موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

العامل على الظاهر ، فهو كما إذا اشترى المعيب جهلاً بالحال ، ضعيف ، والفرق بين المقامين واضح (١).

ثمّ لا فرق في البطلان بين كون الشراء بعين مال المضاربة ، أو في الذمّة بقصد الأداء منه وإن لم يذكره لفظاً.

نعم ، لو تنازع هو والبائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدم قول البائع ، ويلزم العامل به ظاهراً (٢) وإن وجب عليه التخلص منه (٣). ولو لم يذكر المالك لفظاً ولا قصداً ، كان له ظاهراً وواقعاً (٤).

______________________________________________________

(١) إذ إن أمر الشراء منوط بنظر العامل ، ولما كان شراء المعيب أمراً متعارفاً حيث يتحقق فيه الاسترباح أيضاً ، كان داخلاً تحت عقد المضاربة ومشمولاً لإذن المالك ، غاية ما هناك أنه إذا جهل العيب كان له الخيار في فسخ المضاربة أو أخذ الأرش. وهذا بخلاف المقام ، حيث إنّ شراء من ينعتق على المالك ليس أمراً متعارفاً كي يشمله الإذن ، بعد كون مبنى عقد المضاربة على الاسترباح ، وكون هذه المعاملة متمحِّضة في الخسارة.

(٢) لاقتضاء الظهور الحالي ذلك ، حيث إن الظاهر من إقدام كل إنسان على عقد كونه له ، ما لم ينصب القرينة على الخلاف.

(٣) لبقائه على ملك مالكه.

إلّا أنه قد يقال بجواز أخذه له مقاصّة ، باعتبار أنه قد أخذ منه الثمن قهراً.

لكنه مدفوع بأن أدلّة التقاصّ مختصّة بما إذا كان المقتصّ منه ظالماً أو مماطلاً ، فلا تشمل المقام ، حيث يكون أخذ البائع للثمن منه بمقتضى الموازين الشرعية.

نعم ، لا بأس بالالتزام بذلك من جهة أنه ليس للبائع الجمع بين الثمن والمثمن معاً وعلى هذا يكون أخذه للثمن مبرزاً لرضاه بتملك العامل للمثمن بإزائه ، فيجوز للعامل التصرّف فيه من هذه الجهة.

(٤) لما تقدّم من الظهور الحالي ، حيث يكفي في كونه لنفسه واقعاً إقدامه على الشراء من دون إضافته إلى الغير ، فإنّ إضافته إلى غيره تحتاج إلى مئونة زائدة وبيان.

١٠١

[٣٤٣٤] مسألة ٤٥ : إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه ، فإن كان قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضاً (١) صحّ الشراء وكان من مال القراض (٢).

وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح ، فمقتضى القاعدة وإن كان بطلانه (٣) لكونه خلاف وضع المضاربة ، فإنها موضوعة كما مر للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلّا أن المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته. وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ، ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها (*) للمالك مع يساره ،

______________________________________________________

(١) الفرق بين الفرضين يكمن في أن الأوّل ناظر إلى الربح السابق على هذا الشراء والمشترك بين المالك والعامل بمقتضى قانون المضاربة ، بحيث يكون العامل قد اشترى من ينعتق عليه من ربح التجارات السابقة. في حين أن الثاني ناظر إلى وجود الربح في نفس هذا الشراء ، بحيث تكون هذه المعاملة بنفسها رابحة.

والحاصل أن مراده (قدس سره) من هذه المقابلة بيان اعتبار عدم كون شراء من ينعتق على العامل من أرباح التجارات السابقة عليه ، وعدم كونه بنفسه تجارة رابحة في الحكم بصحّة هذا الشراء.

(٢) لاستقلال المالك في ملكيّة العبد ، إذ لا موجب لاشتراك العامل معه في ذلك ومن ثمّ الحكم بعتقه.

(٣) وفيه : أنّ البطلان مبني على القول بالسراية وتغليب جانب العتق مطلقاً ، ومن دون فرق بين صورتي العلم والجهل. إلّا أن الأمر ليس كذلك ، فإنّ صحيحة محمد بن قيس مختصّة بصورة الجهل ولا تشمل صورة العلم ، ومعه فلا يبقى وجه للقول بالسراية مع علم العامل بالحال.

نعم ، ورد في بعض النصوص أنّ عتق أحد الشريكين لحصّته من العبد المشترك موجب لانعتاق الباقي وسراية العتق فيه.

__________________

(*) لا دليل عليه ، بل الظاهر عدم الفرق بين يساره وإعساره.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنه أجنبي عن محلّ الكلام ، حيث إنه يختصّ بالعتق الاختياري الناشئ من إنشاء أحد الشريكين له بالنسبة إلى حصّته من العبد المشترك ، فلا مجال للتعدي عنه إلى موارد الانعتاق القهري مطلقاً ، سواء أكان بمقدمات اختيارية كالشراء ، أو غيرها كالإرث.

والحاصل أنّ النص إنما يختص بالعتق الاختياري بالمباشرة ، فلا يشمل موارد الانعتاق القهري حتى ولو كان بمقدمات اختيارية.

ومن هنا يكون مقتضى القاعدة في المقام هو الالتزام بصحّة الشراء مع التبعيض في العتق ، بالقول بانعتاق حصّة العامل ، مع بقاء حصّة المالك على صفته ، أعني كونه مال المضاربة.

على أنا لو التزمنا بالسراية حتى في مورد الانعتاق القهري ، لا سيما بناءً على ما ذكره (قدس سره) من كفاية حصول الربح في البعض الآخر من أموال المضاربة ، كان لازمه بطلان الشراء مضاربة حتى في الفرض الأوّل.

