موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

[٣٥٤٦] مسألة ١٦ : يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر ، كأن يجعل النخل بالنصف والكرم بالثلث والرمان بالربع مثلاً ، وهكذا (١). واشترط بعضهم في هذه الصورة العلم بمقدار كلّ نوع. ولكن الفرق بين هذه الصورة وصورة اتحاد الحصّة في الجميع غير واضح (٢).

______________________________________________________

على أنه لا مجال لتصوّر الغرر من هذه الجهة. فإنّ عمل العامل لما كان يقابله الحصّة من الثمر ، لم يمكن تصور فوات شي‌ء منه إطلاقاً ، فإنه مضمون على كل تقدير لأنه تابع له في القلّة والكثرة. فإن كثرت الأشجار وكثر عمل العامل كثر ما يكون له من الحاصل ، وإن قلّت الأشجار وقلّ عمله قلّ حاصله أيضاً.

ومن هنا فلا وجه لاعتبار عدم الغرر هنا ، فإنه لا يتصور فيه أصلاً. وعلى تقديره فهو معفوّ عنه ، لابتناء العقد عليه.

بل عقد المساقاة على هذا البستان ، إنما هو في الحقيقة كالعقد على مجموع بساتين يختص كلّ منها بسنخ معيّن ، الذي لم يشك أحد في صحّته. فإن ما نحن فيه من قبيله غاية الأمر أنه يختلف عنه كون البساتين في الثاني معزولة مفروزة ، في حين أنّ الأشجار فيما نحن فيه مختلطة وغير مفروزة ، إلّا أنه لا يؤثر شيئاً بعد أن كان مثل هذا العقد منحلا في الحقيقة إلى عقود متعددة ومستقلّة.

(١) لما تقدّم من انحلال هذا العقد المركب إلى عقود متعددة في الحقيقة ، وحينئذٍ فلا يبقى محذور في الحكم بالصحة.

(٢) يمكن التفريق بين الصورتين ، بكون حصّة العامل في فرض اتحادهما في الجميع معلومة ، فإنه وعلى كلّ تقدير يأخذ النسبة المجعولة له من الحاصل من غير زيادة أو نقصان. وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ حصّته وبالقياس إلى المجموع تبقى مجهولة لاحتمال زيادة الصنف وقلّته.

فإنه إذا جعل له النصف من الرمان والثلث من التمر مثلاً ، فكان الحاصل من الرمان مائة رطل ومن التمر تسعين ، كان له خمسون رطلاً من الرمان وثلاثون من التمر ، وهذا يعني أنّه قد أخذ بالنتيجة ما يعادل ثماني حصص إلى تسع عشرة حصّة من مجموع حاصل البستان. وأما لو انعكس الأمر ، فكان حاصل الرمان تسعين

٣٤١

والأقوى الصحة (١) مع عدم الغرر (٢) في الموضعين ، والبطلان معه فيهما.

[٣٥٤٧] مسألة ١٧ : لو ساقاه بالنصف مثلاً إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسيح ، ففي صحته قولان ، أقواهما الصّحة (*) (٣) لعدم إضرار مثل هذه

______________________________________________________

وحاصل التمر مائة رطل ، فله من الرمان خمسة وأربعون رطلاً ومن التمر ثلاثة وثلاثون وثلث ، وهذا يعني أنّ حصّته في النتيجة لم تكن إلّا سبعة وثمانية أعشار وثلث العشر من أصل تسع عشرة حصّة.

وهكذا فإنّ المشروط فيه أقلّ الجزءين ، قد يكون أكثر الجنسين فتنقص الحصّة وقد يكون أقلّهما فتزيّد. وبذلك فيحصل الغرر والجهالة ، فيحكم ببطلان العقد.

إلّا أنك خبير بأنّ هذا المقدار من الفرق لا يكفي في الحكم بالبطلان في المقام ، بعد ما عرفته من أنّ هذه المساقاة وإن كانت واحدة بحسب الإنشاء ، إلّا أنها منحلّة في الحقيقة إلى عقود متعددة ومساقاة على كلّ صنف مستقلا.

نظير ما ذكرناه في كتاب البيع من ضمّ مبيع إلى غيره ، فإنه لا عبرة بتعدّد المبيع وإنما العبرة بواقع الاعتبار والتمليك. ولذا يلتزم فيما لو باع ماله ومال غيره بصحة البيع بالنسبة إلى ماله ، وتوقّفه على الإجازة بالنسبة إلى مال الغير. في حين إنه لو كانت العبرة بالإنشاء ، لوجب القول ببطلان العقد بالنسبة إلى المالين معاً على تقدير عدم إجازة الآخر.

فما نحن فيه من هذا القبيل. فإنّ هذا العقد الواحد عبارة في الحقيقة عن عقود متعددة جمعها إنشاء واحد فقط ، وحيث إنّ الحصّة في كلّ عقد من تلك العقود معلومة ، فلا وجه للحكم بالبطلان ، واحتمال زيادة المجموع ونقصانه لا يضرّ بعد ذلك.

(١) لما تقدّم.

(٢) بل ومعه أيضاً ، لما تقدّم في المسألة السابقة حرفاً بحرف.

(٣) بل العدم. فإنّ المساقاة وإن لم تكن تتضمن التمليك والتملك إلّا أنها تتضمّن

__________________

(*) بل الأقوى البطلان ، كما في الإجارة المردّدة.

٣٤٢

الجهالة ، لعدم إيجابها الغرر مع أنّ بناءها على تحمله. خصوصاً على القول بصحة مثله في الإجارة (١) كما إذا قال : إن خطت رومياً فبدرهمين ، وإن خطت فارسياً فبدرهم.

[٣٥٤٨] مسألة ١٨ : يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً من ذهب أو فضة أو غيرهما (٢) مضافاً إلى الحصّة من الفائدة. والمشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئاً من ذهب أو فضة ، ومستندهم في الكراهة غير واضح. كما أنه لم يتضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها بالعكس أيضاً ، وكذا اختصاصها بالذهب والفضة أو جريانها في مطلق الضميمة ، والأمر سهل.

