موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي تعدّى الزارع به وبلوغ الحاصل ، وقد يفرض انكشافه في أثناء العمل وقبل بلوغ النتاج.

ثمّ وعلى كلا التقديرين ، إما أن يكون ما عينه المالك على نحو التقييد ، وإما أن يكون على نحو الشرطية ، فإنه أمر ممكن وإن كان على خلاف المرتكزات العرفية حيث إنها قائمة على كون التعيين على نحو التقييد وإن كان ظاهره هو الاشتراط.

فإن كان على نحو التقييد ، فحيث إنّ ما وقع عليه العقد لم يتحقق في الخارج وما تحقق لم يتعلق به العقد ، كان الزارع بتصرفه هذا معتدياً ومتصرفاً في مال الغير بغير إذنه ، وبذلك يضمن ما يستوفيه من منفعة الأرض. وليس هناك ضمان آخر لهذه المنفعة غير هذا الضمان ، فإنّ المنفعة الواحدة لا يكون لها إلّا ضمان واحد ، وسيأتي مزيد توضيح له إن شاء الله.

هذا كلّه فيما يتعلق بضمان الأرض واستيفاء الزارع لمنفعتها.

وأمّا البذر فإن كان للمالك ، فله أن يُسقط ضمان العامل الثابت عليه بوضعه ليده عليه بغير إذنه ، وبذلك فيكون له جميع الحاصل ، على ما تقتضيه قاعدة تبعية النتاج للبذر. كما أنّ له مطالبة العامل بالبذر ، لأنه قد أتلفه عليه بالزرع ، فإذا بذله له وخرج عن عهدته ملك الحاصل قهراً تبعاً للبذر ، على ما يقتضيه بناء العقلاء ويساعد عليه الارتكاز العرفي ، فإنهم يعاملون مع المؤدي لبدل التالف معاملة المالك له بقاءً ، على ما ذكرناه مفصلاً في مسألة ضمان الأيادي المتعدِّدة من مباحث المكاسب.

هذا كلّه فيما إذا انكشف الحال للمالك بعد تمامية الزرع وبلوغ الحاصل. وأما إذا كان ذلك في أثناء المدّة ، فالأمر كما تقدّم بالقياس إلى المدة الفائتة ، فإن العامل يضمن له اجرة مثل أرضه في تلك الفترة.

وأمّا البذر فإن كان للعامل ، فللمالك إلزامه بتخلية أرضه وإخراج بذره كيفما كان وليس للعامل إلزامه ببقائه في أرضه في مقابل الأُجرة فضلاً عن المجانية.

وإن كان للمالك فالكلام فيه هو الكلام فيما لو انكشف الحال له بعد تمامية الزرع وبلوغ الحاصل حرفاً بحرف. فإنّ له أن يسقط ضمان العامل ويرضى ببقائه في ملكه

٢٦١

ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال أنّ الأمر كما ذكر من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً. لكن التحقيق مع ذلك خلافه.

وإن كان التعيين لغرض متعلق بالنوع الخاص لا لأجل قلة الضرر وكثرته فإما أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطية (١).

فعلى الأوّل ، إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتى انقضت المدّة ، فيجري فيه الوجوه الستة المتقدِّمة في تلك المسألة (٢). وأمّا

______________________________________________________

فيكون الحاصل له. وله أن يطالب العامل بضمانه ، وبعده فله الخيار أيضاً ، بين رضاه ببقائه في قبال الأُجرة ، أو أمره بالقلع من غير أرش.

ثمّ إنّ هذا كله فيما إذا كان التعيين على نحو التقييد. وأما لو كان على نحو الاشتراط خلافاً للمرتكزات العرفية بالتصريح أو القرينة ، فالمالك بالخيار بين إسقاط شرطه ورضاه بالمزروع بالفعل ، فيكون الحاصل على ما قرراه في العقد. وبين فسخ العقد من جهة تخلف الشرط ، وحينئذٍ فيكون حاله حال التقييد ، حيث يفرض العقد كأن لم يكن ، وبذلك فيضمن العامل اجرة مثل الأرض ، لتصرفه فيها بغير إذن مالكها.

وحكم البذر ما تقدّم من التفصيل بين كونه للمالك أو العامل تماماً ، فراجع.

(١) تقدّم منّا غير مرّة ، أنّ ذلك وإن كان ممكناً في حدّ ذاته ، إلّا أنه على خلاف المرتكزات العرفية جدّاً. فإنّ الاشتراط في الكلي بملاحظتها تقييد لها لا محالة ، وإن كان ظاهر التعبير هو الشرطية ، فإنّ معناه كون مورد العقد خصوص الحصّة المعيّنة من الزرع دون الطبيعي أينما سرى.

نعم ، ما يؤخذ في الأعيان الخارجية كالكتابة في العبد ، يكون شرطاً لا محالة وإنْ ذكر بنحو القيدية ، إذ لا مجال لتصور الإطلاق فيها كي يتصور التقييد.

(٢) وقد عرفت أن أقواها هو ضمان العامل لمنفعة الأرض ، فيما إذا كان قد استلمها من المالك بحيث أصبحت تحت سلطانه ، أو كان المالك جاهلاً بالحال.

٢٦٢

بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحق العامل اجرة عمله (١) على إشكال في صورة علمه بالتعيين وتعمده الخلاف ، لإقدامه حينئذٍ على هتك حرمة عمله. وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه أُجرة الأرض مضافاً (٢) إلى ما استحقه من بعض الوجوه المتقدِّمة. ولا يضرّ استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرتين على ما بيّناه في محلّه ، لأنه من جهتين ، وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة أيضاً.

