موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

[٣٤٦٦] السابعة : يجوز اشتراط المضاربة في ضمن عقد لازم ، فيجب على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط ، ولكن لكلّ منهما فسخه بعده (*) (١).

______________________________________________________

شرعاً وبين قصد التبرع والمجانية ، فهو مقدم على العمل بعوض معيّن ، وحيث لم يسلم ذلك له يكون له اجرة المثل ، للسيرة العقلائية ، فإنّ العمل المباح فإنّ المحرّم إنما هو التصرّف في مال الغير لا إجراء العقد عليه الصادر عن أمر الغير موجب للضمان.

(١) ما أفاده (قدس سره) وإن كان مما لا بأس به في حدّ نفسه ، إلّا أن الظاهر وبحسب المنصرف العرفي من هذا الشرط ، هو الجريان عليه والاستمرار على مقتضاه ، لا إيقاع مجرّد العقد وصرف التلفظ به.

فيكون هذا الاشتراط نظير اشتراط الهبة في عقد لازم ، حيث أنّ المتفاهم العرفي منه هو الالتزام بها وإتمامها دون مجرّد إنشائها ، بحيث يكون له حقّ الرجوع بعد إجراء العقد ولو بلحظة.

وعليه فإذا فسخ المشروط عليه العقد صحّ فسخه ، إلّا انه موجب لثبوت الخيار للطرف الآخر ، نظراً لتخلف الشرط.

ثمّ إنّ هذا الاشتراط يمكن أن يتصور على نحو آخر ، هو اشتراط الفعل الخارجي أعني الاتجار على أن يكون الربح بينهما على ما يتفقان عليه ، نظير اشتراط الخياطة أو الزيارة أو نحوهما من الأفعال الخارجية في ضمن العقد.

وهو أيضاً صحيح ولا بأس به ، لأنه أمر سائغ في حدّ نفسه ، فلا مانع من أخذه شرطاً في ضمن العقد ، ويجب على المشروط عليه الوفاء به. إلّا أنه لا معنى للبحث عن جواز فسخه وعدمه ، فإنه فعل من الأفعال الخارجية ، وليس بعقد كي يبحث عن جواز فسخه وعدمه.

والظاهر أنه خارج عن موضوع كلام الماتن (قدس سره) ، حيث إنّ المفروض فيه

__________________

(*) الظاهر أنّ متعلّق الاشتراط عرفاً ليس مجرّد إجراء العقد ، وعليه فلا يجوز للمشروط عليه الفسخ قبل الجري على العقد خارجاً.

١٦١

والظاهر أنه يجوز اشتراط عمل المضاربة على العامل ، بأن يشترط عليه (١) أن يتّجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما ، نظير شرط كونه وكيلاً في كذا في عقد لازم. وحينئذٍ لا يجوز للمشروط عليه فسخها (٢) كما في الوكالة.

[٣٤٦٧] الثامنة : يجوز إيقاع المضاربة (*) بعنوان الجعالة (٣) كأن يقول : إذا

______________________________________________________

كون المضاربة شرطاً ، فيكون شرطية الاتجار خارجة عنه.

وكيف كان ، ففيه لا ينبغي الإشكال في وجوب الوفاء به على المشروط عليه ويكون تخلفه عنه موجباً لثبوت الخيار للشارط. كما لا ينبغي الإشكال في جواز إسقاطه من قبل الشارط ، فإنّه حق من حقوقه.

(١) على نحو شرط النتيجة.

(٢) لتحقّقها بتحقق نفس العقد اللازم وفي ضمنه وكأنه جزء منها ، فلا يجوز رفع اليد عنها وفسخها.

(٣) وهو إنما يتم بناءً على الالتزام بكون صحّة المضاربة على القاعدة.

وأما بناءً على ما ذكرناه ، من كون مقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان فيها حتى ولو كانت مستكملة لجميع الشرائط ، باعتبار أنه ليس للإنسان أن يملك غيره ما لا يملكه هو بالفعل على ما تقدّم بيانه غير مرّة ولذا قلنا في الإجارة أنه لا يجوز إجارة الأرض بحاصلها أو حاصل غيرها إذا لم يكن موجوداً بالفعل ، فلا مجال للمساعدة على ما اختاره الماتن (قدس سره) في المقام ، لأننا إنما خرجنا عن القاعدة في المضاربة والمزارعة والمساقاة والتزمنا بصحّتها للدليل الخاص ، وحيث إنه مفقود في المقام إذ لم يقم دليل على الصحّة في الجعالة الفاقدة لشرائط المضاربة ، فلا يمكن القول بصحّتها ، بل مقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، فإنّ الذي يملكه العاقل في المضاربة غير مملوك للمضارب فعلاً ، وإنّما التزمنا بصحّته لقيام الدليل على ذلك ، ولم يقم دليل على ذلك في الجعالة إذا كانت فاقدة لشرائط المضاربة ، إذن فمقتضى القاعدة البطلان.

١٦٢

اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه ، فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة. ولا يلزم أن يكون جامعاً لشروط المضاربة (١) فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين ، أو ديناً ، أو مجهولاً جهالة لا توجب الغرر. وكذا في المضاربة المشروطة في ضمن عقد بنحو شرط النتيجة (٢) فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين (*).

