موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

أحدهما أو منهما ، مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرع أو من أجير. هذا مع الإطلاق. ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما ، فإن كان للعامل منهما ، أو لمن عمله أزيد ، فلا إشكال ولا خلاف على الظاهر عندهم في صحّته (١).

أمّا لو شرطا لغير العامل منهما ، أو لغير من عمله أزيد ، ففي صحّة الشرط والعقد ، وبطلانهما ، وفي صحة العقد وبطلان الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال ، أقواها الأوّل (*) (٢). وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد (٣). وذلك لعموم «المؤمنون عند شروطهم».

ودعوى أنه مخالف لمقتضى العقد ، كما ترى (**). نعم ، هو مخالف لمقتضى إطلاقه (٤). والقول بأن جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في

______________________________________________________

(١) بل ادُّعي عليه الإجماع في بعض الكلمات صريحاً. والوجه فيه رجوعه إلى اشتراط عقد المضاربة في ضمن عقد الشركة ، وهو لا محذور فيه حتى ولو كان رأس المال من غير النقدين ، إذ إنّ اعتباره فيها إنما كان للإجماع الذي ادُّعي عليه ، وهو في المقام مفقود ، بل الإجماع قائم على عدم اعتباره في المقام ، حيث لم ينسب الخلاف في صحته إلى أحد من الأصحاب.

والحاصل أنه لا ينبغي الإشكال في صحة هذا العقد مع الشرط ، لأنه شرط سائغ ومشروع في حدّ ذاته ، واعتبار كون رأس المال من النقدين إن تمّ فهو إنما يعتبر في المضاربة المستقلة ، دون ما كان في ضمن عقد الشركة.

(٢) بل الأخير ، لمخالفة الشرط لمقتضى السنة ، على ما سيأتي بيانه.

(٣) الحال فيه كالحال في سابقه حرفاً بحرف.

(٤) الصحيح في الجواب أن يقال : إنّ عقد الشركة أجنبي عن الربح بالمرّة. فإنّ

__________________

(*) بل أقواها الثالث ، وكذا الحال فيما بعده.

(**) لكنّه من الشرط المخالف للسنّة ، فإن تملّك شخص ربح مال غيره بلا سبب شرعي مخالف لها ، والشرط لا يكون مشرعاً لحكم غير مشروع ، وبذلك يظهر بطلان اشتراط كون تمام الربح أو الخسارة من أحدهما.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

مقتضاه الاشتراك في المالين بنسبتهما إلى المجموع فقط ، فلو اشترطا خلاف ذلك ، بأن يكون لأحدهما ثلثا المجموع وللآخر الثلث مع تساويهما في المالين ، حكم ببطلانها لمخالفة الشرط لمقتضى عقدها. وأما الربح فعقد الشركة أجنبي عنه تماماً ، وتساويهما فيه بالنسبة إنما ثبت بدليل خارجي ، هو ما دل على تبعية النماء لأصل المال في الملكيّة ، لا بعقد الشركة.

ومن هنا فإن كانت هناك مخالفة في الشرط فهي مخالفته للسنة ، لا لمقتضى العقد كي يقال إنه ليس مخالفاً له وإنما هو مخالف لإطلاقه.

وعلى ضوء هذا يتضح وجه عدولنا عما اختاره الماتن (قدس سره) ، من أقوائية القول الأوّل إلى أقوائية القول الأخير.

فإنّ هذا الشرط من الشرط المخالف للسنة ، حيث إن مقتضاها تبعية الربح للمال في الملك وكونه لصاحبه ، فاشتراط كونه كلّاً أو بعضاً لغيره ، يكون من الشرط المخالف لها.

وبعبارة اخرى : إنّ الربح المشترط كونه للغير ، إذا كان موجوداً بالفعل ومملوكاً له ، كما لو كان ربحاً لتجارة سابقة ، فلا مانع من أخذه في العقد ، لأنه شرط سائغ والمالك مسلط على ماله يتصرف فيه كيف يشاء.

وأما إذا لم يكن كذلك ، كما هو الحال فيما نحن فيه حيث إن ربح التجارات الآتية أمر معدوم ولا وجود له بالفعل ، فلا يصحّ أخذه شرطاً إذ لا يصح تمليك المعدوم وكان من الشرط المخالف لمقتضى السنة ، إلّا ما أخرجه الدليل ، كالمضاربة والمزارعة والمساقاة.

ولذا لم يتوقف أحد في بطلان هذا الشرط إذا أُخذ في ضمن عقد آخر ، كالبيع والإجارة ونحوهما ، بأن يشترط البائع على المشتري في عقد بيع الدار مثلاً أن تكون أرباح بستانه له ، فإنه فاسد جزماً ، إذ الشرط لا يكون مشرعاً ، وإنما أدلته تنظر إلى لزوم الوفاء به فيما يكون سائغاً ومشروعاً في نفسه.

