موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه (١) فإنّ القول قول المضمون عنه (٢). وكذا لو اختلفا في صحّة الضمان وعدمها (٣).

[٣٦١١] مسألة ٢ : لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان ، أو في ثبوت الدَّين وعدمه ، أو في مقداره ، أو في مقدار ما ضمن ، أو في اشتراط تعجيله ، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجَّلاً ، أو في اشتراط شي‌ء عليه زائداً على أصل الدَّين ، فالقول قول الضامن (٤).

ولو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالاً ، أو زيادة أجله مع كونه مؤجّلاً أو وفاء أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه ، أو تقييده بكونه من مال

______________________________________________________

والذي يتحصّل من جميع ما تقدّم ، أنّ ما أفاده الماتن (قدس سره) من تقديم قول المضمون عنه عند اختلافه مع المضمون له في يسار الضامن حين الضمان وإعساره بناءً على القول بثبوت الخيار له عند ظهور إعساره ، إنما يتمّ في الصورتين الاولى والثالثة خاصّة. وأمّا في الصورة الثانية ، فالظاهر تقديم قول المضمون له ، لثبوت موضوع الخيار بالاستصحاب.

(١) بناءً على صحّة هذا الاشتراط كما اختاره الماتن (قدس سره) وجماعة ، وإلّا كما اخترناه فالشرط باطل من أساسه ، ولا أثر لهذا النزاع.

(٢) لكونه منكراً ، باعتبار أنّ خصمه المضمون له هو الذي يطالبه بشي‌ء ويلزمه الإثبات عند العقلاء.

(٣) لأصالة الصحّة بعد إحراز أصل وقوع العقد.

(٤) كما هو واضح ، فإنّ المضمون له مدّعٍ فعليه الإثبات. وإلّا فمقتضى أصالة عدم الضمان أو الدَّين ، أو الزائد عما يعترف به الضامن من الدَّين أو الضمان ، أو تعجيله أو تنقيص الأجل ، أو الأمر الزائد عن أصل الدَّين ، تقديم قول الضامن المنكر.

نعم ، للمضمون له تحليفه على ذلك ، على ما تقتضيه قواعد القضاء.

٤٨١

معيّن (١) والمفروض تلفه ، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن (٢) أو اشتراط شي‌ء على المضمون له ، أو اشتراط كون الضمان بما يساوي الأقلّ من الدَّين ، قدِّم قول المضمون له (٣).

[٣٦١٢] مسألة ٣ : لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه ، أو في وفاء الضامن حتى يجوز له الرجوع وعدمه ، أو في مقدار الدَّين الذي ضمن وأنكر المضمون عنه الزيادة ، أو في اشتراط شي‌ء على المضمون عنه (٤) أو اشتراط الخيار للضامن (٥) قُدِّم قول المضمون عنه (٦).

______________________________________________________

(١) بناءً على مختاره (قدس سره) من بطلان الضمان حينئذ وانتقال الدَّين إلى ذمّة الضامن.

لكنك قد عرفت في المسألة الرابعة والعشرين ، أنه لا معنى متحصل للتقييد في المقام بالمرّة ، وأنّ مرجعه إلى الاشتراط لا محالة.

(٢) بناءً على ما اختاره (قدس سره) من صحّة اشتراط الخيار في الضمان ، لكنك قد عرفت منا الإشكال فيه.

(٣) كلّ ذلك لكون الضامن مدعياً في قوله فعليه الإثبات ، وإلّا فمقتضى أصالة عدم كلّ ذلك لزوم الخروج عن عهدة الدَّين الثابت في ذمّته بأصل الضمان.

(٤) عند أمره بالضمان وقبوله له. فإنّ الشرط سائغ في نفسه ، والضمان فعل محترم فيصحّ للضامن عند أمر المضمون عنه بالضمان وقبوله له ، اشتراط شي‌ء مباح عليه بإزائه.

ومنه يظهر فساد ما قيل من أنّ المضمون عنه ليس طرفاً في عقد الضمان ، كي يصحّ الاشتراط عليه فيه. فإنّ الاشتراط إنما هو عند أمره له بالضمان وقبوله لذلك ، وليس في عقد الضمان كما توهم.

(٥) بناءً على صحّة هذا الاشتراط ، كما اختاره الماتن (قدس سره).

(٦) لكونه منكراً لما يدّعيه الضامن ، فإنّ اشتغال ذمّته بالدَّين ثانياً بعد فراغها منه

٤٨٢

ولو اختلفا في أصل الضمان ، أو في مقدار الدَّين الذي ضمنه وأنكر الضامن الزيادة ، فالقول قول الضامن (١).

[٣٦١٣] مسألة ٤ : إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفى الحقّ منه بالبيِّنة ، ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن أو الدَّين (*) (٢) لاعترافه بكونه أخذ منه ظلماً.

نعم ، لو كان مدّعياً مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان ، ولم يكن منكراً لأصل الدَّين ، وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً بالدَّين والإذن في الضمان (٣) جاز له الرجوع عليه ، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان وادعاء الإذن في الأداء

______________________________________________________

قطعاً يحتاج إلى الإثبات ، وإلّا فمقتضى أصالة عدمه تقديم قوله في كلّ ذلك.