[٣٤٦٨] التاسعة : يجوز للأب والجد الاتّجار بمال المولى عليه بنحو المضاربة بإيقاع عقدها ، بل مع عدمه أيضاً (٣) بأن يكون بمجرّد الإذن منهما (**) (٤). وكذا

______________________________________________________

والحاصل أنه لا وجه للحكم بصحّة مثل هذه الجعالة ، فإنّ الربح لا يمكن أن يكون ملكاً للعامل ، بعد أن لم يكن مملوكاً للمالك.

(١) وكأنه لخروج المقام عن عقد المضاربة ، فإنه إيقاع مجرّد يفيد فائدة المضاربة وأدلّة الشروط إنما دلّت على اعتبارها في المضاربة لا في غيرها.

لكنك قد عرفت ما فيه ، حيث إنّ القاعدة تقتضي البطلان في الجميع ، وإنما خرجنا عنها في المضاربة للنص ، وحينئذٍ فلا بدّ من مراعاة الشروط المعتبرة.

ومن هنا فيشكل الحكم بصحّتها ، مع كون رأس المال من غير النقدين ، بناءً على اعتبار ذلك في المضاربة.

(٢) يظهر الحال فيه مما تقدّم. فإنّ الحال فيه هو الحال في إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة ، فإنّ مثل هذا الشرط محكوم بالفساد ، إذ لا يصحّ تمليك ما لا يملكه بالفعل.

(٣) بأن يتجر به ناوياً المضاربة وكون الربح بينهما ، وذلك لعموم ولايته ما دام إنّ الفعل في مصلحة المولى عليه.

(٤) لا يخفى ما في العبارة من المسامحة ، فإنّه لا معنى لإذن الإنسان لنفسه في الفعل الصادر منه ، كما هو المفروض. ومن هنا فإمّا أن يحمل الإذن على القصد والنيّة ، بأن

__________________

(*) فيه إشكال بناءً على اشتراط المضاربة بكون رأس المال من النقدين.

(**) لعلّه (قدس سره) أراد به القصد والنيّة ، وإلّا فهو من سهو القلم.

١٦٣

يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير (١) على أن يكون الربح مشتركاً بينه وبين العامل. وكذا يجوز ذلك للوصي في مال الصغير ، مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاك المال.

[٣٤٦٩] العاشرة : يجوز للأب والجد الإيصاء بالمضاربة بمال المولى عليه (٢)

______________________________________________________

يقال إنّ مراده (قدس سره) إنما هو جواز ذلك إذا كان الولي أباً كان أو جدّاً قاصداً بتصرّفه هذا المضاربة ، وإلّا فهو من سهو القلم لا محالة.

(١) لعموم ولايتهما ، وعدم الفرق بين صدور الفعل عنهما بالمباشرة أو التسبيب ما دام أنه في مصلحة الصغير.

(٢) والذي يمكن أن يستدلّ به على هذا المدعى ، مع قطع النظر عن النص الخاص ، أحد أمرين :

الأوّل : شمول دليل الولاية له ، بدعوى أنه غير مختص بتصرفاته في حياته وعمومه لما يكون متأخراً عن وفاته أيضاً.

الثاني : إطلاقات أدلّة نفوذ الوصية ، ودعوى شمولها لوصيتهما بالاتجار بمال الصبي بعد موتهما ، فإنّ مقتضاها صحّة مثل هذه الوصية ونفوذها.

والذي يظهر من الماتن (قدس سره) هنا وفي ذيل المسألة ، أن مستنده في ذلك إنما هو الأمر الثاني دون الأوّل ، إذ لا إطلاق ولا عموم يشمل تصرفاتهما بعد موتهما ، بل لهما التصرّف في مال الصغير ما داما على قيد الحياة ، وأما بعد موتهما فلا ولاية لهما عليه في شي‌ء.

ومما يشهد لذلك أعني كون مستنده (قدس سره) في ذلك هو الأمر الثاني أنه (قدس سره) لم يخصّ الحكم بالصغار ، بل عمّمه للكبار أيضاً ، مع الالتزام بثبوت الخيار لهم باعتبار أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، والحال أنه لا ولاية لهما على الكبار جزماً.

وكيف كان ، فما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه بالنسبة إلى الصغار

١٦٤

بإيقاع الوصي عقدها لنفسه أو لغيره ، مع تعيين الحصّة من الربح أو إيكاله إليه. وكذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة في حصّة القصير من تركتهما بأحد الوجهين (١).

كما أنه يجوز ذلك لكلّ منهما بالنسبة إلى الثلث المعزول لنفسه (٢) بأن يتّجر الوصي به ، أو يدفعه إلى غيره مضاربة ، ويصرف حصّة الميت في المصارف المعيّنة للثلث.

______________________________________________________

فضلاً عن الكبار ، إذ لا يوجد في أدلّة الوصية إطلاق يشمل الوصية التي لا ترجع إلى الميت وأمواله ، فإنها وبأجمعها واردة في الوصايا الراجعة إلى الميت نفسه وأمواله.

