موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

يضمن التلف والنقص (١).

______________________________________________________

التصرّف فيه بالتعدي أو التفريط ، وهو مفقود. وفي المقام تفصيل ستعرفه.

(١) ظاهر عبارته (قدس سره) ترتب الأحكام الثلاثة استحقاق اجرة المثل وعدم ضمانه لما أنفقه في السفر على نفسه ، وعدم ضمانه للتلف والنقص على فرضي عدم كون الإذن في المعاملات مقيّداً بصحّة عقد المضاربة ، والتقييد مع إجازته للمعاملات بعد ذلك ، معاً ومن دون فرق بينهما.

إلّا أنّ الظاهر هو التفصيل بين الفرضين.

فعلى الأوّل : يستحقّ العامل اجرة المثل قطعاً ، لاستيفاء المالك عمل مسلم محترم صادر عن أمره من دون قصد التبرع والمجانية ، على ما تقتضيه السيرة القطعية الممضاة من قبل الشارع المقدس ، حيث لم يرد الردع عنها.

كما لا يضمن العامل ما أنفقه على نفسه في سفره ، حيث إنّه قد صدر عن إذنه وإجازته وإن كان عقد المضاربة فاسداً.

وعليه فلا موجب لحكمه (قدس سره) بالضمان ، فإنه لو كان العقد صحيحاً لما كان فيه ضمان ، ففاسده يكون كذلك لنفس الملاك ، أعني صدوره عن إذنه.

ومنه يظهر الحال فيما يتلف في يد العامل من الأموال ، فإنه لا موجب للحكم بالضمان بعد كون هذه الأموال أمانة في يده ، ولم يكن العامل متعدّياً أو مفرطاً.

وعلى الثاني : بحيث لولا الإجازة المتأخرة لبطلت المعاملات الصادرة من العامل فحكم هذه الصور حكم باقي العقود الفضولية ، فلا يستحقّ العامل شيئاً من الربح ولا اجرة المثل ، باعتبار أنّ المالك لم يأمره بشي‌ء ، بل ولم يستوف من عمله شيئاً ، وإنما هو استوفى الربح بعمل نفسه بإجازته للعقد.

ومن هنا فحكمه (قدس سره) باستحقاقه لُاجرة المثل حتى في هذه الصورة على ما يظهر من عبارته لا يمكن المساعدة عليه.

وكذا الحال فيما صرفه العامل في سفره ، فإنه لا موجب لحسابه على المالك بعد أن لم يكن كلّ ذلك بإذن منه.

١٢١

وكذا الحال إذا كان المالك عالماً دون العامل (١) فإنه يستحق الأُجرة ، ولا يضمن التلف والنقص.

وإن كانا عالمين ، أو كان العامل عالماً دون المالك ، فلا اجرة له (*) ، لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحّة المعاملة (٢). وربّما يحتمل في صورة علمهما أنه يستحقّ حصّته من الربح من باب الجعالة (**). وفيه : أنّ المفروض عدم قصدها (٣). كما أنه ربّما يحتمل استحقاقه اجرة المثل إذا اعتقدا أنه يستحقها

______________________________________________________

ومنه يظهر الحال فيما يتلف في يد العامل ، فإنه ضامن له لا محالة بعد أن لم تكن يده يد أمانة ، حيث إنّ المالك لم يأذن له في التصرّف مطلقاً ، وإنما أذن له فيه مقيّداً بصحّة عقد المضاربة ، فإذا انتفى القيد كان المقيد مثله.

(١) يظهر الحال فيه مما تقدّم. فإنّ الكلام في هذا الفرض ، هو الكلام في الفرض السابق من حيث الأدلّة والتفصيل حرفاً بحرف.

(٢) لكنك قد عرفت غير مرّة ، أنّ العلم بالفساد شرعاً لا يلازم الإتيان بالعمل مجاناً وبغير عوض ، فإنّ العامل قاصد للعوض وإن كان يعلم بأنّ الشارع لم يمضه. ومقتضى السيرة العقلائية القطعية اقتضاء استيفاء عمل الغير الصادر عن أمره للضمان مطلقاً ، علم العامل بالفساد أو جهل ، فإنّ العبرة في عدم الضمان إنما هو بالتبرّع به وهو غير متحقق.

(٣) ظاهر هذا التعليل أنّ عدم الاستحقاق ناشئ من عدم القصد إلى الجعالة.

وفيه : أنه لا أثر للقصد وعدمه ، وذلك لما تقدّم مراراً من عدم صحّة تمليك الإنسان ما لا يملكه بالفعل إلّا ما خرج بالدليل ، إذ ليس له بالفعل مال وملك كي

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، فإنّ العلم بفساد المعاملة شرعاً لا يستلزم الإقدام على العمل مجّاناً.

(**) المضاربة وإن كانت نوعاً من الجعالة إلّا أنّهما تفترقان في أنّ العامل في باب المضاربة يشترك مع المالك في الربح ، وهذا بخلاف العامل في باب الجعالة فإنّه لا يشترك مع المالك في الربح وإنّما يستحق الأُجرة التي جُعلت له.

١٢٢

مع الفساد ، وله وجه (١) وإن كان الأقوى خلافه.

هذا كلّه إذا حصل ربح ولو قليلاً. وأما مع عدم حصوله ، فاستحقاق العامل الأُجرة ولو مع الجهل مشكل (*) (٢) لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح.

______________________________________________________

ينقله إلى غيره ويجعله هو المالك.

وعليه فحيث لا دليل على صحّته في الجعالة ، فلا بدّ في الجعل من كونه مالاً مملوكاً للجاعل في الخارج أو في الذمّة بالفعل ، ولما لم يكن الربح من هذا القبيل حيث لا وجود له حين الجعل ، فلا يصلح للجعل ، سواء تحقق القصد إلى الجعالة أم لم يتحقق.

فالبطلان غير ناشئ من جهة عدم قصده لها في عقد المضاربة ، فإنه باطل حتى مع القصد.

