موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة (*) (١) وليس لصاحب الأرض على

______________________________________________________

(١) وفيه : أنّ تأثير الفسخ وإن كان من حينه ، إلّا أنّ معناه لما كان رفع العقد وفرضه كأن لم يقع بالمرّة ، كان مقتضاه إرجاع كلّ من الطرفين ما وصله من صاحبه إليه عيناً أو بدلاً. وحيث كان المختار في مبدأ الاشتراك هو حين خروج الزرع ، كان مقتضى الفسخ رجوع هذه الحصّة التي ملّكها مالك البذر إياه إليه ، كما يقتضيه فرض العقد كأن لم يكن ، فإنّ فرضه كذلك يعني كون الزرع بأكمله لمالك البذر بقانون التبعيّة.

نعم ، بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من كون مبدأ الاشتراك هو البذر يتم ما أفاده (قدس سره) من الاشتراك في الزرع ، فإنّ مالك البذر إنما ملّك صاحبه الحصّة منه ، ولم يملّكه الزرع وإنّما هو قد حصل في ملكه.

ومن هنا فإذا انفسخ العقد لم يكن لصاحب البذر المطالبة بالزرع الموجود بتمامه فإنّ حصّة صاحبه منه لم يكن هو قد ملّكها إياه كي يستردّها بالفسخ ، وإنّما الواجب على صاحبه ردّ البذر إليه. وحيث إنه ممتنع بعينه لتلفه نتيجة للزرع ، تعين عليه ردّه بمثله إن كان مثلياً ، وقيمته إن كان قيمياً. ولا أثر للفسخ حينئذٍ في كون الزرع لأحدهما خاصّة ، فإنه وعلى هذا التقدير لهما سواء أكان هناك فسخ أم لم يكن فإنّ الاشتراك في الزرع ثابت وعلى كلا التقديرين الفسخ وعدمه ، وحينئذٍ

فيجري ما ذكره (قدس سره) تفريعاً على ذلك من أحكام.

والحاصل أنّ ما ذكره (قدس سره) إنما يتم بناءً على ما ملكه من إيجاب عقد المزارعة كون البذر مشتركاً بين الطرفين ، بمعنى ملكيّة الطرف الآخر للحصة منه

__________________

(*) كيف يكون كذلك والفسخ يوجب ارتفاع العقد وفرضه كأن لم يكن ، وتأثير الفسخ وإن كان من حينه إلّا أنّه يوجب رجوع كل من العوضين أو ما بحكمهما إلى من انتقل عنه ، وعليه فبناءً على ما ذكرناه من حصول الشركة من حين خروج الزرع رجع الزرع إلى مالك البذر ، فإن كان هو العامل لزم عليه للمالك اجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض ومع ذلك كان المالك مخيّراً بين إبقاء الزّرع مجّاناً أو بالأُجرة وإلزام العامل بقلعه ، وإن كان هو المالك استحقّ العامل عليه اجرة المثل.

٢٨١

العامل أُجرة أرضه (١) ولا للعامل اجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ، لأن المفروض صحة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ. وأما بالنسبة إلى الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا اجرة أو معها ، ولهما التراضي على القطع قصيلاً. وليس

______________________________________________________

أيضاً ، فإنه حينئذٍ يكون الزرع مشتركاً بينهما ، سواء أحصل الفسخ أم لم يحصل.

وكان عليه (قدس سره) أن ينبه على رجوع البذر بتمامه بالفسخ إلى مالكه ، حيث إنه يوجب فرض العقد كأن لم يكن ، فيجب على آخذه إرجاعه إليه ، إلّا أنه لما لم يكن يمكن إرجاعه بعينه لتلفه ، تعين ردّه بالمثل أو القيمة ، كما هو الحال في سائر موارد الفسخ.

وبعبارة اخرى : إنّ حصّة الطرف الثاني من الزرع لا ترجع بالفسخ إلى مالك البذر ، فإنّه لم يملكه إياه وإنما أعطاه البذر خاصة ، وملك الطرف الثاني الزرع بقانون تبعية النماء للبذر. وعليه فإذا حصل الفسخ ، لم يجب على الطرف الآخر إلّا إرجاع ما أخذه من البذر ، وحيث إنه ممتنع بعينه ينتقل الأمر إلى البدل.

نعم ، بناءً على ما ذكرناه من كون مبدأ الاشتراك بينهما هو خروج الزرع ، فلا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدس سره) ، لما عرفت من أنّ المنقول من صاحب البذر إلى صاحبه إنما هو الزرع ، وهو قابل للرجوع إليه بالفسخ.

وهذه ثمرة واضحة بين المسلكين.

(١) فيه منع واضح ، يظهر وجهه مما تقدّم. فإنه لما كان الفسخ موجباً لرجوع كل مال إلى صاحبه وكأن العقد لم يكن ، كانت منافع الأرض للمالك لا محالة. وحيث إنّ العامل قد استوفاها بزرع بذره فيها على تقدير كون البذر منه فعليه ضمانها بأُجرة المثل.

نعم ، لو كان البذر للمالك لم يكن على العامل شي‌ء من جهة الأرض ، إلّا أنه لما لم يكن أقدمَ على العمل مجاناً وإنما أقدمَ عليه ليكون بإزاء ذلك الحصّة المعيَّنة من الحاصل ، وكان عمله صادراً عن أمر المالك وقد استوفى منافعه ، فعليه المالك أن

٢٨٢

للمزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضى المالك (١) ولو بدفع أُجرة الأرض ، ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع (٢). وللمالك مطالبة القسمة وإبقاء حصّته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصّته قصيلاً (٣).

