موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

أنه من ضمان ما لم يجب ، كما ترى (١).

[٣٥٧٥] مسألة ٨ : إذا ضمن الدَّين الحالّ مؤجلاً بإذن المضمون عنه فالأجل للضمان لا للدَّين. فلو أسقط الضامن أجله وادّى الدَّين قبل الأجل ، يجوز له الرجوع على المضمون عنه (٢) لأنّ الذي عليه كان حالاً ولم يصرْ مؤجّلاً بتأجيل

______________________________________________________

الدَّين المؤجَّل ، وحيث إنّ هذه الزيادة غير واجبة على المديون ولا ثابتة في ذمّته ، كان ضمانها من ضمان ما لم يجب (١).

ووجه البطلان أنّ الضمان إنما تعلق بنفس الدَّين من غير زيادة فيه أو نقيصة والحلول والتأجيل إنما يثبتان بالاشتراط في ضمنه.

ومنه يظهر جواز اختلاف الأجلين من حيث الزيادة والنقيصة.

إذن فالصحيح هو ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، وفاقاً للمشهور ، من جواز ضمان الدَّين المؤجّل حالاً.

(١) لما تقدّم من الوجه في بطلانها.

(٢) لأداء دينه بإذنه ، والضمان وإن كان مؤجّلاً إلّا أنّ الأجل حقٌّ للضامن لا له إذ المفروض كون دينه حالاً وهو وإن سقط بالضمان إلّا أنّ أمره وإذنه فيه أوجب الضمان ، فيصحّ الرجوع عليه على تقدير الأداء متى ما حصل.

والحاصل أنّ الأجل إنما هو بالنسبة إلى الضمان ، لا الدَّين فإنه حال ، ولا ملازمة بينهما من هذه الجهة.

نعم ، لو كان إذنه في الضمان مقيداً بكون الأداء في وقت كذا ، حيث لا مانع من تقييده أو تعليقه ، كان أداء الضامن له قبل ذلك الوقت تبرّعاً محضاً ، فليس له الرجوع عليه بعد الأجل فضلاً عمّا قبله ، إذ المقيد عدم بانعدام قيده. إلّا أنّ هذا خارج عن محلّ الكلام.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٥ : ٤٨٧ مسألة ١٥٦.

٤٢١

الضمان. وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحلّ ما عليه وأخذ من تركته ، يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه. واحتمال صيرورة أصل الدَّين مؤجلاً حتى بالنسبة إلى المضمون عنه ، ضعيف (١).

[٣٥٧٦] مسألة ٩ : إذا كان الدَّين مؤجَّلاً فضمنه الضامن كذلك ، فمات وحلّ ما عليه وأخذ من تركته ، ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلّا بعد حلول أجل أصل الدَّين ، لأنّ الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول (٢) على المضمون عنه. وكذا لو أسقط أجله وأدَّى الدَّين قبل الأجل ، لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلّا بعد انقضاء الأجل (٣).

[٣٥٧٧] مسألة ١٠ : إذا ضمن الدَّين المؤجل حالاً بإذن المضمون عنه ، فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك ، وإلّا فلا يجوز إلّا بعد انقضاء الأجل (٤). والإذن في الضمان أعمّ من كونه حالاً.

______________________________________________________

(١) وهو مشكل جدّاً ، إذ لا وجه لجواز أمره بذلك الأداء. فإنّ المفروض أنه إنما أمر الضامن بأداء دينه المؤجل في حينه ، فما لم يكن الأداء كذلك سواء أكان ذلك بفعل الضامن نفسه أم غيره ، لم يكن للمؤدي الرجوع عليه. لأنهما في الواقع عقدان مستقلان ، فلا وجه لإثبات الأجل المأخوذ في أحدهما في الآخر.

(٢) لما عرفته من اختلاف العقدين حقيقة ، وعدم الملازمة بينهما في الأجل والحلول.

(٣) إذ لا وجه لجواز رجوعه عليه بعد عدم تعلّق أمره بذلك الأداء بالمرّة ، فإنه إنما أمره بأداء دينه المؤجل في حينه ، فما لم يكن الأداء كذلك لم يكن له الرجوع عليه.

وبعبارة اخرى : إنّ أصل الأداء وإن كان بأمر من المضمون عنه ، إلّا أنّ خصوصية التقديم لما لم تكن بأمره ، لم يكن للضامن الرجوع عليه قبل الأجل ، فالحلول زيادة من الضامن لم يلتزم به المضمون عنه.

(٤) لكون الحلول حينئذ زيادة من الضامن نفسه ، فلا يلزم به المضمون عنه.

٤٢٢

[٣٥٧٨] مسألة ١١ : إذا ضمن الدَّين المؤجل بأقلّ من أجله وأدّاه ، ليس له الرجوع على المضمون عنه إلّا بعد انقضاء أجله (١). وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأدّاه ، جاز له الرجوع عليه ، على ما مرّ من أنّ أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدَّين مؤجَّلاً. وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدَّين قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته ، فإنه يرجع على المضمون عنه (٢).

[٣٥٧٩] مسألة ١٢ : إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمّته ، ولم يكن له الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره (٣). إلّا أن يأذن له في الأداء عنه تبرّعاً منه في وفاء دينه ، كأن يقول : أدِّ ما ضمنت عني وارجع به عليّ ، على إشكال (*) (٤) في هذه الصورة أيضاً ، من حيث إنّ مرجعه حينئذٍ إلى الوعد الذي

______________________________________________________

(١) لما تقدّم.

(٢) لما عرفته من كون الأجل للضمان دون الدَّين ، فلا يجوز للمضمون عنه تأخير دفعه بعد أداء الضامن له عند حلول أجله ، وإن بقي من أجل الضمان ما بقي.

(٣) لكونه أمراً له بما اشتغلت ذمّته الضامن به ، نظير أمر الغير بأداء الدَّين الثابت عليه المأمور في نفسه ، فإنه لا يوجب الضمان قطعاً ، لكونه أمراً بما هو واجب عليه في نفسه ، ومع قطع النظر عن الأمر.