[٣٥٤٩] مسألة ١٩ : في صورة اشتراط شي‌ء من الذهب والفضة أو غيرهما على أحدهما ، إذا تلف بعض الثمرة هل ينقص منها شي‌ء أو لا؟ وجهان ، أقواهما العدم (٣) فليس قرارهما مشروطاً بالسلامة.

نعم ، لو تلفت الثمرة بجميعها أو لم تخرج أصلاً ، ففي سقوط الضميمة وعدمه أقوال. ثالثها الفرق بين ما إذا كانت للمالك على العامل فتسقط ، وبين العكس

______________________________________________________

الالتزام والإلزام ، والأمر المردد لا يصلح أن يكون متعلقاً للالتزام الفعلي الذي يترتب عليه الأمر بالوفاء به.

والحاصل أنّ الأمر المردد لا يمكن فيه الإلزام والالتزام والحكم بوجوب الوفاء به.

(١) وقد تقدّم هناك أنّ الصحيح هو البطلان ، لأنّ الإجارة تمليك فلا بدّ وأن يكون متعلّقه معلوماً ، والمردّد غير معلوم.

(٢) لكونه سائغاً في نفسه ، فيلزم باشتراطه في ضمن عقد لازم بمقتضى أدلّة لزومه.

(٣) والحقّ في هذه المسألة هو الالتزام بتفصيل لا يرجع إلى شي‌ء مما أفاده (قدس سره).

وحاصله أنه قد يفرض الكلام في فرض عدم خروج الثمرة ، وقد يفرض في صورة تلفها بعد الحصول والتحقق.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى كلا التقديرين ، فقد يفرض الكلام في جميع الثمرة بأن لم يحصل شي‌ء أصلاً أو يحصل ويتلف جميعه ، وقد يفرض في بعضه.

أمّا في فرض عدم خروج الثمرة بالمرة ، فالمتعين هو الحكم ببطلان المساقاة ، لأنها معاوضة بين الطرفين على ما يستفاد من النصوص ويأتي بيانه فإذا لم تخرج الثمرة بالمرة كشف ذلك عن بطلانها من الأوّل ، وبذلك فيكون الشرط في ضمنه شرطاً في ضمن عقد فاسد فلا يؤثر شيئاً.

ومما يؤكد ذلك أنه لو انكشف الحال قبل العمل أو في الأثناء ، لم يجب على العامل الاستمرار في السقي والإتمام على ما سيأتي منه (قدس سره) أيضاً في المسألة الحادية والعشرين فإنه لا وجه لذلك غير انكشاف بطلان المعاملة.

إلّا أنّ هذا لا ينافي القول بعدم استحقاق العامل لُاجرة المثل عندئذٍ ، إذ لا ملازمة بين بطلان العقد واستحقاق العامل لُاجرة المثل ، لأنه إنما أقدم على العمل على أساس أن لا يضمن المالك له شيئاً سوى الحصّة من الثمرة على تقدير ظهورها ، ومن هنا صحّ أن يقال أنه متبرع من جميع الجهات غير الحصّة على تقدير ظهور الثمرة.

وأمّا في فرض عدم خروج بعض الثمرة ونقصانها عن المتعارف ، وهي الصورة التي لم يتعرض لها الماتن (قدس سره).

فقد يفرض كون النقصان قليلاً جدّاً إلى حدّ لا يعتنى به عند العقلاء ، كما لو فرض عدم إثمار شجرة واحدة فقط من مجموع البستان الذي يحتوي على مائة شجرة فما فوق ، فإنه لا يبعد أن يقال إنه متعارف في كلّ بستان. وحينئذٍ فحيث إنه مما يتسامح فيه فهو في حكم العدم ، وعليه فيحكم بصحة المساقاة ووجوب الوفاء بالشرط كاملاً.

وقد يفرض كونه معتدّاً به ، كربع الأشجار أو ثلثها. وحينئذٍ فيتعين الحكم ببطلان المساقاة بالقياس إلى التي لم تثمر ، لأنها منحلّة إلى عقود متعددة بعدد الأشجار الموجودة في البستان ، فإن ثمرة كلّ شجرة منها إنما هي للمالك والعامل معاً بإزاء ما قدّمه العامل من خدمات لها.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا بالنسبة إلى أصل العقد. وأمّا الشرط ، فهل يحكم بوجوب الوفاء به بتمامه ، أو يقال بسقوط ما يقابل الجزء الذي حكم بفساده من العقد فيكون مشمولاً للتبعيض أيضاً ، أو يقال بسقوطه بقول مطلق؟ أوجه ، أقواها الأخير ، لأنّ الشرط إنما لوحظ بإزاء مجموع ما وقع عليه العقد لا بلحاظ كلّ جزء جزء منه ، فهو ليس إلّا التزاماً واحداً بإزاء هذه المعاملة على تقدير صحتها ، فإذا لم تصح ولو في بعضها حكم ببطلانه ، لعدم تحقق موضوع الالتزام وما كان معلقاً عليه.

ومما يؤكد ذلك عدم قابلية بعض الشروط للتبعيض والانحلال ، كشرط الصوم يوماً أو الصلاة ركعتين عن أبيه ، وما شاكلهما من الأُمور البسيطة أو المركبة الارتباطية ، فإنه هل يمكن أن يقال بتبعض الشرط فيه أيضاً! فإنّ ملاحظة مساواة هذا النحو من الشرط مع ما يكون متعلقه قابلاً للتفكيك ، بلحاظ كونهما على حدّ سواء ، مما يؤكد ما التزمنا به من سقوط الشرط بقول مطلق.

والحاصل أنّ حال الشرط في المقام هو الحال عند عدم خروج الثمر بالمرة ، فإنه يحكم بسقوطه ، لكون التزامه مقيداً بصحة العقد ، فإذا لم يصحّ ولو بعضاً لم يثبت شي‌ء من الالتزام.

هذا كله بالنسبة إلى صورة عدم خروج الثمر بكلا فرضيه.

