موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

كتاب المساقاة

[فصل في معنى المساقاة وشرائطها]

وهي معاملة على أُصول ثابتة بحصّة من ثمرها. ولا إشكال في مشروعيّتها في الجملة.

ويدلّ عليه ، مضافاً إلى العمومات (١) ، خبر يعقوب بن شعيب (٢) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج ، قال (عليه السلام) : «لا بأس» (*).

وجملة من أخبار خيبر ، منها صحيح الحلبي ، قال : أخبرني أبو عبد الله (عليه السلام) : «أنّ أباه حدّثه ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أعطى خيبراً بالنصف أرضها ونخلها ، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة ...».

______________________________________________________

[فصل في معنى المساقاة وشرائطها]

(١) قد عرفت غير مرّة أنّ العمومات والإطلاقات لا تشمل المعاملات التي تتضمّن تمليك المعدوم ، فإنه أمر غير جائز ، ولذا لا نعهد فقيهاً يلتزم بصحة ذلك في غير المضاربة والمزارعة والمساقاة (١).

ومن هنا فلا مجال للتمسك بها ، ولا بدّ في الحكم بالصحة من التمسك بالدليل الخاص.

(٢) الرواية صحيحة السند ، وواضحة الدلالة (٢).

__________________

(*) مرّ أن العمومات لا تشمل مثل هذه المعاملة.

(١) الوسائل ١٩ : ٤٤ كتاب المزارعة والمساقاة ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الثمار ، ب ١٠ ح ٢.

٣٢١

هذا مع أنها من المعاملات العقلائية ، ولم يرد نهي عنها (١) ولا غرر فيها حتى يشملها النهي عن الغرر.

ويشترط فيها أُمور :

الأوّل : الإيجاب والقبول (٢). ويكفي فيهما كل لفظ دالّ على المعنى المذكور (٣) ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً ، بل الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء ، بأيّ لغة كانت. ويكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي ، كما أنه يكفي المعاطاة (٤).

______________________________________________________

(١) ظهر الجواب عن ذلك فيما تقدم. فإنّ كلّ معاملة لا تكون من التجارة عن تراض ، تكون منهياً عنها بمقتضى قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١). ولمّا لم تكن هذه المعاملة منها ، لما عرفته من تضمنها لتمليك المعدوم ، كانت محكومة بالفساد لا محالة.

(٢) على ما يقتضيه كونها من العقود ، فإنها متقوّمة بالإيجاب والقبول والمعاهدة من الطرفين.

(٣) إذ ليس الإنشاء إلّا إبراز الاعتبار النفساني بمبرز في الخارج ، فيكفي كلّ ما قام بهذا الدور ، ما لم يرد الدليل على اعتبار لفظ معيّن بخصوصه.

(٤) وهو بناءً على ما اخترناه ، من كون صحة المعاطاة على القاعدة ، واضح. وأمّا بناءً على خلاف ذلك ، فالقول بصحتها في المقام يحتاج إلى الدليل الخاص.

ومن هنا فقد استشكل فيها بعضهم ، من جهة أنها ليست كسائر المعاملات ، فإنها تختلف عنها بلحاظ غرريتها ، واحتمال عدم تحقق الحاصل فيها بالمرة أو قلّته.

وقد أُجيب عنه في بعض الكلمات بكفاية العمومات والإطلاقات للحكم بصحتها في الفرض ، فإنها شاملة لها على حدّ شمولها لسائر المعاملات.

إلّا أنه مردود بما عرفته غير مرة ، من أنّ العمومات والإطلاقات لا تشمل مثل هذه المعاملة المتضمنة لتمليك المعدوم بالمرة. وعليه فلا يمكن التمسك بها لإثبات مشروعيتها ، فضلاً عن القول بعدم اعتبار اللفظ فيها.

__________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

٣٢٢

الثاني : البلوغ والعقل والاختيار (١).

______________________________________________________

ومن هنا فلا بدّ من ملاحظة مقدار دلالة النصوص الخاصة الواردة في المقام على المدعى ، فنقول :

أمّا صحيحة يعقوب بن شعيب فلا إطلاق فيها ليشمل العقد المعاطاتي ، حيث إنّ المفروض فيها إنشاء العقد باللفظ ، فالتعدي عنه إلى الفعل يحتاج إلى الدليل.

نعم ، حيث إنّ اللفظ وهو قوله : (اسق هذا من الماء واعمره ...) وارد في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ، فمن القريب جدّاً دعوى أنّ المنصرف العرفي من ذكره والمتفاهم منه ، كونه لمحض إنه أسهل طريقة لإبراز ما في نفسه من الاعتبار والمعاهدة مع الطرف الآخر خاصة ، من دون أن يكون فيه أي خصوصية تلزمه ، وإلّا للزم الاقتصار في مقام الإنشاء على هذا اللفظ الوارد خاصة كما هو الحال في الطّلاق بل وعدم كفاية ترجمته أيضاً ، وهو مما لا يقول به أحد.

والحاصل أنّ المتفاهم العرفي من صحيحة يعقوب بن شعيب ، كون ذكر اللّفظ المعين مبرزاً من المبرزات ، من دون أن تكون له خصوصية ملزمة.

ومن هنا تكون هذه الصحيحة مطلقة من هذه الجهة.

ولو تنزلنا عن ذلك ، وقلنا بعدم دلالة صحيحة يعقوب بن شعيب على المدعى فالروايات المعتبرة الواردة في إعطاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأرض خيبر كافية في إثباتها ، حيث لم يذكر في جملة منها لفظ مطلقاً ، وإنما المذكور فيها أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) أعطاهم أرض خيبر ، وهو كافٍ في إثبات المدعى.