والحاصل أن اشتراط أحد الشريكين الزيادة في الربح من دون أن يكون ذلك في

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قبال عمل أو زيادة فيه ، من الشرط المخالف ومحكوم بالفساد لا محالة ، إلّا أن ذلك لا يؤثر على العقد شيئاً فإنه محكوم بالصحة ، لما عرفته في محلّه من أنّ التحقيق يقتضي عدم سراية فساد الشرط إلى العقد نفسه.

ثمّ إنه قد يفصل في المقام ، بين ما إذا كان الشرط ملكيّة أحدهما الزيادة ابتداءً وبنفس العقد ، بحيث ينتقل ذلك المقدار من الربح إليه مباشرة ، فيحكم ببطلانه لمخالفته للسنّة. وبين ما إذا كان الشرط تملك الشريك ذلك المقدار بعد تملكه هو له ، بحيث يكون انتقاله منه إليه لا من المشتري مباشرة ، فيحكم بصحته لعدم مخالفته للسنّة نظراً لعدم منافاته لقانون تبعية الربح لأصل المال في الملكيّة. فإنّ كلّاً منهما يملك من الربح بنسبة ماله إلى المجموع ، ثمّ ينتقل ما اشترط من الزيادة من المشروط عليه إلى المشروط له.

إلّا أنّ فساده يظهر مما تقدّم. فإنّه مخالف للكتاب والسنة أيضاً ، حيث إنّه يتضمن تمليك المعدوم بالفعل وهو غير جائز ، فإنه ليس للإنسان أن يملّك غيره ما لا يملكه ؛ بالفعل ، وبذلك يكون اشتراطه من اشتراط أمر غير جائز ، فيحكم بفساده لا محالة لأن أدلّته ليست بمشرعة.

والحاصل أنه لا فرق في الحكم ببطلان هذا الاشتراط بين كون الشرط هو انتقال الزيادة إلى الشريك مباشرة ، وانتقالها إليه بواسطة مالكها وبعد انتقالها إليه. فإنّ ما لا يكون مشروعاً في حدّ نفسه لا يكون كذلك بالشرط ، لأنّ الاشتراط لا يغيّر الأحكام الإلهية ، لكن ذلك لا يوجب فساد العقد أيضاً ، فإنه محكوم بالصحة.

ويقتضيه مضافاً إلى ما بيّناه في محلّه صحيحة رفاعة ، قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن رجل شارك رجلاً في جارية له وقال : إن ربحنا فيها فلك نصف الربح ، وإن كانت وضيعة فليس عليك شي‌ء ، فقال : «لا أرى بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية» (١).

فإنّها دالّة على صحّة العقد في ظرف فساد الشرط المأخوذة فيه ، وإن لم أر من

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الشركة ، ب ١ ح ٨.

٢٠٣

مقابلتها ليس تجارة ، بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل (١).

ودعوى أن العمل بالشرط غير لازم لأنه في عقد جائز. مدفوعة.

أوّلاً : بأنه مشترك الورود ، إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل

______________________________________________________

تعرّض لها في المقام. وذلك لأنّ المشار إليه بقوله (عليه السلام) : «لا أرى بهذا بأساً» لا يمكن أن يكون هو نفس عقد الشركة ، لاستلزامه المنافاة مع قوله (عليه السلام) : «إذا طابت نفس صاحب الجارية» فإنه يكون لغواً محضاً ، لأنّ المفروض أنه هو الذي طلب من الآخر ذلك. بل المشار إليه بأداة الإشارة إنما هو نتيجة الشرط ، أعني احتساب تمام الوضيعة على نفسه وعدم تحميل صاحبه شيئاً منها.

ومن هنا تكون الرواية دالّة على فساد الشرط ، إذ لولاه لكان مجبوراً على ذلك سواء أطابت نفسه به أم لا.

وبعبارة اخرى : إنّ إناطة الحكم بطيب النفس وعدمه ، كاشف عن عدم لزوم الشرط ونفوذه عليه ، بمعنى كونه غير مجبور على الوفاء به بل الأمر بيده ، فإن طابت نفسه به فله ذلك ، وإلّا فله الامتناع عنه. وهذه عبارة أُخرى عن فساد الشرط ، وإلّا فلا وجه لاعتبار طيب النفس في الحكم.

إذن تكون الرواية دالّة على أنّ فساد الشرط وعدم نفوذه ، لا يتنافى مع كون أصل العقد صحيحاً.

(١) لأنّ التمليك برضا كل من المتعاملين ، والأكل المستند إليه لا يكون من الأكل بالباطل جزماً ، فإنّ التمليك بالرضا ينافيه.

ولذا لو كان متعلق الشرط في المقام غير الزيادة في الربح ، بأن اشترط أحدهما على الآخر عملاً أو مالاً معيَّناً ، لم يكن من الأكل بالباطل جزماً.