______________________________________________________

(١) والذي أظنه والله العالم أنه (قدس سره) قد غفل عما أفاده في غير مورد من عدم استحقاق العامل للأُجرة عند علمه بفساد العقد.

فإنّ ما أفاده (قدس سره) في تلك الموارد وإن لم يكن تامّاً في نفسه ، لما عرفته من عدم مدخلية العلم بالفساد في ارتفاع الضمان لعدم ملازمته للتبرع وقصد المجانية ، إلّا أنه وعلى تقدير تماميته إنما يختص بما إذا كان صادراً عن أمر الغير ، كالإجارة الفاسدة ونحوها. وأما إذا لم يكن العمل واقعاً عن أمر الغير ، فلا وجه لأن يقال بأنّ للعامل اجرة مثل عمله على الغير فيما إذا كان جاهلاً بالحال ، فإنه لم يكن قد صدر عن أمره كي يكون ضامناً له.

فالصحيح هو الحكم بعدم الضمان مطلقاً ، سواء أكان العامل عالماً أم جاهلاً.

(٢) وفيه : أنّ الضمان من جهة الترك لم يكن ضماناً من جهة الحاصل أو عمل العامل في الأرض ، وإنما كان ضماناً من جهة تفويته لمنفعة الأرض ، تمسّكاً بقاعدة اليد أو الإتلاف.

وحيث أنّ في المقام لا شي‌ء وراء الاستيفاء ، حيث لم يفت من المالك إلّا منفعة أرضه ، سواء استوفاها العامل بزرع بذره أم لا ، فلا وجه للضمان الثاني. فإن من يغصب الدار أو غيرها لا يضمن منفعتها إلّا بضمان واحد سواء أسكنها أم لا ، وليس عليه مضافاً إلى ذلك على تقدير سكناه فيها اجرة المثل لتلك المدة.

ومن هنا يظهر أنّ قياسه (قدس سره) للمقام على الإجارة ، فيما إذا استأجر العين لاستيفاء منفعة معينة كالدابة للركوب عليها إلى كربلاء مثلاً فترك ذلك وركبها إلى

٢٦٣

وعلى الثاني ، يكون المالك مخيراً (١) بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف شرطه فيأخذ أُجرة المثل للأرض (٢) وحال الزرع الموجود حينئذٍ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر ، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود بإسقاطه حق شرطه وبين أن لا يفسخ ولكن لا يسقط حق شرطه أيضاً (٣) بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستة المتقدِّمة. ويكون حال الزرع الموجود كما مرّ من كونه لمالك البذر.

[٣٥٠٢] مسألة ١٠ : لو زارع على أرض لا ماء لها فعلاً ، لكن أمكن تحصيله بعلاج من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك فإن كان الزارع عالماً بالحال صحّ ولزم (٤) وإن كان جاهلاً كان له خيار الفسخ (٥). وكذا لو كان الماء مستولياً

______________________________________________________

الكوفة ، حيث يضمن المنفعتين معاً ، قياس مع الفارق.

فإنّ المنفعتين في باب الإجارة لما كانتا متضادتين وجب ضمانهما معاً ، فإنه يضمن الأُجرة المسماة بإزاء ملكيته لمنفعة ركوب الدابة إلى كربلاء والتي فوّتها على نفسه بتركه لها اختياراً ، كما يضمن منفعة ركوبها إلى الكوفة لاستيفاء منفعة لم يكن يملكها.

وأين هذا من المقام ، حيث تنحصر الفائدة بالتي فوّتها العامل على المالك تارة بالاستيفاء واخرى مع عدمه؟

(١) لتعليقه التزامه بالعقد على التزام الآخر بالزرع المعين ، فمع عدمه ثبت له الخيار.

وقد تقدّم الكلام غير مرّة في حقيقة الشرط وبيانها.

(٢) حيث يفرض العقد حينئذٍ كالعدم ، ومن هنا فيترتب عليه ما ذكر في فرض التقييد.

(٣) هذا الاحتمال لا وجه له بالمرة ، بعد ما عرفت مراراً من أنّ الاشتراط لا يؤثر إلّا في ثبوت الخيار عند تخلفه ، فهو إما أن يفسخ ، وإما أن يبقي العقد على حاله.

(٤) لتمامية أركان العقد وانتفاء المانع.

(٥) لانتفاء شرط ضمني ، هو إمكان زرع الأرض بلا مئونة خارجة عن فعل

٢٦٤

عليها وأمكن قطعه عنها. وأما لو لم يمكن التحصيل في الصورة الأُولى أو القطع في الثانية ، كان باطلاً (١) سواء كان الزارع عالماً أو جاهلاً (٢). وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله ، أو استولى عليها ولم يمكن قطعه. وربّما يقال بالصحة مع علمه بالحال (٣). ولا وجه له (٤) وإن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع (٥).

______________________________________________________

الزرع ، فإنه أمر مفروغ عنه ، فبتخلفه يثبت للزارع الخيار إذا كان جاهلاً بالحال.

(١) لما تقدّم في الشرط السابع من اعتبار إمكان الزرع في صحة المزارعة ، إذ بدونه لا معنى للاتفاق على كون الحاصل بينهما بالنسبة المعيّنة ، فإنه لغو محض.

(٢) وذلك لأنّ اعتبار إمكان الزرع شرط واقعي في صحّة العقد ، ومن هنا فلا يختلف الحال فيه بين صورتي العلم والجهل.

(٣) نسب ذلك إلى المحقِّق والعلّامة (قدس سرهما) (١).

