موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

لتلف المال (*) (١) إلّا مع علم المالك بالحال (٢).

______________________________________________________

وعليه فلا وجه للقول بعدم استحقاق العامل لُاجرة مثل عمله على تقدير علمه بفساد العقد ، بل هو مستحقّ لها على كلا التقديرين ، نظراً لعدم إقدامه على المجانية.

نعم ، استحقاقه لُاجرة المثل إنما هو في فرض عدم زيادتها عن الحصّة المعينة في المضاربة الفاسدة ، وإلّا فليس له إلّا ذلك المقدار ، لإقدامه على العمل بذلك المقدار وإلغاء احترامه بالنسبة إلى الزائد.

(١) فيه إشكال ، بل منع. فإنّ الضمان إنما يثبت ببناء العقلاء ، أو ضمّ الدليل الشرعي إليه ، أو التعبد المحض في موارد خاصّة ، من تعدٍّ ، أو تفريط ، أو أخذ مال الغير بغير رضاه ، أو الإتلاف ، أو إقدام الآخذ على الضمان كما هو الحال في العقود الضمانية ، أو عارية الذهب والفضة.

ولا شي‌ء من هذه العناوين متحققة في المقام. فإنّ المفروض عدم التعدي أو التفريط. وكلمة الأخذ ظاهرة في القهر والغصب ، فلا تشمل ما إذا كان برضاه أو اختياره. والإتلاف العمدي مفروض العدم. وليس الآخذ مقدماً على الضمان ، بل ولم يسلمه المالك المال في المقام على أن يكون دركه عليه. ولا نصّ خاص يقتضي الضمان في المقام.

ومن هنا فمقتضى كون اليد أمانة مالكية ، عدم الضمان في المقام.

ويقتضيه مضافاً إلى ذلك ، تسالمهم على ما ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) على أنّ «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وبالعكس. فإنّ مقتضاه عدم ثبوت الضمان فيما نحن فيه ، لأنّ المضاربة الصحيحة غير مضمونة ، فتكون فاسدتها كذلك.

(٢) ظهر مما تقدّم أنه لا وجه لتقييد عدم الضمان بفرض علم المالك بالحال ، فإنّ أدلّة الضمان قاصرة عن شمول المقام ، سواء علم المالك بالحال أم جهل.

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يضمن مطلقاً.

٢١

وهل يضمن حينئذ جميعه ، لعدم التميز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه. أو القدر الزائد ، لأن العجز إنما يكون بسببه ، فيختصّ به. أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة. والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ، ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً؟ أقوال ، أقواها الأخير.

ودعوى أنه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع ، وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ، ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو ترك الأوّل وأخذ الزيادة لا يكون عاجزاً (١) ، كما ترى ، إذ الأوّل وقع صحيحاً ، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه (٢)

______________________________________________________

(١) وبعبارة اخرى : إنّ الدفعين الأوّل والثاني لما كانا مبنيين على المضاربة الواقعة على الجميع ، والمحكوم عليها بالفساد بالنسبة إلى جميع المال أيضاً المقدور وغير المقدور كما هو المفروض ، لم يكن للتفصيل وترجيح الأوّل على الثاني وجه ، فإنّ العقد واحد ، ونسبة كل واحد من الدفعين إليه واحدة أيضاً.

(٢) وتوضيحه أن يقال : إنّ عقد المضاربة لما كان جائزاً من الطرفين ، وكان المالك غير ملزم بدفع المال إلى العامل بعد العقد ، حيث إنه ليس له مطالبته به كما أنه ليس للمالك إلزام العامل بالعمل ، فلا وجه لأن يقال إنّ تسليم المالك للعامل من الجري على المعاملة الفاسدة ، ونسبة تلك المعاملة إلى كلا الدفعين واحدة.

فإنّه إنما يتمّ في العقود اللازمة ، حيث لا يكون التسليم بعد الحكم بالفساد بنفسه مصداقاً لإنشاء ذلك العقد ، فيتعيّن كونه جرياً على العقد الفاسد. وأما في العقود الجائزة التي يكون العمل بعد العقد الفاسد بنفسه مصداقاً لذلك العقد ، فلا مجال لأن يكون العمل بعده جرياً على العقد السابق ، بحيث يرى المالك نفسه ملزماً به ، بل هو بعينه يكون مصداقاً لذلك العقد.

فلو أكره شخصٌ آخر ليهب ماله إليه ، فوهب ومن ثمّ سلَّم المال باختياره إليه ، لم يكن ذلك من الجري على الهبة الفاسدة ، وإنما كان التسليم بنفسه مصداقاً للهبة.

وما نحن فيه من هذا القبيل. فإنّ دفع المالك للمال بعد فساد المضاربة إلى العامل

٢٢

والمفروض عدم المزج (١).

هذا ولكن ذكر بعضهم أن مع العجز المعاملة صحيحة ، فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك. ولا وجه له ، لما ذكرنا ، مع أنه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان.

______________________________________________________

لا يمكن أن يكون جرياً على المعاملة الفاسدة ، وإنما هو مضاربة حقيقية انشِئتْ بالفعل لا اللفظ ، حيث إنّ المالك بدفعه للمال قاصد لمتاجرة العامل به على أن يكون الربح بينهما على النسبة التي اتفقا عليها ، فيحكم بصحّته حيث لا موجب للحكم بالفساد فإنّ مجرّد كون العقد السابق اللفظي محكوماً بالفساد ، لا يقتضي الحكم بالبطلان فيما أنشأ بعده بالفعل.

وعلى هذا الأساس يتّضح وجه ما أفاده الماتن (قدس سره) من التفصيل. فإن المقدار المقدور المقبوض أوّلاً مضاربة مستقلة عن المضاربة بالمقدار الثاني ، حيث يكونان من الجري على المضاربة القولية الفاسدة ، فيحكم بصحّة الأُولى حيث لا موجب للبطلان ، وفساد الثانية لكونها غير مقدورة.

