موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

لا تبطل إلّا بالتقايل (١) أو الفسخ بخيار الشرط ، أو بخيار الاشتراط (٢) أي تخلف

______________________________________________________

الْبَيْعَ) (١) وما دلّ على جواز الصلح بين المسلمين.

وذلك لأنّ الإلزام والالتزام الصادر من المتعاقدين ، لا يخلو حاله من كونه مطلقاً من حيث الزمان كالبيع ، أو مقيداً بزمان معين كالنكاح المنقطع ، إذ الإهمال غير معقول في الأُمور الواقعية ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة.

ومن هنا فإذا أنشأ المكلف الملكيّة الدائمية بالبيع ونحوه ، أو المقيدة بزمان الإجارة ونحوها ، كان معنى إمضاء الشارع لما أنشأه الحكم بتحقق الملكيّة المطلقة في الفرض الأوّل ، والمقيدة بذلك الزمان في الثاني للطرف الآخر ، ومقتضى إطلاق دليل الإمضاء عدم ارتفاعها بالفسخ ، فإنه منافٍ له ولا يصار إليه إلّا لدليل خاص.

والحاصل أنّ دليل الإمضاء يكفي في إثبات اللزوم ، لأنه إنما يكون على طبق ما أنشأه المنشئ ، وبذلك فيكون رفعه محتاجاً إلى دليل خاص مقيد للإطلاق ، وإلّا فمقتضاه عدم الارتفاع.

ولعل هذا الوجه خير الوجوه التي يمكن بها إثبات أصالة اللزوم ، فلاحظ.

(١) على ما هو الحال في جميع العقود التي يكون مدلولها من قبيل الحق للطرفين كالبيع ونحوه ، فإنّ الحق لا يعدوهما ، فلهما رفع اليد عنه برضاهما ، ويكون ذلك من قبيل البيع الثاني.

نعم ، لا مجال لذلك فيما يكون مدلوله من قبيل الحكم الشرعي كالنكاح ، فإنه لا مجال لرفعه بالتقايل من الطرفين.

(٢) لا يبعد أن يكون ذكره (قدس سره) لهذين الخيارين من باب المثال ، وإلّا فموجبات الفسخ في المقام لا تنحصر فيها ، إذ يمكن تصوّرها في الغبن ونحوه.

وقد ذكرنا في بحث الخيارات ، أنّ خيار الغبن ليس خياراً مستقلا في قبال سائر الخيارات ، وإنما هو راجع في الحقيقة إلى خيار تخلف الشرط ، نظراً لما هو المرتكز في

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٧٥.

٢٤١

بعض الشروط المشترطة على أحدهما. وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع (١) لفقد الماء أو استيلائه ، أو نحو ذلك. ولا تبطل بموت أحدهما (٢) فيقوم وارث الميت منهما مقامه.

______________________________________________________

المعاملات من تبديل الشخص والعين مع التحفظ على المالية والقيمة السوقية ، فإنه أمر مفروغ عنه لدى العقلاء في جميع العقود التي منها النقل مع غبن بوضيعة من أحد الطرفين.

ومن هنا فإذا ثبت خلاف ذلك ، كان للآخر الخيار ، نظراً لتخلف الشرط الضمني في العقد.

وعليه فيكون الحكم بثبوت الخيار عند ظهور الغبن حكماً على القاعدة ، ولا حاجة للتمسك في إثباته بالإجماع ، أو دليل نفي الضرر.

هذا ويمكن الفسخ بخيار تعذر تسليم العوض عند موت العامل ، مع عدم قيام الوارث مقامه ، على ما سيأتي بيانه.

(١) بلا خلاف فيه. إذ لا معنى للعقد على أمر غير ممكن التحقق في الخارج والاتفاق على حصّة من زرع لا يحصل ، فإنه لا يعدو اللغو المحض.

(٢) أما مع موت المالك ، فلأن الأرض وإن كانت تنتقل إلى الورثة ، إلّا أنها إنما تنتقل إليهم متعلقة لحق الغير ، ومسلوبة المنفعة في الفترة المعينة بإزاء الحصّة المعينة لهم. نظير موت المالك المؤجر بعد إنشاء عقد الإجارة ، فإنّ العين المستأجرة وإن انتقلت إلى الورثة ، إلّا أنها تنتقل مسلوبة المنفعة حيث إنها تكون للمستأجر.

وأما مع موت العامل ، فلقيام وارثه مقامه. إلّا أن هذا ليس بمعنى إلزامه بالعمل على طبق ما جعل ، فإنه لم يكن طرفاً في العقد والمعاهدة ، وإنما هو بمعنى لا بدِّيّة استئجاره أحداً من مال الميت إن كان له مال لقيامه بالعمل الثابت في ذمة الميت مقدّمة لإرثه لما ترك ، حيث إنه إنما يكون بعد إخراج الديون.

وبعبارة اخرى : إنّ الوارث لا يرث شيئاً إلّا بعد أداء ديون الميت ، لأنه إنما يرث ما

٢٤٢

نعم ، تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل (١) سواء كان قبل خروج الزرع أو بعده.

وأمّا المزارعة المعاطاتيّة ، فلا تلزم إلّا بعد التصرّف (*) (٢).

______________________________________________________

تركه الميت ، وما يقابل الديون ليس منه.

ومن هنا فحيث إنّ العمل في الأرض دين ثابت في ذمة الميت ، يكون مانعاً من إرث الوارث ، فلا بدّ مقدمة للإرث من قيامه بالعمل مباشرة ، أو باستئجاره لغيره من مال الميت.

وعليه فلو لم يكن للميت مال بالمرّة ، لم يجب على الوارث التبرع به من ماله الخاص ، بل يبقى العمل ديناً في ذمة الميت.

وحينئذٍ فحيث يتعذر تسليم العمل ، يثبت للمالك خيار الفسخ ، ويسمّى هذا بخيار تعذّر تسليم العوض الذي مرّت الإشارة إليه.