(٤) الظاهر أنه لا وجه للاستشكال في المقام. وليس مرجع الأمر هذا إلى الوعد وإنما مرجعه إلى إنابة المضمون عنه الضامن في أداء الضمان عنه تبرعاً وكأنه هو الذي باشر ذلك بنفسه ، فإنه موجب للضمان ورجوع النائب على الآمر بلا خلاف.

وبعبارة اخرى : إنّ حال الضامن في المقام هو حال الأجنبي الثالث الذي يؤمر بأداء ما على زيد من الديون نيابة عن الآمر ، فإنه لا فرق بين الضامن وغيره من هذه الناحية وهما على سواء فيها. فكما أنّ أمر الأجنبي بذلك يوجب الضمان وجواز رجوع المأمور بعد الأداء إلى الآمر ، فكذا الحال في الضامن أيضاً ، لوحدة الملاك وهو الأمر

__________________

(*) الظاهر أنه لا إشكال فيه ، وليس مرجعه إلى الوعد.

٤٢٣

لا يلزم الوفاء به. وإذا ضمن بإذنه ، فله الرجوع عليه بعد الأداء (١) وإن لم يكن بإذنه ، لأنه بمجرّد الإذن في الضمان اشتغلت ذمّته من غير توقّف على شي‌ء. نعم ، لو أذن له في الضمان تبرّعاً فضمن ، ليس له الرجوع عليه ، لأن الإذن على هذا الوجه كـ (لا إذن).

[٣٥٨٠] مسألة ١٣ : ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة الإذن إلّا بعد أداء مال الضمان (٢) على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه. وإنما يرجع عليه بمقدار ما أدّى ، فليس له المطالبة قبله.

أمّا لأنّ ذمّة الضامن وإن اشتغلت حين الضمان بمجرده ، إلّا أنّ ذمّة المضمون عنه لا تشتغل إلّا بعد الأداء وبمقداره. وأمّا لأنها تشتغل حين الضمان لكن بشرط الأداء ، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه. وأمّا لأنها وإن اشتغلت بمجرّد الضمان ، إلّا أنّ جواز المطالبة مشروط بالأداء. وظاهرهم هو الوجه الأوّل (*).

وعلى أي حال لا خلاف في أصل الحكم ، وإن كان مقتضى القاعدة جواز المطالبة واشتغال ذمّته من حين الضمان (٣) في قبال اشتغال ذمّة الضامن ، سواء أدّى أم لم يؤدِّ. فالحكم المذكور على خلاف القاعدة ، ثبت بالإجماع ،

______________________________________________________

بإتلاف مال محترم بالنيابة عنه وكأنه هو المباشر له.

(١) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، وتدلّ عليه الروايات الكثيرة الواردة في المقام.

(٢) لما تقدّم.

(٣) بل مقتضى القاعدة هو الأوّل ، إذ لا بدّ في اشتغال ذمّة الغير من سبب له ، من عقد أو إتلاف أو تلف في بعض الموارد ، وإلّا فالضمان من غير سبب وموجب لا يمكن تصحيحه بوجه.

__________________

(*) وهو الذي تقتضيه القاعدة.

٤٢٤

وخصوص الخبر : عن رجل ضمن ضماناً ثمّ صالح عليه ، قال : «ليس له إلّا الذي صالح عليه» (١) بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلّا ما خسر.

ويتفرّع على ما ذكروه : أنّ المضمون له لو أبرأ ذمّة الضامن عن تمام الدَّين

______________________________________________________

ومن هنا فحيث إنّ الأمر بالضمان وإقدام الضامن عليه ، لا يعني إلّا براءة ذمّة المدين من الدَّين واشتغال ذمّة الضامن به ، فلا وجه للقول باقتضائه بنفسه للضمان واشتغال ذمّة المضمون عنه تجاه الضامن ، إذ لا ملازمة بينهما بالمرّة.

ودعوى استلزام ذلك لتضرر الضامن ، فيشمله حديث «لا ضرر».

واضحة الفساد ، لما عرفت من قصور هذا الدليل عن شمول موارد الإقدام على الضرر ، كما نحن فيه.

بل الضمان إنما يثبت في موارد أداء الضامن للدَّين بالسيرة العقلائية القطعية ، فإنّ مقتضاها حتى مع الإغماض عن النصوص لزوم جبران الآمر للخسارة والنقص الواردين على مال الضامن المستندين إلى أمره ، فإنّ هذه الناحية هي العمدة في الدليل على اشتغال ذمّة المضمون عنه للضامن في المقام.

هذا مضافاً إلى كون هذا المطلب هو المستفاد من النصوص الواردة في المقام ، على ما ستعرف بيانه.

(١) وهو موثّق عمر بن يزيد ، قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ضمن عن رجل ضماناً ثمّ صالح عليه ، قال : «ليس له إلّا الذي صالح عليه» (١).

ونحوه موثقة ابن بكير (٢).

حيث إنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) : «ليس له إلّا الذي صالح عليه» كون المصالحة وأدائه للأقل هي السبب في الضمان واشتغال ذمّة المضمون عنه له ، وهو ما يعني براءة ذمّته قبل المصالحة والأداء كما هو واضح ، وإلّا لكان الحكم إسقاطاً لما ثبت في ذمّة الغير ، وهو ما يأباه ظاهر النص.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب الضمان ، ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ كتاب الضمان ، ب ٦ ح ٢.

٤٢٥

ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلاً (١). وإن أبرأه من البعض ، ليس له الرجوع بمقداره. وكذا لو صالح معه بالأقل ، كما هو مورد الخبر. وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرّعاً فأدّى ، فإنه حيث لم يخسر بشي‌ء لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه (٢). وكذا لو وفّاه عنه غيره تبرعاً.

