موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

إلى حملها على بعض المحامل (١) ولا إلى الاقتصار على مواردها ، لاستفادة

______________________________________________________

ثمّ إنّ أغلب هذه الروايات وإن كانت واردة في مخالفة العامل للمالك في الخروج من البلد والمكان الذي حدده له في التجارة ، وصحيحة جميل واردة في مخالفته للمالك في جنس ما عيّنه له ، إلّا أنه يمكن إثبات الحكم بشكل عام والتعدي عن المورد ، بدعوى الأولوية القطعية. حيث إنه إذا ثبت اشتراك العامل والمالك في الربح على النسبة المعيّنة ، مع مخالفة العامل للمالك في جنس المتاع والمخالفة ذاتية ، كان ثبوته في مورد مخالفته للشرائط الأُخر العائدة إلى الاختلاف في الأوصاف أو الأزمان ، بطريق أَوْلى.

وإن أبيت عن قبول ذلك ، يكفينا في إثبات الحكم في سائر الموارد إطلاق صحيحة الحلبي المتقدِّمة ، حيث إنّ مقتضى إطلاق قوله : (فيخالف ما شرط عليه) عدم الفرق بين كون المخالفة من حيث الجنس أو الزمان أو الوصف.

(١) حمل بعضهم المخالفة في هذه النصوص على المخالفة الصورية. بدعوى ان قصد المالك حين إعطائه لرأس المال للعامل إنما هو الاسترباح ، غاية الأمر انه كان يتخيل انه إنما يكون بشراء الأطعمة مثلاً ، لكن العامل لما يعلم انفعية شراء الحيوان مثلاً فيشتريه ، فلا يمكن ان يقال انه كان من غير إذن المالك ، لأنه لما كان قصده الاسترباح كان راضياً بكل معاملة فيها ربح. ومن هنا تكون المعاملة صحيحة ، والربح بينهما بالنسبة لا محالة ، باعتبار ان المخالفة صورية لا حقيقية.

وعليه فالمتحصل ان هذه النصوص لا تتضمن حكماً تعبدياً مخالفة للقاعدة ، وإنما تتضمن حكماً تقتضيه القواعد بنفسها.

وفيه : انه لو تم فهو إنما يتم في صورة وجود الربح في المعاملة التي أتى بها العامل. وأما مع الخسارة فمقتضى القاعدة كون المعاملة فضولية ، ان أجازها المالك كانت الخسارة عليه وإلّا استحق نفس ماله وعينه ، لا الحكم بصحتها مطلقاً مع تحمل العامل للخسارة ، فإنه لا ينطبق على أي قاعدة من القواعد.

على انه إنما يختص بما إذا كان ربح المعاملة التي قام بها العامل ، أزيد أوْ لا أقل

٤١

العموم من بعضها الآخر (١).

______________________________________________________

مساوياً لربح المعاملة التي أمر بها المالك. وأما مع قلته بالنسبة إليه ، فكيف يمكن أن يقال : ان المالك راضٍ بها وان المخالفة صورية؟ والحال ان هذه النصوص مطلقة وغير مقيّدة بفرض تساوي الربحين ، أو زيادة ربح الثانية عما أمر به المالك.

هذا كله مضافاً إلى ان العبرة في صحة التصرّف في مال الغير ، انما هي بكون العقد الصادر منسوباً إلى المالك ، وهو لا يكون إلّا بإذنه السابق أو إجازته اللاحقة. ولا يكفي مجرّد الرضا الباطني التقديري ، فإنّ كل إنسان يرضى باطناً بالربح ، لكن أفهل يصحّح ذلك أخذ ماله والتصرّف من غير إذنه؟!.

إذن فهذه المخالفة حقيقية واقعية وليست بصورية ، ومقتضى القاعدة الحكم ببطلان ما صدر من العامل ، غير أنّ النصوص تضمنت صحّته تعبداً ، وكون الربح بينهما والخسارة على العامل.

(١) على ما تقدّم بيانه.

نعم ، الظاهر أنها إنما تختص بمخالفة العامل للشرط الراجع إلى الجهة الأُولى في المضاربة ، أعني الإذن في التصرّف في المال ، ولا تشمل مخالفته لما يرجع إلى الجهة الثانية وكون الربح بالنسبة المعينة بينهما.

وذلك لانصراف هذه النصوص عن مثل هذه المخالفات ، إذ الظاهر أنها ناظرة إلى عمل العامل عملاً لم يأذن فيه المالك وصدور العمل على خلاف الشرط ، لا ما إذا كان العمل مأذوناً فيه ؛ غاية الأمر أنه لم يف بشرط خارجي اشترط عليه بلحاظ جعل الربح له ، على ما يشهد له ملاحظة سائر النصوص الواردة في مخالفة العمل ، فإنها تقيد ما ظاهره الإطلاق لا محالة.

بل الظاهر أنه لا حاجة إلى ذلك أيضاً ، إذ الظاهر من صحيحة الحلبي المتقدِّمة ترتب الأثر على العمل بخلاف ما شرط عليه ، ولو بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ، حيث إنّ مجرّد عدم العمل بالشرط لا يقتضي الضمان ، وإنما يقتضيه العمل

٤٢

[٣٣٩٥] مسألة ٦ : لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر ، لنفسه أو غيره (١) إلّا مع إذن المالك عموماً ، كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة ، إن كان هناك مصلحة ، أو خصوصاً. فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف إلّا أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة (٢).

[٣٣٩٦] مسألة ٧ : مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرّف على حسب ما يراه ، من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس المُشترى. لكن لا يجوز له أن يسافر من دون إذن المالك (٣) إلّا إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق. وإن خالف فسافر ، فعلى ما مرّ في المسألة المتقدِّمة (٤).

