وهذا الأصل لا دليل عليه سوى السيرة القطعية ، والتسالم عليه بين المسلمين. ومورده ما إذا كان العنوان معلوماً ، وكان الشكّ في الصحّة والفساد فقط.

وأما إذا كان العمل مجهولاً ، كما لو دار الأمر بين طلاق زوجته طلاقاً صحيحاً أو إجارة داره إجارة فاسدة ، فلم تثبت السيرة منهم على البناء على الصحّة وترتيب آثار الطلاق الصحيح عليه ، إذ لم يحرز عنوان الطلاق كي يحكم بصحّته.

(١) لأنه ظاهر الكلام ، حيث إنّ مثل هذا التعبير ظاهر عرفاً في التساوي ، وخلافه هو الذي يحتاج إلى الإثبات. كما هو الحال في سائر الموارد ، كالوصية بشي‌ء واحد لاثنين ، فإنها ظاهرة في تساويهما فيه. ولأجل هذا الظهور يحكم بصحّة المعاملة ، وإن كانت قد تبدو لأوّل وهلة مجملة.

(٢) حيث إنّ ظاهره كون تمام النصف الآخر للمالك ، باعتبار أنّ النماء بتمامه تابع للعين ، فما لم يجعله المالك لغيره يكون بطبيعة الحال له ، لأنه نماء ملكه.

٦٣

فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل. وأنت خبير بأنّ المفهوم من العبارة عرفاً كون النصف الآخر للعامل (١).

[٣٤١٥] مسألة ٢٦ : لا فرق بين أن يقول : خذ هذا المال قراضاً ولك نصف ربحه ، أو قال : خذه قراضاً ولك ربح نصفه ، في الصحّة والاشتراك في الربح بالمناصفة.

وربّما يقال بالبطلان في الثاني. بدعوى أنّ مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختصّ به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف فلا تكون الحصّة معلومة ، وأيضاً قد لا يعامل إلّا في النصف.

وفيه : أنّ المراد ربح نصف ما عومل به وربح (٢) فلا إشكال.

[٣٤١٦] مسألة ٢٧ : يجوز اتحاد المالك وتعدّد العامل (٣) مع اتحاد المال ، أو تميز مال كل من العاملين. فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح ، صحّ وكانا فيه سواء. ولو فضّل أحدهما على الآخر ، صحّ أيضاً وإن كانا في العمل سواء ، فإنّ غايته اشتراط حصّة قليلة لصاحب العمل الكثير ، وهذا لا بأس به. ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف ، وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الرّبح ، ولا مانع منه.

وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد العامل. بأن كان المال مشتركاً بين اثنين

______________________________________________________

(١) باعتبار أنّ ظاهر الكلام هو كون النصف تمام ما له من الربح وتحديد ما يستحقه بذلك ، وهو يقتضي كون الباقي للعامل ، وإلّا لما كان تمام ما للمالك هو النصف.

(٢) فالمراد ربح نصف المقدار الذي وقع مورداً للتجارة ، فهو نصف الرّبح فيما اتجر به لا ما لم يتجر كما يشهد له الفهم العرفي ، كما هو الحال في التعبير الأوّل أيضاً.

(٣) لإطلاق الأدلّة ، وانحلال المضاربة في الحقيقة والواقع إلى مضاربتين أو أكثر فهو كما لو ضارب المالك كلّاً منهما بنصف المال رأساً ، فإنّ الاتحاد في مقام الإنشاء لا ينافي التعدّد في الواقع واللب.

٦٤

فقارضا واحداً (١) بعقد واحد ، بالنصف مثلاً متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث أو الربع مثلاً.

وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال. بأن يكون مال كلّ منهما ممتازاً ، وقارضا واحداً مع الإذن في الخلط ، مع التساوي في حصّة العامل بينهما ، أو الاختلاف بأن يكون في مال أحدهما بالنصف وفي مال الآخر بالثلث أو الربع.

[٣٤١٧] مسألة ٢٨ : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين ، فقارضا واحداً واشترطا له نصف الربح ، وتفاضلا في النصف الآخر ، بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال ، أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه.

فإن كان من قصدهما كون ذلك النقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة ، بأن يكون كأنه اشترط على العامل في العمل بماله أقلّ مما شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصّته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصّته مثلاً ، مع تساويهما في المال ، فهو صحيح ، لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل (٢).

وإن لم يكن النقص راجعاً إلى العامل بل على الشريك الآخر ، بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصّتهما بأن لا يكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان ، لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين ، أو تساويهما مع التفاوت في المالين ، بلا عمل من صاحب الزيادة ، لأنّ المفروض كون العامل غيرهما ، ولا يجوز ذلك في الشركة.

والأقوى الصحّة (٣) لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من الإطلاق ، وانحلال المضاربة بعدد الملاك.

