موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

من الربح (١). ولو لم يحصل ربح ، فادعى المالك المضاربة لدفع الأُجرة ، وادّعى العامل الإبضاع ، استحق العامل بعد التحالف اجرة المثل لعمله (*) (٢).

______________________________________________________

الإبضاع. وأما بناءً على ما هو الصحيح من عدم ثبوتها فيه ، فالمقام من موارد المدّعى والمنكر لا التداعي ، إذ المالك حينئذٍ لا يلزم العامل بشي‌ء وإنما العامل يلزمه بدفع الحصّة ، فيكون هو المدّعى والمالك منكراً.

(١) مقتضى ظهور كلامه (قدس سره) بل صريحه ، أن اجرة المثل قد تكون أقل من الحصّة التي يدّعيها العامل ، وقد تكون أكثر منها.

والحال أنه لا يتصوّر معنى للترافع والتنازع ووصول الأمر إلى التحالف ، فيما إذا كانت اجرة المثل أكثر مما يدعيه العامل من الحصّة ، بعد أن لم يكن للمالك والعامل نظر في خصوصية المال كما هو الغالب. وذلك لعدم وجود الإلزام من الطرفين حينئذٍ ، فإنّ المالك يعترف باستحقاق العامل أكثر مما يدعيه هو ، والعامل يعترف بعدم استحقاقه سوى الأقل مما يدّعيه المالك ، فكل منهما يعترف للآخر شيئاً وهو ينكره.

ومعه فلا وجه للتحالف ، إذ لا يدّعي أحدهما على الآخر شيئاً كي يقيم البيّنة عليه ، أو يطلب منه اليمين. بل يجب حينئذٍ أن يعمل كلّ منهما على حسب تكليفه واعتقاده ، فعلى المالك إيصال الزائد إلى العامل كيف حصل ، وعلى العامل أن لا يأخذه.

ولا يبعد أن يكون هذا سهواً من قلمه (قدس سره) ، فإنّ النزاع إنما يختصّ بفرض نقصان اجرة المثل عن الحصّة المدعاة من قبل العامل.

(٢) وفيه : أنه كيف يمكن فرض المقام من التداعي بعد أن لم يكن المالك ملزماً للعامل بشي‌ء ، حيث إنه لا يطالبه إلّا بما بقي من رأس ماله ، وإنما العامل هو الذي يدّعي عليه استحقاق اجرة المثل. بل الظاهر أنّ المقام من المدّعى والمنكر ، حيث

__________________

(*) الظاهر أنّه لا مجال للتحالف في الفرض ، لأنّ العامل يدّعي أُجرة المثل على المالك بناءً على ثبوتها في الإبضاع والمالك ينكرها ، فإذا حلف لم يستحقّ العامل عليه شيئاً.

١٤١

[٣٤٥٩] مسألة ٦٢ : إذا علم مقدار رأس المال ، ومقدار حصّة العامل واختلفا في مقدار الربح الحاصل ، فالقول قول العامل (١). كما أنهما لو اختلفا في حصوله وعدمه كان القول قوله.

ولو علم مقدار المال الموجود فعلاً بيد العامل ، واختلفا في مقدار نصيب العامل منه ، فإن كان من جهة الاختلاف في الحصّة أنها نصف أو ثلث ، فالقول قول المالك قطعاً (٢).

وإن كان من جهة الاختلاف في مقدار رأس المال ، فالقول قوله أيضاً ، لأن المفروض أنّ تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلاً وربحاً ، ومقتضى الأصل كونه بتمامه للمالك إلّا ما علم جعله للعامل ، وأصالة عدم دفع أزيد من مقدار كذا إلى العامل لا تثبت كون البقية ربحاً (٣) مع أنها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا. فيبقى كون الربح تابعاً للأصل إلّا ما خرج.

مسائل

[٣٤٦٠] الأُولى : إذا كان عنده مال المضاربة فمات ، فإن علم بعينه فلا إشكال (٤).

______________________________________________________

يدّعي العامل على المالك اجرة المثل ، وهو ينكره.

هذا كله بناءً على ثبوت اجرة المثل في الإبضاع. وأما بناءً على عدمه على ما عرفت أنه الصحيح ، فالأمر واضح ، فإنه ليس للعامل شي‌ء على كلا التقديرين.

(١) لأصالة عدمه. فالمالك هو المدّعى والعامل هو المنكر ، فعلى المالك الإثبات وإلّا فالعامل أمين ويقبل قوله بيمينه.

(٢) لكون المال بأجمعه أصلاً ونماءً له ، فلا يخرج عنه إلّا فيما يعترف به هو ، أو يثبته العامل بالبيّنة. وقد تقدّم بيانه مفصلاً في المسألة الثالثة والخمسين.

(٣) إذ لا نقول بحجية الأصل المثبت.

(٤) ولا خلاف في وجوب ردّه إلى مالكه ، وليس للورثة فيه حق.

١٤٢

وإلّا فإن علم بوجوده في التركة الموجودة من غير تعيين ، فكذلك. ويكون المالك شريكاً مع الورثة بالنسبة (*) (١). ويقدم على الغرماء ان كان الميت مديوناً ، لوجود عين ماله في التركة.

______________________________________________________

(١) على ما هو المشهور بين الأصحاب. إلّا أنه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لما سيأتي في باب الشركة من أنها إنما تكون بأحد أمرين :

الأوّل : العقد. فإنهما إذا تعاقدا عليها وحصل الامتزاج الخارجي ، كانا شريكين في أبعاض كلّ مال من تلك الأموال ، وبذلك يكون تلف بعضه محسوباً عليهما معاً. وتسمّى هذه الشركة العقدية.

الثاني : الامتزاج. فإنه لو اختلط المالان على نحو بحيث أصبحا شيئاً واحداً ، كان صاحباهما شريكين في الممتزج ، سواء أكان المالان من جنس واحد كالماءَين ، أم من جنسين كالماء والسكّر. وتسمى هذه الشركة بالشركة القهرية.