هذا كلّه مضافاً إلى إمكان الاستدلال عليه بالأولوية القطعية ، فإنه إذا جاز إنشاء المعاملات المبنية على الضبط والدقة بالفعل ، جاز إنشاء المعاملات المبنية على التسامح به بطريق أولى.

(١) وهي شروط المتعاوضين في جميع العقود بقول مطلق ، سواء في ذلك البيع والإجارة والمزارعة والمساقاة وغيرها.

وقد عرفت أدلّتها في كتاب البيع. فإنّ الصبي لا يجوز أمره حتى يحتلم ، والمجنون بحكم البهائم ، والمكره غير ملزم بشي‌ء.

٣٢٣

الثالث : عدم الحجر ، لسفه أو فلس (*) (١).

الرابع : كون الأُصول مملوكة عيناً ومنفعة ، أو منفعة فقط. أو كونه نافذ التصرف فيها ، لولاية أو وكالة أو تولية (٢).

الخامس : كونها معيّنة عندهما ، معلومة لديهما (٣).

السادس : كونها ثابتة مغروسة ، فلا تصحّ في الودي (٤) أي الفسيل قبل الغرس.

______________________________________________________

(١) لما تقدم. غير أنه كان على الماتن (قدس سره) التنبيه على اختلاف نحو شرطية هذا عمّا تقدم عليه. فإنّ الشروط الأُوَل مشتركة بين المالك والعامل ، حيث تعتبر فيهما معاً. في حين إنّ هذا مختص بالمالك دون العامل ، فإنّ المفلس والسفيه إنما هما ممنوعان من التصرّف في مالهما خاصة ، دون الكسب وتحصيل المال ، إذ لا حجر عليهما من هذه الجهة.

(٢) إذ لولاها كان العقد فضولياً محكوماً بالبطلان.

(٣) لا لاستلزام عدمها الغرر ، حتى يقال إنّها معاملة مبنيّة عليه وعلى الجهالة وإنما لعدم الدليل على صحتها في هذه الصورة ، فإنّ عمدة الدليل على صحة المساقاة منحصرة وكما عرفت في صحيحة يعقوب بن شعيب ، وأخبار إعطاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأرض خيبر. وحيث إنّ موردها جميعاً معلومية الأرض لدى الطرفين ، فلا يبقى دليل على صحتها مع عدم المعلومية ، حتى ولو لم نلتزم بنفي الغرر في جميع الموارد ، والتزمنا باختصاص دليله بالبيع كما هو الصحيح.

(٤) وهو ينافي ما سيأتي منه (قدس سره) في المسألة السادسة ، من الالتزام بصحتها للعمومات ، وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة.

وكيف كان ، فما ذكره في المقام هو الصحيح. فإنّ العمومات والإطلاقات غير شاملة لما يتضمن تمليك المعدوم بالفعل ، على ما تقدم غير مرة.

__________________

(*) هذا إنما يعتبر في المالك دون العامل.

٣٢٤

السابع : تعيين المدّة بالأشهر والسنين (١) وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً (٢). نعم ، لا يبعد جوازها في العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر ، لأنه معلوم بحسب التخمين ، ويكفي ذلك في رفع الغرر (٣) مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدِّمة (٤).

الثامن : أن يكون قبل ظهور الثمر ، أو بعده وقبل البلوغ (٥) بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر.

______________________________________________________

(١) لما تقدّم ، ولأنّ ما لا تعيّن له في الواقع لا يمكن الإلزام أو الالتزام به ، فإنه غير قابل له كما هو واضح.

نعم ، لا يبعد الحكم بصحة العقد إذا أُنشئ على نحو الدوام. ولعله هو الظاهر من أخبار خيبر ، حيث لم يرد في شي‌ء منها تحديد فترة كون الأرض بيدهم ، بل وفي بعض روايات العامة أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) جعل لنفسه الخيار وأنه متى أراد أن يخرجهم من الأرض كان له ذلك (١) فإنه كالصريح في التأبيد وعدم التحديد بمدّة معينة.

والحاصل أنه لا يبعد شمول النصوص لمثل هذا العقد وإن كان غير معيّن عند الطرفين ، إذ يكفي فيه كونه معيناً في الواقع.

ولعلّ هذا هو المتعارف في العقود الخارجية في المزارعة والمساقاة معاً ، فإنّ أرباب الأراضي والبساتين يعطون أراضيهم وبساتينهم إلى الفلاحين ليزرعوها ويسقوها من غير تحديد للمعاملة بحدّ معين.

(٢) وإلّا حكم ببطلان العقد للغويته ، نظراً للعمل بعدم تحققه في الخارج.

(٣) على أنه لا دليل على استلزامه للبطلان في غير البيع.

(٤) حيث لم يذكر فيها تحديد المدة بحدّ معين.

(٥) على ما يقتضيه إطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب ، فإنّ مقتضاه عدم الفرق بين ظهور الثمر وعدمه.

__________________

(١) انظر صحيح مسلم ٣ : ١١٨٦ ح ١٥٥١.

٣٢٥

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، ففي صحتها إشكال (*) (١) وإن كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك.

التاسع : أن تكون الحصّة معيّنة مشاعة (٢). فلا تصحّ مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف. كما لا تصحّ إذا لم تكن مشاعة ، بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيناً والبقية للآخر. نعم ، لا يبعد (**) جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اخرى (٣). بل وكذا لو اشترط (***) اختصاص

______________________________________________________

(١) ولعل وجه احتمال الصحة هو التمسك بالعمومات والإطلاقات ، وإلّا فالروايات الواردة في المقام لا تشمل مثله ، حيث إنّ جميعها واردة في مورد حاجة الزرع والثمر للسقي والعمارة ، فلا تشمل الحفظ والقطوف.