______________________________________________________

والتصرّف على خلاف ما أذن فيه المالك وشرط على العامل. وهذا غير متحقق في الشرط الخارجي ، لأن الأثر غير مترتب على العمل بخلاف ما شرط ، وإنما هو مترتب على عدم العمل بالشرط.

فالأثر هناك مترتب على الفعل ، وهنا على الترك ، والبون بينهما بعيد. ولما لم يكن الثاني مورداً للروايات ، فلا بدّ فيه من الرجوع إلى القواعد ، وهي تقتضي الحكم بصحّة المضاربة مع ثبوت الخيار للمالك ، فإن أجاز كان الربح بينهما ، وإن فسخ أخذ تمام الرّبح ودفع للعامل اجرة مثل عمله.

(١) لكونه على خلاف ما أذن فيه المالك ، حيث إنّ ظاهر كلامه عند تجرّده عن القرينة هو الاتجار بالمال بشخصه ، لا مع خلطه بغيره.

(٢) كلّ ذلك للنصوص المتقدِّمة ، حيث إنها غير قاصرة الشمول لمثل المقام.

(٣) يظهر الوجه فيه مما تقدّم في المسألة السابقة. فإنه على خلاف ظاهر كلامه حيث إنّه منصرف إلى الاتجار في البلد ، فيما إذا لم يكن الاتجار في خارج البلد أمراً متعارفاً كما كان الحال في الأزمنة السابقة.

(٤) من كون الربح بينهما ، والخسران على العامل ، للنصوص المطلقة الشاملة للمقام ، بل وجملة من النصوص الواردة في خصوصه.

٤٣

[٣٣٩٧] مسألة ٨ : مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة ، لا يجوز له ذلك (١) إلّا أن يكون متعارفاً ينصرف إليه الإطلاق.

ولو خالف في غير مورد الانصراف ، فإن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو (٢).

وإن اطلع المالك قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو (٣) وإلّا فالبيع باطل (٤). وله الرجوع على كلٍّ من العامل والمشتري ، مع عدم وجود المال عنده ، أو عند مشترٍ آخر منه (٥).

______________________________________________________

(١) لأنّه على خلاف ظاهر إذنه.

(٢) حيث يحكم بصحّة المضاربة والعقد الذي صدر من العامل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.

وعليه فإن كان هناك ربح فهو بينهما على النسبة التي اتفقا عليها ، وإن كانت وضيعة فهي على العامل ، على ما تضمنته النصوص. حيث إن المقام من مصاديق مخالفة العامل للمالك فيما شرط عليه ، إذ أنه قد اتجر تجارة لم يأذن المالك فيها ، فيكون مشمولاً لها لا محالة.

(٣) حيث يحكم بصحّة المعاملة ، لانتسابها بالإجازة إليه.

(٤) لأنّها معاملة غير مأذون فيها ، ولا تشملها النصوص السابقة ، لظهورها في كون المال عند العامل بالفعل ، بحيث لو طالب المالك برأس ماله لأخذه مع الرّبح ، أو مع تدارك العامل للخسران. وهذا غير متحقق في المقام ، حيث إنّ المال عند المشتري ، ولا يلزمه الوفاء قبل الأجل.

وعليه فيحكم ببطلانها عند عدم إجازة المالك لها.

(٥) وبعبارة اخرى : إنّه إن كانت العين موجودة ، كان للمالك مطالبتها من كل من وضع يده عليها. وإن كانت تالفة ، كان له تغريم أي منهم شاء بالمثل أو القيمة ، على ما هو الميزان في باب الضمانات.

٤٤

فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة ، لا يرجع هو على العامل (١) إلّا أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنه حينئذٍ يرجع بتلك الزيادة عليه (٢). وإن رجع على العامل ، يرجع هو على المشتري بما غرم (٣) إلّا أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنه حينئذٍ يرجع بمقدار الثمن.

[٣٣٩٨] مسألة ٩ : في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ، كما أنه لا يجوز أن يبيع بأقلّ من قيمة المثل (٤) وإلّا بطل. نعم إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لا بأس به (٥).

[٣٣٩٩] مسألة ١٠ : لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن

______________________________________________________

وقد ذكرنا في مبحث تعاقب الأيادي من مباحث المكاسب ، أنه لا مانع من اعتبار المال الواحد في ذمم أشخاص متعددين ، بمعنى أن يكون لمالكه مطالبة أيهم شاء ، وإن استقر الضمان على من تلف المال بيده.

(١) لأن المال قد تلف بيده ، أو يد من أعطى المال له. ومن هنا فلو رجع على العامل ، رجع هو عليه ، لأن المفروض أنه قد أخذ منه.

(٢) كما هو الحال في غير المضاربة من العقود أو التمليكات المجانية ، نظراً لكون السبب أقوى من المباشر.

(٣) فإنّ ماله لا يذهب هدراً ، بل وبالمعاوضة القهرية ببناء العقلاء يملك المال التالف بمجرد دفع عوضه ، وحينئذٍ فله مطالبة كل من ترتبت يده لاحقاً عليه ببدله وهكذا يرجع كل من السابق على اللاحق.

(٤) والوجه في ذلك كله هو أنّ عقد المضاربة مبني على كون التجارة بالبيع والشراء بالقيمة المتعارفة وفي معرض تحصيل الربح ، فلا يشمل صورة علم العامل بالخسارة ، بأن يشتري بأزيد من ثمن المثل ، أو يبيع بالأقل منه.