وأما إذا لم يكن لا هذا ولا ذلك ، كما فيما نحن فيه حيث لا عقد ولا امتزاج ، فإنّ كلّاً من المالين متميز عن الآخر ؛ غاية الأمر أنه لا يمكن تعيين ما للمالك منهما وما للورثة فلا موجب للقول بالاشتراك. فإنّ مجرّد الاختلاط الخارجي وعدم إمكان التشخيص لا يحقّق الشركة ، ولا يوجب انتقال مقدار من مال كلّ منهما إلى الآخر بإزاء انتقال مقدار من مال الآخر إليه ، فإنّه لا دليل عليه. بل المتعيّن هو التصالح ، وإلّا فالقرعة لأنها لكلّ أمر مشكل.

وممّا يؤيِّد ذلك ما ورد في الودعيّ الذي يكون لأحد عنده درهمان ولآخر درهم واحد ، ثمّ تلف أحد تلك الدراهم ، حيث حكم (عليه السلام) بكون درهم ونصف لصاحب الدرهمين ، ونصف درهم لصاحب الدرهم (١). فإنّ عدم التشخيص لو كان موجباً للاشتراك ، لكان المتعين هو الحكم بكون ثلثي الدرهمين لصاحب الدرهمين وثلثاً منهما لصاحب الدرهم.

__________________

(*) في ثبوت الشركة بعدم تميّز المال ولا سيما مع اختلاف الأجناس إشكال بل منع.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١٣ ح ١.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل أن الجهل في مقام التعيين لا يوجب قلب الواقع ، وإخراج مقدار من ملك كلّ منهما إلى الآخر في قبال خروج مقدار من ملك الآخر إليه.

ثمّ لو تنزّلنا وقلنا بحصول الشركة بالاختلاط ، فغايته الالتزام بها فيما إذا اتحدت الأموال جنساً ، بأن اختلطت شياه مال المضاربة بشياه مال العامل. وأما إذا اختلفت فلا موجب للقول بها في فرض الجهل ، مع تمييز الأجناس وجوداً وجنساً ، إذ لا موجب لاشتراك المالك مع الورثة في مختصّات الميت مما لا يتحد مع جنس مال المضاربة ، كداره وثيابه وكتبه ، فإنها مما يقطع باستقلال الورثة فيها.

ثمّ إنه قد يستدلّ على تحقّق الشركة في المقام بمعتبرة السكوني ، عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) : «انه كان يقول : من يموت وعنده مال المضاربة قال : إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان ، فهو له. وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء» (١).

بدعوى أنّ المستفاد منها كون حال المالك حال الغرماء في ذلك ، فكما أنهم يشتركون مع الوارث ، فكذلك هو يشترك معهم أيضاً.

إلّا أنه ضعيف جدّاً. فإنّ الغرماء لا يشتركون مع الوارث جزماً ، بل غاية الأمر أنّ لهم حقاً في المال ، بل قد عرفت في بعض المباحث المتقدِّمة أن لا حقّ لهم في التركة أيضاً ، لعدم الدليل عليه ، إذ غاية ما دلّ عليه الدليل هو كون الانتقال إلى الورثة بعد أداء الديون ، فليس لهم التصرّف فيه إلّا بعده. وحينئذ فمقتضى القاعدة الالتزام ببقاء التركة على ملك الميت ، وعدم انتقالها إلى الورثة إلّا في الزائد عن الدين ، لا القول باشتراك الغرماء معهم فيها.

ومما يؤيد ما ذكرناه ، من عدم ثبوت الحقّ للغرماء في التركة فضلاً عن اشتراكهم معهم فيها ، أنه يجوز للوارث الأداء من خارج التركة ، بل للأجنبي التبرع به من عنده ، من دون أن يكون لهم حق المطالبة بعين التركة.

وعلى هذا فليس معنى قوله (عليه السلام) : «فهو أُسوة الغرماء» كونه شريكاً

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١٣ ح ١.

١٤٤

وإن علم بعدم وجوده في تركته ولا في يده ، ولم يعلم أنه تلف بتفريط أو بغيره ، أو ردّه على المالك ، فالظاهر عدم ضمانه ، وكون جميع تركته للورثة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال بمقتضى بعض الوجوه الآتية (١).

وأمّا إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت ، ولم يعلم أنه موجود في تركته الموجودة أوْ لا ، بأن كان مدفوناً في مكان غير معلوم ، أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك. أو علم بعدم وجوده في تركته ، مع العلم ببقائه في يده ، بحيث لو كان حيّاً أمكنه الإيصال إلى المالك. أو شك في بقائه في يده وعدمه أيضاً. ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال على اختلاف مراتبه وكلمات العلماء في المقام وأمثاله كالرهن والوديعة ونحوهما مختلفة.

______________________________________________________

للورثة في المال ، وإنما معناه أنّ حاله كحالهم في عدم انتقال التركة إلى الورثة إلّا بعد أداء مالهم ، فكما أنها لا تنتقل إليهم إلّا بعد أداء الديون ، فكذلك هي لا تنتقل إليهم إلّا بعد أداء مال المضاربة.

ومن غرائب الكلام ما صدر عن صاحب الوسائل (قدس سره) في المقام ، حيث عنوَن باب هذه الرواية بقوله : إنّ من كان بيده مضاربة فمات ، فإن عيَّنها لواحد بعينه فهي له ، وإلّا قسّمت على الغرماء بالحصص (١).

وهو كالصريح في استفادته (قدس سره) منها كون المال معلوماً والمالك مجهولاً. فإنه على خلاف المقطوع به ، فإنّه لو كان المالك مجهولاً لوجب إخراجه في مصرف مجهول المالك ، لا إعطاؤه إلى الغرماء بالحصص.

والحاصل أنّ الرواية وإن كانت معتبرة من حيث السند ، لما تقدّم مراراً من أنّ الأظهر وثاقة كلّ من النوفلي والسكوني ، إلّا أنها أجنبية عن محلّ الكلام بالمرة.

(١) مراده (قدس سره) منه هي قاعدة اليد ، حيث يراها (قدس سره) مثبتة للضمان بقول مطلق ، إلّا في صورتي التلف القهري أو دعوى التلف مع الحلف. وسيأتي الحديث في شمول القاعدة للمقام وعدمه.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٢٩.

