موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

كتاب الشركة

فصل في أحكام الشركة

وهي عبارة عن كون الشي‌ء الواحد لاثنين أو أزيد ، ملكاً أو حقاً (١).

وهي إمّا واقعية قهرية (*) ، كما في المال أو الحق الموروث.

وإمّا واقعية اختيارية ، من غير استناد إلى عقد ، كما إذا أحيى شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك ، أو حفرا بئراً ، أو اغترفا ماءً ، أو اقتلعا شجراً.

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّ لفظ الشركة في كلمات الفقهاء مستعمل في معناه اللغوي ، وهو ما يقابل الاختصاص ، وليس لديهم هناك اصطلاح خاص فيه.

نعم ، كلامهم (قدس سرهم) في المقام يختص بحصة خاصة منها.

فإنها قد تفرض في الأُمور التكوينية الخارجية ، كالحفر والقتل. وبهذا المعنى جاء في الكتاب العزيز (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) (١) حيث دلّت على انحصار السلطة الحقيقية والاستيلاء الخارجي به تعالى.

وقد تفرض في الأُمور الاعتبارية من ملكيّة أو حقّ ، فإنّهما قد يختصّان بواحد وقد يكونان للمتعدِّدين فيكونون شركاء فيهما.

وهذا القسم هو محل الكلام بين الفقهاء (قدس سرهم).

__________________

(*) لا معنى للشركة الظاهريّة ، مع العلم بعدم الاشتراك واقعاً. فالصحيح في موارد الامتزاج القهري أو الاختياري أنّ الشركة واقعيّة إذا كان الممتزجان يعدّان شيئاً واحداً عرفاً. وإلّا فلا شركة أصلاً كخلط الدراهم بمثلها.

(١) سورة الفرقان ٢٥ : ٢.

١٨١

وإمّا ظاهرية قهرية ، (١) كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبي ، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، سواء كانا من جنس واحد ، كمزج حنطة بحنطة ، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ، أو دهن اللوز بدهن الجوز ، أو الخل بالدبس.

______________________________________________________

(١) وفيه : أنه لا معنى للشركة الظاهرية قهرية كانت أم اختيارية بعد العلم بعدم الاشتراك واقعاً ، فإنّ الأحكام الظاهرية إنما هي مجعولة في فرض الشك والجهل بالحكم الواقعي ، فلا معنى لثبوتها مع العلم به.

ودعوى أنّ المراد من الشركة الظاهرية ، هو ترتيب آثارها في مقام العمل وإن لم تكن هناك شركة في الواقع.

مدفوعة بأنّه لا موجب لإجراء أحكام الشركة ، بعد العلم بعدمها واقعاً واستقلال كلّ منهما في ماله.

إذن فالصحيح أن يقال : إنّ الامتزاج إذا كان على نحو يعد الممتزجان شيئاً واحداً عرفاً وأمراً ثالثاً مغايراً للموجودين السابقين ، كما في مزج السكر بالخلّ حيث يوجب ذلك انعدامهما معاً وتولد شي‌ء جديد مغاير لهما يسمّى بالسكنجبين ، ففيه تكون الشركة شركة واقعية حقيقية. فإنّ الموجود بالفعل مال واحد نشأ عن المالين فيكون ملكاً لهما معاً ، إذ لا موجب لاختصاص أحدهما به. وهذا الكلام يجري في كل مزيج يعد موجوداً واحداً لدى العرف ، فإنه يكون مشتركاً واقعاً.

ولا ينافي ذلك أنه لو اتفق تفكيكهما بوجه من الوجوه ، لكان كل منهما مختصاً بمالكه الأوّل ، إذ الشركة الواقعية في المقام مشروطة ببقاء الامتزاج وكونه موجوداً واحداً بنظر العرف ، فاذا امتازا انفسخت الشركة لا محالة.

وأما إذا كان الامتزاج بنحو يكون الموجود بالفعل عبارة عن موجودات متعددة غير قابلة للتمييز خارجاً ، كما في مزج الدراهم بمثلها ، فلا موجب للقول بالشركة أصلاً ، فإنّ كل درهم موجود مستقلّ عن الآخر ومحفوظ في الواقع.

١٨٢

وإمّا ظاهرية اختيارية ، كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كل منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله. وأمّا الاختلاط مع التميز ، فلا يوجب الشركة ولو ظاهراً (١) إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري (٢) أو القرعة.

______________________________________________________

ولا يبعد أن يكون مزج الحنطة بالحنطة والحنطة بالشعير من هذا القبيل ، حيث تكون كل حبة من الخليط مملوكة لصاحبها ، ولا موجب للقول بالشركة ، بعد أن لم يكن العرف يراهُ موجوداً واحداً في قبال الموجودين السابقين.

نعم ، في دقيقهما لا يبعد حكم العرف بوحدة الموجود بالفعل.

والحاصل ففي فرض عدم اعتبار العرف للموجود الخارجي بالفعل موجوداً واحداً ، يبقى كلّ من المالين على ملك مالكه. وحينئذ فلا بدّ في مقام التمييز من الرجوع إلى الصلح القهري ، أو القرعة ، على ما سيأتي.

(١) كما هو واضح ، لعدم الموجب لها.

(٢) والمراد به إجبار الحاكم لهما على الصلح بالتراضي ، وإلّا فالصلح لا يكون قهراً. فإن تعاندا ينتهي الأمر إلى القرعة ، حيث إنها لكل أمر مشكل ، ومع إمكان التصالح لا إشكال. وأما احتمال اشتراكهما فيه فبعيد جدّاً ولا موجب له.