(٤) لما عرفت من كون شرطية إمكان الزراعة واقعية لا تتأثر بالعلم والجهل.

نعم ، لا يبعد حمل كلامهما (قدس سرهما) على الصورة الاولى ، أعني إمكان إيصال الماء إلى الأرض أو قطعه عنها. فيلتزم فيها بالتفصيل ، بين علم العامل بالحال فتصحّ وجهله به فتبطل.

إلّا أنه يشكل أيضاً من جهة أنّ الجهل إنما يقتضي ثبوت الخيار ، فلا موجب للحكم بالبطلان ، كما عن الإرشاد (٢).

والحاصل أنّ ما أفاداه (قدس سرهما) لا يمكن المساعدة عليه على كلا التقديرين عمومه لصورة إمكان تحصيل الماء وعدمها ، واختصاصه بصورة الإمكان.

(٥) على ما تقتضيه حقيقة المزارعة ويتقوّم به مفهومها.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ٣٤٢ ٣٤٣ شرح عبد الزهراء الحسيني.

(٢) مختلف الشيعة ٦ : ١٥٤.

٢٦٥

نعم ، لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء ، وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحة ، لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع ، إلّا أن يكون على وجه التقييد (١) فيكون باطلاً أيضاً.

[٣٥٠٣] مسألة ١١ : لا فرق في صحة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك ، أو العامل ، أو منهما (٢).

______________________________________________________

(١) بأن استأجر أرضاً للزارعة خاصة. فإنه حينئذٍ إن أمكن الانتفاع بها في الزراعة بالعلاج ، فالتفصيل المتقدِّم من حيث علم المستأجر بالحال وجهله به. وإن لم يمكن فالحكم بالبطلان رأساً ، لانكشاف عدم تملك صاحبها للمنفعة التي ملكها بالعقد للمستأجر.

(٢) بلا خلاف فيه وفيما يليه من الأركان بين الأصحاب. ويستفاد من ضمّ بعض النصوص إلى بعضها الآخر.

ففي صحيحة سماعة ، قال : سألته عن مزارعة المسلم المشرك ، فيكون من عند المسلم البذر والبقر وتكون الأرض والماء والخراج والعمل على العلج ، قال : «لا بأس به» (١).

حيث فرض فيها كون البذر والبقر خاصة على المزارع ، ومع ذلك حكم (عليه السلام) بالصحة.

وحمل هذه المعاملة على معاملة مستقلة عن المزارعة وفي قبالها ، فلا تدلّ على الجواز فيما نحن فيه ؛ حمل لا موجب له ، ولا سيما بعد أخذ عنوان المزارعة فيها صريحاً.

والحاصل أنّ المستفاد منها ، أنه لا يعتبر في المزارعة كون العمل على المزارع فيجوز أن يكون على صاحب الأرض.

وفي صحيحته الأُخرى : قال : سألته عن المزارعة ، قلت : الرجل يبذر في الأرض

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٢ ح ١.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مائة جريب أو أقل أو أكثر طعاماً أو غيره ، فيأتيه رجل فيقول : خذ مني نصف ثمن هذا البذر الذي زرعته في الأرض ، ونصف نفقتك عليَّ ، واشركني فيه. قال : «لا بأس» (١).

حيث دلّت على جواز كون نصف البذر من مالك الأرض.

وهي وإن كانت واردة في جواز ذلك بعد الزرع ، إلّا أنها تكفي لإثبات الجواز قبله أيضاً ، فإنه إذا أجاز ذلك بعد الزرع ، جاز قبله بطريق أوْلى.

ويؤيدهما رواية إبراهيم الكرخي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أُشارك العلج ، فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر ويكون على العلج القيام والسقي (والسعي) والعمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيراً ، وتكون القسمة ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أنّ للعلج منه الثلث ولي الباقي ، قال : «لا بأس بذلك». قلت : فلي عليه أن يردّ عليّ مما أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي؟ قال : «إنما شاركته على أنّ البذر من عندك ، وعليه السقي والقيام» (٢).

وهي وإن كانت صريحة في كون البذر والبقر على صاحب الأرض ، إلّا أنها ضعيفة السند بإبراهيم الكرخي حيث لم يرد فيه مدح فضلاً عن التوثيق ، فلا مجال للاعتماد عليها.

والحاصل إنّ المستفاد من ضمّ النصوص بعضاً إلى بعض ، أنه لا يعتبر في مفهوم عقد المزارعة إلّا اشتراك الطرفين في الأركان الأربعة لهذه المعاملة في الجملة ، من غير اختصاص لأحدهما بشي‌ء معين من حيث النوع والكمية.

هذا ولكن المستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن المزارعة ، فقال : «النفقة منك ، والأرض لصاحبها فما أخرج الله من شي‌ء قسم على الشطر ، وكذلك أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٠ ح ١.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أخرجت» (١). اعتبار كون النفقة على العامل ، لانه (عليه السلام) إنما ذكر ذلك في جواب السؤال عن حقيقة المزارعة ، فيكون ظاهراً في الحصر.

ومن هنا فتصطدم مع الصحيحتين المتقدمتين.

إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن ظهورها هذا ، وحملها على بيان المزارعة الخارجية التي صدرت من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا مطلق العقد ، بأن يقال إنّ العقد الذي أوقعه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع يهود خيبر كان على هذا النحو ، وإلّا فمفهوم المزارعة غير متقوّم به ، كما يشهد له قوله (عليه السلام) في ذيلها : «وكذلك أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) خيبر».

