موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحياناً كالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال. وأمّا لو كان على خلافه ، كما إذا لم يكن عليه إلّا السقي واستغنى عنه بالمطر أو نحوه كلية ، فاستحقاقه للحصّة مع عدم صدور عمل منه أصلاً ، مشكل (١).

[٣٥٥٨] مسألة ٢٨ : إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل ، يكون الثمر له (٢) وعليه اجرة المثل (*) (٣) للعامل بمقدار ما عمل.

هذا إذا كان قبل ظهور الثمر. وإن كان بعده ، يكون للعامل حصّته (**) (٤)

______________________________________________________

(١) بل ممنوع ، كما عرفت.

(٢) على ما يقتضيه الفسخ ، كما ستعرف بيانه.

(٣) فيه إشكال بل منع تقدم وجهه غير مرة. فإنّ سبب الضمان ينحصر في العقد الصحيح واستيفاء العمل الصادر عن أمره لا مجاناً ، وحيث إنّ كليهما منتفٍ في المقام فإنّ العقد قد ارتفع بالفسخ ، والأمر إنما كان متعلقاً بالمقدمة الموصلة ، فلا موجب للقول بالضمان.

وبعبارة اخرى : إنّ الضمان من جهة العقد منتفٍ ، لانتفاء العقد بالفسخ. والضمان من جهة الأمر غير ثابت ، بلحاظ عدم مطابقة المأتي به للمأمور به ، إذ الأمر إنما كان متعلقاً بالعمل المستمر إلى حين حصول النتاج ، وهو لم يتحقق في الخارج ، وما تحقق في الخارج من العمل الناقص لم يكن متعلقاً للأمر.

(٤) الظاهر أنه لا فرق في كون الثمرة بتمامها للمالك ، بين فرض الفسخ قبل ظهور الثمر وفرضه بعده. وذلك لأنّ تأثير الفسخ وإن كان من حينه ، إلّا أنه لما كان يتعلق بالعقد من الأوّل بحيث يفرض وكأن لم يكن ، كان مقتضاه رجوع كلّ من العوضين في

__________________

(*) الظاهر أنه لا يستحق اجرة المثل ، لأنّ هذا العمل لم يقع عليه العقد حتى يكون بأمر المالك فإنّ الواقع عليه العقد هو العمل المنتهى إلى وصول الثمر لا مطلقاً.

(**) الظاهر أنّ حكم الفسخ بعده حكمه قبله.

٣٦١

وعليه الأُجرة للمالك (١) إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء ، وإلّا فله الإجبار على القطع بقدر حصّته ، إلّا إذا لم يكن له قيمة أصلاً ، فيحتمل أن يكون للمالك كما قبل الظهور (٢).

[٣٥٥٩] مسألة ٢٩ : قد عرفت أنه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا يفسخ ويستأجر عنه ويرجع عليه ، أمّا مطلقاً كما لا يبعد (*) (٣) أو بعد تعذّر الرجوع إلى الحاكم. لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالإشهاد

______________________________________________________

العقود المعاوضية إلى صاحبه ، وكأن لم يكن قد انتقل عنه إلى غيره بالمرة. وحيث إنّ الحصّة من الثمر إنما جعلت في عقد المساقاة بإزاء عمل العامل وعوضاً عنه ، كان مقتضى الفسخ رجوعها إلى المالك حتى ولو كان الفسخ بعد ظهور الثمر وإدراكه.

ومما يؤكد ذلك ، أنه لو فسخ العقد بعد إدراك الثمر ، بسبب تخلف العامل عن شرط اشترط عليه أو غير ذلك ، لم يكن يعطي إليه الحصّة المقررة من الثمر جزماً ، وإلّا لكان الفسخ لغواً محضاً.

والحاصل أنه ليس معنى الفسخ بقاء العقد على حاله بالنسبة إلى تمليك الحصّة للعامل ، وإلّا لكان الفسخ لغواً واضحاً ، وإنما معناه فرض العقد كأن لم يكن ، ورفع اليد عنه من أوّل الأمر.

(١) ظهر مما تقدم وجه النظر فيه. فإنّ الحصّة وبعد الفسخ لا تبقى على ملك العامل ، كي يستحق المالك عليه اجرة مثل أرضه ، فإنها وبأكملها تعود حينئذٍ ملكاً للمالك ، وعليه للعامل الأُجرة لكون عمل العامل صادراً عن إذنه لا مجاناً. فإنه وفى هذا الفرض قد أتى بالفعل المأمور به ، وحيث إنه لم تسلّم له الحصّة المجعولة نتيجة لفسخ العقد ، يضمن له المالك اجرة مثل عمله.

(٢) بل هو كذلك حتى بعد الظهور ، كما عرفت.

(٣) قد مر الإشكال فيه ، وقد عرفت أنه مما لا دليل عليه.

__________________

(*) وقد مر الإشكال فيه.

٣٦٢

على الاستئجار عنه ، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتى بينه وبين الله. وفيه ما لا يخفى (١).

فالأقوى أنّ الإشهاد للإثبات ظاهراً ، وإلّا فلا يكون شرطاً للاستحقاق ، فمع العلم به أو ثبوته شرعاً يستحقّ الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستئجار.

نعم ، لو اختلفا في مقدار الأُجرة ، فالقول قول العامل في نفي الزيادة. وقد يقال (٢) بتقديم قول المالك ، لأنه أمين. وفيه ما لا يخفى.

وأمّا لو اختلفا في أنه تبرع عنه أو قصد الرجوع عليه ، فالظاهر تقديم قول المالك ، لاحترام ماله وعمله ، إلّا إذا ثبت التبرّع ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، بل يظهر من بعضهم تقديم قول العامل.

______________________________________________________

(١) فإنه مقطوع البطلان ، حيث لا يحتمل مدخلية الإشهاد في ثبوت الولاية بناءً على القول بها ، ولو لا هذه الجهة لكان مقتضى القاعدة القول باعتباره ، فإنه يكفي في إثباته مجرد الشك والاحتمال ، إذ لا دليل لفظي على ثبوت الولاية كي يتمسك به في نفي الاعتبار.