هذا وأمّا على الوجهين الآخرين ، فالزرع الموجود لصاحب البذر (٤). والظاهر عدم ثبوت شي‌ء من اجرة الأرض أو العمل (٥) لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين ، وإن لم يحصل للمالك أو العامل شي‌ء من الحاصل ، فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية (٦).

______________________________________________________

يرجع إليه العامل ما يعادل بدل عمله ، أعني أُجرة مثله في تلك المدة.

والحاصل أنّ تأثير الفسخ وإن كان من حينه ، إلّا أن مدلوله إنما هو فرض العقد كأن لم يكن ، وعليه فيرجع كل شي‌ء إلى صاحبه.

لكن هذا لا يعني ذهاب حق الطرف الثاني هدراً ، فإنّ البذر إن كان للمالك أخذ تمام الزرع وضمن للعامل اجرة مثل عمله ، لأنه قد استوفاه بأمر منه لا مجاناً. وإن كان من العامل ضمن للمالك أُجرة أرضه.

(١) وقد ظهر الوجه فيه في المسألة السادسة ، فراجع.

(٢) لأنه قلع بحق.

(٣) ظهر الحال فيما تقدّم.

(٤) حالهما في ذلك حال الوجه الأوّل ، لعين ما مرّ. فإنّ الفسخ يوجب ارتفاع العقد وفرضه كأن لم يكن ، ومن هنا فيعود كل شي‌ء إلى محلّه الأوّل.

(٥) وقد عرفت ما فيه فلا نعيد.

(٦) قياس ما نحن فيه ، بصورة عدم حصول شي‌ء نتيجة لآفة سماوية أو أرضية قياس مع الفارق. فإنّ كلّاً من المتعاقدين لم يلتزم لصاحبه في العقد بشي‌ء زائداً على الاشتراك في الحاصل إن كان ، ومن هنا فليس لأحدهما مطالبة صاحبه بشي‌ء عند

٢٨٣

ويحتمل ثبوت الأُجرة عليه إذا كان هو الفاسخ (١).

فذلكة : قد تبيّن مما ذكرنا في طيّ المسائل المذكورة أنّ ههنا صوراً :

الاولى : وقوع العقد صحيحاً جامعاً للشرائط والعمل على طبقه إلى الآخر حصل الحاصل ، أم لم يحصل ، لآفة سماوية أو أرضية (٢).

الثانية : وقوعه صحيحاً مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدّة (٣) سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلاً.

الثالثة : تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختياراً أو لعذر خاص به (٤).

______________________________________________________

انتهاء أمر الزرع وعدم تحقّق شي‌ء نتيجة لآفة سماوية أو أرضية ، على ما يستفاد ذلك من النصوص الواردة في المقام مضافاً إلى الاتفاق ، فإنّ المستفاد منها قسمة ما يخرج من الأرض بينهما خاصّة ، ومن دون أن يكون لأحدهما على الآخر شي‌ء على تقدير العدم ، وأين هذا من الفسخ بالاختيار وفرض العقد كأن لم يكن!

(١) لاستيفاء المنفعة العائدة إلى غيره ، إما بالزرع في أرضه ، أو عمل الغير له فيضمنه لا محالة.

(٢) وقد ظهر حكمها مما تقدّم في صور الكتاب ، من أنّ عقد المزارعة عقد لازم يوجب اشتراك العامل وصاحب الأرض في الحاصل إن كان ، وإلّا فلا شي‌ء لأحدهما على الآخر.

(٣) وقد تقدّم حكمها في المسألة السابعة والتاسعة ، فراجع.

(٤) لم يظهر حكم هذه الصورة مما تقدّم منه (قدس سره) ، فإنه (رحمه الله) لم يتعرّض إليها فيما تقدّم.

ودعوى كون حكمها حكم ما لو ترك العامل العمل بالمرة ، مما لا وجه لها ، فإنّ الأمر ليس كذلك ، والمسألتان مختلفتان.

وكيف كان ، فالحكم في هذه الصورة هو ثبوت الخيار للمالك ، بين إجبار العامل

٢٨٤

الرابعة : تبين البطلان من الأوّل (١).

الخامسة : حصول الانفساخ في الأثناء ، لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامّة (٢).

السادسة : حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء (٣).

وقد ظهر حكم الجميع (*) في طي المسائل المذكورة ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

على إتمام العمل ، لما عرفت من اقتضاء عقد المزارعة جواز إلزام كلّ منهما للآخر بأداء ما عليه ، ولو بالرجوع إلى الحاكم الشرعي ، وإلّا فالعدول من المؤمنين ، وإلّا فبنفسه.

وبين فسخه للعقد. وحينئذٍ فإنْ كان البذر للعامل ، كان للمالك مطالبته بأُجرة الأرض للفترة الماضية ، ويأمره بالقلع بلا ضمان ، أو إبقائه مجاناً أو بأُجرة ، مع التراضي بالنسبة إلى الآتي.

وإن كان للمالك ، رجع بتمامه إليه. وفي مثله لا يبعد الالتزام بعدم وجوب شي‌ء عليه للعامل ، فيقال بذهاب عمله هدراً ، لأنه الذي فوّته على نفسه بترك الإكمال.

والوجه فيه أنّ الضمان في هذه الموارد إنما كان بملاك صدور العمل عن أمر الغير لا مجاناً ، وأنّ هذا الملاك غير متوفر فيما نحن فيه ، فإنّ عمل العامل هذا لم يصدر عن أمر صاحب البذر ، فإنه إنما أمره بالعمل مستمراً إلى الآخر ، وأما العمل الناقص فلم يكن مأموراً به من قبله ، فلاحظ.

وسيأتي مزيد توضيح لذلك عند التعرض لنظير هذه المسألة في المساقاة.

(١) وقد عرفت حكمها في المسألة الرابعة عشرة.