(٥) فإن العبرة إنما هي بالمصلحة ، كما لو خاف تلف المال أو سرقته عند بقائه فباعه بأقل من ثمنه ، فإنه يحكم بصحته بلا إشكال.

٤٥

يبيع الجنس بجنس آخر (١). وقيل بعدم جواز البيع إلّا بالنقد المتعارف ، ولا وجه له ، إلّا إذا كان جنساً لا رغبة للناس فيه غالباً (٢).

[٣٤٠٠] مسألة ١١ : لا يجوز شراء المعيب ، إلّا إذا اقتضت المصلحة (٣). ولو اتفق ، فله الرد أو الأرش ، على ما تقتضيه المصلحة.

[٣٤٠١] مسألة ١٢ : المشهور على ما قيل أن في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلا يجوز الشراء في الذمّة.

وبعبارة اخرى : يجب أن يكون الثمن شخصياً من مال المالك ، لا كليّاً في الذمّة. والظاهر أنه يلحق به الكلي في المعيّن أيضاً.

وعُلِّل ذلك بأنه القدَر المتيقّن. وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راضٍ بذلك. وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة ، لا يصدق على الربح أنه ربح مال المضاربة. ولا يخفى ما في هذه العلل (٤).

والأقوى كما هو المتعارف جواز الشراء في الذمّة ، والدفع من رأس المال.

ثمّ إنهم لم يتعرضوا لبيعه. ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضاً شخصياً لا كلّياً ، ثمّ الدفع من الأجناس التي عنده. والأقوى فيه أيضاً جواز كونه كلّياً وإن لم يكن في التعارف مثل الشراء.

______________________________________________________

(١) لعدم الدليل على اعتبار النقد ، فضلاً عن النقد المتعارف. واقتضاء الإطلاق جواز كل عقد يكون في معرض الربح وفي مصلحة المالك.

(٢) فلا يجوز ، لكونه على خلاف مبنى عقد المضاربة.

(٣) ظهر وجهه مما تقدّم ، فإنّ العبرة في الصحّة إنما هي بوجود المصلحة ، وكون التجارة في معرض الربح.

(٤) فإنها مخالفة لإطلاقات أدلّة المضاربة المقتضية للصحّة ، ولا موجب لرفع اليد عنها.

٤٦

ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة (١).

الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنه عامل ووكيل عن المالك. ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة ، وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرناه (٢). وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء ، كان في ذمّة المالك (*) يؤدّي من ماله الآخر (٣).

______________________________________________________

(١) بمعنى قصده لأداء الثمن من مال المضاربة.

(٢) لما تقدّم من عدم اعتبار كون الشراء أو البيع شخصياً ، وجواز كونهما في الذمّة.

(٣) اعتبره في المسالك من المسلّمات (١) واستدل عليه في الجواهر بأنه مقتضى إطلاق إذن المالك (٢).

وفيه : أما التسالم فلم يثبت. وعلى تقديره فلا يمكن المساعدة عليه ، إذ كيف يمكن إلزام المالك بالدفع من ماله الخاص ، والحال أنه لم يأذن فيه ، فإن إلزامه بذلك تعسّف محض وبلا موجب ، فإنّ المالك إنما أذن بالشراء من ماله إما شخصياً أو كلياً على أن يدفع بدلهُ من المال المعين للمضاربة ، ولم يأذن في غيره.

وأما دعوى الإطلاق فهو واضح الاندفاع ، حيث إنّ المالك إنما أذن في التصرّف بالمال المعين ، ولم يجز في الزائد منه كي يكون مضموناً في مالِهِ الخاص.

وعليه فالصحيح هو الحكم ببطلان هذهِ المعاملة. فإنّ الثمن وإن كان كلياً في الذمّة لكنه لما كان مقيداً بالدفع من المال الخارجي المعيّن وتعذر ذلك ، كان من مصاديق تلف الثمن قبل قبضهِ ، فيحكم بانفساخ العقد ورجوع مقابله إلى مالكهِ الأصلي. ولا

__________________

(*) في إطلاقه إشكال بل منع.

(١) مسالك الافهام ٤ : ٣٥١.

(٢) الجواهر ٢٦ : ٣٦٠.

٤٧

الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه. وعلى هذا الشراء صحيح (١) ويكون عاصياً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلّا إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض.

الرابع : كذلك ، لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء ، حتى يكون الربح له ، فقصد نفسه حيلة منه. وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء (٢) وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك ، وضامناً له بل ضامناً للبائع أيضاً ، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح.

ويحتمل القول ببطلان الشراء (٣) لأن رضى البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض

______________________________________________________

موجب للحكم بالصحّة ، مع تحمل العامل أو المالك للضرر ، بدفع عوضه من ماله الخاص.

(١) بلا إشكال فيه. فإنّ البيع أو الشراء أمر ، والأداء الخارجي أمر آخر ، فيصحّ الشراء لكونه في الذمّة ، ويبطل الأداء لكونه تصرفاً في مال الغير بغير إذنه. ومن هنا فلا تبرأ ذمّته من الثمن بالنسبة إلى البائع ، في حين أنه ضامن للعين بالنسبة إلى المالك لتصرّفه فيها من غير إذنه.

وبالجملة حال الدفع من مال المضاربة في هذه الصورة ، حال الأداء من غير مال المضاربة من أموال الغير ، كمال الوديعة أو الغصب فإنّ الحال فيهما واحد.

(٢) لأنه قد اشتراه لنفسه ، ونيته لأداء ثمنه من مال القراض أمر خارج عن حقيقة البيع ، فإنه عبارة عن مبادلة مال بمال ، فلا تكون موجبة لفساده.