وأمّا صورة تلف الثمرة بعد حصولها وتحققها في الخارج ، فلا وجه للحكم ببطلان العقد في كلا فرضي هذه الصورة. فإنّ الملك قد حصل ، والتلف إنما عرض على ملكهما معاً ، ومعه فلا وجه لسقوط شي‌ء من الشروط.

نعم ، لو كان الشرط مقيداً بسلامة تمام الثمر وعدم تلفه ولو بعضاً ، لم يجب الوفاء بالشرط عند تلف بعضه ، لعدم تحقق المعلق عليه.

والحاصل أنّ نفوذ الشرط في المقام تابع لكيفية الجعل من حيث الإطلاق والتقييد فإن كان الاشتراط معلقاً على سلامة الجميع سقط بتلف البعض ، وإلّا وجب الوفاء به بأجمعه لعدم الموجب لسقوطه.

٣٤٥

فلا تسقط (١). رابعها (*) الفرق بين صورة عدم الخروج أصلاً فتسقط ، وصورة التلف فلا (٢). والأقوى عدم السقوط مطلقاً (٣) لكونه شرطاً في عقد لازم فيجب الوفاء به.

ودعوى أنّ عدم الخروج أو التلف كاشف عن عدم صحّة المعاملة من الأوّل لعدم ما يكون مقابلاً للعمل. أما في صورة كون الضميمة للمالك ، فواضح. وأما مع كونها للعامل ، فلأنّ الفائدة ركن في المساقاة ، فمع عدمها لا يكون شي‌ء في مقابل العمل ، والضميمة المشروطة لا تكفي في العوضية ، فتكون المعاملة باطلة من الأوّل ، ومعه لا يبقى وجوب الوفاء بالشرط.

مدفوعة مضافاً إلى عدم تماميته بالنسبة إلى صورة التلف (٤) لحصول العوض

______________________________________________________

(١) أمّا الأوّل ، فلأنّ المفروض ذهاب عمل العامل سدى حيث لم يحصل بإزائه على شي‌ء ، فإذا غرّم مضافاً إلى ذلك شيئاً كان ذلك من الأكل بالباطل.

وأمّا الثاني فلأنّ الشرط عليه قد وجب بالعقد فلا وجه لسقوطه.

وفيه : ما عرفته من تبعية بقاء الشرط لكيفية جعله ، من دون فرق بين كونه على المالك أو العامل.

(٢) لانكشاف بطلان العقد على الأوّل ، فلا يجب الوفاء به. بخلاف الثاني ، حيث عرض التلف على الثمرة بعد حصول الملك وتحقق موضوع الشرط.

وفيه : ما عرفته من التفصيل في الصورتين معاً.

(٣) بل الأقوى ما عرفته من الوجه الخامس ، على ما تقدّم بيانه.

(٤) وهو غير وارد على ما اخترناه ، نظراً لالتزامنا بعدم البطلان مع التلف

__________________

(*) بل هنا وجه خامس ، وهو أنّ المساقاة في فرض عدم ظهور الثمر أصلاً باطلة ، لأنه لم تكن معاوضة في هذا الفرض إلّا صورتها ، ولذا لو علم من الخارج بعد عقد المساقاة أنّ الثمرة لا تخرج أصلاً لم تكن شبهة في بطلانه ، وعليه فلا أثر للشرط المزبور لأنه شرط ضمن عقد باطل. وأما في صورة التلف كلّاً أو بعضاً ، فنفوذ الشرط وعدم نفوذه تابع لكيفية جعله إطلاقاً أو تقييداً ، فإذا لم يكن دليل على التقييد ولو من جهة الانصراف وجب العمل بالشرط من دون فرق بين أن يكون الشرط على العامل أو على المالك.

٣٤٦

بظهور الثمر وملكيتها وإن تلف بعد ذلك ، بأنّا نمنع (١) كون المساقاة معاوضة بين حصّة من الفائدة والعمل ، بل حقيقتها تسليط من المالك للعمل على الأُصول للاستنماء له وللمالك ، ويكفيه احتمال الثمر وكونها في معرض ذلك. ولذا لا يستحق العامل اجرة عمله (٢) إذا لم يخرج أو خرج وتلف بآفة سماوية أو أرضية في غير صورة ضمّ الضميمة ، بدعوى الكشف عن بطلانها من الأوّل واحترام عمل المسلم. فهي نظير المضاربة ، حيث إنها أيضاً تسليط على الدرهم أو الدينار للاسترباح له وللعامل ، وكونها جائزة دون المساقاة لا يكفي في الفرق.

كما إنّ ما ذكره في الجواهر من الفرق بينهما ، بأنّ في المساقاة يقصد المعاوضة

______________________________________________________

المتأخر.

(١) وهو في غير محلّه جدّاً. فإنه منافٍ لما أفاده (قدس سره) في تعريف المساقاة حيث فسّرها بأنها (معاملة على أُصول ثابتة بحصّة من ثمرها) فإنها ظاهرة في كون الحصّة عوضاً عن العمل في الأصل.

بل ويتنافى مع ما هو المرتكز في الأذهان من كون العمل في مقابل الحصّة ، وهي في مقابل العمل ، بحيث يكون عوضاً ومعوضاً ، وإن لم يكن هناك تمليك وتملك ومبادلة مال بمال فعلاً. إلّا أنّ ذلك لا يضرّ شيئاً ، ولذا لو سئل العامل أنه هل يعمل مجّاناً لأجاب بالنفي صريحاً.

ومما يدلّنا على ذلك الأخبار الواردة في المقام ، فإنّ ظاهر قوله في صحيحة يعقوب ابن شعيب : (اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج) وقوله في صحيحة الحلبي الواردة في إعطاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لخيبر : (أعطى خيبراً بالنصف) هو المعاوضة ، فإنكارها بعد ذلك يكون من إنكار الأمر الواضح.

ومما يدلّنا على ذلك ، حكمهم بعدم لزوم الإتمام على العامل ، فيما إذا ظهر ذلك قبل العمل أو في الأثناء.