(١) سواء أكان ذلك بعنوان التقيّد أو الاشتراط ، حيث ذكرنا في المباحث الأُصولية أنّ تقييد الكلي الطبيعي بشرط يوجب تخصصه لا محالة ، فيكون المطلوب هو الحصّة الخاصة المتصفة بكذا.

ومن هنا فالشرط في الكليات الوضعية منها والتكليفية يرجع إلى التقييد لا محالة فتكون المزارعة واقعة على الحصّة الخاصة من العمل ، وهي في المقام ما يصدر من العامل مباشرة.

وعليه فلو مات العامل ، كشف ذلك عن بطلانها من الأوّل ، لانكشاف تعلّقها بأمر ممتنع الوجود في الخارج.

(٢) ما أفاده (قدس سره) مبني على ما اشتهر بينهم ، من جواز العقد المعاطاتي قبل التصرّف ، بل يظهر من كلمات بعضهم أنه لا يفيد الملكيّة أصلاً ، وإنما يفيد الإباحة خاصة ، وقد حملها بعض على الملكيّة المتزلزلة.

__________________

(*) مرّ آنفاً أنّ اللّزوم غير بعيد.

٢٤٣

وأما الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائماً (١). لكن إذا كان بعد الزرع ، وكان البذر من العامل ، يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل ، لأن الإذن في الشي‌ء إذن

______________________________________________________

وكيف كان ، فقد تعرّضنا لهذا البحث في مباحثنا الفقهية التي ألقيت تعليقاً على كتاب المكاسب لشيخنا الأعظم الأنصاري (قدس سره) ، وقد عرفت أنّ جميع ما استدلّ به على لزوم العقود وما ذكرناه أخيراً من إطلاق دليل الإمضاء ، غير مختص بالعقد اللفظي وشامل للعقد المعاطاتي على حد سواء.

ومن هنا فإن تمّ إجماع على جواز المعاملة المعاطاتية فهو ، وإلّا كما هو الظاهر ويكفي فيه الشك فمقتضى القاعدة هو اللزوم.

(١) تقدّم الكلام فيها في المسألة الثانية مفصلاً ، وقد عرفت أن هذه المعاملة خارجة عن العقد فضلاً عن كونها من المزارعة المصطلحة ، فإنها لا تتجاوز الوعد المجرد. ومن هنا فيحكم بفسادها لا محالة ، لاشتمالها على تمليك المعدوم ، وهو غير جائز ما لم يدلّ عليه دليل خاص ، حيث لا تكفي العمومات والإطلاقات في الحكم بصحّة مثل هذه المعاملات.

إلّا أنّ الماتن (قدس سره) قد التزم في تلك المسألة بصحّتها وإن لم تكن من المزارعة المصطلحة ، بل لم يستبعد (قدس سره) كونها منها أيضاً.

وعلى ضوء هذا المبنى ، يقع الكلام في لزوم هذه المعاملة وجوازها.

فنقول : أما إذا كان الرجوع قبل الزرع والعمل ، فلا ينبغي الإشكال في جوازه ، إذ ليس هناك إلّا الإذن في التصرّف ، وهو غير ملزم به ، فله الرجوع عنه متى شاء.

وإن كان بعد عمل المقدمات وقبل الزرع ككري الأنهار ونحوه ، ففي جوازه وعدمه وجهان.

اختار الماتن (قدس سره) الأوّل ، حيث خصّ المنع بما إذا كان بعد الزرع.

إلّا أن الصحيح هو الثاني ، وذلك لتضرّر العامل ، حيث يذهب عمله هدراً ويفوت حقه من دون عوض ، فيشمله التعليل المذكور في معتبرة محمد بن الحسين ، قال :

٢٤٤

في لوازمه (*). وفائدة الرجوع أخذ أُجرة الأرض منه حينئذٍ ، ويكون الحاصل كلّه للعامل (١).

______________________________________________________

كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل كانت له رحى على نهر قرية ، والقرية لرجل ، وأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى ، أله ذلك أم لا؟ فوقّع (عليه السلام) : «يتقي الله ، ويعمل ذلك بالمعروف ، ولا يضرّ أخاه المؤمن» (١). حيث إنّ المستفاد منه أنه ليس للمالك رفع اليد عن إذنه للغير في التصرّف ، إذا كان ذلك موجباً لتضرره.

فالتصرف الواقع في ملك الغير بإذنه لا يذهب هدراً ، وليس للمالك منعه منه ومطالبته برفعه.

وعليه ففي المقام حيث لم يكن العمل الصادر من العامل مجانياً ومتبرعاً به ، فليس للمالك رفع اليد عن إذنه ، لاستلزامه لتفويت حق العامل وإهدار عمله.

وأوضح من ذلك ما لو كان الرجوع بعد الزرع والعمل ، فإنه ليس للمالك ذلك جزماً ، لكونه من أوضح مصاديق التعليل في الصحيحة المتقدِّمة ، فيلزم بإذنه إلى حين بلوغ الزرع.

(١) الكلام في هذا الفرع بناءً على القول بصحّة المعاملة وجواز الرجوع للمالك ينبغي أن يقع في صورتين :

الاولى : فيما يكون على المالك عند رفع يده عن الإذن ، بعد إتيان العامل بالمقدّمات خاصة.

الثانية : فيما يكون عليه عند رفع يده عن الإذن ، بعد قيام العامل بالزرع.

أمّا في الصورة الاولى ، فيجب على المالك دفع اجرة مثل عمل العامل له ، نظراً

__________________

(*) ومقتضاه عدم جواز الرجوع لعموم التعليل في رواية الرّحى ، وعلى تقدير جواز الرجوع فإذا رجع غرم للعامل بدل البذر وأُجرة المثل لعمله.

(١) الوسائل ، ج ٢٥ كتاب احياء الموات ، ب ١٥ ح ١.

٢٤٥

[٣٤٩٦] مسألة ٤ : إذا استعار أرضاً للمزارعة (١) ثمّ أجرى عقدها لزمت لكن للمعير الرجوع في إعارته (*) (٢) فيستحق اجرة المثل لأرضه على المستعير

______________________________________________________

لصدوره عن أمره لا بقصد التبرع والمجانية.