ومن هنا فلا تنفذ إلّا في الثلث مما يملك ، وأما الزائد عنه فهو وصيّة في مال الغير على ما دلّت عليه النصوص. ولذا لم يلتزم أحد بنفوذ الوصية بالحج مجاناً ، أو الوصية بالاتجار بما يصل إليه منه بالشي‌ء المعيّن ، فإنه لا يلزمه شي‌ء من ذلك إجماعاً ، وليس ذلك إلّا لكونها وصية متعلقة بمال الغير.

ومن هنا فلا مجال للالتزام بصحّة مثل هذه الوصية ونفوذها بالنسبة إلى الصغار فضلاً عن الكبار ، فإنها إذا لم تتم بالنسبة إليهم ، فعدم تماميتها في الكبار يكون بطريق أولى.

هذا كله بالنسبة إلى ما تقتضيه القواعد الأوّلية ، ومع قطع النظر عن النصوص الخاصة. وأما مع الالتفات إليها ، فلا بأس بما التزم به (قدس سره) بالنسبة إلى الصغار خاصة ، على ما سيأتي بيانه عند تعرضه (قدس سره) للروايات.

(١) الفرق بين هذه الصورة وسابقتها يكمن في أنّ متعلق الوصية في الأُولى هي أموال الصبي الموجودة حال الوصية ، في حين أن متعلقها في الثانية هو خصوص ما ينتقل إليه من الأب أو الجد بالإرث.

وكيف كان ، فالحكم في الصورتين واحد.

(٢) بلا خلاف فيه. ويقتضيه ما عرفت من شمول أدلّة نفوذ الوصية له.

١٦٥

بل وكذا يجوز (*) الإيصاء منهما بالنسبة إلى حصّة الكبار أيضاً (١). ولا يضرّ كونه ضرراً عليهم من حيث تعطيل مالهم إلى مدّة ، لأنه منجبر (٢) بكون الاختيار لهم في فسخ المضاربة وإجازتها ، كما أنّ الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير فإنّ له أن يفسخ أو يجيز (٣).

وكذا يجوز لهما الإيصاء بالاتّجار بمال القصير على نحو المضاربة (٤) بأن يكون هو الموصى به ، لا إيقاع عقد المضاربة ، لكن إلى زمان البلوغ أو أقلّ. وأما إذا جعل المدّة أزيد ، فيحتاج إلى الإجازة بالنسبة إلى الزائد (٥).

ودعوى عدم صحّة هذا النحو من الإيصاء ، لأنّ الصغير لا مال له حينه وإنما ينتقل إليه بعد الموت ، ولا دليل على صحّة الوصية العقدية في غير التمليك ، فلا

______________________________________________________

(١) فيه إشكال بل منع ، ينشأ مما تقدّم من كونه خلاف القواعد الأوّلية ، وعدم شمول الأدلّة الخاصة له ، على ما سيأتي بيانه.

(٢) في التعبير بالانجبار مسامحة واضحة ، والصحيح منع دعوى الضرر ، لكون العقد جائزاً وأمره بيد الوارث ، إن شاء أبقاه وإن شاء فسخه ، فلا يكون ضرراً عليه لا أنه ثابت ، غاية الأمر أنه منجبر بالخيار ، وإلّا لكان مقتضاه هو الحكم بالبطلان لا ثبوت الخيار ، فإنّ الحكم الضرري مرفوع ، والانجبار لا يوجب الحكم بالصحّة.

(٣) فإنّ ما صدر منهما إنما يصح ويلزم الصغير ما دامت الوصية نافذة والولاية ثابتة عليه. وحيث إنهما يرتفعان ببلوغه ، إذ لا وصاية حينئذٍ عليه ولا ولاية ، والعقد إذني محض ، فلا مجال لإلزامه به ، بل لا بدّ من إذنه فيه. فإن أجاز فهو ، وإلّا فلا يجوز التصرّف في ماله.

(٤) لشمول التعليل المذكور في الرواية له.

(٥) لانتفاء الولاية عليه بعد البلوغ ، والعقد إذني ، فيحتاج إلى إذنه لا محالة ، كما تقدّم.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

١٦٦

يصحّ أن يكون إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت ؛ مدفوعة بالمنع (١). مع أنّه الظاهر من خبر خالد بن بكر الطويل (٢) في قضية ابن أبي ليلى وموثق محمد بن مسلم (٣) المذكورين في باب الوصيّة.

______________________________________________________

(١) لعموم النص له.

(٢) رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن خالد بن بكير (بكر نسخة) الطويل ، قال : دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بنيّ ، اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به ، وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان. فقدّمتني أُمّ ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى ، فقالت : إنّ هذا يأكل أموال ولدي ، قال : فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي ، فقال لي ابن أبي ليلى : إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أُجزه ، ثمّ أَشهدَ عليَّ ابن أبي ليلى إن أنا حرّكته فأنا له ضامن. فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقصصت عليه قصّتي ، ثمّ قلت له : ما ترى؟ فقال : «أما قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع ردّه ، وأما فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ فليس عليك ضمان» (١).