(٢) ظهر الحال فيه مما تقدّم ، وأنّ عدم استحقاق العامل حينئذ شيئاً إنما هو لإقدامه على التبرع من غير جهة الحاصل ، بحيث أقدم على الفعل على أن لا يضمن

٣٤٧

بخلاف المضاربة التي يراد منها الحصّة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل وأمّا المساقاة فيعتبر فيها الطمأنينة بحصول الثمرة ولا يكفي الاحتمال ، مجرّد دعوى لا بيِّنة لها.

ودعوى أنّ من المعلوم أنه لو علم من أوّل الأمر عدم خروج الثمر لا يصح المساقاة ، ولازمه البطلان إذا لم يعلم ذلك ثمّ انكشف بعد ذلك (١).

مدفوعة بأنّ الوجه في عدم الصحّة كون المعاملة سفهية (*) (٢) مع العلم بعدم الخروج من الأوّل بخلاف المفروض.

فالأقوى ما ذكرنا من الصحّة (٣) ولزوم الوفاء بالشرط ، وهو تسليم الضميمة وإن لم يخرج شي‌ء أو تلف بالآفة.

نعم ، لو تبيّن عدم قابلية الأُصول للثمر ، أمّا ليبسها أو لطول عمرها أو نحو

______________________________________________________

المالك له شيئاً سوى الحصّة من الحاصل على تقديره.

(١) لأنّ الحكم بالصحة حينئذٍ ، إنما كان حكماً ظاهرياً فقط ، فيرتفع بانكشاف الواقع.

(٢) ليس الوجه في البطلان ما ذكره (قدس سره) ، إذ لا دليل على بطلان المعاملة السفهية ، فإن الدليل على البطلان إنما يختصّ بمعاملة السفيه ، فلا مجال لتعميمه للمعاملة السفهية الصادرة من العاقل.

بل الوجه في البطلان ، مضافاً إلى ما تقدّم من كون المساقاة من العقود المعاوضية عدم تحقق القصد الجدي إلى المعاملة ، بعد العلم بعدم تحقق ما جعل للعامل بإزاء عمله.

(٣) بل الأقوى ما ذكرناه من التفصيل ، على ما عرفت بيانه.

__________________

(*) ليس هذا هو الوجه ، إذ لا دليل على بطلان المعاملة السفهية ، بل الوجه في البطلان مع العلم بعدم الخروج من الأوّل مضافاً إلى ما تقدم ، هو امتناع تعلق القصد الجدّي بالمعاملة.

٣٤٨

ذلك ، كشف عن بطلان المعاملة من الأوّل (١) ومعه يمكن استحقاق العامل للأُجرة (*) إذا كان جاهلاً بالحال (٢).

[٣٥٥٠] مسألة ٢٠ : لو جعل المالك للعامل مع الحصّة من الفائدة ، ملك حصّة من الأُصول مشاعاً أو مفروزاً ، ففي صحته مطلقاً ، أو عدمها كذلك ، أو التفصيل بين أن يكون ذلك بنحو الشرط فيصحّ ، أو على وجه الجزئية فلا ، أقوال والأقوى الأوّل (**) (٣)

______________________________________________________

(١) فإنه يعتبر في المساقاة قابلية الشجر للثمر ، إذ بدونها يكون العقد لغواً محضاً.

(٢) ظهر الحال فيه مما تقدّم. فإنه لا موجب للضمان بعد أن كان العقد مبنيّاً على عدم ضمان المالك لشي‌ء بإزاء عمله ، غير الحصّة من الثمر على تقدير حصوله.

نعم ، لو كان المالك عالماً بالحال ، وقلنا بقاعدة الغرور ، صحّ الرجوع عليه. إلّا أنك قد عرفت غير مرّة عدم تمامية هذه القاعدة.

إذن فلا موجب للقول بضمان المالك للعامل اجرة المثل في الفرض.

(٣) بل الأخير.

فإنه لو كان الجعل على نحو الشرطية صحّ بلا إشكال فيه ، لرجوعه في الحقيقة إلى وقوع عقد المساقاة على غير تلكم الشجرات المستثناة ، ومعه فلا وجه للقول بعدم الجواز ، بل يصحّ العقد ويلزم الجعل ، بمقتضى قولهم (عليهم السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» (١) كما هو الحال في سائر أمواله. بل هو نظير مساقاته على بستان بشرط أن يكون بستانه الآخر بتمامه للعامل ، فإنه صحيح جزماً ، لأن اشتراط الملكيّة في

__________________

(*) لا وجه لذلك. نعم ، إذا كان المالك عالماً بالحال والعامل جاهلاً به ، يمكن القول بالاستحقاق لقاعدة الغرور ، ولكنها غير تامّة عندنا.

(**) بل الأقوى الأخير ، إذ الجعل على وجه الجزئية لا يتصور إلّا بجعل العمل للمالك والعامل معاً ، ومعه لا تصحّ المساقاة.

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٦ كتاب النكاح ب ٢٠ ح ٤.

٣٤٩

للعمومات (١).

______________________________________________________

ضمن العقد لا يقتضي الفساد.

وهذا بخلاف ما لو كان الجعل على نحو الجزئية ، فإنه لا محيص عن القول بالفساد لمنافاته لوضع المساقاة. فإن العقد قائم على اشتراكهما في الثمر ، بعد اختصاص الأُصول بأحدهما وكون العمل ولو على نحو الموجبة الجزئية من الآخر ، فلا يصحّ فيما إذا كانت الأُصول والعمل بتمامه من أحدهما ، كما هو الحال فيما نحن فيه. فإن العامل لما كان مالكاً للمقدار المجعول له بالشرط ، كان عمله فيه من عمل المالك في ملكه ، وهو موجب للبطلان.

ولذا لا نعهد من يحكم بصحّة العقد فيما لو اشترط المالك على العامل اشتراكه في بستانه المختص به ، وليس ذلك إلّا لأنّ عمله في ذلك البستان إنما هو لنفسه ، فلا يصحّ بعد فرض كون الأصل له أيضاً.

وبعبارة اخرى : إنه لا بدّ في المساقاة من كون الأُصول من أحدهما ، والعمل ولو بعضاً من الآخر. فلو كانا معاً من واحد ، لم يصحّ العقد ولا يحصل الاشتراك في الحاصل ، ولذا لم يصح اشتراط تمام العمل على المالك.