(٣) وفيه : أن التقيد لم يثبت بدليل. فإن معنى البيع على ما عرفت إنما هو المبادلة بين المالين ، والمنشأ إنما هو ملكيّة كل منهما لمال الآخر ، وأما الزائد عنه فلم يثبت بدليل. ودفع الثمن شرط ضمني يوجب تخلفه الخيار لا غير ، وليس هو مقوِّماً للبيع ، وإلّا لوجب القول بالبطلان في الصورة السابقة أيضاً ، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة حيث إنّ القيد

٤٨

أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح ، فهو بمنزلة السرقة (١) كما ورد في بعض الأخبار أن من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق (٢).

ويحتمل صحّة الشراء ، وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكليّاً في ذمّته ، إلّا أنه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه (٣).

والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل ، وبالاحتياط الثاني (٤) وأضعف الوجوه الثالث وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني.

______________________________________________________

متخلف فيهما ، فلا مبرر للفرق.

(١) لأنه ناوٍ لعدم دفع الثمن.

(٢) النص ضعيف ، ولا أقل من كونه مرسلاً. ولعلّه محمول على عدم قصده للدين من أوّل الأمر ، حيث يكون اختلاساً وسرقة.

ثمّ إن نصوص المقام غير منحصرة فيما أشار إليه الماتن (قدس سره) ، إلّا أن جميعها لا يخلو من ضعف في السند ، أو قصور في الدلالة.

(٣) وفيه : أنّ مجرّد قصده للأداء من مال الآخر ، كيف يجعله منصباً عليه ويجعل البيع له ، مع عدم قصد العامل الشراء له بالمرة؟ فإنّ العقد لا ينقلب عما وقع عليه والأداء وفاء للمعاملة وخارج عنها. ولذا لو قصد المشتري الأداء من مال غير مال المضاربة ، غصباً كان أم وديعة أم غيرهما ، لم يحكم بكون العقد لصاحب المال.

ومن هنا يظهر الحال فيما أفاده شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته ، من أنه ليس ببعيد ، فإنه بعيد جدّاً بل لم نعرف له وجهاً.

(٤) ووجهه غير واضح. فإنّ كلّاً من الأمرين على حد سواء ، وليس أحدهما أحوط من الآخر ، إذ الأمر دائر بين ملكيّة المبيع للمشتري أو البائع أو مالك المال ومع احتمال كل منها لا وجه للقول بأن الثاني موافق للاحتياط.

٤٩

الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره. وعليه أيضاً يكون المبيع له (١) وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً. ولو اختلف البائع والعامل في أن الشراء كان لنفسه ، أو لغيره وهو المالك المضارب ، يقدم قول البائع ، لظاهر الحال (٢). فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب.

[٣٤٠٢] مسألة ١٣ : يجب على العامل بعد تحقّق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة إليه وإلى تلك التجارة ، في مثل ذلك المكان والزمان ، من العمل ، وتولّي ما يتولّاه التاجر لنفسه ، من عرض القماش والنشر والطيّ وقبض الثمن وإيداعه في الصندوق ، ونحو ذلك مما هو اللّائق والمتعارف. ويجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره ، مثل الدلّال والحمّال والوزّان والكيّال وغير ذلك ، ويعطي الأُجرة من الوسط.

ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه ، فالأُجرة من ماله (٣). ولو تولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له ، فالظاهر جواز أخذ الأُجرة إن لم يقصد التبرع. وربّما يقال بعدم الجواز. وفيه : أنه منافٍ لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه (٤).

______________________________________________________

(١) فإنّ كونه للغير يحتاج إلى مئونة زائدة ، فما لم يقصده المنشئ يحكم بكون العقد لنفسه ، كما هو الحال في سائر الوكلاء.

(٢) فإنّ ظاهر الإنشاء انتسابه إلى نفسه وكونه هو المسئول عن بدله ، بحيث يكون هو طرف العقد والمطالب به ، كما يقتضيه بناء العقلاء والسيرة الجارية.

(٣) لكونه على خلاف مقتضى عقد المضاربة ، حيث إنه يقتضي كون تلك الأفعال على العامل نفسه.

(٤) تقدّم غير مرّة أن هذا المقدار من التعليل لا يكفي في جواز أخذ العامل للأُجرة ، بل لا بدّ في إثباته من إضافة أنّ العمل صادر بإذنه ومستند إليه ، وإلّا فلو لم يكن العمل صادراً بأمره لم يكن وجه لإثبات الأُجرة عليه.

٥٠

[٣٤٠٣] مسألة ١٤ : قد مر أنه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك. ومعه فنفقته في السفر من رأس المال (١) إلّا إذا اشترط المالك كونها على نفسه (٢). وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقاً ، والظاهر أنّ مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل. وربّما يقال له تفاوت ما بين السفر والحضر. والأقوى ما ذكرنا (٣) من جواز أخذها من أصل المال بتمامها ، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك ، مما يصدق عليه النفقة.

ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) في المضارب : «ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه».

هذا وأما في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئاً (٤) إلّا إذا اشترط على المالك ذلك.

______________________________________________________

فصدور العمل عن أمر المالك مقوِّم لثبوت الأُجرة عليه. وهو متحقق في المقام فإنّ العمل لما كان الاستئجار عليه أمراً متعارفاً ، كان مقتضى إذن المالك في المضاربة الإذن في الاستئجار ودفع الأُجرة بإزائه ، ومقتضى إطلاق هذا الإذن عدم الفرق بين كون الأجير هو العامل أو غيره. فإنه وكما يجوز للعامل استئجار عبده للقيام بذلك الفعل فتكون الأُجرة له قهراً ، كذلك يجوز له القيام به مباشرة ليأخذ الأُجرة بلا واسطة.

