موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

مقدار معيّن. مع احتمال أن يكون ذلك من الشرط الضمني بينهما. والظاهر أن المراد من الآفة الأرضية ما كان من غير الإنسان ، ولا يبعد (١) لحوق إتلاف متلف من الإنسان أيضاً به.

وهل يجوز خرص ثالث حصّة أحدهما أو كليهما في مقدار؟ وجهان ، أقواهما العدم (٢).

______________________________________________________

إلّا أن هذا لا يعني مخالفتنا للمشهور فيما ذهبوا إليه ، فإنه هو الصحيح في المقام حتى بناءً على ما اخترناه. وذلك لأنّ الملحوظ في تعيين المقدار إنما هو نسبته إلى المجموع ، فحينما يخرص الناتج بمائة رطل ويجعل لأحد الطرفين خمسين رطلاً فإنما يعني ذلك جعل النصف له ، وهكذا في باقي المقادير. فإنه إنما يدفع له المقدار المعين بلحاظ كون المجموع كذا مقداراً وبالقياس إليه ، فالمقدار إنما يلحظ كمشير للنسبة لا غير.

ومن هنا يكون التالف محسوباً عليهما ، حيث إنه يؤثر على المقدار العائد إليه لا محالة ، نتيجة لنقصان ما تخرج منه النسبة.

ولعل مراده (قدس سره) من الإشاعة من المقام هذا المعنى ، وإلّا فالتعيين يتلاءم معها.

ثمّ إنّ مما ذكرنا يظهر أنه لا فرق في التلف بين كونه بآفة سماوية أو أرضية ، فإنّ الحكم في الجميع واحد ، لوحدة الملاك ، أعني كون الملحوظ في الحقيقة هي النسبة فإنه يوجب اشتراكهما في تحمل التالف.

(١) ظهر وجهه مما تقدّم.

(٢) لم يظهر لنا وجهه بعد ما تقدّم منه (قدس سره) ومنّا ، من كون صحة هذه المعاملة على القاعدة لكونها معاملة عقلائية ، فلا تحتاج إلى الدليل الخاص ، وإن لم تكن من المعاملات المعهودة.

فإنه وبناءً على هذا ، لا وجه لتخصيص الجواز بما إذا كان الخارص أحد الشريكين ، فإنه ثابت حتى ولو كان الخارص شخصاً ثالثاً ، كما لو كان من أهل

٣٠١

[٣٥١٣] مسألة ٢١ : بناءً على ما ذكرنا من الاشتراك أوّل الأمر في الزرع يجب على كلّ منهما الزكاة (١) إذا كان نصيب كل منهما بحدّ النصاب ، وعلى من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما. وكذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمرة ، لأنّ تعلق الزكاة بعد صدق الاسم وبمجرد الظهور لا يصدق. وإن اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم وحين الحصاد والتصفية ، فهي على صاحب البذر منهما ، لأنّ المفروض أن الزرع والحاصل له إلى ذلك الوقت ، فتتعلق الزكاة في ملكه.

[٣٥١٤] مسألة ٢٢ : إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدّة والقسمة ، فنبت بعد ذلك في العام الآتي ، فإن كان البذر لهما فهو لهما (٢) وإن كان لأحدهما فله (٣) إلّا مع الإعراض ، وحينئذٍ فهو لمن سبق (٤). ويحتمل أن يكون لهما مع عدم الإعراض (*) مطلقاً ، لأنّ المفروض شركتهما في الزرع

______________________________________________________

الخبرة والوثوق. ومجرّد كون مورد الروايات هو الأوّل ، لا يدلّ على اختصاص الحكم به. فالظاهر هو الجواز مطلقاً.

(١) وكذا بناءً على ما اخترناه من كون الاشتراك من أوّل حصول الزرع ، لتحقّق ملاك وجوب الزكاة فيه أيضاً.

(٢) على ما تقتضيه قاعدة تبعية النماء للبذر في الملكيّة ، فإنّ النماء الحاصل لما كان نماء لملكهما معاً كان كذلك أيضاً.

(٣) لما تقدّم.

(٤) ما أفاده (قدس سره) مبني على اقتضاء الإعراض لسقوط ملكيّة المعرض بالكسر عن المعرَض عنه وزوالها.

إلّا إنك قد عرفت غير مرّة ، أنه لا دليل على زوال الملكيّة وسقوطها بالإعراض فإنه يحتاج إلى الدليل وهو مفقود ، بل مقتضى دليل الملك بقاؤه وعدم زواله بالإعراض ، ما لم يكن تصرّف الغير فيه متوقّفاً على الملك.

__________________

(*) بل مع الإعراض أيضاً ، لأنّ الإعراض لا يوجب الخروج عن الملك.

٣٠٢

المفروض شركتهما في الزرع واصلة (*) (١) وإن كان البذر لأحدهما أو لثالث ، وهو الأقوى.

وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحبّ فنبت ، فإنه مشترك بينهما (٢) مع عدم الإعراض (٣). نعم ، لو كان الباقي حبّا مختصّاً بأحدهما اختص به (٤).