وكيف كان ، فالأمر فيه سهل ، بعد ما عرفت من عدم الدليل على ثبوت الولاية للخصم بنفسه.

(٢) التشكيك في هذا الفرع والذي يليه ، إنما يتجه بناءً على ما اخترناه من عدم ثبوت الولاية للخصم نفسه. فإنه حينئذٍ يكون مجال للبحث في تقديم قول المالك في زيادة الأُجرة وعدم التبرع ، أو العامل في النقصان والتبرع.

وأمّا بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من ثبوت الولاية له عند تعذّر الرجوع إلى الحاكم ، فلا مجال لهذا من أساسه ، إذ لا وجه للتشكيك في تقديم قول الولي ، فإنه مقدم على دعوى الخصم جزماً ، للسيرة العقلائية القطعية التي يعبر عنها في كلمات الأصحاب بقاعدة : «من ملك شيئاً ملك الإقرار به».

والحاصل أنّ حال الخصم على هذا التقدير يكون هو حال الحاكم عند وجوده ولا أظنّ أنّ أحداً يمكنه زعم تقديم قول الخصم على الحاكم ، لأصالة عدم الزيادة أو

٣٦٣

[٣٥٦٠] مسألة ٣٠ : لو تبين بالبينة أو غيرها (*) (١) أنّ الأُصول كانت مغصوبة ، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحّت المساقاة (٢)

______________________________________________________

أصالة عدم الضمان.

(١) مما تكون حجيته مطلقة أيضاً وغير مختصة بأحد الطرفين ، كحصول القطع أو الشياع المفيد للعلم. وإلّا فلو كانت حجيته مختصّة بأحدهما ، كإقرار المساقي حيث لا يكون حجة إلّا عليه ، فلا وجه للحكم بفساد العقد عند عدم إمضاء المالك بحسب إقرار المساقي له ، فإنّ الإقرار إنما ينفذ في حقّ المقرّ خاصّة دون العامل الجاهل بالحال.

ومن هنا فلا مبرر لانتزاع الحصّة المجعولة له ، في العقد المحكوم بالصحة ظاهراً بالقياس إليه ، منه.

نعم ، يثبت ذلك بالقياس إلى المقرّ ، لاعترافه ببطلان العقد ، لوقوعه على ملك الغير وعدم استحقاقه لها.

وعليه للمقرّ له قيمة ما أخذه العامل من الحصّة ، لاعترافه بكونه هو المتلف له بجعله للعامل في المعاملة المحكومة بالصحة ظاهراً.

نظير ما لو وهب شيئاً بالهبة اللازمة لشخص ثمّ اعترف بكونه غصباً ، فإنه لا يلزم الموهوب له ردّه ، وإنما على المقرّ أن يغرّم للمقرّ له قيمته.

ومن هذا القبيل أيضاً ما لو أقرّ بالمال لأحد ثمّ أقرّ به لثانٍ ثمّ لثالث وهكذا ، حيث يجب عليه دفع عينه إلى الأوّل ، ويغرّم لكل من الباقين قيمته ، لاعترافه بإتلاف المال العائد له.

ولعل مراد الماتن (قدس سره) من كلمة (أو غيرها) غير البينة من الحجج المطلقة وإلّا فالإشكال مستحكم.

(٢) بينه وبين العامل ، لأنّ إجازته لها بمنزلة مباشرته للعقد بنفسه ، بناءً على

__________________

(*) هذا إذا كان حجة مطلقاً ، وأما مثل اعتراف المساقي فلا أثر له بالإضافة إلى العامل.

٣٦٤

وإلّا بطلت (١) وكان تمام الثمر للمالك المغصوب منه (٢) ويستحق العامل اجرة المثل على الغاصب (٣) إذا كان جاهلاً بالحال (٤) إلّا إذا كان مدّعياً عدم الغصبية وأنها

______________________________________________________

ما حقّقناه في محلّه من كون صحة العقد الفضولي عند إجازة من له الأمر على القاعدة نظراً لانتساب الأُمور الاعتبارية التي يكون قوامها بالاعتبار إلى الموكل على حد انتسابها إليه عند مباشرته لها بنفسه ، فإنه وفى التقديرين يكون حقيقياً وخالياً عن التسامح والعناية.

فانتساب هذا العقد للمالك كما يحصل بالإذن السابق منه فيه ، يحصل بإبرازه للرضا به وإمضائه للفعل الصادر من غيره. فليس حال هذا حال الأُمور الخارجية الحقيقية حيث لا يصحّ إسنادها في غير القبض إلى الموكل إلّا بالعناية والمجاز.

والحاصل أنّ إمضاء المالك للالتزام الصادر من الغاصب ، يجعل ذلك الالتزام السابق مستنداً إليه حقيقة ، وكأنه قد باشر بنفسه من الأوّل.

(١) على ما تقتضيه القاعدة ، حيث وقع العقد على أُصول الغير من غير رضاه.

(٢) لقانون تبعية الثمر للأُصول.

(٣) لأنّ عمله إنما صدر عن أمره لا بقصد المجانية والتبرع ، فلا يذهب سدى.

(٤) إذ لو كان عالماً بالحال لكان فعله وتصرفه في الأرض والأُصول محرماً لوقوعه في ملك الغير مع علمه به. ومعه فلا يستحق عليه الأُجرة ، لأنه لا يكون حينئذٍ محترماً.

ومن هنا يظهر أنه لا مجال لقياس المقام بما ذكرناه في غير مورد ، من أنه لا فرق في الضمان بين علم العامل بالفساد وجهله به ، لأنّ العلم به لا يلازم التبرع وقصد المجانية ، فإنّ ذلك فيما إذا لم يكن العلم موجباً لتنجز حرمة الفعل في حقه كما هو الحال في المقام ، وإلّا فلا وجه لإثبات الضمان والأُجرة للفعل الحرام.