(١) لأنها من لوازم السفر ، والإذن بالشي‌ء وبالدلالة الالتزامية إذن في لوازمه. ويقتضيه مضافاً إلى ذلك السيرة القطعية الجارية.

(٢) فيتبع الشرط بلا كلام. ويقتضيه قولهم (عليهم السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» بعد أن كان الفعل في حدّ نفسه سائغاً.

(٣) إذ أن القولين الآخرين مضافاً إلى منافاتهما لإطلاق الإذن ، والسيرة القطعية الجارية بالتزام الآمر لجميع نفقات المأمور في سفره منافيان لصحيحة علي بن جعفر المذكورة في المتن.

(٤) للسيرة وصحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة.

٥١

[٣٤٠٤] مسألة ١٥ : المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب وآلات يحتاج إليها في سفره ، وأُجرة المسكن ونحو ذلك. وأما جوائزه وعطاياه وضيافاته ومصانعاته ، فعلى نفسه (١) إلّا إذا كانت التجارة موقوفة عليه.

[٣٤٠٥] مسألة ١٦ : اللازم الاقتصار على القدر اللائق ، فلو أسرف حسب عليه (٢). نعم ، لو قتّر على نفسه ، أو صار ضيفاً عند شخص ، لا يحسب له (٣).

[٣٤٠٦] مسألة ١٧ : المراد من السفر العرفيُّ لا الشرعيُّ (٤) فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة. كما أنه إذا أقام في بلد عشرة أيام أو أزيد كانت نفقته من رأس المال ، لأنه في السفر عرفاً. نعم ، إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر مثل التفرج ، أو لتحصيل مال له أو لغيره ، مما ليس متعلقاً بالتجارة فنفقته في تلك المدّة على نفسه (٥).

وإن كان مقامه لما يتعلّق بالتجارة ولأمر آخر ، بحيث يكون كل منهما علّة مستقلة لولا الآخر : فإن كان الأمر الآخر عارضاً في البين ، فالظاهر جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة (٦). وإن كانا في عرض واحد ، ففيه وجوه (*) (٧) ثالثها

______________________________________________________

(١) لعدم صدق النفقة عليه.

(٢) لخروجه عن المأذون من قبل المالك.

(٣) إذ العامل لا يملك على المالك مقدار نفقته كي يأخذه على كل تقدير ، وإنما يجوز له التصرّف من رأس المال بمقدار نفقته ، فإذا لم يصرف لم يبق موضوع للحكم.

(٤) فإنّ المراد به ما يقابل كونه في بلده.

(٥) لأن نفقته حينئذٍ ليست بما أنه عامل مضارب ، فلا يشملها دليل خروجها من أصل المال.

(٦) لإطلاق الدليل بعد صدق كون مقامه للتجارة.

(٧) أقواها جواز الإنفاق ، حيث لا قصور في شمول الأدلّة للمقام ، بل يقتضيه

__________________

(*) لا يبعد أن يكون الأخذ من مال التجارة هو الأظهر.

٥٢

التوزيع ، وهو الأحوط في الجملة (١) وأحوط منه كون التمام على نفسه. وإن كانت العلّة مجموعهما ، بحيث يكون كل واحد جزءاً من الداعي ، فالظاهر التوزيع (٢).

[٣٤٠٧] مسألة ١٨ : استحقاق النفقة مختصّ بالسفر المأذون فيه (٣). فلو سافر من غير إذن ، أو في غير الجهة المأذون فيه ، أو مع التعدي عما اذن فيه ، ليس له أن يأخذ من مال التجارة.

______________________________________________________

السيرة القطعية الجارية ، حيث يتحمل المرسل نفقات الرسول ، من غير فرق بين أن يكون للعامل في البلد المرسل إليه شغل غيره وعدمه.

(١) أي بالنسبة إلى العامل.

(٢) ويقتضيه الارتكاز العرفي. فإنه إذا كان تمام المقام مستنداً إلى المالك ولأجله كان تمام نفقة العامل عليه. فإذا لم يكن غير بعضه له ، كان عليه من النفقات بحساب ذلك البعض إلى المجموع.

وبحسب هذا الارتكاز يمكن استفادة الحكم من صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة أيضاً. إذ العامل في سفره هذا يجمع بين صفتين ، فهو عامل مضاربة وغيره ، حيث إن سفره أو مقامه مستند إليهما معاً ، فله أن يطالب المالك من النفقات بمقدار ما هو عامل مضارب.

(٣) على ما يقتضيه الارتكاز العرفي. فإنّ ثبوت النفقة كان بملاك أن الإذن في الشي‌ء إذن وبالدلالة الالتزامية في لوازمه ، ومع انتفاء أصل الإذن لا تبقى دلالة التزامية.

ومن هنا وبحسب الارتكاز أيضاً ، يكون مورد صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة مختصاً بفرض الإذن ، فلا تعمّ صورة الغصب ، فإنّ معه كيف يمكن للعامل الصرف من مال المالك؟

على أنا لو سلمنا إطلاقها ، فمقتضى ما دلّ على ضمان العامل عند مخالفته لأمر المالك ، هو ضمان العامل لما ينفقه عند مخالفته لإذنه.

٥٣

[٣٤٠٨] مسألة ١٩ : لو تعدد أرباب المال كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة (١). وهل هو على نسبة المالين ، أو على نسبة العملين؟ قولان (*) (٢).