ثمّ لا يستحقّ صاحب الأرض أُجرة لذلك الزرع النابت على الزارع ، في صورة الاشتراك أو الاختصاص به ، وإن انتفع بها ، إذ لم يكن ذلك من فعله ، ولا

______________________________________________________

(١) وهو مبني على ما أفاده (قدس سره) ، من كون مبدأ الاشتراك بين العامل والمالك هو من حين نثر البذر بحيث يكون الحب مشتركاً بينهما ، أو يكون ذلك بالاشتراط حيث تقدّم جواز تعيينه كيفما يشاء!.

وأما على غير هذين الوجهين ، كالوجهين الأخيرين اللذين ذكرهما (قدس سره) أو الوجه الذي ذكرناه من كون مبدأ الاشتراك أوّل أزمنة حصول الزرع ، فحيث إنّ عقد المزارعة لا يقتضي إلّا الاشتراك في الحاصل ، فلا وجه للاشتراك في المقام ، حيث إن البذر حينئذٍ يختص بباذله سواء أكان هو الزارع أو مالك الأرض.

والحاصل أنّ حال هذه الصورة ، أعني كون النماء نماء للأُصول الباقية مع اختصاص البذر بأحدهما ، حال صورة كون النماء نماء للحبّ المختص بأحدهما الآتية من غير فرق.

(٢) لتبعية الحاصل للبذر في الملك ، فإنه لما كان مشتركاً كان النماء مشتركاً لا محالة أيضاً.

(٣) بل معه أيضاً ، على ما تقدّم.

(٤) لما تقدّم.

__________________

(*) هذا إنّما يكون بالاشتراط ، وإلّا فعقد المزارعة لا يقتضي أزيد من الاشتراك في الحاصل كما مرّ.

٣٠٣

من معاملة واقعة بينهما (١).

[٣٥١٥] مسألة ٢٣ : لو اختلفا في المدة وأنها سنة أو سنتان مثلاً ، فالقول قول منكر الزيادة (٢). وكذا لو قال أحدهما أنها ستة أشهُر ، والآخر قال إنها ثمانية أشهر. نعم ، لو ادّعى المالك مدّة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل ولو نادراً ، ففي تقديم قوله إشكال (٣). ولو اختلفا في الحصّة قلّة وكثرة ، فالقول قول صاحب البذر المدّعى للقلّة (٤).

هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدّة أو الحصّة وعدمها. وأما لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد وأنه وقع على كذا أو كذا ، فالظاهر التحالف (*) (٥) وان كان خلاف إطلاق كلماتهم. فإن حلفا أو نكلا ، فالمرجع أصالة عدم الزيادة.

______________________________________________________

(١) فلا موجب للضمان ، لأنه إنما يكون فيما إذا صدر الفعل عن أمره أو مباشرته له ، فلا يثبت في مورد يكون ذلك خارجاً عن اختياره وإرادته حتى مع استيفائه للمنفعة ، فإنه رزق ساقه الله إليه من حيث لم يحتسب.

(٢) لأنّ جواز تصرف الزارع في أرض المالك وملكه في الزائد ، أو إلزام المالك له بالعمل فيه ، يحتاج إلى الدليل والأصل عدمه.

(٣) من جهة أنّ دعواه حينئذٍ ترجع إلى ادعاء فساد العقد ، لأنه يدّعي المزارعة في فترة غير قابلة لتحقق الحاصل ، فيتقدم قول صاحبه ، لأصالة صحة العقد.

(٤) ظهر وجهه مما تقدّم.

(٥) بل الظاهر أن القول قول من يدّعي القلة حتى في هذه الصورة. وذلك لما عرفته منّا غير مرّة ، أن نصوص القضاء والدعوى على كثرتها لم تتعرض لتحديد المدّعى والمنكر ، بل النصوص تعرّضت لذكرهما تاركة تفسيرهما للفهم العرفي.

ومن هنا فلا بدّ من الرجوع إليه في تحديدهما ، ومقتضاه اعتبار من يلزم بإثبات ما

__________________

(*) بل الظاهر أنّ القول قول من يدّعي القلّة.

٣٠٤

[٣٥١٦] مسألة ٢٤ : لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيّهما ، فالمرجع التحالف (١). ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة (٢).

[٣٥١٧] مسألة ٢٥ : لو اختلفا في الإعارة والمزارعة ، فادّعى الزارع أنّ المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة ، والمالك ادّعى المزارعة ، فالمرجع التحالف أيضاً. ومع حلفهما أو نكولهما تثبت اجرة المثل للأرض. فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال (*) (٣).

______________________________________________________

يقوله مدّعياً وصاحبه الذي لا يطالب به منكراً ، من غير نظر لمصبّ الدعوى. فمن يلزم بالإثبات هو المدّعى وعليه البيّنة ، بأي صيغة كان التعبير وإظهار الدعوى.