والحاصل أنّ الأكل المستند إلى التمليك بالرضا في ضمن عقد سائغ ، مع وجوب الوفاء به ، لا يكون من الأكل بالباطل.

ومن هنا فلو كان عموم : «المؤمنون عند شروطهم» شاملاً له ، لكان الشرط محكوماً بالصحة بلا إشكال.

٢٠٤

أو زيادته (١).

وثانياً : بأن غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط (٢) والمفروض في صورة عدم الفسخ ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به. وليس معنى الفسخ حل العقد من الأوّل ، بل من حينه (٣) فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين.

هذا ولو شرط تمام الربح لأحدهما بطل العقد ، لأنه خلاف مقتضاه (٤). نعم ، لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما ،

______________________________________________________

(١) والحال أنك قد عرفت ، أنه لم ينسب الخلاف في صحته إلى أحد من الأصحاب.

(٢) على ما عرفت بيانه مفصلاً في كتاب المضاربة.

(٣) ولذا ذكرنا في كتاب المضاربة ، أن الفسخ لا يؤثر بالنسبة إلى الأرباح السابقة عليه شيئاً ، بل يوزع الربح بينهما بالنسبة التي اتفقا عليها في العقد.

(٤) لم يظهر لنا وجه التفصيل بين اشتراط تمام الربح لأحدهما واشتراط بعضه فإنه يجري فيه ما قيل في اشتراط البعض من أنه ليس منافياً لمقتضى العقد ، وإنما هو منافٍ لمقتضى إطلاقه خاصة ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة.

على أنك قد عرفت أنه ليس منهما معاً. فإنّ العقد أجنبي عن الربح تماماً ، فإنه لا يقتضي إلّا اشتراكهما في المالين ، في قبال اختصاص كلّ منهما بأحدهما.

نعم ، يبقى فيه ما ذكرناه في اشتراط البعض من كونه منافياً للسنة ، حيث يقتضي المنع من تمليك المعدوم بالفعل ، فإنه لولا هذه الجهة لوجب الالتزام بصحّة الشرط والعقد معاً ، كما التزم به الماتن (قدس سره) في اشتراط البعض.

ثمّ إنه لو قلنا بفساد الشرط لمخالفته لمقتضى العقد كما أفاده الماتن (قدس سره) ، لم يكن محيص عن الالتزام بفساد العقد أيضاً ، إذ لا يجري فيه أنّ فساد الشرط لا يسري إلى العقد ، فإنّه إنما يتمّ في الشروط الخارجية عن مفاد العقد. وأما الشروط المنافية لمقتضاه ، ففسادها يستدعي فساد العقد لا محالة ، لرجوعه إلى إنشاء أمرين متناقضين ، كما لو باعه الدار على أن لا يملك ، وهو يرجع في الحقيقة إلى عدم البيع.

٢٠٥

فالظاهر صحته (١) لعدم كونه منافياً.

[٣٤٨٥] مسألة ٦ : إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما ، مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما ، فهو المتبع ، ولا يجوز التعدي. وإن أطلقا ، لم يجز لواحد منهما التصرّف إلّا بإذن الآخر. ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه ، فإن كان مقيداً بنوع خاص من التجارة ، لم يجز التعدي عنه ، وكذا مع تعيين كيفية خاصة (٢). وإن كان مطلقاً ، فاللّازم الاقتصار على المتعارف (٣) من حيث النوع والكيفية. ويكون حال المأذون حال العامل في المضاربة ، فلا يجوز البيع بالنسيئة ، بل ولا الشراء بها ، ولا يجوز السفر بالمال ، وإن تعدّى عمّا عين له

______________________________________________________

(١) بل الظاهر بطلانه. وذلك لا لكونه منافياً لمقتضى العقد ، إذ قد عرفت أنّ مفهوم الشركة أجنبي عنها وعن الربح بالمرة ، فإنه ليس إلّا تبديل عنوان الاختصاص بعنوان الاشتراك فقط ، وأما كون الربح أو الخسارة بينهما فهو أمر خارج عنه ولا علاقة له به.

بل لكونه منافياً للكتاب والسنّة ، فإنّ كون خسارة مال أحد وتلفه على غيره ، من غير ما يوجب الضمان من تلف أو إتلاف ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

ولذا لا يلتزمون بصحته في غير هذا العقد.

إذن فالظاهر في جميع هذه الموارد اشتراط الربح تماماً أو بعضاً ، والخسارة كذلك ، لأحدهما أو عليه بطلان الشرط خاصة ومن دون سراية إلى العقد نفسه وبذلك يكون حال هذه الصور حال صورة الإطلاق ، حيث يتقاسم الشريكان الربح والخسران بنسبة ماليهما إلى المجموع.

(٢) لاختصاص الإذن بها وانتفائه عن غيرها.