وأما في الصورة الثانية ، فعليه مضافاً إلى أُجرة مثل العمل ، عوض البذر مثلاً أو قيمة ، حيث يكون تالفاً بسببه.

نعم ، لو كان البذر للمالك ، لم يكن عليه للعامل إلّا اجرة مثل عمله.

ومن هنا يظهر أنه لا وجه لما ذكره (قدس سره) ، من إلزام المالك للعامل بأُجرة مثل أرضه فترة بقاء الزرع بعد الرجوع. بل العامل بالخيار بين قبول ذلك ، وبين الإعراض عن زرعه ومطالبته المالك بأُجرة مثل عمله وعوض بذره ، حيث تلف نتيجة للزرع في الأرض المعيّنة.

فالمتحصل أنه بناءً على جواز الرجوع في هاتين الصورتين : فإن كان الصادر من العامل شيئاً غير الزرع ، فليس له على المالك إلّا اجرة مثل عمله. وإن كان المأتي به هو الزرع ، فله مضافاً إلى أُجرة مثل عمله ، المطالبة بعوض البذر.

هذا لكنك قد عرفت أنّ الصحيح بناءً على صحة هذه المعاملة ، هو لزومها وعدم جواز الرجوع للمالك ، وبذلك فيترتب عليه آثاره.

(١) لا ينبغي الإشكال في صحّة الإعارة هذه ، فإنّ الانتفاع بالأرض قد يكون بالمباشرة كزراعتها من قبله ، وقد يكون بالتسبيب والواسطة بالاتفاق مع الغير.

(٢) الكلام في هذا الفرع من هذه المسألة هو الكلام في المسألة السابقة حرفاً بحرف ، فإنّ التعليل المذكور في صحيحة محمد بن الحسين المتقدِّمة شامل له أيضاً ، فإنّه ليس للمالك الرجوع عن الإذن وفسخ العارية فيما إذا استلزم تضرر العامل.

نعم ، بناءً على جواز الرجوع للمالك ، فلا بأس بما ذكره (قدس سره) من استحقاقه لُاجرة مثل أرضه فترة بقاء الزرع على المستعير.

__________________

(*) لا يبعد عدم جواز رجوعه.

٢٤٦

كما إذا استعارها للإجارة (١) فآجرها ، بناءً على ما هو الأقوى (*) من جواز كون العوض لغير مالك المعوض.

______________________________________________________

ولا يقاس هذا بالمزارعة الإذنية. فإنّ المالك في المقام أجنبي عن الزرع بالمرة ، فإنه لم يصدر عن أمره كي يكون ضامناً له ، وإنما أتى العامل مجاناً وتبرعاً ليستفيد هو بنفسه.

فإذا رجع ، فإن تصالحا على شي‌ء فهو ، وإلّا فله المطالبة بأُجرة مثل أرضه في الفترة الباقية ، لرجوع منفعة تلك المدة إليه. ومعه فلا يجوز للعامل التصرّف فيها واستيفاؤها ، بل لا بدّ له إما من رفع يده عن زرعه ورضاه بتلفه ، أو استجابته في دفع اجرة مثل أرضه إليه.

وهذا بخلاف الفرض السابق ، حيث كان عمله بأمر من المالك لا بقصد التبرع والمجانية.

(١) وقد استشكل في صحّة هذه الإجارة بوجهين :

الأوّل : أنّ العارية متقوِّمة باستفادة المستعير من عين المال ، فإذا آجرها من غيره حكم ببطلانها ، نظراً لانتفاعه بالأُجرة حينئذٍ وهي غير معارة له ، فإنّ الأُجرة عين أُخرى أجنبية عن العين المعارة ، وليست هي منفعة لها.

الثاني : ما أشار إليه الماتن (قدس سره) من أنّ المستعير إنما يملك الانتفاع بالعين دون منفعتها ، فإنها باقية على ملك المالك المعير. ومن هنا فإذا انتقلت بالإجارة إلى ملك المستأجر ، حيث تتضمن الإجارة تمليك المنفعة ، كان لازم ذلك دخول العوض في كيس غير من خرج منه المعوض ، فإنّ المنفعة تخرج من ملك المعير ، في حين يدخل العوض في كيس المستعير ، وهو أمر غير جائز.

إلّا أن كلا هذين الإشكالين قابل للدفع.

أما الأوّل ، فيردّه أن الانتفاع بالعين المعارة لا يلزم أن يكون من المنفعة مباشرة

__________________

(*) مرّ أنّ الأقوى خلافه ، والمسألة غير مبتنية عليه.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بمعنى كونه من نفسها وعينها ، بل يجوز أن يكون ببدلها مع إجازة المالك ، بلا إشكال بل لعله مما لا خلاف فيه أيضاً. ولذا يجوز له دفع العين المعارة إلى غيره بإزاء انتفاعه بعين الآخر مع رضى المالك.

ومما يشهد له جواز استعارة اللحاف وما شاكله للضيوف ، فإنه مما لا ينبغي الإشكال في جوازها ، والحال أنّ المستعير لا يستفيد من العين المعارة بالمباشرة ، فإنه ليس إلّا لكون استفادة الضيف انتفاعاً للمضيف ، حيث إنه من عياله ولا بدّ له من القيام بشؤونه وواجباته ، ومنها تهيئة الغطاء له.

فإذا صحّ ذلك مجّاناً صحّ مع العوض أيضاً ، فإنه لا ينافي حقيقة الاستعارة ، فإنّ الأُجرة بدل عن منفعة الأرض ، فيصحّ أن يقال للمستعير المستفيد منها أنه مستفيد من منفعة الأرض.

وأما الثاني ، فقد ردّه الماتن (قدس سره) بأن الأقوى جواز كون العوض لغير مالك المعوض.