وعليه ففي المقام حيث يكون مدّعي الزيادة ملزماً بالإثبات لدى العرف ، لأنه يدّعي على صاحبه جواز تصرّفه في المدة الزائدة في مال المالك ، أو استحقاقه للعمل على العامل فيها ، أو ملكيّته لبعض أمواله ، فهو المدّعى ويلزم بالإثبات عرفاً من دون أن يكون على صاحبه شي‌ء ، فإنه لا يلزم عرفاً بإثبات العدم.

ومن هنا يتضح أنه لا وجه لاعتبار المقام من موارد التداعي والقول بالتحالف فيه.

(١) لأنّ كلا منهما يدّعي على صاحبه شيئاً ويلزمه به وهو ينكره ، فيكون كلّ منهما ملزماً بالإثبات لدى العرف ، وهو ضابط التداعي.

(٢) لعدم إمكان تحقق المزارعة بدون ذلك ، وعدم إمكان إلزام كلّ منهما به ظاهراً. وعليه فيكون العقد كأن لم يكن ، نظراً لما تقدّم في البيع من أنّ اختلاف المتعاقدين في المبيع يوجب الحكم بفساده ظاهراً.

(٣) الظاهر أنه لا وجه لعدّ هذه الصورة من باب التداعي ، ثمّ القول بالتحالف فيها. وذلك لما تقدّم منّا غير مرّة من أنّ الملاك في اعتبار مورد من التداعي ، إنما هو

__________________

(*) الظاهر انّه لا وجه للتحالف في هذه الصورة لأنّ الزارع لا يدّعي على المالك شيئاً. وأمّا المالك فهو يدّعي الاشتراك في الحاصل فعليه الإثبات.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بإلزام كل من طرفي النزاع لصاحبه بشي‌ء وإنكاره لما يدّعيه الآخر. فإنّ هذا الملاك إذا تحقق في مورد ، كان ذلك المورد من التداعي وثبت فيه التحالف ، وإلّا فهو أجنبي عنه.

وعليه ففيما نحن فيه ، فحيث إنّ الإلزام يختص بطرف واحد خاصة وهو المالك حيث يلزم العامل وبحسب دعواه للمزارعة بدفع الحصّة من النتاج له ، دون العكس فإنّ العامل وبحسب دعواه للعارية لا يلزم المالك بشي‌ء إطلاقاً ، غاية الأمر أنه ينكر عليه ما يدعيه خاصة ، فالمورد خارج عن باب التداعي وداخل في باب المدّعى والمنكر ، فعلى المدّعى الإثبات وعلى المنكر اليمين.

ومجرّد كون كل منهما يدّعي أمراً وجودياً ، لا يجعل المقام من التداعي.

والحاصل أنّ الإلزام في المقام لما كان يختص بطرف واحد فقط ، لم يكن وجه لجعله من مصاديق التداعي ، ومن ثمّ إثبات اليمين على الطرفين فيه. فإنه من مصاديق المدّعى والمنكر ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى القواعد المذكورة له في باب القضاء ومقتضاها أنّ المدّعى إذا تمكن من إثبات دعواه بالبيّنة أو اليمين المردودة فهو ، وإلّا فالنتاج بأجمعه للمنكر.

وأما مسألة ثبوت اجرة مثل الأرض على العامل للمالك ، لكونه قد تصرف فيها واستوفى منفعتها ، فقد تعرض لها (قدس سره) في كتاب الإجارة في مسألة ما إذا ادّعى الساكن للدار العارية وادّعى المالك الإجارة. وقد عرفت أنه لا موجب لها بالمرّة ، لأن ضمان المنافع إنما يثبت بالعقد والالتزام ، أو بوضع اليد والتصرّف في مال الغير بغير إذنه.

ولا شي‌ء منها موجود في المقام ، أما الأوّل ، فلعدم ثبوته كما هو المفروض. وأما الثاني ، فلإحراز عدمه ، لكون تصرّفه العامل في المال بإذن المالك جزماً ، وإن تردد كونه في ضمن المزارعة أو العارية.

وقد تعرّضنا لتحقيق المسألة مفصّلاً في كتاب الإجارة ، فراجع.

بل في المقام خصوصية زائدة تقتضي ثبوت اجرة المثل حتى ولو قلنا بثبوتها في

٣٠٦

وإن كان في الأثناء ، فالظاهر جواز الرجوع للمالك (١). وفي وجوب إبقاء الزرع إلى

______________________________________________________

الإجارة ، وهي اعتراف مالك الأرض بعدم ثبوتها. فإن هذه الخصوصية موجودة في المقام ومفقودة في باب التنازع في الإجارة ، إذ هناك يطالب المالك الساكن بالأُجرة غاية الأمر أنه يراها المقدار الذي يدّعيه ، فإذا لم يثبت ما يدعيه فللقول بثبوت اجرة المثل وجه وإن لم نكن نرتضيه. في حين إنه في المقام يعترف بعدم استحقاقه لها بالمرّة لأنه إنما يدّعي عليه الحصّة من الحاصل خاصّة. ومن هنا فلا وجه لثبوتها ، حتى مع القول بها في الإجارة.