والظاهر أنّ ما ذكرناه هو مراد الماتن (قدس سره) من قوله : إذ الأوّل وقع صحيحاً ، فإنه محمول على أنّ الأوّل مضاربة معاطاتية صحيحة ، وإلّا فالجري على العقد السابق فعل خارجي لا معنى لوصفه بالصحة والفساد.

وبالجملة فالمتعين بناءً على القول ببطلان تمام المضاربة عند عدم القدرة على بعضها ، والحكم بضمان العامل لتلف المال مع جهل المالك بالحال كما بنى عليها الماتن (قدس سره) ، هو ما أفاده (قدس سره) من التفصيل بين قبض المال جملة وتدريجاً.

(١) لم يظهر لنا وجه تقييد عدم الضمان في المقدار المقدور المقبوض أوّلاً ، بما إذا لم يمزج الثاني به ، بحيث لو مزجه لكان ضامناً للجميع. فإنّ المزج وعدم التمييز لا يقتضي ثبوت الضمان فيما لم يكن مضموناً من قبل ، فإنّه لا موجب للضمان فيه ، لا سيما وإنّ المالين ملك لمالك واحد.

٢٣

ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء ، وجب عليه ردّ الزائد (١) وإلّا ضمن.

[٣٣٩٠] مسألة ١ : لو كان له مال موجود في يد غيره ، أمانة أو غيرها فضاربه عليها صحّ (٢). وإن كان في يده غصباً أو غيره ، مما يكون اليد فيه يد ضمان ، فالأقوى أنه يرتفع الضمان بذلك ، لانقلاب اليد حينئذ (*) ، فينقلب الحكم (٣).

ودعوى أن الضمان مغيا بالتأدية (٤) ولم تحصل ، كما ترى (٥).

______________________________________________________

(١) يظهر وجهه مما تقدّم. فإنّ هذا المال بعد العجز عن المضاربة به يكون أمانة شرعية في يد العامل ، وعليه ردّه إلى مالكه في أقرب أزمنة الإمكان.

(٢) إذ لا يعتبر في المضاربة أن يكون المال عند المالك كي يقبضه إلى العامل.

(٣) فإنّ موضوع الحكم بالضمان إنما هو اليد الضمانية ، كيد الغاصب أو العارية المضمونة. وحيث إنّ هذا الموضوع تبدل بيد الأمانة والمضاربة ، ينتفي الضمان قهراً ويكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

(٤) لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (١) حيث إنّ مقتضاه ثبوت الضمان إلى حين الأداء والتسليم.

(٥) فإنّ هذه الرواية نبوية لم تثبت ، والعبرة في الضمان إنما هي ببناء العقلاء أو المتشرعة عليه ، ولا شي‌ء منهما متحقق في المقام.

على أنّ موضوع هذا النصّ هو الاستيلاء على مال الغير على نحو يوجب الضمان كالغصب والعارية المضمونة ، والمفروض عدم بقائه لأنه تبدل إلى الأمانة ، ومعه فلا

__________________

(*) مرّ أنّه لا يعتبر في المضاربة كون المال بيد العامل ، وعليه فلا دلالة لعقدها على رضا المالك ببقاء المال في يد الغاصب من دون قرينة ، إلّا أنّ عقد المضاربة من المالك على ذلك المال قرينة عرفيّة على رضاه ببقاء هذا المال في يده وتصرّفه فيه ، وعليه فلا ضمان ، نعم لو لم تكن هنا قرينة على ذلك فالصحيح ما ذكره الجماعة من بقاء الضمان.

(١) مستدرك الوسائل : باب ١ من كتاب الوديعة ح ١٢.

٢٤

ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان ، إلّا إذا اشترى به شيئاً ودفعه إلى البائع ، فإنّه يرتفع الضمان به ، لأنه قد قضى دينه بإذنه (١). وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً وأن العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أنها تبقى على الضمان. والأقوى ما ذكرنا في المقامين ، لما ذكرنا.

[٣٣٩١] مسألة ٢ : المضاربة جائزة من الطرفين ، يجوز لكلّ منهما فسخها (٢)

______________________________________________________

مجال لبقاء الحكم الأوّل. نظير ما لو تبدّل عنوان الغصب أو العارية المضمونة بالإجارة ونحوها ، فإنّ معه أفيحتمل الحكم ببقاء الضمان من دون موضوع؟!.

بل لو تنزّلنا عن هذا أيضاً ، فإطلاق هذا النص معارَض بإطلاق ما دلّ على عدم ضمان الأمين. حيث إنّ المال وبعد إجازة المالك أمانة بيد العامل ، ومقتضى إطلاق أن الأمين لا يضمن عدم ضمانه ، بلا فرق فيه بين ما إذا كان مضموناً قبل ذلك وعدمه. وحينئذ فيتعارض الإطلاقان ، ومن ثمّ يتساقطان ، والنتيجة هو الحكم بعدم الضمان.

إذن فالصحيح هو الحكم بعدم الضمان ، تبعاً للماتن (قدس سره).

ولكن لا بدّ من تقييد ذلك بما إذا قامت القرينة على رضاه ببقاء المال عند العامل وإلّا فمجرد عقد المضاربة لا يقتضي سقوط الضمان ورضاه ببقائه عنده ، إذ قد عرفت فيما تقدّم أنه لا يعتبر في عقد المضاربة كون المال بيد العامل.

نعم ، الظاهر أنّ إجراء المالك لعقد المضاربة مع الغاصب مع عدم مطالبته به ، قرينة عرفية على رضاه ببقاء ذلك المال في يده وتصرّفه فيه ، فينتفي الضمان.

(١) فيكون في فعله هذا كالوكيل ، فيسقط الضمان عنه ، لأنه أداء لحقّه حقيقة.