(٢) والوجه فيه واضح ، بعد ما عرفت من انحلال المضاربة الواحدة في الواقع إلى مضاربتين مستقلّتين بنصفي المال ، على أن يكون للعامل في إحداهما ثلثا الرّبح وللمالك الثلث ، وفي الأُخرى بالعكس.

(٣) بل الأقوى هو القول الأوّل وهو البطلان ، لعدم نفوذ مثل هذه الشروط ، على

٦٥

منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك بالشرط (*). ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو مخالف لمقتضى إطلاقها. مع أنه يمكن أن يدعى الفرق (**) بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمّنة للشركة (١).

______________________________________________________

ما تقدّم بيانه غير مرّة. فإنّ أدلّة نفوذ الشروط ، كقولهم (عليهم السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» غير شاملة له ، لأن هذا الشرط وإن لم يكن مخالفاً لمقتضى العقد ، إلّا أنه مخالف للسنة.

والوجه فيه ما عرفت من أن أدلّة نفوذ الشروط غير مشرعة ، وإنما هي دالّة على لزوم العمل بكل شرط سائغ في نفسه ، فما لم يكن سائغاً بنفسه قبل الاشتراط لا يكون سائغاً بالشرط.

فإنّ الاشتراط لا يوجب انقلاب الحكم الشرعي ، ولا يقتضي تحليل الحرام أو تحريم الحلال.

ومن هنا فحيث إنّ مقتضى تبعية النماء للعين في الملك ، كون ربح مال كل أحد له يكون اشتراطه لغيره محتاجاً إلى الدليل الخاص. ولذا لم يلتزموا بصحّة هذا الشرط في غير عقد الشركة والمضاربة ، كما لو باع متاعه لشخص على أن يكون ربحه من تجارته الأُخرى له ، على نحو شرط النتيجة كما هو المفروض في المقام ، فإنه يكون باطلا جزماً.

إذن فهذا الشرط مخالف للسنة ، وأدلّة نفوذ الشرط لا تشمله لأنها غير مشرّعة.

(١) ما أفاده (قدس سره) مبنيّ على ثبوت إطلاق في أدلّة المضاربة ، يقتضي جواز جعل بعض الربح للأجنبي ، كما اختاره (قدس سره) في أوّل الكتاب ، فإنّ المقام من صغريات تلك الكبرى ، حيث إنّ كلّاً من الشريكين أجنبي بالنسبة إلى حصّة شريكه

__________________

(*) فيه إشكال إذا كان الشرط من شرط النتيجة ، ولا بأس به إذا كان من شرط الفعل ، لكنّه خلاف المفروض في المقام.

(**) هذا الفرق مبتن على ما تقدّم منه (قدس سره) من جواز اشتراط كون جزء من الربح للأجنبي ، وقد تقدّم المنع عنه.

٦٦

[٣٤١٨] مسألة ٢٩ : تبطل المضاربة بموت كلّ من العامل والمالك. أما الأوّل ، فلاختصاص الإذن به (١). وأما الثاني ، فلانتقال المال بموته إلى وارثه فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه (٢). فإن كان المال نقداً صحّ ، وإن كان عروضاً فلا (٣) لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين (*).

وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته؟ قد يقال بعدم الجواز ، لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه. وهذا بخلاف إجازة البطن السابق في الوقف أزيد من مدّة حياته ، فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة ، لأنّ له حقاً بحسب جعل الواقف.

وأما في المقام ، فليس للوارث حق حال حياة المورث أصلاً ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته. وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية ، وفي المنجز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته.

______________________________________________________

الآخر.

لكنك قد عرفت منا عدم ثبوت مثل هذا الإطلاق. ومن هنا فالظاهر عدم جواز هذا الاشتراط ، بلا فرق في ذلك بين الشركة والمضاربة.

نعم ، لو كان هذا الاشتراط على نحو شرط الفعل لا شرط النتيجة ، لصحّ ووجب الوفاء به ، لأنه فعل سائغ في نفسه. إلّا أنه خارج عن محلّ الكلام ، حيث إنّ المفروض في المقام ملكيّة أحد الشريكين لبعض حصّة شريكه بمجرد الشرط.

(١) فيرتفع بموته ، وورثته أُناس أجانب عنه فليس لهم التصرّف في المال من دون إذن مالكه.

(٢) لما تقدّم من بطلان العقود الإذنية الجائزة بموت أحد الطرفين.

(٣) على خلاف تقدّم في محلّه ، وقد عرفت أنّ الأقوى جواز المضاربة بغير النقدين ، فراجع.

__________________

(*) مرّ أنّ جواز المضاربة على غير النقدين من الأوراق النقدية ونحوها هو الأظهر.

٦٧

ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها ، على القول بالبطلان بموته ، فإنه لا يجوز للوارث إجازتها. لكن يمكن أن يقال (*) : يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد (١) فكونه سيصير له كافٍ ، ومرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورث (٢) لا قبوله ، ولا تنفيذه.