(٣) للانصراف إليه عند عدم التعيين.

٢٠٦

أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف (*) (١) ولكن يبقى الإذن بعد التعدِّي (٢) أيضاً ، إذ لا ينافي الضمان بقاءه. والأحوط مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة ، وإن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة (٣).

______________________________________________________

(١) أما مع التلف فلا ينبغي الإشكال في ضمانه. فإنه وبتصرفه تصرفاً غير مأذون فيه ، يكون متعدّياً ومتلفاً لمال الغير ، فيضمنه لا محالة. إلّا أن معه لا مجال لبقاء الإذن على حاله ، لارتفاعه بارتفاع موضوعه ، أعني تلف المال.

وأما مع الخسارة فما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لا وجه لضمانه لها بالمرّة. فإنّ العقد الصادر على خلاف ما عيّن له أو المتعارف ، لما لم يكن عقداً مأذوناً فيه ، كان عقداً فضولياً لا محالة. ومعه فيتخيّر المالك الشريك بين إجازته وقبض الثمن المسمى خاصة ، وبين ردّه والمطالبة بماله على تقدير كونه موجوداً ، وبدله على تقدير تلفه. وعلى كلا التقديرين ، فلا يضمن الشريك البائع الخسارة.

نعم ، ضمان العامل للخسارة في فرض التعدي ، حكم ثابت في المضاربة على خلاف القاعدة للنصوص الخاصة ، حيث دلّت على صحة المعاملة عند مخالفة العامل المضارب لصاحب المال فيما اشترط عليه ، مع كون الربح على تقديره بينهما والخسارة عليه خاصة.

إلّا أن التعدي عنها إلى كل مورد يتصرف فيه أحد في مال غيره بغير إذنه ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

(٢) في غير التلف ، حيث عرفت أنه لا مجال لبقائه معه ، نظراً لانتفاء موضوعه.

(٣) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (١) ووجهه ظاهر. فإنّ مقتضى إطلاق الإذن فيه ، عدم تقييده بما يقترن بالمصلحة للمالك ، بل يكفي فيه ما يخلو عن المفسدة

__________________

(*) لو أجاز الشريك معاملة شريكه المتعدِّي فلا ضمان في الخسارة ، وإلّا بطلت المعاملة في حصّته ويرجع بعين ماله أو ببدله.

(١) الجواهر ٢٦ : ٣٠٢.

٢٠٧

[٣٤٨٦] مسألة ٧ : العامل أمين ، فلا يضمن التلف ما لم يفرط أو يتعدَّ (١).

[٣٤٨٧] مسألة ٨ : عقد الشركة من العقود الجائزة (٢). فيجوز لكل من

______________________________________________________

له ، فإنه الخارج عن الإذن خاصة ، ويكون الأمر في الباقي بما في ذلك ما لا مصلحة فيه بيد العامل المأذون له بالتصرف.

وأوضح من ذلك في الجواز ما إذا كان أصل البيع مقروناً بالمصلحة ، وكان الفرد المختار من بين سائر الأفراد فاقداً لها ، بحيث لم يكن فيه مصلحة زائدة على مصلحة أصل البيع. فإنه لا ينبغي فيه الإشكال في الجواز ، فإنّ تطبيق الكلّي على الأفراد الخارجية بيد العامل المأذون جزماً ، ولا يحتاج فيه إلى وجود المصلحة قطعاً.

(١) وهو واضح. فإنّ الضمان إنما يثبت بالإتلاف أو اليد إذا كانت عدوانية ، فلا يثبت مع كونها يد أمانة وعدم استناد التلف إليه.

(٢) توضيح الحال في المقام : أنّ الشركة إن لوحظت بالقياس إلى أصل المال وكونه غير مختصّ بأحدهما سواء في ذلك الشركة الاختيارية أو غير الاختيارية مع القصد أو لا معه فهي لا تنفسخ ما لم تتحقق القسمة في الخارج ، ولا تتبدل الملكيّة الاشتراكية بالملكيّة الاختصاصية إلّا بها.

ولكلّ منهما المطالبة بذلك في جميع مواردها ، بلا إشكال فيه ولا خلاف.

وتدلّ عليه السيرة القطعية العقلائية والمتشرعية المتصلة بعهد المعصوم (عليه السلام). فإنه ليس لبعض الورثة الامتناع من التقسيم ، والمطالبة ببقاء التركة على حالها بعد مطالبة غيره به ، بل لا بدّ من استجابته إليه.

ومن هنا يظهر أنه ليس معنى الجواز في المقام هو ارتفاع الشركة وزوالها بالفسخ فإنها موجودة ما لم تتحقق القسمة في الخارج ، وإنما هو بمعنى جواز مطالبة كلّ منهما بالقسمة ، وعدم جواز امتناع صاحبه منها.