وذلك فإنّ بناء المضاربة كما عرفت إنما هو على الاسترباح ، ولا يتصوّر ذلك في شراء العبد في مفروض الكلام. فإنه إما أن لا يكون بعد ذلك زيادة في قيمة العبد ولا في غيره من أموال المضاربة ، وإما أن يكون ذلك ، وعلى التقديرين لا يكون ربح في هذه المعاملة. أما على الأوّل فواضح ، وكذا على الثاني ، فإنّ حصّة العامل من الربح في العبد ينعتق عليه ، ويسري العتق إلى الباقي فيكون خسارة على المالك ، ومعه كيف يمكن أن يقال إنه يصح الشراء ويكون من مال القراض؟.

وبالجملة إن القول ببطلان الشراء مضاربة بحسب القاعدة في مفروض كلامه (قدس سره) ، إنما يتمّ بناءً على القول بالسراية مطلقاً ، حيث يكون الشراء حينئذ متمحضاً في الخسارة ، وأساس المضاربة على الاسترباح. وأما بناءً على ما هو الصحيح من اختصاص السراية بالعتق الاختياري بالمباشرة ، فلا وجه للحكم بالبطلان فيما نحن فيه ، حيث يكون الانعتاق قهرياً.

ثمّ إنّ مما ذكرنا يظهر أنّ أساس المضاربة وإن كان على الاسترباح ، إلّا أنه يكفي فيها إمكان استرباح المالك ، وإن حصل الجزم بعدم حصول الربح للعامل.

١٠٣

ويستسعي العبد فيه مع إعساره (١).

لصحيحة ابن أبي عمير عن محمد بن قيس عن الصادق (عليه السلام) ، في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال (عليه السلام) : «يقوّم ، فإن زاد درهماً واحداً انعتق ، واستسعى في مال الرجل». وهي مختصة بصورة الجهل المنزل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً.

واختصاصها بشراء الأب لا يضرّ ، بعد كون المناط كونه ممن ينعتق عليه (٢). كما أن اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لا يضرّ أيضاً ، بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق (٣). وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزَّل على الثاني ، جمعاً بين الأدلّة (*) (٤).

______________________________________________________

هذا كلّه بالنسبة إلى ما تقتضيه القاعدة في المقام ، إلّا أنه لا بدّ من الخروج عنها في خصوص فرض الجهل من المقام ، حيث دلّت صحيحة محمد بن قيس على السراية فيه.

(١) لا دليل على ما أفاده (قدس سره) من التفصيل. فإنّ صحيحة محمد بن قيس مطلقة ، ومقتضاها سعاية العبد في عوض حصّة المالك ، سواء أكان العامل موسراً أم معسراً. وسيأتي مزيد بيان عند تعرضه (قدس سره) له ثانياً في هذه المسألة.

(٢) إذ العبرة إنما هي بمالكيّة العامل ، ومن حيث إنه لا يمكن أن يكون مالكاً له ملكيّة مستقرة.

(٣) ظهر وجهه مما تقدّم في التعليقة السابقة. فإنّ العبرة إنما هي بمالكيّة المالك حيث إنّ الموجب للانعتاق هو دخول العبد في ملكه. ولا فرق في ذلك بين حصول الربح في نفس الشراء ، أو شرائه من الربح الحاصل سابقاً.

(٤) وفيه : أنه لا تعارض بين الأدلّة كي يحتاج إلى الجمع بينها بما ذكر ، فإنّ أدلّة التفصيل مختصة بعتق الشريك حصّته من العبد المشترك اختياراً ، فلا تشمل موارد الانعتاق القهري. ومن هنا فيتعين العمل في هذه الموارد بإطلاق صحيحة محمد بن

__________________

(*) لا دليل على ضمان العامل مع يساره في مفروض الكلام ، والدليل على التفصيل يختص بعتق الشريك حصّته من العبد اختياراً.

١٠٤

هذا ولو لم يكن ربح سابق ، ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع ، فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية ، بمقتضى القاعدة (*) (١). مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدِّد فيه ، فيلحق به الربح (**) الحاصل من غيره ، لعدم الفرق (٢).

______________________________________________________

قيس ، الدال على استسعاء العبد في عوض حصّة المالك في الفرضين ، حيث لا موجب لرفع اليد عنه.

(١) لكنك قد عرفت أنّ القاعدة لا تقتضي السراية في المقام ، وإنها إنما تقتضي السراية في خصوص موارد العتق بالمباشرة.

نعم ، دعوى شمول صحيحة محمد بن قيس له غير بعيدة. فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) فيها : «يقوّم ، فإن زاد درهماً واحداً انعتق ، واستسعى في مال الرجل» عدم اختصاص التقويم بزمان البيع ، بل متى ما قوم وكانت قيمته زائدة ولو بدرهم عن قيمة شرائه بحيث كان العامل شريكاً فيه ، انعتق وسرى العتق.

والحاصل أن العبرة على ما يستفاد من الصحيحة ، إنما هي بشركة العامل للمالك في العبد في أي زمان تحققت.

(٢) ما أفاده (قدس سره) مبني على اشتراك العامل مع المالك في جميع أموال المضاربة ، لا في خصوص ما يكون فيه ربح.

إلّا أنه لم يثبت بدليل ، بل ينافيه إطلاق مفهوم صحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة حيث إنّ مقتضاه عدم انعتاق الأب إذا لم تزد قيمته ، حتى ولو زادت قيمة سائر أموال المضاربة.

ثمّ إنّه لو انعكس الأمر ، بأن حصلت النقيصة في سائر أموال المضاربة ، فهل يمنع ذلك من انعتاق الأب عند ظهور الربح فيه بخصوصه ، أم لا؟

__________________

(*) في كون ذلك بمقتضى القاعدة إشكال بل منع ، نعم لا يبعد شمول الصحيحة للمقام.