والحاصل أنّ استحقاق العامل لُاجرة مثل عمله إنما يختص بفرض جهله بالحال وغصبية الأُصول ، إذ يكون عمله عندئذٍ مباحاً محترماً ، ومعه فله المطالبة بعوضه من

٣٦٥

كانت للمساقي ، إذ حينئذٍ ليس له الرجوع عليه ، لاعترافه بصحة المعاملة وأنّ المدّعى أخذ الثمرة منه ظلماً.

هذا إذا كانت الثمرة باقية. وأمّا لو اقتسماها وتلفت عندهما ، فالأقوى أنّ للمالك الرجوع (*) بعوضها على كلّ من الغاصب والعامل بتمامه (١) وله الرجوع على كلّ

______________________________________________________

الآمر به لا مجاناً. ولا ينافيه الحكم ببطلان العقد ، إذ لا ملازمة بينهما. فهو نظير ما لو استأجر لحمل صندوق فحمله ثمّ بان كونه خمراً ، فإنّ الحكم بفساد تلك الإجارة لا يوجب الحكم بذهاب عمله هدراً ، غاية الأمر أنه يستحق اجرة المثل بدلاً عن الأُجرة المسمّاة في العقد.

(١) الظاهر أنه لا وجه لرجوع المالك على العامل بعوض تمام الثمر مطلقاً ، فإنه لا يقاس المقام بباب تعاقب الأيدي ، حيث حكمنا بجواز رجوع المالك على كلّ منهم وقلنا أنه لا مانع من تعدد الضمانات على المال الواحد نظير الواجب الكفائي.

وذلك لعدم ثبوت يد العامل وسلطنته على إتمام الثمر كي يكون ضامناً له ، فإنّ هذا العنوان لا يصدق على مثل تصرف العامل في جميع الثمر بسقي أُصولها ونحو ذلك ، وإن كان فعله مع علمه بالحال محرماً.

وبعبارة اخرى : إنّ دليل الضمان في أمثال المقام منحصر ببناء العقلاء ، إذ قد عرفت غير مرة أنّ قاعدة «على اليد» لا يجوز الاعتماد عليها ، لعدم ثبوت كونها رواية فضلاً عن دلالتها. وحيث إنه بناء العقلاء غير ثابت فيما نحن فيه ، لتوقفه على تحقق عنوان السلطنة وكون المال تحت تصرفه ، وهو مفقود لعدم صدق ذلك بسبب ما للعامل من التصرفات ، فلا وجه لإثبات ضمان تمام المال عليه.

فشأن تصرّف العامل في غير حصّته شأن الأجير الذي يقوم بكنس الدار المغصوبة ، فإنه أفهل يحتمل القول بضمانه للدار في فرض علمه بالحال فضلاً عن الجهل

__________________

(*) لا وجه لرجوعه على العامل إلّا بالمقدار الذي وقع من الثمر تحت يده وسلطانه ، وهو خصوص حصته منه لا جميعه. نعم ، له الرجوع بتمام عوضها على الغاصب فقط.

٣٦٦

منها بمقدار حصّته (١). فعلى الأخير لا إشكال (٢). وإن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصّته (٣) إلّا إذا اعترف بصحّة العقد ، وبطلان دعوى المدعي للغصبية ، لأنه حينئذٍ معترف بأنه غرمه ظلماً.

وقيل : إنّ المالك مخير بين الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، وبين الرجوع على الغاصب بالجميع (٤) فيرجع هو على العامل بمقدار حصّته. وليس له الرجوع

______________________________________________________

به؟ كلا ، وليس ذلك إلّا لعدم صدق عنوان السلطنة وكون المال تحت تصرفه ويده بمثل هذا التصرف وإن كان حراماً.

إذن فالصحيح هو عدم جواز رجوع المالك على العامل بتمام الثمر ، في فرض علمه بالحال فضلاً عن الجهل به ، فإنه لا فرق بين الصورتين من هذه الناحية.

وقد ذكر الأصحاب نظير هذا في باب الضمان فيما إذا اشترك غير واحد في السرقة بحيث صدرت السرقة الواحدة منهم جميعاً وعلى نحو الاشتراك ، حيث حكموا بأنه ليس للمالك الرجوع على كلّ منهم إلّا فيما يقابل جريمته ، فليس له مطالبة أحدهم بتمام المتاع. ومن الواضح أنه ليس ذلك إلّا لعدم استقلال كلّ واحد منهم في السلطنة على المال وجعله تحت يده وتصرفه.

نعم ، ما أفاده الماتن (قدس سره) يتمّ بالقياس إلى الغاصب ، حيث يجوز للمالك الرجوع عليه بتمام الثمر ، لثبوت يده عليه بتبع ثبوتها على الأصل ، فيصحّ الرجوع عليه به وإن لم يكن الثمر قد تلف عنده ، فإنه لا أثر لذلك بعد ثبوت سلطنته التامة عليه ووقوعه بتمامه تحت يده.

(١) لسلطنته عليه ووقوعه تحت يده ، فيكون ضامناً له ببناء العقلاء.

(٢) حيث يتحمل كلّ منهما ما غرمه للمالك ، ولا يرجع به على صاحبه ، لعدم المبرر له.

(٣) لما تقدّم.

(٤) وقد تقدّم وجه الحكم في كلا الشقين.

٣٦٧

على العامل بتمامه ، إلّا إذا كان عالماً بالحال (١). ولا وجه له بعد ثبوت يده على الثمر بل العين أيضاً.

فالأقوى ما ذكرناه (٢) لأنّ يد كلّ منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين. ولو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه.

هذا ويحتمل (٣) في أصل المسألة كون قرار الضمان على الغاصب مع جهل العامل ، لأنه مغرور من قبله (*). ولا ينافيه ضمانه لُاجرة عمله ، فإنه محترم

______________________________________________________

(١) عرفت فيما تقدّم ، أنه لا وجه للتفصيل بين صورتي علمه بالحال وجهله به ، فإنّ الحكم فيهما واحد.

(٢) بل عرفته منا.

(٣) إلّا أنه لا أساس له بالمرة حتى على تقدير تسليم قاعدة الغرور.