على أنه قد تقدّم أنّ المضاربة عين الجعالة ، وليست شيئاً في قبالها. نعم ، تمتاز هي عن سائر أفراد الجعالة بالصحّة مع مجهولية الجعل.

(١) عرفته فيما تقدّم.

(٢) الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في عدم استحقاق العامل للأُجرة في الفرض. وذلك لأن الضمان في هذه الموارد لم يثبت بدليل لفظي ، كي يتمسك بإطلاقه في إثبات أُجرة المثل في مثل المورد أيضاً ، وإنما هو قد ثبت بالسيرة العقلائية القائمة على اقتضاء الأمر بعمل ذي أُجرة المثل في مثل المورد أيضاً ، وإنما هو قد ثبت بالسيرة العقلائية القائمة على اقتضاء الأمر بعمل ذي أُجرة لا مجاناً لثبوتها في ذمّة الآمر.

ومن هنا يكون المتبع في الحكم هو السيرة القطعية. وحيث إنّه لا ينبغي الشك في عدم ثبوت شي‌ء على الآمر غيره بعمل مجاناً ومن غير اجرة مطلقاً أو على تقدير دون تقدير ، سواء أقصد العامل التبرع أيضاً أم لم يقصده إذ لا أثر لقصده ، فلا ينبغي

__________________

(*) الظاهر أنّه لا إشكال في عدم استحقاقه.

١٢٣

وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضاً يستحقّ أقلّ الأمرين ، من مقدار الربح وأُجرة المثل (١). لكن الأقوى خلافه ، لأن رضاه بذلك كان مقيّداً بالمضاربة (٢). ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور المتقدِّمة أوْلى.

[٣٤٤٦] مسألة ٤٩ : إذا ادّعى على أحد أنه أعطاه كذا مقداراً مضاربة وأنكر ، ولم يكن للمدعي بيِّنة ، فالقول قول المنكر مع اليمين (٣).

______________________________________________________

الإشكال في عدم ثبوت الأُجرة للعامل في المقام. فإنّ المالك إنما جعل له الحصّة من الربح على تقدير تحققه ، ولم يجعل له شيئاً من ماله الخاص ، وهو إنما يعني أنّ المالك إنّما أمره بالعمل على تقدير عدم الربح مجاناً وبغير عوض ، ومعه فلا يكون وجه للضمان.

والحاصل أنّ الضمان إنما يثبت عند الأمر بالعمل لا مجاناً ، وأما مع كون الأمر به مقيَّداً بالمجانية ولو على تقدير على فرض تحققه فلا موجب للضمان.

(١) ظهر وجهه ما تقدّم. فإنّ الأمر إنما يقتضي الضمان بالمقدار الذي التزم به الآمر وأما الزائد عنه فلا دليل عليه. وأما مع زيادة الأُجرة عن الحصّة ، فلإقدام العامل على العمل على أن لا يستحق الزائد عن هذا المقدار.

(٢) إلّا أنك قد عرفت أنّ العبرة إنما هي بما التزم به الآمر على نفسه ، لا برضا العامل وعدمه. على أننا لو التزمنا بكون رضا العامل مقيَّداً بصحّة المضاربة ، لكان لازمه القول بعدم استحقاق العامل شيئاً بالمرّة ، لأنّ كون رضا العامل مقيَّداً بها يستلزم كون رضا المالك وأمره له مقيداً بها أيضاً ، وهذا يعني فساد جميع العقود الصادرة منه لكونه فضولياً وتوقف صحّتها على الإجازة ، فإذا أجاز صحت المعاملات بها ، ومعه فلا يستحق العامل شيئاً من الربح أو اجرة المثل ، على ما تقدّم.

(٣) على ما تقتضيه قواعد القضاء. فإن أقام المدّعى البيّنة فهو ، وإلّا فله إحلاف المنكر. فإن حلف فهو ، وإن نكل عن اليمين ولم يردّها على المالك أيضاً ، أُلزم بدفع المال إن كانت عيناً معيّنة ، وإلّا فبدله.

١٢٤

[٣٤٤٧] مسألة ٥٠ : إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل ، قدّم قول العامل بيمينه مع عدم البيّنة (١) من غير فرق بين كون المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل ، لأصالة عدم إعطائه أزيد مما يقوله وأصالة براءة ذمّته إذا كان تالفاً بالأزيد.

هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح. كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أن الذي بيده هو مال المضاربة ، إذ حينئذٍ النزاع في قلّة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود. إذ على تقدير قلّة رأس المال ، يصير مقدار الربح منه أكثر ، فيكون نصيب العامل أزيد. وعلى تقدير كثرته ، بالعكس. ومقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك ، إلّا بمقدار ما أقرّ به للعامل (٢).

وعلى هذا أيضاً لا فرق بين كون المال باقياً أو تالفاً بضمان العامل ، إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلّا كذا مقداراً منه ، فإذا تلف مع ضمانه لا بدّ أن يغرم المقدار الذي للمالك.

[٣٤٤٨] مسألة ٥١ : لو ادّعى المالك على العامل أنه خان ، أو فرّط في الحفظ فتلف ، أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد أو نحو ذلك. فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط ، وعدم شرط المالك

______________________________________________________

(١) لما تقدّم.

(٢) ولا يرد عليه أنّ العامل ذو اليد حيث إنّ المال بأجمعه في يده بالفعل ، ومقتضى القاعدة كونه بأجمعه له إلّا ما أقرّ به للمالك.

فإنه إنما يتمّ فيما إذا لم يكن ذو اليد معترفاً بانتقاله إليه من المالك ، وأما معه فلا أثر لليد ، حيث ينقلب المدّعى منكراً والمنكر مدّعياً ، فيلزم بالإثبات ، وإلّا فالمال للمالك بمقتضى اعترافه ، ولا يستحق إلّا ما يقرّ به المالك.