وذلك لصراحة الصحيحتين المتقدمتين في عدم اعتباره ، وجواز كونها على صاحب الأرض.

هذا مضافاً إلى تسالم الأصحاب ، حيث لم ينقل الخلاف في جوازه من أحد الأصحاب مطلقاً.

أضف إلى ذلك كله إطلاقات أدلّة المزارعة فإنها شاملة للمقام ، حيث إنّ مفهومها لا يتقوّم إلّا بالاشتراك في الزرع وتحصيل النماء ، من غير تخصيص لأحدهما بشي‌ء وصاحبه بآخر. كما هو الحال في المزارعات الخارجية ، فإنها تختلف باختلاف البلاد والمناطق ، فقد يكون المتعارف في مكان كون البذر على العامل ، في حين يكون المتعارف في مكان آخر هو العكس. فيتبع في كل منطقة ما هو المتعارف فيها عند الإطلاق ، وإلّا فما اتفقا عليه.

وهذا ديدن المزارعين فعلاً وعليه سيرتهم متصلاً بزمان المعصوم (عليه السلام) فيكشف ذلك كله عن عدم تقوّم مفهوم المزارعة بكون شي‌ء بخصوصه على أحدهما بعينه.

إذن : فلا بدّ من حمل صحيحة يعقوب على المزارعة الخارجية التي وقعت بين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) واليهود ، بأن يقال إنها كانت على الوصف المذكور في الصحيحة وإلّا فظاهرها لا يمكن الالتزام به.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٠ ح ٢.

٢٦٨

ولا بدّ من تعيين ذلك (١) إلّا أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه الإطلاق (٢). وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصّة بالمزارع ، أو مشتركة بينه وبين العامل. وكذا لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل ، فيجوز كونه عليهما. وكذا الحال في سائر المصارف.

وبالجملة هنا أُمور أربعة : الأرض ، والبذر ، والعمل ، والعوامل. فيصحّ أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقية ، ويجوز أن يكون من كل منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقية ، كما يجوز الاشتراك في الكلّ. فهي على حسب ما يشترطان.

ولا يلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته. وكذا بالنسبة إلى العوامل. كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل ، إلّا مع الشرط.

[٣٥٠٤] مسألة ١٢ : الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين (٣) بأن تكون الأرض من واحد ، والبذر من آخر ، والعمل من ثالث ، والعوامل من رابع.

______________________________________________________

(١) على ما تقدّم بيانه في الشرط العاشر.

(٢) فإنّ الإيكال إليه وعدم التعيين نوع من التعيين.

(٣) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

الأوّل : في تعدّد العامل ، أو المالك ، أو هما معاً.

الثاني : في اشتراكهما مع غيرهما.

أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في صحته ، إذ لا يعتبر في العقد انحصار أطرافه بين اثنين خاصة ، فيجوز كون الشي‌ء الواحد مشتركاً بين أكثر من اثنين ، من حيث ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع ، وهو أمر طبيعي جدّاً يقع في الخارج كثيراً. ومن هنا فيحكم بصحّة عقد المزارعة عليها ، حاله في ذلك حال سائر العقود.

وكيف كان ، فالظاهر أنه لا خلاف في صحّة الاشتراك في الأرض ، وصحّة المزارعة على الأرض المشتركة.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن غير البعيد دعوى كون إعطاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأرض خيبر لليهود مزارعة من هذا القبيل ، إذ من البعيد جدّاً دعوى اختصاص كل قطعة منها بشخص بعينه ، إذ الأراضي غالباً ما تكون مشتركة بين جماعة بسبب الإرث أو غيره.

بل لا يبعد دعوى كون الغالب في العامل هو التعدّد.

وأمّا المقام الثاني : فقد ذهب الماتن (قدس سره) وجماعة إلى الجواز والصحّة بدعوى صدق المزارعة عليه ، وشمول الإطلاقات له. في حين اختار صاحب المسالك (قدس سره) وجماعة البطلان ، لوجهين :

الأوّل : دعوى لابدّيّة تركّب العقد من طرفين الموجب والقابل خاصّة.

وقد أجاب عنه الماتن (قدس سره) بأنه أوّل الدعوى. والأمر كما أفاده (قدس سره) ، حيث لم يرد دليل على اعتبار ذلك ، بل العقد قد يكون بين أكثر من اثنين ، كما هو الحال في الشركة.

الثاني : ما ذكره في المسالك من أنّ العقود توقيفية ، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بصحّتها على ما دلّ عليه النصّ ، وحيث إنّه مفقود في المقام ، فلا محيص عن الحكم بالبطلان.

وما أفاده (قدس سره) في محلّه جدّاً ، لما عرفت من توقّف صحة هذه العقود على الدليل الخاص وعدم إمكان إثباتها بالعمومات ، وحيث لم يرد في شي‌ء من النصوص الحكم بالصحة في المزارعة المعقودة بين أكثر من طرفين الموجب والقابل فلا بدّ من الحكم بفساده للقاعدة.

نعم ، بناءً على ما اختاره الماتن (قدس سره) من شمول العمومات للمقام ، فلا بأس بالحكم بالصحّة هنا. إلّا أنك قد عرفت ما فيه. وأنّها لا تشمل العقود التي تتضمّن تمليك المعدوم بالفعل ، ولذا لم نعهد فقيهاً التزم بصحّة ذلك في غير هذه الموارد.

إذن فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه الشهيد (قدس سره) في (المسالك) حيث لا إطلاق للأدلّة الواردة في المقام يشمل هذا العقد ، والعمومات قاصرة في نفسها.