وذلك فلأنّ حال المقام حال سائر العقود الفاسدة من جهة الغصب ، حيث لا غرور بقول مطلق ، فإنه إنما يكون إذا كان تسلم العامل للحصّة من الثمر بعنوان المجانية ، فإنّ معه إذا غرم للمالك شي‌ء جاز له الرجوع به على الغاصب جزماً ، لما ذكرنا غير مرة من بناء العقلاء على معاملة مؤدّى بدل التالف معاملة المالك له بقاءً فله أن يرجع عليه ليطالبه بعوض ماله ، وليس للغاصب الاعتذار بكونه هو المتلف له ، لأنه إنما أقدم على إعطائه له مجاناً ومن غير ضمان. فهو نظير من يغصب الشاة ثمّ يطعمها لمالكها ، حيث لا يوجب ذلك سقوط الضمان.

وأين هذا من المقام ، حيث لم يكن تسلّمه للحصّة بعنوان المجانية ، بل الغاصب إنما جعلها له وسلمها إليه لتكون عوضاً وبدلاً عن عمله في الأصل ، فإذا حكم بضمان بدلها للمالك لم يكن مغروراً من قبل الغاصب ، لرجوعه عليه بأُجرة مثل عمله.

فهو نظير رجوع المالك على المشتري من الغاصب بعوض المبيع التالف ، إذ لا يرجع المشتري على البائع إلّا بضمان واحد هو ما دفعه إليه بعنوان المسمّى ، من دون

__________________

(*) أي غرور في المقام مع أنه أقدم على تملّك حصته المجعولة له بإزاء عمله لا مجاناً ، والمفروض أنه يرجع على المالك بأُجرة مثله ، فالاحتمال المزبور ضعيف جدّاً.

٣٦٨

وبعد فساد المعاملة لا تكون الحصّة عوضاً عنه ، فيستحقّها ، وإتلافه الحصّة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له.

[٣٥٦١] مسألة ٣١ : لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط المباشرة (١) أو مع النهي عنه (٢).

وأمّا مع عدم الأمرين ، ففي جوازه مطلقاً كما في الإجارة والمزارعة وإن كان لا يجوز تسليم الأُصول إلى العامل (*) الثاني إلّا بإذن المالك (٣) أو لا يجوز مطلقاً وإن أذن المالك ، أو لا يجوز إلّا مع إذنه ، أو لا يجوز قبل ظهور الثمرة ويجوز بعده (٤) أقوال ، أقواها الأوّل (٥).

______________________________________________________

أن يكون له الرجوع بما غرمه للمالك أيضاً بدعوى كونه مغروراً من قبله.

(١) لمنافاته للشرط الواجب عليه الوفاء به ، لكونه مأخوذاً في ضمن عقد لازم.

(٢) لأنه يدل بالدلالة الالتزامية على اعتبار المباشرة ، فيكون بمنزلة الشرط.

(٣) على إشكال فيه تقدّم في الإجارة والمزارعة ، ويأتي بيانه قريباً.

(٤) الظاهر عدم كون هذا التفصيل قولاً في المسألة ، إذ الذي ينبغي أن يكون محلّاً للكلام هو خصوص فرض ما قبل ظهور الثمر. وأما بعده فلما كان العامل مالكاً للحصّة منها بالفعل على ما سيأتي منه قدس سره أيضاً فله أن يتصرف فيها وينقلها بأيّ ناقل شاء وبإزاء أي عوض اختار ، فإنّ العمومات والإطلاقات غير قاصرة الشمول لمثله.

(٥) نظراً لأنّ دليل صحة المساقاة يقتضي ثبوت حق للعامل في التصرف في ذلك البستان بإزاء الحصّة المعينة من الثمر ، ومعه فنقله إلى الغير لا يحتاج إلى الدليل الخاص ، لكفاية العمومات والإطلاقات في إثبات جوازه ، فإنّ «الناس مسلطون على أموالهم» (١).

__________________

(*) الحكم فيه كما مرّ في المزارعة والإجارة.

(١) عوالي اللّئالي ١ : ٢٢ ح ٩٩.

٣٦٩

ولا دليل على القول بالمنع مطلقاً أو في الجملة بعد شمول العمومات (١) من قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ). وكونها على خلاف الأصل (٢) فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم (٣) ممنوع بعد شمولها (٤).

______________________________________________________

نعم ، لو كان الشك في صحة المساقاة من أساسها ، لكان إثباتها محتاجاً إلى الدليل الخاص ، لعدم وفاء العمومات والإطلاقات بها ، لما عرفته مراراً من عدم شمولها لما يتضمن تمليك المعدوم.

إلّا أنّ المقام ليس من هذا القبيل. فإنّ صحة العقد ثابتة وحق العامل في البستان أمر لا يقبل الإنكار ، فلم يبق إلّا نقل هذا الحقّ كلّاً أو بعضاً إلى الغير ، وإثباته لا يحتاج إلى الدليل الخاص.

والحاصل أنّ أصل ثبوت الحق للعامل يحتاج إلى الدليل الخاص ، حيث لا يمكن إثباته بالعمومات والإطلاقات. وأما بعد ثبوته ، فجواز نقله إلى الغير يكون على القاعدة ، ولا يحتاج إلى الدليل الخاص.

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه ، هو الالتزام بجواز تسليم الأُصول إلى العامل الثاني مطلقاً أيضاً ، ومن غير توقف على إذن المالك في ذلك ، على ما تقدم بيانه في باب الإجارة والمزارعة أيضاً. فإنه لما لم تكن المباشرة شرطاً في المساقاة ، وكان يجوز للعامل الأوّل أن يشرك غيره في العمل والتصرّف ، جاز له تسليم الأرض إلى غيره أيضاً ، ويكون ذلك مقتضى إطلاق العقد.

(١) في شمولها لمثل المقام ما لا يخفى.

(٢) لاشتمالها لتمليك المعدوم ، وهو غير جائز.

(٣) وهو ما إذا كان المالك هو طرف المعاملة مع العامل.

(٤) بل لما تقدّم ، من أنّ المقام من نقل الحقّ الثابت للعامل ، لا من إثبات الحقّ له كي يحتاج إلى الدليل الخاص.