إلّا أنك قد عرفت منا غير مرّة ، أنّ ما أفاده (قدس سره) ممنوع كبروياً ، فإنّ مفهوم المعاوضة متقوِّم بدخول العوض في ملك مالك المعوض ، وإلّا فلا يكون عوضاً له ، بل كل منهما يعتبر هبة مجانية وبلا عوض.

ومن هنا فلا يصلح ما أفاده (قدس سره) جواباً للإشكال.

فالصحيح في مقام الجواب هو المنع الصغروي. فإنّ مسألة جواز الإعارة للإجارة غير مبنية على هذا الاعتبار ، أعني جواز كون العوض لغير مالك المعوض ، فإنها جائزة حتى بناءً على ما هو المشهور والصحيح ، من اعتبار دخول العوض في ملك من يخرج منه المعوض.

وقد ظهر وجهه مما تقدّم في جواب الإشكال الأوّل ، فإنّ العارية نوع تمليك وليست بإباحة محضة.

نعم ، ذكر الأعلام أنها تمليك للانتفاع. إلّا أنه لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ الانتفاع من أفعال المستعير ، فلا معنى لتمليكه من قبل الغير ، إذ لا معنى لتمليك أحد غيره فعل

٢٤٨

[٣٤٩٧] مسألة ٥ : إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمته أو في الخارج من ذهب أو فضة أو غيرهما مضافاً إلى حصّته من الحاصل صحّ (١). وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل (٢) بل الأقوى صحّة استثناء (*) مقدار معين من

______________________________________________________

نفسه الغير فإنه مالك لعمله وفعله واقعاً ومن دون حاجة إلى التمليك.

إذن فتعبيرهم (قدس سرهم) بأنها تمليك الانتفاع ، لا يخلو من المسامحة الواضحة. فإنها في الحقيقة من تمليك المنفعة حالها في ذلك حال الإجارة ، غاية الأمر أنها ليست مثلها من حيث تضمنها لتمليك المنفعة على الإطلاق ، فإنها العارية أنما تتضمن تمليك حصّة خاصة من المنفعة ، هي المنفعة من حيث استعدادها لانتفاع المستعير. ولذا فلا تنتقل إلى ورثته بعد موته ، كما إنه ليس له نقلها إلى غيره بغير إجازة المالك.

وعلى ضوء هذا يتضح أنّ الإجارة في المقام محكومة بالصحة فيما إذا كانت صادرة عن رضا المالك المعير ، فإنّ المنفعة لما كانت ملكاً للمستعير بحكم العارية ، كان العوض الأُجرة داخلاً في كيس من خرج منه المعوض لا محالة.

وبهذا فلا يبقى محذور يمكن أن يستند إليه في مقام المنع عن صحة هذا العقد ، فإنه مستكمل لجميع شرائط الصحة ، بما في ذلك اعتبار كون العوض داخلاً في ملك من يخرج منه المعوض.

(١) بلا كلام فيه. فإنّ الشرط لا يتضمن مخالفة للعقد ، لأنه لا يتقوّم إلّا بكون الأرض من أحدهما والعمل من الآخر على أن يكون النتاج بينهما ، ومن هنا فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالشرط.

(٢) نظراً لعدم ارتباط كل من الأمرين بالآخر ، فإنّ دليل وجوب الوفاء بالشرط أجنبي عن دليل العقد الذي اقتضى كون الناتج بينهما والتالف عليهما. ومن هنا فحيث

__________________

(*) في القوّة إشكال بل منع ، لأنّ العمومات كما عرفت لا تشمل مثل هذه المعاملات ، والدليل الخاص غير موجود ، وكذا الحال في استثناء مقدار البذر.

٢٤٩

الحاصل لأحدهما (١) مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما ، فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى.

كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه (٢)

______________________________________________________

كان التزام المشروط له بالعقد معلقاً على التزام صاحبه بالشرط ، وقد تحقق منه ذلك وجب عليه الوفاء به لأدلّة لزوم الوفاء بالشروط ، وإن لم يتمّ الحاصل.

(١) فيه نظر بل منع ، يظهر وجهه مما تقدّم. فإنّ العمومات والإطلاقات غير شاملة لمثل هذا العقد الذي يتضمن تمليك المعدوم بالفعل ، ومن هنا فلا بدّ في الحكم بصحتها من الدليل الخاص. وحيث إنّ المورد خارج عن مورد النصوص الواردة في المزارعة ، باعتبار أنها إنما تضمّنت الصحة فيما إذا كان الحاصل مشاعاً بينهما ، وهذا مفقود في المقام فإن أحدهما يختصّ بمقدار منه ويكون الباقي مشاعاً بينهما ، يحكم ببطلانه بمقتضى القاعدة لا محالة.

ثمّ لا بأس بما أفاده (قدس سره) بناءً على مختاره ، من شمول العمومات والإطلاقات لمثل هذه المعاملات.

(٢) ظاهر تشبيهه (قدس سره) لاستثناء الأرطال المعلومة باستثناء مقدار البذر هو كون الحكم بالصحة في الثاني مفروغاً عنه.

إلّا أن الأمر ليس كذلك. فإنّ الحال في البذر هو الحال في الأرطال المعلومة من حيث القاعدة ، فينبغي الحكم فيه بالبطلان أيضاً.

نعم ، ادّعى بعضهم الصحة في المقام ، حتى مع القول بالبطلان في استثناء الأرطال المعلومة ، خروجاً عن القاعدة لأجل النصّ الخاص.

واستدلّ عليه بصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج ، فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدّي خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : «لا بأس» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٠ ح ٢.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وخبر إبراهيم الكرخي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أُشارك العلج فيكون من عندي الأرض والبذور والبقر ويكون على العلج القيام والسقي (السعي) والعمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيراً ، وتكون القسمة ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي ، قال : «لا بأس بذلك». قلت : فلي عليه أن يرد عليّ مما أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي؟ قال : «إنما شاركته على أنّ البذر من عندك ، وعليه السقي والقيام» (١).

إلّا أنّ الاستدلال بهما محلّ نظر ، بل منع.