٢٧٠

بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك ، كأن يكون بعض البذر من واحد ، وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل ؛ لصدق المزارعة ، وشمول الإطلاقات ، بل تكفي العمومات (*) العامّة (١).

فلا وجه لما في (المسالك) من تقوية عدم الصحّة (٢) بدعوى أنها على خلاف الأصل ، فتتوقف على التوقيف من الشارع ، ولم يثبت عنه ذلك. ودعوى أن العقد لا بدّ أن يكون بين طرفين موجب وقابل ، فلا يجوز تركبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له. مدفوعة بالمنع ، فإنه أوّل الدعوى.

[٣٥٠٥] مسألة ١٣ : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته (**) (٣) أو

______________________________________________________

(١) ظهر لك الحال مما تقدّم.

(٢) بل قد عرفت أنه هو الصحيح والمتعيّن في المقام.

(٣) والمراد به إن كان نقل ماله من الحصّة إلى غيره على نحو ما سيجي‌ء منه (قدس سره) بعد هذا ، فهو في حيِّز المنع على ما ستعرف ، فإنه ليس لأحد نقل الزرع قبل ظهوره وتحقّقه. على أنه لا دليل على ملكيّة العامل لشي‌ء قبل ظهور الحاصل فإنه إنما يملك الحصّة المعيّنة له منها ، فلا شي‌ء له قبل ظهور الزرع.

نعم ، فيما لو كان البذر له ، لم يجر هذا الإشكال بخصوصه.

وإن كان المراد به هي المزارعة في حصّته ، فهو عين الشق الثاني في كلامه (قدس سره) وليس قسيماً له.

إذن فالصحيح أنه ليس في المقام إلّا قسم واحد ، هو مزارعة العامل لغيره في حصّته.

__________________

(*) تقدّم أنّ العمومات لا تشمل مثل هذه المعاملات ، والدليل الخاص غير موجود ، ومن هنا فالأقوى عدم جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين.

(**) إن أُريد به نقل بعض حصّته إلى غيره فهو محل منع قبل ظهور الحاصل ، وإن أُريد به اشتراك غيره في مزارعته فهو عين قوله : أو يزارعه في حصّته.

٢٧١

يزارعه في حصّته (١) من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك (٢) ولا يشترط فيه إذنه. نعم ، لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلّا بإذنه (*) (٣) وإلّا

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، بل كاد أن يكون إجماعاً.

وذلك لما عرفته منا من أنّ عقد المزارعة يجعل لكل من الطرفين حقاً في إلزام صاحبه بما عليه ، فللعامل إلزام المالك بتسليم الأرض ، وللمالك إلزام العامل بالعمل. ولذا صحّ أن يقوم ورثتهما مقامهما عند موتهما من دون حق الاعتراض للطرف الآخر ، فليس لورثة المالك منع العامل عن العمل عند انتقالها إليهم ، لأنها إنما انتقلت إليهم بهذا الوصف ، أعني ثبوت حق التصرّف له فيها.

ومن هنا فإذا كان هذا الحقّ قابلاً للانتقال بالإرث ، كان قابلاً للانتقال بالمعاملة أيضاً.

على أنّ أدلّة المزارعة غير قاصرة الشمول لمثلها. فإنّك قد عرفت في المسألة الاولى من هذه المسائل ، أنه لا يعتبر في صحة المزارعة مالكية المزارع للأرض ، بل يكفي كونه مالكاً للتصرف فيها. وحيث إنه متحقق في المقام ، فإنّ المزارع يملك هذا الحقّ وله الولاية على ذلك ، فله أن يزارع غيره فيجعله في مقامه ، من غير توقف على اعتبار ملكيّته للمنفعة.

(٢) فإنّ للمزارع العامل حقّ التصرّف في هذا البذر مطلقاً ، بالمباشرة أو بغيرها.

ولا يختصّ ذلك بصورة الإطلاق ، بل له ذلك حتى مع اشتراط المباشرة عليه لعدم المنافاة بين اشتراط المباشرة عليه وكون المزارعة لغيره ، فينقل حصّته إلى الغير بحيث يصبح ذلك الغير هو المزارع ، لكنه يبقى هو العامل في الأرض ، والبذر مجاناً أو بعوض يتقاضاه من المشتري.

(٣) تقدّم الكلام في ذلك في كتاب الإجارة ، وقد عرفت أنه لا وجه له. فإنّ يد

__________________

(*) الكلام فيه كما مرّ في الإجارة [في صفحة ٣٩٧ فصل في أحكام عقد الإجارة التعليقة ، (١)].

٢٧٢

كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً. والظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير (١) بحيث يكون كأنه هو الطرف للمالك ، بصلح ونحوه ، بعوض ولو من خارج أو بلا عوض. كما يجوز (*) نقل حصّته إلى الغير (٢) سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده. كلّ ذلك لأنّ عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلى العامل (٣) فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة.

______________________________________________________

العامل على الأرض يد أمانة ، فلا تضمن إذا سلمها إلى أمين مثله ، إذ الاستئمان لا يقتضي بوجه مباشرة الأمين للسلطنة على المال ووضع اليد عليه ، فإنّ تسليمه إلى أمين مثله يعدّ من شؤون الأمانة ومن أنحاء المحافظة على المال.

وبعبارة اخرى : إنّ تسليم الأرض إلى العامل الثاني الأمين ، لا يعدّ تعدياً أو تفريطاً في مال الغير ، بعد فرض كون المزارعة مطلقة من حيث المباشرة والتسبيب.

وعليه فلا مجال للحكم بالضمان في فرض التلف.