(٢) وليس الوجه فيه هو الإجماع ، كي يناقش بأنه غير معلوم. وإنّما هو قصور أدلّة اللّزوم عن شمول العقود الإذنية التي لا يكون فيها أي التزام من أحدهما بشي‌ء كي يشمله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) وإنّ من التزم بشي‌ء فعليه أن يُنهيه وإنما هي مجرّد

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ١.

٢٥

سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده ، قبل حصول الربح أو أو بعده (١) نض المال أو كان به عروض ، مطلقةً كانت أو مع اشتراط الأجل وإن كان قبل انقضائه (٢).

نعم ، لو اشترط فيها عدم الفسخ إلى زمان كذا ، يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى ، لوجوب الوفاء بالشرط. ولكن عن المشهور بطلان

______________________________________________________

إباحة وإذن في التصرّف من أحدهما وقبول من الآخر كالعارية. وعليه فمتى ما رجع الآذن في إذنه ، لكونه مسلّطاً على ماله يتصرف فيه كيف يشاء ، ارتفع الموضوع ، ومعه ينتفي الحكم لا محالة.

(١) يريد بذلك جواز الفسخ بالنسبة إلى المعاملات المتأخرة عن المعاملة الواقعة التي ظهر فيها الربح. وأما بالنسبة إليها فلا خلاف ولا إشكال في اللزوم ، وإنّ الربح وبطبيعة الحال يكون مشتركاً بينهما ، وليس للمالك أن يفسخ العقد ليأخذ تمام الربح ويدفع للعامل اجرة المثل.

والوجه فيه واضح. فإنّ العقد لما كان محكوماً بالصحة وممضًى من الشارع ، كان مقتضاه اشتراك المالك والعامل في الربح الحاصل على النسبة المتفق عليها وبمجرد ظهوره ، وليس للمالك أن يفسخ العقد لينزعه منه من غير رضاه.

نعم ، قد يثبت له ذلك من جهة أُخرى ، كتخلف العامل عن شرط اشترط عليه إلّا إنه خارج عن محلّ كلامهم.

(٢) حيث إنّ التأجيل لا يعني إلّا تحديد الإذن بالأجل وتقييد جواز التصرّف بالمال به ، بحيث لا يكون العامل مأذوناً فيه بعد ذلك. وليس معناه اشتراط عدم الفسخ في تلك الفترة ، كما توهمه بعض ، فإنّ لكل منهما فسخ العقد متى شاء. ومن هنا يندفع ما قيل من أنه إذا لم يصحّ اشتراط عدم الفسخ ، لم يصحّ اشتراط التأجيل أيضاً.

٢٦

الشرط المذكور ، بل العقد أيضاً (*) ، لأنّه منافٍ لمقتضى العقد. وفيه منع ، بل هو منافٍ لإطلاقه (١). ودعوى أن الشرط في العقود الغير اللازمة

______________________________________________________

(١) وفيه ما لا يخفى.

وذلك أما إذا كان الشرط هو عدم مالكيته للفسخ ، أو عدم الفسخ خارجاً بعد ظهور الربح ، فقد ظهر لك مما تقدّم عدم منافاته للعقد أو إطلاقه ، بل كونه تأكيداً محضاً لمقتضاه ، لكونه ثابتاً قبل الاشتراط.

وأما إن كان الشرط هو عدم مالكيته للفسخ أو عدم الفسخ خارجاً في محلّ الكلام أعني قبل ظهور الربح فهو خارج عن مقتضى العقد أصلاً وإطلاقاً ، إذ الجواز واللزوم حكمان شرعيان خارجان عن العقد وليسا من مقتضياته.

إذن فلا مجال للحكم بفساد العقد من هذه الناحية.

وأما من سائر النواحي ، فقد ذكرنا في طي أبحاثنا الفقهية غير مرّة أن الشرط في العقد ليس مجرّد مقارنة التزام بالتزام أو أمر آخر ، وإنما هو نحو ارتباط بين الشرط والمشروط ، وهو يكون على نحوين على سبيل القضية مانعة الخلو إذ قد يجتمعان معاً.

__________________

(*) ذكرنا في محلّه أنّ اشتراط العقد بشي‌ء ليس معناه مجرّد مقارنة التزام مع التزام آخر ، بل هو يختلف باختلاف الموارد ، فقد يكون معنى الشرط في ضمن العقد تعليق الالتزام بالعقد والوفاء به عليه كما إذا اشترط في بيع عبد مثلاً كونه كاتباً أو عادلاً أو ما شاكل ذلك ، وقد يكون معناه تعليق نفس العقد على الالتزام بشي‌ء كما إذا اشترطت المرأة في عقد النكاح السكنى في بلد معيّن مثلاً أو نحو ذلك ، وقد يكون كلا الأمرين معاً كما إذا اشترط البائع أو المشتري على الآخر خياطة ثوب أو كتابة شي‌ء مثلاً ، ثمّ إنّ الاشتراط فيما نحن فيه ليس من قبيل الأوّل حيث إنّه لا التزام هنا بالعقد حتى يعلّق على شي‌ء آخر ، بل هو من قبيل الثاني بمعنى أنّ المعلّق على الالتزام بشي‌ء إنّما هو عقد المضاربة نفسه ، وعليه ففيما نحن فيه إن كان المعلّق عليه هو لزوم العقد ووجوب الوفاء به فهو باطل ، وإن كان هو الالتزام بعدم فسخه خارجاً فهو صحيح ويجب عليه الوفاء به ولكن لا يلزم وجوب العقد وضعاً ، ومن هنا إذا فسخ كان فسخه نافذاً وإن كان غير جائز ، وكذا الحال فيما إذا اشترط في ضمن عقد آخر ، وبذلك يظهر الحال في سائر فروض المسألة.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد يكون الشرط بمعنى تعليق المنشأ ونفس العقد على التزام المشروط عليه بشي‌ء ، بحيث لو لم يلتزم به لما كان الأوّل منشإ لذلك العقد ، كاشتراط الزوجة الاستقلال في السكنى أو عدم إخراجها من بلد أهلها ، فيصحّ بقبول الآخر ، ولا يضرّ مثله لأنه من التعليق على أمر حاصل حال العقد ، ويجب عليه الوفاء به لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» (١).