______________________________________________________

ومن هنا فإن قلنا بتقدم القاعدة عليها ولو من جهة الفهم العرفي ، فهو المطلوب. وإن قلنا بمعارضتها بالعموم من وجه وتساقطهما ، فالمرجع هو عمومات ما دلّ على أن من أتلف مال غيره فهو له ضامن ، فإنها شاملة للمقام بلا إشكال ، ومقتضاها ضمان العامل لما يتلفه بالإنفاق ، وهو يعني عدم جواز صرفه من مال المالك.

(١) على ما يقتضيه الارتكاز العرفي والقاعدة وصحيحة علي بن جعفر ، على ما تقدّم بيانه.

(٢) ذهب المشهور إلى الأوّل ، بل وكأنه المتسالم عليه بينهم. ونسب إلى بعض القول الثاني ، إلّا أنه لم يعرف قائله.

وكيف كان ، فهو الحق. وذلك لعدم ملاحظة القيمة والمالية في المضاربة عند إخراج نفقات العامل ، فإنه يأخذ نفقات سفره بتمامها وكمالها بإزاء عمله ، من غير فرق بين قلّة مال المضاربة وكثرتها. كما لو أرسل كل من تاجرين رسولاً إلى بلد لقيامه بعمل معيّن ، وكان رأس مال أحدهما أضعاف رأس مال الآخر ، فإنّ كلا منهما سيخسر من النفقات بمقدار ما يخسره الآخر منها إذا تساوت نفقتهما ، والحال أنّ رأس مال أحدهما أضعاف رأس مال صاحبه. وليس ذلك إلّا لكون العبرة في إخراج نفقته من رأس المال ، بالعمل والسفر لأجله ، دون كثرة مال المضاربة أو قلّتها.

وإذا كان الأمر كذلك في أصل المطلب ، يكون الأمر كذلك عند التوزيع أيضاً فيلحظ العملين دون المالين.

والحاصل أن سبب استحقاق النفقة إنما هو العمل دون المال ، فإنّه أجنبي بالمرّة عنه ، ولعل هذا هو المرتكز في الأذهان.

__________________

(*) لا يبعد أن يكون القول الثاني هو الأظهر.

٥٤

[٣٤٠٩] مسألة ٢٠ : لا يشترط في استحقاق النفَقة ظهور ربح (١) بل يُنفق من أصل المال وإن لم يحصل ربح أصلاً. نعم ، لو حصل الربح بعد هذا تُحسب من الربح ، ويعطى المالك تمام رأس ماله ، ثمّ يقسَّم بينهما (٢).

[٣٤١٠] مسألة ٢١ : لو مرض في أثناء السفر ، فإن كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة (٣) وإن منعه ليس له (٤). وعلى الأوّل لا يكون منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض (٥).

______________________________________________________

(١) للسيرة القطعية. فإنّ العامل يؤدّي اجرة ذهابه إلى تلك البلدة من رأس المال والحال أنه لا ربح عند ذاك ، بل وكذا نفقاته من المأكل والمشرب في الطريق ، بل وفي البلدة عند بدو الوصول إليها ، بل وبعد وصوله إلى قبل اشتغاله بالتجارة ، بل وفي بعض مراحلها أيضاً. فإنه وفى كل تلك المراحل يصرف من رأس المال وقبل ظهور الربح.

(٢) على ما يقتضيه النص ، فإنّ «جميع المال» المذكور فيه ليس إلّا كلّ ما تحت يد العامل من الأصل والربح. فتخرج النفقات منه ، ثمّ يستثني رأس المال ، والباقي يكون بينهما بمقتضى ما دلّ على أنّ الربح بينهما على ما اتفقا عليه.

نعم ، حكي عن الرياض القول بخروجها من أصل المال من غير تدارك من الربح بعد ذلك ، ناسباً له إلى الأصحاب (١).

إلّا أنه غير قابل للتصديق ، فإنه خلاف خروجها من «جميع المال» وظاهر النص والارتكاز العرفي استثناؤها من الربح على تقدير ظهوره.

(٣) بلا إشكال فيه ، لشمول الأدلّة له.

(٤) فإن الصرف من مال التجارة في مورد يكون القصور من قبله ، لا لوجود مانع ، ليس مشمولاً للنص ، ولا يدخل في الارتكاز العرفي.

(٥) قد يقال : إنّ الحكم في هذه المسألة مبنيّ على الخلاف في شمول النفقات

__________________

(١) رياض المسائل ١ : ٦٠٦ ٦٠٧.

٥٥

[٣٤١١] مسألة ٢٢ : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر ، فنفقة الرجوع على نفسه (*) (١) بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنها من مال المضاربة.

______________________________________________________

الواجبة كنفقة الزوجة لمثل نفقات العلاج ، وعدمه بدعوى اختصاصها بالمسكن والملبس والمأكل والمشرب.

إلّا أنه في غير محلّه ، ولا يمكن المساعدة عليه. فإن كلّاً من الأمرين تابع لدليله. وقد اخترنا في مسألة نفقات الزوجة وجوب نفقة العلاج بكل ما يكون دخيلاً في قوام حياتها ، كالحمام للتنظيف على الزوج ، باعتبار أنّ الوارد في النصوص عنوان «يقيم ظهرها» (١) وهو شامل لكلّ ما تحتاج إليه في حياتها المتعارفة.

وأما فيما نحن فيه ، فلا دليل على وجوب نفقة العلاج على المالك. فإنّ الارتكاز العرفي مختصّ بما هو المتعارف وما يعد نفقة للمسافر في سفره ، فلا يعمّ ما يحتاج إليه من غير جهة السفر ، كالدية لو وجبت عليه ، فإنها غير مشمولة للارتكاز العرفي جزماً.