والحاصل أنه مع تعدد مالك الأشجار ، لا يصحّ اشتراط كون ثمر الجميع مشتركاً بينهم ، فإنّ العمومات غير شاملة لمثل هذا العقد على ما عرفته غير مرّة والأدلّة الخاصة واردة في غير هذا المورد.

فالصحيح في المقام هو التفصيل ، بين ما إذا كان الجعل على نحو الشرطية المحضة بأن تجعل ملكيّة تلكم الأشجار المعيّنة للعامل من دون أن تكون داخلة في عقد المساقاة ، بحيث يكون العقد واقعاً على غيرها ، فيحكم بالصحة. وبين ما لو كان على نحو الجزئية ، بأن تكون هذه الأشجار المجعول ملكيّتها للعامل داخلة في العقد أيضاً بأن تكون الأُصول للعامل والثمار مشتركاً بينهما ، فيحكم ببطلانه.

(١) وقد عرفت ما فيها.

٣٥٠

ودعوى أنّ ذلك على خلاف وضع المساقاة ، كما ترى (١) كدعوى أنّ مقتضاها أن يكون العمل في ملك المالك (٢) إذ هو أوّل الدعوى.

والقول بأنه لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه. فيه : أنه لا مانع منه إذا كان للشارط فيه غرض أو فائدة كما في المقام ، حيث إنّ تلك الأُصول وإن لم تكن للمالك الشارط ، إلّا أنّ عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصّة من نمائها.

ودعوى أنه إذا كانت تلك الأُصول للعامل بمقتضى الشرط ، فاللازم تبعية نمائها لها. مدفوعة بمنعها ، بعد أن كان المشروط له الأصل فقط في عرض تملك حصّة من نماء الجميع.

نعم ، لو اشترط كونها له على وجه يكون نماؤها له بتمامه ، كان كذلك. لكن عليه تكون تلك الأُصول بمنزلة المستثنى من العمل ، فيكون العمل فيما عداها مما هو للمالك ، بإزاء الحصّة من نمائه مع نفس تلك الأُصول.

[٣٥٥١] مسألة ٢١ : إذا تبين في أثناء المدة عدم خروج الثمر أصلاً ، هل يجب على العامل إتمام السقي؟ قولان ، أقواهما العدم (٣).

[٣٥٥٢] مسألة ٢٢ : يجوز أن يستأجر المالك أجيراً للعمل ، مع تعيينه نوعاً

______________________________________________________

(١) عرفت أنّ هذه الدعوى في محلّها ولا شي‌ء فيها.

(٢) على ما تقدّم بيانها ، حيث قد عرفت أنه لا يصحّ كون الأُصول والعمل معاً من أحدهما.

(٣) على ما تقدّم بيانه في المسألة التاسعة عشرة. فإنّ عقد المساقاة مبنيّ على المعاوضة بين عمل العامل والحصّة مما يخرج من الثمر ، فإذا علم بعدمه انكشف عدم العوض ، ومعه فيحكم بالبطلان.

إلّا أنّ ما أفاده الماتن (قدس سره) هنا ، لا ينسجم مع ما ذكره هناك من وجوب الوفاء به ، لعدم بناء العقد على خروج الثمر. فهو (قدس سره) بعد بنائه على وجوب الوفاء هناك ، مطالب بالدليل على عدم وجوب الإتمام هنا.

٣٥١

ومقداراً بحصّة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور وبدو الصلاح (١) بل وكذا قبل البدو (٢) بل قبل الظهور أيضاً (*) إذا كان مع الضميمة الموجودة أو عامين (٣).

وأما قبل الظهور عاما واحداً بلا ضميمة فالظاهر عدم جوازه ، لا لعدم معقولية تمليك ما ليس بموجود (٤) لأنّا نمنع عدم المعقولية بعد اعتبار العقلاء

______________________________________________________

(١) فإنه حينئذ مال موجود بالفعل ، فيصحّ جعله عوضاً لعمل محترم.

(٢) لما تقدّم ، سواء اشترط عليه البقاء حتى يدرك أم لا ، فإنه وبوضعه الحالي أمر موجود بالفعل فتصحّ المعاوضة عليه.

(٣) تقدّم التعرّض لهذه المسألة في كتاب الإجارة. وقد عرفت أنّ الصحيح هو القول بالمنع ، لعدم الدليل على صحة هذه المعاملة في مقام الإثبات ، فإنّ الإجارة تبديل للمنفعة أو العمل من جهة والأُجرة من جهة أُخرى ، فلا تصحّ مع كون الأُجرة معدومة والمستأجر غير مالك لها بالفعل.

والحاصل أنّ الإجارة إنما تتضمن التمليك ، وهو لا يتعلق إلّا بالموجود في الخارج أو في الذمة لأنه بحكم الموجود الخارجي. وأمّا ما لا وجود له بالفعل ، فلا يصحّ تعلق الملكيّة به. ولذا لا يذهب أحد إلى صحة إجارة شخص على عمل ، بإزاء ما سيرثه من أبيه عند موته.

ومما ذكرناه يظهر أنه لا مجال لإثبات حكم البيع لما نحن فيه والقول بالصحّة مع الضميمة ، فإنه قياس محض ولا مجال لقبوله.

(٤) فإنه أمر معقول في نفسه ، فإنّ التمليك أمر اعتباري وهو سهل المئونة ، فيصحّ تعلقه بالمعدوم ، كما يصحّ أن يكون المالك غير شاعر أو كلي ، كملكيّة المسجد لأثاثه والسادة للخمس والفقراء للزكاة ، على القول بملكيتهم لها.

بل الوقوع خير دليل على الإمكان ، حيث يصحّ بيع الثمار مع الضميمة. إلّا أنّ الإشكال وكما عرفت ليس من هذه الجهة ، وإنما هو من حيث مقام الإثبات ، إذ

__________________

(*) فيه إشكال ، وإسراء حكم البيع إلى الإجارة قياس.

٣٥٢

وجوده لوجوده المستقبلي ، ولذا يصحّ مع الضميمة أو عامين ، حيث إنهم اتفقوا عليه في بيع الثمار ، وصرح به جماعة ههنا. بل لظهور اتفاقهم على عدم الجواز ، كما هو كذلك في بيع الثمار.