وهو مضافاً إلى ضعف سنده بخالد بن بكير (بكر) وارد في الصغار ، فالتعدي عنهم إلى الكبار يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

(٣) رواه محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن ، عن الحسن ابن علي بن يوسف ، عن مثنى بن الوليد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم ، فقال : «لا بأس به من أجل أنّ أباهم قد أذن له في ذلك وهو حي» (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٩٢ ح ٢ ، الكافي ٧ : ٦١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوصايا ، ب ٩٢ ح ١.

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ في الفقيه علي بن الحسين الميثمي (١) بدلاً من علي بن الحسن على ما في الكافي والتهذيب (٢) والوسائل وهو ابن فضال الذي يروي عنه أحمد بن محمد وهو من سهو قلمه الشريف أو غلط النساخ جزماً ، إذ لا وجود لعلي بن الحسين الميثمي لا في الروايات ولا في كتب الرجال.

نعم ، روى (قدس سره) في بعض الموارد عن علي بن الحسن الميثمي ، إلّا أنه غلط أيضاً والصحيح علي بن الحسن التيمي.

وكيف كان ، فهو غير علي بن الحسين الميثمي.

ثمّ إنّ صاحب الوسائل قد جعل المروي عنه لعلي بن الحسن هو الحسن بن علي ابن يونس ، وجعل كلمة يوسف نسخة بدل ليونس.

وهو من الغلط جزماً ، فإنّ الحسن بن علي بن يونس لا وجود له في الروايات وكتب الرجال أيضاً ، فالصحيح هو الحسن بن علي بن يوسف على ما في الكافي والفقيه والتهذيب وهو ابن بقاح الثقة.

وكيف كان ، فالرواية معتبرة من حيث السند. وأما من حيث الدلالة فهي واضحة الدلالة ، ومقتضى إطلاق كلمة (المال) فيها عدم الفرق بين ما كان يملكه الصغير حين الوصية وما يملكه بعد ذلك ، كما أن مقتضى التعليل عدم الفرق بين الوصية بالمضاربة والوصية بالاتجار. فإنه على جميع هذه التقادير تنفذ الوصية وتلزم الصبي ما دام هو كذلك ، وأما إذا بلغ فهو بالخيار بين إبقائه ورفعه.

هذا كله بالنسبة إلى الصغير. وأما بالنسبة إلى الكبير ، فحيث لم يرد نص فيه ، فلا موجب للالتزام بصحّة الوصية بالنسبة إليه.

نعم ، قد عرفت أنّ الماتن (قدس سره) إنما يستند في ذلك إلى أدلّة نفوذ الوصية لكنك قد عرفت ما في العبارة والمطلب معاً.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٦٩ / ٥٩٠.

(٢) الكافي ٧ : ٦٢ ، التهذيب ٩ : ٢٣٦ / ٩٢١.

١٦٨

وأمّا بالنسبة إلى الكبار من الورثة ، فلا يجوز بهذا النحو (١) لوجوب العمل بالوصيّة وهو الاتّجار فيكون ضرراً عليهم (٢) من حيث تعطيل حقّهم من الإرث وإن كان لهم حصّتهم من الربح ، خصوصاً إذا جعل حصّتهم أقل من التعارف.

[٣٤٧٠] الحادية عشرة : إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير ، فالظاهر عدم ضمانه (٣). وكذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر (٤).

[٣٤٧١] الثانية عشرة : إذا كان رأس المال مشتركاً بين اثنين ، فضاربا واحداً ثمّ فسخ أحد الشريكين ، هل تبقى بالنسبة إلى حصّة الآخر ، أو تنفسخ من الأصل؟ وجهان ، أقربهما الانفساخ (*) (٥). نعم ، لو كان مال كل منهما متميزاً

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) في جانب الكبار من التفصيل ، بين كون متعلق الوصية هو عقد المضاربة وبين كونه الاتجار ، تامّ ومتين على تقدير شمول أدلّة الوصية للمقام فإنه حينئذٍ لا محيص عن الالتزام بهذا التفصيل ، إلّا أنك قد عرفت منه أصل المبنى فإنّ أدلّة نفوذ الوصية قاصرة الشمول لمثله.

(٢) حيث لا يكون لهم حق الفسخ ، نظراً لعدم وجود عقد في البين ، فإنّ الوصية إنما تعلقت بالعمل وهو الاتجار ، فإذا قلنا بوجوبه عليهم كان ضرريّاً لا محالة.

ومن هنا يظهر الفرق بين المقام وصورة تعلق الوصية بالمضاربة. فإنّ الثانية عقد المضاربة قابلة للرفع حتى بناءً على القول بنفوذ الوصية ، بخلاف الاولى.

(٣) لكون يده على المال يد أمانة ، فلا يضمن إلّا بالتعدي أو التفريط ، والمفروض عدمهما.

(٤) لما تقدّم.

(٥) بل أقربهما عدمه. إذ لا وجه لاعتبار هذا العقد عقداً واحداً ، فإن تعدد المالك يستلزم تعدد المضاربة لا محالة ، فيكون العامل عاملاً للأوّل في نصف المال وللآخر في

__________________

(*) بل أقربهما عدمه.