وتفصيل الكلام في المقام أن يقال : إنه إذا امتزج المالان ، فإن أمكن الفرز والتمييز فلا خلاف ولا إشكال ، حيث يجب ذلك ولا تصل النوبة إلى الشركة أو الصلح أو القرعة.

وإن لم يمكن التخليص إلّا بكلفة بالغة ، كما إذا امتزج طنّ من الحنطة بطنّ من الشعير ، حيث قد تزيد اجرة الفرز عن قيمة المالين معاً. وحينئذٍ فإن تصالح المالكان فهو ، وإلّا أجبرهما الحاكم عليه ، ويكون ذلك صلحاً قهرياً. فإن امتنعا باشر الحاكم ذلك بنفسه ، حفظاً لمال المسلم عن التلف ، حيث يريد كل منهما إتلاف مال الآخر بمنعه من التصرّف فيه وأخذه لنفسه.

وأما القرعة في المقام فلا موضوع لها ، لأنها لرفع الاشتباه ، ولا اشتباه في المقام بعد

١٨٣

وإمّا واقعية مستندة إلى عقد غير عقد الشركة ، كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها.

وإما واقعية منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله ، كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه. ويسمّى عندهم بالتشريك ، وهو صحيح لجملة من الأخبار (١).

وإمّا واقعية منشأة بتشريك كلّ منهما الآخر في ماله (٢). ويسمّى هذا بالشركة العقدية ، ومعدود من العقود.

______________________________________________________

فرض امتياز كل من المالين عن الآخر ، فإنّ كل حبّة من الحنطة مملوك لمالك الحنطة وكل حبّة من الشعير مملوك لمالك الشعير.

هذا كله فيما إذا كان المالك معلوماً. وأما إذا كان هو مجهولاً ، كاشتباه الشاتين والعباءتين والكتابين وما شاكلها حيث لا يعرف مالك كل منهما بعينه ، ففيه لا مجال للشركة أيضاً ، حيث يكون المالان ممتازين في الخارج ، بل إن تصالحا بالاختيار فهو وإلّا فالقرعة لأنها لكل أمر مشكل. ولا مجال للصلح القهري ، نظراً لعدم الموجب له بعد جهالة المالكين وعدم معرفتهما.

إذن فموضوع كل من الصلح القهري والقرعة مغاير للآخر ، إلّا أنهما قد يجتمعان في فرض واحد ، كما لو امتزج أحد المالين بالآخر على نحو لا يمكن تخليصهما مع جهالة المالك ، بحيث لا يعلم من هو مالك الأوّل ومن هو مالك الثاني. وحينئذٍ فإن تصالحا فهو ، وإلّا فالقرعة أوّلاً ، ثمّ المصالحة القهرية.

(١) ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يشارك في السلعة ، قال : «إن ربح فله ، وإن وضع فعليه» (١). وغيرها ، مضافاً إلى السيرة العقلائية.

(٢) وهذا القسم هو المعروف والشائع من الشركة العقدية ، وهو محل الكلام في المقام.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الشركة ، ب ١ ح ١.

١٨٤

ثمّ إنّ الشركة قد تكون في عين ، وقد تكون في منفعة ، وقد تكون في حقّ. وبحسب الكيفية إما بنحو الإشاعة ، وإما بنحو الكلّي في المعيّن (١). وقد تكون على

______________________________________________________

(١) كما لو باع منّاً من الصبرة المعينة لزيد ، فإنّ المنّ الكلي يكون لزيد والباقي للمالك البائع ، وبذلك يكونان شريكين في الصبرة المعينة.

وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنه لا إشكال في صدق الشركة معه ولا إشاعة. اللهمّ إلّا أن يراد منها عدم التعيين ، لا خصوص الثلث والربع ونحوها (١).

وقد أورد عليه في بعض الكلمات ، بأنّ الفرض خارج عن موضوع الشركة ، فإنها إنما تتحقق فيما إذا كان المال الواحد مملوكاً لشخصين أو أكثر على نحو الإشاعة بأن يكون لكل منهما حصّة في كل جزء من ذلك المال ، لا ما إذا كان مال كل منهما مستقلا عن مال الآخر وإن كانا بحسب الوجود واحداً ، كما في البيت الواحد إذا كان طابوقه لشخص وجصه لآخر وخشبه لثالث ، فإنه لا تتحقق الشركة فيه ، لاستقلال كل واحد منهم بجزء منه.

وما نحن فيه من هذا القبيل. فإنّ المالك يملك شيئاً والمشتري يملك شيئاً آخر حيث يملك الأوّل الصبرة الخارجية ، في حين يملك الثاني الكلي فقط. ومعه فلا معنى للشركة.

لكن الصحيح هو ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدس سره). فإنّ قياس المقام على مثال الدار من القياس مع الفارق ، إذ العبرة في تحقق الشركة إنما هي بوحدة الوجود في الخارج بنظر العرف ، وهي غير متحققة في مثال الدار ، بخلاف ما نحن فيه حيث لا يكون وجود الكلي منحازاً في الخارج عن وجود الفرد الخارجي ، بل الكلي موجود بوجود الفرد. ومن هنا فالموجود الواحد في الخارج بالفعل مضاف إلى مالكين ولكن بنحوين من الإضافة ، فإنه وبلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك ، وبلحاظ الكلي الذي هو الثاني موجود بوجود الأفراد مضاف ومملوك للمشتري.

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ٢٩٣.

١٨٥

وجه يكون كل من الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرّف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة (١)

______________________________________________________

والحاصل أنّ الوجود الواحد لما كان مضافاً إلى شخصين ، تحققت الشركة بينهما فيه ، وإن اختلف نحو الإضافة إليهما.

(١) ورد التعبير بذلك في بعض النصوص. ففي معتبرة أبي المغراء عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (١).