ووجه المنع هناك (*) خصوص الأخبار الدالّة عليه ، وظاهرها أنّ وجه المنع الغرر ، لا عدم معقولية تعلق الملكيّة بالمعدوم. ولو لا ظهور الإجماع في المقام ، لقلنا بالجواز (١) مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلك ، كما يجوز بيع ما في الذمة مع عدم كون العين موجوداً فعلاً عند ذيها ، بل وإن لم يكن في الخارج أصلاً.

والحاصل أنّ الوجود الاعتباري يكفي في صحّة تعلق الملكيّة ، فكأنّ العين موجودة في عهدة الشجر ، كما أنها موجودة في عهدة الشخص.

[٣٥٥٣] مسألة ٢٣ : كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك (٢) وللعامل اجرة المثل لعمله (٣). إلّا إذا كان عالماً بالبطلان ومع ذلك أقدم على

______________________________________________________

لا دليل على صحة هذه المعاملة.

(١) قد عرفت أنّ وجه المنع إنما هو عدم الدليل على صحة هذه المعاملة ، ومن هنا فلا وجه للالتزام بصحتها حتى مع عدم تمامية الإجماع وانتفاء الغرر.

(٢) لتبعيته للشجر في الملك.

(٣) لأنه عمل محترم صدر عن أمر الغير به مجاناً ، حيث إنه إنما أتى به بإزاء الحصة من الثمر ، فإذا لم يسلّم له ذلك العوض لاستيفاء المالك للثمر بأكمله نظراً لفساد العقد فلا بدّ للمالك من تدارك عوضه بدفع اجرة مثل عمله له كي لا يذهب سدى.

نعم ، لا بدّ من تقييد إطلاق الحكم بما إذا لم تكن الأُجرة أكثر من الحصّة المجعولة له ، وإلّا فليس له إلّا الأقل ، لإقدامه على إلغاء احترام ماله بالنسبة إلى الزائد عن ذلك المقدار.

__________________

(*) تقدم وجه المنع في بحث الإجارة.

٣٥٣

العمل (*) (١) أو كان الفساد لأجل اشتراط كون جميع الفائدة للمالك (٢) حيث إنه بمنزلة المتبرع في هاتين الصورتين ، فلا يستحقّ اجرة المثل على الأقوى وإن كان عمله بعنوان المساقاة.

______________________________________________________

(١) قد عرفت غير مرة ، أنّ العلم بالبطلان لا يعني بالضرورة الإقدام على المجانية فالفساد إنما هو بلحاظ الحكم الشرعي لا بلحاظ بناء المتعاقدين ، فإنّ عدم إمضاء الشارع له شي‌ء ، وإقدام العامل على العمل مجاناً شي‌ء آخر.

إذن فالصحيح هو القول بالضمان ، سواء علم العامل بالبطلان أم جهل به. فإنّ المالك قد استوفى عملاً محترماً صادراً عن أمره لا بقصد التبرع ، فيكون ضامناً له لا محالة بعد أن لم يسلّم له العامل المسمى في العقد.

(٢) فإنه وبذلك يدخل في كبرى : «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده». وليس الوجه فيه إلّا أنّ عمل العامل في هذه الصورة لم يكن مضموناً على المالك باعتبار أنّ الأمر به إنما كان على نحو التبرع والمجانية.

هذا وقد ناقش فيه صاحب الجواهر (قدس سره) ، بدعوى أنّ العامل إنما قام بالفعل اعتقاداً منه للزوم العقد عليه ووجوب الوفاء به ، ومعه فلا يكون رضاه بالعمل رضى منه به مجاناً (١).

وفيه : إنّ مجرد اعتقاده بذلك لا يوجب ثبوت العوض على المالك ، فإنّ الملاك إنما هو بصدور الفعل عن أمره لا مجاناً ، وحيث إنه غير متحقق في المقام فلا موجب لثبوت الضمان عليه ، ولذا لم يلتزم أحد بالضمان فيما لو تخيل العامل الإجارة فقام بالفعل بذلك الاعتقاد.

والحاصل أنّه لا وجه لإثبات الضمان في المقام ، بعد أن كان العقد على تقدير صحّته يقتضي عدمه.

__________________

(*) العلم بالبطلان لا يوجب تبرّع العامل بعمله ، وقد مرّ نظيره في المضاربة والمزارعة. نعم الأمر كما ذكر فيما إذا اشترط كون تمام الفائدة للمالك.

(١) الجواهر ٢٧ : ٦٨.

٣٥٤

[٣٥٥٤] مسألة ٢٤ : يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة ، كأن يقول : ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أُساقيك على هذا الآخر بالثلث. والقول بعدم الصحة لأنه كالبيعين في بيع المنهيّ عنه (١) ضعيف ، لمنع كونه من هذا القبيل (٢). فإنّ المنهيّ عنه البيع حالاً بكذا ومؤجلاً بكذا ، أو البيع على تقدير كذا بكذا ، وعلى تقدير آخر بكذا (٣). والمقام نظير أن يقول : بعتك داري بكذا على أن أبيعك بستاني بكذا ، ولا مانع منه ، لأنه شرط مشروع في ضمن العقد.

______________________________________________________

وكذا الحال فيما لو كان الفساد من جهة عدم خروج الثمر على ما اخترناه ، وإن ذهب الماتن (قدس سره) إلى صحته ، فإنه مشمول لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

والوجه فيه ما ذكرناه ، من أنّ الضمان إنما يكون لأمرين : العقد الصحيح ، والأمر بالعمل لا على نحو المجانية والتبرع ، ولا شي‌ء منهما متحقق في المقام. فإنّ المفروض فساد العقد ، والمالك لم يضمن للعامل وراء الحصّة مما أخرجه الله من الأرض شيئاً بحيث كان العامل متبرِّعاً بعمله من غير هذه الناحية ، فلا وجه للقول بالضمان.