فإنّ الإجازة أقسام : قد تكون قبولاً لما فعله الغير ، كما في إجازة بيع ماله فضولاً. وقد تكون راجعاً إلى إسقاط حق ، كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن

______________________________________________________

(١) وفيه : أنّ الكلام في إجازة الوارث للمضاربة بعد موت المالك لا في حال حياته ، ومن هنا فكونه في معرض الانتقال إليه أجنبي عن الموضوع بالمرة ، لأنه إذا ثبت له حق الإجازة كان له ذلك ، سواء أكان في معرض الانتقال إليه أم لم يكن ، إذ لا فرق في المجيز بين كونه وارثاً وكونه أجنبياً ، كما لو انتقل إليه المال بالشراء أو الصداق ، فإنّ الكلام في ثبوت حق الإجازة له هو الكلام في ثبوته للوارث.

(٢) لم يتحصل لما أفاده (قدس سره) وجه محصل. فإنّ الموت يوجب بطلان المضاربة ، ومعه كيف يمكن الحكم ببقائها؟ بل إن كانت هناك مضاربة فهي مضاربة جديدة غير التي كانت بين المالك الأوّل والعامل.

على أن لازم بقاء المضاربة الأُولى وعدم كون هذه المضاربة الثانية مضاربة جديدة ، هو تدارك الخسران الواقع في زمن المالك الأوّل من الرّبح في عهد المالك الجديد ، وبالعكس ؛ وهو يعني حرمان العامل في إحدى المضاربتين عن بعض الربح وتحميله لبعض الخسارة ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به ، لمنافاته لما دلّ على عدم تحمّل العامل لشي‌ء من الخسران.

إذن فما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، والصحيح هو الحكم بالبطلان.

__________________

(*) إلّا أنّه لا دليل عليه ، بل الدليل قائم على عدمه.

٦٨

وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث. وقد تكون إبقاءً لما فعله المالك كما في المقام.

[٣٤١٩] مسألة ٣٠ : لا يجوز للعامل أن يوكِّل وكيلاً في عمله ، أو يستأجر أجيراً ، إلّا بإذن المالك (١). نعم ، لا بأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدّمات ، على ما هو المتعارف (٢). وأما الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة ، فلا يجوز من دون إذن المالك ، ومعه لا مانع منه. كما أنه لا يجوز له أن يضارب غيره إلّا بإذن المالك.

[٣٤٢٠] مسألة ٣١ : إذا أذن في مضاربة الغير ، فأما أن يكون بجعل العامل الثاني عاملاً للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصّة ، وأما بجعله عاملاً لنفسه.

أمّا الأوّل فلا مانع منه ، وتنفسخ مضاربة نفسه على الأقوى (٣). واحتمال

______________________________________________________

(١) لقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وخروجه عن عنوان المضاربة.

(٢) كاستئجار الحمال على نقل البضائع ، أو الصانع لمساعدته في بعض العمل. والوجه فيه أن التعارف قرينة على رضا المالك بذلك التصرّف.

(٣) بل الأقوى البقاء ، بل لم يظهر للانفساخ وجه صحيح. فإنّ المضاربة من العقود الإذنية الجائزة ولا تتضمن أيّ تمليك أو تملّك ، وإنما هي عبارة عن الإذن في التصرّف بالمال ، ونتيجتها كون الرّبح مشتركاً بينهما. ومعه فما هو المانع من مضاربة اثنين من بادئ الأمر؟ فيكون لكل منها الاتجار بذلك المال ، فإن سبق أحدهما واتجر به انتفى موضوع المضاربة الثانية ، فإن ظهر ربح كان بين المالك والعامل.

ولا تقاس هذه بالإجارة أو المزارعة حيث إنهما يتضمنان التمليك ، ولا يصحّ أن يكون العمل الواحد مملوكاً لشخصين ، أو يصدر العمل الواحد من اثنين على نحو الاستقلال كي يكونا مالكين للأُجرة ، بل المقام من قبيل التوكيل ، حيث لا مانع من توكيل المتعددين في العمل الواحد.

٦٩

بقائها مع ذلك ، لعدم المنافاة ، كما ترى (*). ويكون الرّبح مشتركاً بين المالك والعامل الثاني ، وليس للأوّل شي‌ء (١) إلّا إذا كان بعد أن عمل عملاً وحصل ربح فيستحقّ حصّته من ذلك (٢). وليس له أن يشترط (**) على العامل الثاني شيئاً من الرّبح (٣) بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية.

______________________________________________________

والحاصل أنه لا وجه لما أفاده (قدس سره) بعد إمكان اجتماع المضاربتين على المال الواحد.

(١) لخروجه عن حدود المضاربة ، لأنه ليس بمالك لرأس المال ولا عامل فيه.

(٢) عملاً بالمضاربة التي اتفقا عليها هو والمالك.