إلّا أنه لا يترتب عليه غير إلزامه به ، إذ التعليق إنما كان على نفس التزامه وقد حصل ولم يكن على الفعل في الخارج.

وقد يكون الشرط بمعنى تعليق التزامه بالمنشإ والوفاء به على شي‌ء في الخارج فيكون العقد فيه مطلقاً وغير معلق ، وإنما المعلق التزامه ووفاؤه به ، ويرجع هذا في الحقيقة إلى جعل الخيار لنفسه عند فقدان ذلك الوصف المطلوب ، كاشتراط الكتابة أو العدالة في قبول بيع العبد.

وقد يجتمعان معاً ، كما إذا اشترط أحد طرفي العقد على الآخر عملاً معيّناً كخياطة ثوب أو كتابة شي‌ء ، فإنه يكون من تعليق نفس العقد على التزام الآخر بذلك العمل وتعليق التزامه بذلك العقد والوفاء به على تحقّق ذلك العمل في الخارج.

إذا اتضح ذلك فما نحن فيه لا يمكن أن يكون من قبيل الثاني ، حيث إنّ المضاربة على ما عرفت من العقود الإذنية ، حيث ليس فيها أي التزام من الطرفين المالك والعامل كي يكون الاشتراط فيها من تعليق الالتزام بشي‌ء ، فلا محالة يكون الاشتراط من قبيل الأوّل ، بمعنى تعليق نفس إذن المالك في التصرّف بالمال أو قبول العامل على ذلك.

وحينئذ فتارة يفرض كون المعلق عليه هو اللزوم وعدم مالكيته للفسخ.

وأُخرى يفرض كونه هو التزام الآخر بعدم الفسخ خارجاً.

ففي الأوّل : فبما أنّ المعلق عليه غير حاصل في الخارج ، باعتبار أنّ عقد المضاربة عقد جائز حيث إنّ كلّاً من المالك والعامل مالك للفسخ بحكم الشارع ولا ينقلب إلى

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢٠ ح ٤.

٢٨

غير لازم الوفاء ، ممنوعة (١).

نعم ، يجوز فسخ العقد ، فيسقط الشرط ، وإلّا فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه. وهذا إنّما يتم في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ ، مثل المقام

______________________________________________________

اللازم بالاشتراط ، يكون هذا العقد تبعاً للشرط محكوماً بالبطلان ، لأن المالك لم يقدم على التجارة بماله على الإطلاق ، وإنما أذن فيها على تقدير عدم ثبوت ملك الفسخ للآخر ، وحيث إنّه ثابت فالمالك لم يأذن فيها.

وفي الثاني : فحيث إنّ الفسخ فعل سائغ وجوداً وعدماً ، فليس فيه أي محذور ، إذ الالتزام بعدمه كالالتزام بسائر الأُمور المباحة من الخياطة والكتابة وغيرهما.

فحيث لم يكن يجب على المالك أو العامل الفسخ أو عدمه وكان كل منهما سائغاً وجائزاً في حقه ، لم يكن في الالتزام به محذور بل يصحّ الشرط والعقد معاً.

إذن فالصحيح في المقام هو التفصيل ، بين اشتراط عدم ملك الفسخ فيحكم فيه بفساد الشرط والعقد ، وبين اشتراط عدم الفسخ خارجاً فيحكم بصحتهما.

(١) لعموم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» (١). فإنّه غير مختص بالشروط في ضمن العقود اللازمة ، بل يعمّ كل ما يصدق عليه الشرط ، سواء أكان في ضمن عقد لازم أم جائز. بل لو لم يكن الشرط ظاهراً في نحو ارتباط شي‌ء بشي‌ء ، لقلنا بوجوب الوفاء بالشروط الابتدائية ، لكن الأمر ليس كذلك باعتبار أنّ الشرط الابتدائي ليس شرطاً في الحقيقة ، وإنما هو وعد محض.

ودعوى أنّ الشرط لا يزيد على المشروط ، فإذا لم يكن لازماً فلا يكون الشرط لازماً أيضاً ، بالأولوية.

مدفوعة بأنها صدى محض لا واقع لها. إذ لا مانع من كون وجوب الوفاء بالشرط مشروطاً بأمر جائز ، كما هو الحال في أكثر الواجبات المشروطة ، كالسفر بالنسبة إلى القصر في الصلاة ، أو قصد الإقامة بالنسبة إلى التمام. فإنه وفى حين إنه لا يجب السفر

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب المهور ، ب ٢٠ ح ٤.

٢٩

فإنّه يوجب لزوم ذلك العقد (١).

هذا ولو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر ، فلا إشكال في صحة

______________________________________________________

يجب القصر على تقديره ، فللمكلف أن يبقي السفر فيجب عليه القصر ، وله أن ينهاه ويرجع إلى أهله فينتفي موضوعه. ومن هنا فلا ملازمة بينهما ، ولا أولوية.

وعليه ففي المقام ، فللمكلف أن يلغي العقد فينتفي الشرط ، وله أن يبقيه فيجب عليه الوفاء به ، فإبقاء العقد وإن لم يكن واجباً ، إلّا أنه على تقدير إبقائه يجب الوفاء بالشرط.

وما قد يقال من أنّ ما دلّ على جواز العقد ، دالّ على جوازه بتوابعه ، ومنها الشرط.

مدفوع بأنّ دليل الجواز في عقد المضاربة ، إما هو الإجماع كما ذهب إليه المشهور وهو يختص بنفس العقد. وإما هو ما ذكرناه من عدم الدليل على اللزوم فيه ، فهو مختص بالعقد أيضاً ولا يعمّ الشرط ، لأنه واجب الوفاء ، لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» فلا يمكن أن يقال إنه لا دليل على لزومه.