١٤٥

والأقوى الضمان في الصورتين الأُوليين (*) (١) لعموم قوله (عليه السلام) : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» حيث إنّ الأظهر شموله للأمانات أيضاً. ودعوى خروجها ، لأن المفروض عدم الضمان فيها. مدفوعة بأنّ غاية ما يكون خروج

______________________________________________________

(١) بل الأقوى عدم الضمان فيهما إلّا مع ثبوت التفريط. وذلك فلأنّ رواية «على اليد» نبوية لم تثبت من طرقنا ، فلا تصلح للاعتماد عليها في إثبات الضمان ، على ما تقدّم غير مرّة.

ودعوى انجبارها بالشهرة ، ممنوعة صغرى وكبرى.

بل الدليل على الضمان إنما هي السيرة العقلائية القطعية ، وهي غير شاملة لموارد يد الأمين جزماً.

إذن فليس هناك عموم يصحّ التمسّك به لإثبات الضمان في المقام.

على أننا لو تنزّلنا وقلنا بصحّة قاعدة اليد من حيث السند ، فهي غير شاملة للمقام جزماً ، فإنّ يد الأمين خارجة عنها قطعاً ، إذ لا معنى لأن يقال بأنّ أخذه موجب للضمان ، غايته أنه يرتفع بالتلف من غير تعدٍّ أو تفريط. فإنّ الضمان غير ثابت من حين أخذه ، وإنما هو يثبت بتعديه أو تفريطه ، وحيث إنّه لم يثبت فلا مجال للقول بضمانه.

والحاصل أنه حيث لا دليل على الضمان في المقام ، فأصالة البراءة عنه محكمة.

هذا وقد يقال بالتفصيل بين الصورتين ، باختيار الضمان فيما إذا احتمل وجود مال المضاربة في ضمن التركة ، وعدمه فيما إذا علم بعدم وجوده في ضمنها.

بدعوى أنّ الضمان وإن لم يكن يثبت بقاعدة «على اليد» باعتبار أنّ يد العامل يد أمانة ، إلّا أن ذلك لا يعني جواز تصرف الورثة في التركة مع احتمال وجود مال

__________________

(*) بل الأقوى عدمه إلّا مع ثبوت التفريط ولو من جهة ترك الوصيّة به ، وأمّا التمسّك بعموم الحديث لإثبات الضمان فمخدوش من وجوه.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المضاربة فيها ، إذ أن يد العامل هذه لا تكشف عن ملكيّته لهذا المال ، لاحتمال كونه لغيره. ومقتضى العلم الإجمالي بكون مال الغير هذا أو غيره ، عدم جواز تصرّفهم فيه ولزوم المصالحة عليهم مع المالك وتخليص التركة من حقه قبل تصرفهم فيها.

وبعبارة اخرى : إنّ الضمان في المقام ليس من جهة يد الميت وضمانه لما أخذه ، وإنما هو من جهة أنّ يد الميت هذه لا تكشف عن ملكيّته لتلك الأموال ، للعلم بكون مال المضاربة تحت يد العامل إلى حين موته ، فللميت على المال يدان ، ومعه يشك في كون ما تحت يده ملكاً له ، فلا يجوز للورثة التصرّف فيه.

وبالجملة فالعلم الإجمالي بكون مال المضاربة في ضمن التركة أو غيرها ، يسقط اليد عن الكشف عن الملكيّة. ومعه يكون المال مردداً من حيث المالك بين الميت وصاحب مال المضاربة ، ومن هنا فلا يجوز للورثة التصرّف فيه ، حيث لم يثبت كونه ملكاً للميت وفي جملة ما ترك.

وهذا لا يجري فيما إذا علم بعدم وجود مال المضاربة في ضمن التركة ، فإنّ معه لا مجال للشك في استقلال الورثة بالتركة ، وجواز التصرّف لهم كيفما شاؤوا.

إلّا أنه لا يمكن المساعدة عليه.

وذلك فلأن العلم الإجمالي بعدم كون يد الميت على بعض ما في يده يد المالك وإن كان محرزاً بالوجدان ، إلّا أنه غير منجز ، نظراً لخروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء. فإنه وبعد احتمال كون المضاربة في غير التركة ، بحيث تكون هي بأكملها للورثة كما هو المفروض ، فلا مانع من إجراء قاعدة اليد الكاشفة عن الملك في التركة ، حيث لا تعارضها قاعدة اليد في المال الآخر الذي هو خارج عن محل الابتلاء.

وتوهم أنّ اعتبار كون أطراف العلم الإجمالي محلا للابتلاء إنما يختص بالأُصول دون الأمارات التي منها قاعدة اليد ، فإنها لا يعتبر في حجيتها كون أطراف العلم الإجمالي بأكملها محلّاً للابتلاء. ولذا لو قامت البيّنة على كون التركة هي مال المضاربة ، وقامت اخرى على كونه في غيرها ، تعارضتا حتى مع خروج الثاني عن محلّ الابتلاء ، وتعيّن الرجوع إلى ما تقتضيه القواعد والأُصول.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مدفوع بما ذكرناه في المباحث الأُصولية ، من أنه لا فرق في اعتبار كون أطراف العلم الإجمالي محلّاً للابتلاء في تنجيزه وسقوط الأُصول بين الأمارات والأُصول فإنهما على حدّ سواء في ذلك. وإنما يعتبر ذلك في الإخبارات كالبيّنة وخبر الثقة خاصة ، حيث تثبت لوازمها بالدلالة الالتزامية. وأما غيرها فهي لا تثبت اللازم العقلي ، سواء في ذلك الأُصول وغيرها ، لقصور دليل حجيتها عن ذلك. فالالتزام بثبوت القبلة مثلاً بالظن ، لا يثبت لازمه أعني دخول الوقت لمن أراد الصلاة باعتبار أنّ الدليل إنما تكفل إثبات جواز الصلاة فقط ، وأما لازمه فلا.

وبعبارة اخرى : إنّ الإخبارات تختلف عن غيرها بأنها تتضمن إثبات لوازمها بالدلالة الالتزامية ، ومن هنا تكون معارضة للخبر الآخر من دون اعتبار أن يكون الطرف الآخر محلّاً للابتلاء ، بخلاف غيرها حيث لا يتضمن إثبات اللوازم ، ومن هنا فلا بدّ في تنجيزه من كون أطراف العلم محلا للابتلاء ، وهو مفقود في المقام.