وسيأتي التعرض إلى المسألة ثانياً إن شاء الله.

(٢) لعدم الدليل على صحتها من دونهما. فإنّ الدليل على ما عرفت منحصر في صحيحة يعقوب بن شعيب وأخبار خيبر ، وهي بأجمعها واردة في مورد وجود القيدين. على أنه مع عدم التعيين ، لا يكون العقد قابلاً للإلزام به من الطرفين ، فيحكم ببطلانه من هذه الجهة أيضاً.

(٣) تعرّض (قدس سره) لنظير هذا الفرع في المزارعة أيضاً ، وقد صرح فيه بالبطلان لعدم الإشاعة.

ومن هنا فيردّ عليه (قدس سره) عدم وضوح الفرق بين المقامين ، مع تصريحه باعتبار الإشاعة أيضاً. فإنه إن صحّ التمسك بالعمومات والإطلاقات فهو غير مختصّ بالمقام ، وإن لم يصحّ كما هو الصحيح وجب الحكم بالفساد في المقامين.

وكيف كان ، فالصحيح هو الحكم بالبطلان في المقام وفي المزارعة معاً ، لعدم الدليل على الصحّة.

__________________

(*) الظاهر عدم الصحة.

(**) فيه إشكال ، وقد التزم بعدم الصحة في مثله في المزارعة.

(***) فيه إشكال بل منع ، كما تقدم في المزارعة في المسألة الخامسة.

٣٢٦

أحدهما بأشجار معلومة (١) والاشتراك في البقية ، أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقية ، إذا علم كون الثمر أزيد من المقدار وأنه تبقى بقية.

العاشر : تعيين ما على المالك من الأُمور ، وما على العامل من الأعمال (٢) إذا لم يكن هناك انصراف.

[٣٥٣١] مسألة ١ : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر (٣). كما لا خلاف في عدم صحّتها بعد البلوغ والإدراك ، بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف (٤). واختلفوا في صحّتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ (٥) والأقوى (٦) كما أشرنا إليه صحّتها ، سواء كان العمل ممّا يوجب الاستزادة أو لا ، خصوصاً

______________________________________________________

(١) التزم (قدس سره) بذلك في المزارعة أيضاً. لكنك قد عرفت هناك أنّ دليل الصحة إنّما يقتضي صحتها فيما إذا كان النتاج بأجمعه مشتركاً بينهما ، فلا يشمل صورة اختصاص أحدهما ببعضه وكان الباقي مشتركاً بينهما ، والإطلاقات والعمومات لا تنفع في تصحيحها.

والأمر في المقام كذلك أيضاً ، فإنّ النصوص بأجمعها واردة في فرض إشاعة الحاصل بأجمعه بينهما وكونه مشتركاً كذلك ، ومن هنا فلا تشمل ما نحن فيه.

(٢) على ما تقدّم بيان الوجه فيه في المزارعة ، حيث لا يمكن إلزام كلّ من الطرفين بشي‌ء ، فيحكم ببطلان العقد لا محالة.

(٣) فإنّها القدر المتيقّن من المساقاة الصحيحة.

(٤) نسبته (قدس سره) إلى عدم الخلاف ، ينافي ما تقدّم منه في الشرط الثامن من الاستشكال في صحتها.

وكيف كان ، فالصحيح هو الحكم بالبطلان ، لقصور نصوص صحة المساقاة عن شمول مثلها ، فإنّ جميعها واردة في فرض احتياج الأُصول إلى العمل فيها.

(٥) بحيث يكون الثمر محتاجاً للعمل ، ولو بلحاظ كونه موجباً لجودته.

(٦) لإطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب ، فإنّ مقتضى ترك استفصاله (عليه السلام) هو عدم الفرق بين كون احتياجه للعمل بعد ظهور الثمر أو قبله ، على ما تقدّم.

٣٢٧

إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها (١).

[٣٥٣٢] مسألة ٢ : الأقوى جواز المساقاة (*) على الأشجار التي لا ثمر لها وإنما ينتفع بورقها (٢) كالتوت والحناء ونحوهما.

[٣٥٣٣] مسألة ٣ : لا يجوز عندهم المساقاة على أُصول غير ثابتة ، كالبطيخ والباذنجان والقطن وقصب السكر ونحوها ، وإن تعدّدت اللقطات فيها كالأوّلين. ولكن لا يبعد الجواز (**) للعمومات (٣) وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة ، بل لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك. فإنّ مقتضى العمومات الصحة بعد كونه من المعاملات العقلائية ، ولا يكون من المعاملات الغررية عندهم ، غاية الأمر أنها ليست من المساقاة المصطلحة (٤).

______________________________________________________

(١) فتكون محتاجة للعمل قبل ظهور الثمر ، وبذلك فيكون المورد من مصاديق القسم الأوّل المتيقّن صحته.

(٢) تمسّكاً بالعمومات والإطلاقات ، حيث إنّ مقتضاها عدم الفرق في الصحّة بين ما له ثمر ، وما لا ينتفع إلّا بورقه.