ثمّ إنّ من دليل البطلان هذا يظهر عدم تمامية التفصيل بين صورتي إذن المالك في ذلك وعدمه ، إذ لا أثر لإذن المالك في المعاملة التي لم يقم دليل على صحتها.

٣٧٠

ودعوى أنه يعتبر فيها كون الأصل مملوكاً للمساقي ، أو كان وكيلاً عن المالك أو وليّاً عليه ، كما ترى ، إذ هو أوّل الدعوى (١).

[٣٥٦٢] مسألة ٣٢ : خراج السلطان في الأراضي الخراجية على المالك (٢) لأنه إنما يؤخذ على الأرض التي هي للمسلمين ، لا الغرس الذي هو للمالك ، وإن أخذ على الغرس فبملاحظة الأرض ، ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً كذلك ، فهو على المالك مطلقاً (٣) إلّا إذا اشترط كونه على العامل (٤) أو عليهما بشرط العلم بمقداره.

[٣٥٦٣] مسألة ٣٣ : مقتضى عقد المساقاة ملكيّة العامل للحصّة من الثمر من حين ظهوره. والظاهر عدم الخلاف فيه (٥) إلّا من بعض العامة ، حيث قال بعدم ملكيّته له إلّا بالقسمة ، قياساً على عامل القراض ، حيث إنه لا يملك الربح إلّا بعد الإنضاض. وهو ممنوع عليه حتى في المقيس عليه (٦).

______________________________________________________

(١) حيث يكفي في الصحة كونه ذا حق فيها ، بحيث يجوز له ذلك التصرف.

(٢) لا بمعنى أنّه إن أخذ من العامل قهراً كان له الرجوع به على المالك ، فإنه مما لا دليل عليه. وإنما هو بمعنى أنه إذا أخذه من المالك لم يكن له الرجوع به ، كلّاً أو بعضاً ، على العامل.

(٣) لاقتضاء عقد المساقاة له ، حيث لا يكون على العامل إلّا العمل بما فيه مستزاد الثمرة ، وأمّا الأرض والأُصول فهما بشؤونهما من واجبات المساقي.

(٤) فيجب عليه الوفاء من باب لزوم الشرط ، لا اقتضاء العقد بنفسه له.

(٥) وتدلّ عليه قبل كلّ شي‌ء صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة في أوّل الكتاب ، حيث إنّ المذكور فيها عنوان (ما أخرج) ومن الواضح أنه صادق على الثمرة قبل الإدراك ، فإنها مما أخرجته الأرض ، فيكون للعامل منها الحصّة المعيّنة المجعولة له.

(٦) لما عرفته في المضاربة ، من اشتراك العامل مع المالك في الربح وملكيّته للحصّة منه بمجرّد ظهوره ، ومن غير توقف على الإنضاض فضلاً عن القسمة.

نعم ، تكون هذه الملكيّة قبل القسمة متزلزلة ، نظراً لكون الأرباح وقاية لرأس

٣٧١

نعم ، لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحّته (*) (١) ، ويتفرّع على ما ذكرنا فروع.

منها : ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل ، فإنّ المعاملة تبطل من حينه (**) والحصّة تنتقل إلى وارثه على ما ذكرنا (٢).

______________________________________________________

المال ، حيث تجبر به الخسارة الطارئة.

إذن فالحكم غير ثابت في المضاربة. وعلى تقدير ثبوته فيها ، فإثباته في المقام قياس محض ، ولا نقول به.

(١) بل هي بعيدة جدّاً ، لما عرفته غير مرة من أنّ دليل الشرط ليس مشرعاً ، فإنه لا يقتضي إلّا لزوم الوفاء بما ثبت جوازه ومشروعيته في نفسه وقبل أخذه شرطاً في ضمن العقد ، فما لم يكن كذلك لا مجال لإثبات صحته بالشرط.

وحيث إنّ المقام من قبيل الثاني ، باعتبار أنّ الملكيّة بعد الإدراك أو القسمة من تمليك المعدوم وهو غير سائغ في نفسه ، فلا وجه لإثبات صحته بالشرط.

فالصحيح هو القول بالبطلان ، لقصور أدلّة الشروط عن إثبات صحته ، بعد عدم شمول أدلّة المساقاة لمثله ، نظراً لكونها على خلاف القاعدة ، فلا يمكن التعدّي عن موردها الاشتراك من حين ظهور الثمر إلى غيره.

(٢) وفيه : أنه لا وجه لجعل الحصة للورثة بعد الحكم ببطلان العقد ، فالصحيح هو الحكم ببطلان العقد من أصله ، لامتناع تحقق متعلقه ، حيث لا يمكن الإتيان بالأعمال الباقية من العامل. وعليه فيكون الثمر بأجمعه للمالك ومن دون أن ينتقل منه شي‌ء إلى الميت أو ورثته ، لأنّ الحصّة إنما جعلت له بإزاء مجموع عمله وتمامه ، وحيث إنه لا يمكنه الوفاء به فلا يستحق شيئاً منها.

والحاصل أنّ ملكيّة العامل للحصّة وإن كانت من حين الظهور ، إلّا أنها مشروطة

__________________

(*) بل هي بعيدة.

(**) بل من أصله ، ويستحق العامل اجرة المثل ، وبذلك يظهر الحال في الفروع الآتية.

٣٧٢

ومنها : ما إذا أفسخ أحدهما بخيار الشرط (*) أو الاشتراط بعد الظّهور (١) وقبل القسمة ، أو تقايلا.

ومنها : ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور (٢).

ومنها : ما إذا خرجت الأُصول عن القابلية لإدراك الثمر ، ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظّهور ، فإنّ الثمر في هذه الصور مشترك بين المالك والعامل وإن لم

______________________________________________________

بشرط متأخر ، هو إنهاء العامل للعمل حتى يبلغ ويدرك. ومن هنا فإذا امتنع تحقق هذا الشرط في الخارج ، كان لازمه الحكم ببطلان العقد من الأوّل ، وانتقال الثمر بأكمله إلى المالك ، ومن دون أن يكون للعامل منه شي‌ء.