نعم ، قد يكون ادعاؤه للحصة غير مستلزم لاعترافه بعدم استحقاقه الحصّة المعينة ، كما لو ادّعى المالك علم العامل بالحال ، بحيث يكون إنكاره ناشئاً عن الجحود وغصبه لحصته لا الخطأ والنسيان. فإنّ ادعاءه للمزارعة حينئذٍ لا يلازم اعترافه بعدم استحقاقه لها ، فإنّ له أخذها لكن لا بعنوانها وبما هي أُجرة مثل أرضه ، وإنما بعنوان التقاص واستيفاء حصّته المغصوبة.

والحاصل أنّ سبب الضمان منحصر في أمرين : العقد والتصرّف ، وكلاهما مفقود في المقام. فإنّ التصرّف إنما كان عن إذن المالك قطعاً ، والعقد لم يثبت وإن ادّعاه المالك.

إذن فالصحيح في هذه الصورة هو الحكم باختصاص الزارع بالحاصل ، ومن دون أن يكون عليه شي‌ء لمالك الأرض مطلقاً ، ما لم يثبت المالك مدعاه بالبينة أو اليمين المردودة.

(١) لأنّ المقام من التداعي ، حيث إنّ كلا منهما يلزم صاحبه بشي‌ء وهو ينكره. فالمالك بدعواه المزارعة يلزم العامل بالعمل في البذور والأرض ، كي يحصل الناتج ويكون مشتركاً بينهما. فيما يلزمه العامل بدعواه العارية بإبقاء زرعه في أرضه ، وعدم مزاحمته في هذه الجهة حتى تحقق الحاصل ، باعتبار أنه ليس للمالك الرجوع في عاريته في أثناء العمل ، لاستلزامه تضرر العامل.

وبذلك يتحقق ضابط باب التداعي ، ومن ثمّ فيثبت التحالف. فإن حلفا أو نكلا معاً ، انفسخ العقد وكان كأن لم يكن.

هذا كلّه بناءً على ما اخترناه من لزوم العارية في المقام ، على ما أوضحناه في

٣٠٧

البلوغ عليه مع الأُجرة إذا أراد الزارع ، وعدمه وجواز أمره بالإزالة ، وجهان (١).

______________________________________________________

المسألة الرابعة. وأما بناءً على ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من جواز رجوع المالك في الأرض المستعارة للمزارعة ، فلا وجه لاعتبار هذه الصورة من التداعي فإنّ الادّعاء والإلزام حينئذٍ إنما يختص بطرف واحد هو المالك ، حيث يلزم العامل بالحصة من الحاصل ، وأما العامل فلا يلزمه بشي‌ء على الإطلاق. ومن هنا فيكون المقام من المدّعى والمنكر.

نعم ، بناءً على وجوب إبقاء المالك للزرع في هذه الصورة حتى البلوغ عند طلب الزارع ذلك على ما سيأتي التعرض إليه في الفرع القادم فالمقام من التداعي أيضاً حيث إنّ الإلزام لا يختصّ بالمالك ، بل العامل أيضاً يلزمه بالإبقاء بالأُجرة.

والحاصل أنّ اعتبار المقام من التداعي ثمّ إثبات التحالف فيه ، يتوقّف إمّا على القول بلزوم العارية هنا ، أو القول بلزوم إبقاء الزرع مع الأُجرة عند طلب الزارع. وإلّا فالمقام من موارد المدّعى والمنكر ، حيث يختصّ الإلزام بطرف واحد ، هو المالك فقط.

(١) من «سلطنة الناس على أموالهم» بعد عدم ثبوت دعوى العامل ، فلا يجب عليه الصبر إلى البلوغ حتى مع الأُجرة. ومن دليل «لا ضرر» حيث يستلزم قلعه الضرر على العامل ، باعتبار أنّ الزرع حينئذٍ إنما يباع بقيمة العلف خاصّة.

والصحيح هو الأوّل. والوجه فيه ما ذكرناه في غير مورد ، من أنّ دليل لا ضرر لما كان وارداً مورد الامتنان على العباد والرأفة على الأُمة ، لا يعمّ موارد استلزام رفع الحكم عن أحد تضرر غيره ، كما فيما نحن فيه. فإنّ شموله للمقام ، يستلزم تضرر المالك بقطع سلطنته على ماله ، وهو خلاف الامتنان. نظير ذلك إذا ما وقع مقدار من الحب المملوك لأحد في أرض غيره ، بفعل الريح أو الصبي أو المجنون ، أفهل يحتمل فيه أن يقال بأنّ لمالك البذر إلزام مالك الأرض بإبقاء الزرع في أرضه بالأُجرة ، باعتبار أنّ قلعه مستلزم لتضرره! فإنه مما لا نظن أن يقول به فقيه.

٣٠٨

وإن كان النزاع قبل نثر الحبّ ، فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما (١).

[٣٥١٨] مسألة ٢٦ : لو ادّعى المالك الغصب ، والزارع ادّعى المزارعة فالقول قول المالك (٢)

______________________________________________________

والحاصل أنّ العقد لما فرض في حكم العدم نتيجة للتحالف ، لم يكن وجه لإلزام مالك الأرض بإبقاء الزرع في أرضه بإزاء الأُجرة ، فإنّه منافٍ لسلطنته ، ودليل لا ضرر لا يشمل مثله.