(٢) وقد تقدّم حكمها في المسألة السادسة عشرة.

(٣) وقد عرفت حكمها في المسألة السابعة عشرة.

__________________

(*) لم يظهر حكم الصورة الثالثة ممّا تقدّم ، وأنّ حكمها حكم الصورة الثانية.

٢٨٥

[٣٥١٠] مسألة ١٨ : إذا تبيّن بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة فمالكها مخير بين الإجازة ، فتكون الحصّة له ، سواء كان بعد المدّة أو قبلها في الأثناء أو قبل الشروع في الزرع ، بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل للإجازة (١).

وبين الردّ. وحينئذٍ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال (٢) وإن كان بعد التمام فله اجرة المثل لذلك الزرع (٣) وهو لصاحب البذر (*). وكذا إذا كان في

______________________________________________________

(١) كما لو غصبت المرأة أرضاً ، وزارعت رجلاً اشترط عليها في ضمن العقد التزوج منه. أو غصب الطبيب أرضاً ، وزارع غيره واشترط عليه مباشرته لعلاج مريض. إلى غير ذلك من الشروط التي لا يبقى معها مجال لإجازة المالك ، ومن ثم لا يمكن الحكم بالصحة ، لأنها مع الإجازة إما أن تكون مع الشرط أو لا معه.

والأوّل ممتنع ، لفرض عدم قابليته للإجازة. والثاني لا مجال للمصير إليه ، لأنّ العقد إنما أُنشئ مقيّداً به ، فلا يمكن تصحيحه من دونه ، فإنّ المطلق لم ينشأ.

والحاصل أنّ هناك من الشروط ما لا يمكن الوفاء به بالقياس إلى المالك الحقيقي وحينئذٍ فلا محيص عن الحكم بالبطلان ، وعدم قابلية العقد للحوق الإجازة.

(٢) فإنّه يحكم ببطلان العقد ، ولا شي‌ء لأحدهما على الآخر ، لعدم تحقّق ما يوجبه.

(٣) وتفصيل الكلام في المقام :

أنّ الأرض قد يفرض كونها بيد الغاصب وتحت سلطنته ، بحيث يكون هو الآمر لغيره بزرعها. وقد يفرض كونها بيد غيره جهلاً بالحكم ، أو مع العلم بالحال ، فيكون هو المزارع لغيره دون الغاصب.

وعلى التقديرين ، فقد يكون البذر من العامل ، وقد يكون من الآمر.

أما إذا كانت الأرض بيد الغاصب وتحت سلطانه ، كان للمالك تضمين كل من

__________________

(*) لكنّه إذا كان للمزارع يرجع الزارع إليه بأُجرة عمله.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الآمر والعامل ، لتعاقب يديهما على ملكه ، فله الرجوع على أيهما شاء.

ثمّ لو كان البذر للعامل كان النتاج بعد الحكم بفساد العقد بتمامه له ، لقانون تبعية النماء للبذر.

وحينئذٍ فلو رجع عليه المالك بأُجرة الأرض ، لم يكن له الرجوع على الغاصب الآمر بها ، وإن كان هو ضامناً أيضاً وللمالك الرجوع عليه مباشرة. وذلك لأنّ العامل لم يقدم على أخذ الأرض من صاحبه مجاناً ومن دون الضمان ، وإنما أقدم عليه بإزاء إعطاء الحصّة المعيّنة من النماء له. وحيث إنها لم تسلم له لحكم الشارع بفساد العقد ونظراً لاستيفاء العامل المنفعة ، يُلزم بدفع اجرة المثل.

ومن هنا يظهر حكم ما لو رجع المالك على الغاصب فباشره وألزمه بدفع اجرة المثل عن أرضه ، فإنّ له الرجوع على العامل وأخذها منه ، لاستقرار الضمان عليه نظراً لاستيفائه منفعة الأرض بعد الإقدام على أخذها مع الضمان.

وإن كان البذر للغاصب ، فالأمر كذلك أيضاً. فإنّ النماء لصاحب البذر بقانون التبعية ، والمالك مخيّر في الرجوع بعوض منافع أرضه أُجرة مثلها بين الرجوع عليه أو الرجوع على العامل ، على ما يقتضيه قانون تعاقب الأيدي على المال المغصوب.

ومن هنا فإنْ رجع على الآمر لم يكن له الرجوع على العامل ، فإنّ الضمان مستقر عليه ، لأنه إنما سلّمها إليه على أن لا يكون عليه شي‌ء ، فهو قد أقدم على أخذها مجاناً وبإزاء لا شي‌ء عليه ، بل على أن يكون له النصيب المعين من النماء.

فهو العامل لم يتعهّد للمالك بشي‌ء كي يقال بضمانه لإقدامه على أخذها لا مجاناً بل الأمر بالعكس من ذلك تماماً ، فإنه إنما أقدم على أن يكون له شي‌ء من مال صاحب البذر الحصّة من النماء.

ومن هذا يظهر أنّ للعامل الرجوع على صاحب البذر ومطالبته بأُجرة عمله ، لأنه قد صدر عن أمره لا مجاناً ، حيث كانت بإزائه الحصّة من الزرع ، فإذا لم تسلم له نتيجة للفساد ، تعيّن دفع اجرة مثل العمل له.

والحاصل إنّ استقرار الضمان إنما يكون على الذي سلّم الأرض إلى صاحبه بعنوان

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المجانية ، حيث ذكرنا في مبحث تعاقب الأيدي أنّ الذي يخسر نتيجة لأخذ المالك منه البدل ، يملك المال التالف ببناء العقلاء ، ولذا يكون له الرجوع على الذي بعده إلى أن يستقر على الذي استوفاه وتلف عنده ، ما لم يكن قد سلّمه إليه بعنوان المجانية ، فإنه حينئذٍ لا حقّ له في الرجوع عليه.