أما الصحيحة فهي أجنبية عن محلّ الكلام بالمرة ، إذ ليس فيها أية دلالة أو إشعار على إخراج البذر من الحاصل ، بل هي كسائر نصوص الباب دالّة على إشاعة الحاصل بينهما ، كما يقتضيه قوله (عليه السلام) : (وما كان من فضل فهو بينهما). فما أُفيد من دلالتها على المدّعى غير واضح.

على أننا لو سلّمنا دلالتها على إخراج البذر من الحاصل ، كان مقتضاه خروج البذر من الحاصل مطلقاً ، سواء اشترط ذلك ضمن العقد أم لم يشترط. وهو مقطوع البطلان ، حيث لا قول به بل لا وجه له ، فإنه لا يستثني منه من غير الشرط جزماً وإنما الكلام في استثنائه على تقدير الاشتراط.

وأمّا الخبر فهو مضافاً إلى ضعف سنده بإبراهيم الكرخي ، حيث لم يرد فيه مدح فضلاً عن التوثيق قاصر الدلالة أيضاً ، فإنّ ظاهر قوله (عليه السلام) : «إنما شاركته على أنّ البذر من عندك وعليه السقي والقيام» أنّ النتاج الحاصل إنما هو وليدة أمرين معاً ، البذر من جهة والعمل من جهة أُخرى. ومن هنا يكون الحاصل لهما معاً على حد سواء ، من غير اختصاص لأحدهما به كلّاً أو بعضاً.

إذن فالاستدلال بهذا الخبر على بطلان الاشتراط ، أوْلى من الاستدلال به على صحّته ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ١٠ ح ١.

٢٥١

أو استثناء مقدار خراج السلطان (١) أو ما يصرف في تعمير الأرض (٢) ثمّ القسمة. وهل يكون قراره في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار ، أوْ لا؟ وجهان (*) (٣).

[٣٤٩٨] مسألة ٦ : إذا شرط مدّة معينة يبلغ الحاصل فيها غالباً ، فمضت والزرع باقٍ لم يبلغ ، فالظاهر أنّ للمالك الأمر بإزالته بلا أرش ، أو إبقاءه ومطالبة الأُجرة إن رضي العامل بإعطائها. ولا يجب عليه الإبقاء بلا اجرة ، كما لا يجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة ، لعدم حقّ للزارع بعد المدة ، و «الناس مسلّطون على أموالهم» (٤). ولا فرق بين أن يكون

______________________________________________________

(١) على ما دلّت عليه صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدِّمة وغيرها.

(٢) فيدخل في عنوان الإعمار والإصلاح المذكورين في الصحيحة المتقدِّمة.

(٣) كونها محمولة على الإشاعة ، فيحسب التالف على الشارط والمشروط عليه بالنسبة. وكونها من قبيل الكلّي في المعين ، فلا ينقص من الشرط شي‌ء.

والأوّل هو الأقوى. فإنّ نسبة المستثنى الحصّة المعينة والمستثنى منه إلى المجموع واحدة ، فلا يختص أحدهما بملك الشخص والآخر بملك الكلّي ، بل ملكهما معاً على نحو واحد ، والموجود بالفعل مضاف في الملك إليهما على حدّ سواء.

ومما يدلّنا على ذلك ، أنه لو تلف جميع الحاصل ولم يبق منه إلّا مقدار البذر أو الشرط ، لم يمكن أن يقال بكونه للمشروط له. فإنه مخالف لوضع المزارعة وقانونها حيث إنّ مقتضاها لزوم بقاء مقدار من الناتج لكل منهما بعد إخراج الشرط ، بحيث لا يبقى أحد منهما فاقداً للنصيب مع وجود الحاصل حتى مع الاشتراط. وهو انما ينسجم مع القول بكون الحصّة على نحو الإشاعة ، لا الكلي في المعين. وعليه فيتعين القول بها.

(٤) إلّا أنه قد يقال : بأنّ قاعدة السلطنة محكومة لدليل «لا ضرر» فإنّ في قلع

__________________

(*) لا يبعد قرب الوجه الأوّل ، فلو تلف نصف الحاصل مثلاً يحسب التالف على المستثنى والمستثنى منه بالنسبة.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المالك للزرع من دون دفع الأرش إلى العامل ضرراً عليه ، حيث يوجب ذهاب عمله أو هو مع البذر على تقدير كونه منه هدراً ، فيشمله دليل لا ضرر ، وهو حاكم على جميع الأدلّة بما في ذلك قاعدة السلطنة.

ومن هنا فليس للمالك إلزام العامل بقلع الزرع. لكنه حيث لا يذهب مال المسلم هدراً ، لم يجب على المالك إبقاؤه في أرضه مجاناً ، بل له مطالبة العامل بأُجرة الأرض في الفترة الباقية.

وبهذا فيكون العامل في الحقيقة بالخيار ، بين دفع اجرة مثل الأرض في الفترة الباقية للمالك ، وبين تنازله عن زرعه وقبوله لقلعه من غير أرش.

لكنك قد عرفت منّا عند التعرض لقاعدة «لا ضرر» أن نفي الضرر في الإسلام كنفي الحرج وسائر المنفيات والمرفوعات ، وارد مورد الامتنان على الأُمّة المرحومة. ومن هنا يجب أن يكون الحكم المنفي امتنانياً على جميع المكلفين على حدّ واحد لا البعض دون البعض الآخر ، فإنه لو كان في رفع الحكم امتنان على بعض وضرر على غيره لم يثبت ، لمنافاته للامتنان والتفضل من الشارع المقدّس.

وعليه ففي المقام حيث يكون منع المالك من التصرّف في أرضه والحجر عليه في ماله ضرراً عليه ، فلا يشمله المقام دليل نفي الضرر ، لمنافاته للامتنان.

ولو قلنا بشموله لمثل ذلك ، لوجب القول به فيما لو اشتبه أحد فزرع في أرض الغير خطأً ، ثمّ تبيّن له الحال ولم يرض المالك ببقائه في أرضه. والحال أنه لا يمكن الالتزام في هذه الصورة بلزوم إبقاء المالك لزرع الغير أو بنائه ، وانتفاء سلطنته على ماله.