هذا كله بالنسبة إلى أُجرة الأرض بالقياس إلى زمن ما بعد التحالف. وأما بالقياس إلى الفترة الماضية قبل التنازع فلم يتعرض لها (قدس سره) ، والظاهر أنّ حكمها حكم صورة التنازع بعد البلوغ وإدراك الحاصل ، فبناءً على ما اختاره (قدس سره) لا بدّ في المقام من القول بثبوتها أيضاً ، وبناءً على ما اخترناه فلا.

(١) يظهر حكم هذه الصورة ممّا ذكرناه في الصورة الاولى ، أعني التنازع بعد بلوغ الحاصل وإدراكه ، فإنّ الحكم هنا أوضح منه هناك. إذ لا وجه لعدِّ المقام من باب التداعي ، فإنّ العامل لا يلزم المالك بشي‌ء مطلقاً وإنّما هو يدّعي العارية ، ولما كانت دعواه هذه قبل الشروع في العمل ، فهو معترف بجواز العقد وصلاحية المالك لفسخه. وحيث إنّ المالك منكر له ، كفى ذلك في انفساخ ما يدّعيه العامل ، على تقدير ثبوته واقعاً.

ومن هنا فليس للعامل التصرّف في الأرض من حيث دعواه العارية ، حتى بناءً على صدقه واقعاً.

وعليه فتبقى دعوى المالك عليه المزارعة ، حيث يلزمه بالعمل في الأرض ، خالية عن المعارض. وبذلك فيكون من مصاديق المدّعى والمنكر ، ولا بدّ من إجراء أحكامه فإن أثبت مدعاه بالبيّنة أو اليمين المردودة فهو ، وإلّا فليس على العامل شي‌ء.

(٢) لأنّ وضع اليد على مال الغير والتصرّف فيه بغير إذنه ، محرم شرعاً وموجب للضمان. ومن هنا فعلى العامل في إسقاط الضمان على نفسه من إثبات مدّعاه ، وإلّا فعليه اجرة المثل ، لتصرفه في أرض الغير الذي لم يثبت كونه عن إذن المالك ، والأصل عدمه.

٣٠٩

مع يمينه على نفي المزارعة (١).

[٣٥١٩] مسألة ٢٧ : في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع ، هل يجوز له ذلك بعد تعلق الزكاة وقبل البلوغ؟ قد يقال بعدم الجواز ، إلّا أن يضمن حصتها للفقراء ، لأنه ضرر عليهم. والأقوى الجواز ، وحق الفقراء يتعلّق بذلك الموجود (٢) وإن لم يكن بالغاً.

[٣٥٢٠] مسألة ٢٨ : يستفاد من جملة من الأخبار (٣) أنه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية ، أن يسلمها إلى غيره ليزرع لنفسه ويؤدي خراجها عنه. ولا بأس به.

______________________________________________________

(١) على ما تقتضيه قواعد القضاء.

ثمّ إنّ تقييده (قدس سره) لسماع قوله بنفي المزارعة ، إنما هو من جهة انحلال ادّعاء المالك في الحقيقة إلى دعويين :

الاولى : دعوى عدم المزارعة ، وكون تصرف الزارع في أرضه تصرفاً بغير إذنه.

الثانية : دعوى كونه غاصباً ، وكون تصرّفه محرماً وعلى خلاف الموازين الشرعية.

فدعوى المالك للغصب إنما تسمع فيما يعود إلى الشقّ الأوّل خاصّة ، حيث إنّ التصرّف في مال الغير يتوقّف على إذنه ، وهو غير ثابت بل الأصل عدمه ، فيضمن العامل لُاجرة المثل لا محالة.

وأمّا فيما يعود إلى الشقّ الثاني ، فلا تسمع دعواه. ومن هنا فلا يعامل الزارع معاملة الغاصب ، فلا يحكم بفسقه ، كما لا يثبت عليه التعزير للغصب.

(٢) بمعنى أنّ حق الفقراء إنما تعلق بالمال بما هو هو وبما عليه من الحال ، أعني المال الذي لمالك الأرض حق قلعه. ومن هنا فلا يكون حقهم مانعاً من استعمال المالك لحقه ، وهو ظاهر.

(٣) ففي صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج ، فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها

٣١٠

مسائل متفرِّقة

[٣٥٢١] الأُولى : إذا قصّر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل ، فالظاهر ضمانه التفاوت (*) (١) بحسب تخمين أهل الخبرة ، كما صرّح به المحقق القمي (قدس سره) في أجوبة مسائله.

______________________________________________________

ويصلحها ويؤدي خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : «لا بأس» (١). ونحوها غيرها.

على أنّ الحكم على القاعدة ولا حاجة في إثباته إلى النص ، فإنّ حق الزراعة والعمارة ثابت لمن الأرض بيده فعلاً ، فله أن ينقله إلى غيره مجاناً ، أو بعوض معلوم أو الحصّة من الحاصل.