إذن فقاعدة اليد فيما تركه الميت سالمة عن المعارض ، حيث لا علم لنا في وجود رأس المال في ضمن التركة ، ومعه فتنتقل إلى الوارث بلا ضمان ، ويجوز لهم التصرّف فيها.

والذي يتحصّل من جميع ما تقدّم ، أن الصحيح في المقام هو الحكم بعدم الضمان مطلقاً ما لم يعلم تعديه أو تفريطه ، سواء في ذلك العلم بعدمهما أو الشك فيهما. أما مع الأوّل فواضح. وأما مع الثاني فلأن الشبهة مصداقية ولا يصحّ التمسّك بالعلم فيها ، ومقتضى أصالة البراءة عدمه.

نعم ، مع إحراز التعدِّي أو التفريط يحكم بضمانه ، لكن لا من جهة قاعدة اليد ، وإنما من جهة التعدي أو التفريط ، ولو بعدم إخباره للورثة بمكان مال المضاربة وإيصائه به مع علمه بجهلهم به ، فإنه أمانة في يده ولا بدّ له من إيصاله إلى مالكه ولو بتعيين مكانه ، فإذا قصّر فيه كان مفرّطاً فيضمن لا محالة.

وبالجملة فحكمنا بعدم الضمان إنما يختصّ بما إذا لم يحرز تعديه أو تفريطه ولو من ناحية عدم إيصائه به ، بأن كان موته فجأة أو نحوها ، وإلّا فهو ضامن لا محالة.

١٤٨

بعض الصور منها (١) كما إذا تلفت بلا تفريط ، أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف (٢). وأما صورة التفريط والإتلاف ودعوى الردِّ في غير الوديعة (*) (٣) ودعوى التلف (**) والنكول عن الحلف (٤) فهي باقية تحت العموم. ودعوى أن الضمان في صورة التفريط والتعدِّي من جهة الخروج عن كونها أمانة ، أو من جهة الدليل الخارجي ، كما ترى لا داعي إليها.

ويمكن أن يتمسك بعموم ما دلّ على وجوب ردّ الأمانة (٥) بدعوى أن الردّ أعم من ردّ العين (***) وردّ البدل (٦) واختصاصه بالأوّل ممنوع. ألا ترى أنه يفهم

______________________________________________________

(١) قد عرفت ما فيه مما تقدّم ، فإنّ يد الأمين غير مشمولة لها من الأوّل ، وإنما الضمان يثبت بتفريطه أو تعدّيه.

(٢) تقدّم أنّ الأقوى في هذه الصورة قبول قوله بغير يمين ما لم يكن متّهماً.

(٣) الظاهر عدم الفرق بين الوديعة وغيرها ، فإنه لا دليل على استثنائها إلّا الإجماع المدعى ، وهو غير ثابت.

(٤) قد عرفت أنّ مقتضى النصوص قبول دعواه بغير يمين ما لم يكن متّهماً.

(٥) كقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (١). وقوله تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) (٢).

(٦) وفيها : أنّ الرد إنّما تعلَّق بنفس العين لا ببدلها ، فإنّ الأمانة اسم للعين الخارجية التي تودع عند الغير ، ومن هنا فلا دلالة لهذه الأدلّة على ردّ البدل ، وإنما

__________________

(*) بل لا تسمع دعوى الردّ في الوديعة أيضاً.

(**) الظاهر سماع دعوى التلف مطلقاً إذا لم يكن المؤتمن متّهماً.

(***) هذه الدعوى فاسدة فإنّ وجوب الردّ تكليفي ، ومتعلِّقه نفس الأمانة ، مضافاً إلى أنّه قد ثبت عدم الضمان مع عدم التفريط ، فلا مجال للتمسّك بالعموم والشّبهة مصداقيّة.

(١) سورة النساء ٤ : ٥٨.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٣.

١٤٩

من قوله (عليه السلام) : «المغصوب مردود» (*) وجوب عوضه عند تلفه (١). هذا مضافاً إلى خبر السكوني (**) عن علي (عليه السلام) : «أنه كان يقول : من يموت وعنده مال المضاربة قال : إن سمّاه بعينه قبل موته ، فقال : هذا لفلان ، فهو له. وإن مات ولم يذكر ، فهو أُسوة الغرماء» (***).

وأما الصورة الثالثة ، فالضمان فيها لا يخلو عن قوّة (****) (٣) لأن الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت (٤) واشتغال

______________________________________________________

هي تتضمن حكماً تكليفياً محضاً متعلقاً بنفس العين.

ولو تنزلنا عن ذلك ، فحال هذه الأدلّة حال قاعدة الضمان باليد ، حيث يحتاج إثباته بها إلى إحراز التعدي أو التفريط ، وإلّا فالحكم هو عدم الضمان حتى مع الشك حيث أن الشبهة مصداقية ولا يصحّ التمسك بالعام فيها.

(١) وفيه : أنه مستفاد من الخارج ، وإلّا فاللفظ لا يقتضي إلّا ردّ العين خاصّة.

(٢) تقدّم أنّ الرواية وإن كانت معتبرة إلّا أنها أجنبية عن محلّ الكلام ، باعتبار أنّ موردها فرض العلم بوجود مال المضاربة في التركة ، ومحل كلامنا هو فرض العلم بعدمه أو احتمال وجوده فيها.

(٣) بل الأقوى فيها عدم الضمان أيضاً ، لعدم تمامية شي‌ء مما ذكره (قدس سره) على ما ستعرف ، فتكون أصالة البراءة سالمة عن المعارض.

(٤) وفيه : أنه وإن كان تاماً في حدّ نفسه إلّا أنه لا أثر لإجرائه ، حيث لا يثبت به

__________________

(*) الوسائل ، ج ٢٥ كتاب الغصب ، ب ١ ح ٣.

(**) الخبر لا دلالة له ، فإنّ مورده العلم بوجود مال المضاربة في التركة ، فلا يشمل مورد الكلام.

(***) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١٣ ح ١.