(**) في الإلحاق إشكال ، بل منع ، بعد عدم شمول النص لذلك.

١٠٥

[٣٤٣٥] مسألة ٤٦ : قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة ، وأنه يجوز لكل منهما الفسخ (١) إذا لم يشترط لزومها (٢) في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن

______________________________________________________

الصحيح في المقام هو التفصيل : فإنّ الخسارة إما أن تكون سابقة على الربح ، أو مقارنة له ، أو متأخرة عنه.

ففي الأوليين ، لا ينبغي الشكّ في عدم الانعتاق إذا لم يكن الربح الحاصل فيه زائداً عن الخسارة الحاصلة ، فإنّ الصحيحة منصرفة عن هذا جزماً ، إذ الانعتاق إنما هو بملاك ملكيّة العامل لجزء من أبيه. ومن الواضح أنّه مع فرض الخسران السابق يكون الربح وبمقتضى قانون المضاربة بإزائه ، ولا شي‌ء للعامل كي ينعتق عليه.

نعم ، لو زاد الربح عن الخسران السابق ، كان للعامل حصّته من الزيادة وينعتق الأب عليه ، على ما تقدّم تفصيله.

وأما في الفرض الثالث ، فلا إشكال في كون الربح السابق جابراً للخسران اللاحق ، لما عرفت من كون الملاك في صدق الربح وعدمه مجموع المعاملات لا خصوص كل معاملة على حدّه.

إلّا أنّ هذا لا يكشف عن عدم تحقق العتق من الأوّل ، فإنّه متحقق ، غايته أنه يجب على العامل تدارك الخسارة اللاحقة من سائر أمواله. فيكون المقام من قبيل طرو الخسارة بعد إتلاف العامل لما ملكه من الربح.

ومما يدلّ على ما ذكرناه إطلاق صحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة ، حيث إنّ مقتضاه تحقق الانعتاق عند ظهور الربح فيه ، سواء طرأت الخسارة بعد ذلك على المضاربة أم لم تطرأ.

(١) تقدّم الكلام فيه في المسألة الثانية. وقد عرفت أنّ جواز الفسخ إنما هو بالنسبة إلى ما يأتي من المعاملات ، لا بالنسبة إلى ما سبق منها ، فإنها بالنسبة إليها لازمة ولا بدّ لها من العمل على وفق ما اتفقا عليه ، فليس للمالك فسخ العقد وأخذ الربح كله في قبال إعطاء أُجرة المثل.

(٢) قد عرفت في المسألة الثانية ، أنّ اشتراط اللزوم إنما ينفع فيما إذا كان على نحو

١٠٦

عقدها أيضاً (*). ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما. وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون ، أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع ، أو نحو ذلك.

فلا بدّ من التكلم في حكمها من حيث استحقاق العامل للأُجرة وعدمه ، ومن حيث وجوب الإنضاض عليه وعدمه إذا كان بالمال عروض ، ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ، ومن حيث وجوب الردّ إلى المالك وعدمه ، وكون الأُجرة عليه أوّلاً.

فنقول : إما أن يكون الفسخ من المالك أو العامل ، وأيضاً إما أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدماتها أو بعده ، قبل ظهور الربح أو بعده ، في الأثناء أو بعد تمام التجارة ، بعد إنضاض الجميع أو البعض أو قبله ، قبل القسمة أو بعدها. وبيان أحكامها في طي مسائل.

[٣٤٣٦] الأُولى : إذا كان الفسخ أو الانفساخ ولم يشرع في العمل ولا في مقدماته ، فلا إشكال ولا شي‌ء له ولا عليه (١). وإن كان بعد تمام العمل والإنضاض فكذلك. إذ مع حصول الربح يقتسمانه. ومع عدمه لا شي‌ء للعامل ولا عليه إن حصلت خسارة ، إلّا أن يشترط المالك كونها بينهما ، على الأقوى من صحّة هذا الشرط (**) (٢) أو يشترط العامل على المالك شيئاً إن لم يحصل

______________________________________________________

شرط الفعل ، أعني اشتراط عدم إعمال سلطنته على الفسخ. وأما إذا كان على نحو شرط النتيجة ، بأن يكون العقد لازماً ولا يكون له حقّ الفسخ ، بمعنى أن لا يملك الفسخ ، فهو فاسد ومفسد للعقد أيضاً.

(١) لعدم المقتضي له.

(٢) بل الأقوى هو التفصيل بين شرط النتيجة وشرط الفعل.

__________________

(*) مرّ الكلام فيه [في المسألة ٣٣٩١].

(**) فيه تفصيل قد تقدّم [في المسألة ٣٣٩٣].

١٠٧

ربح (١). وربّما يظهر من إطلاق بعضهم ثبوت اجرة المثل مع عدم الربح. ولا وجه له أصلاً ، لأن بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشي‌ء سوى الربح على فرض حصوله (٢) كما في الجعالة.

[٣٤٣٧] الثانية : إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح ، فلا اجرة له لما مضى من عمله. واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام ، لا وجه له أصلاً (٣). وإن كان من المالك ، أو حصل الانفساخ القهري ،

______________________________________________________

ففي الأوّل : كما لو اشترط عليه كون بعض الخسارة في عهدته ، يبطل لأنه ليس بمشرع ، ومضمونه مخالف للسنة الدالة على عدم ضمان الأمين.

وفي الثاني : كما لو اشترط عليه أن يعطيه شيئاً من أمواله ، يصح حيث لا محذور فيه ، لأنه وبحد نفسه فعل سائغ ، فإذا وقع متعلقاً للشرط وجب الوفاء به ، ومجرّد كونه في ضمن عقد جائز لا يمنع من وجوب العمل به ، لما عرفت من كونه لازماً بالنسبة إلى ما مضى من المعاملات.