(١) وقد استشكل فيه بعضهم ، بدعوى أنه لا دليل على ضمان النقص إلّا قاعدة الإتلاف ، وهي تختصّ بالنقص الطارئ على المال الموجود بالفعل ، فلا تشمل صورة عمل العامل شيئاً يوجب قلة الحاصل ووجوده ناقصاً.

نعم ، في هذه الصورة يكون للمالك الخيار ، فإن فسخ رجع بأُجرة مثل أرضه ، وبدل بذره على تقدير كونه منه.

وفيه : أنّ ظاهر كلامه (قدس سره) وجود الزرع بالفعل وكون التقصير في تربيته خاصّة ، وهو موجب للضمان ، لأنّ الزارع بتقصيره في التربية قد أوجب نقصاً وعيباً في المال الموجود بالفعل ، وتلف الوصف كتلف العين موجب للضمان. إلّا أنّ حقّه لا ينحصر في ذلك ، فله فسخ العقد لتخلف العامل عن تربية الزرع.

__________________

(*) لا يبعد ذلك فيما إذا كان التقصير بعد ظهور الزرع ، وأمّا إذا كان التقصير قبل ظهوره فلا وجه له ، نعم للمالك حينئذ الفسخ والمطالبة بأُجرة المثل لمنفعة الأرض وقيمة البذر إذا كان البذر للمالك.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٠ ح ٢.

٣١١

[٣٥٢٢] الثانية : إذا ادّعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمان عقد المزارعة من بعض الشروط ، أو ادّعى عليه تقصيره في العمل على وجه يضرّ بالزرع ، وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه ، فالقول قوله لأنه مؤتمن في عمله (١). وكذا لو ادّعى عليه التقصير في حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنكر (٢).

[٣٥٢٣] الثالثة : لو ادّعى أحدهما على الآخر شرطاً متعلقاً بالزرع ، وأنكر أصل الاشتراط ، فالقول قول المنكر (٣).

______________________________________________________

والحاصل أنّ المالك في هذه الصورة بالخيار ، بين فسخه للعقد ، وبين إبقائه على حاله وتضمين العامل للوصف الفائت.

نعم ، لو كان التقصير قبل وجود الزرع وتحققه فالإشكال وارد ، فإنه ليس بمال بالفعل ، ومعه فلا موجب للضمان.

إذن فالصحيح في المقام هو التفصيل ، بين كون التقصير بعد خروج الزرع وتحققه فيضمن ، وبين كونه قبله فلا يضمن.

(١) خلافاً للقاعدة ، حيث تقتضي كون الإثبات على العامل ، إلّا أننا قد خرجنا عنها لوجود الدليل على تقديم قول العامل ، وهو مضافاً إلى ما يستفاد من جملة من النصوص من قبول قول الأمين وعدم مطالبته بالإثبات ما لم يثبت خلافه ، السيرة العملية القطعية المتصلة بعهد المعصومين (عليهم السلام) ، حيث جرى بناء العقلاء من المتشرعة وغيرهم على قبول قول الوكيل فيما هو وكيل فيه ، فتراهم يعتمدون على قوله في إجراء العقد إذا كان وكيلاً فيه ويرتبون عليه الأثر من غير أن يلزم بالإثبات.

وإلى هذا الدليل الكلمة المعروفة في ألسنتهم «من ملك شيئاً ملك الإقرار به».

(٢) لما تقدّم.

(٣) لكون الشرط أمراً زائداً على ما يقتضيه عقد المزارعة ، والأصل عدمه ، كما هو الحال في سائر العقود.

٣١٢

[٣٥٢٤] الرابعة : لو ادّعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة ، فعليه إثباته (١) وبعده له الفسخ (٢).

[٣٥٢٥] الخامسة : إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدة ، لزم ولا تبطل بالموت (٣). وأما إذا زارع البطن المتقدِّم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ، ثمّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدّة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين ، لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق (٤). كما أن الأمر كذلك في إجارته لها (٥).

لكن استشكل فيه المحقق القمي (قدس سره) بأنّ عقد المزارعة لازمة ، لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها ، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة ، مع أنهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدِّم ثمّ مات في أثناء المدة. ثمّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة ، فالتجأ إلى أن الإجارة أيضاً لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدّة ، وإن كان البطن اللّاحق يتلقى الملك من الواقف لا من السابق ، وأنّ ملكيّة السابق كانت إلى حين موته. بدعوى أنه إذا آجر مدة لا تزيد على عمره الطبيعي ومقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره ، فكما أنها في الظاهر محكومة بالصحة كذلك عند الشارع وفي الواقع فبموت السابق ينتقل ما قرره من الأُجرة إلى اللاحق ، لا الأرض بمنفعتها .... إلى

______________________________________________________

(١) إذ العقد بطبيعته الأوّلية يقتضي اللزوم ، وعدم جواز رفع اليد لكل منهما عنه. ومن هنا فعلى مدعي الغبن الإثبات ، لرجوع دعواه إلى ثبوت حق رفع اليد عما التزم به ، وفرض العقد كأن لم يكن.