(١) لما تقدّم من ملكيّة العامل لحقّ التصرّف في الأرض وولايته على ذلك فيكون له نقله إلى الغير وجعله في مقامه.

(٢) فتكون نتيجته نتيجة المزارعة ، حيث يكون المزارع الثاني شريكاً للمالك في الحاصل ، بالنسبة المجعولة للعامل الأوّل.

لكن الظاهر عدم جوازه فيما إذا كان النقل قبل ظهور الحاصل ، إذ لا يجوز نقل الزرع أو الثمر قبل ظهورهما ، على ما يذكر مفصلاً في كتاب البيع.

نعم ، يجوز ذلك في موردين :

الأوّل : بيع الثمر لأكثر من سنة.

والثاني : بيعه مع الضميمة ، على تفصيل يذكر في محلّه.

(٣) قد عرفت غير مرّة ، أنّ المزارعة لا تتضمن تمليك العامل منفعة الأرض ، كما

__________________

(*) فيه منع إذا كان النقل قبل ظهور الحاصل.

٢٧٣

ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أوْ لا ، إذ لا منافاة بين صحة المذكورات وبين مباشرته للعمل ، إذ لا يلزم في صحة المزارعة مباشرة العمل ، فيصح أن يشارك أو يزارع غيره ، ويكون هو المباشر دون ذلك الغير.

[٣٥٠٦] مسألة ١٤ : إذا تبين بطلان العقد ، فإما أن يكون قبل الشروع في العمل ، أو بعده وقبل الزرع بمعنى نثر الحَبّ في الأرض أو بعده وقبل حصول الحاصل ، أو بعده.

فإن كان قبل الشروع ، فلا بحث ولا إشكال (١).

وإن كان بعده وقبل الزرع ، بمعنى الإتيان بالمقدمات من حفر النهر وكري الأرض وشراء الآلات ونحو ذلك ، فكذلك (*) (٢).

______________________________________________________

لا تتضمّن تمليك المالك حصّة عمل العامل ، وإنما هي عقد لا تتضمن إلّا تبرع كلّ من الطرفين بما عليه ، في قبال الحصّة المعيّنة من الحاصل أن تحقق.

ومن هنا فما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه. والصحيح في توجيه الحكم هو ما أشرنا إليه سابقاً ، من تضمّن العقد حقّا للعامل قابلاً للنقل يجعل له نوعاً من التولية والسلطنة في التصرّف وإلزام المالك بتسليم أرضه له ، فإذا قام العامل بنقل هذا الحق إلى غيره حكمنا بصحته ، لكونه تصرفاً فيما هو ملك له.

(١) إذا لم يفت من أحد شي‌ء ، ولم يرد ضرر على أحدهما بسببه.

(٢) فيه إشكال ، بل منع. والأقوى ثبوت اجرة مثل عمله له على المالك ، لقاعدة احترام عمل المسلم ، فإنه وبعد صدوره عن أمر الغير يتبع أمره بأصل العمل لا بقصد التبرّع مجانية ، لا يذهب هدراً ، سواء استفاد المالك من العمل أم لا.

__________________

(*) يشكل ذلك ، بل لا يبعد استحقاقه اجرة مثل عمله إذا كان البذر للمالك باعتبار أنّه أتى به بأمر صاحب الأرض ، ولا فرق فيه بين حصول وصف في الأرض وعدم حصوله ، وأمّا إذا كان البذر للعامل فلا يستحقّ شيئاً على المالك مطلقاً.

٢٧٤

نعم ، لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض ، من جهة كريها أو حفر النهر لها ، أو إزالة الموانع عنها ، كان للعامل قيمة ذلك الوصف (١). وإن لم يكن كذلك

______________________________________________________

وبعبارة أُخرى : لا تأثير لاستفادة المالك وعدمها ، في ضمانه للعمل الصادر من غيره عن أمره لا بقصد المجانية ، فإنّ الأمر مع هذا القصد موجب للضمان على كلا التقديرين.

هذا كله فيما إذا كان البذر للمالك. فإنه وحيث كان عمل العامل في ماله صادراً عن إذنه لا مجاناً ، وقد تبين فساد العقد ، يثبت عليه الضمان بأُجرة المثل ، كما هو الحال في سائر العقود الفاسدة.

وأما إذا كان البذر للعامل. فحيث انّ المالك لم يلتزم له على نفسه بشي‌ء مطلقاً عدا تسليمه للأرض وتسليطه عليها ، بل العامل هو الذي قد التزم للمالك بالحصّة المعيّنة من ماله الناتج بإزاء زرعه في أرضه ، فلا وجه لضمانه لشي‌ء ، فإنّ العمل لم يصدر عن أمره بإزاء شي‌ء والالتزام بحصة من ماله.

(١) وفيه : أنّ الأوصاف على ما ذكرناه مفصّلاً في المكاسب لا تقابل بالقيمة مطلقاً ، ولا استقلالية لها في المالية ، فليست هي مالاً في قبال مالية الموصوف ، وإنّما المالية لنفس الموصوف بلحاظ وجود الوصف وعدمه.

وعليه فليس الحال في الأوصاف هو الحال في المنافع ، حيث تعتبر أموالاً في قبال مالية العين يبذل بإزائها المال مستقلا ، وإنما هي أُمور تؤثر في زيادة قيمة الموصوف ونقصانها من دون أن تقابل هي بشي‌ء منها.

ومن هنا فليس الوصف مملوكاً للعامل كي يصح رجوعه على المالك بقيمته ، فإنه وعلى ضوء ما بيّناه لم يأتِ إلّا بعمل يوجب زيادة قيمة مال المالك ، ومن دون أن يكون له شي‌ء منه.