نعم ، لما كان عمل العامل هذا عملاً محترماً صادراً عن أمر الغير لا بقصد المجانية ثمّ لم يسلّم له العوض المجعول له للحكم ببطلان العقد ، كان له اجرة المثل عليه ، سواء أقلنا بملكيّته للحصّة من حين الظهور أو بعد الإدراك.

إذن فلا وجه لجعل ما ذكره (قدس سره) ثمرة للنزاع. فإنّ المعاملة باطلة على التقديرين ، والثمرة بأكملها تكون للمالك من دون أن يكون شي‌ء منها لورثة العامل.

(١) فساد الثمرة في هذا الفرع أوضح منه في سابقه ، لأنه وإن كان ذلك بعد بلوغ الثمرة وإدراكها ، إلّا أن نتيجة الفسخ إنما هي فرض العقد كأن لم يكن ورجوع كلّ من العوضين إلى مالكه ، فيكون الثمر بأجمعه للمالك على كلا القولين ، وللعامل اجرة مثل عمله لما تقدّم.

(٢) يظهر الحال فيه مما تقدّم في الفرع الأوّل. فإن حال العجز عن الإتمام مع اشتراط المباشرة عليه هو حال الموت مع الشرط ، فيحكم ببطلان العقد من الأوّل ويكون الثمر بتمامه للمالك ، وللعامل اجرة مثل عمله.

__________________

(*) مرّ أنّ الفسخ يوجب تملّك المالك للثمر واستحقاق العامل اجرة المثل ، وقد مرّ نظيره في المزارعة.

٣٧٣

يكن بالغاً (*) (١).

ومنها : في مسألة الزكاة. فإنها تجب على العامل أيضاً إذا بلغت حصّته النصاب ، كما هو المشهور ، لتحقق سبب الوجوب ، وهو الملكيّة له حين الانعقاد أو بدو الصلاح على ما ذكرنا ، بخلافه إذا قلنا بالتوقّف على القسمة (٢).

نعم ، خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة هنا وفي المزارعة ، بدعوى أنّ ما يأخذه كالأُجرة. ولا يخفى ما فيه من الضعف ، لأنّ الحصّة قد ملكت بعقد المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة ، لا بطريق الأُجرة (٣). مع أنّ مطلق الأُجرة لا تمنع من وجوب الزكاة ، بل إذا تعلق المالك بها بعد الوجوب ، وأمّا إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها كما في المقام.

______________________________________________________

(١) هذا فيما إذا صدق عليه عنوان الثمر كما هو الظاهر من كلامه (قدس سره) كالحصرم بالنسبة إلى العنب ، فإنه ثمر موجود قابل للانتفاع به والاستفادة منه ، وإن لم يكن قد بلغ الحدّ المقصود وأدرك. فإنه حينئذٍ يصحّ جعله ثمرة للقولين ، فإنه على الأوّل يكون مشتركاً بينهما ، في حين يختصّ به المالك على الثاني ، وهو واضح.

وأمّا إذا كان ذلك قبل صدق عنوان الثمر عليه ، فالظاهر اتحاد النتيجة على القولين فإنّ الموجود وبأكمله يكون للمالك ومن دون أن يكون للعامل شي‌ء ، لأن مبدأ الاشتراك إنما هو من حين ظهور الثمر ، فمع انتفائِه لا يكون للعامل شي‌ء ، وبذلك ينكشف بطلان المساقاة من الأوّل ، لابتنائها على إمكان خروج الثمر على ما مرّ فتبطل بامتناعه.

(٢) حيث تكون على المالك خاصة ، لتحقق سبب الوجود بالقياس إليه فقط دون العامل ، لأنه إنما ملكه بعد الانعقاد وبدو الصلاح.

(٣) فإنّ المالك لا يملك عمل العامل بالعقد كي تكون الحصّة المجعولة له اجرة له وإنما المساقاة على ما تقدّم بيانها معاملة مستقلة تجعل لكلّ من الطرفين حقّ إلزام

__________________

(*) هذا إذا صدق عليه الثمر ، وإلّا فالحكم بصحة المساقاة مشكل.

٣٧٤

وكما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعاً قبل ظهور ثمرة ، فإنه يجب على المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب ، فهو نظير ما إذا اشترى زرعاً قبل ظهور الثمر.

هذا وربّما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام ، ويعلل بوجهين آخرين :

أحدهما : أنها إنما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرض كون العمل في مقابل الحصّة فهي من المؤن. وهو كما ترى (١) وإلّا لزم احتساب اجرة عمل المالك والزارع لنفسه أيضاً ، فلا نسلّم أنها حيث كانت في قبال العمل تعدّ من المؤن.

الثاني : أنه يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف ، وفي المقام وإن حصلت الملكيّة للعامل بمجرد الظهور ، إلّا أنه لا يستحقّ التسلّم إلّا بعد تمام العمل. وفيه : مع فرض تسليم عدم التمكّن من التصرّف (*) أنّ اشتراطه مختصّ بما

______________________________________________________

الآخر بما تعهد به.

(١) حيث قد عرفت في مسألة استثناء المؤن في باب الزكاة ، أنه وإن كان هو المشهور والمعروف بينهم إلّا أنه لا دليل عليه بالمرة ، فإنّ الدليل على الاستثناء إنما يختص بالخمس ، فلا وجه لإثبات الحكم في الزكاة أيضاً. وعليه فمقتضى إطلاقات وجوب العشر أو نصفه في الحاصل ، وجوب الزكاة في الجميع.

على أننا لو قلنا بالاستثناء تنزلاً ، فالتعبير بالمئونة لا يعمّ العمل الذي يقوم به الإنسان في سبيل تحصيل الثمر ، فإنها ليست إلّا الأموال الخارجية التي يبذلها الإنسان في سبيل تحصيله. كما هو الحال في الخمس أيضاً ، حيث يتعلق الخمس بالفاضل عن مئونة سنة العامل مما جمعه من أُجور عمله ، من دون استثناء شي‌ء بعنوان عمله وهكذا.