نعم ، للعامل إحلاف المالك في الفرض ، على ما تقتضيه قواعد القضاء.

١٢٥

عليه الشرط الكذائي (*) (١) والمفروض أن مع عدم الشرط يكون مختاراً في الشراء وفي البيع من أي شخص أراد.

نعم ، لو فعل العامل ما لا يجوز له إلّا بإذن من المالك ، كما لو سافر أو باع

______________________________________________________

(١) فيه إشكال ، بل منع.

وذلك لما ذكرناه في مبحث الإطلاق والتقييد من المباحث الأُصولية ، من انّ النسبة بين الإطلاق والتقييد بحسب مقام الثبوت هو التضاد ، حيث إنّ الإهمال أمر غير معقول. فإن المنشئ إذا التفت إلى انقسام متعلق حكمه أو موضوعه ، فإما أن يكون لإحدى تلك الخصوصيات الموجبة للانقسام دخل في ثبوت ذلك الحكم المنشأ أو لا يكون ، ولا ثالث لهما لامتناع ارتفاع النقيضين. والأوّل هو المقيّد ، ويسمّى بالطبيعة بشرط شي‌ء إن كان القيد وجودياً ، والطبيعة بشرط لا إن كان عدميّاً. والثاني هو المطلق ، ويسمّى بالطبيعة لا بشرط القسمي. والإهمال غير معقول لاستحالة ارتفاع النقيضين.

وبعبارة اخرى : إنّ حال الآمر لا يخلو بحسب الواقع ، إما من لحاظ الطبيعة السارية ، أو لحاظ الطبيعة المقيَّدة ببعض الخصوصيات الوجودية أو العدمية. ومن هنا فتكون النسبة بينهما هي نسبة التضادّ ، حيث إنّ كلّاً منهما لحاظ الدخل ولحاظ عدمه أمر وجودي.

وأما بحسب مقام الإثبات ، فالنسبة بينهما إنما هي نسبة العدم والملكة. فإنّ المتكلم إن لم يكن في مقام البيان ، فالقضية مجملة مهملة ، لا مطلقة ولا مقيدة. وإن كان في مقام البيان ، فإنْ ذكر القيد فالقضية مقيّدة ، وإلّا فهي مطلقة.

__________________

(*) هذا الشرط وما بحكمه يرجع إلى تقييد متعلّق عقد المضاربة ، وعليه فالعامل يدّعي الإطلاق كما أنّ المالك يدّعي التقييد ، وأصالة عدم تقييد المتعلّق معارضة بأصالة عدم إطلاقه على ما بيّنّا في محلّه من أنّهما متضادّان في مقام الثبوت ، وأمّا استصحاب عدم التقييد في مقام الإثبات فلا يترتّب عليه الإطلاق في مقام الثبوت ، وأمّا أصالة الإطلاق فلا مجرى لها في أمثال المقام ونتيجة ذلك كلّه أنّ القول قول المالك لأصالة عدم إذنه فيما يدّعي العامل إذنه فيه.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ الإطلاق في هذا المقام ، يكشف عن عدم التقيد في مقام الثبوت وكون مراده هي الطبيعة السارية ، وإلّا لكان متكلماً على خلاف ما هو المتعارف لدى الناس في مقام التفاهم.

ومما ذكرنا يظهر الوجه في كون النسبة بينهما بحسب هذا المقام هو العدم والملكة فإنّ الإطلاق عبارة عن عدم تقيد ما هو قابل للتقيد.

ومن هنا فما ذكر في كلمات الأصحاب من كون المقابلة بينهما من تقابل العدم والملكة صحيح ، لكنه بالقياس إلى مقام الإثبات فقط.

وعلى ضوء هذا ، ففيما نحن فيه :

إذا اعترف المالك بكون عقد المضاربة حين وقوعه مطلقاً ، كشف ذلك عن إطلاقه في مقام الثبوت أيضاً. فإن ادّعى أنه قد منع العامل بعد ذلك عن الاتجار بنحو معيَّن بحيث يكون مقيّداً منفصلاً ورافعاً لحجية ظهور ذلك الإطلاق مع بقاء أصل الظهور على حاله ، وأنكر العامل ذلك ، فالأمر كما أفاده (قدس سره) من تقديم قول العامل. فإنّ إطلاق كلامه بمقتضى اعترافه حجّة عليه ، ما لم يثبت أنه أقام حجة أُخرى.

لكن الظاهر أنّه (قدس سره) لا ينظر إلى فرض دعوى قيام الحجّة المنفصلة ، وأنه ناظر إلى فرض دعوى الحجّة المتصلة ، بمعنى ادعاء المالك لمنع العامل عن التجارة المعيَّنة حين المضاربة ، وخيانة العامل بمخالفته لذلك ، وإنكار العامل لذلك.

وفي هذا الفرض لا يتمّ ما أفاده (قدس سره) ، حيث إنّ العامل حينئذ يدّعي الإطلاق والمالك يدّعي التقييد ، وفي مثله لا يمكن تقديم قول العامل ، لأنه مدَّع أيضاً. لأنّ أصالة عدم التقييد ، إن أُريد بها استصحاب العدم الأزلي لو قلنا به كما هو الصحيح فلا أثر له في المقام ، حيث لا يثبت الإطلاق. وإن أُريد بها أصالة الإطلاق الثابتة ببناء العقلاء ، فلا مورد لها في المقام ، فإنها إنما تجري فيما إذا أحرز الإطلاق في مقام الإثبات ، وكان الشكّ في مطابقة مقام الثبوت له ، فلا تجري في فرض الشك في أصل ثبوت الإطلاق.

والحاصل أنّه بعد الشكّ في الإطلاق والتقييد في المقام ، لا وجه لإثبات الإذن من

١٢٧

بالنسيئة وادّعى الإذن من المالك ، فالقول قول المالك في عدم الإذن (١).