إلّا أنك قد عرفت غير مرة ، أنها لا تشمل مثل هذه المعاملات لتضمّنها لتمليك المعدوم بالفعل ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأدلّة الخاصة ، وهي قاصرة الشمول للمقام. فإنّ صحيحة يعقوب بن شعيب واردة في الأشجار المثمرة ، فلا تشمل الأشجار التي ينتفع بورقها ، فضلاً عن الزرع المثمر أو غير المثمر. وفي أخبار خيبر أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) أعطاهم أرض خيبر وفيها النخيل والأشجار ، فلا تشمل غيرها.

(٣) قد عرفت الحال فيه في المسألة السابقة ، فلا نعيد.

(٤) ظهر الحال فيه مما تقدم.

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك.

(**) لا يترك الاحتياط فيه وفي مطلق الزرع ، وقد تقدم أنّ العمومات لا تشمل أمثال هذه المعاملات.

٣٢٨

[٣٥٣٤] مسألة ٤ : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي ، لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ أُصولها من رطوبات الأرض ، وإن احتاجت إلى إعمال أُخر. ولا يضرّ عدم صدق المساقاة حينئذٍ ، فإنّ هذه اللفظة (*) لم ترد في خبر من الأخبار (١) وإنما هي اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب ، ولذا قلنا بالصحة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي. وإن ضويق نقول بصحّتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة (٢).

[٣٥٣٥] مسألة ٥ : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة ، وإن لم تكن مثمرة

______________________________________________________

(١) وفيه : أنها وردت في صحيحة يعقوب بن شعيب التي ذكرها الماتن (قدس سره) في صدر الكتاب ، فإنه ورد فيها (ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ...) ، فما أفاده (قدس سره) يعدّ غريباً منه.

إلّا أنّ ذلك لا ينافي القول بالجواز في المقام. فإنّ المتفاهم العرفي من هذه الكلمة مقدمة لتحصيل المطلوب ، فالمعاملة في الحقيقة إنما هي لأجل العمران وتهيئة مقدمات حصول الثمر ، وليس السقي إلّا كمقدمة من تلك المقدمات وإلّا فلا خصوصية له بذاته. ولذا لا يحكم بالبطلان فيما إذا كانت محتاجة إلى السقي قبل المعاملة ، ثمّ ارتفع الاحتياج بعدها لكثرة المطر ونحوها.

ومما يشهد لما ذكرناه الاطمئنان بعدم احتياج جميع بساتين النخيل في خيبر إلى السقي ، فإنّ النخل وبفضل عمق عروقه في الأرض يكون مستغنياً عن السقي غالباً.

والحاصل أنّ ورود لفظ «السقي» في النصوص لا يوجب الحكم بالبطلان في المقام فإنّ الصحيح هو القول بالصحة ، فإنّ اللفظ محمول على كونه من مقدّمات العمارة وحصول الثمر ، من دون أن تكون له خصوصية تحتّم وجوده.

(٢) وقد تقدّم الكلام فيها غير مرة. وقد عرفت أنّه لو لم يكن الدليل الخاص على صحة المعاملة في الموارد الخاصة ، لما أمكن إثبات صحّتها بالعمومات ، ولذا لا يقول أحد من الأصحاب بصحّتها في غير هذه الموارد تمسّكاً بالعمومات. كما لو كان له

__________________

(*) قد ورد لفظ (السقي) في الرواية ، ولكن الظاهر أنه لا موضوعية له.

٣٢٩

إلّا بعد سنتين (١) بشرط تعيين مدة تصير مثمرة فيها (٢) ولو خمس سنين أو أزيد.

[٣٥٣٦] مسألة ٦ : قد مرّ أنه لا تصحّ المساقاة على ودي غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ، بأن يشترط (٣) على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ، ودخوله في المعاملة (*) بعد أن يصير مثمراً. بل مقتضى العمومات (٤) صحّة المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدة تصير مثمرة ، وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة.

[٣٥٣٧] مسألة ٧ : المساقاة لازمة (٥) لا تبطل إلّا بالتقايل ، أو الفسخ بخيار

______________________________________________________

قطيعٌ من الغنم ، فأعطاه إلى غيره ليرعاه ويقوم بواجباته من العلف وغيره ، على أنّ له النصف من حاصلها من الحليب والأولاد.

(١) على ما يقتضيه إطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب ، حيث لم يفرض فيها كون الثمر في نفس سنة العقد. بل وكذا أخبار خيبر ، حيث لا يحتمل عادة أن تكون بساتينه وبأجمعها مثمرة في سنة الإعطاء ، فإنها لا تخلو من الفسلان وهي لا تثمر إلّا بعد مرور سنتين.

(٢) على ما تقدم بيانه في الشرط السابع.

(٣) تقدّم غير مرة ، أنّ دليل نفوذ الشرط لا يدل على لزوم الوفاء به فيما إذا كان سائغاً في نفسه ومع غضّ النظر عن الاشتراط ، وإلّا فالشروط غير مشرّعة.

وعليه فحيث إنّ تمليك المعدوم أمر غير مشروع في نفسه ، فلا يمكن تصحيحه بالاشتراط.

(٤) تقدّم الكلام فيها ، فراجع.

(٥) ويقتضيه مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقد ، إطلاقات دليل صحّته ، على ما تقدم منّا بيانه غير مرة.

__________________

(*) العمومات لا تشمل ذلك كما عرفت ، وبالشرط لا يصير مساقاة ، فلا بدّ إذن من معاملة جديدة بعد الغرس ، وبذلك يظهر أنّ العمومات لا تشمل ذلك بعنوان معاملة مستقلة على الفسلان.

٣٣٠

الشرط ، أو تخلّف بعض الشروط ، أو بعروض مانع عام موجب للبطلان ، أو نحو ذلك.