(١) فإنّ اشتغال ذمّته بأصل الدَّين أو الزيادة عما يعترف به يحتاج إلى الدليل والأصل يقتضي عدمه.

(٢) مقتضى تقييده (قدس سره) للحكم بعدم رجوع الضامن على المضمون عنه بفرض إنكاره للإذن أو الدَّين ، اختصاصه به وعدم ثبوته عند اعتراف المضمون عنه بالإذن أو الدَّين.

غير أنّ من الظاهر عدم الفرق بين الفرضين. فإنّ مجرد ثبوت الدَّين أو الإذن في الضمان لا يكفي في جواز رجوع الضامن عليه ، إذ يعتبر فيه مضافاً إلى الإذن تحقق الضمان والأداء بعد ذلك خارجاً ، فما لم يتحقق أحد هذه الأُمور لا يكون للضامن الرجوع على المضمون عنه.

ومن هنا فحيث إنّ الضامن في المقام منكر لأصل الضمان وتحققه في الخارج أو الدَّين ، فكيف يجوز له الرجوع على المضمون عنه ، مع القطع بإذنه له فيه فضلاً عن اعترافه به.

(٣) ظهر الحال فيه مما تقدّم. فإنه لا فرق بين فرضي الإنكار والاعتراف من حيث

__________________

(*) الظاهر أنه لا فرق بين صورتي الإنكار وعدمه.

٤٨٣

فاستحقاقه الرجوع معلوم (*) (١) غاية الأمر أنه يقول إنّ ذلك للإذن في الأداء ، والمضمون عنه يقول إنه للإذن في الضمان. فهو كما (٢) لو ادّعى على شخص أنه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدّعي ينكر القرض ويقول : إنه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم. ولو لم يعترف المضمون عنه بالضمان أو

______________________________________________________

عدم جواز الرجوع عليه ، فإنه ليس من آثار الإذن المجرد ، وإنما هو من آثاره منضمّاً إلى تحقق الضمان والأداء في الخارج ، وحيث إنّ المأخوذ منه منكر لتحقق الضمان ، فلا وجه لرجوعه به عليه.

(١) قد عرفت مما تقدّم أنّ الأمر في المقام ليس كذلك. فإنّ أصل الاستحقاق ليس معلوماً على كلّ تقدير ، فإنّ المضمون عنه إنما يكون مشغول الذمّة للمأخوذ منه فيما لو كان قد أذن له في الأداء ، فإنه حينئذٍ يجوز له الرجوع عليه لخسارته للمال ، وإن كان ذلك بسبب مقدمة كاذبة أعني ادعاء الضمان عليه ، فإنّ ذلك لا يضرّ شيئاً بعد ما كان أصل وجوب الأداء ثابتاً عليه.

وأمّا لو كان قد اذن له في الضمان ، فاشتغال ذمّته له غير ثابت بل الثابت عدمه لأنّ جواز الرجوع وكما عرفت ليس من آثار أصل الضمان ، وإنما هو من آثار تحققه في الخارج وانتقال الدَّين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته ومن ثمّ أدائه خارجاً. وحيث إنّ المفروض عدمه بحسب اعتراف الضامن نفسه ، فلا وجه لرجوعه عليه بدعوى أنّ أصل الاستحقاق واشتغال ذمّة المضمون عنه معلوم.

(٢) قياس ما نحن فيه على المثال من القياس مع الفارق. فإنّ أصل الاستحقاق واشتغال الذمّة فيه معلوم وإن كان سببه مجهولاً ، وأين هذا مما نحن فيه حيث عرفت عدم ثبوت أصل الاستحقاق.

__________________

(*) فيه إشكال. فإن الإذن في الضمان لا يقتضي الرجوع على الآذن إلّا مع تحقق الضمان والوفاء به خارجاً ، والمفروض في المقام أنّ الضامن ينكر الضمان ويعترف بأنّ ما أُخذ منه إنما أُخذ ظلماً ومعه كيف يكون استحقاقه الرجوع معلوماً. نعم ، لا بأس بالرجوع على المضمون عنه مقاصّة لما أُخذ منه قهراً بإذن الحاكم الشرعي.

٤٨٤

الإذن فيه ، وثبت عليه ذلك بالبيّنة ، فكذلك (*) يجوز له الرجوع عليه مقاصّة عما أُخِذَ منه (١).

وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان ، أو كونه الإذن في الأداء؟ الظاهر ذلك (**) (٢) وإن كان

______________________________________________________

(١) في العبارة تشويش ظاهر ، ولعلّ فيها سقطاً ، فإنها لا ترجع إلى محصل ، إذ لا أثر لثبوت الإذن في الضمان شرعاً بالمرّة ، فإنه إنما يترتب على تحققه هو في الخارج وتحقق الأداء بعده ، على ما تقدّم.

نعم ، لو كان من أخذ منه المال معترفاً بثبوت الدَّين في ذمّة المضمون عنه ، كان له الرجوع عليه بإذن الحاكم الشرعي والأخذ منه مقاصة.