إلّا أنّ التعبير بالشركة في هذه الموارد مبني على نوع من المسامحة ومن باب الاستعارة ، وإلّا فلا شركة في الواقع ، على ما تقدّم بيانه في محلّه من كتاب الزكاة مفصّلاً. فإنّ الموارد المذكورة في باب مستحقّي الزكاة إنما هي من باب المصرف لا الملكية ، فالفقير مثلا مصرف للزكاة ، وإلّا فهو لا يملك شيئاً منها. ومن هنا كان التزام الأصحاب بعدم وجوب البسط والاستيعاب ، إذ لو كانت ملكاً لهم لوجب ذلك ، إيصالاً للمال إلى مالكه.

ثمّ على فرض الالتزام بالملكية ، تحفظاً على ظهور اللام في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٢) فيها ، فلا مجال للالتزام بها في المقام أيضاً ، إذ الملكية على تقديرها إنما تكون للكلي الجامع والطبيعي الشامل للأفراد ، لا للأفراد بما هي.

ومن هنا فلا يملك الفرد بما هو وكل واحد منهم بشخصه شيئاً ، وإلّا لوجب البسط على جميع أفراد الصنف الواحد ، وهو غير واجب جزماً ، بل غير ممكن في الخارج حتى بناءً على وجوب البسط بين الأصناف.

إذن فلا معنى لأن يقال إنّ لبعض الشركاء في الزكاة التصرّف في المال المشترك

__________________

(١) الوسائل ، ج ٩ كتاب الزكاة ، أبواب المستحقين للزكاة ، ب ٢ ح ٤.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٦٠.

١٨٦

والسّادة في الخمس (١)

______________________________________________________

مستقلا ، إذ لا شركة حقيقة وفي الواقع ، وإنما عبّر عما فرضه الله لهم في مال الأغنياء بها مسامحة ومن باب ضيق التعبير.

ثمّ إنّ بعضهم (قدس سرهم) قد علّق على كلام الماتن (قدس سره) في المقام ، بأن ما أفاده من كون كلّ من الفقراء مستقلا بالتصرف في الزكاة غريب ، إذ لا يجوز لفقير التصرّف في الزكاة بدون إذن الولي ، وهو المالك أو الحاكم الشرعي ، فضلاً عن أن يكون مستقلا بالتصرف.

وما ذكره (قدس سره) ناشئ من التخيل بأنّ مراد الماتن (قدس سره) مما أفاده هو شركة الفقراء للمالك في المال وجواز تصرفهم فيه مستقلا. إلّا أنه غير صحيح فإنه (قدس سره) لا يقصد بما أفاده شركة الفقراء للمالك ، وإنما يعني به شركة الفقراء بعضهم لبعض في الزكاة. وعبارته (قدس سره) واضحة في ذلك ، فإنه إنما عبّر بشركة الفقراء في الزكاة ، ولم يعبر بشركتهم في المال الزكوي المال المشتمل على الزكاة.

والحاصل أن الشركة إنما هي بين الفقراء أنفسهم لا بينهم وبين المالك ، وموردها هي الزكاة بنفسها لا المال الزكوي. ومن هنا فلا وجه للإيراد عليه ، بأنه لا يجوز لهم التصرّف إلّا بإذن المالك.

وعليه فكلام الماتن (قدس سره) سالم عن الإشكال من هذه الناحية ، وإن كان هو بحدّ ذاته مبنياً على المسامحة ، كما عرفت.

(١) التعبير بالشركة في الخمس لم يرد في شي‌ء من النصوص ، إلّا أنه وكما ذكرنا في محلّه لما كان بدلاً عن الزكاة على ما ورد في النصوص ، حيث جعله الله بدلاً للهاشميين عنها (١) كان الكلام فيه هو الكلام في الزكاة ، فإنهم لا يملكونه وإنما هم مصرف له خاصة ، ولذا لا يجب بسطه عليهم واستيعابهم في القسمة.

وعلى تقدير الالتزام بملكيتهم ، لظاهر اللام في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٥٠٩ أبواب قسمة الخمس باب ١.

١٨٧

والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة (١) ونحوها (٢).

[٣٤٨٠] مسألة ١ : لا تصحّ الشركة العقدية إلّا في الأموال (٣) بل الأعيان.

فلا تصحّ في الديون (٤) فلو كان لكلّ منهما دين على شخص ، فأوقعا العقد على كون كل منهما بينهما ، لم يصحّ.

______________________________________________________

مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ...) (١) فالملكية إنما هي للجامع الكلّي دون الأفراد.

(١) الوقف قد يكون على نحو الانتفاع فقط ، كوقف المدارس والمساكن ونحوهما.

وقد يكون على نحو الصرف دون التمليك ، كوقف البستان على أن يصرف وارداته على الفقراء.

وقد يكون على نحو التمليك ، كما لو أوقف البستان على أن يكون منافعه ملكاً للفقراء.

ففي الأوّلين : لا موضوع للشركة كما هو واضح ، إذ لا ملك لأحد كي يكون شريكاً لغيره ؛ غاية الأمر أنّ له حق الانتفاع في الأوّل ، ويكون مصرفاً للوقف في الثاني.

وأمّا الثالث : فالملكية وإن كانت متحققة ، إلّا أن طرفها هو الكلّي والجهة العامة وأمّا الفرد بما هو فلا يملك شيئاً كي يكون شريكاً لصاحبه.

والحاصل أنّ ما أفاده الماتن (قدس سره) من شركة الأفراد في الزكاة والخمس والوقف مبني على المسامحة ، وإلّا فشركة الأفراد غير متحققة بالمرّة ، وإن تحققت شركة الكلّي والجهة العامة في بعض الموارد وعلى بعض التقادير.