(****) بل الأقوى فيها أيضاً عدم الضمان ، وأمّا التمسّك باستصحاب بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت فيردّه أنّ الضمان غير مترتّب عليه ما لم يثبت التفريط ، وأمّا التمسّك باستصحاب اشتغال ذمّته بالردّ عند المطالبة فيردّه أنّه من الاستصحاب التعليقي ولا نقول به ، مضافاً إلى أنّ المتيقّن لا يحتمل بقاؤه بعد الموت لأنّه تكليفي محض ، وعلى تقدير التسليم لا يترتّب عليه وجوب أداء البدل ، وعليه فأصالة البراءة من الضمان بلا معارض.

١٥٠

ذمّته بالردّ عند المطالبة (١) وإذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته. ودعوى أن الأصل المذكور معارض بأصالة براءة ذمّته من العوض ، والمرجع بعد التعارض قاعدة اليد المقتضية لملكيّته. مدفوعة بأن الأصل الأوّل حاكم على الثاني (٢). هذا مع أنه يمكن الخدشة في قاعدة اليد بأنها مقتضية للملكيّة إذا كانت مختصة ، وفي المقام كانت مشتركة (*) (٣) ، والأصل بقاؤها على الاشتراك.

______________________________________________________

الضمان ، لما عرفت من أنه غير مترتب في باب الأمانات على اليد كي يثبت باستصحاب بقاء يده عليه ، وإنما هو ثابت من جهة التعدّي والتفريط ؛ واستصحاب بقاء يده عليه لا يثبتهما.

(١) وفيه : أنه من الاستصحاب التعليقي ، حيث إنّ وجوب الردّ مشروط بالمطالبة ولا نقول بحجيته.

على أنّ وجوب الرد في الأمانات وجوب تكليفي محض كما عرفت ، فلا يحتمل بقاؤه بعد الموت لسقوط التكاليف بالموت. ومن هنا فلا مجال لاستصحابه ، لأنّ المتيقن مرتفع قطعاً ، والمحتمل وجوب الردّ على الوارث لم يكن متيقناً سابقاً.

هذا كله مضافاً إلى ما قد عرفت ، من أنّ وجوب الردّ لا يقتضي وجوب دفع البدل عند امتناع ردّ العين نفسها.

إذن فأصالة البراءة من الضمان محكمة من غير معارض.

(٢) لكنك قد عرفت أنّ الأوّل غير جارٍ في المقام ، فجريان الثاني يكون من غير معارض.

(٣) الظاهر عدم كون المقام من موارد الاشتراك في اليد في شي‌ء. فإنه إنما يكون في موارد ثبوت يدين على مال واحد ، كالصندوق المشترك ما فيه بين اثنين ، فإنه حينئذٍ لا يمكن الحكم بملكية صاحبه لما فيه ، على ما دلّ عليه النص. وأما إذا كان يدان لشخص واحد ، بأن كان له يد على أمواله الخاصة ويد على أموال غيره ، فلا مجال

__________________

(*) الظاهر عدم كون المقام من موارد الاشتراك في اليد.

١٥١

بل في بعض الصور يمكن أن يقال : أن يده يد المالك (*) من حيث كونه عاملاً له كما إذا لم يكن له شي‌ء أصلاً فأخذ رأس المال وسافر للتجارة ، ولم يكن في يده سوى مال المضاربة ، فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة ما في يد المالك (١) وإن احتمل أن يكون قد تلف جميع ما عنده من ذلك المال ، وأنه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده. وفي بعض الصور يده مشتركة بينه وبين المالك ، كما إذا سافر وعنده من مال المضاربة مقدار ومن ماله أيضاً مقدار (٢). نعم ، في بعض الصور لا يعد يده مشتركة أيضاً. فالتمسك بقاعدة اليد بقول مطلق مشكل.

ثمّ إنّ جميع ما ذكر إنما هو إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت

______________________________________________________

للحكم بالاشتراك ، بل مقتضى القواعد الحكم بملكيّته لجميع ما تحت يده ، إلّا ما عرف كونه للغير بعينه.

ولعل ما نذكره من الأُمور الواضحة لدى الجميع ، وإلّا فقلّ من يخلو من وجود الأمانة أو الوديعة أو مال الغير بشتى العناوين تحت يده ، أفهل يحتمل أن يكون ذلك موجباً للاشتراك في اليد ومانعاً عن انتقال تركته عند موته!.

(١) ما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ فيما إذا كان مال المضاربة بعينه ولو بدلاً موجوداً ومعروفاً في الخارج ، فإنه حينئذٍ تكون يد العامل هي يد المالك بعينها. وأما إذا شك في وجوده ، بحيث كان احتمال تلفه معتداً به ، فإنه لا مجال لأن يقال بأنّ يد العامل على المال الموجود تحت يده حين الموت هي بعينها يد المالك ، فإنه متى كان مالكاً لهذا المال كي تكون يد العامل عليه هي بعينها يده! بل الصحيح هو الحكم بملكيّة العامل لذلك المال بمقتضى قاعدة اليد السالمة عن المعارض.

(٢) قد عرفت الحال فيه مما تقدّم ، فلا نعيد.

__________________

(*) هذا فيما إذا علم ببقاء مال المضاربة بعينه ، وإلّا فقاعدة اليد محكمة.

١٥٢

مفرطاً ، وإلّا فلا إشكال في ضمانه (١).

[٣٤٦١] الثانية : ذكروا من شروط المضاربة التنجيز ، وأنه لو علقها على أمر متوقّع بطلت. وكذا لو علقها على أمر حاصل إذا لم يعلم بحصوله (٢). نعم ، لو علق التصرّف على أمر صحّ وإن كان متوقّع الحصول.

______________________________________________________

(١) على ما تقدّم بيانه مفصلاً.

(٢) وتفصيل الكلام في المقام : إنّ القضية الخارجية ، إما أن تكون جملة إنشائية وإما أن تكون جملة خبرية. وفي كليهما لا يعقل أن يكون الإنشاء أو الإخبار معلقاً على شي‌ء ، بل هما منجزان دائماً. وذلك لما عرفت في المباحث الأُصولية ، من أنّ الأوّل عبارة عن إبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية ، في حين أن الثاني عبارة عن إبراز قصد الحكاية وإظهاره. وحيث إنّ من الواضح أنّ الإظهار والإبراز من الأُمور الخارجية فلا معنى لتعليقه ، فإنها إما أن تتحقق خارجاً أو لا تتحقق.