وذلك لأن الآخذ لما أخذ المال من الضامن قهراً عليه وظلماً ، كان ذلك المال ثابتاً في ذمّته للمأخوذ منه فهو مدين له به. ولمّا كانت ذمّة المضمون عنه مشغولة للأخذ بعد ، نظراً لعدم انتقال ما بذمّته إلى ذمّة غيره ، كان للمأخوذ منه الأخذ منه تقاصاً وأخذ ما يملكه الآخذ بدلاً عما أخذه منه ظلماً. ولكن لمّا كان مال الآخذ في ذمّة المضمون عنه كلياً ، احتاج التقاص منه إلى إذن الحاكم الشرعي.

بلا فرق في ذلك بين اعتراف المأخوذ منه بالضمان وعدمه ، أو اعتراف المضمون عنه بالإذن وعدمه ، فإنه من هاتين الجهتين سيان.

(٢) بل الظاهر عدمه. وذلك لما عرفته من اختلاف أثر الأذنين شرعاً بل اختلافهما من حيث أصل وجود الأثر وعدمه ، إذ لا أثر للإذن في الضمان ما لم يتحقق هو ومن بعده الأداء في الخارج ، بخلاف الآذن في الأداء ، حيث يكفي في جواز رجوع المأذون عليه مجرد تحقق الأداء خارجاً.

__________________

(*) في العبارة تشويش ، فإن جواز الرجوع على المضمون عنه مقاصّة بإذن من الحاكم الشرعي لا يرتبط بثبوت الضمان أو الإذن فيه بالبيّنة ، بل المناط فيه اعترافه بالدَّين وبعدم الضمان.

(**) بل الظاهر عدمه ، ويظهر وجهه مما مرّ.

٤٨٥

لا يخلو عن إشكال. وكذا في نظائره (١).

كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضاً وبينته تشهد بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنه للقرض أو لثمن البيع ، على إشكال (*).

[٣٦١٤] مسألة ٥ : إذا ادّعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك (٢). وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه (٣) وتقبل شهادته له بالأداء (٤) إذا لم يكن هناك مانع من

______________________________________________________

والحاصل أنّ خصوصية الإذن في مجرد الأداء أو الإذن في الضمان لما كانت دخيلة في ترتّب الأثر ، أعني جواز رجوع المأذون له على الآذن بعد الأداء ، لم يكن للشاهدين إطلاق الشهادة بالإذن والسكوت عنها.

(١) مما لا تكون للخصوصية دخل في ترتب الأثر عليه ، كما هو الحال في المثال المذكور في المتن. فإنّ الدَّين ثابت على كلّ حال ، وذمّة المدين مشغولة بالمال المعين للدائن من غير أثر لخصوصية القرض أو الشراء ، فإنه لا أثر لهما كما أنه لا أثر لسائر الخصوصيات من الزمان والمكان.

ولكن أين هذا من محلّ الكلام ونظائره مما يختلف الأثر فيه باختلاف الخصوصيات ، فإن تنظير أحدهما بالآخر ليس إلّا من القياس مع الفارق.

(٢) لما عرفته من توقف رجوعه عليه على تحقق الوفاء خارجاً. وحيث إنه غير متحقق ، بل المتحقق بحسب القواعد الشرعية عدمه ، فلا موجب لجواز رجوعه عليه.

(٣) أخذاً له باعترافه وإقراره ، فإنه بتصديقه له في الأداء يعترف بتحقق موجب الرجوع عليه ، وإن لم يثبت الأداء بالنسبة إلى المضمون له ، إذ لا منافاة بين الأمرين.

(٤) على ما تقتضيه قواعد الشهادة.

__________________

(*) الظاهر أنه لا إشكال فيه.

٤٨٦

تهمة (١) أو غيرهما ممّا يمنع من قبول الشهادة.

[٣٦١٥] مسألة ٦ : لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى ، جاز له الرجوع عليه (٢). ولو ادّعى الوفاء وأنكر الآذن قبل قول المأذون ، لأنه أمين

______________________________________________________

(١) ذكر هذا الاستثناء في جملة من النصوص المعتبرة وغيرها وقد ذكره غير واحد من الأصحاب أيضاً ، كالمحقق (قدس سره) في الشرائع (١) وغيره.

إلّا أنّ الكلام في المراد منه ، إذ الذي يعتبر في باب الشهادة جزماً أن لا يكون الشاهد طرفاً في الدعوى ، بحيث تكون شهادته راجعة إلى نفسه بجلب نفع أو دفع ضرر. كما لو ادّعى الوصي المفوض في صرف الثلث على غيره ديناً للميت ، فإنه لا تقبل شهادته عليه ، لاستلزامها دخول ثلث المبلغ المدّعى تحت تصرفه. أو شهد المضمون عنه للضامن بالأداء بعد ظهور إعسار الضامن من حين الضمان ، بناءً على مذهب المشهور من ثبوت الخيار حينئذ للمضمون له ، فإنّ شهادته هذه لما كانت تدفع عن نفسه ضرر إبطال العقد ورجوع الدَّين ثانياً إلى ذمّته لم تكن مسموعة.

ومن هنا فإن أُريد بالتهمة ما يقابل الوثوق بدينه وأمانته ، فاشتراط عدمها ليس إلّا تعبيراً آخر عن شرطية العدالة في الشاهد ، وليس هو أمراً زائداً عليها وفي قبالها.