[٣٥٣٨] مسألة ٨ : لا تبطل بموت أحد الطرفين (١). فمع موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه (٢). ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه ، لكن لا يجبر على العمل (٣) فإن اختار العمل بنفسه أو بالاستئجار فله ، وإلّا فيستأجر الحاكم من تركته (٤) من يباشره إلى بلوغ الثمر ، ثمّ يقسّم بينه وبين المالك (٥).

نعم ، لو كانت المساقاة مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته (٦). ولو اشترط عليه (٧) المباشرة لا بنحو التقييد ، فالمالك مخيّر بين الفسخ لتخلّف الشرط وإسقاط حق الشرط والرضا باستئجار من يباشر (٨).

______________________________________________________

(١) على ما يقتضيه كون العقد لازماً ، فإنّ مقتضاه بقاء العقد على حاله وقيام وارث الميت منهما مقامه.

(٢) فإنّ البستان إنما ينتقل إلى ورثته متعلقاً لحق الغير ، فيكون حالهم في ذلك حال المورث ، فلهم مطالبة العامل بالعمل وما تعهد به.

(٣) إذ المنتقل إلى الورثة إنما هو ما للميت خاصة دون ما عليه.

(٤) لأنّ العامل إنما مات مطلوباً للغير بحقّه ، فإذا لم يقم الوارث بفكّه يبقى الحقّ متعلقاً بتركته لا محالة.

(٥) على ما يقتضيه قانون المساقاة. فإنّ الحاصل إنما يكون مشتركاً بين مالك البستان والعامل ، فإذا مات أحدهما قام وارثه مقامه ، وليس للأجير إلّا الأُجرة المسمّاة.

(٦) لعدم إمكان الوفاء بها من قبل الوارث.

(٧) بالتصريح أو نصب القرينة ، وإلّا فظاهر الاشتراط في هذه الموارد كونه على نحو التقييد.

(٨) على ما يقتضيه قانون الخيار عند تخلف الشرط.

٣٣١

[٣٥٣٩] مسألة ٩ : ذكروا أنّ مع إطلاق عقد المساقاة ، جملة من الأعمال على العامل ، وجملة منها على المالك. وضابط الاولى ما يتكرر كلّ سنة ، وضابط الثانية ما لا يتكرر نوعاً وإن عرض له التكرر في بعض الأحوال.

فمن الأوّل : إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه ، وما يتوقّف عليه من الآلات ، وتنقية الأنهار ، والسقي ومقدماته كالدلو والرشا وإصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه ، وإزالة الحشيش المضرّة ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح ، واللقاط ، والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة.

ومن الثاني : حفر الآبار والأنهار ، وبناء الحائط والدولاب والدالية ، ونحو ذلك مما لا يتكرر نوعاً.

واختلفوا في بعض الأُمور أنه على المالك أو العامل ، مثل البقر الذي يدير الدولاب ، والكش للتلقيح ، وبناء الثلم ، ووضع الشوك على الجدران ، وغير ذلك.

ولا دليل على شي‌ء من الضابطين (١). فالأقوى أنه إن كان هناك انصراف في كون شي‌ء على العامل أو المالك فهو المتبع (٢) وإلّا فلا بدّ من ذكر ما يكون على كلّ منهما رفعاً للغرر. ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معاً (*) ، لأنّ المال مشترك بينهما ، فيكون ما يتوقّف عليه تحصيله عليهما (٣).

______________________________________________________

(١) لأنهما وإن ذكرا في كلمات الأصحاب ، إلّا أنه لم يدلّ عليهما ولا خبر ضعيف.

(٢) لكونه بمنزلة التعيين.

(٣) تبع (قدس سره) في ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) (١). والمراد به أنّ العقد لما كان لازماً وجب الوفاء به على كل منهما بحيث لا بدّ لهما من الالتزام به

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وقد مرّ منه اعتبار التعيين في المزارعة.

(١) الجواهر ٢٧ : ٦١.

٣٣٢

[٣٥٤٠] مسألة ١٠ : لو اشترطا كون جميع الأعمال على المالك ، فلا خلاف بينهم في البطلان ، لأنه خلاف وضع المساقاة (١).

نعم ، لو أبقى العامل شيئاً من العمل عليه واشترط كون الباقي على المالك ، فإن كان يوجب زيادة الثمرة فلا إشكال في صحته (٢) وإن قيل بالمنع من جواز جعل العمل على المالك ولو بعضاً منه ، وإلّا كما في الحفظ ونحوه ففي صحّته قولان

______________________________________________________

وإنهائه ، فإذا كان متوقّفاً على شي‌ء نسبته إليهما على حدّ سواء ، وجب عليهما تحصيله تحقيقاً للوفاء بالعقد وإنهائه.

ومن هنا فلا يرد عليه ما في بعض الكلمات ، من أنّ الإلزام ليس من آثار الشركة ولذا لا يجب على الشركاء في دار فعل ما يقتضي بقاؤها من تعمير ونحوه. فإنّ هذا ليس من باب الشركة ، وإنما هو من باب لزوم العقد ووجوب الوفاء به.

نعم ، يرد عليه أنه فرع اللزوم ووجوب الوفاء بالعقد وهو أوّل الكلام ، فإنه إنما هو فيما التزما به خاصّة دون غيره ، فلا يشمل ما نحن فيه. فإنّ المالك قد فعل ما التزم به بتسليم الأرض والأشجار للعامل ليعمل فيها ، وكذا العامل فعل ما عليه بالسقي والرعاية ، وأمّا الباقي كتهيئة المقدمات ونحوها فلم يلتزم كلّ منهما بشي‌ء منها. ومن هنا فلا وجه لالتزامهما بها وإجبارهما عليها.