وعليه فحيث إنّ العامل في المقام لم يصرف شيئاً من أمواله الخاصة في سبيل

__________________

(*) الصحيح عدم تسليمه ، وإلّا فقد تقدّم في محله عدم اختصاص الاشتراط بما يعتبر الحول في زكاته.

٣٧٥

يعتبر في زكاته الحول كالنقدين والأنعام لا في الغلّات (١) ففيها وإن لم يتمكن من التصرف حال التعلق يجب إخراج زكاتها بعد التمكن على الأقوى ، كما بُيِّن في محلّه.

ولا يخفى أنّ لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصّة على المالك أيضاً (٢) كما اعترف به. فلا يجب على العامل لما ذكر ، ولا يجب على المالك لخروجها عن ملكه.

______________________________________________________

تحصيل الزرع ، وإنما صرف العمل خاصة ، فلا وجه لاستثناء شي‌ء له بعنوان المئونة.

(١) تقدّم الكلام في هذا الفرع في كتاب الزكاة مفصلاً. وقد عرفت هناك أنّ الصحيح اعتبار التمكن من التصرف بقول مطلق ومن غير اختصاص له بالنقدين والأنعام ، فإنّ مجرد ملكيّة العين لا يوجب تعلق الزكاة بها حتى ولو لم يمكن المالك التصرّف فيها وإن كانت من الغلّات.

ومن هنا فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ عدم التمكن من التصرف الذي يكون مانعاً من تعلق الزكاة بالعين ، لا يعمّ العجز الناشئ من الحكم التكليفي ، فإنّ المراد به إنما هو العجز الخارجي الناشئ من خروج المال عن تحت سلطانه ، بالغصب أو السرقة أو ما شاكلهما. وأمّا العجز الناشئ من الحكم التكليفي ولو من جهة النذر ونحوه ، فلا يوجب انتفاء الزكاة عن العين ، وإلّا لما وجبت الزكاة على المالك أيضاً لعدم جواز تصرفه في المال المشترك ، بل وعدم وجوبها في مطلق المال المشترك باعتبار أنّ كلّاً من الشركاء يكون ممنوعاً من التصرف في المال المشترك من دون إذن سائر الشركاء ، وهو مقطوع البطلان ولا يمكن الالتزام به.

(٢) بل وفي حصّته أيضاً ، بل وفي مطلق المال المشترك وإن لم يكن الاشتراك من جهة المساقاة ، حيث لا يجوز لأحد من الشركاء التصرف في المال المشترك قبل إذن سائر الشركاء ، كما تقدّم.

٣٧٦

[٣٥٦٤] مسألة ٣٤ : إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه فالقول قول منكره (١) وكذا لو اختلفا في اشتراط شي‌ء على أحدهما وعدمه (٢). ولو اختلفا في صحّة العقد وعدمها ، قدم قول مدعي الصحّة (٣). ولو اختلفا في قدر حصّة العامل ، قدم قول المالك المنكر للزيادة (٤) وكذا لو اختلفا في المدّة (٥).

ولو اختلفا في قدر الحاصل ، قدم قول العامل (٦) وكذا لو ادّعى المالك عليه سرقة أو إتلافاً أو خيانة (٧) وكذا لو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه إذا كان أميناً له ، كما هو الظاهر.

ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدعيه عليه ، بناءً على ما

______________________________________________________

(١) فإنّ إلزام الغير بشي‌ء جواز التصرف في بستانه أو العمل في الأُصول يحتاج إلى الإثبات ، وإلّا فالأصل عدمه.

(٢) لما تقدّم ، فإنه أمر زائد على العقد ، فإلزامه به يحتاج إلى الإثبات ، كما هو الحال في سائر العقود.

(٣) لأصالة الصحة المستفادة من السيرة العملية القطعية.

(٤) لقانون تبعية النماء للأصل في الملكيّة ، فإنّ مقتضاه كون جميع النماء للمالك ، وإنما خرجنا عنه في خصوص القدر المتيقن لثبوت الجعل بالنسبة إليه في العقد الصحيح فيبقى الباقي على ملك المالك بمقتضى القاعدة.

(٥) فإنّ إلزام مدعي الأقل بالفترة الزائدة يحتاج إلى الإثبات.

(٦) لم يظهر لنا ثمرة هذا النزاع ، كي يقال بتقديم قول العامل أو المالك. فإنّ مجرد النزاع في قدر الحاصل بوحدة لا أثر له ما لم يرجع إلى الدعوى الآتية ، من الاتهام بالإتلاف أو السرقة أو الخيانة ، أو التلف مع التفريط ، أو الاستيلاء عليه من غير إذن المالك ولو اشتباهاً ، وإلّا فأصل النزاع لا يجدي شيئاً بعد أن كان الاشتراك في أصل الثمار لا بدلها.

(٧) للأصل.

٣٧٧

هو الأقوى من سماع الدعوى المجهولة (١) خلافاً للعلّامة في التذكرة في المقام.

[٣٥٦٥] مسألة ٣٥ : إذا ثبت الخيانة من العامل بالبيّنة أو غيرها ، هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا؟ قولان ، أقواهما العدم (*) (٢) لأنه مسلط على ماله. وحيث إنّ المالك أيضاً مسلط على حصّته ، فله أن يستأجر أميناً يضمّه مع العامل ، والأُجرة عليه لأنّ ذلك لمصلحته. ومع عدم كفايته في حفظ حصّته ، جاز رفع يد العامل (٣)

______________________________________________________

(١) لإطلاقات أدلّة القضاء بالبيّنات والايمان وأنّ على المدعي البيّنة واليمين على من أنكر ، فإنّ مقتضاها عدم اختصاص ذلك بكون الدعوى محدودة المقدار ، بل تسمع حتى ولو ادعى السرقة على الإطلاق ومن غير تحديد للكميّة المسروقة.