(٣) ما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ بناءً على ما اخترناه من عدم جواز جعل شي‌ء من الربح للأجنبي ، نظراً إلى كون الحكم في المضاربة على خلاف القاعدة ، باعتبار أن مقتضى تبعية النماء لأصل المال هو كون الربح بأكمله للمالك ، فكون بعضه لغيره على خلاف القاعدة ، ومن هنا يحتاج نفوذه إلى الدليل ، وهو مختصّ بما إذا اشترط البعض للعامل.

وأما أدلّة الوفاء بالشروط فقد عرفت أنها ليست بمشرعة ، فلا تشمل مثل هذا الشرط المخالف للسنة.

وأما بناءً على ما أفاده (قدس سره) من جواز اشتراط بعض الربح للأجنبي تمسّكاً بما ادّعاه من عموم «المؤمنون عند شروطهم» فلا وجه للقول بعدم نفوذ الشرط في المقام ، إذ العامل الأوّل أجنبي بالنسبة إلى المضاربة الثانية ، فلا مانع من أن يستحقّ شيئاً من الربح بالاشتراط.

__________________

(*) لا أرى فيه شيئاً بعد ما كانت المضاربة من العقود الإذنيّة ، وعليه فلكلّ من العاملين أن يتجر بالمال ، والربح يكون مشتركاً بين العامل والمالك.

(**) لا مانع منه بناءً على ما تقدّم منه (قدس سره) من عدم استبعاد جواز جعل جزء من الربح للأجنبي.

٧٠

بل لو جعل الحصّة للعامل في المضاربة الثانية أقل مما اشترط له في الأُولى ، كأن يكون في الأُولى بالنصف وجعله ثلثاً في الثانية ، لا يستحقّ تلك الزيادة ، بل ترجع إلى المالك. وربّما يحتمل جواز اشتراط شي‌ء من الرّبح ، أو كون الزيادة له. بدعوى أنّ هذا المقدار ، وهو إيقاع عقد مضاربة ثمّ جعلها للغير ، نوع من العمل يكفي في جواز جعل حصّة من الربح له. وفيه : إنه وكالة لا مضاربة (١).

والثاني أيضاً لا مانع منه (٢). وتكون الحصّة المجعولة له في المضاربة الأُولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني ، على حسب قرارهما.

وأما الثالث فلا يصحّ (٣) من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني ، ومعه يرجع إلى التشريك.

[٣٤٢١] مسألة ٣٢ : إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك ، فإن أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدِّمة ، فيلحق كلّاً حكمهُ (٤). وإن لم يجز بطلت المضاربة الثانية.

وحينئذ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الرّبح ، فما قُرِّر للمالك في المضاربة

______________________________________________________

ومنه يظهر الحال فيما أفاده (قدس سره) ، فيما لو جعل الحصّة للعامل في المضاربة الثانية أقلّ مما اشترط له في الأُولى ، فإنه من مصاديق اشتراط بعض الربح لنفسه أيضاً.

(١) وبعبارة اخرى : إنّ مطلق العمل لا يوجب استحقاقه شيئاً من الرّبح ، وإنما الذي يقتضيه هو العمل تجارة مع ظهور الرّبح فيه ، وليس هذا منه.

(٢) فإنّ العقد الثاني لما كان وبحسب الفرض بإذن المالك ورضاه ، كان مرجعه إلى تعدّد العامل المضارب في المضاربة الأُولى بعد أن كان متحداً حدوثاً.

(٣) فإنّ العامل أجنبي عن مال المضاربة ، فلا يحقّ له تسليط الغير عليه بإنشاء العقد عليه معه ، فإنّ ذلك من مختصّات المالك أو من يقوم مقامه.

(٤) لانتساب العقد الصادر فضولة بالإجازة إلى المجيز ، فيكون العقد عقده ، ومن ثمّ يترتب عليه الآثار.

٧١

الاولى فله. وأما ما قُرِّر للعامل ، فهل هو أيضاً له ، أو للعامل الأوّل ، أو مشترك بين العاملين؟ وجوه وأقوال ، أقواها الأوّل ، لأن المفروض بطلان المضاربة الثانية ، فلا يستحقّ العامل الثاني شيئاً ، وإنّ العامل الأوّل لم يعمل حتى يستحقّ فيكون تمام الرّبح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله. ويستحقّ العامل الثاني أُجرة عمله مع جهله بالبطلان (١) على العامل الأوّل ، لأنه مغرور من قبله. وقيل : يستحقّ على المالك (٢). ولا وجه له ، مع فرض عدم الإذن منه له في العمل.

هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً للمالك. وأمّا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً له ، وقصد العامل في عمله العامل الأوّل فيمكن أن يقال : إنّ الرّبح للعامل الأوّل ، بل هو مختار المحقّق في الشرائع.