(٢) كالوصية ، والحال فيها هو الحال في الأوقاف حرفاً بحرف.

(٣) وهي القدر المتيقن من الشركة العقدية الصحيحة.

(٤) أما بناءً على اعتبار الامتزاج في عقد الشركة ، فالأمر واضح ، نظراً لعدم إمكانه ، إذ لا معنى لامتزاج دَين كل منهما بدَين الآخر ، فإنّ كلّاً منهما مستقلّ في

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

١٨٨

وكذا لا تصحّ في المنافع (١) بأن يكون لكلّ منهما دار مثلاً ، وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف مثلاً. ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر

______________________________________________________

الوجود ومنحاز عن الآخر.

وأما بناءً على عدم اعتباره ، كما لم يستبعده الماتن (قدس سره) نظراً لعدم الدليل عليه غير الإجماع المدعى في كلمات بعض على ما سيأتي في المسألة الرابعة إن شاء الله فلأن حقيقة الشركة هذه ترجع إلى تمليك كلّ من المتعاقدين حصّة مما له في ذمّة مدينة للآخر ، بإزاء تمليكه له حصّة مما له في ذمة مدينة ، فهي في الحقيقة معاوضة بلفظ الشركة.

وهي ممنوعة لنهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الدين بالدين ، فإنّ المنصرف منه هو النهي عن المعاوضة بالدين مطلقاً ومن غير اختصاص بعنوان البيع كما يشهد له ما ورد في جملة من النصوص من النهي عن قسمة الدين ، بأن يجعل تمام ما في ذمة المدين الأوّل لأحد الورثة في قبال كون تمام ما في ذمة المدين الثاني للوارث الآخر ، فإنها تؤكد منع الشارع المقدس عن تعويض الدين بالدين ومبادلته بمثله تحت أي عنوان من العناوين كان.

(١) أما بناءً على اعتبار الامتزاج ، فالأمر واضح ، لعدم إمكان تحققه فيما نحن فيه.

وأما بناءً على عدمه ، فقد تفرض الشركة في المنفعة ، بمعنى كون كل منهما شريكاً في الأُجرة الحاصلة من استيفاء منفعة عين الآخر ، وهي محكومة بالبطلان جزماً ، لأنه من تمليك المعدوم حيث لا يملك كل منهما الأُجرة بالفعل ، وقد تقدّم غير مرّة أنه يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود.

وقد تفرض الشركة في نفس المنفعة ، أعني قابلية الدار للسكنى التي هي موجودة بالفعل.

وفيه : إن لم يكن الزمان محدوداً ومعيناً ، بأنْ ملَّك كلٌّ منهما صاحبه نصف منفعة داره مطلقاً ومن غير تحديد بحدّ معين ، حكم ببطلانها لا محالة ، لعدم صحة تمليك المنفعة بقول مطلق مطلقاً وبكافة أنواع المملكات ، وذلك للجهالة والغرر وعدم

١٨٩

نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر (١) أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلاً وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار.

وكذا لا تصحّ شركة الأعمال (٢). وتسمّى شركة الأبدان أيضاً. وهي أن يوقّعا

______________________________________________________

معلومية مقدار المنفعة المملوكة ، إذ قد يتفق تلف إحدى العينين قبل الأُخرى بزمن طويل.

وأما إذا كان زمان التمليك محدوداً ومعلوماً ، فإن تمّ إجماع على البطلان فيه فهو وإلّا فلا نرى محذوراً في الحكم بصحتها ، فإنها وفي الحقيقة ترجع إلى تمليك كل منهما الحصّة من منفعة داره لصاحبه ، بإزاء تمليك صاحبه الحصّة من منفعة داره له ، وهي بمنزلة الإجارة.

ويظهر من المحقق الأردبيلي (قدس سره) الميل إلى الصحة في هذه الموارد. فإنه (قدس سره) وإن لم يذكر هذا الفرض بخصوصه ، إلّا أنه (قدس سره) ذكر أنه لم يظهر دليل على عدم الجواز إلّا الإجماع ، فإن كان فهو ، وإلّا فلا مانع منه (١).

ومن هنا يظهر أنّ ما ارتكبه الماتن (قدس سره) من الحكم بالبطلان في المقام ، مع عدم اعتباره للامتزاج ، في غير محلّه.

ولعله لهذه الجهة لم يتعرض المحقق وصاحب الجواهر (قدس سرهما) إلى اعتبار كونه من الأعيان ، فإنهما لم يعتبرا إلّا كونه من الأموال (٢) ومقتضاه صحة الشركة في المنافع أيضاً ، لكونها منها جزماً.

(١) قد عرفت الحال فيه مما تقدّم.

(٢) إن أرادوا بذلك عقد الشركة في الأُجرتين اللتين تحصل لهما من عملهما ، كما هو غير بعيد من ظاهر كلماتهم ، فلا ينبغي الإشكال في بطلانها. وذلك لما تقدّم غير مرّة من عدم الدليل على صحة تمليك المعدوم ، فإنه ليس للإنسان أن يملّك غيره ما لا يملكه بالفعل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٩٨.

(٢) شرائع الإسلام ٤ : ١٢٩ ، الجواهر ٢٦ : ٢٨٩.

١٩٠

العقد على أن يكون اجرة عمل كل منهما مشتركاً بينهما ، سواء اتفق عملهما كالخياطة مثلاً أو كان عمل أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معين أو في كل ما يعمل كل منهما. ولو أراد الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة أو منافعه إلى مدّة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر أو صالحه نصف منفعته بعوض معيّن وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته بذلك العوض.

ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه (١). وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل ، ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤديان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما. وإذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح وكّل كل منهما الآخر في الشراء ، فاشترى لهما وفي ذمتهما.

وشركة المفاوضة أيضاً باطلة (٢). وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كل ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصيّة أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كل غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما.

______________________________________________________

وإن أرادوا بها الشركة في نفس المنفعة ، بأن يملّك كل منهما نصف خياطته مثلاً في ذلك اليوم لصاحبه في قبال تمليك صاحبه نصف خياطته في ذلك اليوم له ، فلا نعلم وجهاً لبطلانها ، فإنها من شركة المنافع ، وقد عرفت صحتها بناءً على عدم اعتبار الامتزاج.

وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّ المحكي عن الأردبيلي (قدس سره) صحة شركة الأعمال ، ما لم يتم إجماع على البطلان (١).

(١) والوجه فيه واضح ، إذ لا معنى لأن يشترك الإنسان في ثمن ما يختص بغيره ومثل هذا العقد داخل في تمليك المعدوم ، وهو غير جائز.

(٢) والوجه فيه أوضح من سابقه ، فإنه من تمليك ما قد يملكه في المستقبل ، وهو باطل جزماً.

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ٢٩٩.

١٩١

فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلاً (١). وتسمّى شركة العنان.

[٣٤٨١] مسألة ٢ : لو استأجر اثنين لعمل واحد بأُجرة معلومة ، صحّ (٢)

______________________________________________________

(١) بل والمنافع ، إن لم يتم إجماع على اعتبار الامتزاج.

(٢) بل الأظهر البطلان ، لجهل المستأجر بمقدار العمل الذي يملكه في ذمة كل من الأجيرين ، وجهلهما بما يخص كلا منهما من الأُجرة في ذمة المستأجر ، فإنه قادح في الصحة لا محالة. والعلم بمجموع الأُجرتين والعملين لا ينفع في الصحة ، بعد الجهالة بما لكل واحد منهما وما عليه.

ولا يقاس المقام ببيع الصفقة ، حيث يحكم فيه بالصحة للعلم بمجموع المبيع ومجموع الثمن ، ولا يقدح فيه الجهل بما يقابل كل جزء من الثمن ، فإنه من القياس مع الفارق. فإنّ البيع فعل واحد صادر من بائع واحد لمشتر واحد متعلق بمجموع شيئين بثمن واحد ، فكل من المبيع والبائع والمشتري والثمن معلوم ، غاية الأمر أن تقسيم الثمن على أجزاء المثمن مجهول ، وهو غير قادح بعد علم كل من البائع والمشتري بمقدار ما يملكه بإزاء ما يدفعه بمقتضى العقد.

وأين هذا من المقام ، حيث يكون المملوك لكل من المستأجر والأجيرين مجهولاً فإنّ المستأجر لا يعلم بمقدار ما يملكه في ذمة الأجير الأوّل وما يملكه في ذمة الأجير الثاني ، كما أنّ كلا منهما لا يعلم بما يملكه في ذمة المستأجر.

وبعبارة اخرى : إنّ الإجارة لما كانت واقعة مع أجيرين ، كانت في الحقيقة بمنزلة إجارتين. ومن هنا فلا يكفي معلومية مقدار مجموع العمل ، بل لا بدّ من العلم بمقدار ما يملكه المستأجر على كل منهما مستقلا ، وحيث إنه غير حاصل ، فلا محيص عن الحكم ببطلان مثل هذا العقد.

وبذلك يظهر الفرق بين المقام وبيع الصفقة وإن كانت الصفقة لمالكين ، كما إذا باع الوكيل ماله ومال موكله صفقة واحدة. فإنّ مجموع الصفقة والثمن معلوم للبائع

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمشتري ، وإنّ ما انتقل إلى المشتري هو تمام الصفقة ، كما إنّ ما انتقل إلى كل من مالكي الصفقة من الثمن متعين في الواقع ، بنسبة ما يملكه كل منهما إلى مجموع الصفقة. وهذا قد يكون مجهولاً للبائع والمشتري حين البيع ، إلّا أنه لا يضرّ بالصحة ، إذ لا يترتب عليه أي غرر ، ولا يعتبر في صحة البيع العلم بمقدار ما يقع من الثمن بإزاء كل جزء من المبيع.

وأما في المقام فما يملكه المستأجر على كل من الأجيرين ، وما يملكانه عليه من الأُجرة ، فلا تعيّن لهما حتى في الواقع ونفس الأمر ، وما يصدر منهما من العمل فيما بعد وإن كان متعيناً في علم الله ، إلّا أنه لا يكشف عن أنّ المملوك من الأوّل كان بهذا المقدار ، كما هو ظاهر. ولأجل ذلك يحكم بالبطلان لا محالة.

هذا ولكن المنصرف عرفاً من إجارة شخصين لعمل واحد بأُجرة واحدة ، هو إرادة توزيع العمل بينهما نصفين متساويين ، فيكون مرجع إجارتهما كذلك إجارة كل منهما على نصف العمل بنصف الأُجرة.

وهذه الإجارة وإن كانت صحيحة ، إلّا أنه لا يتفرع عليها ما ذكره الماتن (قدس سره) بعد الحكم بالصحة.

بل الصحيح حينئذٍ أن يقال : إنهما إن أتيا بالعمل كذلك نصفين متساويين استحق كل منهما نصف الأُجرة. وإن أتى أحدهما بنصيبه مع زيادة بحيث قام ببعض واجب الآخر أيضاً ، لم يؤثر ذلك في زيادة استحقاقه من الأُجرة على حساب صاحبه ، بل لكل منهما نصف الأُجرة أيضاً. فإنه لا يستحقّ صاحب الزيادة بإزائها شيئاً ، لا من المسمى لخروج عمله الزائد عن متعلق إجارته ، ولا اجرة المثل لعدم الأمر به من المستأجر أو الأجير الثاني ، وبذلك فيذهب عمله الزائد هدراً لا محالة.