بل وينبغي أن يقال به في صورة العمد والغصب أيضاً ، إذ في أمر المالك بالقلع ضرر على الغاصب ، وهو مرفوع في الشريعة المقدسة.

ودعوى أنّ الغاصب بفعله مقدم على الضرر ، لعلمه بغصبه وعدم جوازه له وحديث نفي الضرر لا يشمل موارد الإقدام عليه.

مدفوعة بأنّ الإقدام على الضرر إنما يكون فيما إذا كان فعل المكلف ضرراً بنفسه وقد أقدم عليه مع الالتفات إليه ، كما لو باع ماله الذي يسوى بمائة بعشرة مع التفاته إلى ذلك. فإنه لا يمكن الحكم حينئذ ببطلان هذه المعاملة ، أو ثبوت الخيار له ، تمسكاً

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بدليل نفي الضرر ، فإنّ الضرر إنما أتى من قبل نفسه بإقدامه عليه. بل شمول دليل نفي الضرر لمثله يكون على خلاف الامتنان ، فإنّ نقض الشارع لما يختاره المكلف لنفسه لا يعد امتناناً عليه ، بل هو على خلاف الامتنان ، كما لا يخفى.

وأما إذا لم يكن الفعل بنفسه ضرريّاً ، إلّا أنه كان مقدّمة لحكم شرعي ضرري كان مشمولاً لدليل نفي الضرر جزماً وبلا إشكال فيه ، حيث إنّ الضرر إنما جاء من قبل حكم الشارع لا من قبل فعل المكلف نفسه.

ولذا لا يمكن أن يقال بوجوب الغسل أو الوضوء على من يكون استعمال الماء له ضرريّاً ، إذا أجنب نفسه عمداً أو نقض وضوءه كذلك ، بدعوى أنه هو الذي أقدم عليه. فإنه لم يقدم على الغسل أو الوضوء ، وإنما أقدم على مقدمة حكم الشارع بوجوبهما ، والإقدام عليها لا يعتبر إقداماً على الضرر نفسه ، بل يبقى الضرر ناشئاً من حكم الشارع خاصة ، وإنْ تحقق موضوعه بفعل المكلف اختياراً.

والحاصل أنّ مقتضى التمسك بدليل لا ضرر ، هو القول بشموله لمورد الغصب أيضاً. فإن الغاصب لم يقدم على الضرر مباشرة ، وإنما أقدم على الزرع في أرض الغير وهو بحدّ نفسه بضرري ليس عليه ، وإنّما الضرر يحصل من حكم الشارع بالقلع ، فينبغي أن يقال بانتفائه ، والحال أنّ بطلان هذا الحكم يكاد أن يكون من الضروريات.

إذن فالصحيح أن يقال بعدم شمول دليل لا ضرر للمقام ، نظراً لمنافاته للامتنان. وحينئذٍ فمقتضى دليل السلطنة ، جواز إلزام المالك له بالقلع من غير ضمان.

وهل للمالك مباشرة إزالة الزرع بنفسه ، أم لا؟

قيل بالأوّل ، لأنه لما كان له إلزام العامل بالقلع ، كان له مباشرة ذلك بنفسه.

وفيه : أنه لا ملازمة بين الأمرين ، فله أن يطالبه بالإزالة وليس له تصديه لذلك فإنه إتلاف لمال الغير بلا موجب.

ولذا لو دخل حيوان الغير إلى داره ، كان للمالك إلزامه بإخراجه ولو بذبحه عند تعذّر إخراجه حيّاً. وليس له مباشرة ذلك بنفسه ، ولو فعل كان ضامناً له ، لأنه تصرف في مال الغير وإتلاف له من غير رضاه.

٢٥٤

ذلك بتفريط الزارع أو من قبل الله (١) كتأخيره المياه أو تغيّر الهواء.

وقيل بتخييره بين القلع مع الأرش ، والبقاء مع الأُجرة. وفيه : ما عرفت (٢) خصوصاً إذا كان بتفريط الزارع ، مع أنه لا وجه لإلزامه العامل بالأُجرة بلا رضاه. نعم ، لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا اجرة أو معها إن مضت المدّة قبله لا يبعد صحته (٣) ووجوب الإبقاء عليه.

______________________________________________________

نعم ، لو امتنع العامل من القلع ، كان له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي لإجباره عليه ، وعند تعذره يتولّاه عدول المؤمنين ، وعند تعذرهم يصل الدور إلى نفسه ، على ما تقتضيه قواعد المرافعات ومطالبة الحقوق.

(١) إذ لا أثر لذلك في قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

(٢) من كونه منافياً لسلطنة المالك على ماله.

(٣) خلافاً لجملة من الأصحاب ، حيث حكموا بفساد الشرط ، وآخرون بسرايته للعقد أيضاً.

واستدلّ للأوّل ، بأن إبقاء الزرع بعد المدة إذا كان معلقاً على عدم بلوغه فيها حكم ببطلانه لمكان التعليق.

في حين استدل للثاني ، بأنه لا بدّ في المزارعة من تعيين المدة ، فإذا ترددت بين الفترة المعينة وما بعدها إلى حين بلوغ الزرع ، حكم ببطلانها لجهالة المدّة.

إلّا أنّ في كليهما نظراً ، وما ذهب إليه الماتن (قدس سره) هو الصحيح. فإنّ مرجع هذا الشرط إنما هو إلى جعل مدّة المزارعة هي فترة بلوغ الحاصل وإدراك الزرع تحقق في المدة المعيّنة فهو ، وإلّا فإلى حين حصوله. ولا ريب في صحة العقد مع تعيين المدة بالبلوغ وإدراك الحاصل ، إذ لا يعتبر في عقد المزارعة تعيين المدة الزمانية. ولا تضرّ مثل هذه الجهالة ، فإنها إنما تبطل بلحاظ الغرر ، وهو منتفٍ في المقام.