وذلك بدعوى أنّ المضاربة الأُولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أن العامل قصد العمل للعامل الأوّل ، فيكون كأنه هو العامل فيستحقّ الرّبح وعليه اجرة عمل العامل إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وبطلان المعاملة لا يضرّ بالإذن الحاصل منه للعامل له.

______________________________________________________

(١) وأمّا إذا كان عالماً بالحال ، فالأظهر أنه لا ضمان ، لا على المالك ولا على العامل. ولا ينافيه ما تقدّم منا في غير مورد أنه لا فرق في الضمان بين علم العامل بفساد العقد وعدمه ، فإن بينه وبين المقام من الفرق ما لا يكاد يخفى.

فإنّ المفروض في غير المقام صدور العمل من العامل بأمر الآمر لا على نحو المجانية ، فهو بأمره قد التزم للعامل بالأُجرة ، فلا يضرّ علم العامل بالفساد.

وهذا بخلاف المقام ، حيث لم يلتزم العامل الأوّل للثاني بشي‌ء ، وإنما أخبره عن ضمان المالك له ، وحيث إنّ العامل يعلم كذبه وأنه ليس بوكيل عنه ، فلا وجه للحكم بضمانه ، بل يكون حاله حال من استأجر غيره للعمل في ملك الغير على أن تكون أُجرته على المالك ، مع علم الأجير بعدم كونه وكيلاً عنه.

(٢) وكأنه لأنّ المالك قد استفاد من فعله ، وهو قد عمل على طبق نفعه ، وعمل المسلم محترم.

٧٢

لكن هذا إنما يتمّ إذا لم تكن المباشرة معتبرة في المضاربة الأُولى (١). وأما مع اعتبارها فلا يتمّ ، ويتعيّن كون تمام الرّبح للمالك (١) (٢) إذا أجاز المعاملات ، وإن لم تجز المضاربة الثانية.

[٣٤٢٢] مسألة ٣٣ : إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ، كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً أو نحو ذلك ، أو بالعكس ، فالظاهر صحّته. وكذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعاً أو قرضاً ، أو قراضاً أو بضاعة ، أو نحو ذلك.

ودعوى أنّ العقد المتيقّن ما إذا لم يكن من المالك إلّا رأس المال ، ومن العامل إلّا التجارة. مدفوعة بأن ذلك من حيث متعلق العقد ، فلا ينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه ، ويكفي في صحّته عموم أدلّة الشروط.

وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة ، بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر. قال : لأن العامل في القراض لا يعمل عملاً بغير جعل ولا قسط من الرّبح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض

______________________________________________________

إلّا أن فساده أوضح من أن يخفى. فإن احترام عمل المسلم لا يقتضي أن يكون لغيره ضمان بالنسبة إليه ، ما لم يكن العمل بأمره وإذنه.

(١) فإنه حينئذٍ تصحّ المضاربة الأُولى ، ويكون للعامل الأوّل ما قرراه من الرّبح وللثاني اجرة مثل عمله على الأوّل مع جهله بالفساد ، بل مع علمه به أيضاً على ما تقدّم ، لأنّ العمل قد استوفاه العامل الأوّل ، والتزم بعوضه للثاني ، فيضمنه عند ظهور فساد العقد معه.

(٢) لأن الأوّل لم يعمل شيئاً ، والثاني وإن عمل إلّا أن عمله لم يكن بأمر المالك فلا يستحقّ شيئاً.

__________________

(١) وأمّا الأخبار الدالّة على أنّ الربح يشترط فيه العامل والمالك عند مخالفة الشرط أيضاً فهي غير شاملة للمقام ، كما يظهر بالتأمّل.

٧٣

لأنّ قسط العامل يكون مجهولاً (١). ثمّ قال : وإن قلنا أنّ القراض صحيح ، والشرط جائز لكنه لا يلزم الوفاء به ، لأنّ البضاعة لا يلزم القيام بها ، كان قويّاً.

وحاصل كلامه في وجه بطلانهما : أن الشرط المفروض منافٍ لمقتضى العقد فيكون باطلاً ، وببطلانه يبطل العقد ، لاستلزامه جهالة حصّة العامل من حيث إنّ للشرط قسطاً من الربح ، وببطلانه يسقط ذلك القسط ، وهو غير معلوم المقدار.

وفيه : منع كونه منافياً لمقتضى العقد ، فإنّ مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزءٍ من الرّبح ، والعمل الخارجي ليس عملاً في مال القراض (٢).

______________________________________________________

وتوهّم استحقاق العامل الأوّل لما قرر في المضاربة الأُولى ، باعتبار أنّ المقام من مصاديق تخلّف الشرط ، وقد دلّت النصوص على استحقاقه للحصّة المعيّنة من الرّبح عند ظهوره.

مدفوع بأنّ النصوص إنما وردت في عمل العامل على خلاف شرط المالك ، كما لو اشترط التجارة في البلد فتاجر في غيره ، وأين هذا من صدور العمل من أجنبي عن حدود المضاربة بالكليّة؟.