١٦٩

وكان العقد واحداً ، لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر (١).

[٣٤٧٢] الثالثة عشرة : إذا أخذ العامل مال المضاربة وترك التجارة به إلى سنة مثلاً ، فإن تلف ضمن (٢) ولا يستحق المالك عليه غير أصل المال (٣) وإن كان آثماً في تعطيل مال الغير.

[٣٤٧٣] الرابعة عشرة : إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابراً للخسران مطلقاً ، فكلّ ربح حصل يكون بينهما ، وإن حصل خسران بعده أو قبله. أو اشترط أن لا يكون الربح اللّاحق جابراً للخسران السابق ، أو بالعكس.

______________________________________________________

النصف الثاني كما هو واضح ، وإن اتحد الإنشاء ، فإنه لا يستلزم اتحاد المضاربة بوجه.

وهذا الكلام غير مختص بالمضاربة ، بل يجري في جميع العقود. فإنه لو وهب الشريكان مالهما المشترك بإنشاء واحد لشخص واحد ، ثمّ رجع أحدهما في ذلك ، لم يكن ذلك إلّا رجوعاً وفسخاً للهبة في حصّته دون حصّة صاحبه.

هذا على أنّ الماتن (قدس سره) قد التزم في المسألة السابعة والأربعين ، بجواز فسخ المالك للمضاربة ببعض المال واسترداده له ، من دون أن يكون ذلك مخلّاً لبقائها في الباقي. فإنّ هذا الفسخ بالنسبة إلى بعض المال إذا كان جائزاً مع اتحاد المالك فجوازه مع تعدده يكون أوضح وبطريق أولى.

والحاصل أنّ الصحيح هو عدم السراية مطلقاً ، سواء أكان المالك واحداً أم متعدداً ، كان المال متميزاً أم لم يكن كذلك.

(١) لما عرفت من تعدد المضاربة حقيقة وإن اتحدّت إنشاءً.

(٢) لتعديه وتفريطه بإهماله للمال ، وإبقائه كذلك عنده من غير إذن المالك ، حيث إن الإذن مختصّ بإبقائه عنده للاتجار خاصة لا مطلقاً.

(٣) باعتبار أنّ الربح لم يكن موجوداً خارجاً ، كي يكون العامل بإهماله للمال متلفاً ومن ثمّ ضامناً له ، غاية الأمر أنه بفعله حرم المالك من الربح بحيث لم يدعه يربح ، وهو لا يوجب الضمان.

١٧٠

فالظاهر الصحّة. وربّما يستشكل بأنه خلاف وضع المضاربة ، وهو كما ترى (١).

[٣٤٧٤] الخامسة عشرة : لو خالف العامل المالك فيما عيّنه جهلاً أو نسياناً أو اشتباهاً ، كما لو قال : لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني فاشتراه جهلاً ، فالشراء فضولي (*) (٢) موقوف على إجازة المالك.

______________________________________________________

(١) وذلك لأنّ عنوان المضاربة متقوّم بجعل مقدار من الربح للعامل ، وهو متحقق في المقام.

نعم ، ذلك قد يلحظ بالقياس إلى مجموع المعاملات كما هو الغالب في باب المضاربة ، وقد يلحظ بالقياس إلى كل معاملة. إلّا أنه أمر خارج عن مفهوم المضاربة فإنّه أعمّ من هذا وذاك ، وعليه فلا مانع من شمول الإطلاقات له.

ودعوى منافاته لقوله (عليه السلام) : الربح بينهما ، والوضيعة على المال (١).

مدفوعة بأنّ كون الربح بينهما أعمّ من كونه من مجموع التجارات أو كلّ تجارة فإنّه أمر تابع للجعل وخارج عن مفهوم المضاربة.

(٢) أرسله غير واحد من الأصحاب إرسال المسلَّمات ، وعلّله بعضهم بعدم إذن المالك ، لكن الظاهر أنه لا يخلو من إشكال. وذلك لأنّ ما أفاده (قدس سره) وإن كان مقتضى القاعدة إلّا أنه لا مجال للاستناد إليها بعد دلالة جملة كثيرة من النصوص وأكثرها صحاح ، على صحّة المعاملة عند مخالفة العامل لما عيّن له شرطاً أو قيداً على كل تقدير ، مع كون الربح بينهما على ما اتفقا عليه والخسران على العامل فقط لتعدّيه ومخالفته (٢) ، فإنّ هذه النصوص غير قاصرة الشمول للمقام ، وقد عمل بها الماتن (قدس سره) وغيره في صورة علم العامل بالحال.

__________________

(*) فيه إشكال ، لأنّه وإن كان مقتضى القاعدة ، إلّا أنّ إطلاق جملة من النصوص الواردة في بيان حكم مخالفة العامل لما عيّن له شرطاً أو قيداً يعم المخالفة غير العمديّة أيضاً ، نعم شراء من ينعتق على المالك خارج عن عمل المضاربة بلا إشكال ، إذ لا تصحّ المضاربة فيه مع إذن المالك فضلاً عن عدمه.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٥ كتاب المضاربة ، ب ١.