وإن لوحظت بالقياس إلى الربح الحاصل من التجارة. فحيث إنّ استحقاق الربح لم يكن من جهة عقد الشركة ومقتضاها ، وإنما كان من جهة الإذن في التصرّف في ماله

٢٠٨

الشريكين فسخه ، لا بمعنى أن يكون الفسخ موجباً للانفساخ من الأوّل أو من حينه بحيث تبطل الشركة ، إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة ، بل بمعنى جواز رجوع كل منهما عن الإذن في التصرّف الذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة ، أو بمعنى مطالبة القسمة.

وإذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر فيما لو كان كل منهما مأذوناً لم يجز التصرّف للآخر ، ويبقى الجواز بالنسبة إلى الأوّل. وإذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما. وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر. وإذا أوقعا الشركة على وجه يكون لأحدهما زيادة (*) في الربح أو نقصان في الخسارة ، يمكن الفسخ (١) بمعنى إبطال هذا القرار ، بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين على ما هو مقتضى إطلاق الشركة.

______________________________________________________

على ما تقدّم بيانه ، وليس في المقام ملزم للآذن بإبقاء إذنه ، كان له رفع اليد عنه متى شاء ، كما هو الحال في سائر موارد الإذن. وليس للعامل التصرّف في المال بعد ذلك لأنه من التصرّف في مال الغير بغير إذنه.

وعليه فمعنى الجواز هنا ، عدم كون الآذن ملزماً بإبقاء إذنه ، وجواز رفعه له متى شاء ذلك.

(١) وذلك بإسقاط من له الشرطُ الشرطَ ، فإنّه من الحقوق ولصاحبه إسقاطه ، أو رفع من عليه الشرط يده عن الإذن في التصرّف ، إذ به يرتفع موضوع كون الزيادة للشارط ، نظراً لكونها تابعة لجواز التصرّف في المال وصحة المعاملة.

لكنك قد عرفت في المسألة السادسة بطلان هذا الاشتراط من أساسه ، نظراً لكونه مخالفاً للسنّة. ومن هنا فيكون الربح أو الخسران بينهما على نسبة المالين ، من غير حاجة إلى الطريقين السابقين.

__________________

(*) تقدّم بطلان هذا الشرط.

٢٠٩

[٣٤٨٨] مسألة ٩ : لو ذكر في عقد الشركة أجلاً لا يلزم ، فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه (١) إلّا أن يكون مشروطاً في عقد لازم فيكون لازماً (٢).

[٣٤٨٩] مسألة ١٠ : لو ادّعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر ، عليه الحلف مع عدم البينة (٣).

[٣٤٩٠] مسألة ١١ : إذا ادّعى العامل التلف ، قُبِلَ قوله مع اليمين ، لأنه أمين (٤).

[٣٤٩١] مسألة ١٢ : تبطل الشركة بالموت (٥)

______________________________________________________

(١) والوجه فيه ظاهر. فإنّ الشركة من العقود الإذنية ، ولا ملزم للشريك للبقاء على إذنه ، بل له رفع اليد عنه متى شاء ، كما هو الحال في الوكالة. وتعيين الأجل في العقد الإذني يرجع إلى تعيين الأجل للإذن ، ولا ريب في عدم لزومه ، فيجوز الرجوع قبل انقضائه.

(٢) لكونه حينئذٍ من توابع العقد وشؤونه فيلزم بلزومه ، ومعه فلا أثر لرجوع المالك عن إذنه.

(٣) على ما تقتضيه قواعد الدعوى. فإنّ المدّعى يلزم بالبيّنة ، وإلّا فليس على المنكر إلّا اليمين.

(٤) على ما هو المشهور بين الأصحاب. لكنك قد عرفت في كتاب الإجارة عند التعرض لدعوى الأجير تلف مال الإجارة ، أن مقتضى النصوص الواردة في دعوى الأمين التلف ، هو التفصيل بين كونه متهماً وعدمه. ففي الأوّل يلزم بالبدل ما لم يقم البيّنة على العدم ، في حين يقبل قوله في الثاني مع يمينه ما لم يقم المدّعى البيّنة.

(٥) بلا إشكال فيه ولا خلاف. فإنّ جواز تصرف العامل في المال مستند إلى إذن المالك ، وحيث إنّ المال قد انتقل من الآذن إلى ورثته وبذلك بطل إذنه ، فلا يجوز له التصرّف فيه إلّا بإذن شريكه الجديد الورثة.

وكذا الحال فيما لو كان العقد مع ولي شريكه. فإنّ موته يمنعه من جواز التصرّف في المال المشترك ما لم يأذن الولي الجديد في ذلك ، فإنّ إذن الأوّل إنما يختص بدور

٢١٠

والجنون (١) والإغماء (٢) والحجر بالفلس أو السفه (٣). بمعنى : أنه لا يجوز للآخر التصرّف ، وأما أصل الشركة فهي باقية (٤). نعم ، يبطل أيضاً ما قرّراه (*) من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك (٥).