فالصحيح في المقام هو الحكم بالبطلان مع عدم التعيين ، لعدم إمكان إلزام كلّ منهما بها ، كما التزم به الماتن (قدس سره) في نظير المقام من المزارعة.

(١) فإنه إذا قام المالك بعمران بستانه ، كان جعله لبعض الحاصل للعامل من الوعد بالنتيجة خاصة ، فيحكم ببطلانه لكونه من تمليك المعدوم ، ولا يكون ذلك من تخلّف الوعد ، لأنه ليس من الوعد بالفعل كي يكون عدمه موجباً لتخلف الوعد.

(٢) فإنه لا دليل على اعتبار كون تمام العمل على العامل ، وإنما العبرة بصدق العمران وتربية الأشجار إذ قد عرفت أنه لا خصوصية للسقي بما هو ولو بنحو الموجبة الجزئية ، فإنه إذا صدق ذلك كان العقد مشمولاً لصحيحة يعقوب بن شعيب المتقدِّمة.

٣٣٣

أقواهما الأوّل (*) (١).

وكذا الكلام (٢) إذا كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلّا مثل الحفظ ونحوه ، وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه ، كما مرّ.

[٣٥٤١] مسألة ١١ : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل (٣) ، وإن لم يمكن فله الفسخ (**) (٤).

______________________________________________________

ويؤكد ذلك ، الحكم بصحة العقد جزماً فيما إذا أوقعه المالك بعد قيامه بعمل بعض ما له دخل في تربية الأشجار ، مع بقاء الحاجة إليه بعد ذلك أيضاً ، فإنه مشمول لصحيحة يعقوب بن شعيب جزماً وبلا خلاف. وإذا صحّ ذلك في طول الزمان وبنحو الترتيب ، صحّ في عرض الزمان أيضاً.

(١) بل الثاني ، لما عرفته فيما سبق من عدم شمول الدليل الخاص لمثله ، والعمومات والإطلاقات قاصرة عن إثبات الصحة فيما يتضمن.

(٢)

(٣) لأنه حق له بموجب الشرط والعامل ملزم به.

(٤) بل مع التمكن من الإجبار أيضاً ، إذ لا موجب لتقييد حقّ الفسخ بصورة تعذّر الإجبار. وذلك لما تقدم منّا غير مرّة ، من أنّ مرجع اشتراط العمل وحقيقته إنما هو إلى تعليق الشارط التزامه بالعقد على التزام المشروط عليه بالعمل المشروط ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه عند عدم تحقق العمل في الخارج. ومن هنا فله الفسخ ، سواء تمكّن من إجبار العامل على العمل أم لم يتمكّن ، ولا وجه لتقييده بعدم التمكّن منه فإنّهما في عرض واحد.

__________________

(*) بل أقواهما الثاني ، وكذا الحال فيما بعده.

(**) بل مع التمكن من الإجبار أيضاً.

٣٣٤

وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلّف الشرط (١). وهل له أن لا يفسخ ويطالبه بأُجرة العمل بالنسبة إلى حصته (٢) بمعنى أن يكون مخيَّراً بين الفسخ وبين المطالبة بالأُجرة؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما ذلك (*) (٣).

ودعوى أنّ الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه ، والتسلط على الخيار بعدم الوفاء به.

مدفوعة : بالمنع من عدم إفادته التمليك. وكونه قيداً في المعاملة لا جزءاً من العوض يقابل بالمال ، لا ينافي إفادته لملكية من له الشرط إذا كان عملاً من الأعمال على من عليه.

والمسألة سيّالة في سائر العقود. فلو شرط في عقد البيع على المشتري مثلاً خياطة ثوب في وقت معين وفات الوقت ، فللبائع الفسخ أو المطالبة بأُجرة الخياطة ، وهكذا.

______________________________________________________

(١) لانتفاء موضوع الإجبار ، فينحصر حقه في الفسخ خاصة.

(٢) تخصيصه (قدس سره) لمطالبته بالأُجرة بما يقابل حصّته ، ناشئ من اختصاص محل كلامه (قدس سره) بالعمل المتعلق بالمساقاة. وإلّا فلو كان العمل أجنبياً عنها ، كما لو اشترط فيها خياطة ثوبه مثلاً ، فله المطالبة بتمام القيمة ، بناءً على ثبوت أصل الحكم.

(٣) بل أقواهما عدمه ، وقد ظهر وجهه مما تقدم. فإنه لا بدّ للملكيّة من سبب فإنها لا تحصل من دونه إطلاقاً ، وحيث لا سبب لها في المقام فلا يمكن الالتزام بها فإنّ الاشتراط في الأعمال كما عرفت ليس إلّا تعليق الالتزام بالالتزام ، وتخلّفه لا يوجب غير الخيار.

والحاصل أنّ الملكيّة لما لم تكن طرفاً للعقد ولم تنشأ من قبلهما بل ولم يلتزما بها لأنهما لم يجعلا إلّا العمل في البستان في قبال الحصة من النماء ، فلا وجه للالتزام بها.

__________________

(*) بل أقواهما عدمه هنا وفي سائر العقود.

٣٣٥

[٣٥٤٢] مسألة ١٢ : لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صحّ (١). أما لو شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك ، فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك ، وقد مرّ عدم الخلاف في بطلانه ، لمنافاته لمقتضى وضع المساقاة (٢).