وكذا الحال بالنسبة إلى صحيحة علي بن جعفر ، حيث إن المذكور فيها : «ما أنفق في سفره» وهو ظاهر فيما ينفقه لأجل سفره فلا تشمل ما كان أجنبياً عنه.

ومن هنا فالصحيح هو القول بتحمل العامل بنفسه لها ، إذ لا موجب لإخراجها من أصل المال أو الربح.

(١) فيما إذا انفسخ العقد بموت أو غيره ، أو جاء الفسخ من قبل العامل. وأما إذا كان بفعل المالك ، فالالتزام بكون مصرف الرجوع على العامل نفسه مشكل جدّاً. فإنّ صحيحة علي بن جعفر وإن لم تكن شاملة لها ، باعتبار أنّ موضوعها هو العامل المضارب وهو غير متحقق في المقام ، إلّا أنه لا موجب لرفع اليد عن الارتكاز العرفي والتزام المالك بكون نفقاته في سفره عليه.

__________________

(*) وفيه أنّ الأمر كذلك في فرض الانفساخ وفيما إذا كان الفسخ من قِبَل العامل ، وأمّا فيما إذا كان الفسخ من قِبَل المالك ففي كون نفقة الرجوع على نفسه لا يخلو عن إشكال قوي.

(١) الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ١٣٣١ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ح ٢٧٧١٤.

٥٦

[٣٤١٢] مسألة ٢٣ : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض والبضاعة. وأنّ في الأوّل الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك.

فإذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة (١) إلّا إذا علم أنه قصد الإبضاع (٢) فيصير بضاعة. ولا يستحقّ العامل أُجرة (٣) إلّا مع

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إن أساس المضاربة قائم على أن لا تتوجّه خسارة على العامل بوجه من الوجوه. فهو إما أن يأخذ شيئاً وذلك على تقدير ظهور الربح ، وإما أن لا يكون له شي‌ء ، وإما تحمّله للخسارة من كيسه الخاص فهو خارج عن عنوان المضاربة.

نعم ، لو كان الفسخ من قبله تحمل هو نفقات رجوعه ، حيث إنه جاء من قبله والمالك لم يلتزم بنفقاته حتى على تقدير فسخه هو للعقد.

(١) لفساد الشرط ، حيث إنه مخالف لمقتضى العقد ولا يجتمع معه ، وليس هو كاشتراط أمر خارجي حتى لا يكون فساده سارياً إلى العقد نفسه ، فإنّ بينهما بوناً بعيداً. فإنّ في المقام لما لم يكن المنشئ قد أنشأ العقد مطلقاً وإنما أنشأه مع شرطٍ منافٍ ، كان ذلك من إنشاء أمر لا يتحقق في الخارج ، فهو في إنشائه فرض عدمه ، حيث اعتبر عنوان المضاربة وكون الربح مشتركاً بينهما على أن لا يتحقق ذلك في الخارج ، فيحكم ببطلانه حيث لا يقبل الإمضاء.

ومن هنا يظهر أن البحث الكلي في سراية الفساد من الشرط إلى العقد وعدمه غير شامل للشرط المخالف لمقتضى العقد ، فإنه محكوم بالبطلان جزماً ، نظراً لاعتبار المالك عدمه في ضمن وجوده ، لأنه أنشأه على أن لا يتحقق في الخارج.

(٢) فيحكم بصحّته ، لأنه حينئذ ليس بمضاربة ، وإنما أتى المنشئ بلفظها غلطاً أو مجازاً أو جهلاً بمفاهيم الألفاظ.

(٣) باعتبار أنّ العمل لم يصدر عن أمره الضماني ، فإنه لم يأمر به بضمان وإنما أمره به مجاناً ، فلا وجه لاستحقاق العامل الأُجرة عليه.

٥٧

الشّرط ، أو القرائن الدالّة على عدم التبرع (١). ومع الشكّ فيه وفي إرادة الأُجرة يستحقّ الأُجرة أيضاً (*) ، لقاعدة احترام عمل المسلم (٢).

وإذا قال : خذه قراضاً وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة (٣) إلّا إذا علم أنه أراد القرض (٤).

ولو لم يذكر لفظ المضاربة ، بأن قال : خذه واتجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة (٥) إلّا مع العلم بإرادة المضاربة ، فتكون فاسدة (٦).

ولو قال : خذه واتجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض ، إلّا مع العلم بإرادة المضاربة ، ففاسدة.

ومع الفساد في الصور المذكورة (**) ، يكون تمام الربح للمالك (٧) وللعامل اجرة عمله (***) (٨)

______________________________________________________

(١) فتثبت اجرة المثل ، لصدور العمل عن الأمر مع الضمان.

(٢) وفيه : أنّ مجرّد ذلك لا يقتضي ثبوت الأُجرة عليه ، بعد ما كان الإبضاع ظاهراً في العمل مجاناً ، كما يظهر ذلك من اشتراط كون تمام الربح له ، وقصد العامل لعدم التبرع لا أثر له ، بعد ان لم يكن الآمر قد أمر بضمان.

(٣) لمنافاته لمقتضى العقد على ما عرفت.

(٤) ظهر وجهه مما تقدّم.

(٥) لظهوره فيه.

(٦) لما تقدّم.

(٧) لتبعية النماءات والأرباح للأصل ، فهي لمالك المال.

(٨) قد يفرض فساد المضاربة لسبب غير اشتراط ما ينافي مقتضى العقد ، كما لو

__________________

(*) لا يبعد عدم الاستحقاق ، لظهور الكلام في العمل مجّاناً ، وأمّا قاعدة الاحترام فهي بنفسها لا تفي بالضّمان ولو علم أنّ العامل لم يقصد التبرّع بعمله.