ثمّ إنّ مما ذكرناه يظهر حكم ما لو رجع المالك على العامل مباشرة ، فإنّ له الرجوع على الغاصب صاحب البذر بأُجرة مثل عمله مضافاً إلى ما غرمه للمالك.

هذا كله فيما إذا كانت الأرض بيد الغاصب وتحت سلطانه. وإلّا كما لو كان المزارع قد استلمها من غيره ، فليس للعامل الرجوع عليه فيما إذا كان البذر له العامل بما غرمه للمالك من اجرة الأرض ، ما لم يكن مغروراً من قبله إجماعاً ، فإنّ الأرض لم تقع تحت يده كي يلزمه ضمانها بأُجرة مثلها. وأما إذا كان مغروراً من قبله ، فقد قيل بأنّ له الحق في الرجوع عليه لقاعدة الغرور ، إلّا أنك ستعرف قريباً أنه لا أساس لهذه القاعدة يعتمد عليه.

ثمّ إن هذا كله من جهة ضمان الأرض والبذر ، وأما ضمان العمل فلم يتعرض له الماتن (قدس سره). والحق فيه أن يقال : أما إذا كان البذر للعامل ، فلا يضمن له أحد بإزاء عمله شيئاً ، لأنه إنما كان لنفسه ومجاناً ، وقد استوفى منافعه أيضاً حيث كان النتاج له. ومن هنا فلا معنى لأن يرجع به على غيره.

وإن كان البذر للآمر ، فلا يذهب عمل العامل فيه هدراً ، لأنه عمل مسلم محترم صدر عن أمر الغير بإزاء الحصّة المعيّنة من الحاصل فلم يكن مجانياً ، وقد استوفاه الآمر فلا بدّ من ضمانه.

إلّا أن مقدار الضمان يختلف باختلاف الفرض.

فقد يفرض أنه ليس للعامل إلّا العمل المجرّد ، بأن يكون المالك قد رجع عليه بأُجرة مثلها ، أو يكون قد رجع على العامل لكنه قد رجع عليه وأخذها منه.

وحينئذٍ فلا يكون له إلّا قيمة العمل المجرد فقط ، يرجع بها على الآمر الذي استوفى المنافع بأكملها بما في ذلك الحصّة المجعولة للعامل ، نظراً لفساد العقد.

٢٨٨

الأثناء (١) ويكون بالنسبة إلى بقية المدّة الأمر بيده فإمّا يأمر بالإزالة ، وإما يرضى بأخذ الأُجرة ، بشرط رضا صاحب البذر. ثمّ المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسره على غارّه (*) (٢) ومع عدم الغرور فلا رجوع.

______________________________________________________

وقد يفرض أنّ للعامل العمل في الأرض المضمونة عليه ، بأن يكون المورد من الموارد التي لا يكون له حق الرجوع بأُجرة مثل الأرض التي غرمها للمالك على الآمر ، نظراً لعدم كونها تحت يده.

وحينئذٍ فله الرجوع على الآمر بقيمة العمل الواقع في أرض مضمونة عليه وتكون مسؤوليتها عليه.

وهذه القيمة تزيد على قيمة العمل المجرّد طبعاً ، وبهذه الزيادة تتدارك خسارة العامل التي خسرها للمالك ، أعني أُجرة مثل الأرض ، وإن لم يكن له الرجوع بها بعنوانها على الآمر.

والحاصل أنّ قيمة العمل في هذا الفرض ، تتدارك خسارة العامل من جهة أُجرة الأرض لا محالة ، وإن لم يكن ذلك بهذا العنوان مباشرة.

(١) الكلام في هذه الصورة هو الكلام في صورة تبين الفساد بعد التمامية. فإنّ للمالك مطالبة من له الزرع بأُجرة مثل أرضه عن الفترة السابقة. وله الخيار بالنسبة إلى الفترة الباقية ، بين أمره بالقلع وتفريغه أرضه من غير ضمان لأنه إلزام بحق حيث لم يكن الزرع بإذنه ، وبين إبقائه مع الأُجرة ، كما ليس لصاحبه إلزامه بذلك.

وأما الزرع فهو تابع في الملكيّة للبذر ، على ما تقدّم بيانه.

وكذا الحال في اجرة العمل ، فإنّ الكلام فيه هو الكلام في الفرض السابق.

نعم ، لو طالب مالكُ الأرض مالكَ البذر بالقلع وتضرر بذلك ، كان له في فرض الغرر الرجوع إلى الغار ، بناءً على تمامية قاعدة الغرور ، وإلّا بأن لم يكن غرور ، أو لم تتمّ قاعدة الغرور فلا رجوع له على أحد ، لعدم الموجب له.

(٢) لقاعدة الغرور.

__________________

(*) لا فرق في جواز الرجوع وعدمه بين فرض الغرور وعدمه.

٢٨٩

وإذا تبيّن كون البذر مغصوباً ، فالزرع لصاحبه (*) (١) وليس عليه أُجرة الأرض

______________________________________________________

لكنّنا قد ذكرنا في مبحث المكاسب أن هذه القاعدة وإن اشتهرت في ألسن الأصحاب وكلماتهم ، إلّا أنها مما لا أساس لها بالمرّة ، فإنّ أسباب الضمان معدودة محدودة وليس منها الغرور.

وكلمة «المغرور يرجع على من غرّ» لم ترد حتى في رواية ضعيفة فضلاً عن المعتبرة.

نعم ، قد يستند فيها إلى رواية محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته ، فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوّجني ابنتك ، فزوّجه غيرها فولدت منه ، فعلم بها بعد أنها غير ابنته وأنها أمة ، قال : «ترد الوليدة على مواليها والولد للرجل ، وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه» (١). حيث إنّ ظاهر التعليل كون التدليس موجباً للضمان.