نعم ، حيث يكون عمله صادراً عن أمره لا بقصد المجانية فلا يذهب هدراً فيستحق عليه اجرة مثله ، ساوت الزيادة الحاصلة في الأرض بسبب العمل أم زادت عليها أم نقصت.

٢٧٥

وكان العمل لغواً ، فلا شي‌ء له (١). كما أن الآلات لمن أعطى ثمنها.

وإن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر (٢). فإنْ كان للمالك كان الزرع له ، وعليه للعامل اجرة عمله وعوامله. وإن كان للعامل كان له ، وعليه أُجرة الأرض للمالك. وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفاً أو ثلثاً ، ولكلّ منهما على الآخر اجرة مثل ما يخصّه من تلك النسبة. وإن كان من ثالث (٣) فالزرع له وعليه للمالك أُجرة الأرض ، وللعامل اجرة عمله وعوامله.

ولا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل (٤) إن كان التبيّن قبله ، بل له أن يأمر بقلعه ، وله أن يبقي بالأُجرة إذا رضي صاحبه ، وإلّا فليس له إلزامه بدفع الأُجرة.

هذا كله مع الجهل بالبطلان. وأما مع العلم فليس للعالم منهما الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله ، لانه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله ، فكأنه متبرع به (*) (٥) وإن كان الآخر أيضاً عالماً بالبطلان.

______________________________________________________

(١) وقد عرفت الإشكال فيه.

(٢) على ما تقتضيه القاعدة ، فإنّ النماء تابع للبذر.

(٣) بناءً على ما ذهب إليه في المسألة الثانية عشرة ، من جواز عقد المزارعة بين أكثر من اثنين.

(٤) على ما تقدّم بيانه مفصلاً في المسألة السادسة ، فراجع.

(٥) تقدّم مراراً أنه لا أثر للعلم بالفساد والجهل به في استحقاق اجرة المثل ، لأنه لا يلزم هتك حرمة المال أو العمل والتبرع به ، بل العامل مقدم على العمل بإزاء العوض لا مجاناً وإن علم أنّ الشارع لم يمضه ، فعلمه بذلك شي‌ء وكون إقدامه بإزاء العوض شي‌ء آخر.

__________________

(*) مرّ أنّ العلم بالبطلان لا يستلزم التبرّع بالعمل ، وبه يظهر الحال فيما بعده.

٢٧٦

ولو كان العامل بعد ما تسلم الأرض تركها في يده بلا زرع ، فكذلك يضمن أُجرتها للمالك مع بطلان المعاملة ، لفوات منفعتها تحت يده (١) إلّا في صورة علم المالك بالبطلان ، لما مرّ (٢).

[٣٥٠٧] مسألة ١٥ : الظاهر (*) (٣) من مقتضى وضع المزارعة ملكيّة العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصّة المقررة له ، وملكيّة المالك للعمل على العامل بمقدار حصّته ، واشتراك البذر بينهما على النسبة ، سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث.

فإذا خرج الزرع صار مشتركاً بينهما على النسبة. لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل ، فيصير الحاصل مشتركاً من ذلك الحين ، كما ربّما يستفاد من بعض الكلمات. أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه ، فيصير مشتركاً في ذلك الوقت ، كما يستفاد من بعض آخر. نعم ، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين ، مع التصريح والاشتراط به من حين العقد.

ويترتّب على هذه الوجوه ثمرات ؛

______________________________________________________

(١) على تفصيل مرّ في المسألة السابعة ، فراجع.

(٢) وقد عرفت الحال فيه.

(٣) قد عرفت فيما تقدّم مراراً ، أنّ عقد المزارعة لا يقتضي إلّا بذل كل من الطرفين ما عليه مجاناً في قبال الاشتراك في الناتج. فليس المالك يملك شيئاً من منفعة الأرض للعامل ، ولا العامل يملك شيئاً من عمله للمالك ، بل المالك يبذل أرضه مجّاناً كما يعمل العامل فيها كذلك ، ليشتركا في الحاصل ويكون بينهما على النسبة التي اتفقا عليها على ما يساعد عليه الفهم العرفي ويفهمه المزارعون من المزارعة.

__________________

(*) بل الظاهر أنّه لا يملك كل من المالك والعامل على الآخر شيئاً غير إلزامه بما التزم به من تسليمه الأرض أو العمل وغير ذلك ، ومع ذلك فالظاهر أنّهما يشتركان من حين خروج الزرع إلّا أن يشرطا خلاف ذلك.

٢٧٧

منها : كون التبن أيضاً مشتركاً بينهما على النسبة على الأوّل دون الأخيرين (١) فإنه لصاحب البذر.

ومنها : في مسألة الزكاة (٢).

______________________________________________________

نعم ، من غير البعيد دعوى مساعدة الارتكاز العرفي على اشتراك الطرفين من أوّل خروج الزرع وإن لم يدرك فإنه وعندئذٍ يرى كل منهما أنه مالك لبعضه وشريك لصاحبه فيه.

هذا ويمكن التمسك في إثبات المدّعى بإطلاقات النصوص ، فإنّ عنوان (ما أخرجته الأرض) صادق على الزرع بمجرد خروجه.