والحاصل أنّ العامل لو ادّعى الإذن فيما لا يجوز إلّا بالإذن قدِّم فيه قول المالك المنكر. ولو ادّعى المالك المنع فيما يجوز إلّا مع المنع ، قدّم قول العامل المنكر له.

[٣٤٤٩] مسألة ٥٢ : لو ادّعى العامل التلف وأنكر المالك ، قدِّم قول العامل ، لأنّه أمين (*) (٢) سواء كان بأمر ظاهر أو خفي.

______________________________________________________

المالك ما لم يُثبت هو التقيد ، لما عرفت من أنّهما من المتضادَّين ، بل لا بدّ على العامل من إثبات ذلك ، وإلّا فهو له ضامن.

ثمّ إنّ هذا الكلام لا يختصّ بالمقام بل يجري في موارد كثيرة ، منها الوقف إذا شك في عمومه وخصوصه ، فإنّه لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن ما لم يعلم أنّ الصادر من المنشأ هو المطلق.

(١) حيث إنّ العامل مدّعٍ والمالك منكر ، والقول قول المنكر ما لم يثبت المدّعى دعواه بالبيّنة ، أو حلف اليمين المردودة.

(٢) تقدّم التعرّض لهذه المسألة في مسائل تنازع المالك والمستأجر من كتاب الإجارة. وحيث إنّها لا تخلو عن غموض ، فلا بأس بإعادة التعرض لها ثانياً ، لبيان ما هو الحقّ في المقام ويقتضيه التحقيق جلياً.

فنقول : لهذه المسألة صور أربع :

الأُولى : ما إذا كان العامل غير مأمون ، وادّعى تلف المال بغير تفريط حتى ينفي عن نفسه الضمان للمالك ، وادّعى المالك في قباله إتلافه للمال عمداً أو تفريطه في تلفه أو عدم تلفه أصلاً ، فطالبه بالعين أو ببدلها.

والمشهور في هذه الصورة بل ادّعي عليه الإجماع ، أنه ليس على العامل إلّا اليمين وعلى المالك المدّعى للضمان إقامة البيّنة على خلاف ما يدّعيه العامل.

غير أنّ الشهيد الثاني (قدس سره) نسب في المسالك إلى المشهور مطالبة العامل

__________________

(*) هذا إذا لم يكن متّهماً ، وإلّا فيستحلف.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالبيّنة (١).

أقول : لا يخفى أنّ الموافق لقواعد القضاء وعمومات كون البيّنة على المدّعى واليمين على من ادُّعي عليه ، هو ما ادُّعي عليه الإجماع ، نظراً لكون المالك هو المدّعى للضمان على العامل.

إلّا أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة ، كون المطالب بالبيّنة في محل الكلام هو العامل. وعليه فيتعين رفع اليد عن العمومات ، والحكم بإلزام العامل بالبيِّنة.

بيان ذلك : أنّ الروايات الواردة في المقام على ثلاث طوائف :

الطائفة الأُولى : ما دلّ على ضمان العامل ، وأنّه لا بدّ له في دفع الضمان عن نفسه من إثبات مدّعاه. وهي عدّة روايات :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال في الغسال والصبّاغ : ما سرق منهم من شي‌ء ، فلم يخرج منه على أمر بيّن إنه قد سرق وكل قليل له أو كثير فإن فعل فليس عليه شي‌ء. وإن لم يقم البيّنة وزعم أنه قد ذهب الذي ادّعي عليه ، فقد ضمنه إن لم يكن له بيّنة على قوله» (٢).

ومنها : صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن قصّار دفعت إليه ثوباً فزعم أنه سرق من بين متاعه ، قال : «فعليه أن يقيم البيّنة أنه سرق من بين متاعه وليس عليه شي‌ء ، فإن سرق متاعه كله فليس عليه شي‌ء» (٣).

ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمّن الصبّاغ والقصّار والصائغ احتياطاً على أمتعة الناس» (٤).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل جمّال

__________________

(١) مسالك الافهام ٤ : ٣٧٤ ٣٧٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ٥.

(٤) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ٦.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

استكري منه إبلاً وبعث معه بزيت إلى أرض ، فزعم أنّ بعض زقاق الزيت انخرق فأهراق ما فيه ، فقال : «إن شاء أخذ الزيت ، وقال : إنه انخرق ، ولكنه لا يصدق إلّا ببيّنة عادلة» (١).

ومنها : صحيحته عنه (عليه السلام) أيضاً ، في رجل حمل مع رجل في سفينته طعاماً فنقص ، قال : «هو ضامن» الحديث (٢). ونحوها غيرها.

فإنّ هذه الروايات المعتبرة تدلّ وبوضوح على ضمان العامل في فرض دعواه التلف ، ما لم يقم بيّنة عادلة على صدق ما يقوله.

الطائفة الثانية : ما دلّ على عدم ضمان العامل عند دعواه التلف. وهي عدّة روايات :

منها : معتبرة يونس ، قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن القصّار والصائغ أيضمنون؟ قال : «لا يصلح إلّا أن يضمنوا» (٣).

وهذه الرواية معتبرة سنداً وإن كان في طريقها إسماعيل بن مرار ، فإنه ثقة على الأصحّ لوروده في إسناد تفسير علي بن إبراهيم. وقد دلّت على عدم تضمين العامل مطلقاً ، إلّا أن يشترط عليه الضمان في ضمن العقد.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصبّاغ والقصار ، فقال : «ليس يضمنان» (٤).

الطائفة الثالثة : ما دلّ على التفصيل بين المتهم وغيره ، حيث يضمن الأوّل دون الثاني. وهي عدّة روايات أيضاً :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمِّن القصّار والصائغ احتياطاً للناس ، وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٣٠ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٣٠ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ٩.

(٤) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ١٤.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

مأموناً» (١). حيث دلّت على تضمينه (عليه السلام) لمن لم يكن مأموناً.

ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان علي (عليه السلام) يضمِّن القصّار والصائغ ، يحتاط به على أموال الناس. وكان أبو جعفر (عليه السلام) يتفضّل عليه إذا كان مأموناً» (٢). وهي في الدلالة كسابقتها.