[٣٥٨٢] مسألة ١٤ : لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه خمساً أو زكاة أو صدقة ، فالظاهر أنّ له الرجوع على المضمون عنه (٣) ولا يكون في حكم الإبراء. وكذا لو أخذه منه ثمّ ردّه عليه هبة (٤). وأما لو وهبه ما في ذمّته ، فهل هو كالإبراء أوْ لا؟ وجهان (*) (٥). ولو مات المضمون له فورثه الضامن ، لم يسقط

______________________________________________________

(١) حيث لم يخسر الضامن نتيجة لضمانه شيئاً ، فلا يكون له الرجوع عليه.

(٢) لما عرفته من أنّ العبرة إنما هي بأدائه وخسارته ، لا بأصل الضمان.

(٣) إذ المستحق يملك ما في ذمّته أوّلاً بالاحتساب ثمّ يسقط الدَّين ، بحيث يكون السقوط متفرّعاً على الملكيّة ، وبذلك فيكون التلف من ماله والخسارة عليه ، لأنه الذي أدّاه بماله الذي ملكه خمساً أو زكاة أو صدقة ، فيصحّ له الرجوع عليه.

(٤) بلا إشكال فيه ، إذ الضامن قد خسر الدَّين بأدائه للمضمون له ، فيكون له الرجوع على المضمون عنه على طبق القاعدة. وملكيّته للمال ثانياً ملكيّة جديدة وفائدة أجنبية عن الخسارة السابقة ، فلا وجه لمنعها من الرجوع عليه.

(٥) أقواهما الثاني ، إذ لا مانع من ملكيّة الإنسان لما في ذمّته هبة ، كما لا مانع من ملكيّته لما فيها بالإجارة أو الإرث.

والقبض المعتبر في الهبة متحقق أيضاً ، لكونه مسلّطاً على ذلك المال ، باعتبار أنه في ذمّته لا في ذمّة الغير.

ومن هنا فيعتبر هذا في الحقيقة تمليكاً له لا إبراءً لذمّته ، وعليه فيصحّ له الرجوع

__________________

(*) لا يبعد أن يكون ثانيهما أقرب.

٤٢٦

جواز الرجوع به على المضمون عنه (١).

[٣٥٨٢] مسألة ١٥ : لو باعه أو صالحه المضمون له بما يساوي أقلّ من الدَّين ، أو وفّاه الضامن بما يساوي أقلّ منه ، فقد صرّح بعضهم بأنّه لا يرجع على المضمون عنه إلّا بمقدار ما يساوي. وهو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة (*) (٢) وكون القدر المسلّم غير هذه الصور وظاهر خبر الصلح الرِّضا من

______________________________________________________

على المضمون عنه ، لأن الخسارة قد وقعت في ماله ، والسقوط كان بعد تملّكه لذلك المال.

نعم ، لو بنينا على عدم صحّة الهبة في الذمّة ، وأنّ الإنسان لا يملك ما في ذمّة نفسه تعين الحكم بعدم جواز رجوعه عليه ، لانحصار القضية حينئذ في الإبراء المحض.

(١) لكونها خسارة واردة عليه بسبب الضمان ، لأن انتقال ما في ذمّته إليه بمنزلة الأداء ، فيرجع به عليه.

بل وكذا لو كانت ملكيّته له بعقد ، كما لو استأجره المضمون له على عمل بما في ذمّته من المال ، أو كان الضامن امرأة فتزوجها المضمون له جاعلاً ما في ذمّته صداقاً لها. فإنّ له الرجوع عليه جزماً ، لثبوت ملكيّة الضامن لذلك المال الثابت في ذمّته في مرحلة سابقة على سقوط الدَّين وحصول البراءة ، فإنه يملكه أوّلاً بالعقد ثمّ يسقط عنه الدَّين قهراً. وبهذا يصدق عليه أنه خسر ذلك المال ، لخسارته لمقداره في قبال عمله الذي أدّاه ، أو صداقها في النكاح.

والحاصل أنه يصحّ للضامن الرجوع على المضمون عنه ، كلما صحّت نسبة الخسران الناشئ من الضمان إليه ، بحيث يكون وارداً على ماله ومأخوذاً منه ، بلا فرق في ذلك بين الصور جمعاء.

(٢) وفيه : ما عرفته في محله من كون الحكم على القاعدة ، حيث لا موجب لإثبات الضمان قبل الأداء ، فإنّ الأمر إنما يوجبه بشرط الوفاء خارجاً ، باعتبار أنّ الخسارة

__________________

(*) الظاهر أنه لا إشكال فيه ، والحكم على طبق القاعدة ، وخبر الصلح مطلق.

٤٢٧

الدَّين بأقلَّ منه (١) لا ما إذا صالحه بما يساوي أقلَّ منه. وأمّا لو باعه أو صالحه أو وفّاه الضامن بما يساوي أزيد ، فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة (٢).

[٣٥٨٣] مسألة ١٦ : إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه ، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عما عليه ، فلا إشكال ويكون في يده أمانة ، لا يضمن لو تلف إلّا بالتعدي أو التفريط (٣).

وإن كان بعنوان وفاء ما عليه ، فإن قلنا باشتغال ذمّته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلّا بعد أداء الضامن ، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف ، فهو صحيح ويحتسب وفاءً ، لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني.

______________________________________________________

تكون عليه حينئذ بالسيرة القطعية.

(١) وفيه : أنه لا وجه له. فإنّ النصّ مطلق ، ومقتضى قوله «صالح عليه» عدم الفرق بين كون ما صالح به من جنس الدَّين كي يستلزم الإسقاط والرضا من الدَّين بأقلّ منه ، وبين كونه من غير جنسه فيكون وفاءً له.

نعم ، النصّ مختصّ بالصلح ولا يعمّ البيع ، إلّا أنه لا ينبغي الشكّ في عدم الخصوصية له ، وكون العبرة بما يخسره الضامن للمضمون له نتيجة للضمان.

