مسائل خلافية حار فيها أهل السنة

الشيخ علي آل محسن

مسائل خلافية حار فيها أهل السنة

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الميزان
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٤

قال الدهلوي (١) : وقد عُلم أيضاً من التواريخ وغيرها أن أهل البيت ولا سيما الأئمة الأطهار من خيار خلق الله تعالى بعد النبيين ، وأفضل سائر عباده المخلصين والمقتفين لآثار جدّهم سيد المرسلين (٢).

ويمكن أن نقول : أن اللام في ( الناس ) لاستغراق الصفات ، فيكون المراد بهم الكُمَّل من الناس ، لا سواد الناس الهمج الرعاع ، الذين ينعقون مع كل ناعق ، أتباع سلاطين الجور وأئمة الضلال ، فإنهم لا قيمة لهم ، ولا عبرة بخلافهم.

والكُمَّل من الناس اجتمعوا على بيعة هؤلاء الأئمة خلفاء للأمّة دون غيرهم ، وفيهم بحمد الله كفاية للدلالة على صدق الحديث.

* * * * *

وبعد كل هذا البيان يتّضح أن الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم أمّته ، ووصفهم بأن الإسلام يكون بهم عزيزاً منيعاً قائماً ، وأمر الناس يكون بهم صالحاً ماضياً؟ وكلهم تجتمع عليه الأمة ، لا يمكن أن يكونوا هم أولئك الخلفاء الذين ذكروهم ، وكانت أيامهم مملوءة بالفتن والهرج والاختلاف ، ولياليهم كلها خمر ومجون ، وانتهاك لحرمات الله ، وعبث بأحكام الله ، وما إلى ذلك مما هو معلوم ، فإن الأمة لم تجنِ من ولاية هؤلاء خيراً.

__________________

(١) قال محب الدين الخطيب في ترجمته في مقدمة مختصر التحفة الاثني عشرية : كبير علماء الهند في عصره شاه عبد العزيز الدهلوي ( ١١٥٩ ـ ١٢٣٩ ) أكبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولي الله الدهلوي ، وكان شاه عبد العزيز يعد خليفة أبيه ووارث علمه.

أقول : هو مؤلف كتاب ( التحفة الاثنا عشرية ) ، وهو شديد التحامل على الشيعة والطعن فيهم وفي مذهبهم على طريقة ابن تيمية وابن حزم ونظائرهما.

(٢) مختصر التحفة الاثني عشرية ، ص ٥٥.

٤١

وحينئذ لا مناص من الجزم بأن الخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين حث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اتّباعهم والتمسك بهم في أحاديث أخر سيأتي بيانها مفصّلاً في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

إلا أنَّا نتساءل : هل خفي على أعلام أهل السنة هؤلاء الخلفاء الذين وصفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأوضح الصفات التي بها امتازوا عن سواهم؟ أم أنهم أخفوا بيان ذلك للناس؟

إن زعم خفاء هذه المسألة يرجع في واقعه إلى الطعن في نبي الأمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتقصير في بيان هذه المسألة المهمة حتى خفيت على علماء الأمة ، وهذا لا يصدر من مسلم ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يتحدَّث بالأحاجي والألغاز ولا سيما في أهم المسائل الدينية ، وهي مسألة الإمامة والخلافة.

إذن ، لماذا خفيت هذه المسألة عن علماء أهل السنة؟ أو لماذا أخفوها؟

هذه أسئلة تدور ، وتحتّم على أهل السنة أن يجيبوا عليها إجابات علمية صحيحة ليست مبتنية على الظن والتخمين والاحتمالات التي لا تغني من الحق شيئاً.

( وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون )

سورة البقرة : ١٤٦

٤٢

( ٢ )

ما هو المُصَحِّح لخلافة أبي بكر؟

تمهيد :

إن بيعة أبي بكر لم تكن بالنص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ذهب إليه مشهور أهل السنة وكافة الشيعة ، كما أنها لم تكن بالشورى بين المسلمين ، ولم تكن بإجماع المسلمين كما سيأتي بيانه ، وإنما كانت فلتة كما عبَّر عنها عمربن الخطاب في حديث السقيفة.

وحيث أن مذهب أهل السنة مبتنٍ في أساسه على خلافة أبي بكر ، فلا بد أن نبحث هذه المسألة من جوانبها ، لنعرف هل هي صحيحة أم غير صحيحة.

وهذا ما سيتّضح من خلال البحوث الآتية :

خلافة أبي بكر لم تكن بالنص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ذهب مشهور أهل السنة إلى أن خلافة أبي بكر لم تكن بنص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبذلك صرّح أعلامهم ، وشهدت به كتبهم :

قال عبد القاهر البغدادي في الفَرْق بين الفِرَق في معرض بيانه لعقائد أهل السنة : وقالوا : ليس من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نَصّ على إمامة واحد بعينه ، على خلاف قول من زعم من الرافضة أنه نَصَّ على إمامة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه نصّاً مقطوعاً على صحّته (١).