١٧١

وكذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره ، فإنه بمنزلة النهي عنه. ولعل منه ما ذكرنا سابقاً من شراء من ينعتق على المالك (١) مع جهله بكونه كذلك. وكذا الحال إذا كان مخطئاً في طريقة التجارة ، بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت ، بحيث لو عرض على التجار حكموا بخطائه.

[٣٤٧٥] السادسة عشرة : إذا تعدّد العامل ، كأن ضارب اثنين بمائة مثلاً بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فاما أن يميز حصّة كل منهما من رأس المال (٢) كأن يقول : على أن يكون لكل منه نصفه ،

______________________________________________________

ومن الواضح أنه لا خصوصية لفرض العلم ، إذ لا قصور في هذه النصوص عن شمول فرض الجهل أيضاً ، فإنّ المفروض فيها مخالفة العامل للمالك فيما إذا اشترط عليه أو أخذه قيداً في المعاملة ، وأما كون ذلك عن عمد أو جهل فلا تعرض لها إليه ومقتضى الإطلاق ثبوت الحكم في الصورتين.

نعم ، ورد في بعض تلك النصوص أخذ عنوان العصيان (١) وهو لا يشمل فرض الجهل ، إلّا أنه ضعيف من حيث السند فلا مجال للاعتماد عليه.

إذن فالصحيح هو الحكم بصحّة هذه المعاملات في المقام ، مع الالتزام بكون الربح بينهما والخسران على العامل.

ولعل غفلة المعلقين عن التعليقة على هذا الحكم في المقام ، ناشئة عن غفلتهم عن هذه النصوص ، والله العالم.

(١) في خصوص هذا الفرض الأمر كما أفاده (قدس سره) ، لخروجه عن عنوان المضاربة ، فإنها مبنيّة على الاسترباح ، وهذه المعاملة لا يمكن فيها الاسترباح ، فلا تصح مضاربة مع إذن المالك فضلاً عن عدمه ، وقد تقدّم بيانه مفصلاً.

(٢) بحيث تكون المضاربة متعددة حقيقة ، بأن تكون مع كلّ منهما مضاربة مستقلّة عن المضاربة مع الآخر ، وإن اتحدتا إنشاءً.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٢٠ كتاب المضاربة ، ب ٦.

١٧٢

وإمّا لا يميز (١). فعلى الأوّل الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر (٢) إلّا مع الشرط (*) (٣) لأنه بمنزلة تعدّد العقد. وعلى الثاني يشتركان فيها وإن اقتسما بينهما فأخذ كل منهما مقداراً منه (٤)

______________________________________________________

(١) بأن تكون المضاربة مضاربة واحدة معهما معاً ، بحيث يكونان بمنزلة العامل الواحد ، ويكون كلّ منهما عاملاً مضارباً في جميع المال.

(٢) لعدم الموجب له ، بعد تعدد المضاربة واستقلال كل منهما عن الآخر.

(٣) بل ومعه أيضاً ، إذا كان على نحو شرط النتيجة كما هو المفروض. وذلك لما عرفت غير مرّة من أن الشروط ليست مشرعة ، ومن هنا فصحتها تكون محتاجة إلى الدليل ، وإلّا فمقتضى عقد المضاربة كون الربح بين العامل والمالك خاصة.

وبعبارة اخرى : إنّ جبر ربح مضاربة شخص لخسران شخص آخر يحتاج إلى الدليل ، ولا يكفي في إثباته أدلّة الشروط ، لأنها ليست مشرعة. ومن هنا فيكون حال هذا الفرع حال اشتراط الربح للأجنبي ، بل هذا من مصاديقه حيث إنّ العامل الآخر أجنبي عن هذه المعاملة.

(٤) لأنّ التقسيم خارجاً لا يجعل المضاربة الواحدة مضاربتين مستقلّتين. وهذا مما لا كلام فيه ، وإنما الكلام ينبغي أن يقع في صحّة مثل هذه المضاربة ، حيث تتحد المضاربة ويتعدد العامل.

والذي يظهر من كلمات الأصحاب أنّ صحّتها أمر مفروغ عنه ومتسالم عليه. إلّا أننا لو كنا والروايات الواردة في المضاربة للزم الحكم ببطلان هذه المعاملة ، إذ لا يوجد فيها ما يدلّ على صحّة المضاربة مع اثنين ، وإنما الوارد فيها عنوان الرجل وهو ظاهر في العامل المتحد.

نعم ، ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّ المراد بالرجل والعامل في لسان النصوص إنما هو الجنس ، ومن هنا فيصدق على الواحد والمتعدد (١).

__________________

(*) بل مع الشرط أيضاً على ما تقدّم.

(١) الجواهر ٢٦ : ٣٧٠.

١٧٣

إلّا أن يشترطا عدم الاشتراك فيها (*) (١).

فلو عمل أحدهما وربح ، وعمل الآخر ولم يربح أو خسر ، يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر. بل لو عمل أحدهما وربح ، ولم يشرع الآخر بعد في العمل ، فانفسخت المضاربة ، يكون الآخر شريكاً (٢) وإن لم يصدر منه عمل لأنه مقتضى الاشتراك في المعاملة. ولا يعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجر نفسهما لعمل بالشركة ، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة كما إن النظير داخل في عنوان الإجارة.