إلّا أن هذه الرواية ، وإن عُبِّر عنها بالصحيحة في كلمات بعضهم ، ضعيفة السند بمحمد بن سنان حيث لم يثبت توثيق الرجل.

إذن فهي ساقطة عن الاعتبار ، ولا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء. وحيث لا دليل غيرها على القاعدة ، فلا مجال للاستدلال بها.

(١) على ما تقتضيه قاعدة تبعية الحاصل للبذر.

إلّا أنه من غير الخفي أنه إنما يتمّ فيما إذا لم يطالب صاحب البذر الغاصب ببدل بذره التالف نتيجة للزرع ، فإنه له ذلك على ما تقتضيه قاعدة الضمان. وإلّا فالذي يغرم للمالك قيمة البذر ، يملك وبالسيرة القطعية البذر التالف قهراً ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة. وحينئذٍ فيكون الزرع له دون صاحبه.

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يؤدّ بدله.

(١) الوسائل ، ج ٢١ كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب ٧ ح ١.

٢٩٠

ولا اجرة العمل (١). نعم ، إذا كان التبيّن في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة (٢).

هذا إذا لم يكن محل للإجازة كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلّي لا المشخص في الخارج أو نحو ذلك أو كان ولم يجز. ولو كان له محلّ وأجاز ، يكون هو الطّرف للمزارعة (*) (٣) ويأخذ الحصّة التي كانت للغاصب.

______________________________________________________

(١) لعدم صدور العمل عن أمره ، كما هو واضح.

(٢) على ما تقتضيه قاعدة السلطنة بعد وقوع الفعل من دون إذنه.

(٣) هذا فيما إذا كان البذر مذكوراً في عقد المزارعة مستقلا بحيث يكون صاحبه طرفاً للعامل ، كما إذا كان البذر على العامل وقد زارع غيره في حصّته على أن يكون البذر على الغير. أو للمالك ، كما لو بذل أحد البذر وزارع غيره على أن يكون الأرض والعمل والعوامل من الغير ، ثمّ بانَ كون البذر المبذول من الطرف الأوّل مغصوباً ، فإنّ مالكه يكون طرفاً لصاحب الأرض في المعاملة. أو لهما معاً ، بأن يكون من أحدهما الأرض ، ومن الآخر العمل والعوامل ، ومن الثالث البذر خاصة ، بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من صحة عقد المزارعة بين أكثر من اثنين.

فإنه وعلى تقدير تبين الفساد بانكشاف غصبية البذر ، يصبح ملكه بالإجازة للمعاملة.

وأما في غير هذه الصورة ، كما لو زارع المالك غيره على أن يكون البذر من الثاني فغصب البذر من غيره وزرع ، فلا مجال لإجازة مالك البذر المعاملة ، لأنه ليس بطرف للعقد ، ويعتبر في صحة العقد الفضولي بالإجازة أن يكون المجيز طرفاً له.

__________________

(*) هذا إذا كان باذل البذر طرفاً للعقد مع العامل أو مالك الأرض بل مع كليهما أيضاً بناءً على القول بصحّة عقد المزارعة بين الأكثر من اثنين ، وأمّا إذا كان العقد بين المالك والعامل مع اشتراط البذر على الثاني فلا محلّ للإجازة كما هو ظاهر ، وبذلك يظهر الحال فيما إذا كانت العوامل أو نحوها مغصوبة وكان صاحب العوامل طرفاً للمعاملة.

٢٩١

وإذا تبيّن كون العامل عبداً غير مأذون فالأمر إلى مولاه (١). وإذا تبيّن كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة (٢) ولصاحبها اجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة (٣).

وفي بعض الصور (٤) يحتمل جريان الفضولية وإمكان الإجازة ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

والحاصل أنّه لا مجال للمساعدة على إطلاق كلام الماتن (قدس سره) من صحة العقد بالإجازة إذا كان البذر مشخَّصاً ، فإنه قد يكون مورداً للإجازة كما في الصور الأُوَل المتقدِّمة ، وقد لا يكون مورداً لها كما في الصورة الأخيرة.

فالصحيح هو التفصيل ، بين ما إذا كان باذل البذر طرفاً للمعاملة فيصحّ العقد بالإجازة ، وعدمه فلا يصح.

(١) إن شاء أجاز ، وإن شاء فسخ. فإن فسخ بطلت المعاملة ، وإن أجاز كانت المزارعة له. وعلى الأوّل يستحق على المستفيد اجرة مثل العمل ، لكونه قد استوفى منفعة ملك الغير.

(٢) يظهر الحال فيه مما تقدّم. فإنّ الغصب في جميعها لا يضرّ بصحّة المعاملة ، فإنها إنما تتحقق بإباحة البذر والأرض ، وأما غيرهما فهو يرجع إلى المقدمات ، ولا أثر لها في الحكم بالصحة.

والحاصل انّ الغصبية في هذه الأُمور لا تضرّ بالصحة ، فإنّ الجعل إنما عين على الزرع ، وهو إنما يتحقق بالأرض والبذر ، وما عداهما يرجع إلى مقدمات التحصيل ولا أثر لها.

(٣) على ما تقتضيه قاعدة الضمان.

(٤) كما لو فرض وقوع العقد مع باذل هذه الأُمور بحيث يكون طرفاً فيه ، حيث تقدّم جواز كون أحد الأركان الأربعة خاصة على أحدهما والباقي على الآخر. فلمالك هذه الأُمور حينئذٍ أن يمضي المعاملة ويكون طرفاً لها ، كما هو الحال في مالك البذر بعينه.