وبعبارة اخرى : إنّ المفروض في هذه النصوص صدور التجارة من العامل فاقداً لشرط المالك ، فلا تشمل صورة صدور الفعل من غيره ، كما هو الحال في المقام.

(١) وذلك لأنّ المالك إنما رضي بجعل النسبة المعيّنة من الرّبح للعامل ، لاشتراطه عليه عملاً آخر مجاناً. فهو إنما أعطاه النصف مثلاً لاشتراطه عليه خياطة ثوبه مجاناً ولولاها لما كان يجعل للعامل النصف ، وهذا يعني مقابلة بعض الحصّة المجعولة للشرط.

ومن هنا فإذا فسد الشرط فسد ما يقابله قهراً ، وحيث إنه مجهول يكون ما بإزاء نفس عمل المضاربة مجهولاً أيضاً. وحينئذ فيبطل العقد ، إذ يعتبر في عقد المضاربة تحديد حصّة العامل من الرّبح.

(٢) وبعبارة اخرى : إنّ مقتضى عقد المضاربة أن لا يكون عمل العامل في مال المضاربة مجّاناً وبلا عوض ، بل لا بدّ من جعل شي‌ء من الرّبح بإزائه ، وأما كون عمله

٧٤

هذا مع أنّ ما ذكره من لزوم جهالة حصّة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع ، إذ ليس الشرط مقابلاً بالعوض في شي‌ء من الموارد ، وإنّما يوجب زيادة العوض ، فلا ينقص من بطلانه شي‌ء من الحصّة حتى تصير مجهولة.

وأما ما ذكره في قوله : وإن قلنا ... ، فلعل غرضه أنه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازماً يكون وجوده كعدمه ، فكأن لم يشترط ، فلا يلزم الجهالة في الحصّة. وفيه : أنه على فرض إيجابه للجهالة لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه ، حيث إنه على التقديرين زِيدَ بعض العوض لأجله.

هذا وقد يقرَّر في وجه بطلان الشرط المذكور : أنّ هذا الشرط لا أثر له أصلاً ، لأنه ليس بلازم الوفاء ، حيث إنه في العقد الجائز ، ولا يلزم من تخلفه أثر التسليط على الفسخ ، حيث إنه يجوز فسخه ولو مع عدم التخلف.

وفيه أوّلاً : ما عرفت سابقاً من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية ولم تفسخ ، وإن كان له أن يفسخ حتى يسقط وجوب العمل به.

وثانياً : لا نسلّم إنّ تخلّفه لا يؤثّر في التسلّط على الفسخ ، إذ الفسخ الذي يأتي من قِبل كون العقد جائزاً إنما يكون بالنسبة إلى الاستمرار ، بخلاف الفسخ الآتي من تخلّف الشرط فإنه يوجب فسخ المعاملة من الأصل (*) (١).

______________________________________________________

في مال آخر عيره بعوض أيضاً ، فلا يقتضيه عقد المضاربة ولا دليل عليه ، بل مقتضى عمومات الوفاء بالشرط صحّة هذا الشرط.

(١) والفرق بينهما : أنّ الجواز الآتي من قبل الشرط جواز وضعيّ حقي قابل للإسقاط من قبل المتعاقدين ، في حين إنّ الجواز المضاف إلى العقد مباشرة جواز حكميّ لا يقبل الإسقاط.

__________________

(*) والفرق بينهما هو أنّ الجواز الآتي من قبل تخلّف الشرط جواز وضعي ، والجواز في العقد الجائز جواز حكمي.

٧٥

فإذا فرضنا أنّ الفسخ بعد حصول الرّبح ، فإن كان من القسم الأوّل اقتضى حصوله من حينه ، فالعامل يستحقّ ذلك الرّبح بمقدار حصّته. وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الرّبح للمالك ، ويستحقّ العامل اجرة المثل لعمله ، وهي قد تكون أزيد من الرّبح (*) (١) وقد تكون أقل. فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجْل تخلّف الشرط.

[٣٤٢٣] مسألة ٣٤ : يملك العامل حصّته من الرّبح بمجرَّد ظهوره من غير توقُّف على الإنضاض أو القسمة ، لا نقلاً ولا كشفاً ، على المشهور ، بل الظاهر الإجماع عليه ، لأنه مقتضى اشتراط كون الرّبح بينهما (٢) ولأنّه مملوك وليس للمالك

______________________________________________________

(١) إنما يستحقّ العامل زيادة الأُجرة عن الحصّة المعيّنة من الرّبح على تقدير الفسخ ، فيما إذا لم يكن التخلف من نفسه ، كما لو جاء الفسخ نتيجة لتخلف المالك عما شرط عليه. وأما إذا كان الفسخ نتيجة لتخلف العامل عن الشرط ، فهو إنما يستحقّ أقل الأمرين ، من اجرة المثل وما اتفقا عليه من الحصّة. ولا يستحق الزيادة ، لإقدامه على العمل في المضاربة بأقل من ذلك المقدار ، فهو قد ألغى احترام ماله فيه.