______________________________________________________

وهذه الدعوى وإن كانت قابلة للتصديق إمكاناً ، إلّا أنها خلاف الظاهر جدّاً فتحتاج في مقام الإثبات إلى الدليل وهو مفقود.

والذي يمكن أن يقال في هذا المقام : إنّ المضاربة ليست من المعاملات الشرعية المحضة ، بحيث يكون الشارع المقدس هو المؤسس لها ابتداءً ، وإنما هي معاملة عقلائية ثابتة ومتعارفة لدى العقلاء قبل التشريع ، وقد أمضاها الشارع المقدس وأقرّ العقلاء على فعلهم ذلك.

ومن هنا فحيث إن هذه المعاملة غير مقيّدة لدى العقلاء باتحاد العامل فإنها كما تتحقّق مع العامل الواحد تتحقق مع تعدد العملاء ، حاله في ذلك حال الأجير فإنّ المالك قد يجعل أجيراً واحداً ، وقد يجعل اجراء متعددين ، كفى دليل الإمضاء في الحكم بصحّة هذه المعاملة ، حيث لم يدلّ على اعتبار وحدة العامل.

وبعبارة اخرى : إنّ عدم ورود الردع عن تعدّد العامل في شي‌ء من أدلّة إمضاء عقد المضاربة ، بعد قيام السيرة العقلائية عليه ، يكفي في الحكم بصحّة هذه المعاملة ، وحمل عنوان الأجير في لسان الأدلّة على الجنس.

(١) الظاهر أنه لا أثر لهذا الاشتراط ، فإنّ الشرط لا يكون مشرعاً ، ولا بدّ من دليل يقتضي ذلك وهو مفقود.

(٢) لاتحاد المضاربة وكونهما بمنزلة العامل الواحد.

__________________

(١) في صحّة هذا الشرط إشكال بل منع.

١٧٤

[٣٤٧٦] السابعة عشرة : إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة فاشترى نسيئة وباع كذلك ، فهلك المال ، فالدين في ذمّة المالك (١). وللديان إذا علم بالحال أو تبين له بعد ذلك الرجوع على كل منهما (٢). فإن رجع على العامل وأخذ منه رجع هو على المالك (٣).

ودعوى أنه مع العلم من الأوّل ليس له الرجوع على العامل ، لعلمه بعدم اشتغال ذمّته. مدفوعة بأن مقتضى المعاملة ذلك (٤) خصوصاً في المضاربة (٥) وسيما إذا علم أنه عامل يشتري للغير ، ولكن لم يعرف ذلك الغير أنه من هو ومن أي بلد.

______________________________________________________

(١) بلا إشكال فيه. فإنّ المعاملة الصادرة من العامل بإذنه معاملة له ، فيكون مطالباً بعوضها لا محالة.

(٢) أما المالك ، فلما عرفت. وأما العامل ، فلكونه مسؤولاً عن المعاملة وطرفاً لها فإنه ليس كالوكيل في إجراء الصيغة خاصة حيث لا يتحمل شيئاً من مسؤولية العقد بل هو طرف له حقيقة ، لا سيما إذا كان المالك جاهلاً بما يقوم به كما هو الحال في وكالات التجار بيعاً وشراءً ، فإنّ الوكيل يقوم بتلكم المعاملات على وفق ما يراه صالحاً ، من دون إخبار الموكل بجزئيات كلّ منها قبل إيقاعها.

ومن هنا فيتحمل العامل مسؤوليته في المعاملة ، باعتبار أنّ إقدامه على البيع والشراء إقدام على الضمان وكونه مسؤولاً عنه ، على ما تقتضيه السيرة القطعية ، فإنّ المشتري يرجع على الذي باشر العقد وكان طرفاً له ومسؤولاً عنه ، من غير التفات إلى كونه وكيلاً أو مالكاً.

(٣) لاستقرار الضمان عليه ، باعتبار أنّ المعاملة له وهو الطرف الحقيقي فيها.

(٤) لإقدامه على الضمان وكونه مسؤولاً عنها كما عرفت ، مضافاً إلى السيرة العقلائية القطعية.

(٥) حيث يكون العامل شريكاً للمالك في الربح.

١٧٥

ولو لم يتبين للديان أن الشراء للغير ، يتعين له الرجوع على العامل في الظاهر (١) ويرجع هو على المالك.

[٣٤٧٧] الثامنة عشرة : يكره المضاربة مع الذمي ، خصوصاً إذا كان هو العامل ، لقوله (عليه السلام) : «لا ينبغي للرجل المسلم ان يشارك الذمي ، ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودّة» (٢).

وقوله (عليه السلام) : «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، إلّا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم» (٣). ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر (٤) كراهة مضاربة من لا يؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام.

[٣٤٧٨] التاسعة عشرة : الظاهر صحّة المضاربة على مائة دينار مثلاً كليّاً فلا يشترط كون مال المضاربة عيناً شخصية ، فيجوز إيقاعهما العقد على كلِّي ثمّ تعيينه في فرد. والقول بالمنع ، لأن القدر المتيقّن العين الخارجي من النقدين

______________________________________________________

(١) لظهور كونه له ، وإن كان في الواقع لغيره.