وأما العامل الآخر الآتي بالأقل فيستحقّ تمام النصف ، لأنه ملكه بالعقد وقد هيأ نفسه للإتيان بما وجب عليه من العمل ، فسبقه الغير بالإتيان ببعضه وبذلك قد فوّت عليه موضوعه ، على ما تقدّم تحقيقه مفصلاً في كتاب الإجارة ، فراجع.

والحاصل أنّ الإجارة هذه ، إن وقعت على أن توزَّع الأُجرة بينهما بنسبة عمل كل

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منهما إلى المجموع ، بطلت لمجهولية ما يملكه كلّ منهما على الآخر ، وعدم الجدوى في العلم بمقدار المجموع في أمثال المقام.

وإن وقعت على ما هو المنصرف إليه في مثل المقام ، من الاشتراك في العمل والأُجرة بالمناصفة ، صحّت واستحقّ كلّ منهما نصف الأُجرة ، وإن اختلفا في مقدار العمل.

نعم ، لو فرض أنّ الأجيرين اتفقا فيما بينهما بعقد الجعالة ، على أن يكون لمن يقوم ببعض عمل الآخر بنسبة ما أتى به إلى مجموع العمل من الأُجرة ، صحّ واستحق من أتى بعمله وزيادة نصف المسمى بعقد الإجارة ، وما قابل الزيادة بالنسبة من حصّة صاحبه بعقد الجعالة.

وحينئذٍ ، فإن علم بتساوي العملين استحق كلّ منهما النصف ، ولم يبق لعقد الجعالة موضوع.

وإن علم بزيادة عمل أحدهما بعينه على الآخر وعلم مقدار الزيادة ، استحق زيادة على النصف الذي يأخذه بعقد الإجارة من الجعل بالنسبة.

وإن شك في التساوي والزيادة ، كان المورد من موارد الشك في استحقاقه على الآخر شيئاً ، ومقتضى الأصل عدمه.

ونحوه ما إذا علم بالزيادة وشك في مقدارها ، حيث يؤخذ بالمتيقن منها وينفى الزائد عنه بالأصل.

وكذا لو شك في زيادة عمل كل منهما على الآخر وعدمها.

بل وكذا لو علم بأصل الزيادة ولكن جهل صاحبها. فإنه وإن تحقق العلم الإجمالي باستحقاق أحدهما على الآخر شيئاً بالجعل ، إلّا أنه لا أثر لهذا العلم الإجمالي لدورانه بين مكلفين لا تكليفين لمكلف واحد. وحينئذٍ فينفي كل منهما استحقاق الآخر شيئاً عليه بالأصل ، وبذلك يأخذ كل منهما نصف الأُجرة لا محالة.

ومما ذكرنا يظهر أنه لا مورد في الفرض المذكور للقرعة ولا الصلح القهري ، حيث يدور أمر المكلف بين كونه مشغول الذمة للغير ، وكون الغير مشغول الذمة له. وفي

١٩٤

وكانت الأُجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما. ولا يضر الجهل بمقدار حصّة كل منهما حين العقد ، لكفاية معلومية المجموع. ولا يكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة ، بل من شركة الأموال ، فهو كما لو استأجر كلّاً منهما لعمل وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء أُجرتهما.

ولو اشتبه مقدار عمل كل منهما ، فإن احتمل التساوي حمل عليه ، لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر (*) (١). وإن علم زيادة أحدهما على الآخر فيحتمل القرعة في المقدار الزائد (٢) ويحتمل الصلح القهري.

______________________________________________________

مثله فإن لم يدع أحدهما على الآخر شيئاً فهو ، وإلّا فإن ادّعى أحدهما الزيادة خاصّة كان المورد من قبيل المدّعى والمنكر ، وإن ادعيا معاً كان من التداعي ، وعلى كلا التقديرين لا بدّ من الرجوع إلى القواعد المذكورة في باب القضاء.

هذا وما ذكرناه من ظهور استئجار اثنين لعمل واحد في المناصفة غير مختصّ بالمقام ، بل يجري في سائر الأبواب أيضاً ، وقد تعرض له الفقهاء (قدس سرهم) في بعضها ، كأبواب الهبة والوصية والبيع ونحوها. فإنه لو أوصى بداره لاثنين كان بينهما بالتنصيف ، وليس ذلك إلّا لفهم العرف من تشريك اثنين في الهبة كون المال بينهما نصفين.

(١) لا يخفى أنه لا مجال للتمسك بهذا الأصل في المقام ، بناءً على ما أفاده الماتن (قدس سره) من الصحة واستحقاق كلّ من العاملين من الأُجرة بمقدار ما يقع بإزاء عمله بالنسبة ، فإنه حينئذ لا أثر شرعي يترتب على الزيادة وعدمها ، إذ الأثر إنما يترتب على مقدار نسبة عمل كل منهما إلى المجموع ، وهي لا تثبت بأصالة عدم الزيادة. على أنها معارضة بأصالة عدم التساوي ، حيث إنّ كلّاً منها أمر حادث.

وعليه فلا بدّ من الرجوع إلى القرعة أو الصلح القهري.

(٢) قد عرفت أنه لا مجال للرجوع إلى القرعة أو الصلح القهري عند الشك في

__________________

(*) لا مجرى لها ، لأنّها معارضة بأصالة عدم تساويهما في العمل ، فالأحوط الرجوع إلى الصّلح.