وإن أُريد من اشتراط عدمها اعتبار أن لا تكون الشهادة لدوافع القرابة أو الصداقة أو نحوهما ، فهو غير معتبر جزماً ، حيث تصحّ شهادة الأقرباء بعضهم لبعض وإن كان هناك احتمال كون الصلة دخيلة فيها ، فإنه لا أثر له بعد فرض توفر سائر الشروط.

إذن فالمتعيّن حمل هذه الكلمة في لسان النصوص على المعنى الأوّل. ومن هنا فلا وجه لجعل عدمها في قبال سائر الشروط المعتبرة في الشاهد والتي منها العدالة.

(٢) لما ذكرناه في غير موضع ، من قيام السيرة العقلائية القطعية الممضاة شرعاً على ثبوت الضمان بالأمر بإتلاف مال محترم على نحو مباح أو القيام بعمل محترم.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٢٨.

٤٨٧

من قبله (١). ولو قيّد الأداء بالإشهاد وادعى الإشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضاً (٢). ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع (٣). نعم ، لو علم أنه وفّاه ولكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع عليه (*) (٤) لأنّ الغرض من الإشهاد العلم بحصول الوفاء والمفروض تحققه.

______________________________________________________

نعم ، لا بدّ من تقييد ذلك بعدم ظهور الأمر في الاستدعاء المجاني ، كما هو الحال في طلب الفقير ممن عليه الحقّ الشرعي من الخمس أو الزكاة أداء دينه ، أو طلب مرجع الحقوق منه ذلك ، بل الأمر كذلك بالنسبة إلى طلب الولد من أبيه ذلك ، فإنه ظاهر في الأداء المجاني لكون الأب متكفلاً بشؤون ابنه ، بل وكذا الحال في طلب سائر أفراد العائلة منه ذلك.

كما ينبغي تقييده بعدم قصد المأمور التبرع في عمله ، إذ معه لا يجوز له الرجوع عليه حتى وإن لم يكن لكلام الآمر ظهور في المجانية ، باعتبار أنه هو الذي قد أتلف ماله بداعٍ من نفسه ومن غير قصد امتثال الأمر.

(١) فهو في ذلك بمنزلة الوكيل ، ومرجع العمل فعلاً وتركاً إليه ، فيسمع قوله ما لم يثبت خلافه ، على ما تقتضيه السيرة القطعية.

(٢) لما تقدّم ، إذ لا فرق في تصديقه بين كون المأمور به هو الأداء المطلق أو المقيّد بالإشهاد أو غيره ، فإنّ قوله حجّة فيما يرجع أمره إليه ما لم يثبت خلافه.

(٣) لعدم تحقق ما يتوقف عليه جواز الرجوع.

(٤) إلّا أنه بعيد غايته ، بل هو ممنوع. فإنّ الإشهاد لما كان قيداً للمأمور به كما هو المفروض لم يكن الأداء المطلق بمأمور به لا محالة ومن غير تأثير لما هو الداعي له على هذا التقييد ، ومعه فكيف يجوز له الرجوع عليه.

(تمّ كتاب الضّمان)

__________________

(*) لكنه بعيد في فرض التقييد كما هو المفروض.

٤٨٨

كتاب الحوالة

٤٨٩
٤٩٠

كتاب الحوالة

وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة. والأولى أن يقال : إنها إحالة المديون دائنه إلى غيره ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره. وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان ، فإنه وإن كان تحويلاً من الضامن للدَّين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته ، إلّا أنه ليس فيه الإحالة المذكورة (١) خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه.

ويشترط فيها مضافاً إلى البلوغ (*) والعقل والاختيار (٢)

______________________________________________________

(١) فإنّ الفرق بينهما واضح. فإنّ المعاملة هنا إنما هي بين الدائن والمدين ، حيث إنّ الثاني ينقل ما في ذمّته إلى ذمّة غيره. بخلاف الضمان ، حيث تكون المعاملة بين الدائن والأجنبي ، ويستلزم نقل ما في ذمّة الغير إلى ذمّته.

(٢) وهذه هي الشروط العامة المعتبرة في جميع العقود ، وقد تقدّم بيان أدلّتها في مورده. غير أنّ من غير الخفي أن هذه الشروط إنما تعتبر فيمن يكون طرفاً للعقد خاصّة ، ولا تعتبر في الأجنبي عنه.

ومن هنا فحيث إنّ الحوالة عقد قائم بين المحيل والمحتال الدائن والمدين فقط وأما المحال عليه في فرض اشتغال ذمّته أجنبي عنها بالمرّة ، فلا وجه لاعتبار هذه الشرائط فيه. فإنه لا مانع من الحوالة على الصغير والمجنون ومن لم يرض بها ، إذ لمن يملك المال في ذممهم أن يملكه لغيره وينقله إليه كيفما يشاء ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها ، ومن دون أن يكون لمن عليه الحقّ أيّ اعتراض في ذلك ، فإنه لا يعتبر رضاه به جزماً ، باعتبار كونه أجنبياً عن المعاملة.

__________________

(*) الظاهر عدم اعتبار شي‌ء من ذلك في المحال عليه إلّا إذا كانت الحوالة على البري‌ء ، فإنه يعتبر فيه الأُمور المذكورة غير الفلس.

٤٩١

وعدم السّفه (١)

______________________________________________________

وعلى تقدير احتمال اعتباره وإن كان بعيداً جدّاً ، فهو أمر خارجي لا محالة ، وليس من الرضا المعاملي في شي‌ء كي يعتبر في صاحبه الشروط المذكورة.