نعم ، له رفع اليد عن العقد بالقياس إلى ما يأتي ، فيرتفع معه موضوع وجوب الوفاء.

وقد تقدّم تفصيل الكلام في المسألة الرابعة ، فراجع.

(١) على التفصيل المتقدِّم.

(٢) ومعه فلا تشمله قاعدة احترام عمل المسلم ، لأنه الذي فوّت على نفسه ذلك حيث أقدم على العمل مجاناً عند عدم الربح.

(٣) فإنّ القاعدة لا تقتضي الضمان. فإنّ معنى احترام عمل المسلم إنما هو عدم جواز جبره على شي‌ء بلا مقابل ومجاناً ، فلا تشمل المقام حيث يكون العمل صادراً منه باختيار رجاءً للربح. على أنّ القاعدة لو اقتضت الضمان في حدّ نفسها فلا تقتضيه في المقام ، باعتبار أنّ العامل هو الذي فوَّت على نفسه الربح بفسخه لعقد المضاربة.

١٠٨

ففيه قولان (١) أقواهما العدم أيضاً ، بعد كونه هو المقدم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شي‌ء إلّا الربح ، ولا ينفعه بعد ذلك كون إقدامه من حيث البناء على الاستمرار.

______________________________________________________

ودعوى اقتضاء الأمر له ، حيث إنّ العمل قد صدر عن أمره واستوفى هو منفعته.

مدفوعة بأنها إنما تتمّ لو كان الآمر قد التزم على نفسه بشي‌ء غير الحصّة من الربح ، فلا تعمّ المقام ، حيث لم يلتزم الآمر بدفع شي‌ء بإزاء العمل سوى الحصّة من الربح على تقدير ظهوره.

ومن هنا فيكون العامل في فرض عدمه ومن غير هذه الجهة ، متبرعاً ومقدماً على العمل مجاناً.

(١) ظاهر كلامه (قدس سره) اختيار بعض الأصحاب للضمان حتى في فرض الانفساخ القهري ، إلّا أننا لم نعثر على قائل به ، حيث لم ينسب إلى أحد من الأصحاب.

وكيف كان ، فالحكم فيه واضح ، لعين ما تقدّم في فسخ العامل ، حيث لا موجب للضمان. وتوهم اقتضاء قاعدة الاحترام ، أو صدوره عن أمره له ، مدفوع بما تقدّم.

نعم ، في فرض الفسخ من قبل المالك ، ذهب جماعة من الأصحاب إلى الضمان من أجل التفويت ، حيث فوَّت المالك بفسخه للعقد الربح على العامل ، فيجب عليه أداء أقلّ الأمرين ، من اجرة المثل والربح المترقب من التجارات الآتية.

وفيه : أنه لا دليل على الضمان عند التفويت والمنع عن الاسترباح ، فإنه إنما يترتب على إتلاف المال الموجود بالفعل أو الاستيلاء عليه ، فلا يعمّ ما ليس بمال بالفعل ، وإنما يترقب أن يكون كذلك في المستقبل.

على أنه من التفويت بحقّ ، لبناء عقد المضاربة عليه ، لأنه عقد جائز ، فيكون من قبيل الشرط في ضمن العقد ، ومعه فلا موجب للضمان بعد إقدام العامل عليه.

١٠٩

[٣٤٣٨] الثالثة : لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف جملة من رأس المال في نفقته ، فهل للمالك تضمينه مطلقاً ، أو إذا كان لا لعذر منه؟ وجهان أقواهما العدم (*) (١) لما ذكر من جواز المعاملة وجواز الفسخ في كل وقت ، فالمالك هو المقدم على ضرر نفسه.

[٣٤٣٩] الرابعة : لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال عروض ، لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك (٢) ببيع ونحوه ، وإن احتمل تحقّق الربح بهذا البيع ، بل وإن وجد زبون يمكن أن يزيد في الثمن فيحصل

______________________________________________________

(١) فيه إشكال بل منع. وذلك لأن إعطاء المالك للمال إلى العامل والإذن له في صرفه خارج عن العقد بينهما ، وإنما العامل يصرف ذلك المال بإذن المالك في مقدمات العقد الذي يقصد به الاسترباح. إلّا أنّ الظاهر كون إعطاء المالك للمال والإذن في التصرّف فيه ، مشروطاً بشرط متأخر وهو تحقق التجارة الخارجية.

وبعبارة اخرى : إنّ دفع المالك للمال إليه والإذن في التصرّف له لم يكن مطلقاً ، وإنما هو مقيّد بحصول التجارة بعد ذلك. ومن هنا فإذا لم يحصل الشرط ، لم يكن صرفه مأذوناً فيه ، وبذلك فيكون ضامناً لإتلافه مال غيره بغير إذنه.

ولا يبعد أن يكون هذا من المرتكزات الأوّلية في باب المضاربة وغيرها ، كإرسال الرسل والمبعوثين. فإنه هل يمكن أن يقال بعدم ضمانهم لما صرفوه في سفرهم مع عدم قيامهم بما كلفوا به من مهام ، بدعوى أنه كان بإذنه؟ كلّا ، فإنّ الإذن في ذلك مقيد بانتهاء السفر إلى العمل المعيّن ، فعدمه يكشف عن عدم الإذن لا محالة.

نعم ، ما أفاده (قدس سره) إنما يتمّ لو كان الفسخ من قبل المالك ، أو حصل الانفساخ القهري ، حيث لا موجب للقول بضمان العامل ، باعتبار أنه لم يلتزم بشي‌ء في صرفه للمال ، ولم يقصر في شي‌ء مما هو عليه بعد أن كان الصرف بإذن المالك.