(٢) بل أقواهما الجواز. وذلك لأنّ في عقد المساقاة خصوصية تمتاز بها عن سائر موارد الشركة ، إلا وهي تصرّف العامل في البستان والملك الخاص للمالك زائداً عن تصرّفه في الأُصول والثمر ، وهذا التصرف إنما كان العامل مأذوناً فيه ما دام كان يقوم به لحفظ الثمرة وتربيتها مجرّداً عن الخيانة والتعدِّي ، فإذا تغيّرت الحالة وثبت خيانة العامل كان للمالك رفع اليد عن إذنه في هذا التصرف ، ومعه فلا يجوز للعامل الدخول إلى البستان.

وبعبارة اخرى : إنّ العامل إنما هو مأذون في حصّة خاصّة من الدخول والتصرّف في البستان ، وهي ما يكون لصالح الثمر من الحفظ والتربية مجرّداً عن الخيانة ، فإنّ هذه الحصّة من التصرف هي التي التزم المالك بها ، فإذا تجاوز العامل تلك الحدود وقام بخيانة المالك كان له رفع يده عن إذنه ومنعه من التصرّف فيه ، ومجرّد سلطنة العامل على الثمرة لا يقتضي لزوم الإذن على المالك للعامل في التصرّف في ماله الخاص به أعني البستان.

(٣) وكأنه لدليل نفي الضرر الحاكم على قاعدة السلطنة. فإنّ سلطنة العامل على

__________________

(*) فيه إشكال.

٣٧٨

واستئجار من يحفظ الكلّ ، والأُجرة على المالك أيضاً (١).

[٣٥٦٦] مسألة ٣٦ : قالوا المغارسة باطلة (*) (٢). وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما ، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا. ووجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة ، بل ادعى جماعة الإجماع عليه.

______________________________________________________

ماله إذا كانت موجبة لتضرر شريكه المالك كان مقتضى حكومة لا ضرر على قاعدة السلطنة ، ثبوت الحق للشريك في منعه منه ورفع يده عن المال.

فليس للشريك أن يضرّ بشريكه وإن كان مسلّطاً على ماله ، فإنّ ذلك لا يعني جواز الإضرار بالشريك على ما يستفاد ذلك من قضيّة سمرة بن جندب مع الأنصاري ، حيث كان له عذق في بستانه فكان يدخل ويخرج من غير استئذان مما كان يسبب إزعاجاً للأنصاري وعائلته ، فشكا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فأمر الرجل بالالتزام بما لا يوجب تضرّر الأنصاري ، لكنه لما امتنع عن امتثاله أمر (صلّى الله عليه وآله وسلم) الأنصاري بقلع الشجرة وإلقائها (١).

وهذا التوجيه تامّ ومتين. إلّا أنّ مقتضاه عدم اختصاص الحكم بصورة عدم كفاية ضمّ الأمين إلى العامل في حفظ الحصّة ، وثبوته حتى مع التمكن من الاستئجار ، لأنّ الاستئجار من أجل منع صاحبه من الخيانة حكم ضروري أيضاً ، فلا وجه لإلزام المالك به.

ومن هنا فلا يبعد الحكم بجواز رفع المالك ليد العامل عن الحصّة ، سواء تمكن من استئجار من يضمّه إلى العامل أم لم يتمكن. وحينئذ فيلزم المالك بحفظ المال المشترك حذراً من التلف.

(١) لما تقدّم.

(٢) وهو الصحيح ، على ما ستعرف بيان الوجه فيه.

__________________

(*) وقولهم هو الصحيح.

(١) الكافي ٥ : ٢٩٢ / ٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٨ كتاب إحياء الموات ب ١٢ ح ٣.

٣٧٩

نعم ، حكي عن الأردبيليّ وصاحب الكفاية الإشكال فيه ، لإمكان استفادة الصحة من العمومات. وهو في محلّه (١) إن لم يتحقّق الإجماع.

______________________________________________________

(١) بل الصحيح هو القول بالفساد ، لعدم إمكان التمسك بالعمومات في المقام من جهات :

الاولى : إنّ ظاهر العمومات والإطلاقات اتحاد زمان الإنشاء والمنشأ ، بحيث يكون الأثر فعلياً ومتحققاً مقارناً للإنشاء في زمانه ، ولذا قلنا بعدم صحة بيع داره في غير الآن أو إطلاق زوجته كذلك.

وحيث إنّ هذا الشرط غير متوفّر في المقام ، إذ المغارسة على ما هو ظاهر تعريف الماتن (قدس سره) وغيره لها إنما تقتضي استقلال مالك الفسلان بملكيّتها قبل غرسها وكون شركتهما في المغروس ، وهو من إنشاء ملكيّة الأمر المتأخر حيث يكون الإنشاء فعلياً في حين إنّ المنشأ الملكيّة إنما يكون بعد الغرس ، فلا تشمله العمومات ولا يمكن الحكم بصحتها.

وبعبارة اخرى : إنّ ظاهر العمومات اعتبار اتصال المنشأ وما يحكم بانتقاله بموجب العقد ، بالإنشاء والعقد نفسه. وحيث إنّ هذا مفقود في المغارسة ، باعتبار أنها مستلزمة للتفكيك بين الإنشاء والمنشأ ، فلا تشمله العمومات.

ولا يقاس ذلك بباب الإجارة ، حيث لا خلاف في صحّة إجارة الدار أو غيرها في الشهر القادم أو السنة القادمة من الآن.

فإنه توهم فاسد ، إذ لا انفكاك بين الإنشاء والمنشأ والعقد والملكيّة فإنهما متحدان زماناً ، غاية الأمر أنّ المُملَّك بالفتح بالعقد هو المنفعة المتأخرة ، ولا ضير في ذلك بعد أن كانت المنافع بأجمعها الموجودة بالفعل واللّاحقة مملوكة للمالك.

الثانية : جهالة فترة الملكيّة ، حيث لا حدّ للعمل الذي التزم به الغارس بالنسبة إلى الأشجار ، فإنه غير موقت بوقت معيّن. ومن هنا فإن كان مبهماً فلا مجال للحكم بصحّة ما لا واقع له ، وإن كان موقّتاً ببقاء الأشجار حكم ببطلانها لمجهولية تلك الفترة.

٣٨٠