(٢) على ما يقتضيه خيار الغبن.

(٣) فإنّ عقده نافذ عليهم ، لكونه مالكاً لذلك التصرّف بحسب توليته.

(٤) فيكون العقد بالنسبة إليهم فضولياً ، إن شاؤوا أجازوا وإلّا حكم ببطلانه.

(٥) على ما مرّ بيانه مفصلاً في كتاب الإجارة.

٣١٣

آخر ما ذكره من النقض والإبرام. وفيه ما لا يخفى (١). ولا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين.

[٣٥٢٦] السادسة : يجوز مزارعة الكافر ، مزارعاً كان أو زارعاً (٢).

______________________________________________________

(١) فإنّ الاستصحاب حكم ظاهري صرف لا يوجب أي تبديل في الواقع ، ومن هنا فلا مجال للتمسك به بعد انكشاف الخلاف وكون العقد واقعاً على ملك الغير ومتعلقاً به ، بل لا محيص عن الحكم ببطلانه.

ولذا لا يلتزم أحد بصحّة العقد فيما لو باع المالك داره ، مستنداً إلى استصحاب بقائه على ملكه ، ثمّ تبيّن بيع وكيله له قبل ذلك. فإنه لا يحتمل أن يقال بنفوذ عقد المالك على المشتري من الوكيل ، بحيث يكون الثمن المسمى في العقد له ، لمجرد أنه استند إلى الاستصحاب ، فإنّ بطلانه من أوضح الواضحات.

وأوضح منها في البطلان قياس المقام على موت المالك في أثناء مدة الإجارة ، فإنّ الذي ينتقل من المورث إلى الوارث إنما هو تركته. ومن هنا فإذا كان المورث قد استوفى المنفعة في حياته ، حيث يكون له ذلك لأنه مالك للمنافع إلى الأبد لا المنفعة ما دام حياً كما هو الحال في ملكيّة البطن الموجود لمنفعة العين الموقوفة ، بإجارته للعين فترة تزيد على حياته ، فلم تبق تلك المنفعة على ملكه كي تنتقل إلى الورثة ، فإنّ الانتقال إليهم فرع كونها مما تركه الميت ، وهو منتفٍ مع استيفائه لها في حياته.

وكيف كان ، فما أفاده المحقق القمي (قدس سره) يعد غريباً منه رحمه الله.

(٢) بلا إشكال فيه ، وتدلّ عليه مضافاً إلى إطلاقات الأدلّة كما هو الحال في سائر المعاملات من البيع والإجارة وغيرها ، موثقة سماعة ، قال : سألته عن مزارعة المسلم المشرك ، فيكون من عند المسلم البذر والبقر وتكون الأرض والماء والخراج والعمل على العلج ، قال : «لا بأس به» (١).

فيستفاد من فرض كون الأرض من الكافر صحة كونه مزارعاً للمسلم ، ومن فرض كون العمل عليه صحة كونه زارعاً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٢ ح ١.

٣١٤

[٣٥٢٧] السابعة : في جملة من الأخبار (١) النهي عن جعل ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث لصاحب الأرض ، وإنه لا ينبغي أن يسمّي بذراً ولا بقراً ، فإنما يحرم الكلام. والظاهر كراهته (٢) وعن ابن الجنيد وابن البراج حرمته (*) (٣) فالأحوط الترك.

[٣٥٢٨] الثامنة : بعد تحقّق المزارعة على الوجه الشرعي ، يجوز لأحدهما بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصّته (٤) بمقدار معين من جنسه أو غيره بعد التخمين بحسب المتعارف ، بل لا بأس به قبل ظهوره أيضاً (**) (٥). كما أنّ

______________________________________________________

(١) ففي صحيحة عبد الله بن سنان ، أنه قال في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر ، وثلث للبذر ، وثلث للأرض ، قال : «لا يسمّي شيئاً من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ، إن شئت نصفاً ، وإن شئت ثلثاً» (١).

وفي صحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزرع أرض آخر فيشترط للبذر ثلثاً وللبقر ثلثاً قال : «لا ينبغي أن يسمّي بذراً ولا بقراً ، فإنما يحرم الكلام» (٢). ونحوهما غيرهما.

(٢) لا وجه لهذا الظهور بعد صحة إسناد الروايات ووضوح دلالتها على المنع إلّا دعوى إعراض الأصحاب عنها ، لكنك خبير بعدم تمامية هذه الدعوى ، فإنه لا يوجب وهناً في الرواية ما لم يتمّ الإجماع القطعي على الخلاف.

(٣) ومال إليها صاحب الجوهر (قدس سره) (٣) وهو الصحيح لما عرفت.

(٤) فإنّه مالك لها بالفعل ، وله التصرّف فيها ونقلها إلى الغير كيف شاء.

(٥) وفيه ما لا يخفى. فإنّ الزرع قبل ظهوره أمر معدوم لا وجود له ، فلا يصلح للمصالحة عليه ، فإنها إنما تقع على المملوك دون غيره.