(٢) فإنّ مقتضاه مع ملاحظة إطلاقات أدلّة المضاربة ملكيّة العامل للرّبح بمجرد ظهوره ، ومن غير توقّف على أمر آخر غيره.

وقد ذكرنا في مبحث الخمس تبعاً للماتن (قدس سره) ، أنّ ارتفاع القيمة السوقية قد يفرض في الأموال التي لم تعد للتجارة والاكتساب كالمعدات المتخذة للانتفاع الشخصي ، وقد يفرض فيما يتخذ للانتفاع بماليته.

ففي الأوّل لا يعد ترقي القيمة ربحاً عند العقلاء ، نظراً إلى أنّ الغاية من ملكيته لها ليست هي التجارة كي تكون مورداً لصدق الرّبح والاستفادة. فمن يشتري دار سكناه بألف ثمّ ترتفع القيمة السوقية بمرور الزمان فتصبح خمسة آلاف ، لا يعد لدى العقلاء

__________________

(*) إذا كان تخلّف الشرط من قِبَل العامل فهو وإن كان يستحقّ اجرة المثل إلّا أنّه لا بدّ أن لا يكون أزيد من الربح ، وإلّا فلا يستحقّ الزائد.

٧٦

فيكون للعامل ، وللصحيح (١) : رجل دفع إلى رجل ألف درهم للمضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : «يقوِّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق ، واستسعى في مال الرجل» إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته لم ينعتق أبوه.

نعم ، عن الفخر عن والده أنّ في المسألة أربعة أقوال ، ولكن لم يذكر القائل ولعلّه من العامّة.

أحدها : ما ذكرنا.

الثاني : أنه يملك بالإنضاض ، لأنه قبله ليس موجوداً خارجياً ، بل هو مقدَّر موهوم.

الثالث : أنه يملك بالقسمة ، لأنه لو ملك قبله لاختص بربحه ، ولم يكن وقاية لرأس المال.

______________________________________________________

أنه قد ربح أربعة آلاف ما دام هو يحتفظ بداره ولم يبعها ، وإنما هو يملك دار سكناه فقط. نعم ، لو باعها صدق الرّبح عند ذلك.

وهذا بخلاف الثاني ، حيث إنّ زيادة القيمة فيه تعتبر ربحاً لدى العقلاء ، سواء أباعه أم لم يبعه ، فإنه رابح ومالك للزيادة بالفعل.

ودعوى أنه أمر موهوم ، واضح الفساد. فإنه أمر اعتباري ثابت ببناء العقلاء على حدّ ثبوت أصل المالية ، وإلّا فلا نعرف أيّ فرق بين الذهب والحديد. فتاجر الحنطة وإن لم تزد حنطته عيناً ، إلّا أنها لما كانت تباع في آخر السنة بأكثر مما كانت تباع به في أوّلها ، يصدق عليه أنه ربح كذا مقداراً.

وعليه ففيما نحن فيه ، العبرة في صدق الرّبح عرفاً إنما هو بصدق الرّبح لدى العقلاء ، وحيث إنك قد عرفت صدقه عند ظهوره في الأموال التجارية حقيقة وبالاعتبار العقلائي ، يكون العامل مالكاً لحصّته. ولو لا ذلك لما كان له مطالبة المالك بالقسمة ، وكان للمالك أن يفسخ العقد من دون أن يعطيه شيئاً.

(١) رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن

٧٧

الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً ، لأنها توجب استقراره.

والأقوى ما ذكرنا ، لما ذكرنا. ودعوى أنه ليس موجوداً ، كما ترى (١). وكون القيمة أمراً وهمياً ، ممنوع. مع أنا نقول : إنه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لا يلزم أن يكون موجوداً خارجياً ، فإنّ الدين مملوك مع أنه ليس في الخارج.

ومن الغريب (٢) إصرار صاحب الجواهر على الإشكال في ملكيّته ، بدعوى أنه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشي‌ء أمر وهمي لا وجود له ، لا ذمّةً ولا خارجاً ، فلا يصدق عليه الرّبح. نعم ، لا بأس أن يقال : إنه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أن له الإنضاض فيملك. وأغرب منه أنه قال : بل لعل الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية ، إذ لا يخفى ما فيه (٣).

______________________________________________________

ميسر (قيس) ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) (١).

(١) ظهر وجهه ووجه ما يليه مما تقدّم منا بيانه.

(٢) استغرابه (قدس سره) في محلّه ، بعد ما عرفت صدق الرّبح عند العقلاء حقيقة.