ومن هنا يظهر الحال في دعوى البطلان من جهة التعليق ، فإنه لا تعليق حقيقة وفي الواقع ، مضافاً إلى أنه لا دليل على البطلان عند التعليق في التوابع والشروط.

٢٥٥

[٣٤٩٩] مسألة ٧ : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتى انقضت المدّة ، ففي ضمانه اجرة المثل للأرض ، كما أنه يستقر عليه المسمى في الإجارة. أو عدم ضمانه أصلاً ، غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل. أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن ، أو معذوراً فلا. أو ضمانه ما يعادل الحصّة المسمّاة ، من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة. أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ، ومن قيمة عمل الزارع. أو الفرق بين ما إذا اطلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن ، وبين صورة عدم اطلاعه إلى ان فات وقت الزرع فيضمن ، وجوه ، وبعضها أقوال (*) (١).

فظاهر بل صريح جماعة الأوّل ، بل قال بعضهم يضمن النقص (**) الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص. واستظهر بعضهم الثاني. وربما يستقرب الثالث. ويمكن القول بالرابع. والأوجه الخامس. وأضعفها السادس.

______________________________________________________

(١) وقد ذكر بعضهم وجهاً سابعاً ، هو ضمان العامل للمالك قيمة العمل ، لأنه قد ملكه عليه بعقد المزارعة ، فإذا أتلفه بتركه ضمنه بقيمته.

والتحقيق أن يقال : إنّ الأصل في المقام يقتضي القول الثاني ، أعني عدم الضمان مطلقاً. فإنّ إثبات الضمان يحتاج إلى الدليل ، وإلّا فمقتضى الأصل العدم.

ومن هنا فلا بدّ من ملاحظة الوجوه المذكورة ، وما يمكن أن يقال في توجيهها.

فنقول : أما ضمان العامل لقيمة العمل كلا كما هو الوجه الأخير ، أو بعضاً على ما هو مختار المصنف (قدس سره) ، فلا وجه له بالمرّة. فإنّ عقد المزارعة على ما يستفاد من نصوصها ليس إلّا معاملة بين طرفين ، على أن يبذل أحدهما الأرض والآخر

__________________

(*) الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كانت الأرض بيد الزارع وما إذا كانت بيد المالك ، وعلى الثاني فقد يطلع المالك على ترك العامل للزرع وقد لا يطلع إلى فوات وقته ، ففي الصورة الأُولى والثالثة يثبت الضمان على العامل لُاجرة المثل ، ولا ضمان في الثانية.

(**) ولعلّه هو الصحيح على التفصيل المزبور آنفاً.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل واشتراكهما في الحاصل ، ومن دون أن يكون كل منهما مالكاً على الآخر شيئاً. فليس صاحب الأرض مالكاً للعمل على المزارع ، كما لا يملك هو منفعة الأرض على صاحبها ، بل كل منهما يبذل الذي عليه من الأرض أو العمل مجاناً وبإزاء لا شي‌ء ، إلّا الشركة في النتيجة والحاصل.

وما ذكرناه فيما لو كان البذر من العامل أوضح مما لو كان من صاحب الأرض فإنه حينئذٍ إنما يعمل في بذره ويكون عمله له ، غاية الأمر أنه يجعل نصيباً من الحاصل للمالك بإزاء تصرّفه في أرضه. ومعه فما معنى أن يقال بأنّ المالك يملك على المزارع العمل ، فإنه لم يعمل إلّا لنفسه.

لكن هذا لا يعني خفاء الحكم فيما لو كان البذر من صاحب الأرض ، فإنّ الحال فيه هو الحال في فرض كون البذر من المزارع ، لأنه إنما يعمل لكي يكون النصيب المعيّن والحصّة المفروضة من الحاصل له ، لا أن تكون له منفعة الأرض ، كي يقال بأنّ المالك يملك عليه بإزاء ذلك العمل.

وأما الضمان من جهة الأرض فلا بدّ فيه من التفصيل ، بين ما لو سلّمها المالك إليه بحيث كانت تحت يد المالك ، وبين ما لو خلى السبيل بينها وبين العامل.

ففي الأوّل ، لا بدّ من الحكم بالضمان ، للقاعدة. فإنّ تصرف العامل في الأرض بالاستيلاء عليها تصرّف عدواني ، لفقده إذن المالك ورضاه ، لأنه إنما أذن له في الاستيلاء عليها مقيداً بالعمل فيها ، فإذا لم يعمل كما هو المفروض كان استيلاؤه فاقداً لرضاه ، فيحكم بالضمان لا محالة ، حاله في ذلك حال سائر موارد الغصب. من غير فرق في الحكم بين علم المالك بالحال وجهله به ، وبين كون ترك العمل لعذر وعدمه ، فإنّ الضمان بقاعدة اليد غير مشروط بجهل المالك أو عدم العذر للمستولي.

بخلاف الثاني ، حيث يختص ضمانه بفرض جهل المالك بالحال. فإنه لا مجال لإثبات الضمان في هذا الفرض بقاعدة اليد إذ المفروض بقاؤها تحت يد المالك ، وإنما لا بدّ في إثباته من التمسّك بقاعدة الإتلاف ، ومقتضاها اختصاص الضمان بفرض جهل المالك بالحال حتى فوات أوان الزراعة ، فإنه حينئذٍ يستند تلف المنفعة إلى ترك

٢٥٧

ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عام ، وإلّا فيكشف عن بطلان المعاملة (١).

ولو انعكس المطلب ، بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد ، فللعامل الفسخ (٢). ومع عدمه ، ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض ، أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض الأوّل ، بدعوى الفرق بينهما ، وجوه (*) (٣).

______________________________________________________

الزارع للزراعة فيها ، إذ لو كان عالماً بالحال لاستند الفوات إلى تركه المالك الانتفاع بأرضه ، بعد علمه بترك العامل للعمل في أرضه.