(٢) رواه محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) (١). والرواية معتبرة.

(٣) رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٢). وهي كسابقتها معتبرة من حيث السند فإن النوفلي والسكوني ثقتان على ما تقدّم غير مرّة.

(٤) حيث لا يبعد دعوى كون النهي نهياً إرشادياً إلى عدم وثاقتهم ، كما يشهد له استثناء التجارة الحاضرة.

فمن هنا يمكن تعدية الحكم إلى كل من لا يكون محلّاً للوثوق ، فتكون المضاربة معه مكروهة تنزيهاً أو منهياً عنها إرشاداً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الشركة ، ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الشركة ، ب ٢ ح ٢.

١٧٦

ضعيف (*) (١). وأضعف منه احتمال المنع حتى في الكلي في المعين (٢) إذ يكفي في الصحّة العمومات.

[٣٤٧٩] متمم العشرين : لو ضاربه على ألف مثلاً ، فدفع إليه نصفه فعامل به ثمّ دفع إليه النصف الآخر ، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر ، لأنه مضاربة واحدة (٣). وأما لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه وعامل بها ، وفي أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة أُخرى (**) ، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما

______________________________________________________

(١) لا وجه لتضعيف هذا القول ، بل هو المتعين بعد عدم شمول الروايات الواردة في المضاربة له ، حيث لا يصدق عنوان إعطاء المال له عليه ، بل يقتضيه ما دلّ على عدم جواز المضاربة بالدين ما لم يقبض ، فإنه يقتضي عدم جواز المضاربة بالكلي في الذمّة ما لم يتشخص في الخارج.

إذن فالظاهر في المقام هو عدم صحّة مثل هذه المضاربة. ويكفينا في ذلك الشك نظراً لاحتياج صحّة المضاربة إلى الدليل الخاص ، وعدم كفاية العمومات في إثبات صحّتها.

(٢) بلا إشكال فيه ، لصدق عنوان إعطاء المال عليه ، ومن ثمّ شمول النصوص له.

(٣) وهو واضح ، إذ لا عبرة بتعدّد التسليم والقبض ، وإنما العبرة بوحدة المضاربة وتعدّدها.

__________________

(*) لا يبعد قوّة هذا القول لأنّ صحّة عقد المضاربة تحتاج إلى دليل خاص ولا يكفي فيها العمومات ولا دليل على جواز ذلك ، بل ما دلّ على عدم جواز المضاربة في الدَّين حتى يقبضه دليل على العدم ، نعم لا بأس بالمضاربة في الكلِّي في المعيّن لشمول أدلّتها لها.

(**) هذا يتصوّر على نحوين : أحدهما : أن تكون الثانية مضاربة مستقلّة في مقابل الاولى ، كما إذا فرض أنّ في المضاربة الأُولى كان الربح بينهما على النصف وفي الثانية كان على الثلث ، ففي هذه الصورة لا أثر للمزج. الثاني : أن تكون الثانية بنحو التتميم للأُولى ، فعندئذٍ كانتا مضاربة واحدة فلا فرق أيضاً بين صورة المزج وعدمه.

١٧٧

بربح الأُخرى (١) لأنهما في قوّة مضاربتين. نعم ، بعد المزج والتجارة بالمجموع تكونان واحدة.

______________________________________________________

(١) وفيه : انّ الخمسمائة الثانية إذا كانت متممة للمضاربة الاولى وتوسعة لها ، فحالها حال الصورة الأُولى حيث تكون المضاربة واحدة ، غاية الأمر أنها كانت عند بدئها ضيقة النطاق فاتسعت بعد ذلك ، كما يتفق ذلك كثيراً في التجارات حيث تبدأ برأس مال بسيط ، لاعتبارات قد يكون منها اختبار قدرة العامل أو قلّة المال ، ثمّ تتسع مع إحساس المالك بالربح. وحينئذٍ يكون الربح جابراً للخسران لا محالة ، بلا فرق بين مزج المالين وعدمه ، نظراً لاتحاد المضاربة وعدم تعدّدها ، حيث لم تلحظ الثانية مستقلّة عن الأُولى وفي قبالها.

وأمّا إذا كانت الخمسمائة الثانية مضاربة مستقلة ومنحازة عن المضاربة الأُولى ، كما لو اختلفت نسبة الربح فيهما بأن كان للعامل في الأُولى النصف وفي الثانية الثلث أو بالعكس ، كان الربح في الثانية غير جابر للخسران في الاولى لا محالة ، بلا فرق في ذلك بين فرض مزج المالين وعدمه ، فإنّ الامتزاج لا يوجب اتّحاد المضاربتين ، كما لو كان عاملاً لشخصين واختلط مالهما في يده ، فإنه لا يوجب اتحادهما وجبر خسران إحداهما بربح الأُخرى.

والحمد لله أوّلاً وآخراً

١٧٨

كتاب الشركة

١٧٩
١٨٠