(١) روى الصدوق (قدس سره) عن شعيب بن واقد ، عن الحسين بن زيد ، عن الصادق (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، في مناهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، قال : «ونهى عن بيعين في بيع» (١).

وروى الشيخ (قدس سره) ، أنه «نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع» (٢).

(٢) وعلى تقدير تسليم كونه من هذا القبيل ، فالتعدي عن البيع إلى المساقاة وإثبات حكمه فيها ، ليس إلّا قياساً محضاً.

(٣) ويحتمل أن يكون المراد به البيع إلى أجلين مختلفين ، بأن يبيعه الكتاب مؤجّلاً

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤ / ١ وأورده في الحديث ١٢ من الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الوسائل ١٨ : ٣٨ كتاب التجارة ب ٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٧ كتاب التجارة ب ٢ ح ٤.

٣٥٥

[٣٥٥٥] مسألة ٢٥ : يجوز تعدّد العامل (١) كأن يساقي اثنين بالنصف له والنصف لهما ، مع تعيين عمل كلّ منهما بينهم أو فيما بينهما (٢) وتعيين حصّة كلّ منهما (٣).

وكذا يجوز تعدّد المالك واتحاد العامل ، كما إذا كان البستان مشتركاً بين اثنين فقالا لواحد : ساقيناك على هذا البستان بكذا.

وحينئذٍ فإن كانت الحصة المعيَّنة للعامل منهما سواء كالنصف أو الثلث مثلاً صحَّ ، وإن لم يعلم العامل كيفية شركتهما (٤) وأنها بالنصف أو غيره. وإن لم يكن سواء كأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً فلا بدّ من علمه بمقدار حصّة كلّ منهما ، لرفع الغرر والجهالة في مقدار حصّته من الثمر (٥).

[٣٥٥٦] مسألة ٢٦ : إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداءً أو في

______________________________________________________

إلى ستة أشهر بخمسة دنانير ، وإلى سنة بعشرة.

(١) بلا إشكال فيه ولا خلاف.

(٢) إذ المعتبر في صحة المساقاة إنما هو تعيين حصّتهما في قبال حصّة المالك ، بحيث يكون نصيب كلّ من العامل والمالك معلوماً. وأمّا معرفة المالك بحصّة كلّ منهما فيما بينهما فهي أمر غير معتبر جزماً ، فإنه لا علاقة للمالك بكيفية قسمة العاملين للحصّة المشتركة بينهما بعد معلومية حصتهما في قبال حصّته.

(٣) فيما بينهما.

(٤) إذ لا دخل لكيفية شركتهما في الحصّة المجعولة له ، فإنه وعلى كلّ تقدير يأخذ الحصّة المجعولة له من الجميع ، فلا يكون جهله هذا موجباً لجهالة حصّته ، كما هو واضح.

(٥) وقد استشكل فيه بعضهم ، بأنه إن تم إجماع على البطلان مع الجهل فهو ، وإلّا فالقول به مشكل ، لعدم الدليل على قدح الغرر في المقام.

وفيه : أنّ الظاهر في المقام هو البطلان ، سواء أقلنا باختصاص نفي الغرر بالبيع كما

٣٥٦

الأثناء ، فالظاهر أنّ المالك مخيّر بين الفسخ أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي (١) فيجبره على العمل. وإن لم يمكن استأجر من ماله من يعمل عنه ، أو بأُجرة مؤجلة

______________________________________________________

هو الصحيح ، أم قلنا بعمومه للمقام أيضاً.

وذلك لما أشار إليه الماتن (قدس سره) من استلزامه الجهل بمقدار الحصّة ، فإنه لا بدّ في المساقاة على ما يستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب وأخبار خيبر من معلومية حصّة كلّ من المالك والعامل من الثمر. ولذا لو ساقاه على أن يكون له في مقدار من البستان النصف وفي مقدار آخر منه الثلث من غير تعيين ، لما حكم ببطلانه جزماً.

وحيث إنّ هذا الشرط غير متوفّر في المقام ، لأنه إذا ساقى أحدهما على النصف والآخر على الربع وكان مجموع النتاج مائة وعشرين رطلاً ، اختلف مقدار حقه من المجموع باختلاف مقدار نصيب كل منهما ، فإذا كان نصيب صاحبه الأوّل من البستان الثلثين ونصيب الثاني الثلث كان له من المجموع خمسون رطلاً ، وإذا انعكس الأمر كان له أربعون رطلاً ، فلا بدّ من الحكم بالبطلان.

والحاصل أنّ مساقاة المالكين المتعددين مع اختلاف مقدار الحصّة المجعولة للعامل وجهل نصيب كل منهما في البستان ، لما كان موجباً لجهالة ما يحصل للعامل ، محكومة بالفساد.

(١) لأنه ولي الممتنع. فإنّ وظيفة الولاة وإن كانت في الأصل إجراء الأحكام الصادرة من القضاة ، إلّا أنّ استقرار نظام المعاش وحفظه يقتضي قيامه في عصر الغيبة مقام القاضي فيما هو شأنه ، حفظاً لحقّ المظلوم وإقامة للنظام والقانون ، ولكي لا يلزم من تركه الهرج في الاجتماع.

وبعبارة اخرى : إنّ نظام المعاش يقتضي وجود ولي يأخذ بحقّ المظلوم من الظالم ويقيم العدل في الاجتماع. وعليه فإن كان الوليّ الحقيقي موجوداً فالأمر إليه ، له التصدي له بالمباشرة أو بنائبه الخاص ، ولا حقّ لأحد في الاعتراض عليه. وإلّا فالأمر للحاكم الشرعي ، لأنه القدر المتيقّن في ذلك. ومع عدم إمكانه فالأمر للعدول

٣٥٧

إلى وقت الثمر فيؤدّيها منه ، أو يستقرض عليه ويستأجر من يعمل عنه. وإن تعذّر الرجوع إلى الحاكم أو تعسّر ، فيقوم بالأُمور المذكورة عدول المؤمنين (١). بل لا يبعد جواز إجباره بنفسه (٢) أو المقاصّة من ماله (*) (٣) أو استئجار المالك عنه (٤) ثمّ الرجوع عليه أو نحو ذلك.