إذن فالصحيح ما ذهب إليه المشهور ، من كون رجوع الضامن على المضمون عنه في المقام بمقدار ما يسوى ، لا مقدار الدَّين.

(٢) لأن أمر المضمون عنه بالضمان ، لا يوجب إلّا ضمانه عند أداء المأمور له بمقدار ما أمر به. وأمّا الزائد عنه فلما لم يكن عن أمره ، كان الضامن متبرعاً به ، ومعه فلا يصحّ له الرجوع عليه.

(٣) على ما تقتضيه قواعد الأمانة.

٤٢٨

وإن قلنا أنه لا تشتغل ذمّته إلّا بالأداء وحينه ، كما هو ظاهر المشهور (١) فيشكل صحّته وفاءً ، لأنّ المفروض عدم اشتغال ذمّته بعد ، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد (٢). وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلّا بإذن جديد ، أو العلم ببقاء الرضا به (٣).

______________________________________________________

(١) وتقتضيه القواعد ، على ما عرفت.

(٢) كما هو الحال فيما لو دفع إلى غيره مالاً بتوهم كونه مديناً له ، فإنه لا يعدّ وفاءً لعدم مصادفته لاشتغال الذمّة ، بل يبقى المال على ملك مالكه الأوّل الدافع ويكون في يد الثاني من قبيل المقبوض بالعقد الفاسد ، فيكون تصرّفه فيه موجباً للضمان ، نظراً لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير حقّ ، كما هو الحال في سائر موارد المقبوض بالعقد الفاسد.

(٣) ظاهر تقييده (قدس سره) للحكم بالعلم ببقاء الرضا به ، عدم كفاية الاستصحاب في مورد الشكّ. وهو الصحيح ، إذ لا مجرى للاستصحاب في المقام ، لتبدّل الموضوع. فإنّ ما كان متيقّناً في السابق ، الإذن في احتسابه في ذلك الوقت ، لا أثر له بالفعل لفوات ظرفه. وما له أثر بالفعل ، الإذن في الاحتساب بعد الأداء ، لم يكن ثابتاً في زمان كي يستصحب إلى حالة الشكّ.

فهو نظير إذن زيد لعمرو في سكنى دار لم يكن يملكه حين الإجازة ثمّ ملكه ، فإنه لا مجال للقول بكفايته لسكناه بالفعل لاستصحاب بقائه. فإنّ ما كان ثابتاً في السابق لا أثر له بالمرّة لكونه في غير محله ، وما ينفع بالفعل لم يكن ثابتاً في زمان كي يستصحب بقاؤه.

وبعبارة اخرى : إنّ الأعراض والأفعال تختلف عن الجوهر في تعددها وتغايرها بحسب الأزمنة. فالقيام في هذا اليوم والقيام في اليوم السابق فردان من القيام مختلفان بخلاف وجود زيد في هذا اليوم ووجوده في اليوم السابق ، فإنهما ليسا بوجودين مختلفين ، وإنما هما وجود واحد لشخص واحد.

ومن هنا فلا مجال لإجراء الاستصحاب في الأوّل ، وإثبات الفعل الثابت في الزمان

٤٢٩

[٣٥٨٤] مسألة ١٧ : لو قال الضامن للمضمون عنه : ادفع عني إلى المضمون له ما عليّ من مال الضمان ، فدفع برئت ذمّتهما معاً. أمّا الضامن فلأنه قد أدّى دَينه ، وأمّا المضمون عنه فلأنّ المفروض أنّ الضامن لم يخسر. كذا قد يقال.

والأوجه أن يقال : إنّ الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه ، فقد اشتغلت ذمّته بالأداء (١). والمفروض أنّ ذمّة المضمون عنه أيضاً مشغولة له ، حيث إنه أذن له في الضمان. فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمّة الضامن من حيث كونه بأمره ، ولاشتغال ذمّة المضمون عنه حيث إنّ الضمان بإذنه ، وقد وفّى الضامن (٢). فيتهاتران ، أو يتقاصّان (*) (٣). وإشكال صاحب الجواهر في اشتغال

______________________________________________________

السابق يقيناً في الزمان المشكوك. بخلاف الثاني ، حيث لا مانع من التمسّك بالاستصحاب ، لإثباته في الزمان المشكوك.

وحيث إنّ الاحتساب من الأفعال ، يكون متعدداً بحسب الزمان لا محالة فالاحتساب في هذا الزمان غير الاحتساب في الزمان السابق ومغاير له ، فلا يمكن إحرازه في الزمان المشكوك بالاستصحاب.

(١) لأنّ الأمر بالدفع لا على وجه المجانية موجب للضمان بالسيرة العقلائية القطعية ، على ما عرفته غير مرّة مفصّلاً.

(٢) بدفع المضمون له للدين بأمره ، فإنه يجعل الأداء مستنداً إليه وكأنه هو الذي باشره بنفسه.

(٣) التعبير بالتقاص من سهو القلم أو غلط النساخ جزماً. إذ لا موضوع له في المقام بالمرّة ، لاختصاصه بمورد ظلم من عليه الحقّ ، وهو غير متصوّر في المقام لحصول التهاتر القهري بين الدينين وفراغ الذمّتين معاً بالنتيجة.

وحمله عليه ، بأن يقال أنّ المراد به هو التهاتر القهري وقد جي‌ء به تأكيداً ، إنما يتمّ فيما إذا كان العطف بالواو كما هو الحال في عبارة المسالك (١) فلا يمكن القول به فيما نحن

__________________

(*) لا موقع للمقاصّة في المقام ، وبراءة الذمتين إنما هي من جهة التهاتر.

(١) مسالك الافهام ٤ : ٢٢٤.

٤٣٠

ذمّة الضامن بالقول المزبور (١) في غير محلّه (٢).

______________________________________________________

فيه ، حيث كان العطف بـ «أو».