وبالجملة فالصحيح أنّ الشروط مطلقاً ، سواء أكانت في ضمن عقد لازم أم كانت في ضمن عقد جائز ، يجب الوفاء بها ما دام العقد باقياً ، فإذا ارتفع العقد انتفى الموضوع.

ثمّ إنّ لزوم الشرط هذا إنما هو لزوم تكليفي محض ولا يترتب عليه أي أثر وضعي ، باعتبار أنّ دليله ، أعني قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» لا يقتضي أزيد من ذلك. ومن هنا فإذا تخلف المشروط عليه نفذ فعله وإن فعل حراماً.

(١) قد عرفت أنّ العمل بالشرط وإن كان لازماً ، إلّا أنه لا يوجب لزوم العقد فإن اللزوم محض تكليف ولا يترتب عليه أي أثر وضعي.

ثمّ إنه ذكر بعضهم : إنّ وجود العقد إذا كان شرطاً في لزوم العمل بالشرط ، امتنع أن يكون لزوم العمل بالشرط مقتضياً لوجود العقد ومانعاً من فسخه.

٣٠

الشرط (١) ولزومه. وهذا يؤيد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ وجوب العمل بالشرط لما كان منوطاً ببقاء العقد ، كان لا بدّ من التفصيل في اشتراط عدم فسخ المضاربة بين ما يكون في نفس العقد ، وما يكون في عقد جائز آخر. ففي الثاني يصح الشرط ويجب الوفاء به ما دام العقد الثاني باقياً وأما إذا فسخ انتفى الشرط لانتفاء موضوعه. وأما في الأوّل فينبغي الحكم بعدم صحة الشرط ، وذلك لأنه لما كان فرع بقاء العقد ، لم يعقل أن يكون بقاء العقد معلولاً له.

وفيه ما لا يخفى. إذ إن توقّف وجوب العمل بالشرط على بقاء العقد ليس مستنداً إلى دليل خاص ، من إجماع أو نص أو غيرهما ، وإنما هو من جهة قصور الشرط بنفسه عن إثبات الأزيد من ذلك. فإنّ المتفاهم العرفي من اشتراط شي‌ء على الغير في المعاملة ، هو العمل بالشرط ما دام العقد باقياً. ولذا لو فسخ العقد بخيار المجلس أو غيره ، لم يجب على المشروط عليه العمل بالشرط ، بدعوى أنه يجب الوفاء به. وكذا لو اشترطت المرأة على الرجل النفقة في النكاح المنقطع. فإنّ المتفاهم العرفي في جميع ذلك هو العمل بالشرط ما دام العقد باقياً ، بلا فرق في ذلك بين عقد المضاربة وغيره.

هذا كله إذا كان الشرط عملاً خارجياً. وأما إذا كان الشرط هو عدم الفسخ فحيث إنّه لا معنى لأن يكون متوقّفاً على بقاء العقد ، إذ لا معنى للقول بأنّ عدم الفسخ متوقف على بقاء العقد ، وجب العمل على وفق ذلك الشرط والوفاء به مباشرة.

وملخّص الكلام : إن المستفاد من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» هو وجوب العمل بكل شرط سائغ وممكن بقول مطلق.

نعم ، قد يكون وجوب العمل ببعض الشروط مشروطاً ببقاء الموضوع من جهة المتفاهم العرفي ، إلّا أنّ ذلك لا يعني توقف وجوب الوفاء على بقاء العقد دائماً.

إذن فما ذكر من التفصيل لا يمكن المساعدة عليه ، والصحيح هو القول بصحّة الشرط على التقديرين.

(١) في إطلاقه إشكال بل منع ، إذ يجري فيه ما ذكرناه من التفصيل في الشرط.

٣١

لمقتضى العقد ، إذ لو كان منافياً لزم عدم صحته في ضمن عقد آخر أيضاً.

ولو شرط في عقد مضاربة ، عدم فسخ مضاربة أُخرى سابقة ، صحّ (١) ووجب الوفاء به ، إلّا أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب. كما أنه لو اشترط في مضاربة مضاربة أُخرى في مال آخر ، أو أخذ بضاعة منه ، أو قرض ، أو خدمة أو نحو ذلك ، وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب.

ولا بدّ أن يحمل ما اشتهر من أنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى ، وإلّا فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره).

______________________________________________________

فإن كان الشرط هو عدم الفسخ خارجاً ، تم ما أفاده (قدس سره) ، نظراً لكون فعله سائغاً فيجب بالشرط ، لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم». لكن يبقى هذا الوجوب تكليفياً محضاً ، ولذا لو عصى وفسخ لكان فسخه نافذاً ، وإن ثبت بذلك للشارط الخيار في العقد اللازم الآخر لتخلف الشرط.

وإن كان الشرط هو لزوم المضاربة وعدم مالكيته للفسخ ، فهو باطل ، لكونه مخالفاً للسنّة. حيث إن عقد المضاربة جائز ، فلا ينقلب بالشرط إلى اللزوم ، فإنّ الحكم الشرعي لا يتغير به.

وحينئذٍ فهل يسري فساده إلى العقد ، أم لا؟ فيه خلاف ، والصحيح عندنا هو الثاني ، فيبقى العقد ويبطل الشرط.

(١) على التفصيل المتقدِّم حرفاً بحرف ، بالقياس إلى صحة الشرط وفساده. وأما العقد المشروط فيه ، فيختلف الحال فيه في المقام عن الحال في العقد اللازم ، فإنّ بطلان الشرط هناك لم يكن يوجب فساد العقد. وهذا بخلاف المقام ، فإنّ بطلانه يوجب بطلان العقد لا محالة ، لأن الإذن في التصرّف إنما كان معلقاً على الشرط ، فإذا انتفى ينتفي هو أيضاً ، ومعه فلا يجوز للمشروط عليه التصرّف فيه.