ومنها : صحيحة جعفر بن عثمان الرواسي الثقة قال : حمل أبي متاعاً إلى الشام مع جَمّال فذكر أنّ حملاً منه ضاع ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال : «أ تتهمه»؟ قلت : لا. قال : «فلا تضمِّنه» (٣). وهي تدلّنا بمنطوقها ومفهومها على أنّ التضمين إنما يختصّ بصورة الاتهام ، ولا يثبت في غيرها.

ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه ، قال : «إن كان مأموناً فليس عليه شي‌ء ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن» (٤). ولا إشكال في أن السؤال في هذه المعتبرة إنما هو عن حكم التلف ، وإلّا فلا فرق في ضمان المتلف بين المأمون وغيره جزماً.

ومما يؤيد هذا الطائفة رواية خالد بن الحجاج كما في الكافي ، أو الحجال كما في التهذيب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الملاح أحمله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص ، قال : «إن كان مأموناً فلا تضمّنه» (٥).

فإنها وإن كانت صريحة في المدعى ، إلّا أنها قاصرة من حيث السند ، فإنّ خالد بن الحجال لا وجود له على الإطلاق ، لا في كتب الرجال ولا في كتب الحديث ، ما عدا نسخة التهذيب من هذه الرواية والمظنون قويّاً وقوع التحريف فيها ، والصحيح ما في الكافي فإنّ الكليني أضبطُ في النقل. وخالد بن الحجاج لم يُوَثَّق. ومن هنا فلا تصلح هذه الرواية إلّا لتأييد هذه الطائفة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ٤ ، ١٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ٤ ، ١٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٣٠ ح ٦ ، ٧.

(٤) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٣٠ ح ٦ ، ٧.

(٥) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٣٠ ح ٣.

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ الطائفتين الأُوليين وإن كانتا متعارضتين بالتباين ، حيث دلّت الاولى على الضمان في حين صرّحت الثانية بعدمه ، إلّا أنّ الطائفة الثالثة تقيِّد كلّاً منهما ، وبذلك يرتفع التعارض بينهما. وتكون النتيجة عدم ضمان العامل فيما إذا كان مأموناً من غير أن يطلب منه الإثبات بإقامة البيّنة على دعواه ، بخلاف ما إذا كان متَّهماً حيث يطالب بإثبات ما ادعاه وإلّا تعيّن الضمان عليه.

بقي الكلام في أنه هل للمالك ، في فرض كون العامل متهماً ، مطالبته بالحلف بدلاً عن مطالبته بالبيّنة؟

وبعبارة أُخرى : هل المالك في صورة اتهام العامل مخيّر بين مطالبته بإقامة البيّنة على التلف وبين مطالبته بالحلف عليه ، أم إنه ليس للمالك إلّا مطالبة العامل بالإثبات؟

الظاهر هو الأوّل ، وذلك لوجوه :

الأوّل : إنّ جواز مطالبة المالك العامل بالبيّنة حقّ له ، وله أن يرفع اليد عنه ويرضى بحلفه بدلاً عنه.

نعم ، لا يترتب على هذا الوجه إلزامه العامل بالحلف ، فإنّ للعامل الامتناع عنه وإقامة البيّنة على ما يدّعيه.

الثاني : عمومات ما دلّ على أن البيّنة على المدّعى واليمين على المدعى عليه ، فإنّها غير قاصرة عن شمول محلّ الكلام ، لأنها وإن خصّصت فيه بالنسبة إلى مطالبة المدّعى بالبيّنة ، حيث دلّت النصوص الخاصة على مطالبتها من المدَّعى عليه ، إلّا أنها لم تدلّ على عدم جواز مطالبة الحلف منه ، فتبقى العمومات على حالها وسليمة عن المخصص من هذه الناحية ، وبذلك فيثبت للمالك مطالبة العامل باليمين.

نعم ، يختص هذا الوجه بما إذا كان المالك مدّعياً لخلاف ما يدّعيه العامل جزماً وإلّا فليس له حقّ الدعوى عليه بمقتضى العمومات.

الثالث : صحيحة أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك إلّا أن يكونوا متهمين ، فيخوف بالبيّنة

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويستحلف لعله يستخرج منه شيئاً». الحديث (١).

وجه الدلالة : أن جملة «ويستحلَف» معطوفة على جملة «فيخوَّف» فتدلّ الصحيحة أنه كما يخوَّف العامل بالبيّنة يُطلب منه اليمين.

بل لو كنا نحن وهذه الصحيحة ، لحكمنا بأنّ وظيفة العامل هو الحلف فقط ، لكننا وبلحاظ الروايات السابقة نحكم بتخيير المالك بين مطالبة البيّنة والحلف.

وأمّا ما تقدّم منّا في كتاب الإجارة من المناقشة في دلالة الصحيحة على جواز الاستحلاف ، فلم يكن في محلّه ، والظاهر هو التخيير كما عرفت.

ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن بكر بن حبيب ، قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أعطيت جبة إلى القصّار فذهبت بزعمه ، قال : ان اتهمته فاستحلفه وإن لم تتهمه فليس عليه شي‌ء» (٢).

وما رواه أيضاً عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا يضمن القصّار إلّا ما جنت يده ، وإن اتهمته أحلفته» (٣).

الصورة الثانية : ما إذا كان العامل غير مأمون وادّعى التلف بغير تفريط ، ولم يدَّعِ المالك عليه شيئاً لعدم جزمه بكذب العامل في دعواه واحتمال صدقه.

وفيها لو كنا نحن ولم تكن الروايات الخاصة المتقدِّمة ، لحكمنا بعدم ضمان العامل حيث لا يدّعي المالك عليه الضمان.