__________________

(*) وعن غيرهما أيضاً ، وهو الأظهر.

(**) فيه إشكال إلّا إذا كان مع الضميمة.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٨ ح ٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٨ ح ٦.

(٣) الجواهر ٢٧ : ٣٥.

٣١٥

الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصّته في هذه القطعة من الأرض بحصة الآخر في الأُخرى (١) بل الظاهر جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والأُخرى للآخر. إذ القدر المسلّم لزوم جعل الحصّة مشاعة من أوّل الأمر وفي أصل العقد (٢).

[٣٥٢٩] التاسعة : لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أوّل الأمر ، وفي السنة الاولى ، بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلّا بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أزيد (٣).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ مصالحة الموجود بالمعدوم محكومة بالفساد ، نظراً لاختصاصها بما يعدّ مالاً ويكون مملوكاً بالفعل.

نعم ، في خصوص بيع الزرع قبل ظهوره ، ثبت جوازه مع الضميمة بالنص الخاص ، فيكون تخصيصاً لحكم القاعدة ، كما هو الحال في بيع الآبق مع الضميمة. فيمكن إثبات الحكم في المقام والتزام جواز المصالحة على الزرع المعدوم بالفعل مع الضميمة بالأولوية القطعية ، فإنه إذا جاز بيعه كذلك جاز الصلح عليه بطريق أوْلى.

إذن فالصحيح هو التفصيل ، بين خلو العقد عن الضميمة فيحكم ببطلانه ، واقترانه بها فيحكم بصحته.

(١) فإنه وإن كان يعتبر في عقد المزارعة كون الحاصل مشتركاً ومشاعاً بينهما ، إلّا أنه وبعد الحكم بصحّة العقد وملكيّة كل منهما مقداراً من الناتج ، لا بأس بنقل حصّته إلى غيره وتقسيم المال المشترك بينهما بالصلح أو غيره ما لم يمكن ذلك قبل ظهور الزرع.

(٢) على ما تقدّم توضيحه.

(٣) فإنّ ذلك يرجع في الحقيقة إلى جعل العقد بعد الفترة المستثناة للإصلاح والتعمير أو غيرهما وكأنه لا عقد قبلها ، مع تسليم الأرض للزارع من الآن لينتفع بها وحده كشرط مأخوذ في العقد ، فإنه لا بأس به ما دام سائغاً ، حيث قد عرفت جواز الاشتراط فيها.

٣١٦

وعلى هذا إذا كانت أرض موقوفة (١) وقفاً عاما أو خاصاً وصارت بائرة ، يجوز للمتولي أن يسلمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقل أو أزيد حسب ما تقتضيه المصلحة ، على أن يعمرها ويزرعها إلى سنتين مثلاً لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل مشتركاً بالإشاعة بحصّة معيّنة.

[٣٥٣٠] العاشرة : يستحب للزارع كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحبّ بأن يقول : «اللهمّ قد بذرنا وأنت الزارع فاجعله حبّا متراكماً» (٢).

وفي بعض الأخبار : «إذا أردت أن تزرع زرعاً ، فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل (أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ) ثلاث مرّات. ثمّ تقول : بل الله الزارع ، ثلاث مرّات.

ثمّ قل : اللهمّ اجعله حبّا مباركاً وارزقنا فيه السلامة ، ثمّ انثر القبضة التي في يدك في القراح» (٣).

______________________________________________________

وممّا ذكرناه يظهر أنه لا وجه للإيراد عليه ، بأنّ اختصاص الزرع في الفترة المستثناة بالعامل ينافي وضع المزارعة ومبناها.

فإنّ عقد المزارعة إنما هو واقع في الحقيقة على الأرض بعد تلك المدّة ، وأما قبلها فلا مزارعة ، وكون الأرض في يد المزارع أمر خارج عن المزارعة ثبت بالاشتراط.

(١) لا وجه لتخصيص ذلك بالوقف ، كما يظهر من عبارته (قدس سره). فإنه يجوز في الملك الخاص أيضاً ، كما لو زارع المالك غيره على أن يكون الزرع بعد فترة محددة لإصلاح الأرض وتعميرها ، تكون الأرض فيها بيد الزارع بالاشتراط.

(٢) ورد ذلك في رواية شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (١).

(٣) كما ورد في رواية ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٥ ح ٣.

٣١٧

وفي خبر آخر : «لمّا اهبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب ، فشكا ذلك إلى جبرئيل ، فقال له جبرئيل : يا آدم كُن حرّاثاً ، فقال (عليه السلام) : فعلِّمني دعاء ، قال : قُل : اللهمّ اكفني مئونة الدّنيا وكلّ هول دون الجنّة ، وألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة» (١).

______________________________________________________

(١) رواه مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (١).

تمّ كتاب المزارعة ، وله الحمد والمنّة ، والحمد لله ربّ العالمين.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الجزء ، وسيتلوه كتاب المساقاة إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٥ ح ١.

٣١٨

كتاب المساقاة

٣١٩
٣٢٠