(٢) لكونه بأكمله ملكاً للمالك ، وقد ارتفع إذنه في التصرّف بالفسخ أو الانفساخ.

__________________

(*) في القوّة إشكال ، والاحتياط لا يترك.

١١٠

الربح (١).

نعم ، لو كان هناك زبون بانٍ على الشراء بأزيد من قيمته ، لا يبعد جواز إجبار المالك على بيعه منه ، لأنه في قوّة وجود الربح فعلاً. ولكنه مشكل مع ذلك ، لأن المناط كون الشي‌ء في حدّ نفسه زائد القيمة (٢) والمفروض عدمه.

وهل يجب عليه البيع والإنضاض إذا طلبه المالك ، أو لا؟ قولان ، أقواهما عدمه (٣). ودعوى أن مقتضى قوله (عليه السلام) : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (*) وجوب ردّ المال إلى المالك كما كان ، كما ترى (٤).

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من كونه تصرفاً في مال الغير ، فلا يجوز إلّا بإذنه.

(٢) وبعبارة اخرى : إنّ الملاك في اشتراك العامل للمالك إنما هي الزيادة في المال والعبرة فيها إنما هي بارتفاع القيمة السوقية ، ولا يكفي فيها وجود مشترٍ يشتري المال بأكثر من قيمته السوقية ، فإنه لا يوجب زيادة في مال المضاربة ، كما لا يخفى.

على أنه سيأتي في المسألة القادمة من هذه المسائل ، أنه لو حصل الفسخ أو الانفساخ وكان في المال عروض تزيد قيمته على رأس المال ، فليس للعامل إجبار المالك على بيع العروض وإن كان شريكاً له في ذلك ، وإنما له إجباره على القسمة خاصة ، نظراً إلى أنّ جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه يحتاج إلى الدليل. وهو مفقود.

فإذا كان الحال هذا في فرض وجود الربح بالفعل ، فعدم الجواز في فرض عدمه يكون بطريق أولى.

(٣) لعدم الدليل عليه.

(٤) إذ مع الإغماض عن سندها ، والمناقشة في صدق الأخذ على مثل المقام بدعوى انصرافه إلى ما يكون بالقهر ، فهو غير شامل لما نحن فيه ، لأنه إنما يجب على

__________________

(*) المستدرك ١٤ : ٧ كتاب الوديعة باب ١ ح ١٢ ، عوالي اللآلي ج ٢ : ٣٤٤ ح ٩.

١١١

[٣٤٤٠] الخامسة : إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح ، قبل تمام العمل أو بعده ، وبالمال عروض. فإن رضيا بالقسمة كذلك ، فلا إشكال (١).

وإن طلب العامل بيعها ، فالظاهر عدم وجوب إجابته (٢) وإن احتمل ربح فيه خصوصاً إذا كان هو الفاسخ.

وإن طلبه المالك ، ففي وجوب إجابته وعدمه وجوه ، ثالثها التفصيل بين صورة كون مقدار رأس المال نقداً فلا يجب ، وبين عدمه فيجب ، لأن اللازم تسليم مقدار رأس المال كما كان ، عملاً بقوله (عليه السلام) : «على اليد ...».

والأقوى عدم الوجوب مطلقاً (٣) وإن كان استقرار ملكيّة العامل للربح موقوفاً على الإنضاض ولعله يحصل الخسارة بالبيع ، إذ لا منافاة (٤). فنقول : لا يجب عليه الإنضاض بعد الفسخ ، لعدم الدليل عليه. لكن لو حصلت الخسارة

______________________________________________________

العامل ردّ ما أخذه بعينه ما دام هو باقياً في ملكه ، وأما إذا خرج عنه بإذن المالك فلا يجب عليه ردّه بعينه جزماً ، بل غاية ما يجب عليه هو ردّ بدله. فهو كمن غصب الدار ثمّ باعها بإذن المالك ، حيث لا يجب عليه إلّا ردّ الثمن خاصة.

(١) لاشتراكهما في المال ، فالحقّ لا يعدوهما.

(٢) فإنّ المالك مسلّط على ماله ، غاية الأمر أنّ للعامل مطالبته بحصّته من الربح فيعطيه المالك من أمواله ، أو يطالبه بالقسمة فيأخذ من العروض.

(٣) نظراً لانتفاء عقد المضاربة ، وعدم الدليل على الوجوب.

وقاعدة اليد مضافاً إلى قصور سندها ، لا دلالة لها على الوجوب في المقام ، فإنّ الواجب إنما هو ردّ مال الغير إليه ، سواء أكان عروضاً أم غيره.

وبعبارة اخرى : إنّ المعاملات الصادرة من العامل لما كانت بإذن المالك ، كانت موجبة لتبدّل مال المالك لدى العامل من النقد إلى العروض ، فهي التي تكون مال المالك بالفعل. ومن هنا فإلزامه بتبديله إلى النقد ثانياً ، يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

(٤) لما عرفت من أن مقتضى عقد المضاربة وصول رأس المال إلى المالك ، على أن

١١٢

بعده قبل القسمة ، أو بعدها ، يجب جبرها (*) (١) بالربح ، حتى أنه لو أخذه يسترد منه.

[٣٤٤١] السادسة : لو كان في المال ديون على الناس ، فهل يجب على العامل أخذها وجبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ ، أم لا؟

وجهان ، أقواهما العدم (**) (٢) من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك.

______________________________________________________

يكون الزائد عنه مشتركاً بينه وبين العامل. ومن هنا فلو حصل تلف في المال كان محسوباً على العامل والمالك حتى بعد تمامية المضاربة ما لم يصل رأس المال إلى المالك وهذا لا يستلزم بالطبع لزوم إجابة العامل له في طلب البيع ، كما هو واضح.