٢٩٢

[٣٥١١] مسألة ١٩ : خراج الأرض على صاحبها (١). وكذا مال الإجارة إذا كانت مستأجرة (٢).

______________________________________________________

والحاصل أنه يختلف الحال في المسألة ، بين كون مالك المغصوب طرفاً مستقلا للعقد فتصحّ منه الإجازة ، وعدمه فلا تصحّ.

ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) لم يتعرّض لُاجرة الأرض وأُجرة العمل بالنسبة إلى المتعاملين عند عدم إمضاء مالك البذر للعقد. والحق في المقام أن يقال : إنّ الغصب قد يكون منهما معاً ، بحيث يتفقان على غصب البذر من ثالث على أن ينثر في أرض أحدهما ويعمل فيه الآخر ليشتركا في الحاصل. ففيه لا شي‌ء لأحدهما على صاحبه إطلاقاً ، فإنّ كلا منهما إنما أقدم على بذل ما عليه مجاناً ومن غير عوض بإزاء اقتسامهما لمال الغير ، أعني الحاصل التابع في الملكيّة للبذر ، فلم يضمن أحدهما لصاحبه شيئاً في ضمن العقد كي يكون لصاحبه الرجوع عليه.

وإن كان الغصب من أحدهما خاصة ، فإن كان هو مالك الأرض بأن غصب البذر من غيره وسلّمه إلى العامل ليزرعه في أرضه بإزاء النصيب المفروض ، فعليه للعامل اجرة مثل عمله ، حيث إنه لم يصدر منه مجاناً وإنما وقع عن أمره بإزاء الحصّة المعيّنة وحيث إنها لم تسلم له لفساد العقد وأخذ المالك للنتاج ، ينتقل إلى أُجرة المثل لا محالة.

وليس للعامل الرجوع على مالك البذر بأُجرة مثل عمله ، ولا لمالك الأرض الرجوع عليه بأُجرة مثل أرضه ، حيث لم يكن شي‌ء من العمل عن أمره.

وإن كان هو العامل ، بأن غصب البذر وزارع مالك الأرض على الحصّة المعيّنة كان لمالك الأرض تغريمه بأُجرة مثل أرضه ، حيث إنّه لم يقدم على استيفاء منفعتها مجاناً وبلا عوض ، فتكون مضمونة عليه لا محالة.

(١) بلا خلاف فيه ، لأنه موضوع على الأرض ، وجواز التصرّف فيها وإمكانه خارجاً متوقِّف على أدائه.

وبالجملة فالمسألة إجماعيّة ، وتدلّ عليها النصوص صريحاً ، على ما سيأتي.

(٢) فإنّ العامل أجنبي عنه بالمرة ، وعلى باذلها تسليم الأرض للعامل خالية عن

٢٩٣

وكذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان (١) وما يؤخذ لتركها في يده (٢). ولو شرط كونها على العامل بعضاً أو كلّاً صحّ (٣) وإن كانت ربّما تزاد وربّما تنقص ، على الأقوى ، فلا يضرّ مثل هذه الجهالة ، للأخبار (٤).

______________________________________________________

جميع ما يترتّب عليها ويمنع العامل من مزاولة العمل.

(١) لعين ما تقدّم.

(٢) إذ لا فرق فيما ذكرناه ، من لزوم تسليمها خالية عن جميع ما يترتب عليها ، بين الحدوث والبقاء.

(٣) لما عرفته في صدر الكتاب من صحة الاشتراط في عقد المزارعة ، حتى ولو كان ذلك مقداراً من الذّهب أو الفضّة.

وهذا كله مضافاً إلى دلالة النصوص ، على ما ستعرفها في التعليقة الآتية.

(٤) ففي صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في الرجل تكون له الأرض عليها خراج معلوم وربّما زاد وربّما نقص ، فيدفعها إلى الرجل على أن يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم في السنة ، قال : «لا بأس» (١).

ومثلها صحيحة يعقوب بن شعيب (٢).

ومورد هاتين الصحيحتين وإن كان الإجارة ، إلّا أن ثبوت الحكم فيها ، مع كونها مبنية على تعيين العوضين الأُجرة والمنفعة ، يقتضي ثبوته في المزارعة المبنيّة على الجهالة في الجملة.

وأوضح منها صحيحة يعقوب بن شعيب الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج ، فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدّي خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : «لا بأس» (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٧ ح ١.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٠ ح ٢.

٢٩٤

وأمّا سائر المؤن كشقّ الأنهار ، وحفر الآبار ، وآلات السقي ، وإصلاح النهر وتنقيته ، ونصب الأبواب مع الحاجة إليها والدولاب ، ونحو ذلك مما يتكرّر كل سنة أو لا يتكرّر فلا بدّ من تعيين كونها على المالك أو العامل (١) إلّا إذا كان

______________________________________________________

فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الخراج الذي اشترط عليه أداءه معلوماً مضبوطاً ، وكونه ربما يزيد أو ينقص ، ولعله يكون هو المتعارف خارجاً ، على ما يستفاد من الصحيحتين الأُوليين.

هذا ومع قطع النظر عن النصوص ، يدلّنا عليه اختصاص اعتبار عدم الغرر بالبيع فقط ، إذ لا دليل على اعتباره في سواه ، لا سيما في الشروط ، إذا لم يسر الغرر منه إلى المشروط.

بل حتى ولو قلنا باعتبار عدمه فيها أيضاً ، فإنّ الجهالة في مثل هذه الأُمور التي لها ضابط خارجي معين ، لا يعدّ غرراً عرفاً. فإنّ استيجار الدار بشرط أن تكون الضريبة على المستأجر ، لا يعدّ معاملة غررية لمضبوطية مقدارها وإن لم يعلمه المتعاملان بالفعل ، فإنّ الزيادة والنقيصة في هذه الموارد مغتفرة ، ولا تبلغ عادة حدّ الغرر.