ومن هنا فلا مجال للبحث في صحّة التعليق في العقود والإيقاعات أو فساده ، فإنه بحث لا موضوع له ، حيث لا مجال للتعليق في نفس الإنشاء والإخبار ، بل التعليق إما أن يكون في المنشأ أو المخبر به ، فإنه قد يكون مطلقاً وقد يكون معلقاً على تقدير بحيث يكون الإنشاء والإخبار متعلقاً بالحصّة على ذلك التقدير.

وقد ذكر العلماء أنّ صدق الجملة الشرطية الخبرية وكذبها تابع لصدق الملازمة وعدمه ، من دون أن يكون لصدق الطرفين أو كذبهما تأثير في ذلك. فإذا صدقت الملازمة ، كانت الجملة صادقة حتى مع فرض كذب الطرفين ، كقوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١) فإنّ الجملة صادقة مع كذب الطرفين ، وإلّا فهي كاذبة.

ثمّ إنّ التعليق في العقود والإيقاعات قد لا يكون راجعاً إلى الإنشاء أو المنشأ ، بل يكون راجعاً إلى أمر خارج عن مدلول العقد بالكليّة. كما لو ضارب المالك عاملاً على حصّة معيّنة من الربح ، ثمّ نهاه عن تصرف على تقدير معين ، كشراء الشي‌ء

__________________

(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٢.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المعيّن في اليوم المعيّن أو الفصل المعيّن. وفيه لا ينبغي الإشكال في صحّته ، فإنه مالك وله أن يأذن أو يمنع العامل من التصرّف في ماله مطلقاً ، كما له ذلك على تقدير دون تقدير.

ومن هذا القبيل ما ذكروه في باب الوكالة ، فإنّ للموكل أن يقيد تصرفات الوكيل بما يشاء ، حتى ولو كانت وكالته حين صدورها مطلقة.

وكذا الحال من حيث الحكم بالصحّة بلا إشكال فيما إذا كان التعليق في مدلول العقد ، لكن كان المعلق عليه أمراً يتوقف العقد بحسب طبعه عند العقلاء أو الشارع عليه ، كتعليق الطلاق على الزوجية أو البيع على المالك أو بلوغ المشتري. فإنه خارج عن محل كلامهم في التعليق من حيث النفي والإثبات جزماً ، باعتبار أنّ هذا التعليق ليس أمراً زائداً عما هو معلق عليه في الواقع ، ومن هنا فوجوده وعدمه سيّان.

وأما إذا كان التعليق على أمر أجنبي عما يكون العقد معلقاً عليه بطبعه ، كما لو كان المنشأ أمراً متأخراً ، أو فعلياً معلقاً على أمر مشكوك الوجود ، فالمشهور والمعروف هو اعتبار التنجيز من كلتا الناحيتين ، الجزم والتنجيز.

إلّا أنه لا دليل لهم على ذلك سوى الإجماع ، حيث لم ينسب الخلاف فيه إلى أحد. وقد علل اعتبار الثاني في بعض الكلمات ، بأنّ التعليق في المنشأ ليس أمراً متعارفاً.

وفيه : أنه لا أثر له بعد شمول الإطلاقات والعمومات له أيضاً ، فالعمدة في المقام هو الإجماع.

لكن الذي ينبغي أن يقال إنه مختصّ بالعقود اللازمة. وأما العقود الجائزة الإذنية كالوكالة والمضاربة ونحوهما ، فلم يثبت إجماع على اعتبار التنجيز فيها ، بل صرّح المحقق القمي (قدس سره) في موضعين من كتابه (جامع الشتات) بصحّة التعليق في الوكالة (١). وهو الصحيح ، حيث لا مانع فيها من التعليق بكلا معنييه ، بعد أن لم يكن فيها إلزام أو التزام.

والحاصل أنه لا مانع من التعليق فيما هو إذن محض ، حيث لا ظنّ بالإجماع فضلاً

__________________

(١) جامع الشتات ١ : ٢٧٣ و ٣٠٦.

١٥٤

ولا دليل لهم على ذلك إلّا دعوى الإجماع على أن أثر العقد لا بدّ أن يكون حاصلاً من حين صدوره. وهو إن صح إنما يتمّ في التعليق على المتوقع ، حيث أن الأثر متأخر. وأما التعليق على ما هو حاصل فلا يستلزم التأخير ، بل في المتوقع أيضاً إذا أخذ على نحو الكشف ، بأن يكون المعلق عليه وجوده الاستقبالي لا يكون الأثر متأخراً.

نعم ، لو قام الإجماع على اعتبار العلم بتحقق الأثر حين العقد ، تمّ في صورة الجهل. لكنه غير معلوم.

ثمّ على فرض البطلان ، لا مانع من جواز التصرّف ونفوذه من جهة الإذن (١).

______________________________________________________

عن القطع به ، بل لا يبعد دعوى السيرة عليه ، إذ ما أكثر التعليق في الوكالة ، فتراه يوكل غيره عند سفره في بيع داره أو طلاق زوجته إن لم يرجع إلى سنة ، وما إلى ذلك. بخلاف التعليق في العقود اللازمة ، حيث لم يتعارف فيها التعليق ، باستثناء ما ثبت في التدبير والوصية.

وتوهم صحّة التعليق في الإجارة وتعارفه لدى الناس ، فيؤجر داره لمدّة سنة من بعد شهر ، أو بعد انتهاء إجارة المستأجر الأوّل.

واضح البطلان ، فإنه أجنبي عن محل الكلام ، إذ لا تعليق فيها بالمرّة ، فإنّ الملكيّة منجزة وفعلية ، غاية الأمر أنها متعلقة بالمنفعة المتأخرة ، فالمستأجر ومن حين العقد يملك تلك المنفعة المتأخرة. وأين هذا من التعليق في الملكيّة الموجب للبطلان! وبعبارة أُخرى : لا بدّ من التفريق بين التعليق في الملكيّة ، وبين كون الملكيّة المنجزة متعلقة بأمر متأخر. فإنّ الذي يقتضي البطلان إنما هو الأوّل ، وأما الثاني فلا موجب للحكم فيه بالبطلان ، بل لا ينبغي الإشكال في صحّته.