(١) تقدّم فيما مضى أنّ جبر الخسارة بالربح إنما يكون قبل الفسخ أو الانفساخ. وأما بعدها فلا ، لا سيما بعد تحقق القسمة ، لانتهاء عقد المضاربة ووصول رأس المال إلى المالك ، فيكون إثباته محتاجاً إلى الدليل وهو مفقود.

وبعبارة اخرى : إنّه لا وجه لجبر الخسارة بعد الفسخ أو الانفساخ فضلاً عن القسمة بالربح السابق ، بعد وصول كلّ من الحصّتين إلى مالكها وتملّكه لها مستقلا وبعينه.

(٢) بل الوجوب ، على ما هو المشهور. وذلك لابتناء عقد المضاربة من الأوّل على تسليم العامل لما أخذه من المالك إليه ، فإنه أمر مفروغ عنه في عقدها. ومن هنا فيكون من الشرط في ضمن العقد ، فيجب عليه الوفاء به ، وليس له إرجاع المالك على المدينين.

وبالجملة فتسليم العامل للمال إلى المالك أمر مفروغ عنه في عقد المضاربة ، فيجب عليه الوفاء به ، وردّ ما أخذه منه ، ثمّ إن كان ربح فهو مشترك معه فيه.

__________________

(*) فيه إشكال ولا سيما إذا كانت الخسارة بعد القسمة.

(**) فيه إشكال ، والوجوب إن لم يكن أقوى فهو أحوط.

١١٣

[٣٤٤٢] السابعة : إذا مات المالك أو العامل ، قام وارثه مقامه (*) فيما مرّ من الأحكام (١).

[٣٤٤٣] الثامنة : لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ ، أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلا يجب عليه الإيصال إليه.

نعم ، لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك ولو كان بإذنه ، يمكن دعوى

______________________________________________________

(١) في إطلاقه إشكال ، بل منع. إذ لا دليل على قيام الوارث مقام الميت في جميع الأُمور وبقول مطلق ، وإنما المنتقل إليه خصوص ما تركه من الأموال والحقوق القابلة للانتقال ، بحيث لا تكون متقومة بشخص خاص ، وهو مما لا خلاف فيه.

ومن هنا فلا بدّ من ملاحظة الأحكام المتقدِّمة ، لتشخيص ما تنطبق عليه هذه الضابطة ، فنقول :

أما إلزام المالك للعامل بتحصيل الديون بعد حصول الفسخ أو الانفساخ ، فالظاهر عدم كونه من الحقوق ، وإنما هو حكم مترتب على الملك ، من باب تسلط المالك على ماله ووجوب ردّ الأمانة إلى أهلها. ومن هنا فإذا مات المالك وانتقل المال إلى ورثته كان لكل منهم مطالبة العامل بردّ حصّته منه إليه ، حتى مع فرض رضى غيره ببقاء حصّته ديناً في ذمّة المديون.

ولو كان هذا حقاً لما وجب على العامل في الفرض شي‌ء ، إذ الحقّ أمر واحد بسيط ثابت لمجموع الورثة من حيث المجموع ، فلا يقبل التجزئة ، لعدم ثبوته للبعض بخصوصه.

نعم ، لو قلنا بأنّ المالك له إجبار العامل على بيع العروض بعد الفسخ بالاشتراط ، كان لهم جميعاً إجباره على ذلك ، لأن حق الشرط قابل للانتقال ، فلا مانع من الالتزام به بالنسبة إلى الوارث أيضاً.

__________________

(*) في إطلاقه إشكال بل منع ، وإنّما المنتقل إلى الوارث هو المال أو الحق القابل للانتقال دون غيرهما.

١١٤

وجوب الردّ إلى بلده (*) (١). لكنه مع ذلك مشكل ، وقوله (عليه السلام) : «على اليد ما أخذت» أيضاً لا يدلّ على أزيد من التخلية. وإذا احتاج الردّ إليه إلى الأُجرة فالأُجرة على المالك (٢) كما في سائر الأموال.

نعم ، لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر ، وحصل الفسخ فيه ، يكون حاله حال الغاصب في وجوب الرد والأُجرة (٣) وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي ، من عدم جواز السفر بدون إذنه.

______________________________________________________

وأما حق العامل في بيع المتاع بعد الفسخ بناءً على القول به ، فهو حكم تكليفيّ محض يختصّ به ، فلا يقبل الانتقال إلى ورثته.

والحاصل أنّ ما أفاده الماتن (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، لأن المنتقل إلى الوارث ينحصر في المال والحقوق القابلة للانتقال ، وهي لجميعهم لا لكل فرد فرد. وأما الحكم فهو يختص به ، ولا ينتقل إلى الوارث.

(١) وهذا القول هو الصحيح ، والإشكال عليه في غير محلّه.

وذلك لأن الإذن في الإرسال لم يكن مطلقاً ، فإنه إنما أذن فيه للاتجار على ما يقتضيه عقد المضاربة وهذا يعني لزوم ردّه إلى المالك نقداً أو عروضاً بعد الاتجار به أوْ لا معه ، فهو مفروض في عقد المضاربة.

ومن هنا فإذا فسخ العقد ، كان مقتضى كون المال أمانة عنده ، واقتضاء عقد المضاربة للردّ ، لزوم الردّ إليه.

نعم ، لو رضي المالك ببقاء ماله في ذلك البلد ، فليس للعامل إرجاعه ، لكونه مسلطاً على ماله ، فلا يجوز التصرّف فيه بغير إذنه ، كما هو ظاهر.

(٢) لعدم الموجب لإلزام العامل بشي‌ء من الأُجرة ، بعد فسخ المضاربة وكون المال أمانة في يده.

(٣) على ما تقتضيه قاعدة اليد والضمان.