وكيف كان ، فما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ في فرض تماثل الدينين من جميع الجهات ، بأن يكونا معاً حالين أو مؤجَّلين إلى أجل متحد. فلو فرض اختلافهما من بعض النواحي ، بأن كان أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً ، أو كانا مؤجلين واختلف أجلهما ، لم يكن للتهاتر موضوع أصلاً. كما هو الحال في غير الضمان أيضاً ، فإنّ المتلف لمال مدينة بالدين المؤجل يخسر بدل التالف حالاً ، وينتظر بدينه إلى أجله ، كما هو أوضح من أن يخفى.

وعليه ففيما نحن فيه ، إنما يصحّ القول بالتهاتر في صورة تماثل الدينين خاصّة. فلو اختلفا ولو من حيث الحلول والتأجيل أو مقدار الأجل ، بأن كان الدَّين مؤجلاً فضمنه الضامن كذلك ثمّ أسقط الأجل وأمر المضمون عنه بالأداء حالاً ، فلا مجال للتهاتر ، بل يرجع المضمون عنه على الضامن بما أدّاه بأمره ، في حين ينتظر الضامن في الرجوع عليه حلول الأجل ، كما هو الحال فيما لو باشر الضامن الأداء بنفسه ، على ما تقدّم في المسألة العاشرة.

(١) قال في الجواهر ردّاً على التزام المسالك بالتهاتر القهري ، ما هذا لفظه :

وفيه : إنّ أداء دين الضامن المأذون بمال المضمون عنه بإذن الضامن ، لا يقتضي اشتغال ذمّة الضامن بمثله ، إذ ليس هو قد صار بذلك قرضاً عليه مع عدم قصده وعدم توقف وفاء الدَّين على كونه مملوكاً للمديون ، كما أنه لا يستحقّ رجوعاً على المضمون عنه ، لعدم حصول الأداء منه ، فلا تقاصّ حينئذ ، لعدم ثبوت المالين في ذمّة كلّ منهما ، فتأمّل (١).

(٢) لعدم توقّف ذلك على عنوان القرض كي يرد عليه أنه غير مقصود ، فإنّ الأمر

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ١٣١.

٤٣١

[٣٥٨٥] مسألة ١٨ : إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معاً (١) كما لو دفعه أجنبي عنه.

[٣٥٨٦] مسألة ١٩ : إذا ضمن تبرّعاً ، فضمن عنه ضامن بإذنه وأدّى ، ليس له الرجوع على المضمون عنه (٢) بل على الضامن (٣). بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن بإذنه (٤) فإنه بالأداء يرجع على الضامن ، ويرجع هو على المضمون عنه الأوّل (٥).

[٣٥٨٧] مسألة ٢٠ : يجوز أن يضمن الدَّين بأقلّ منه برضا المضمون له (٦). وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه (*) (٧).

______________________________________________________

بالإتلاف لا على نحو المجانية موجب لضمان الآمر بالسيرة العقلائية القطعية ، فيثبت اشتغال ذمّة كلّ منهما تجاه الآخر ، فيحصل التهاتر قهراً.

(١) أما الضامن ، فلأداء الدَّين من قبل غيره. وأمّا المضمون عنه فبراءة ذمّته إنما هي بمعنى عدم رجوع الضامن عليه بالمال ، وإلّا فذمّته بريئة بنفس الضمان ، على ما عرفته في أوّل الكتاب.

(٢) الأوّل ، حيث لم يكن ضمانه عن أمره وإذنه.

(٣) لكونه ضمانه بإذنه ، فيرجع عليه بعد الأداء ، لاقتضاء الأمر لذلك.

(٤) حيث لم يكن ضمان هذا الضامن الثاني بإذنه ، وإن كان ضمان الضامن الأوّل بإذنه ، فلا يكون له حقّ الرجوع عليه.

(٥) على ما تقتضيه قاعدة الضمان بالإذن ، فإنّ كلا منهما يرجع على خصوص الذي أمره بذلك.

(٦) بلا إشكال فيه. ومرجعه إلى إسقاط المضمون له للزائد ، وكأنه قد رضي ببراءة ذمّة المدين عن ذلك المال ، في قبال اشتغال ذمّة الضامن بالأقل.

(٧) للمناقشة في صحّته مجال واسع ، بل الظاهر عدم صحّته. فإنّ الضمان على

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

٤٣٢

وفي الصورة الاولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلّا بذلك الأقلّ (١). كما أنّ في الثانية لا يرجع عليه إلّا بمقدار الدَّين (٢) إلّا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة (٣).

______________________________________________________

ما تقدّم في أوّل الكتاب ليس إلّا نقل الدَّين من ذمّة إلى ذمّة أُخرى ، وهو لا يقتضي إلّا اشتغال ذمّة الضامن بما اشتغلت به ذمّة المضمون عنه ، فيبقى الاشتغال بالزائد بلا موجب يقتضيه ، فلا يصحّ بعنوان الضمان.

ودعوى رجوعه إلى اشتراط الزيادة للمضمون عنه ، بأن يكون قبوله للضمان مشروطاً بتحمّله للزيادة.

مدفوعة بأنّ ثبوتها إن كان على نحو شرط النتيجة ، ففيه : إنه بلا موجب ، حيث إنّ اشتراط الاشتغال بلا سبب من بيع أو نحوه ، لا يوجب الاشتغال بما اشترط.

وإن كان على نحو شرط الفعل ، بأن يلزمه دفع مقدار زائد على الدَّين في مقام الأداء ، ففيه : إنه إن صحّ فلا يوجب اشتغال ذمّته بأكثر من الدَّين ، فإنّ اشتراط الفعل لا يوجب إلّا الحكم التكليفي ولزوم الوفاء به ، ومن الواضح أنه أجنبي عن اشتغال ذمّته بالمشروط بالفعل.

على أنه غير صحيح في نفسه ، باعتبار أنّ مرجعه إلى اشتراط الزيادة في الدَّين وهو ربا محرم. إذ لا فرق في اشتراط الزيادة بين كونه بإزاء بقاء الدَّين في ذمّة المدين وبين كونه بإزاء نقله إلى ذمّة أُخرى ، فإنّ الكل ربا محرم.