١٩٥

[٣٤٨٢] مسألة ٣ : لو اقتلعا شجرة ، أو اغترفا ماءً بآنية واحدة ، أو نصبا معاً شبكة للصيد ، أو أحييا أرضاً معاً ، فإن ملّك كل منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي ، وإلّا فلكل منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة والضعف. ولو اشتبه الحال ، فكالمسألة السابقة (١). وربّما يحتمل التساوي (*) مطلقاً (٢) لصدق اتحاد فعلهما في السببية

______________________________________________________

مقدار الزيادة ، إذا كان استحقاق الآتي بالزيادة من جهة الجعالة لا بأصل الإجارة وأما إذا كان بأصل الإجارة كما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، فالرجوع إلى القرعة إنما يكون فيما إذا كانت أطرافها معلومة. وأما مع جهالتها ، كما لو كثرت جدّاً بأنْ دار أمر الزيادة بين جزء من ألف جزء إلى مائة جزء من ألف جزء ، فحيث لا يمكن تعيين المحتمل بالقرعة ، فلا محيص عن الرجوع إلى الصلح القهري وإن لم يمكن الاختياري منه.

(١) من الحمل على التساوي عند احتماله ، والقرعة أو الصلح القهري عند العلم بالزيادة. وقد تقدّم الكلام فيه آنفاً.

(٢) ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) ، لاستناد الفعل إليهما معاً ، ومن دون ترجيح في ذلك لأحدهما على الآخر (١).

وما أفاده (قدس سره) صحيح في الجملة لا مطلقاً ، فإنه لا بدّ من التفصيل في هذه الموارد وموارد الجعالة مما تكون الملكيّة مسببة عن العمل الخارجي ، بين كون العمل الصادر من الاثنين مركباً ذا أجزاء ، وبين كونه بسيطاً لا جزء له.

ففي الأوّل كالكتابة والخياطة والبناء ، لا محيص عن الالتزام بملكية كل منهما بنسبة عمله ، ولا وجه للتنصيف بعد فرض اختلاف مقدار عمل أحدهما عن الآخر.

وفي الثاني يتمّ ما أفاده (قدس سره) ، إذ العمل الواحد البسيط مستند إليهما معاً لا محالة على حد سواء وإن كان أحدهما أقوى من الآخر ، إذ لولا كل منهما لما تحقّق

__________________

(*) لا يبعد ذلك.

(١) الجواهر ٢٦ : ٢٩٠.

١٩٦

واندراجهما في قوله : «من حاز ملك» (*) (١) وهو كما ترى.

[٣٤٨٣] مسألة ٤ : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية مضافاً إلى الإيجاب والقبول ، والبلوغ والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجر لفلس أو سفه امتزاج المالين (٢) سابقاً على العقد أو لاحقاً ، بحيث لا يتميّز أحدهما من

______________________________________________________

نهائياً. ففي مثل القلع واغتراف مقدار معين من الماء دفعة وما شاكلهما ، لا يتحقق هذا الفعل الوحداني إلّا بهما معاً ، فهو مستند إليهما وحاصل بفعلهما معاً ، ومن هنا يشتركان في ملكيّته على حد سواء وإن كان أحدهما أقوى من صاحبه. وكذا الحال في الصيد فإنّ نصب الشبكة المؤدي إلى الاستيلاء على السمكة أثر وحداني بسيط يستند إليهما على حدّ سواء ، وإن اختلفا في نسبة صنعها فإنه لا أثر له.

وعلى ما ذكرنا جرى الأصحاب في موارد الضمانات وغيرها. فذكروا أنه إذا أتلف اثنان مال ثالث ضمناه بالسوية ، بحيث يكون على كلّ منهما نصف قيمته مطلقاً ، وإن كان فعل أحدهما أقوى من صاحبه ، كما لو كانت ضربته أقوى من ضربة الآخر. وذكروا أيضاً أن القاتلين لثالث يشتركان في قصاصه أو ديته ، وإن كان القتل حاصلاً من ضربة واحدة من أحدهما وضربتين من الآخر.

وليس ذلك إلّا لكون الإتلاف والقتل فعلاً بسيطاً مستنداً إليهما على حد سواء.

فكلامهم (قدس سرهم) هذا في أبواب الضمانات والقصاص والديات يشهد بما اخترناه ، من الحكم بالتنصيف مع بساطة الفعل فيما نحن فيه من موارد سببية الفعل للتملك ، لوحدة المناط في المقامين ، وهو كون الفعل الصادر سبباً لأثر يرتبط بفاعله.

(١) هذه الجملة وإن لم ترد في النصوص ، إلّا أن أصل الحكم متسالم عليه بينهم ويدلّ عليه قولهم (عليهم السلام) : «للعين ما رأت ولليد ما أخذت».

(٢) والكلام فيه ينبغي أن يقع في مقامين :

__________________

(*) هذه الجملة لم نعثر عليها في الروايات بل الوارد فيها قوله (عليه السلام) : «للعين ما رأت ولليد ما أخذت».

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : في مقام الثبوت ، وإمكان أخذ الامتزاج شرطاً في الشركة العقدية.

الثاني : في مقام الإثبات ، والدليل على اعتبار هذا الشرط.

أمّا المقام الأوّل : فإن كان مرادهم (قدس سرهم) من الامتزاج في كلماتهم هو الامتزاج المتقدِّم في أوّل هذا الفصل والذي يكون سبباً للشركة القهرية ، سواء أحصل عن الاختيار والقصد أم لا ، كمزج الدهن بالدهن ، فلا يعقل كونه شرطاً في الشركة العقدية. لأنه إن تقدّم على العقد ، كان هو تمام السبب في تحقّقها ، ولا يكون العقد من بعده إلّا كوضع الحجر في جنب الإنسان. وإن تأخر عنه ، كان العقد لغواً محضاً ، لتحقّق الشركة بالمزج ، سواء سبقه العقد أم لم يسبقه.