ولو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه في البستان الخاص بالعامل ، فلا ينبغي الإشكال في صحته. وإن كان ربّما يقال بالبطلان ، بدعوى أنّ عمل الغلام في قبال عمل العامل ، فكأنه صار مساقياً بلا عمل منه ، ولا يخفى ما فيها (٣).

ولو شرطا أن يعمل غلام المالك للعامل تمام عمل المساقاة ، بأن يكون عمله له بحيث يكون كأنه هو العامل ، ففي صحته وجهان لا يبعد الأوّل (*) (٤) لأنّ الغلام حينئذٍ كأنه نائب عنه في العمل بإذن المالك وإن كان لا يخلو عن إشكال مع ذلك.

______________________________________________________

والمسألة سيّالة في جميع العقود.

(١) فإنّه فعل سائغ في نفسه ، فلا مانع من أخذه شرطاً في العقد ، وقد تقدّم الجواز في اشتراطه على المالك نفسه.

(٢) فإنّ العامل حينئذٍ لم يلتزم بشي‌ء على الإطلاق ، فإنّ الأشجار من المالك والعمل من الغلام ، ومن هنا فلا يصدق عليه المساقاة.

(٣) فإنّ عمل الغلام في بستانه الخاص أجنبي عن المساقاة بالنسبة إلى هذا البستان المتعلق للعقد بين المالك والعامل ، إذ الحصّة من الثمرة إنما جعلت في قبال العمل في هذا البستان دون غيره ، فالواجب في تحقق العقد والحكم بصحته كون العمل فيه بما يوجب عمارته على العامل ولو على نحو الموجبة الجزئية ، وأمّا البستان الآخر فهو أجنبي عنه بالمرة.

(٤) بل هو بعيد جدّاً ، والصحيح هو القول بالبطلان ، لعدم الدليل على الصحة بعد عدم التزام العامل بشي‌ء مطلقاً.

__________________

(*) بل هو بعيد جدّاً.

٣٣٦

ولازم القول بالصحة الصحة في صورة اشترط تمام العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل.

[٣٥٤٣] مسألة ١٣ : لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة مباشراً للعمل بنفسه (١). فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها أو في تمامها ويكون عليه الأُجرة. ويجوز أن يشترط كون اجرة بعض الأعمال على المالك ، والقول بالمنع لا وجه له (٢). وكذا يجوز أن يشترط كون الأُجرة عليهما معاً في ذمّتهما (٣) أو الأداء

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ العقد لما كان متقوِّماً بصدور الالتزام من الطرفين ، فإن فرض تحقق التزام العامل بالعمل فلا بدّ من الحكم بالصحّة ، وإن قام المالك بعد ذلك بالعمل بنفسه أو بغلامه رأفة بحال العامل أو لغير ذلك من الأسباب. أمّا إذا لم يتحقق الالتزام من العامل من الأوّل ، كما هو الحال في المقام ، فإنه وبالاشتراط يسقط حقّ المالك في إلزامه به ويجعل ذلك على العامل ، فلا محيص عن الحكم بالبطلان ، لكونه خارجاً عن مدلول دليل الصحة.

(١) إذ لا يجب عليه إلّا إيجاد العمل في البستان وتحقيق الرعاية للأشجار بما يؤدي إلى ظهور الثمر أو زيادتها ، وأمّا مباشرته لذلك بنفسه فلا دليل على اعتبارها ، ما لم تكن قد أُخِذت شرطاً في ضمن العقد.

(٢) الظاهر ابتناء القول بالجواز والمنع في المقام ، على القول بجواز اشتراط كون بعض الأعمال على المالك وعدمه. فعلى الأوّل يتعين القول بالجواز في المقام أيضاً وعلى الثاني فالصحيح هو المنع من جواز هذا الاشتراط.

لكنّك قد عرفت فيما تقدم أنّ الصحيح هو الأوّل ، وعليه فيتعيّن القول بجواز هذا الاشتراط في المقام.

(٣) بلا إشكال فيه ، بناءً على عدم لزوم كون جميع الأعمال على العامل.

٣٣٧

من الثمر (*) (١).

وأمّا لو شرط على المالك أن يكون اجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر ، ففي صحته وجهان :

أحدهما : الجواز ، لأنّ التصدي لاستعمال الاجراء نوع من العمل ، وقد تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم وعدمها ، والمالك ليس له معرفة بذلك.

______________________________________________________

(١) وكأنه لمعلومية مقدار الأُجرة فيما إذا كانت معينة ، إلّا أنّ الصحيح هو القول بالبطلان ، حتى بناءً على القول بجواز كون الأُجرة مجهولة. وذلك لأنّ الإجارة وكما تقدّم بيانها في محله إنما تتضمن التمليك من الطرفين ، فالأجير إنما يملّك عمله للمستأجر في حين إنّ المستأجر يملّكه الأُجرة ، فهي في الحقيقة مبادلة بينهما. ومن هنا فلا بدّ في المالين من كونهما قابلين للتمليك بالفعل ، وحيث أنّ الثمرة غير موجودة بالفعل فلا يجوز تمليكها ، لامتناع تمليك المعدوم ما لم يقم عليه دليل خاص.

ولذا لم يستشكل أحد في بطلان مثل هذه الإجارة في غير المساقاة ، كما لو آجره لخياطة ثوب بإزاء مقدار معيّن من حاصل أرضه التي لم تُزرع بالفعل ، أو التي زرعت ولم تنتج.