إذن فالصحيح عدم صحّة هذا الضمان بقول مطلق ، سواء أكانت الزيادة مأخوذة على نحو الاشتراط ، أم على نحو اقتضاء الضمان بنفسه لها.

(١) إذ الزائد عنه قد سقط بإسقاط المضمون له ، ولم يخسره الضامن ، فلا وجه لرجوعه به عليه.

(٢) لخروجه عن مورد إذنه.

(٣) لاقتضاء الأمر ذلك بالسيرة العقلائية القطعية ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة.

٤٣٣

[٣٥٨٨] مسألة ٢١ : يجوز الضمان بغير جنس الدَّين (*) (١). كما يجوز الوفاء بغير الجنس (٢). وليس له أن يرجع على المضمون عنه إلّا بالجنس الذي عليه (٣) إلّا برضاه.

[٣٥٨٩] مسألة ٢٢ : يجوز الضمان بشرط الرهانة (**) فيرهن بعد الضمان (٤).

______________________________________________________

(١) على إشكال تقدّم في الضمان بالزيادة ، إذ لا موجب لاشتغال ذمّة الضامن بغير ما اشتغلت ذمّة المضمون عنه.

والحاصل أنه لا فرق في الزيادة الممنوعة في الضمان ، بين كونها في مقدار المال أو خصوصية من خصوصياته. فإنّ إثبات كلّ منهما في ذمّة الضامن ، من إثبات أمر زائد عما اشتغلت به ذمّة المضمون عنه. ومن هنا فلا تشمله أدلّة الضمان ولا يكون بعنوانه وحيث لا طريق غيره لإثباته ، فلا محيص عن الالتزام ببطلانه.

(٢) بلا إشكال فيه ، على ما تقتضيه الأدلّة والقواعد.

(٣) والظاهر أنّ الوفاء من غير جنس الدَّين إن كان بأمر المضمون عنه ، كان للضامن الرجوع عليه بما أدّاه ، لاقتضاء الأمر لذلك بالسيرة العقلائية ، كما عرفت.

وإن لم يكن بأمره ، فليس له الرجوع عليه بغير جنس الدَّين. فإنّ الخصوصية هذه الجنس إنما كانت عن تبرّع الضامن محضاً ، ولم تكن متعلقة لأمر المضمون عنه في وقت ، فإنه لم يأمر إلّا بأداء أصل الدَّين.

نعم ، لو كان ثمن ما أدّاه من الجنس بدلاً عن الدَّين أقلّ منه ، لم يكن له الرجوع إلّا بمقدار ما صالحه عليه وأدّاه ، وليس له أخذ التفاوت ، فإنه لم يخسره كي يكون له الرجوع به عليه.

(٤) ظاهر كلامه (قدس سره) فرض صحّة ذلك أمراً مفروغاً عنه ، لكنه لا يخلو عن إشكال بل منع.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(**) هذا إنما يتمّ فيما إذا كان الشرط بنحو شرط النتيجة ، وأما إذا كان الشرط بنحو شرط الفعل فلا يصحّ ، لأنّ مرجعه إلى جعل الخيار فيه وقد تقدّم أنّ الخيار لا يدخل في عقد الضمان.

٤٣٤

بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهناً بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضّمان (١).

______________________________________________________

فإنّ مرجعه إن كان إلى تعليق الضمان بالشرط المتأخر الرهان فهو باطل جزماً ، إذ التعليق مبطل لجميع العقود إلّا ما خرج بالدليل ، كالوصية والتدبير.

وإن كان مرجعه إلى تعليق التزامه بالضمان على ذلك الفعل بحيث يكون التزامه به منوطاً ومشروطاً بتحقق الفعل خارجاً ، والذي يرجع إلى جعل الخيار لنفسه على تقدير التخلّف ، كما هو الغالب والمتعارف في موارد أخذ الأفعال شرطاً في العقود ، فهو باطل أيضاً ، لما تقدّم في المسألة الخامسة من هذا الكتاب من عدم قابلية عقد الضمان لجعل الخيار فيه ، نظراً إلى تجاوز الحقّ فيه لطرفيه.

فإنّ الأمر لا يتعلق بالضامن والمضمون له خاصّة كي يقررا ما شاءا ، وإنما هو متعلق بالمضمون عنه أيضاً حيث يستلزم الضمان براءة ذمّته ، فإنّ اشتغالها ثانياً لمجرد رضا أحد الطرفين أو هما معاً به ، أمر يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

نعم ، لو رجع هذا الاشتراط إلى مجرد الحكم التكليفي المحض ووجوب الوفاء على المشروط عليه وجواز إلزامه به كما هو الحال في الاشتراط في ضمن عقد النِّكاح بحيث يكون رضا المشروط له بالعقد معلقاً على التزام المشروط عليه بالشرط ولكن من غير ثبوت خيار له على تقدير التخلّف ، فلا بأس به.

ولا يرد عليه أنه من تعليق أصل العقد ، فإنه لا يقتضي البطلان ، ما دام أنّ التعليق إنّما هو على أمر حاصل بالفعل الالتزام.

إلّا أنه خلاف المتعارف والشائع في العقود جدّاً ، فلا يمكن حمل الاشتراط عليه إلّا بالإحراز ، ولو من جهة نصب القرينة عليه أو التصريح به.

(١) بلا إشكال في صحّته. لما عرفته مراراً من أنه كل ما كان للمكلف إنشاؤه مستقلا وإيجاده بالفعل من غير اعتبار سبب خاصّ فيه ، كان له إنشاؤه بالشرط في ضمن عقد آخر ، إذ لا يعتبر في الإنشاء إلّا الاعتبار النفساني المقرون بالمبرز خارجاً كيفما كان ، ومن غير تقييد بكونه إنشاءً مستقلا أو شرطاً في ضمن عقد من العقود.