(١) خلافاً للشرائع ، حيث جعلها على العامل مع عدم الاشتراط (١) وتبعه عليه غيره (٢). بدعوى أنه لما كان العمل واجباً عليه ، وجب عليه تحصيلها مقدمة لأداء الواجب عليه.

وفيه : ما عرفته في كتاب الإجارة ، من أنّ كيفية وجوب العمل ونحوه من حيث الإطلاق والاشتراط تابع للجعل والقرار ، فليس هناك وجوب مطلق ابتداءً وبحسب جعل الشارع المقدس في المقام خارجاً عن اتفاق المتعاملين ، بل الأمر بيدهما من هذه الجهة تماماً.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٧٥.

(٢) المسالك ٥ : ٢٤.

٢٩٥

هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها (١).

وأمّا ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غير الخراج ، فليس على المالك (٢) وإن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض.

[٣٥١٢] مسألة ٢٠ : يجوز لكلّ من المالك والزارع أن يخرص على الآخر (٣) بعد إدراك الحاصل بمقدار (٤) منه ، بشرط القبول والرِّضا من الآخر (٥) لجملة من

______________________________________________________

فقد يجعل وجوب العمل على الزارع على نحو يقتضي قيامه بمقدماته أيضاً ، فيكون من قبيل الواجب المطلق. وقد يجعل على نحو لا يقتضي إلّا قيامه بالعمل في المواد المستحضرة من قبل المالك ، كما هو المتعارف في البناء ، حيث لا يجب على العامل إلّا العمل في المواد التي يحضرها المالك ، فيكون من قبيل الواجب المشروط.

ومن هنا فلا يمكن إعطاء ضابط كلّي لمن يكون عليه تهيئة المقدمات خارجاً عن قرار المتعاقدين واتفاقهما ، فيجب عليهما التعيين ، وإلّا بطل العقد.

(١) حيث يكون الاعتماد عليها في مقام الاتفاق والعقد نوعاً من التعيين ، فيغني عن الذكر صريحاً.

(٢) إذ لا يجب عليه تدارك ما ورد على العامل من ظلم وضرر ، فإنه أجنبي عنه بالمرة.

نعم ، لو أخذ الغاصب من عين الحاصل حسب عليهما معاً ، لأنه ضرر توجه عليهما ، ومن غير اختصاص لأحدهما به دون صاحبه.

(٣) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، إلّا من ابن إدريس حيث منع منه (١) لبعض الوجوه الآتية.

(٤) لكونه من العقود.

(٥) على ما سيأتي بيان الوجه فيه.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٤٥٠.

٢٩٦

الأخبار (١) هنا وفي الثمار ، فلا يختصّ ذلك بالمزارعة والمساقاة (٢) بل مقتضى الأخبار جوازه في كل زرع مشترك أو ثمر مشترك (٣). والأقوى لزومه بعد القبول (٤) وإن تبيّن بعد ذلك زيادته أو نقيصته ، لبعض تلك الأخبار ، مضافاً إلى العمومات العامّة. خلافاً لجماعة.

______________________________________________________

(١) كصحيحة يعقوب بن شعيب في حديث قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر ، إما ان تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلاً مسمى ، وتعطيني نصف هذا الكيل إما زاد أو نقص ، وإما أن آخذ أنا بذلك ، قال : «نعم ، لا بأس به» (١).

(٢) على ما يظهر ذلك من صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدِّمة ، حيث لم يفرض فيها كون ذلك في المزارعة أو المساقاة ، أو حصل الاشتراك نتيجة لإرث أو شراء أو غيرهما.

هذا ولو تنزلنا عن دلالة النصوص ، فيكفينا في الإثبات كون الحكم على القاعدة فإنّ أمر المال المشترك بينهما لأيّ سبب كان لا يعدوهما بل هو بيدهما ، فلهما أن يقسماه بالتراضي كيف شاءا.

(٣) لما تقدّم.

(٤) كما هو الحال في سائر موارد القسمة ، كتقسيم الإرث بالتراضي ، فإنه يمنع من الرجوع ومطالبة الشركة ، فإنّ المال وبالتقسيم قد خرج من الاشتراك إلى الاختصاص ، ومعه فلا يجوز لهما الرجوع ، لأصالة اللّزوم في كل عقد بمقتضى وجوب الوفاء بالعقد ، ودليل صحته ، فإنّ إطلاقه على ما عرفته غير مرّة يقتضي اللّزوم وعدم جواز الفسخ لكل من المتعاقدين.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب التجارة ، أبواب بيع الثمار ، ب ١٠ ح ١.

٢٩٧

والظاهر أنه معاملة مستقلّة (١) وليست بيعاً (٢) ولا صلحاً معاوضياً (٣). فلا يجري فيها إشكال اتحاد العوض والمعوض (٤) ولا إشكال النهي عن المحاقلة والمزابنة (٥) ولا إشكال الرِّبا (٦) ولو بناءً على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع وجريانه في مطلق المعاوضات ، مع أن حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون (٧).

ومع الإغماض عن ذلك كلّه يكفي في صحتها الأخبار الخاصة. فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبت بالنصوص ، واتسم بالتقبّل. وحصر المعاملات في المعهودات ممنوع (٨).

______________________________________________________

(١) لأنها إنما تتضمن إخراج المال من الإشاعة والاشتراك إلى الإفراز والاختصاص.

(٢) كما يشهد له الفهم العرفي.

(٣) نعم ، الصلح بمعناه اللغوي صادق عليه ، فإنه أيضاً متضمن للتسالم والاتفاق إلّا أنه غير مختص به ، فإنه وبهذا المعنى صادق على جميع المعاملات.