٣٢

بدعوى أنها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أوْلى بالجواز وإنها معه شبه الوعد. والمراد من قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اللّازمةُ منها لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق. والمراد من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «المؤمنون عند شروطهم» بيان صحّة أصل الشرط ، لا اللزوم والجواز. إذ لا يخفى ما فيه (١).

[٣٣٩٢] مسألة ٣ : إذا دفع إليه مالاً وقال : اشترِ به بستاناً مثلاً ، أو قطيعاً من الغنم.

فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة ، صحّ مضاربة.

وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ، ففي صحّته مضاربة وجهان : من أن الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلا يصحّ ، ومن أن حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة. والأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة ، إذ هي

______________________________________________________

هذا فيما إذا كان الشرط لزوم العقد وعدم مالكية المشروط عليه الفسخ. وأما إذا كان الشرط هو عدم الفسخ خارجاً ، وتخلف المشروط عليه عن شرطه وفسخ العقد ، فإذا كان ذلك قبل ظهور الربح في المعاملة الثانية المشروطة ، فلا أثر لتخلّف الشرط ، فإن العقد جائز في نفسه. وأما إذا كان بعد ظهور الربح في المعاملة الثانية فللمشروط له أن يفسخ العقد من جهة تخلف الشرط ، فيكون تمام الربح للمالك وللعامل اجرة المثل.

(١) أما الأوّل فيرده ما ذكرناه في مباحث المكاسب عند التعرض لما يقتضيه الأصل عند الشك في لزوم عقد أو جوازه ، من أن الوفاء إنما هو بمعنى الإتمام والإنهاء فالوفاء بالشي‌ء عبارة عن إنهائه وعدم فسخه. وحيث إنه يقطع بعدم حرمة الفسخ تكليفاً ، فلا بدّ من حمل الأمر بالوفاء على الإرشاد إلى اللزوم وعدم نفوذ الفسخ والرجوع.

٣٣

ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة ، لا مثل هذه الفوائد (١). نعم لا بأس بضمها إلى زيادة القيمة (٢).

وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة ، فيمكن دعوى (*) صحّته للعمومات (٣).

______________________________________________________

إذن فالآية الكريمة دليل للزوم كل عقد نشكّ في لزومه وجوازه ولم يقم دليل على جوازه ، لا أنّ موضوعها العقد اللازم.

وأما الثاني فلما عرفت من أنه إنما يتضمن حكماً تكليفياً صرفاً ، نظير قولهم (عليهم السلام) «المؤمن عند عدته» لا الصحة ،

وإنما هي تستفاد بالملازمة من الحكم التكليفي ، وليس هذا موضوعاً للجواز أو اللزوم ، بل مقتضاه وجوب الوفاء بكل شرط سائغ في ضمن أي عقد من العقود كان الجائزة أو اللّازمة ولا مانع من الالتزام بذلك.

(١) وبعبارة اخرى : إن هذا العقد غير مشمول لأدلّة المضاربة. حيث إنّ المستفاد من أدلّتها اعتبار كون الاسترباح وما ينتفع به كل من المالك والعامل كلّ حسب حصّته ، حاصلاً بالتجارة بحيث يعد ربح التجارة ، وهو غير صادق على النماء ، فإنه ليس بربح التجارة.

(٢) بلا خلاف فيه بينهم. فإنّ الإذن في التجارة ببيع وشراء ما له نماء إذن في بيع النماء أيضاً ، فيشتركان في ربحه. ولا ينافيه عنوان المضاربة ، لأنه اشتراك في الربح الحاصل من التجارة ، وإن كان مال التجارة يزيد أيضاً.

(٣) كـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ). بدعوى أنها وبمقتضى عمومها تقتضي الحكم بصحّة كل معاملة تنشأ بين طرفين ، سواء أكانت من المعاملات المتعارفة المعهودة أم لم تكن.

__________________

(*) لكنّها بعيدة ، وقد تقدّم نظير ذلك.

٣٤

[٣٣٩٣] مسألة ٤ : إذا اشترط المالك على العامل أن تكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ، ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل (*) (١) لأنه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيل ، بل إنما هو مناف لإطلاقه ، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك ، وعدم ضمان العامل إلّا مع التعدي أو التفريط.

______________________________________________________

غير أنك قد عرفت غير مرّة ، أنّ هذه العمومات لا تصلح لأن تشمل مثل هذه المعاملات. فإنّ التمليك لا بدّ وأن يتعلق إما بشي‌ء خارجي مملوك له بالفعل ، وإما بشي‌ء في ذمّته. باعتبار أنه مسلط عليهما وهما تحت سلطانه. فإذا أنشأ المالك تمليك شي‌ء من هذين ، شملته العمومات لا محالة.

وأما إذا تعلق إنشاء التمليك بأمر معدوم ليس بمملوك له فعلاً ، فلا يصحّ بأي مملك كان ، ولذا لم يلتزموا بصحّته فيما إذا كان ذلك في ضمن عقد آخر. واشتراط أن يكون ملكاً له في ظرفه غير صحيح أيضاً ، إذ الملكيّة لا تكون بغير سبب مملك.

إذن فهذا النحو من المعاملة الذي يتضمن تمليك أمر معدوم غير صحيح ، وإنما قلنا بصحته في المزارعة والمضاربة والمساقاة والوصية لأجل الدليل الخاص ، وإلّا فمقتضى القاعدة فيه هو البطلان.

(١) بل الأقوى هو التفصيل ، بين ما إذا كان الشرط هو الضمان وكون الخسارة في عهدة العامل فيبطل ، وبين ما إذا كان هو التدارك الخارجي فيصحّ.