٤٣٥

[٣٥٩٠] مسألة ٢٣ : إذا كان على الدَّين الذي على المضمون عنه رهن ، فهل ينفكّ بالضمان أوْ لا؟ يظهر من المسالك والجواهر انفكاكه (*) (١) لأنه بمنزلة الوفاء. لكنه لا يخلو عن إشكال. هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط البقاء

______________________________________________________

وهو متحقق في المقام. فإنه لا يعتبر في عقد الرهن إنشاؤه بالصيغة واللّفظ فضلاً عن اعتبار صيغة خاصّة فيه ، بل يكفي في تحققه مجرد اعتباره في النفس مع إبرازه بمبرز ما ، ولو كان هو الشرط في ضمن العقد.

نعم ، هذا لا يجري في العقود التي يعتبر في إنشائها لفظ مخصوص ، كالنكاح والطلاق ونحوهما ، فلا يصحّ إنشاؤها باشتراطها في ضمن عقد آخر على نحو شرط النتيجة.

ثمّ إنّ كلام الماتن (قدس سره) وإن كان مختصّاً باشتراط المضمون له الرهانة على الضامن ، بحيث لم يكن يقبل بضمانه إلّا بها ، كما يظهر ذلك من قوله (قدس سره) : فيرهن بعد الضمان ، إلّا أنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم به ، وجريان الكلام بعينه في اشتراط الضامن الرهانة على المضمون عنه ، بحيث لا يقبل بضمان دينه إلّا بعدها فيجري فيه ما تقدّم في الفرض الأوّل من التفصيل بين شرط الفعل وشرط النتيجة.

(١) وهو الصحيح ، لتعدد الدَّين في المقام. فإنّ ما في ذمّة الضامن من الدَّين ، ليس هو ما كان في ذمّة المضمون عنه قبل الضمان ، بل هما فردان متغايران ، غاية الأمر أنّ أحدهما يقوم مقام الآخر ، بمعنى سقوط دين المضمون عنه وانعدامه بإزاء حدوث الدَّين الجديد في ذمّة الضامن.

والتعبير بانتقال الدَّين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن تعبير مسامحي جزماً ، فإنّ الموجود في ذمّته بالفعل ليس هو الدَّين الأوّل والذي كان ثابتاً في ذمّة المضمون عنه بحيث يكون قد انتقل من مكان إلى آخر ، وإنما هو فرد جديد وجد بعد انعدام الأوّل وسقوطه.

__________________

(*) وهو الصحيح.

٤٣٦

أو عدمه فهو المتبع (١).

[٣٥٩١] مسألة ٢٤ : يجوز اشتراط الضمان في مال معين على وجه التقييد (*) (٢)

______________________________________________________

وحيث إنّ الرهن إنما كان بإزاء الأوّل والمفروض ارتفاعه وسقوطه ، فلا محيص عن القول بانفكاكه وارتفاعه أيضاً ، لانتفاء موضوعه.

ولعلّ إلى هذا يشير صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله : لأن الضمان أداء (١) فإنه أداء بلحاظ انتفاء الدَّين الأوّل وارتفاعه ، فلاحظ.

(١) لعموم أدلّة الوفاء بالشرط.

(٢) لم يظهر معنى متحصّل للتقييد في المقام.

لأنه إن رجع إلى نفس الضمان واشتغال الذمّة بهذا المال بخصوصه ودون غيره بحيث يجعل الضامن اشتغال ذمّته مشروطاً ومنوطاً بهذا المال ، ففيه : إنه لا معنى لتقييد ما في الذمّة بالأمر الخارجي ، فإنهما أمران متغايران لا يصلح كلّ منهما مقيّداً للآخر.

وإن رجع إلى تعليق الضمان بالأداء من هذا المال المعيّن ، أو بجعل المضمون له قبوله للضمان معلّقاً على ذلك ، فهو وإن كان ممكناً في حدّ ذاته ومعقولاً في نفسه ، إلّا أنه باطل جزماً لرجوعه إلى تعليق الضمان ، وهو مبطل إجماعاً.

وبعبارة اخرى : إنّ تقييد شي‌ء بشي‌ء ، إنما يصحّ فيما كان من قبيل تقييد الكليات بالأفراد أو الحالات ، فلا يصحّ في الأُمور الأجنبية المتباينة ، فإنه لا معنى للتقييد فيها إلّا التعليق في الإيجاب أو القبول ، وهو مبطل في حدّ نفسه.

وإن رجع إلى تقييد ما ينتقل إلى ذمّته المضمون بحيث يجعله مقيَّداً بذلك الشي‌ء ، فهو كسابقه ، فإنّ ما في الذمّة أجنبي عن الأداء الذي هو فعل خارجي ، فلا يمكن تقييده به.

__________________

(*) لا يظهر معنى متحصل للتقييد في المقام ، فينحصر الأمر في الاشتراط ولا يترتب عليه إلّا وجوب الوفاء بالشرط ، لما مر من الإشكال في ثبوت الخيار بتخلفه.

(١) الجواهر ٢٦ : ١٣٢.

٤٣٧

أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في الالتزام (١). وحينئذٍ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال (٢) بمعنى صرفه فيه.

وعلى الأوّل ، إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان (٣) ويرجع المضمون له على المضمون عنه. كما أنه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته.

وعلى الثاني ، لا يبطل بل يوجب الخيار (٤) لمن له الشرط ، من الضامن أو

______________________________________________________

والحاصل أنّ التقييد لما كان في قبال الإطلاق ، باعتبار أنه عبارة عن جعل المطلوب حصّة خاصّة منه ، فلا يصحّ إلّا في مورد يصحّ فيه الإطلاق. وحيث إنّ إطلاق ما في الذمّة بالقياس إلى الفعل الخارجي غير متصوّر ، لكونه أجنبياً عنه ، فلا يمكن تقييده به.