وإذا تبيّن بطلان الشركة ، فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة ، ويكون

______________________________________________________

ولايته ، فإذا انتفت بموته وانتقلت إلى غيره بطل إذنه ، واحتاج جواز التصرّف فيه إلى إذن من له الولاية على الشريك بالفعل.

(١) فإنّ حكم المجنون حكم الحيوانات من حيث فقدانه للأهلية. وحيث إنّ جواز التصرّف متوقّف على الإذن بقاءً ، وهو منتفٍ في المقام نظراً لانعدام أهليته ، فلا محيص عن الالتزام ببطلان الشركة ، وعدم جواز تصرف الآخر في المال المشترك.

والحاصل أنه إنما يحكم على الإذن الصادر من أحد بالبقاء فيما إذا صح منه الإذن فعلاً ، وحيث إنّ المجنون ليس كذلك ، فيبطل إذنه السابق ولو كان صادراً حال عقله وأمانته.

(٢) فإنّه ملحق بالمجنون ، فإنّه لا يقاس بالنائم على ما هو المتسالم عليه بينهم. فإنّ الإذن السابق لا أثر له ، واللّاحق ساقط عن الاعتبار ، لانتفاء أهلية المجيز.

(٣) يظهر وجهه مما تقدّم. فإنّ جواز الإذن متوقف على صلاحية الآذن وأهليته للقيام بذلك التصرّف مباشرة ، وحيث إنّه مفقود في المقام ، فلا اعتبار بإذنه.

وبعبارة اخرى : ان العقود الجائزة متقومة بالإذن حدوثاً وبقاءً ، فتنتفي بمجرّد انتفائه. وحيث إنّ المحجور عليه ليس له التصرّف في ماله ، فليس له حق الإذن في ذلك فعلاً بقاءً أيضاً. ومعه فلا يجوز للمأذون سابقاً التصرّف فيه ، لانتفاء الإذن الفعلي ، وعدم تأثير الإذن السابق.

(٤) غاية الأمر أنّها في فرض الموت تكون بينه وبين الورثة ، لانتقال المال إليهم.

(٥) لاختصاصه على تقدير صحته بالإذن السابق والمفروض انتفاؤه ، إلّا أنك قد

__________________

(*) تقدّم أنّ هذا الشرط في نفسه باطل ولو كان عقد الشركة صحيحاً.

٢١١

الربح على نسبة المالين ، لكفاية الإذن المفروض حصوله (١). نعم ، لو كان مقيّداً

______________________________________________________

عرفت أنّ هذا الشرط باطل على كل تقدير.

(١) وقد تقدّم نظيره في المضاربة ، حيث ذكرنا أنّ بطلانها لسبب من الأسباب لا ينافي صحة المعاملات الواقعة على مال المالك بعد أن كانت صادرة عن إذنه.

نعم ، لا يستحقّ العامل في الفرض الحصّة المعيَّنة له في العقد ، فإنه فرع صحته والمفروض بطلانه. إلّا أنّ ذلك لا يعني ذهاب عمله هدراً ، فإنه عمل مسلم محترم صدر عن أمر الغير لا على وجه المجانية ، فيكون ضامناً له لا محالة ، وبذلك فيستحق العامل اجرة المثل.

وهذا الكلام بعينه يجري في المقام. فإنّ صحة العقد الصادر من الشريك العامل غير متوقفة على صحة عقد الشركة بالمرّة ، وإنما هي متوقفة على تحقق الإذن من الشريك الثاني في التصرّف المفروض وجوده ، فيحكم بصحته لا محالة ، وبذلك يستحقّ العامل اجرة المثل على عمله ، نظراً لصدوره عن أمر الغير لا على وجه التبرع كما إذا اشترط الزيادة للعامل. وأما مع عدمه ، فلا يستحقّ شيئاً ، لأنه متبرع بعمله.

بقي إن نعرف في المقام أن فساد عقد الشركة ، قد يفرض من جهة فقدان العاقد لبعض الشروط المعتبرة في صحته ، كالبلوغ والعقل. وقد يفرض من جهة فقدان العقد لبعض الشروط المعتبرة فيه ، كالمزج بناءً على القول باعتباره.

والظاهر أنّ موضوع كلام الماتن (قدس سره) في المقام هو الثاني ، وإن كان ذلك لا يلتئم مع سياق عبارته ، إذ فيه يأتي ما ذكره (قدس سره) من فساد عقد الشركة مع صحة المعاملات الصادرة من العامل واستحقاقه اجرة المثل.