__________________

(*) الظاهر صحّة هذه الدعوى.

١١٥

[٣٤٤٤] مسألة ٤٧ : قد عرفت أنّ الربح وقاية لرأس المال ، من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً ، فالخسارة تجبر بالربح اللاحق ، وبالعكس (١).

ولا يلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع. فلو اتّجر بجميع رأس المال فخسر ، ثمّ اتّجر ببعض الباقي فربح ، يجبر ذلك الخسران بهذا الربح. وكذا إذا اتّجر بالبعض فخسر ثمّ اتّجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح. ولا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً جابر للخسارة (*) والتلف مطلقاً (٢) ما دام لم يتمّ عمل المضاربة.

ثمّ إنّه يجوز للمالك أن يستردّ بعض مال المضاربة في الأثناء (٣)

______________________________________________________

(١) على ما يقتضيه عقد المضاربة ، حيث قد عرفت أنّ مقتضاه كون رأس المال محفوظاً ، بمعنى إرجاعه إلى المالك والاشتراك في الربح خاصة.

(٢) قد عرفت فيما تقدّم أنّ جبر الخسران بالربح إنما يختص بفرض بقاء عقد المضاربة. وأما بعد ارتفاعه ، واستقرار ملكيّة كل من المالك والعامل على ماله وحصّته فلا وجه للتدارك بالمرّة.

(٣) فإنّه ماله وملكه ، والعقد جائز ، فله التصرّف فيه كيفما يشاء.

والإشكال عليه بأنّ العقد الواحد كيف يجوز فسخه في بعضه دون بعض ، والحال أنّه لم يلتزم الفقهاء به في باب الخيارات.

مدفوع بالفرق بين المقامين.

إذ الجواز قد يكون حقّياً كالخيارات ، حيث يكون العقد بطبعه الأوّلي لازماً ، لكن الشارع يجعل الخيار لهما أو لأحدهما ، ابتداءً كخيار المجلس ، أو إمضاءً لجعل البائعين كخيار الشرط.

__________________

(*) قد تقدّم أنّ الربح إنّما يكون جابراً إذا كانت المضاربة باقية ، ومع عدم بقائها قد استقرّت ملكيّة كل من المالك والعامل ولا وجه للجبر.

١١٦

ولكن تبطل بالنسبة إليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقية (١) وتكون رأس المال. وحينئذٍ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقيّة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقية أو ببعضها ، فحصل ربح ، يكون ذلك الربح جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه (٢).

مثلاً إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ثمّ أخذ المالك من التسعين عشرة وبقيت ثمانون ، فرأس المال تسعون. وإذا اتّجر

______________________________________________________

وقد يكون حكمياً ، حيث يكون العقد بطبعه الأوّلي جائزاً ، كالهبة والوديعة والعارية والمضاربة إلى غيرها من العقود الجائزة.

ففي الأوّل حيث إنّ ظاهر الدليل تعلّق الخيار بالعقد على ما وقع عليه لا أبعاضه بما هي ، فليس لمن له الخيار التبعيض ، بل أما أن يفسخ في الجميع أو يلتزم به ، فإنّ الإنشاء واحد وإن كان البيع منحلا إلى بيوع متعددة ، وظاهر دليل الخيار ثبوت الحقّ له في فسخ ما أنشأ. ومن هنا فلا يجوز له التبعيض.

وبالجملة فدليل الخيار قاصر الشمول للفسخ في البعض خاصة.

وهذا بخلاف الثاني ، فإنّ العقد لما كان منحلا إلى عقود متعددة ، كان جواز الفسخ في البعض على القاعدة ، فإنّ كل عقد من هذه العقود جائز في حدّ نفسه ، وله الفسخ بأيّ مقدار شاء ، لإطلاق الدليل.

والحاصل أنّ قياس ما نحن فيه على باب الخيارات ، قياس مع الفارق. فإنّ العقد في المقام جائز في حدّ نفسه ، والمالك مسلط على ماله ، غاية الأمر أنه أذِن للغير في التصرّف فيه ، فله رفع إذنه في أي مقدار منه شاء ، كما هو الحال في الوكالة.

(١) قد عرفت وجهه مما تقدّم.

(٢) لأن عقد المضاربة من الأوّل مبني على وصول رأس المال المدفوع إلى العامل بتمامه إلى المالك ومن دون ورود أي نقص عليه مع فرض ما يمكنه جبره ، سواء أكانت التجارة بجميع رأس المال أم بعضه.

١١٧

بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً تجبر تلك العشرة ، ولا يبقى للعامل شي‌ء.

وكذا إذا أخذ المالك بعد ما حصل الربح مقداراً (*) من المال (١) سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال ، أو هو مع الربح ، أو من غير قصد إلى أحد الوجهين. ثمّ اتجر العامل بالباقي أو ببعضه ، فحصل خسران أو تلف ، يجبر بالربح السابق بتمامه ، حتى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك ، ولا يختصّ الجبر بما عداه ، حتى يكون مقدار حصّة العامل منه باقياً له.

مثلاً إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ، ثمّ أخذ المالك عشرة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقية فخسر عشرة أو تلف منه عشرة ، يجب جبره بالربح السابق حتى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة ، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شي‌ء.

وعلى ما ذكرنا فلا وجه لما ذكره المحقق وتبعه غيره ، من أن الربح اللّاحق لا يجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة ، لبطلان المضاربة بالنسبة

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ مقتضى أصل عقد المضاربة رجوع ما يدفعه المالك بعنوان رأس المال إليه من غير نقص فيه ، حتى ولو لم تكن التجارة بكل ذلك المال ، بل ومع الفسخ في بعضه وانحصار المضاربة في الباقي ، لأنه لا يعني عدم كون المضاربة الأصلية مبنيّة على رجوع رأس المال بتمامه إليه ، حتى على تقدير استرداده للبعض.