(١) لما عرفت من عدم الملازمة بين بطلانها وبطلان المعاملات الصادرة من العامل ، فإنّها صحيحة حتى على فرض بطلان المضاربة ، ما لم يكن إذن المالك فيها

١٥٥

لكن يستحق حينئذ أُجرة المثل لعمله (١) إلّا أن يكون الإذن مقيداً بالصحّة ، فلا يجوز التصرّف أيضاً.

[٣٤٦٢] الثالثة : قد مرّ اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك (٢). وأما العامل فلا يشترط فيه ذلك ، لعدم منافاته لحقّ الغرماء (٣). نعم ، بعد حصول الربح منع من التصرّف إلّا بإذن من الغرماء ، بناءً على تعلّق الحجر بالمال الجديد (٤).

[٣٤٦٣] الرابعة : تبطل المضاربة بعروض الموت (٥) كما مرّ ، أو الجنون ، أو الإغماء (٦) ، كما في سائر العقود الجائزة.

______________________________________________________

مقيداً بصحّة المضاربة ، وإلّا فهي كسائر العقود الفضولية متوقفة على إجازته.

(١) لأنّ عمل المسلم الصادر عن أمر الغير لا على وجه المجانية ، لا يذهب هدراً وحيث لم تسلم له الحصّة المعيّنة تثبت له اجرة المثل لا محالة.

لكنك قد عرفت فيما مضى ، أنه إنما يتمّ فيما إذا لم تزد اجرة المثل عن الحصّة المعيّنة من الربح ، وإلّا فله الأقل خاصّة لإقدام العامل على إهدار الزائد.

هذا كله فيما إذا لم يكن إذن المالك مقيّداً بصحّة المضاربة ، وإلّا فلا شي‌ء له ، لعدم صدور شي‌ء من المعاملات عن أمر المالك ، وكون استيفاء المالك للربح مستنداً إلى إجازته.

(٢) وهو واضح ، لكونه ممنوعاً من التصرّف في أمواله مطلقاً ، سواء بالمباشرة أو الاستنابة.

(٣) نظراً لعدم كونه تصرفاً في أمواله.

(٤) لكنك قد عرفت في محلّه ، أنّ الصحيح اختصاص الحجر بالمال الموجود حين الحكم ، وعدم تعلقه بما يتجدد بعد ذلك.

(٥) لكونها عقداً جائزاً إذنياً ، فلا معنى لقيام الوارث مقام الميّت منهما ، لأنه إن كان المالك فإذنه قد انتفى بموته وانتقل المال إلى غيره ، وإذا كان العامل فإذن المالك كان له لا لورثته ، فلا يجوز لهم التصرّف فيه من غير إذن مالكه.

(٦) بلا إشكال فيهما. فإن الحكم بصحّة المعاملات الصادرة من العامل إنما يكون

١٥٦

وظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقاً أو أدوارياً ، وكذا الإغماء بين قصر مدّته وطولها. فإن كان إجماعاً ، وإلّا فيمكن أن يقال بعدم البطلان (١) في الأدواري والإغماء القصير المدّة ، فغاية الأمر عدم نفوذ التصرّف حال حصولهما. وأما بعد الإفاقة فيجوز ، من دون حاجة إلى تجديد العقد ، سواء كانا في المالك أو العامل.

وكذا تبطل بعروض السفه لأحدهما (*) (٢) أو الحجر للفلس في المالك ، أو العامل أيضاً إذا كان بعد حصول الربح (٣) إلّا مع إجازة الغرماء.

______________________________________________________

فيما إذا كان المباشر أهلاً لذلك ، وكان المالك قابلاً لاستنادها إليه. وحيث لا مجال لذلك ، مع فرض الجنون أو الإغماء في أحدهما ، فلا ينبغي الإشكال في بطلانها.

(١) بل هو الصحيح ، لعدم الدليل على البطلان. فإنّ المستفاد من الأدلّة عدم صحّة العقد الصادر من المجنون ، أو المغمى عليه ، أو المنتسب إليهما ، في ذلك الحال خاصّة. وأما إذا كان المنشأ في حال الصحّة هي الوكالة الدائمة والمستمرة في جميع الأزمنة فارتفاعها في بعض الأزمنة لا يستلزم ارتفاعها فيما بعد ذلك من الأزمنة الآتية أيضاً بعد إمضاء الشارع لها والحكم بصحّتها حين صدورها.

(٢) أمّا في جانب المالك ، فالأمر كما أفاده (قدس سره) ، فإنّ السفه يوجب الحجر عليه ، وهو يمنعه من التصرّف في أمواله. وأما في جانب العامل ، فقد تقدّم الكلام فيه في أوّل هذا الكتاب ، وقد عرفت أنه لا دليل على اعتبار عدمه فيه ابتداءً ، فضلاً عن عروضه له في الأثناء. نعم ، لو حصل له شي‌ء من الربح لم يكن له التصرّف فيه لكونه محجوراً عليه.

(٣) لكونه كسائر أمواله يتعلق به حق الغرماء ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الربح المتأخر ، بناءً على عموم الحجر للمال الجديد أيضاً.

__________________

(*) مرّ أنّه لا يعتبر في صحّتها عدم السّفه من العامل.

١٥٧

[٣٤٦٤] الخامسة : إذا ضارب المالك في مرض الموت ، صحّ وملك العامل الحصّة وإن كانت أزيد من اجرة المثل ، على الأقوى من كون منجزات المريض من الأصل. بل وكذلك على القول بأنها من الثلث ، لأنه ليس مفوِّتاً لشي‌ء على الوارث (*) (١) إذ الربح أمر معدوم ، وليس مالاً موجوداً للمالك ، وإنما حصل بسعي العامل.

[٣٤٦٥] السادسة : إذا تبين كون رأس المال لغير المضارب ، سواء كان غاصباً أو جاهلاً بكونه ليس له ، فإن تلف في يد العامل أو حصل خسران (٢) فلمالكه الرجوع (**)

______________________________________________________

(١) وفيه : أنّ الحصّة المعيّنة التي ستوجد فيما بعد ، وإن لم تكن مملوكة للعامل وللمالك إذ لا معنى لملكيّة المعدوم ، إلّا أنها وفي ظرف وجودها تكون مملوكة للعامل نتيجة لجعل المالك ذلك له ، إذ لولاه لكان الربح بتمامه مملوكاً للمالك ، بمقتضى قانون المعاوضة المقتضي لانتقال تمام الثمن إلى مالك المثمن ، على ما تقدّم بيانه غير مرّة. ومن هنا فانتقال الحصّة من المالك إلى العامل ، يكون في ظرفه انتقالاً للمال الموجود بالفعل وإن لم يكن كذلك حين العقد.