(١) بأن يكون التزامه بالأداء من المال المعيّن ، في ضمن التزامه بالضمان المطلق.

(٢) لعموم أدلّة وجوب الوفاء بالشرط.

(٣) بل قد عرفت بطلانه حتى مع بقاء المال ، لعدم رجوع التقييد في مثل المقام إلى معنى محصّل.

(٤) إلّا أنه على خلاف المرتكزات العرفية في مثل هذه الموارد. فإنها إنما تساعد على رجوع الشرط هذا إلى التزام الطرف المقابل به ، وجواز إلزامه على تقدير تخلّفه عنه كما هو الحال في الشرط في عقد النكاح من غير أن يرجع إلى جعل الخيار في شي‌ء.

على أنّ جعل الخيار غير متصوّر في الضمان ، لما عرفته من عدم قابليته له ، نظراً لتجاوز الحقّ فيه لطرفيه.

إذن فالصحيح أنّ تلف المال المعيّن على تقدير الاشتراط ، كما لا يوجب بطلان العقد ، لا يوجب ثبوت الخيار لمن الشرط له. وإنما غاية ما هناك وجوب الوفاء عليه بالشرط ، وأداء الضمان من ذاك المال المعيّن ما دام موجوداً ، فإذا تلف أدّاه من غيره لتعذّر الأداء من المعيّن.

٤٣٨

المضمون له أو هما. ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام (١) مع عدم الفسخ.

وأمّا جعل الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمّة الضامن ، بأن يكون الدَّين في عهدة ذلك المال ، فلا يصحّ (٢).

[٣٥٩٢] مسألة ٢٥ : إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه ، فإن قلنا إنّ الضامن هو المولى ، للانفهام العرفي (٣) أو لقرائن خارجية ، يكون من اشتراط الضمان في مال معين ، وهو الكسب الذي للمولى. وحينئذٍ فإذا مات العبد ، تبقى ذمّة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود (٤) ويبطل إن كان على وجه التقييد (*) (٥).

______________________________________________________

(١) لأنه ضامن لجميع الدَّين على نحو الإطلاق ، غاية الأمر أنه كان متعهداً بأدائه من المال المعيّن ، فإذا تلف بعضه رجع فيه بخصوصه إلى غيره ، لتعذّر أداء ذلك المقدار من المال المعيّن.

(٢) لاستلزامه انتفاء حقّ المضمون له بالمرّة ، وفراغ ذمّتي الضامن والمضمون عنه معاً قبل أداء الدَّين. وهو غير معقول ، لأننا إذا فرضنا فراغ ذمّة المضمون عنه بأصل الضمان ، وذمّة الضامن لعدم اشتغالها بشي‌ء ، نظراً لكون الضمان في نفس العين وهي ما لم تؤدّ باقية على ملك مالكها ، لزم منه انتفاء دين المضمون عنه ، لخلو الذمّتين والعين الخارجية عنه ، وهو أمر لا محصل له ولا يمكن فرضه في الخارج.

والحاصل أنه لا بدّ في الضمان من فرض اشتغال ذمّة أحد بالدَّين قبله وبعده ، فلا يصحّ فرضه فيما كان لازمه براءة الذمّتين معاً.

(٣) نظير أمره له بالاستدانة ، حيث يفهم العرف منه كونه هو المستدين وكأنه هو المباشر له.

(٤) لثبوته في ذمّته من بادئ الأمر ، وتعذّر الشرط لا يوجب السقوط ، فيجب عليه أداؤه من سائر أمواله ، كما هو واضح.

(٥) تقدّم الكلام فيه في المسألة السابقة. وقد عرفت أنّ التقييد في مثل هذه الموارد

__________________

(*) مرّ آنفاً أنه لا محصّل له في المقام.

٤٣٩

وإن انعتق يبقى وجوب الكسب عليه (*) (١).

وإن قلنا أنّ الضامن هو المملوك ، وأنّ مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فإذا مات لا يجب على المولى شي‌ء (٢) وتبقى ذمّة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها. وإن انعتق يبقى الوجوب عليه (٣).

[٣٥٩٣] مسألة ٢٦ : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد (٤) فإما أن يكون على التعاقب ، أو دفعة.

______________________________________________________

لا يرجع إلى معنى محصّل ، إلّا التعليق المبطل للعقد في حدّ نفسه ، ومن هنا فلا بدّ من حمله على الاشتراط لا محالة.

(١) عملاً بمقتضى الشرط ، كذا قيل. إلّا أنه مشكل جدّاً ، والظاهر أنّ حال العتق حال الموت ، فكما ينقطع سلطان المولى عن العبد ومنافعه بالموت ، فكذلك ينقطع بالعتق ، فما يكسبه العبد بعد ذلك إنما هو له وملكه ولا سلطان لمولاه عليه. ومن هنا فلا وجه لإلزامه بأداء دين مولاه السابق من ممتلكاته الخاصّة.

بل الظاهر كون المولى هو المطالب بالدَّين فلا بدّ له من أدائه من ماله ، وجواز أدائه من كسب العبد إنما كان ثابتاً له باعتبار ملكيّته له ولمنافعه ، فإذا انتفى ذلك بالعتق والتحرر فلا مجال للحكم ببقائه أيضاً ، فإنه لا يكون إلّا من أداء الدَّين بمال الغير.

(٢) لكون المولى أجنبياً عنه فلا يلزم به ، كما هو الحال في سائر ديون العبد وضماناته غير العقدية.

(٣) فيجب عليه الاكتساب والخروج عن عهدة المال ، عملاً بالشرط وتفريغاً لذمّته.

(٤) الظاهر كون مفروض الكلام في ضمان الاثنين أو الأزيد لواحد على نحو الاستقلال ، لا ضمان المجموع كما لا يبعد دعوى كونه هو المتعارف في الخارج ، وإلّا فلا

__________________

(*) بل تبقى ذمة المولى مشغولة كما في الموت.

٤٤٠