نعم ، لو كانت الحوالة على البري‌ء ، وجب توفر الشروط المذكورة غير الفلس في المحال عليه أيضاً ، نظراً لكونها غير ملزمة بالنسبة إليه ، إذ المفروض أنّ المحيل لا يستحق عليه شيئاً. ومن هنا فلا بدّ في صحّتها من رضاه وقبوله ، لانتقال الدَّين من ذمّة المحيل إلى ذمّته.

وحيث إنه لا عبرة برضا فاقد هذه الشروط ، فإن رضا الصغير كالعدم وعمدهُ كالخطإ ، ولا أثر لقبول المجنون والمكره ، وليس للسفيه إشغال ذمّته بشي‌ء من دون إذن وليه ، اعتبر في صحّتها توفر الشروط لا محالة.

نعم ، لا يعتبر فيه عدم الحجر للفلس ، باعتبار اختصاص دليل الحجر عليه بالتصرف في أمواله الخارجية خاصّة ، وعدم شموله لإشغال ذمّته بشي‌ء ، فإنّ الدليل قاصر الشمول لمثله ، ولذا يصحّ إجارته لنفسه بل واستقراضه أيضاً. فليس هو كالسفيه ، حيث يكون ممنوعاً من التصرف في ذمّته وإشغالها فضلاً عن أمواله الخارجية.

نعم ، لا يشارك الدائن الجديد الغرماء السابقين في أمواله ، فإنها وبحكم حجر الحاكم عليها تختصّ بالغرماء حين الحجر دون غيرهم ، بلا فرق في ذلك بين كون سبب الدَّين اختيارياً كالاستقراض ، أو قهرياً كالإتلاف.

والحاصل أنّ إطلاق الحكم باعتبار هذه الشروط في المحال عليه مما لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّه إن كان مشغول الذمّة للمحيل لم يعتبر فيه أيّ شرط على الإطلاق ، وإن كان بري‌ء الذمّة بالنسبة إليه اعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر عليه للسفه خاصّة.

(١) أما بالنسبة إلى المحال عليه فقد عرفت الحال فيه.

وأما بالنسبة إلى المحيل نفسه ، فالظاهر أنه كاعتبار عدم الحجر عليه لفلس لا وجه

٤٩٢

في الثلاثة (*) من المحيل (١) والمحتال (٢)

______________________________________________________

له ، فيما إذا كانت الحوالة على بري‌ء الذمّة.

أما عدم اعتبار عدم السفه فيه ، فلأن السفيه إنما هو ممنوع من التصرّف في أمواله وإشغال ذمّته بشي‌ء ، ومن الواضح خروج المعاملة الموجبة لإسقاط ما ثبت في ذمّته وإشغال ذمّة الغير به عنهما معاً ، فلا يشمله دليل المنع.

وأمّا عدم اعتبار عدم الفلس فيه ، فلاختصاص الحجر عليه بالتصرّف في ماله خاصّة ، وحيث إنّ المفروض براءة ذمّة المحال عليه بالنسبة إليه وعدم ملكه لشي‌ء في ذمّته ، فلا تكون الحوالة عليه تصرّفاً في ماله ، فإنها ليست إلّا إشغالاً لذمّة الغير بما ثبت في ذمّته هو.

نعم ، لازم ذلك جواز الرجوع عليه بعد الأداء ، إلّا أنّ ذلك لا يضرّ شيئاً بعد ما عرفته من عدم مشاركته للغرماء في الأموال الموجودة ، حاله في ذلك حال الدَّين الجديد.

والحاصل أنّ اعتبار هذه الشرائط بأكملها في المحيل إنما يتمّ في الحوالة على مشغول الذمّة ، إذ ليس للصغير ولا المجنون ولا المكره ولا المحجور عليه لسفه أو فلس التصرف في أمواله الموجودة بالفعل ، ومنها دينه الثابت في ذمّة المحال عليه.

وأمّا لو كانت الحوالة على البري‌ء ، فلا يعتبر فيه سوى البلوغ والعقل والاختيار إذ لا أثر لعقد الصغير والمجنون والمكره ، دون عدم الحجر عليه لسفه أو فلس.

(١) على تفصيل عرفته.

(٢) بلا إشكال فيه ، إذ الحوالة نقل لدينه وماله الثابت في ذمّة المحيل ، وهو تصرّف فيه جزماً فتتوقف صحّته على رضاه ، ويعتبر فيه توفر الشروط بأجمعها ، إذ لا أثر لرضا الصغير والمجنون والمكره وغير الرشيد والمفلس بالنسبة إلى ماله الموجود بالفعل.

__________________

(*) الظاهر أنّ حكم الحجر بالسفه حكمه بالفلس.

٤٩٣

والمحال عليه (١) وعدم الحجر بالسفه (*) (٢) في المحتال (٣) والمحال عليه (٤) بل والمحيل ، إلّا إذا كانت الحوالة على البري‌ء فإنه لا بأس به (٥) فإنه نظير الاقتراض منه أُمور ـ :

أحدها : الإيجاب والقبول ، على ما هو المشهور بينهم ، حيث عدّوها من العقود اللّازمة. فالإيجاب من المحيل ، والقبول من المحتال. وأمّا المحال عليه فليس من أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرد اشتراط الرضا منه لا يدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة. ويحتمل أن يقال : يعتبر قبوله أيضاً (**) (٦) فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين.

وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللّازمة ، من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما

______________________________________________________

(١) على إشكال قد عرفت تفصيله.

(٢) ذكر السفه من سهو القلم أو غلط النساخ جزماً ، والصحيح : الفلس ، كما هو أوضح من أن يخفى.

(٣) لما تقدّم.

(٤) على إشكال بل منع ، كما عرفته. فإنه لا يعتبر فيه عدم الحجر للفلس مطلقاً سواء أكان مشغول الذمّة للمحيل أم لم يكن.

(٥) لما عرفته من اختصاص الحجر عليه بالتصرف في ماله ، والحوالة على البري‌ء خارجة عنه.

(٦) إلّا أنه بعيد جدّاً ، فإنه لا دليل عليه ، بل لا وجه له بالمرّة ، فإنه خارج عن المعاقدة بالكليّة ، فإنّ العقد إنما هو بين المحيل والمحتال خاصّة ، ولا دور للمحال عليه فيه أصلاً.

__________________

(*) هذه الكلمة من سهو القلم أو غلط النسّاخ ، وصحيحها : بالفلس.

(**) لكنه بعيد جدّاً.

٤٩٤

بأن أوقع الحوالة بالكتابة (١).

______________________________________________________

فإنه إذا كان مشغول الذمّة للمحيل بالجنس الذي أحال غيره عليه فالأمر واضح فإنّ أمر المال بيد مالكه المحيل وله نقله كيفما يشاء وبأيّ سبب يختاره ، من بيع أو صلح أو هبة أو غيرها ، من دون أن يكون لمن اشتغلت ذمّته به حقّ في الاعتراض عليه. ومن هنا فلا يعتبر رضاه فضلاً عن قبوله.

وأمّا إذا كان بري‌ء الذمّة بالنسبة إليه ، أو كانت الحوالة بغير جنس الدَّين ، فيعتبر رضاه لا محالة ، إذ ليس للمحيل سلطنة على إشغال ذمّة المحال عليه بأصل المال أو الجنس الخاص بعد فرض فراغها منه.

إلّا أنّ اعتبار رضاه هذا ليس على حدّ جعله طرفاً للمعاقدة والإيجاب والقبول بل غايته اعتباره في صحّة العقد ، بمعنى عدم صحّته بدونه ، كما هو الحال في العقد الفضولي ، ومن الواضح أنه لا يستلزم كونه طرفاً للعقد واحتياج الإيجاب الواحد إلى قبولين.

ومنه يظهر ما في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) ، من عدم وجدان القائل بتركب العقد من إيجاب وقبولين ، وإن كان هو مقتضى ما تسمعه من دليلهم (١).

إذ لم يظهر له وجه ، فإنّ الدليل إنما اقتضى توقف اشتغال ذمّة المحال عليه بأصل المال أو الجنس المخصوص على رضاه وعدم صحّته من دونه ، وأمّا كونه طرفاً للعقد فلم يدل عليه دليل على الإطلاق.

والحاصل أنه لا دليل على اعتبار القبول من المحال عليه وجعله طرفاً للعقد ، إذ غاية دلالته اعتبار رضاه ، وهو لا يقتضي كونه طرفاً فيه.

ومن هنا فلا يعتبر في رضاه ما يشترط في الإيجاب والقبول من الموالاة ونحوها.

(١) على إشكال ستعرفه.

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ١٦٢.

٤٩٥

ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع (*) (١) غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لا يصيره عقداً ، وذلك لأنها نوع من وفاء الدَّين ، وإن كانت توجب انتقال الدَّين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء. وهو لا يكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس ، فإنه يعتبر فيه رضا الدّائن ومع ذلك إيقاع. ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنه نوع من الوفاء. وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شي‌ء ممّا يعتبر في العقود اللّازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها (٢).

______________________________________________________

(١) وفيه ما لا يخفى من فساد مبناه. فإنّ النقل من ذمّة إلى أُخرى ليس وفاءً للدَّين على الإطلاق ، وإنّما هو تبديل لمكان الدَّين وظرفه لا أكثر ، إذ المحيل ينقل ما في ذمّته للمحتال إلى ذمّة المحال عليه.

ومنه يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) من عدّ الوفاء بغير الجنس من الإيقاع فإنه فاسد قطعاً ، لرجوعه إلى تبديل المال الثابت في ذمّته بالمال الجديد ، والمعاوضة بين المالين ، وهو من العقود جزماً.

كما يظهر الحال في عدّه (قدس سره) للضمان والوكالة من الإيقاع أيضاً.

إذن فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه المشهور ، من كون الحوالة عقداً بين المحيل والمحتال ، لكونها تبديلاً لما في ذمّته للمحتال بماله في ذمّة المحال عليه.

(٢) إلّا أنّ تحققهما بها ونحوها لازم أعم لكونهما إيقاعاً ، فإنهما يصحّان بها حتى مع كونهما عقداً ، وذلك لتحقق إبراز الاعتبار النفساني بها.