(٤) فإنه لا بيع في المقام كي يستلزم اتحاد العوض والمعوض.

وعلى تقدير تحقق البيع فلا استلزم ، إذ العوض إنما هو من حصّة أحدهما والمعوض من حصّة الآخر ، فكل منهما يتنازل لصاحبه عن حصّته المشاعة في جزء معين من المال ، بإزاء تنازل صاحبه له عن حصّته المشاعة في الجزء الآخر.

(٥) فإنهما من بيع الثمر من النخيل أو السنبل من الحنطة بالحاصل من ذلك النخل والزرع ، وأين هما مما نحن فيه من إخراج المال المشترك بينهما من الاشتراك إلى الإفراز والاختصاص؟.

(٦) لاختصاصه بالمعاوضات والمقام ليس منها ، كما عرفت.

(٧) وحرمة الربا مختصة بهما.

(٨) على ما تقدّم منا بيانه في مباحث المكاسب ، كالمبادلات المالية. فإنّ تبديل

٢٩٨

نعم ، يمكن أن يقال : إنها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي. فكأنهما يتسالمان على أن تكون حصّة أحدهما من المال المشترك كذا مقداراً والبقية للآخر ، شبه القسمة أو نوع منها. وعلى ذلك يصحّ إيقاعها بعنوان الصلح على الوجه المذكور ، مع قطع النظر عن الأخبار أيضاً ، على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض ، وعلى هذا لا يكون من التقبيل والتقبل.

ثمّ إنّ المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة ، بل يكفي كلّ لفظ دالّ على التقبل ، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة أصلاً ، فيكفي فيها مجرّد التراضي (*) (١) كما هو ظاهر الأخبار.

والظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل وإدراكه (٢) فلا يجوز قبل ذلك. والقدر المتيقن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك

______________________________________________________

العباءة بالكتاب مثلاً ، معاملة عقلائية وليست هي من البيع ، حيث لا يختص فيها نظر أحدهما إلى المالية والآخر إلى الخصوصية ، كي يعتبر الأوّل بائعاً والآخر مشترياً فإنّ نسبتها إليهما على حدّ سواء.

(١) مع وجود مبرز له في الخارج ، كي يتمّ معنى الإنشاء والعقد ، على ما بيّناه في محلّه من الأُصول.

(٢) لا لكونه مورد النصوص ، إذ قد عرفت أنّ الحكم على القاعدة ولا حاجة فيه إلى النص ، وإنما لاقتضاء القاعدة ذلك ، فإنّ صحة تقسيم المعدوم تحتاج إلى الدليل لأنه إنما يتعلق بأمر موجود بالفعل ، فلا أثر للتقسيم قبل تحقق العنوان ، وصدق كونه حنطة أو شعيراً أو غيرهما بلحاظ حال التحقق.

نعم ، لو فرضنا إرادتهما تقسيم الزرع الموجود بالفعل ، بناءً على ما اخترناه من كون مبدإ الشركة بينهما هو زمان تحقّق الزرع ، فلهما ذلك ، وتكون صحة القسمة على

__________________

(*) إذا كان له مبرز في الخارج.

٢٩٩

الزّرع (١) فلا يصحّ الخرص وجعل المقدار في الذمة من جنس ذلك الحاصل. نعم لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح ، على الوجه الذي ذكرنا ، لا مانع من ذلك فيه (٢) لكنه كما عرفت خارج عن هذه المعاملة.

ثمّ إنّ المشهور بينهم أنّ قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل ، فلو تلف بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما. ولعله لأنّ تعيين الحصّة في المقدار المعين ليس من باب الكلي في المعين ، بل هي باقية على إشاعتها (*) (٣) غاية الأمر تعيينها في

______________________________________________________

القاعدة ، إلّا أنه ليس من قسمة الحنطة والشعير على ما هو محل الكلام.

(١) لأن التقسيم على ما ذكرنا إخراج للمال عن الإشاعة والاشتراك إلى الإفراز والاختصاص ، وهو غير صادق مع كون البدل أمراً ثابتاً في الذمة ، فإنه من المبادلة لا محالة ، فيدخل في عنوان البيع أو الصلح.

(٢) إذ ليس هناك ما يوجب البطلان إلّا محذور الرِّبا. ويدفعه عدم كون الحنطة والشعير قبل الجذاذ من المكيل أو الموزون ، والرِّبا مختص بهما.

نعم ، لو كانت هذه المعاملة بعد الجذاذ والحصاد لم تصح ، لاستلزامها الربا على تقدير عدم التساوي ، إلّا أن هذا الفرض خارج عن محل كلامه (قدس سره).

(٣) وفيه : أنه لا مجال لتصور الإشاعة مع فرض التعيين ، فإنهما لا يجتمعان إطلاقاً ، إذ الإشاعة تعني اشتراكهما في كل جزء ، وهو ينافي التعيين الذي يعني اختصاص كل منهما بشي‌ء خاص.

إذن فليس المقام إلّا من قبيل الكلّي في المعين ، فإنّ شخص المال بأجمعه لمالك البذر ولصاحبه المقدار المعين على نحو الكلي في ضمنه.

__________________

(*) لا معنى للإشاعة مع تعيين المقدار ، ولكنّه مع ذلك يحسب التلف عليهما على أساس أنّ المقدار المعيّن إنّما لوحظ بالإضافة إلى مجموع الحاصل ، فكلّما نقص عن الحاصل بآفة سماوية أو أرضية نقص عن ذلك المقدار بالنسبة ، ولعلّ الماتن (قدس سره) أراد بالإشاعة هذا المعنى.

٣٠٠