إلّا أنه يرد عليه أنه لا وجه لتقيد الحكم بالمعاملات الواقعة قبل تبين بطلان الشركة والعلم به ، بل ينبغي الحكم بالصحة مطلقاً ، كانت المعاملة صادرة قبل العلم بالبطلان أو بعده. فإنه لا أثر لذلك بعد أن كان المعيار فيه هو صدورها عن إذن

٢١٢

بالصحّة ، تكون كلّها فضوليّاً بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيّداً (١). ولكلّ منهما اجرة مثل عمله (٢) بالنسبة إلى حصّة الآخر إذا كان العمل منهما ، وإن كان من أحدهما فله اجرة مثل عمله.

______________________________________________________

المالك ، فإنه موجود في كلا الفرضين على حدّ سواء ، إذ لا منافاة بين العلم بالفساد وبقاء الإذن.

نعم ، لو كان موضوع كلامه (قدس سره) هو الأوّل ، على ما يشهد له سياق عبارته (قدس سره) حيث ذكر ذلك بعد تعرضه للبطلان بفقد شي‌ء من الشرائط المعتبرة في العاقد ، فما أفاده (قدس سره) من بطلان المعاملات الواقعة بعد العلم بالفساد و

إن كان صحيحاً ، إلّا انه يستلزم انعكاس الإشكال السابق ، حيث أنّ لازم ذلك الحكم بفساد المعاملات الصادرة منه قبل العلم بالفساد أيضاً ، إذ لا عبرة بإذن المجنون أو الصغير أو المحجور عليه ، فإنه من هؤلاء مساوق للعدم.

والحاصل أنه لا وجه لما أفاده (قدس سره) من التفصيل ، بين المعاملات الصادرة من العامل قبل العلم بفساد عقد الشركة ، والصادرة بعد العلم به ، فإنّ الحكم على كلا التقديرين واحد. فإنّ الفساد إذا كان ناشئاً من جهة فقدان العاقد لبعض الشروط المعتبرة فيه ، تعيّن الحكم ببطلان المعاملات الصادرة من العامل ، سواء في ذلك الصادرة منه قبل علمه بالفساد أم بعده. وإن كان ذلك ناشئاً من جهة فقدان العقد لبعض الشروط المعتبرة فيه ، تعيّن الحكم بصحتها مطلقاً ، صدرت منه قبل علمه بالفساد أم بعده.

(١) لفقدانه لإذن المالك. ومن هنا فإن أجاز العقد بعد ذلك فهو ، وإلّا حكم ببطلانها.

(٢) الظاهر رجوع هذه الفقرة إلى فرض عدم بطلان المعاملات ، أعني عدم كون الإذن مقيداً بصحّة الشركة. فإنّ الشريك العامل حينئذ يستحق اجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة صاحبه ، مضافاً إلى ما يأخذه من ربح حصّته ، كما عرفت.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فيكون قوله (قدس سره) : (نعم ، لو كان مقيداً ... يكون إذنه مقيّداً) جملة معترضة ، وإلّا فلا وجه لإثبات أُجرة المثل في فرض عدم الإذن في المعاملة وكونها فضولية محضة ، إذ لا موجب لضمان المالك حتى على تقدير إجازته لتلك المعاملات والربح فيها ، على ما عرفته مفصلاً في كتاب المضاربة.

ومما يشهد لما ذكرناه أنه (قدس سره) لم يفرض الفضولية من الطرفين ، فقد يكون أحدهما كذلك والآخر مأذوناً ، ومعه فلا وجه لاستحقاق كل منهما الأُجرة بالنسبة إلى حصّة صاحبه ، فإنه إنما ينسجم مع كون الإذن من كل منهما غير مقيد بصحّة الشركة.

على أنّ إطلاق استحقاق كل منهما اجرة مثل عمله ، يعمّ فرض إجازة المالك للعقد الفضولي وعدمها. وهو مما لا يمكن الالتزام به في فرض الردّ جزماً ، وإن التزم (قدس سره) به في فرض الإجازة في كتاب المضاربة. وقد عرفت منّا منعه ، نظراً لعدم صدور المعاملات عن أمره ، وكون ما يصل إليه من الربح حاصلاً من فعله أعني الإجازة.

والحاصل أنّ في المقام يستحقّ كلّ من العاملين على صاحبه اجرة مثل عمله في حصّته إذا كان العمل منهما معاً ، وإلّا فالعامل منهما خاصة ، لصدوره عن أمره به لا على سبيل التبرع والمجانية إذ لا يذهب عمل المسلم هدراً ، حيث لم يسلم له شرط الزيادة في الربح ، نظراً لفساده بفساد العقد.

إلّا أن هذا إنما يتمّ فيما إذا كانت الزيادة مشروطة للعامل منهما. وأما لو اشترطت لمن لا عمل له ، وقلنا بصحّة هذا الشرط في نفسه ، فلا يستحقّ العامل في فرض الفساد شيئاً زائداً عن ربح حصّته ، وذلك لإقدامه على التبرع بعمله والإتيان به مجاناً.