بل يمكن الالتزام بصحّتهما بها مع عدم الموالاة أيضاً ، إذ لا دليل على اعتبارها ولا سيّما فيما هو متعارف خارجاً من الحوالة بالرسائل. فإنه لو كان التزام المحيل باقياً إلى

__________________

(*) بل الأقوى خلافه كما أنّ الأمر كذلك في الضمان والوكالة. نعم ، لا يبعد جواز الاكتفاء في جميعها بالكتابة وعدم اعتباره الموالاة بين الإيجاب والقبول.

٤٩٦

بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك (١) كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر. ألا ترى أنه فرق (*) (٢) بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً.

______________________________________________________

حين وصول الرسالة إلى المحتال وقبوله الحوالة ، تحقق العقد وانضمام التزام إلى التزام لدى العرف والعقلاء وحكم بصحّته لا محالة.

إذن فلا يمكن جعل تحققهما بالكتابة ونحوها من آثار كونهما من الإيقاعات ، لما عرفته من كون ذلك لازماً أعم لكونهما من الإيقاعات وكونهما من العقود.

(١) إلّا أنها بعيدة غاية البعد. فإنّ الوكالة إعطاء سلطنة للغير وإقامته مقام نفسه ولا بدّ فيها من القبول ، ومن هنا فهي من العقود قطعاً.

(٢) بل الفرق بينهما ظاهر. فإنّ الإذن ترخيص محض ممن بيده الأمر في متعلقه من الأُمور التكوينية كالأكل ، أو الاعتبارية كالبيع. بخلاف الوكالة ، فإنها سلطنة اعتبارية يمنحها الموكّل إلى غيره ولا بدّ من قبوله ، كما ولا بدّ من تعلقها بالأُمور الاعتبارية ، إذ لا معنى للتوكيل في الأُمور التكوينية ، كالأكل والركوب وما شاكلهما.

نعم ، يستثني من ذلك القبض حيث يصحّ فيه التوكيل ، فيكون قبض الوكيل قبضاً للموكل. وقد تعرّضنا إليه في بعض المباحث السابقة أيضاً.

ثمّ إنّ الوكالة تفترق عن الإذن في جملة أُمور :

منها : ارتفاع الوكالة بفسخ الوكيل ، فإنها عقد جائز ويصحّ للوكيل فسخه ، فإذا فعل ذلك أصبح أجنبياً عن متعلّقها ، ويكون تصرفه فيه تصرفاً فضولياً لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى الموكل. بخلاف الإذن ، حيث إنه غير قابل للرفع من قبل المأذون ، لعدم توقفه على قبوله. ومن هنا فلو أذن له في شي‌ء ورفض المأذون ذلك ثمّ بدا له القيام به كان له ذلك ، لكونه مأذوناً فيه بَعدُ ، لبقاء الإذن وعدم ارتفاعه بالرفض.

__________________

(*) الفرق ظاهر. فإنّ الإذن في بيع الدار مثلاً ليس ترخيصاً محضاً ، وأمّا الوكالة فهي إعطاء سلطنة على التصرف وله آثار خاصة لا تترتب على مجرد الترخيص.

٤٩٧

الثاني : التنجيز ، فلا تصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور. ولكن الأقوى عدم اعتباره (١) كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين.

______________________________________________________

ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) وإن لم يلتزم بهذا الفرق بين الوكالة والإذن عند تعرضه إليه في كتاب الوكالة من ملحقات العروة ، حيث اختار (قدس سره) عدم بطلان الوكالة بعزل الوكيل نفسه معللاً ذلك بأنها من الإيقاعات لا العقود ، إلّا أنه يكفينا في الإشكال عليه عدم انسجام ذلك مع التزامه (قدس سره) باعتبار رضا الوكيل ، إذ إنّ لازم كونها إيقاعاً والحكم بعدم انعزال الوكيل بعزل نفسه ، الالتزام بعدم اعتبار رضاه في صحّة الوكالة. فالجمع بين الحكمين في غير محله ، ولا يمكن المساعدة عليه.

ومنها : إن الوكالة قد تكون لازمة بالعرض ، بحيث لا يكون للموكل رفع اليد عن توكيله ، كما إذا أُخذت شرطاً في ضمن عقد لازم ، حيث تكون لازمة بتبع العقد باعتبار أنه إنما يكون لازماً بجميع شؤونه وتوابعه ومنها الوكالة. بخلاف الإذن ، حيث لا يمكن فرضه لازماً وغير قابل للرفع حتى ولو أُخذ في ضمن عقد لازم ، فإنه أمر تكويني يرتفع برفعه من قبل الآذن وجداناً ، غاية الأمر ثبوت الخيار للمأذون في العقد الذي أُخذ شرطاً في ضمنه ، نظراً لتخلف الشرط.

ومنها : نفوذ تصرّف الوكيل حتى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه الخبر ، على ما دلّ عليه النصّ الصحيح (١). بخلاف تصرّف المأذون بغير سلطنة اعتبارية بالوكالة ، حيث لا يكون تصرفه نافذاً فيما لو ثبت رجوع الآذن عن إذنه حين التصرّف.

إلى غير ذلك من الفروق.

إذن فالقول بعدم الفرق بينهما مجازفة لا يمكن المساعدة عليها بوجه.