أمّا الأوّل : فليس ما ذكرناه من جهة كونه منافياً لمقتضى العقد ، إذ الضمان وعدمه كالجواز واللزوم خارجان عن مقتضى العقد أصلاً وإطلاقاً ، فإنّ مقتضاه ليس إلّا عمل العامل بالمال وتصرّفه فيه على أن يكون الربح بينهما على ما اتفقا عليه. وإنما

__________________

(*) هذا إذا كان الاشتراط راجعاً إلى لزوم تدارك العامل الخسارة من كيسه ، وأمّا إذا رجع إلى اشتراط رجوع الخسارة إليه فالأظهر بطلان الشرط ، وبذلك يظهر الحال في اشتراط ضمانه لرأس المال.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك من جهة ملاحظة أن العامل أمين ، ومقتضى ما دلّ على أن الأمين لا يضمن ، ولا سيما بعض النصوص الواردة في خصوص المضاربة ، هو عدم الضمان.

وعليه فيكون اشتراط الضمان من الشرط المخالف للسنة ، حيث إنّ مقتضاه عدم ضمان الأمين ، سواء اشترط ذلك عليه أم لم يشترط ، فيبطل لا محالة.

وأما الثاني : فحيث أن تدارك العامل للخسارة والتلف من ماله الخاص ، لا على نحو الضمان ، أمر سائغ وفعل جائز قبل الاشتراط ، فلا مانع من اشتراطه عليه ، وعنده فيجب الوفاء به.

ومن الغريب في هذا المقام ما صدر من بعضهم ، من القول بانقلاب عقد المضاربة عند اشتراط الضمان على العامل قرضاً ، فيكون جميع الربح للعامل ، ولا يكون للمالك إلّا رأس ماله ، وذلك للنص المعمول به لدى الأصحاب.

وكأنه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث ـ : «إنّ علياً (عليه السلام) قال : من ضمن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء» (١).

لكنها وإن كانت صحيحة بحسب السند ، إلّا أنها أجنبية بحسب الدلالة عن محلّ الكلام ، فإنّها واردة في التضمين من أوّل الأمر ، لا اشتراط الضمان عند التلف الذي هو محلّ كلامنا.

فإنّا ذكرنا في مبحث الفرق بين البيع والدين من مباحث المكاسب ، أنّ البيع عبارة عن مبادلة المال بالمال ، بحيث إنّ كلّاً من المتبايعين يعطي شيئاً بإزاء أخذ شي‌ء من صاحبه. في حين إنّ القرض لا يتضمن أيّ مبادلة بين المالين ، وإنما هو تمليك للمال مع الضمان ، بمعنى إثباته في عهدة الآخر ونقله إلى ذمّته ، كما هو الحال في الغاصب مع التلف. فليس القرض تبديل مال بمال غيره ، وإنما هو جعل المال المعيّن بعينه في ذمّة الآخر ، وهذا ما يعبّر عنه بالضمان المطلق.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ٤ ح ١.

٣٦

[٣٣٩٤] مسألة ٥ : إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقاً ، أو إلى البلد الفلاني ، أو إلّا إلى البلد الفلاني ، أو لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلّا الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد مثلاً ، أو إلّا من زيد ، أو لا يشتري من شخص ، أو إلّا من شخص معين ، أو نحو ذلك من الشروط. فلا يجوز له المخالفة (١) وإلّا ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلّاً ، وضمن الخسارة مع فرضها.

ومقتضى القاعدة (٢) وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية (٣) إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط الالتزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلّا أنّ الأقوى

______________________________________________________

إذن فهذه الصحيحة لما كانت ناظرة إلى الضمان المطلق ، أعني دفع ماله إلى غيره ليكون في عهدته من أوّل الأمر ، كانت الرواية أجنبية عن محل الكلام ، فإنها واردة في القرض ابتداءً ، لا في انقلاب المضاربة إلى القرض بالاشتراط.

فالصحيحة ، بناءً على ما ذكرناه واختاره صاحبا الوافي (١) والحدائق (٢) غير واردة في المضاربة ، وإنما هي واردة في التضمين الفعلي ، وأين ذلك من اشتراط الضمان عند التلف؟.

فما ذكره هذا القائل من كون الصحيحة معمولاً بها ، غير تامّ بالقياس إلى المعنى الذي ذكره.

(١) عملاً بشرط المالك ، واقتصاراً على مورد إذنه.

(٢) باعتبار أنّ العامل حينئذٍ فضولي. فإن أجاز المالك ما صدر من المعاملة منه صحّ العقد وكان تمام الربح له ، وإلّا حكم ببطلان المعاملة الصادرة منه.

(٣) يمتاز القيد من الشرط في العقود الالتزامية التمليكية كالبيع ، بأنّ الشرط فيها

__________________

(١) الوافي ١٨ : ٨٨٠.

(٢) الحدائق ٢١ : ٢٠٧ ٢٠٨.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قد يكون أمراً خارجياً أجنبياً عن المبيع والثمن كالخياطة. ففي مثله لا يمكن أن يكون قيداً لمتعلق العقد ، إذ المبيع وجود والشرط وجود آخر ، والنسبة بين الوجودين هي التباين ، فلا معنى لأن يكون أحدهما مقيداً للوجود الآخر ، فيقال : إن الحنطة مقيدة بخياطة الثوب.

نعم ، من الممكن جعله قيداً للمنشإ ، بمعنى تعليق نفس البيع لا المبيع على الخياطة إلّا أنه باطل جزماً ، لأنه من التعليق في العقود ، وهو موجب لبطلانه.

ومن هنا فينحصر أمره في أن يكون شرطاً في العقد ، بمعنى تعليق الالتزام بالعقد على الخياطة ، فيكون من الالتزام في ضمن الالتزام.