(١) وفيه ما لا يخفى.

فإنه لا وجه للجبران في المقام ، نظراً إلى أنّ ما يأخذه المالك إن كان بعنوان استرداد بعض المال ، فهو فسخ للمعاملة بالنسبة إلى ذلك المقدار ، فينحصر رأس المال بالباقي لا محالة ، وحينئذٍ يكون العامل مالكاً لحصّته من الربح في ذلك المقدار ومعه لا وجه لجبران ما يطرأ من الخسارة على رأس المال الجديد ، فإنّ الفسخ موجب لاستقرار ملكه فيه ، كما هو الحال في فسخ العقد في الجميع.

__________________

(*) فيه إشكال ولا تبعد تماميّة عمل المضاربة بالإضافة إلى المقدار المأخوذ ، فلا يجبر خسران الباقي بربحه.

١١٨

إليها ، فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح ، فرأس المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين ، بل أقل منه بمقدار حصّة خسارة العشرة المأخوذة ، وهو واحد وتسع ، فيكون رأس المال الباقي تسعين إلّا واحد وتسع ، وهي تسعة وثمانون إلّا تسع.

وكذا لا وجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني ، أن مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللّاحق ، وأن حصّة العامل منه يبقى له ويجب على المالك ردّه إليه (١) فاللّازم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور ، بل قد عرفت سابقاً أنه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كلٌّ حصّته من ثمّ حصل خسران ، أنّه يستردّ من العامل مقدار ما أخذ ، بل ولو كان الخسران بعد الفسخ (*) (٢) قبل القسمة ، بل أو بعدها إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الإنضاض (**)

______________________________________________________

وإن كان بعنوان كونه من مجموع رأس المال والربح ، فالأمر كذلك ، إذ الربح الحاصل عند الفسخ في البعض ينقسم على ذلك والباقي بالنسبة ، ومعه يكون للعامل حصّة فيما أخذه المالك لا محالة ، ويعتبر ذلك ديناً في ذمّته.

وعليه فإذا خسرت المعاملة في الباقي بعد ذلك ، لم يكن وجه لإرجاع ما ملكه العامل وأقرضه للمالك إلى رأس المال وجبر الخسارة به.

والحاصل أنه لا وجه لجبران الخسران اللاحق بالربح السابق على الفسخ ، بلا فرق فيه بين كون الفسخ في الكل أو البعض.

(١) لكنك قد عرفت أنّه الصحيح ، ولا مناص من الالتزام به.

(٢) إلّا أنّك قد عرفت فيما مضى أنّه لا وجه للجبران ، لا سيما إذا كانت الخسارة بعد القسمة ، حيث يستقر ملك كل منهما على ما في يده.

__________________

(*) تقدّم أنّه لا يتدارك الخسران بعد الفسخ بالربح السابق مطلقاً حتى قبل القسمة.

(**) مرّ أنّه لا إشكال في عدم وجوبه في هذا الفرض ، ثمّ إنّ ظاهر كلامه أنّ تدارك الخسران هنا منوط بوجوب الإنضاض على العامل ، وقد تقدّم منه عدم وجوبه.

١١٩

على العامل (١) وأنّه من تتمات المضاربة.

[٣٤٤٥] مسألة ٤٨ : إذا كانت المضاربة فاسدة ، فإمّا أن يكون مع جهلهما بالفساد ، أو مع علمهما ، أو علم أحدهما دون الآخر. فعلى كلّ التقادير الربح بتمامه للمالك ، لإذنه في التجارات (٢) وإن كانت مضاربته باطلة. نعم ، لو كان الإذن مقيَّداً بالمضاربة توقّف ذلك على إجازته (٣) وإلّا فالمعاملات الواقعة باطلة (٤). وعلى عدم التقيد أو الإجازة يستحق العامل مع جهلهما لُاجرة عمله (٥).

وهل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه ، لتبيّن عدم استحقاقه النفقة أوْ لا لأنّ المالك سلّطه على الإنفاق مجاناً؟ وجهان ، أقواهما الأوّل (*) (٦) ولا

______________________________________________________

(١) ظاهر كلامه (قدس سره) في المقام إناطة تدارك الخسران بوجوب الإنضاض على العامل ، بحيث لو لم نقل به لما وجب التدارك. وهو ينافي ما تقدّم منه (قدس سره) في الفرع الخامس من المسألة السادسة والأربعين ، من عدم كونه منوطاً به ، حيث اختار (قدس سره) عدم وجوب الإنضاض على العامل ، ومع ذلك قال بوجوب التدارك عليه.

(٢) وهو يكفي في صحّتها ، حيث إنّها لا تتوقّف على صحّة عقد المضاربة ، إذ الذي يتوقف عليها إنما هو استحقاق العامل للحصّة المعيّنة من الربح.

(٣) على ما تقتضيه القاعدة في العقد الفضولي.

(٤) لفقدانها الإذن والإجازة معاً.

(٥) لاستيفاء المالك عمل الغير الصادر عن أمره لا على نحو المجانية ، فإنه موجب لضمانه له بدفع بدله ، أعني أُجرة المثل ، على ما تقتضيه السيرة القطعية ، على تفصيل في المقام يأتي.

(٦) بل الثاني. فإنّ إذن المالك له بالسفر والصرف من ماله ، لما لم يكن مقيداً بصحّة عقد المضاربة ، كان مقتضى القاعدة عدم الضمان ، إذ الضمان إنما يختص بفرض

__________________

(*) بل أقواهما الثاني فيما إذا أذن المالك في الإنفاق مجّاناً كما في فرض عدم التقييد.

١٢٠