(**) الظاهر أنّه أراد بها غير الصورة الأُولى حيث إنّه (قدس سره) قد بيّن حكمها بتمام شقوقها.

(***) الظاهر ثبوته في فرض علمه أيضاً.

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كان رأس المال دَيناً. وقد يفرض فساده من جهة اشتراط ما يخالف مقتضاه.

والحكم في الأوّل كما أفاده (قدس سره). فإنّ الربح بتمامه يكون للمالك ، ولا يعطى للعامل منه شي‌ء ، باعتبار أنه لا أثر لجعل النسبة المعينة منه له ، فإنه قد بطل بعدم إمضاء الشارع للعقد. لكن لما كان العمل بأمر من المالك لا على نحو المجانية ، واستيفاء العمل المحترم بضمان يوجب الضمان ، كان عليه دفع اجرة مثل العمل إلى العامل.

وأما في الثاني ، فلا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان الشرط المخالف لمقتضى العقد هو كون تمام الربح للعامل ، وبين ما إذا كان الشرط كون تمامه للمالك.

ففي الأوّل فالحكم ما تقدّم أيضاً. فإنّ تمام الربح يكون للمالك ، لكن لما كان عمل العامل عملاً محترماً وصادراً بأمر المالك على نحو الضمان ، تثبت اجرة المثل لا محالة. وهذا بخلاف الثاني ، حيث لا وجه فيه للضمان بالمرّة ، فإنّ وجهه في العقود الفاسدة إنما هو الإقدام عليه وأمر الغير بعمل له اجرة من غير ظهور في المجانية ، وهو غير متحقّق في المقام ، لظهور أمره في التبرع والمجانية ، كما يظهر من اعتبار كون تمام الربح له. ومعه فكيف يكون ضامناً؟

بل حال هذه الصورة حال البضاعة عند عدم القرينة على الأُجرة ، وهو الموافق للقاعدة الكلّيّة : «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

ثمّ إن في إطلاق استحقاق العامل لُاجرة المثل في فرض فساد العقد ، بأي وجه كان ، نظراً بل منعاً.

إذ الضمان في مثل هذه الموارد لم يثبت بدليل لفظي كي يتمسك بإطلاقه ، وإنما هو ثابت ببناء العقلاء ، والقدر المتيقن منه هو استحقاقه للأُجرة فيما إذا كانت مساوية للمقدار الذي جعل له في العقد الفاسد أو أنقص منه. فلو كان الفساد من جهة اشتراط كون تمام الربح للعامل ، وفرضنا أنه كان مائة دينار ، فهو لا يستحق في فرض الفساد إلّا ذلك المقدار من اجرة المثل.

وأما إذا فرض زيادة الأُجرة عليه ، فلم يثبت بناء منهم على لزوم دفعها بتمامها ، بل لا ينبغي الشك والريب في عدم وجوب دفع ما زاد عن الربح إليه ، لأنه الذي ألغى احترامه فيه.

٥٩

إلّا مع علمه بالفساد (١).

[٣٤١٣] مسألة ٢٤ : لو اختلف العامل والمالك في أنها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظي ولا قرينة معينة ، فمقتضى القاعدة التحالف (*) (٢).

______________________________________________________

والحاصل أن إطلاق لزوم دفع اجرة مثل عمل العامل في فرض فساد المضاربة إنما يتمّ فيما إذا كانت الأُجرة أنقص أو مساوية لما اتفقا عليه من الربح ، وأما إذا كانت أزيد منه فلم يثبت بناءً منهم على استحقاقه للزائد.

(١) تقدّم نظيره في عدّة من أبواب المعاملات ، وقد تكلمنا حوله في مبحث الإجارة مفصَّلاً ، حيث قد عرفت أنّ العلم بالفساد وعدمه سيّان من هذه الجهة. فإنّ علمه بالفساد ليس إلّا العلم بعدم إمضاء الشارع لهذا العقد ، وهو لا يلازم قصده التبرع والمجانية ، بل هو قاصد للربح ولو بغير استحقاق شرعاً. فإذا كان قصده كذلك ، ولم يكن أمر الآمر ظاهراً في المجانية ، فلا وجه للحكم بعدم استحقاقه للأُجرة.

والحاصل أنّ العلم بالفساد لا يلازم قصد التبرع والمجانية في العمل ، وإنما هو من هذه الناحية مع عدمه سيّان.

(٢) ذكرنا في محلّه من كتاب القضاء ، أن النصوص الواردة في التخاصم على كثرتها لم تتعرض لبيان المدّعى والمنكر. ومن هنا فلم تثبت لهما حقيقة شرعية ولا متشرعية ، بل هما باقيان على معناهما اللغوي المفهوم عرفاً.

والمراد بالمدعي كل من يدّعي شيئاً ويكون هو المطالب بإثباته عند العقلاء. وهو

__________________

(*) هذا إنّما يتم فيما إذا ادّعى المالك القرض وادّعى العامل المضاربة الفاسدة ، وأمّا إذا انعكست الدعوى فالظاهر أنّ الحلف يتوجّه إلى المالك لإنكاره القرض ، وليس في دعواه المضاربة الفاسدة إلزام للعامل بشي‌ء ليتوجّه الحلف إليه أيضاً ، وإذا اختلفا في أنّها مضاربة فاسدة أو بضاعة فلا أثر له بناءً على استحقاق العامل اجرة المثل في البضاعة ، وذلك لاتفاقهما على كون الربح للمالك واستحقاق العامل اجرة المثل على عمله ، نعم ، بناءً على عدمه كما اخترناه يتوجّه الحلف إلى المالك لإنكاره المضاربة الفاسدة ، وكيف كان فلا مجال للتحالف.

٦٠