وقد يكون وصفاً لمتعلق العقد ، وهو تارة يكون من الأوصاف الذاتية المقومة للذات ، فهو قيد لا محالة ، كأن يقول : بعتك هذا الموجود الخارجي على أن يكون ذهباً. وعليه فلو تخلف الوصف لكان البيع محكوماً بالبطلان لا محالة ، وذلك لأن مالية الأشياء إنما هي بفصولها وما يمتاز به كل صنف عن الآخر من الصفات ، وحيث إنّ الجامع بين الصنفين فاقد لها فلا مالية له.

والعبرة في اختلاف الصنف والنوع إنما هي بالنظر العرفي لا الدقة العقلية الفلسفية. فإنه إذا باع المملوك على أنه أمَة فبان عبداً ، حكم ببطلان البيع ، إذ العرف يراهما نوعين ، وإن كانا بنظر العقل واحداً ، باعتبار أن الذكورية والأُنوثية من العوارض للإنسان.

وأُخرى لا يكون مقوِّماً للذات ، كما لو باع العبد على أنه كاتب ، ومثله لا يصلح أن يكون قيداً. فإنّ الموجود الخارجي لا إطلاق له لكي يكون مقيداً بالكتابة في بعض الأحيان ، وإنما هو موجود واحد ، إما هو كاتب بالفعل أو ليس بكاتب كذلك.

وحيث لا يجوز أن يكون من تعليق نفس البيع عليه ، لأنه من التعليق المبطل جزماً ، ينحصر أمره في كونه شرطاً ، أعني تعليق الالتزام بالعقد على كونه كاتباً فيكون له الخيار على تقدير عدمه.

هذا كله بالنسبة إلى المائز بين القيود والشروط في الأعيان الخارجية ، وقد اتّضح

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أنه يختلف باختلاف الشرط.

ومن هنا يتضح أنّ العبرة في الفرق بينهما إنما هو بواقع الشرط لا التعبير ، فلا فرق بين أن يقول : بعتك هذا العبد الكاتب ، أو : بعتك هذا على أن يكون كاتباً ، فإنّ الحال فيهما واحدة.

وأما إذا كان متعلق العقد كلياً في الذمّة ، فحيث إنّ وجود الكلي ينحصر في وجود أفراده إذ لا وجود له إلّا في ضمنها ، كان الاشتراط مقوِّماً كان الشرط أو غيره موجباً لتعدد الوجود وامتياز المقيد عن غيره. ومن هنا يكون الشرط قيداً في متعلق المعاملة لا محالة ، بحيث يكون متعلقها خصوص الحصّة المقيّدة دون غيرها ، لاقتضاء أخذ الوصف تخصص الكلي لا محالة. وعليه فلو سلّمه غيرها لم تبرأ ذمّته ، ووجب عليه أداء الحصّة التي اتفقا عليها.

وبهذا يفترق الكلّي عن العين الخارجية.

وكذا الحال إذا كان متعلق العقد عملاً من الأعمال ، فإنّه عرض من الأعراض ، وهو يختلف ويتعدّد في الوجود بما له من صفات ، فهو موجود بوجودين واجد الصفة وفاقدها.

ومن هنا فأخذ صفة في ضمن العقد ، يعني كون متعلق المعاملة خصوص تلك الحصة ، فلو أتى الأجير بغيرها لم تفرغ ذمّته.

وليس هذا من موارد الخيار ، وإنما هو من موارد عدم تحقق متعلق العقد في الخارج.

والحاصل أنّ باب الكلّي في الذمّة والأعمال من جهة ، يغاير باب الأعيان الخارجية التي تكون متعلّقة للعقد من جهة أُخرى.

هذا كله في العقود الالتزامية التمليكية. وأما في عقد المضاربة الذي ينحلّ في الحقيقة إلى أمرين : إذن المالك للعامل في العمل والتزامه بأن يكون الرّبح بينهما ، فهو من العقود الإذنية بلحاظ الجهة الأُولى ، ومن العقود الالتزامية بلحاظ الجهة الثانية.

فإذا اشترط المالك على العامل ما يرجع إلى خصوصية في المبيع أو الشراء ، كان

٣٩

اشتراكهما في الربح على ما قُرِّر ، لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك (١). ولا داعي

______________________________________________________

ذلك من تقييد الإذن لا محالة ، فيكون راجعاً إلى الجهة الأُولى في المضاربة. ومقتضى ذلك أنّ مخالفة الشرط توجب انتفاء الإذن في التصرّف فيه ، وعليه فيحكم بعدم استحقاق العامل شيئاً. وأما ما وقع من العمل خارجاً فهو معاملة فضولية ، إن أجازه المالك كان الربح أو الخسران له ، وإلّا فهو محكوم بالفساد من أصله.

وأما إذا كان الشرط أمراً خارجياً ، كالخياطة والكتابة ونحوهما ، فيمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الأُولى ، فيكون من تعليق الإذن في التجارة والتصرّف بالمال على ذلك الفعل المعين ، كما هو الحال في الإباحات. ولا يقدح فيه التعليق ، لأن الممنوع إنما هو التعليق في العقود التمليكية ، والمضاربة من العقود الإذنية.

ويمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الثانية ، أعني التزامه بكون الربح بينهما على النسبة المعينة ، وهذا هو الأظهر في الشروط التي لها مالية.

وعليه فعند تخلّف العامل عن الشرط ، فللمالك أن يرفع يده عن التزامه هذا ، وإن كان إذنه في أصل التجارة باقياً ، فيأخذ تمام الربح ، ويكون للعامل اجرة مثل عمله.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومنه يظهر الحال في بعض ما أفاده الماتن (قدس سره) في هذا المقام.

(١) كصحيحة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره ، قال : «هو ضامن والربح بينهما على ما شرط» (١).

وصحيحة الحلبي عنه (عليه السلام) أيضاً ، في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه ، قال : «هو ضامن والرّبح بينهما» (٢). وغيرهما من النصوص.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١ ح ٩.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١ ح ٥.

٤٠