غير أنّ الروايات الخاصة المتقدِّمة ، والدالّة على ضمان العامل إذا كان متهماً في نفسه وغير مأمون ، غير قاصرة الشمول عن هذه الصورة. وعليه فيكون حكمها حكم سابقتها في تخيّر المالك بين مطالبة العامل بالبيّنة أو اليمين ، وإلّا فالعامل ضامن للمال.

الصورة الثالثة : ما إذا كان العامل مأموناً وادّعى التلف بغير تفريط ولم يدَّع المالك عليه شيئاً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ١١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ١٦.

(٣) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الإجارة ، ب ٢٩ ح ١٧.

١٣٣

وكذا لو ادّعى الخسارة ، أو ادّعى عدم الربح (١) أو ادّعى عدم حصول المطالبات في النسيئة ، مع فرض كونه مأذوناً في البيع بالدين.

ولا فرق في سماع قوله بين أن تكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده (٢). نعم ، لو ادّعى بعد الفسخ التلف بعده ، ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته ، وعدمه لخروجه بعده عن كونه أميناً ، وجهان (*) (٣).

______________________________________________________

وفيها لا إشكال في عدم ضمان العامل ، وأنه لا يلزم بشي‌ء من الحلف أو إقامة البيّنة ، إذ لا مقتضي لشي‌ء منهما بعد عدم توجه دعوى إليه من قبل المالك ، بل الروايات المتقدِّمة واضحة الدلالة على عدم التضمين في هذه الصورة.

الصورة الرابعة : ما إذا كان العامل مأموناً في نفسه وادّعى التلف بغير تفريط ، إلّا أن المالك اتهمه وادّعى عليه الإتلاف أو التلف بتعدٍّ أو تفريط.

وفيها يكون المالك هو المطالَب بالبيّنة ، إلّا أنّ له إحلاف العامل ، على ما تقتضيه موازين القضاء.

وما تقدّم من الروايات الدالّة على التضمين قاصرة الشمول لمثل هذه الصورة مضافاً إلى أنّ صحيحة جعفر بن عثمان المتقدِّمة دلّت على جواز التضمين في فرض الاتهام.

(١) في خصوص الفرض ، حيث يكون التنازع في أمر زائد عن رأس المال فللمالك إقامة الدعوى إن كان جازماً بما يدعيه ، إذ بدونه ليس له حق الدعوى.

وعليه فإن أقام البيّنة فهو ، وإلّا فله إحلاف العامل. فإن حلف فهو ، وإلّا فله ردّه على المالك ، وإلّا الزم به ، على ما تقتضيه موازين القضاء.

(٢) لإطلاق الأدلّة.

(٣) أظهرهما الأوّل. إذ لم يظهر وجه خروج يده عن الأمانة ، فإنّ المالك هو الذي سلّمه المال وسلطه عليه ، ليكون أمانة عنده حتى يرده إليه ، ومقتضاه كونه كذلك

__________________

(*) أظهرهما الأوّل.

١٣٤

ولو أقرّ بحصول الربح ، ثمّ بعد ذلك ادّعى التلف أو الخسارة ، وقال : إني اشتبهت في حصوله ، لم يسمع منه ، لأنه رجوع عن إقراره (*) الأوّل (١). ولكن لو قال : ربحت ثمّ تلف ، أو ثمّ حصلت الخسارة ، قُبل منه (٢).

[٣٤٥٠] مسألة ٥٣ : إذا اختلفا في مقدار حصّة العامل ، وأنه نصف الربح مثلاً أو ثلثه ، قدِّم قول المالك (٣).

[٣٤٥١] مسألة ٥٤ : إذا ادّعى المالك أني ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك فأنكر أصل المضاربة ، أو أنكر تسليم المال إليه ، فأقام المالك بيّنة على ذلك

______________________________________________________

حتى بعد الفسخ وقبل الردّ.

نعم ، لو طالبه المالك به وامتنع ، خرجت يده عن الأمانة واتصفت بالعدوان لا محالة ، إلّا أنه خلاف المفروض في المقام.

(١) في كون هذا رجوعاً عن الإقرار السابق إشكال ، بل منع. فإنه ليس من الإنكار بعد الإقرار ، حيث لا يتّحد مورده مع ما ورد عليه الإنكار ، وإنما هو من الدعوى على خلاف ظاهر الكلام ، فإنّ ظاهر كلّ كلام صادر من عاقل شاعر ملتفت هو صدوره عن جدّ ومن غير غلط فيه.

وبعبارة اخرى : إنّ دعوى الاشتباه في المقام إنما يصطدم مع ظهور كلامه في الجد وعدم الغلط ، ولا يصطدم مع إقراره السابق.

إلّا أن هذا لا يعني سماع دعواه في ذلك ، بل لا بدّ له من الإثبات نظراً لحجية ظهور الكلام لدى العقلاء. فإن أثبت سمعت دعواه ، وإلّا فلا.

(٢) إذا لم يكن متهماً على ما تقدّم.

(٣) وعلى العامل الإثبات ، على ما تقتضيه موازين الدعوى.

وقد يتوهم كون المقام من التداعي ، باعتبار أنّ المتيقن في استحقاق كلّ منهما من

__________________

(*) هذا ليس رجوعاً عن إقراره ، بل هو دعوى على خلاف ظاهر كلامه وهي لا تسمع ما لم تثبت شرعاً.

١٣٥

فادّعى العامل تلفه ، لم يُسمع منه (*) وأُخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل (١). نعم ، لو أجاب المالك بأني لست مشغول الذمّة لك بشي‌ء ، ثمّ بعد الإثبات ادّعى

______________________________________________________

المال هو ما يعترف الآخر له. فالمتيقن من حصّة المالك هو ما يعترف به العامل ، ومن حصّة العامل هو ما يعترف به المالك ، ويكون الباقي هو محل الخلاف بينهما ، فكل منهما يدعيه ، وبذلك فيكون من التداعي.

إلّا أنه في غاية الضعف. وذلك لما ذكرناه في باب القضاء ، من أنّ الروايات الواردة فيه على كثرتها لم تتعرض لتحديد المدّعى والمنكر ، حيث لم يرد في ذلك ولا نص ضعيف.