وعليه فإذا جعلنا منجزات المريض من الثلث ، كان حال هذا النقل كحال سائر ما يصدر منه من التصرفات المنجزة ، فيمنع منه إذا زاد عن ثلث تركته لا محالة ، والذي يهوِّن الخطب أنّ منجزات المريض تخرج من الأصل لا الثلث.

(٢) لا مجال لفرض الرجوع في الخسران في المقام. فإنّ العقود الصادرة من العامل لما لم تكن عن إذن المالك كانت فضولية لا محالة ، ومن ثمّ فإن لم يجزها المالك كان له الرجوع بتمام ماله على من يجدها في يده ، وإن أجازها فقد رضي بها ، ومعه فلا موجب للضمان.

__________________

(*) فيه نظر واضح ، والذي يسهل الخطب أنّ منجزات المريض تكون من الأصل.

(**) ليس للمالك الرجوع في الخسارة وحدها ، فإنّه إن أجاز المعاملة صحّت وليس له الرجوع حينئذ على أحد ، وإلّا رجع بتمام ماله.

١٥٨

على كلّ منهما (١). فإن رجع على المضارب ، لم يرجع على العامل (٢). وإن رجع على العامل ، رجع إذا كان جاهلاً على المضارب وإن كان جاهلاً أيضاً ، لأنه مغرور من قبله (*) (٣). وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة

______________________________________________________

(١) بلا إشكال فيه ، لوقوع ماله في يد كل منهما ، ومقتضى ضمان اليد لزوم خروج كل منهما عن عهدته ، فيكون كل منهما ضامناً له على نحو تعاقب الأيدي. ولا مانع من ضمان شخصين أو أكثر لمال واحد ، بحيث يكون كل منهما مطالباً به ، والمال ثابت في ذمّته على نحو الواجب الكفائي. وكون يد العامل يد أمانة لا ينفع في سقوط الضمان عنه في المقام ، بعد أن لم يكن المال أمانة عنده من قبل المالك ، وإنما هو أمانة من قبل المضارب ولا أثر لذلك.

(٢) لأنه قد دفع إليه المال على أن لا يكون له حق الرجوع عليه عند تلفه بغير تعدٍّ أو تفريط ، فالعامل غير مسؤول في قبال الدافع على التلف في غير هاتين الحالتين.

(٣) في تعليل الحكم بالغرور إشكال ، بل منع. فإنه مضافاً إلى عدم ثبوت القاعدة ، يتوقف صدقه على علم المضارب وجهل العامل ، إذ بدونه يكون كلّ منهما معذوراً ، ولا يصدق الغرور عرفاً.

إلّا أنّ هذا لا يعني عدم موافقتنا للماتن (قدس سره) في الحكم ، فإنّ للعامل أن يرجع على المضارب وإن كان جاهلاً ، فيما لو رجع المالك عليه.

وذلك لما ذكرناه في مباحث تعاقب الأيدي من المكاسب ، من أنّ الضمان فيها إنما هو على نحو الواجب الكفائي ، حيث يضمن كل منهم المال التالف ويكون للمالك الرجوع على أي منهم شاء. فإذا أدّى أحدهم لعوضه ، كان وباعتبار العقلاء مالكاً لذلك التالف بقاءً ، بحيث يكون التلف بقاءً من ماله. ومن هنا فله مطالبة كل من

__________________

(*) لا يصدق الغرور مع جهل المضارب إلّا أنّه مع ذلك يرجع العامل عليه ، لأنّه بأدائه يملك المال الثابت في ذمّة المضارب على ما شيّدنا أركانه في محلّه.

١٥٩

على ماله (١) وللعامل اجرة المثل على المضارب مع جهله (٢).

والظاهر عدم استحقاقه الأُجرة عليه (*) مع عدم حصول الربح ، لأنه أقدم على عدم شي‌ء له مع عدم حصوله (٣). كما أنه لا يرجع عليه إذا كان عالماً (**) بأنّه ليس له ، لكونه متبرِّعاً بعمله حينئذٍ (٤).

______________________________________________________

الأيادي المتأخرة عنه بملكه وماله إن وجد بعينه وبدله عند تلفه ، وليس له مطالبة الأيادي المتقدِّمة عنه لأدائهم المال إليه.

وهذا الكلام يجري بعينه في المقام. فإنّ العامل وبأدائه للعوض إلى المالك ، يصبح مالكاً للعين التالف بقاءً ، ومن هنا فله الرجوع على المضارب ومطالبته بأداء ماله إليه.

ولا يقدح في ذلك أنّ المفروض أداء المضارب للمال إلى العامل وتسليمه له ، فإنه إنما كان على نحو عدم ضمانه للتلف. فهو نظير ما ذكروه فيما إذا غصب شخص طعاماً وقدمه إلى غيره فأكله ، فرجع المالك على الآكل فضمنه ، فإنه يرجع إلى الغاصب بلا إشكال ، لأنه قد وقع في يده. وليس له الاعتذار بأنه قد سلمه إليه ، لأنه إنما أباحه له وسلّمه إليه مجاناً ، فلا يكون موجباً لسقوط الضمان.

(١) حالها في ذلك حال سائر العقود الفضولية الصادرة بغير رضا المالك.

(٢) لصدوره عن أمره لا مجاناً.

(٣) فيكون من مصاديق القاعدة المعروفة : «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدس سره) من المقام منافٍ لما أفاده في المسألة الثامنة والأربعين ، حيث استشكل في الحكم ولم يجزم به.

وكيف كان ، فالصحيح ما أفاده (قدس سره) في المقام.

(٤) تقدّم غير مرّة أنه لا ملازمة بين العلم بالفساد وعدم استحقاقه للمجعول

__________________

(*) هذا هو الصحيح إلّا أنّه تقدّم منه (قدس سره) في المسألة الثامنة والأربعين خلافه.

(**) تقدّم أنّه لا فرق بين صورتي العلم والجهل.

١٦٠