(١) تقدّم الكلام منا في اعتبار التنجيز غير مرّة في مباحث المكاسب وغيرها ، وقد عرفت فقدان الدليل اللفظي على اعتباره ، وإنه إنما ثبت بالإجماع عليه خاصّة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٤ ح ٢ حسنة زرارة عن الباقرين (عليهما السلام) : «إذا أبرأه فليس له أن يرجع ...».

٤٩٨

الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال (١). وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرع المحال عليه بالوفاء ، بأن قال للمحتال : (أحلت بالدَّين الذي لك على فلان على نفسي) وحينئذٍ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ، إذ المفروض لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان (٢).

وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً ، أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه (٣). وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف (*) (٤).

______________________________________________________

ومن هنا فلا بدّ في الحكم باعتباره من تتبع موارد ثبوته ، ففي كلّ مورد تمّ الإجماع على اعتباره فهو ، وإلّا فلا موجب للالتزام باعتباره حتى ولو كان ذلك مشهوراً ، إذ لا حجّية للشهرة. ولذا التزمنا بصحّة الوكالة المعلّقة ، مستشهدين على عدم تحقّق الإجماع على اعتبار التنجيز فيها بتصريح المحقق القمي (قدس سره) في جامع شتاته به (١).

وحيث إنّ الحوالة أيضاً كذلك إذا لم يتمّ الإجماع على اعتباره فيها ، كما يشهد له عدم تعرّض جملة ممن ذكروه شرطاً في باقي العقود له إلى اعتباره فيها ، فلا موجب لاعتباره. ويكفينا في ذلك الشكّ في تحقق الإجماع.

(١) نظراً لكون الحوالة عقداً يقتضي انتقال الدَّين الثابت للمحتال في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فيتوقف على رضا طرفيه لا محالة.

(٢) فإنّ الحوالة وكما عرفتها عقد بين الدّائن والمدين ، في حين إنّ هذا عقد بين الدّائن والأجنبي ، فيكون ضماناً وإن عبّر عنه بالحوالة.

(٣) إذ لا سلطنة للمحيل على إشغال ذمّة المحال عليه ، بأصل المال أو الجنس الخاص ، بعد أن كانت بريئة منه.

(٤) نسب إلى المشهور القول باعتباره ، بل عن الأردبيلي (قدس سره) دعوى عدم الخلاف فيه بل احتمل بعضهم كونه طرفاً للعقد ، كما تقدّم.

__________________

(*) الأقوى عدم الاعتبار ، والتفصيل لا محصّل له ، والتوكيل خارج عن محلّ البحث.

(١) جامع الشتات ١ : ٢٠٧ حجري.

٤٩٩

ولا يبعد التفصيل (١) بين أن يحول عليه بما لَهُ عليه ، بأن يقول : (أعطه من الحقّ الذي لي عليك) فلا يعتبر رضاه ، فإنه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه (٢) وإن كان

______________________________________________________

لكنّه لو تمّ ما نُسب إلى المشهور لا وجه له. فإنّ المال ملك للمحيل وله نقله إلى من شاء وبأيّ سبب يختاره ، من بيع أو صلح أو هبة أو حوالة أو غيرها ، ومن غير أن يكون لمن عليه الحقّ الاعتراض عليه ، فإنه أجنبي عن المال وعليه أداؤه إلى مالكه.

نعم ، قد يعلل ذلك باختلاف الناس في الاقتضاء من حيث السهولة والصعوبة. وحيث إنه مما يؤثر مباشرة على المحال عليه ، فلا بدّ من اعتبار رضاه بنقل المال من ملك المحيل إلى ملك المحتال.

إلّا أنه واضح الاندفاع ، إذ لا يعتبر في صحّة النقل تساوي الطرفين في الاقتضاء. ولذا لم يذهب إليه أحد في بيع الدَّين على الإطلاق ، فإنه يصحّ سواء أرضي المدين أم لم يرض به ، سواء أكان المشتري سهلاً في الاقتضاء أم صعباً.

على أنه لو تمّ ما ذكر لكان لازمه تخصيص الحكم باعتبار رضا المحال عليه ، بما لو كان المحتال شديد المطالبة وصعباً في الاقتضاء ، كما هو واضح.

(١) بل هو بعيد جدّاً ، بل لم يظهر له وجه محصّل.

فإنه لو أحاله عليه مقيداً بكونها غير ما يطلبه ، كما لو صرح بكونها أجنبية عما له في ذمّته ، فلا إشكال في بقاء ذمّة المحال عليه مشغولة بما كان للمحيل عليه أوّلاً ، فإنه من الحوالة على البري‌ء جزماً وخارج عن محل الكلام ، إذ المفروض الحوالة على المدين بوصف كونه مديناً ، وهذه حوالة على المدين مقيداً بعدم هذا الوصف.

وأما لو أحاله عليه بمثل ما عليه من الحقّ ، لكن من غير تقييد بكونها من الحقّ الذي له عليه أو عدمه ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في انطباقه على الفرد الذي له عليه قهراً وانتقال ملكيّة المال إلى المحتال ، وبذلك فيكون حالها حال الحوالة المقيدة بكونها من الحقّ الذي عليه.

(٢) التعليل بكون المحال عليه بمنزلة الوكيل يعدّ غريباً منه (قدس سره) ولعله من

٥٠٠