ودعوى أنّ المزج المتأخر يكون كاشفاً عن تحقّق الشركة بالعقد السابق ، فلا يكون لغواً ، على ما احتمله صاحب الجواهر (قدس سره) (١).

تكلف بلا موجب ، وحمل لكلماتهم على خلاف ظاهرها ، فإنّ ظاهر كلمات المعتبرين للمزج عدم تحقق الشركة إلّا بعده ، ومن هنا فلا موجب لحملة على الكاشفية ، بل هو شرط مقارن في نظرهم. ومعه فيرد عليه أنه تمام السبب لها ، وبذلك فلا يكون العقد السابق إلّا لغواً محضاً.

نعم ، لو كان مرادهم (قدس سرهم) من المزج غير ذلك ، بأن أرادوا به ما يوجب الشركة الظاهرية على ما التزم به الماتن (قدس سره) ، كمزج الدرهم بمثلها ، فهو أمر معقول ولا بأس به.

ولعله هو مراد الجماعة من الامتزاج ، لا سيما من لم يشترط فيه اتحاد الجنس والوصف ، بأن يقال بأنّ الامتزاج هذا وإن لم يكن موجباً للشركة الواقعية ، إلّا أنه حيث لحق العقد أو لحقه العقد أوجب الشركة بينهما حقيقة.

أمّا المقام الثاني : فالظاهر عدم انعقاد الإجماع على اعتباره ، وإن ورد ذلك في كلمات بعضٍ كالعلّامة (قدس سره) (٢).

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ٢٩١ ٢٩٢.

(٢) مختلف الشيعة ٦ : ٢٠١.

١٩٨

الآخر ، من النقود كانا أو من العروض. بل اشترط جماعة اتحادهما في الجنس

______________________________________________________

والذي يكشف عن صحّة ما ذكرناه عدم تعرّض أكثر القدماء من الأصحاب لهذه المسألة بالمرّة ، إذ لم يرد في كلمات كثير منهم ذكر لها.

نعم ، تعرض لها جملة منهم ، إلّا أن عباراتهم قاصرة عن إثبات الإجماع على اعتبار الامتزاج.

فقد ذكر القاضي (قدس سره) في (الجواهر) أن صحّة الشركة مع الامتزاج إجماعي ، ولا إجماع على صحتها مع عدمه (١). وعبارته (قدس سره) كما تراها قاصرة عن إثبات الإجماع على اعتبار الامتزاج في صحة الشركة العقدية ، إذ غاية ما تدل عليه هو انعقاد الإجماع على صحة الشركة مع الامتزاج ، لا بطلانها مع عدمه ، وبينهما بون بعيد.

ومثله المحكي عن الشيخ (قدس سره) (٢).

واعتبر ابن زهرة (قدس سره) في الغنية الامتزاج ، إلّا أنه لم يتعرّض لدعوى الإجماع على اعتباره (٣).

نعم ، تعرض ابن حمزة (قدس سره) في الوسيلة إلى هذا الشرط واعتبره ، وادّعى عليه الإجماع (٤).

إلّا ان الشهيد (قدس سره) في اللمعة ، والمحقق (قدس سره) في الشرائع ، لم يتعرضا له بالمرة ، وإنما ذكرا أن المزج سبب قهري للشركة ، سواء أحصل بالاختيار أم لا به (٥). وهو كما تراه أجنبي عن محل الكلام.

__________________

(١) الجواهر ٢٦ : ٢٩٩.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٢٧.

(٣) الغنية : ٢٦١.

(٤) الوسيلة : ٢٦٢.

(٥) الشرائع ٢ : ١٥٠ ، اللمعة الدمشقية ٤ : ١٩٧.

١٩٩

والوصف. والأظهر عدم اعتباره (١) بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه ، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر ، بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير.

وذلك للعمومات العامّة ، كقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). وقوله (عليه السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» وغيرهما.

بل لولا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً ، عملاً بالعمومات. ودعوى عدم كفايتها لإثبات ذلك ، كما ترى. لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما حصّة مما هو له بحصة مما للآخر ، أو يهبها كل منهما للآخر أو نحو ذلك ، في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن.

هذا ويكفي في الإيجاب والقبول كل ما دلّ على الشركة من قول أو فعل.

[٣٤٨٤] مسألة ٥ : يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين. ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحاً أو خسراناً (٢) سواء كان العمل من

______________________________________________________

هذا وقد صرح صاحب الحدائق (قدس سره) بعدم الدليل على اعتبار اتحاد الجنس والوصف والامتزاج ، واعتبره منافياً لإطلاقات الآيات الكريمة والنصوص الشريفة (١).

والذي يتحصل مما تقدّم أنه لا طريق لإحراز الإجماع التعبدي على اعتبار الامتزاج. وحينئذٍ فمقتضى القاعدة ، كما مال إليه الماتن (قدس سره) ، هو القول بعدم اعتباره في الشركة بقول مطلق.

(١) لأنه وإن ذكر في كلمات بعضهم ، إلّا أن جملة منهم كالشيخ (قدس سره) لم يعتبره صريحاً. ومن هنا فإثباته بالدليل مشكل جدّاً ، لفقدان الدليل اللفظي ، وعدم تمامية الإجماع ، بل ومخالفته للعمومات.

(٢) وهو واضح ، لقاعدة تبعية النماء والربح في الملك للأصل ، نظراً لكون نسبتهما إلى المالين على حد واحد.

__________________

(١) الحدائق ٢١ : ١٥٤.

٢٠٠