ومن هنا فلا بدّ من الرجوع إلى العرف ، ومقتضاه كون المطالب بالإثبات هو المدّعى وصاحبه المنكر.

وعلى ضوء هذا ففيما نحن فيه ، تكون الأرباح بأكملها وبمقتضى قانون تبعية النماء للعين للمالك إلّا ما أخرجه عنه باختياره ، وحيث إنّ المتيقن فيه هو ما يعترف به المالك ، فعلى العامل الإثبات في الزائد عنه. وعليه فلا مجال للتحالف.

(١) حيث إنّ إنكار المضاربة أو تسلّم المال تكذيب لدعواه التلف ، لأنه فرع تسلمه منه ، إذ لا يمكن إتلاف المعدوم.

وعليه فللمالك مطالبته بأداء نفس العين ، لخروج يده عن وصف الأمانة ، ما لم يثبت تلفه بالبيّنة ، وإلّا فينتقل الأمر إلى مطالبة البدل لا محالة ، لامتناع ردّها بنفسها.

هذا وقد يقال : إنه لا أثر للبيّنة في المقام ، نظراً لاعتراف العامل بعدم التلف ، فإنه بإنكاره تسلُّمَ المال معترف بعدمه لتوقّفه عليه ، فلا تسمع بيّنته ، لأنها لا تكون حجة في مقابل الإقرار. وعليه فيلزم العامل بردّ العين ، وإلّا فيحبس ، على ما هو مقتضى القضاء.

وفيه : أنّ تكذيبه لنفسه في دعوى التلف ليس تكذيباً على الإطلاق ، فإنّ العامل

__________________

(*) فللمالك أن يطالبه بنفس العين ، نعم إذا أقام العامل البيِّنة على التلف ، طالبه المالك بدفع البدل.

١٣٦

التلف ، قُبل منه ، لعدم المنافاة بين الإنكار من الأوّل وبين دعوى التلف (١).

[٣٤٥٢] مسألة ٥٥ : إذا اختلفا في صحّة المضاربة الواقعة بينهما وبطلانها قدِّم قول مدعي الصحّة (٢).

[٣٤٥٣] مسألة ٥٦ : إذا ادّعى أحدهما الفسخ في الأثناء وأنكر الآخر ، قدِّم قول المنكر (٣).

______________________________________________________

إنما اعترف بعدم التلف من باب القضية السالبة بانتفاء الموضوع خاصة ، وأما التلف على نحو القضية السالبة بانتفاء المحمول فلم يعترف به ولم ينكره أيضاً ، فإنّ كلامه ساكت عن هذه الناحية أعني التلف أو عدمه على تقدير ثبوت أخذه للمال.

وعليه فاللّازم على العامل أوّلاً هو أداء العين بنفسها لاستصحاب بقائها عنده ، إلّا أنه إذا أثبت تلفها بالبيّنة طولب بالبدل.

والحاصل أنه ليس معنى عدم سماع قوله ، مطالبته بالعين مطلقاً وعلى كل تقدير كما يظهر ذلك من عبارة الماتن (قدس سره). وإنما معناه أنه ليس كسائر العملاء في القول بعدم ضمانه مطلقاً على ما اختاره الماتن (قدس سره) ، أو مع عدم التهمة على ما اخترناه ، لأن يده قد خرجت عن الأمانة واتصفت بالخيانة والعدوان ، فلا يقبل قوله إلّا مع إقامة البيّنة على التلف فيطالب ببدلها.

(١) وحينئذٍ فيكون الحكم ما تقدّم في المسألة الثانية والخمسين ، من سماع قوله مطلقاً على ما اختاره الماتن (قدس سره) ، أو في خصوص فرض عدم التهمة على ما اخترناه.

(٢) لأصالة الصحّة الثابتة المتشرعة بلا خلاف ، والمقتضية لحمل العقد على الصحّة وترتيب آثارها عليه ، ما لم يثبت الطرف الآخر مدّعاه.

(٣) أما بالنسبة إلى الحالة الفعلية ، فنفس دعوى الفسخ يكفي في انفساخ العقد. نظير دعوى الزوج الرجوع في أثناء العدّة الرجعية ، حيث تكون بنفسها رجوعاً.

١٣٧

وكلّ من يقدَّم قوله في المسائل المذكورة لا بدّ له من اليمين (١).

[٣٤٥٤] مسألة ٥٧ : إذا ادّعى العامل الرد وأنكره المالك ، قدِّم قول المالك (٢).

[٣٤٥٥] مسألة ٥٨ : لو ادّعى العامل في جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه وادّعى المالك أنه اشتراه للمضاربة ، قُدِّم قول العامل. وكذا لو ادّعى أنه اشتراه للمضاربة ، وادّعى المالك أنه اشتراه لنفسه. لأنه أعرف بنيّته (٣) ولأنه أمين فيقبل قوله. والظاهر أن الأمر كذلك لو علم أنه أدّى الثمن من مال المضاربة (٤) بأن ادّعى أنه اشتراه في الذمّة لنفسه ثمّ أدى الثمن من مال المضاربة ، ولو كان عاصياً في ذلك.

[٣٤٥٦] مسألة ٥٩ : لو ادّعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة ، وادّعى

______________________________________________________

وأما بالنسبة إلى المعاملات السابقة ، فلا يسمع قول مدعي الفسخ ما لم يثبته بالبيّنة ، وذلك لاستصحاب بقائه.

نعم ، لو ادّعى مدعي الفسخ علم الطرف الآخر به ، كان له إحلافه عليه.

(١) على ما تقتضيه قواعد القضاء ، فإنّ على المدّعى البيّنة واليمين على من أنكر.

(٢) بيمينه ، لكونه منكراً.

وقد يقال بتقديم قول العامل ، نظراً لكونه أميناً.