وقد يقال بعدم جواز الفسخ إلّا بعد تعذّر الإجبار (٥) وأنّ اللازم كون الإجبار

______________________________________________________

من المؤمنين ، حيث إنهم يقومون مقام الحاكم الشرعي حيث يتعسّر أو يتعذّر الرجوع إليه ، لكونهم القدر المتيقّن منه ، بعد المفروغية عن لابدّية أخذ حقّ المظلوم وإقامة نظام العدل في الاجتماع والمنع من الهرج والفوضى.

(١) لما تقدّم.

(٢) كما يقتضيه لزوم العقد ، وكونه مالكاً لحق الإلزام.

(٣) وفيه : إنها إنما تختص بالأموال ، فلا وجه لإثباتها في المقام ونحوه من موارد ثبوت الحقّ خاصّة ، حيث لا يملك المالك على العامل مالاً شخصياً أو كلياً في الذمّة وإنما يملك عليه حقّ الإلزام خاصة.

والحاصل أنه لا دليل على ثبوت المقاصة في موارد الحقوق.

(٤) فيه إشكال بل منع ، إذ لا دليل على ولاية المظلوم على خصمه ، فإنّ الاستئجار تصرّف عن الغير ، ونفوذه عليه من دون رضاه يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود.

إذن فالصحيح هو انحصار حقه في الفرض في الفسخ ، أو إجباره بنفسه ، أو مراجعة الحاكم الشرعي ، ومع عدم إمكانه فعدول المؤمنين.

(٥) تعرّضوا لهذا الشرط في باب الخيارات. وقد عرفت في محله أنه لا موجب للقول بالترتب والطولية ، فإنّ مقتضى دليل الفسخ ثبوته حتى مع التمكن من إجبار الممتنع ، إذ لا معنى لجعل الشرط إلّا تعليق الالتزام بالعقد على وجوده.

__________________

(*) في جوازها وجواز استئجار المالك عنه إشكال بل منع.

٣٥٨

من الحاكم مع إمكانه (١). وهو أحوط ، وإن كان الأقوى التخيير بين الأُمور المذكورة (٢).

هذا إذا لم يكن مقيَّداً بالمباشرة ، وإلّا فيكون مخيراً بين الفسخ والإجبار (٣) ولا يجوز الاستئجار عنه للعمل (٤). نعم ، لو كان اعتبار المباشرة بنحو الشرط (٥) لا القيد ، يمكن إسقاط حقّ الشرط (٦) والاستئجار عنه أيضاً.

[٣٥٥٧] مسألة ٢٧ : إذا تبرّع عن العامل متبرِّع بالعمل جاز إذا لم يشترط المباشرة (٧)

______________________________________________________

(١) ولا دليل عليه. فإنّ لمن له الحق المطالبة به وأخذه من الممتنع إن أمكنه ذلك كما أنّ له رفعه إلى الحاكم الشرعي والاستعانة به في استرداده ، بلا فرق في ذلك بين الحقوق والأموال الشخصية والكليّة.

(٢) لما عرفته من عدم الدليل على الطولية والترتب.

(٣) على ما يقتضيه تخلف العامل عنه من جهة ، وكونه ملزماً عليه من جهة أُخرى.

(٤) لامتناع صدور متعلق العقد ، أعني العمل المقيّد كونه من العامل ، من غيره.

(٥) بالتصريح أو إقامة القرينة ، وإلّا فقد عرفت أنّ المتفاهم العرفي من الاشتراط في هذه المقامات هو التقييد.

(٦) فيكون حال العقد حينئذٍ حال القسم الأوّل ، أعني الإطلاق وعدم اشتراط شي‌ء ، وإلّا فحاله حال القسم الثاني أعني التقييد.

والحاصل أنّ أمر هذا القسم يدور بين القسمين الأوّلين الإطلاق والتقييد ، فهو إما أن يكون بالنتيجة من الأوّل أو الثاني.

(٧) إذ الواجب عليه حينئذٍ إنما هو تحقيق العمل في الخارج ، وهو كما يحصل بفعله يحصل بفعل الغير نيابة عنه ، مجاناً أو بعوض.

٣٥٩

بل لو أتى به من غير قصد التبرع عنه أيضاً كفى (١) بل ولو قصد التبرع عن المالك كان كذلك أيضاً (*) (٢) وإن كان لا يخلو من إشكال ، فلا يسقط حقّه من الحاصل.

وكذا لو ارتفعت الحاجة إلى بعض الأعمال ، كما إذا حصل السقي بالأمطار ولم يحتج إلى النزح من الآبار ، خصوصاً إذا كانت العادة كذلك. وربّما يستشكل بأنه نظير الاستئجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه ، فإنّ الأجير لا يستحق الأُجرة لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه. فاللازم في المقام أيضاً عدم استحقاق ما يقابل ذلك العمل.

ويجاب بأنّ وضع المساقاة وكذا المزارعة على ذلك ، فإنّ المراد حصول الزرع والثمرة ، فمع احتياج ذلك إلى العمل فعله العامل ، وإن استغنى عنه بفعل الله أو بفعل الغير سقط واستحقّ حصّته. بخلاف الإجارة ، فإنّ المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه.

______________________________________________________

(١) فيه إشكال بل منع فيما إذا صدر جميع العمل من المتبرع ، فإنه حينئذٍ لا وجه لاستحقاقه شيئاً من الحصّة.

نعم ، لو بقي عليه بعض العمل استحق الحصّة ، إذ لا يجب عليه القيام بجميع الأعمال ، وإنما الواجب عليه قيامه بما تحتاجه الأرض.

والحاصل أنّ حال هذا الفرض ، هو حال ارتفاع الحاجة بنفسها ومن غير قيام أحد بها الآتي حيث اختار (قدس سره) فيه ما ذكرناه هنا ، فإنه لا فرق بينهما بالمرة.

(٢) فيه إشكال يظهر مما تقدم.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان المأتيّ به بعض عمل المساقاة. وأما إذا كان جميعه ، ففي كفايته في غير ما إذا قصد التبرع به عن العامل ، إشكال بل منع.

٣٦٠