إذن فالصحيح في المقام هو التفصيل على النحو الذي ذكرناه ، من الفرق بين ما لو كانت الأرض تحت يد العامل فيضمن منفعتها مطلقاً ، وبين ما لو كانت تحت يد المالك فالتفصيل بين علمه بالحال وجهله به ، فيضمن في الأوّل دون الثاني.

ثمّ إنّ مما ذكرنا يظهر الحال في الآثار المترتبة على ترك الزرع ، كما لو فرضنا تضرّر الأرض بذلك ، فإنّ العامل يضمنه مضافاً إلى ضمان المنفعة ، على التفصيل المتقدِّم حرفاً بحرف.

(١) لما تقدّم من اعتبار إمكان الزراعة ، إذ مع عدمه لا معنى لإيقاع عقد تكون نتيجته الاشتراك في الحاصل.

وعليه فلا ضمان في المقام ، فإنّ العين أمانة في يده ، وفوات المنافع غير مستند إليه.

(٢) بموجب خيار عدم التسليم ، ومعه فيفرض العقد كأن لم يكن.

(٣) أقواها الأخير.

ويظهر وجهه مما تقدّم. فإنّ ضمان العامل لمنفعة الأُجرة إنما كان بملاك قاعدة اليد عند استيلائه على الأرض ، أو قاعدة الإتلاف عند جهل المالك بالحال مع عدم استيلاء العامل عليها. وحيث أنه لا شي‌ء منهما متحقّق في المقام ، إذ المالك لم يفوّت

__________________

(*) أقربها الأخير.

٢٥٨

[٣٥٠٠] مسألة ٨ : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه (١) ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ (٢).

وهل يضمن الغاصب تمام منفعة الأرض في تلك المدة للمالك فقط. أو يضمن له بمقدار حصّته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض ، ويضمن له أيضاً قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض؟ وجهان (*) (٣). ويحتمل ضمانه لكلّ منهما ، ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين.

______________________________________________________

على العامل شيئاً ، لأنه لم يكن يملك حصّة من منفعة الأرض على ما عرفت بيانه مما تقدّم ، باعتبار أنّ عقد المزارعة مبنيّ على بذل كل من الطرفين ما يجب عليه مجاناً بإزاء اشتراكهما في النتيجة خاصة ، فلا وجه للحكم بضمانه لحصته من منفعة الأرض.

وأوضح من ذلك في الفساد القول بضمانه للحصة من الحاصل تخميناً ، فإنها ليست مملوكة للعامل بالفعل كي يضمنها المالك له.

نعم ، إنه كان سيملكها على تقدير ظهورها ، وقد منع المالك من تحققها برفع موضوعها ، إلّا أنه غير موجب للضمان جزماً.

وممّا تقدّم يظهر الحال في التفصيل بين العذر وغيره ، فإنه لا موجب له بالمرّة ، بعد عدم شمول دليل الضمان للمقام.

نعم ، المالك آثم بتركه التسليم ، لامتناعه عما هو واجب عليه.

(١) لما تقدّم من ثبوت الخيار عند عدم التسليم.

(٢) لتمامية العقد به.

(٣) ظهر مما تقدّم في المسألة السابقة ، أن الأقوى في المقام هو القول الأوّل. فإنّ العامل لا يملك شيئاً من منفعة الأرض كي يضمن له نتيجة لفواته بالغصب بموجب

__________________

(*) أقربهما الأوّل.

٢٥٩

[٣٥٠١] مسألة ٩ : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع ، من حنطة أو شعير أو غيرهما ، تعيّن ولم يجز للزارع التعدي عنه (١).

ولو تعدّى إلى غيره (*) ، ذهب بعضهم إلى أنه إن كان ما زرع أضرّ مما عيّنه المالك ، كان المالك مخيَّراً بين الفسخ وأخذ اجرة المثل للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ. وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه. وقال بعضهم يتعيّن أخذ أُجرة المثل للأرض مطلقاً ، لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلا يجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً.

والأقوى (٢) أنه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع وأنّ الغرض من التعيين

______________________________________________________

قاعدة الإتلاف ، كما أنّ المالك لا يملك شيئاً من عمل العامل كي يضمن له بالإتلاف أيضاً ، فإنّ كلا منهما متبرع بالذي عليه للاشتراك في النتيجة.

ومن هنا يظهر الحال في الوجه الأخير أيضاً. فإنه لا معنى لضمان الغاصب ما لم يكن لمملوك بالفعل ، فإنّ الضمان إنما يختص بما يعد مالاً بالفعل ، وأما ما سيكون كذلك في المستقبل فلا يثبت الضمان برفع موضوعه والمنع من تحققه ، كما هو واضح.

إذن فالصحيح هو ضمان الغاصب للمالك خاصة منفعة أرضه الفائتة بالغصب لعموم قاعدة الضمان للمنافع كالأعيان.

(١) لوجوب الوفاء بالعقد عليه ، وانتفاء الإذن في التصرّف في غيره.

(٢) بل الأقوى هو ان يقال : إنه قد يفرض انكشاف الحال للمالك بعد تمامية الزرع

__________________

(*) الصحيح أن يقال : إنّه إذا علم به بعد بلوغ الحاصل فليس له إلّا المطالبة بأُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض ، وأمّا الحاصل فهو للعامل إن كان البذر له ، وإن كان للمالك فله المطالبة ببدله أيضاً ، وعلى تقدير البذل كان الحاصل للعامل أيضاً وليست له مطالبة المالك بأُجرة العمل مطلقاً ، وإذا علم به قبل بلوغ الحاصل فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وإلزام العامل بقلع الزرع أو إبقائه بالأُجرة أو مجّاناً إذا كان البذر له ، وأمّا إذا كان للمالك فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وبدل البذر أيضاً ، فإن دفع بدله كان حكمه حكم ما إذا كان البذر له من أوّل الأمر ، هذا كلّه إذا كان التعيين بعنوان التقييد ، وأمّا إذا كان بعنوان الاشتراط فإن تنازل المالك عن شرطه فهو ، وإلّا فسخ العقد وجرى عليه حكم التقييد.

٢٦٠