ومن هنا يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) في فرض كون الأُجرة حصّة مشاعة من الثمرة ، فإنه لا حاجة لتوجيه البطلان فيه بجهالة مقدار مال الإجارة ، فإنّ هذا العقد محكوم بالبطلان وإن قلنا بصحة الإجارة مع جهالة الأُجرة ، وذلك لتضمن الإجارة التمليك الفعلي وهو لا يتعلق بالأمر المعدوم.

والحاصل أنّ الصحيح هو القول بالبطلان في كلا الفرضين : كون الأُجرة مقداراً

__________________

(*) إن أُريد بذلك اشتراط أداء الأُجرة الثابتة في الذمة من الثمر ، فهو وإن كان صحيحاً إلّا أنه خلاف ظاهر المقابلة في العبارة. وإن أُريد بذلك جعل الأُجرة في الثمر كما هو ظاهر العبارة ، فهو غير صحيح لأنّ الثمر معدوم حين العقد فلا يصحّ جعله اجرة ، ومن ذلك يظهر حال ما بعده.

٣٣٨

الثاني : المنع ، لأنه خلاف وضع المساقاة. والأقوى الأوّل (١) (١).

هذا ولو شرطا كون الأُجرة حصة مشاعة من الثمر بطل ، للجهل بمقدار مال الإجارة (٢) فهي باطلة.

[٣٥٤٤] مسألة ١٤ : إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد (٣) وكان جميعه للمالك (٤). وحينئذٍ فإن شرطا انفراد العامل به استحق اجرة المثل لعمله (٥). وإن

______________________________________________________

معيّناً من الثمر وكونها حصّة مشاعة منه ، سواء صحّت الإجارة مع جهالة الأُجرة أم بطلت.

نعم ، لو رجع الاشتراط هذا إلى أداء الأُجرة الثابتة في الذّمّة من الثمر ، حكم بصحته من جهة أنّ الأُجرة أمر ثابت في الذمّة بالفعل ، فلا يكون العقد متضمّناً لتمليك المعدوم.

(١) بل الثاني ، إذ ليس قيام العامل بمطلق العمل موجباً للحكم بصحّة المساقاة وإنما العبرة فيها على ما عرفت بالعمل الذي له دخل في تربية البستان ، بمعنى ظهور ثمرة أو زيادته.

والحاصل أنّ الأدلّة الخاصّة قاصرة الشمول للمقام ، والعمومات والإطلاقات لا تشمل ما يتضمن تمليك المعدوم.

(٢) بل لما عرفته من اشتمالها على تمليك المعدوم.

(٣) لعدم الدليل على صحته ، بعد عدم شمول الأدلّة الخاصّة والعامّة له.

(٤) لتبعية الثمر للأشجار في الملك.

(٥) لأنه لم يقدم على العمل مجاناً ، وإنما أقدم عليه لقاء أخذه للحاصل. وحيث إنه لم يسلّم له ، لبطلان العقد واستيفاء المالك لمنافعه وعمله الصادر عنه بأمره ، يضمن له المالك اجرة المثل لا محالة.

والحاصل أنّ أمر الغير بالعمل لا على نحو المجانية موجب للضمان.

__________________

(١) بل الثانيهو الأقوى.

٣٣٩

شرطا انفراد المالك به لم يستحق العامل شيئاً ، لأنه حينئذٍ متبرع بعمله (١).

[٣٥٤٥] مسألة ١٥ : إذا اشتمل البستان على أنواع ، كالنخل والكرم والرمان ونحوها من أنواع الفواكه ، فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار كلّ واحد (٢) فيجوز المساقاة عليها بالنصف أو الثلث أو نحوهما وإن لم يعلم عدد كلّ نوع ، إلّا إذا كان الجهل بها موجباً للغرر (*) (٣).

______________________________________________________

(١) وتوهّم أنه إنما عمل تخيلاً منه لزوم ذلك عليه من باب وجوب الوفاء بالعقد فهو غير قاصد للتبرع بعمله.

مدفوع بأنّ الموجب للضمان ينحصر في العقد الصحيح ، ووقوع العمل عن أمر الغير لا بقصد التبرع. وحيث إنّ كليهما مفقود في المقام : أمّا الأوّل فهو المفروض ، وأمّا الثاني فلكون أمره بالعمل على نحو المجانية ، فلا موجب للقول بالضمان.

(٢) بلا إشكال فيه. وتقتضيه صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ، فإنّ مقتضى إطلاق قوله : (وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة) عدم الفرق بين كون أشجار ذلك البستان من سنخ واحد ، وكونه مشتملاً على أصناف متعددة.

(٣) وفيه مضافاً إلى ما تقدّم من عدم الدليل على اعتبار نفي الغرر في المعاملات مطلقاً ، فإنّ الدليل عليه إنما يختص بالبيع ولا مجال للتعدي عنه إلى غيره : أنّ عقد المساقاة مبنيّ على الغرر من هذه الجهة أعني مقدار الثمر ، إذ لا علم لكل من الطرفين بمقدار الثمر في تلك السنة ، وهل إنه سيكون كثيراً أو قليلاً ، فهذا الجهل معفو عنه جزماً.

وهكذا الحال بالنسبة إلى عدد الأشجار ، إذ لا يعتبر في عقد المساقاة حتى مع اتحاد سنخ الأشجار فضلاً عن اختلافه العلم بعددها ، فإنّ العقد مبنيّ على الجهالة من هذه الناحية.

__________________

(*) لا وجه لهذا الاستثناء ، حيث إنّ هذه المعاملة مبنيّة على عدم العلم بعدد الأشجار والفواكه وإن استلزم الغرر ، وبذلك يظهر الحال في المسائل الآتية.

٣٤٠