ثمّ إنّ هذا كله بالقياس إلى صورة إطلاق العقد وعدم التصريح بنحو معين. وأما معه فلا ريب في إمكان الصور الثلاث جميعاً ، نظراً لإطلاقات أدلّة المزارعة ، حيث لم يؤخذ في شي‌ء منها كون الشركة بينهما من زمان معين ، من حين نثر البذر أو خروج الزرع أو إدراكه. فيكون الأمر بيد الطرفين يتفقان عليه كيفما شاءا ، فلهما تحديد ذلك بالنثر بحيث يكون البذر مشتركاً بينهما ، كما أنّ لهما التحديد بخروج الزرع أو بلوغه حيث يصدق على الجميع عنوان المزارعة.

(١) لأنه يكون قبل ظهور الحاصل ، ولا اشتراك على الأخيرين حينئذٍ ، فيختص به مالك البذر.

(٢) فإنها على الأوّلين لا تجب على كل منهما ، إذا لم يبلغ نصيب كل منهما النصاب وإن بلغ المجموع ذلك ، فإنّ الحاصل لم يدرك بأكمله على ملك أحدهما خاصة ، وإنما أدرك على ملكهما معاً ، فلم يحصل شرط الزكاة ، أعني بلوغ النصاب وإدراكه على ملك واحد.

وهذا بخلاف الالتزام بالوجه الثالث ، حيث تجب على مالك البذر إذا بلغ المجموع النصاب ، إذ الحاصل وعند الإدراك وصدق عنوان الحنطة أو الشعير أو غيرهما عليه ملك له لوحدة وقد بلغ النصاب ، فتجب عليه دون صاحبه.

وسيأتي التعرّض لهذا الفرع ثانياً في المسألة الحادية والعشرين.

٢٧٨

ومنها : في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل (*) (١).

ومنها : في مسألة مشاركة الزارع مع غيره (٢) ومزارعته معه (٣).

ومنها : في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدّة (٤). إلى غير ذلك.

______________________________________________________

(١) حيث يكون العامل شريكاً فيه على الأوّلين دون الأخير ، حيث يختص به صاحب البذر ولا شي‌ء للآخر.

وسيأتي التعرض إليه في المسألة السابعة عشرة ، وستعرف عدم تمامية هذه الثمرة.

(٢) فعلى الأوّل يكون للعامل إشراك غيره في حصّته ، ونقل مقدار منها إليه بصلح أو بغيره. وعلى الأخيرين فلا يجوز ، لاختصاص مالك البذر به قبل ظهور الحاصل أو بلوغه ، فلا شي‌ء للعامل عندئذ كي ينقله إلى شريكه.

إلّا أنك قد عرفت في المسألة الثالثة عشرة ، أنه لا يجوز نقل الزرع مطلقاً إلّا في موردين تقدّم ذكرهما.

(٣) لم يظهر وجه الثمرة في المقام. فإنّ مزارعته مع الغير لا تتوقف على كون العامل مالكاً للأرض أو البذر كما عرفت ، فإنّ عقد المزارعة يحدث للعامل حقّا في التصرّف في الأرض بالزرع سواء أكان البذر منه أم من المالك ، على أن يكون الحاصل مشتركاً بينهما بالنسبة ، وبذلك فله نقله إلى الغير على ما تقدّم وجهه على جميع التقادير.

والحاصل أنه لا فرق في جواز نقله لحقه في مزارعة الأرض ، بين الالتزام بكون مشاركته لمالك الأرض من حيث نثر البذر ، أو ظهور الحاصل ، أو بلوغه وإدراكه. فإنه وعلى جميع هذه التقادير يجوز له ذلك.

ومن هنا فلم يظهر وجه جعل الماتن (قدس سره) لهذا الفرد من مصاديق ثمرات هذه الأقوال.

(٤) فإنه على الأوّل يكون العامل شريكاً لصاحب البذر فيه ، بناءً على ما اختاره

__________________

(*) لا ثمرة فيها على ما سيتبيّن وجهه في كتاب المساقاة.

٢٧٩

[٣٥٠٨] مسألة ١٦ : إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله ، أو استولى عليه ولم يمكن قطعه ، أو حصل مانع آخر عام فالظاهر لحوق حكم تبين البطلان من الأوّل (١) على ما مرّ ، لأنّه يكشف عن عدم قابليتها للزرع ، فالصحّة كانت ظاهرية ، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر (٢). ويحتمل بعيداً كون الانفساخ من حينه ، فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي فيكون مشتركاً بينهما (*) على النسبة (٣).

[٣٥٠٩] مسألة ١٧ : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء ، إمّا بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلّف ما شرط على أحدهما.

فعلى ما ذكرنا من مقتضى المزارعة وهو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدِّمة ـ

______________________________________________________

(قدس سره) من اقتضاء عقد المزارعة تمليك كل منهما الحصّة مما عليه للآخر ، فإنّ العامل يكون شريكاً للمالك في البذر بأصل العقد ، فيبقى كذلك رغم تركه للعمل في الأرض. بخلاف الأخيرين ، حيث لا تكون الشركة إلّا بعد ظهور الحاصل أو إدراكه إذ يختص به صاحب البذر قبل ذلك.

(١) لتقوّم حقيقة عقد المزارعة بالاشتراك في الحاصل. وحيث إنه متوقف على قابلية الأرض له وإمكان حصوله ، يكون العقد عند انكشاف عدم قابليتها له من المعاقدة على أمر ممتنع التحقّق في الخارج ، فيحكم بفساده لا محالة.

(٢) لقانون تبعية النماء للبذر.

(٣) وستعرف في المسألة الآتية ، أنه لا وجه لاشتراكهما في الزرع ، حتى بناءً على القول بالانفساخ من حينه.

__________________

(*) سيأتي في المسألة الآتية أنّ الأمر ليس كذلك.

٢٨٠