ثمّ إنه وفى فرض اشتراط الزيادة له ، فهو إنما يستحق اجرة المثل فيما إذا لم تزد عن الزيادة التي كانت له على تقدير الصحة ، وإلّا فلا يستحقّ الزائد عنها ، لإقدامه على عدم استحقاقه والتبرع بهذا المقدار ، فهو في الحقيقة إنما يستحق أقل الأمرين من الزيادة وأُجرة المثل.

٢١٤

[٣٤٩٢] مسألة ١٣ : إذا اشترى أحدهما متاعاً وادّعى أنه اشتراه لنفسه وادّعى الآخر أنه اشتراه بالشركة ، فمع عدم البيّنة القول قوله مع اليمين ، لأنه أعرف بنيته (١). كما أنه كذلك لو ادّعى أنه اشتراه بالشركة ، وقال الآخر أنه اشتراه لنفسه ، فإنه يقدم قوله أيضاً ، لأنه أعرف ، ولأنه أمين (٢).

______________________________________________________

(١) بل لظهور إطلاق البيع والعقد وبطبعه الأوّلي في كونه للعاقد نفسه ، وكونه للغير تقييد يحتاج إلى مئونة زائدة. ومن هنا فعلى مدّعيه الإثبات ، وإلّا فالأصل عدمه.

(٢) بل للسيرة العقلائية والمتشرعية القطعية على قبول قول الوكيل فيما هو وكيل فيه ، ودخوله تحت قاعدة : «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» التي أُرسلت في كلماتهم إرسال المسلّمات.

نعم ، لو ادّعى الشريك كذبه في ذلك كان له إحلافه ، على ما تقتضيه قواعد الدعوى.

والحمد لله أوّلاً وآخراً

٢١٥
٢١٦

كتاب المزارعة

٢١٧
٢١٨

كتاب المزارعة

وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصّة من حاصلها. وتسمّى : مخابرة أيضاً. ولعلّها من الخبرة بمعنى النصيب ، كما يظهر من مجمع البحرين.

ولا إشكال في مشروعيتها ، بل يمكن دعوى استحبابها ، لما دلّ على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعمّ من المباشرة والتسبيب (١).

ففي خبر الواسطي ، قال : سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن الفلّاحين قال : «هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحبّ إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيّاً إلّا زارعاً ، إلّا إدريس (عليه السلام) فإنه كان خيّاطاً» (*).

وفي آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيباً أخرجه الله عز وجل ، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة يدعون المباركين» (**).

______________________________________________________

(١) هذه الدعوى عهدتها على مدعيها. فإن الظاهر من كلمة «الزراعة» إنما هو الفعل الخارجي بنفسه ، بحيث يباشر المكلف الإتيان به. ومن هنا فإثبات كون الإتيان بسببه محبوباً ايضاً ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

نعم ، لا يبعد دعوى استحبابه من باب كونه مقدمة لأمر مستحب في نفسه وإعانة عليه ، فيدخل في قوله تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (١). إلّا أنه خارج عن

__________________

(*) الوسائل ، ج ١٧ كتاب التجارة ، أبواب مقدمات التجارة ، ب ١٠ ح ٣.

(**) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٣ ح ٧.

(١) سورة المائدة ٥ : ٢.

٢١٩

وفي خبر عنه (عليه السلام) قال : «سُئل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أي المال خير؟ قال : زرع زرعه صاحبه وأصلحه وادّى حقه يوم حصاده. قال : فأيّ المال بعد الزرع خير؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. قال : فأيّ المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر تغدو بخير وتروح بخير. قال : فأيّ المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل ، المطعمات في المحل ، نعم المال النخل ، من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف ، إلّا أن يخلف مكانها. قيل : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فأيّ المال بعد النخل خير؟ فسكت فقام إليه رجل فقال له : فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلّا من جانبها الأشأم ، أما أنها لا تعدم الأشقياء الفجرة» (*).

وعنه (عليه السلام) : «الكيمياء الأكبر الزراعة» (**).

وعنه (عليه السلام) : «إن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع ، كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» (***).

وعنه (عليه السلام) ، أنه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة؟ فقال : «ازرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» (١).

______________________________________________________

محل الكلام ، فإنّ الكلام إنما هو في استحبابه بعنوان المعاملة والمزارعة ، لا استحبابه مطلقاً وتحت أي عنوان كان ، ولو كان ذلك هو عنوان الإعانة على أمر محبوب ومرغوب عند الشارع المقدس.

(١) هذه الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة ، غير أنّ الصدوق (قدس سره) قد رواها

__________________

(*) الوسائل ، ج ١١ كتاب الحج ، أبواب أحكام الدواب ، ب ٤٨ ح ١.

(**) الكافي ٥ : ٢٦١.

(***) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المزارعة والمساقاة ، ب ٣ ح ٢.

٢٢٠