(٣) لوضوح دلالة الصحيحة ، بعد توقّف العتق وبحسب الارتكاز العرفي على الملك ، فلو لم يكن العامل مالكاً لجزء من أبيه بالشراء ، فلا وجه لانعتاق مال الغير على العامل. على أنّ قوله (عليه السلام) : «واستسعى في مال الرجل» دليل على أنّ العتق إنما بدأ من حصّة العامل وملكه ، حيث يعلم من هذا التعبير أنّ مال الرجل غير المقدار الذي انعتق ، ولو كان الجميع للمالك لوجب الاستدعاء في جميع قيمته لا في خصوص مال الرجل.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ٨ ح ١.

٧٨

مع أن لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتى مقدار الرّبح ، مع أنّه ادّعي الاتفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الرّبح للمالك ، فلا ينبغي التأمل في أن الأقوى ما هو المشهور.

نعم ، إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الرّبح ، خرج عن ملكيّة العامل (١) لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيته من الأوّل.

وعلى ما ذكرنا يترتب عليه جميع آثار الملكيّة ، من جواز المطالبة بالقسمة وإن كانت موقوفة على رضى المالك ، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث ، وتعلّق الخمس والزّكاة ، وحصول الاستطاعة للحج وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدَّين مع المطالبة ، إلى غير ذلك.

[٣٤٢٤] مسألة ٣٥ : الرّبح وقاية لرأس المال ، فملكية العامل له بالظهور متزلزلة. فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف ، يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيته (٢).

______________________________________________________

(١) على ما سيأتي بيانه في المسألة القادمة.

(٢) بلا خلاف فيه بينهم ، بل وعليه التسالم ، مضافاً إلى كونه مقتضى عقد المضاربة من أوّل الأمر ، فإنّ إرجاع رأس المال بتمامه عند عدم الخسران أمر مفروغ عنه في أصل عقد المضاربة.

ومعنى هذا أخذ المالك لرأس ماله بعد الانتهاء من التجارة ، على أن يكون الزائد على تقدير وجوده مشتركاً بينه وبين العامل. ومن هنا فإذا خسرت التجارة أوّلاً ثمّ ربحت ، لم يكن للعامل المطالبة بحصّة من الرّبح إذا لم يكن زائداً عما خسرته أوّلاً وعلى هذا الارتكاز العرفي.

وبعبارة اخرى : إنّ المجعول في عقد المضاربة للعامل ليس هي الحصّة من الرّبح في كل معاملة بعينها ، وإنما هي الحصّة من الرّبح من حيث مجموع التجارات. وعليه فما دامت التجارة باقية ومستمرة ، يكون الخسران بأجمعه وارداً على الرّبح السابق عليه ومنجبراً بالذي يحصل بعده ، نظراً لعدم صدق ربح مجموع التجارة ، من حيث إنه مجموع على الزائد قبل ذلك ، كما هو واضح.

٧٩

والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة (١) فبعدها إذا تلف شي‌ء لا يحسب من الرّبح (٢) بل تلف كلٍّ على صاحبه.

ولا يكفي في الاستقرار قسمة الرّبح فقط مع عدم الفسخ (٣) بل ولا قسمة الكلّ كذلك (*) (٤) ولا بالفسخ مع عدم القسمة (٥). فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الرّبح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ، ويتمّ رأس المال بالرّبح.

نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة ، فهل تستقرّ الملكيّة أم لا؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل

______________________________________________________

ومن هنا فلا حاجة في الحكم إلى الدليل الخاص ، إذ يكفي فيه كونه مقتضى عقد المضاربة بحدّ ذاته.

(١) بلا خلاف فيه ، بل يظهر من بعض الكلمات دعوى الإجماع عليه. ويقتضيه إنهاء العقد ، وتسلّط كل على ما يختص به.

(٢) لانتهاء العقد ، ووقوع التلف على أمر غير متعلق للعقد بالفعل ، فيختص الخسران بمالكه.

(٣) لعدم ارتفاع عقد المضاربة ، فيبقى حكمه ، اعني جبر الخسارة بالرّبح ، سواء تحققت قسمة الرّبح أم لم تتحقق.

(٤) بان يرجع الأصل إلى المالك ويكون الرّبح بينهما على ما اتفقا عليه. إلّا ان الالتزام بذلك مشكل جدّاً ، حيث ان الفسخ لا يتوقف على اللفظ ، بل يحقق بالفعل أيضاً. ومن أظهر مصاديقه إعطاء العامل للمالك رأس ماله مع حصّته من الرّبح وأخذه هو حصّته منه أيضاً ، فإنه فسخ فعلي وإنهاء لعقد المضاربة. ومعه فلا وجه لجبران الخسارة بالرّبح السابق.

(٥) لعدم وصول رأس المال معه إلى مالكه ، فيكون الخسران محسوباً من الرّبح لا محالة.

__________________

(*) الظاهر أنها فسخ فعلي ، فلا يكون التلف بعدها محسوباً من الربح.

٨٠