إلّا أنه في غير محلّه جدّاً. فإنّ الدليل على قبول قوله يختص بمورد ادعائه التلف ومن هنا فيكون باقي الموارد مشمولاً لعموم : «البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر». وبما أن العامل هو المدّعى ، حيث يعترف بالأخذ ويدّعي الردّ ، فَيُلزم بالبيّنة لا محالة.

(٣) للسيرة العقلائية القطعية ، المعبَّر عنها في الكلمات بـ «إن من ملك شيئاً ملك الإقرار به» باعتبار أنّ الأمر بيده فله أن يشتري لنفسه وله أن يشتري للمضاربة فالقول قوله ، وليس لدعوى المالك أثر ما لم يثبتها بالبيِّنة.

(٤) لكونه أمراً خارجاً عن العقد الصادر عنهما ، فلا ينافي قبول قوله في مدعاه.

١٣٨

القابض أنه أعطاه قرضاً ، يتحالفان (١). فإن حلفا أو نكلا للقابض أكثر الأمرين من اجرة المثل (*) والحصّة من الربح (٢) إلّا إذا كانت الأُجرة زائدة عن تمام الربح فليس له أخذها ، لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح.

[٣٤٥٧] مسألة ٦٠ : إذا حصل تلف أو خسران ، فادعى المالك أنه أقرضه وادّعى العامل أنه ضاربه ، قدِّم قول المالك مع اليمين (٣).

______________________________________________________

(١) وفيه : أنّ المقام ليس من موارد التداعي كي يثبت التحالف ، فإنه إنما يكون فيما إذا كان كلّ منهما ملزماً للآخر بشي‌ء وهو ينكره ، فلا يعمّ المقام حيث يختصّ الإلزام بطرف واحد خاصة. فإنّ المالك لا يلزم العامل بشي‌ء وإنما يطلب منه المال وربحه وإنما العامل يلزمه بأنه ملكه المال بالقرض ، فلا بدّ له من الإثبات ، وإلّا فله إحلافه وإلّا فمقتضى الأصل وهو كون المال مال المالك والربح تابعاً له كونه بجميعه له.

نعم ، يخرج منه ما يعترف به هو من الحصّة.

والحاصل أنّ المقام من قبيل سائر موارد الدعاوي ، حيث يدّعي العامل انتقال مال الغير إليه وهو ينكره ، فعلى العامل الإثبات وإلّا فله مطالبة المالك باليمين ، وأين هذا من التداعي والتحالف!

(٢) وفيه : أنه لا موجب لملاحظة أُجرة المثل في المقام بالمرّة ، زادت عن الربح أم نقصت ، بعد اتفاقهما على عدم استحقاق العامل لها في هذه المعاملة ، لأنّ المالك يدّعي المضاربة وأنّ العامل إنما يستحق الحصّة من الربح خاصة ، والعامل يدّعي القرض وكون الربح بتمامه له. فملاحظة أُجرة المثل مما لا وجه له أصلاً.

(٣) لأنّ التصرّف في مال الغير والتجارة به ، متوقّف على ثبوت إذنه في الإبقاء أو التجارة ، فما لم يثبت الإذن يكون الاستيلاء عليه موجباً للضمان.

__________________

(*) لا موقع لملاحظتها بعد اتفاق المالك والعامل على عدم استحقاقها ، كما أنّه لا موقع للتحالف بعد عدم إلزام عقد المضاربة العامل بشي‌ء ، وعليه فالعامل يدّعي ملكيّة العين وتمام الربح ، والمالك يعترف له بمقدار من الربح فيكون العامل مدّعياً والمالك منكِراً ، فيقدّم قول المالك.

١٣٩

[٣٤٥٨] مسألة ٦١ : لو ادّعى المالك الإبضاع ، والعامل المضاربة ، يتحالفان (*) (١). ومع الحلف أو النكول منهما يستحق العامل أقلّ الأمرين من الأُجرة والحصّة من

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ القرض وإن كان أمراً وجودياً والأصل عدمه ، إلّا أن هذا الاستصحاب لا أثر له ، حيث لا يثبت كون العقد مضاربة. وهذا بخلاف استصحاب عدم المضاربة ، فإنه يثبت عدم إذن المالك في إبقائه عنده والتصرّف فيه ، وهو كافٍ في إثبات الضمان.

والحاصل أنه لا حاجة في إثبات الضمان إلى إثبات ما يدعيه المالك من القرض كي يقال بعدم تكفّل استصحاب عدم المضاربة لإثباته ، وإنما يكفي فيه مجرّد نفي الإذن في التصرّف ، وهو حاصل بنفي المضاربة. بخلاف إثبات عدم الضمان ، حيث يحتاج إلى إثبات المضاربة ، وهو لا يتحقق باستصحاب عدم القرض.

ومما يؤكد ذلك صحيحة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنما كانت لي عليك قرضاً ، فقال : «المال لازم له ، إلّا أن يقيم البيّنة أنها كانت وديعة» (١).

فإنه إذا ثبت الحكم في الوديعة التي هي لمصلحة المالك فقط ، فثبوته في المضاربة على ما يدّعي العامل التي تكون لمصلحتهما معاً ، لعله يكون بالأولوية.

وكيف كان ، فيكفينا الأصل في المقام.

(١) لأنّ العامل يلزم المالك بالحصّة المعيّنة من المال المعين ، والمالك يلزمه بقبول ما يدعيه من الأُجرة من أي مال شاء أن يدفعه.

ثمّ إنّ هذا كله بناءً على مختار الماتن (قدس سره) من ثبوت اجرة المثل في

__________________

(*) لاتّفاقهما على استحقاق العامل بعمله شيئاً ، لكن المالك يلزمه بقبول اجرة المثل ، كما انّه يلزم المالك بإعطاء ما يدّعيه من الحصّة من الربح. نعم إذا قلنا بعدم ضمان المالك في فرض الإبضاع ، قدّم قوم المالك لأنّه منكر للمضاربة.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب الوديعة ، ب ٧ ح ١.

١٤٠