__________________

(١) الفرق بن الفرق ، ص ٣٤٩.

٤٣

وقال أبو حامد الغزالي : ولم يكن نصَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام أصلاً ، إذ لو كان لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة والأمراء على الجنود في البلاد ، ولم يخْفَ ذلك ، فكيف خفي هذا؟ وإن ظهر فكيف اندرس حتى لم يُنقَل إلينا؟ فلم يكن أبو بكر إماماً إلا بالاختيار والبيعة (١).

وقال الإيجي في المواقف : المقصد الرابع : في الإمام الحق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عندنا أبو بكر ، وعند الشيعة علي رضي‌الله‌عنه. لنا وجهان : الأول : أن طريقه إما النص أو الإجماع. أما النص فلم يوجد لما سيأتي ، وأما الإجماع فلم يوجد على غير أبي بكر اتفاقاً (٢).

وقال النووي : إن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ، ويجوز له تركه ، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا ، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر (٣).

وقال في شرح الحديث الآتي : وفي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينص على خليفة ، وهو إجماع أهل السنة وغيرهم (٤).

وقال ابن كثير : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينص على الخلافة عيناً لأحد من الناس ، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنّة ، ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة (٥).

هذا مضافاً إلى أنهم رووا أحاديث واضحة الدلالة على أن النبي لم يستخلف أبا بكر :

منها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، والترمذي وأبو داود

__________________

(١) قواعد العقائد ، ص ٢٢٦.

(٢) المواقف ، ص ٤٠٠.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ / ٢٠٥.

(٤) المصدر السابق ١٢ / ٢٠٥.

(٥) البداية والنهاية ٥ / ٢١٩.

٤٤

في سُننهم ، وأحمد في المسند وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قيل لعمر : ألا تستخلف؟ فقال : إن أستخلف فقد استخلف مَن هو خير مني : أبو بكر ، وإن أترك فقد ترك مَن هو خير مني : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فأثنوا عليه ، فقال : راغب وراهب ، وددتُ أني نجوت منها كفافاً ، لا لي ولا عليَّ ، لا أتحمّلها حيّاً وميّتاً (١).

فالنتيجة أن بيعة أبي بكر لم تكن بنص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

بيعة أبي بكر لم تكن بالإجماع :

إذا اتضح أن خلافة أبي بكر لم تكن بالنص ، فهل انعقد الإجماع عليها أم لا؟

تحرير الكلام في هذه المسألة من جهتين :

الجهة الأولى : أن الإجماع هل يصلح أن يكون دليلاً في مسألة الخلافة أم لا؟

لا ريب في أن الإجماع لا يصلح أن يكون دليلاً في هذه المسألة ، فلا بد لمن يتولى الخلافة من مستند شرعي يصحِّح خلافته ، وأما اتفاق الناس عليه فليس بحُجّة ، لأن كل واحد من الناس يجوز عليه الخطأ ، واحتمال الخطأ لا ينتفي بضم غيره إليه ، ولا سيما إذا كان اجتماعهم حاصلاً بأسباب مختلفة : كخوف بعضهم من حصول الفتنة ، وكراهة بعض آخر من إبداء الخِلاف ، وخوف آخرين من الامتناع عن البيعة ، أو ما شاكل ذلك مما سيأتي بيانه ، فحينئذ لا يكون هذا مشمولاً لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تجتمع أمتي على

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٥٦ الاحكام ، ب ٥١ ح ٧٢١٨. صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٤ الإمارة ، ب ٢ ح ١٨٢٣ : ١١ ، ١٢. سنن الترمذي ٤ / ٥٠٢ ح ٢٢٢٥ قال الترمذي : وهذا حديث صحيح. سنن أبي داود ٣ / ١٣٣ ح ٢٩٣٩. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢ / ٥٦٧ ح ٢٥٤٦. مسند أحمد بن حنبل ١ / ٢٨٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٩ ح ٢٩٩ ، ٣٢٢ ، ٣٣٢.

٤٥

ضلالة » ، لأن الأمة هنا لم تجتمع على ضلالة ، بل جُمِعَت وأُكرهتْ ، وهذا لا مانع من حصوله ، كما حصل في زمن الأمويين والعباسيين ، إذ أكرَهوا الناس على بيعتهم ، فحينئذ لا تكون تلك الخلافة شرعية.

الجهة الثانية : أن أهل السنة حكموا بأن بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة وقعت صحيحة من أول يوم مع أنها لم تكن عامّة ، ولم يتحقق إجماع عليها في أول يوم ، وقالوا : إن البيعة العامة حصلت في اليوم التالي. ولو سلّمنا بحصول الإجماع بعد ذلك ، فما هو المصحِّح لها قبل تحقق الإجماع؟

ثم إن قوماً ـ سيأتي ذِكرهم ـ من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبايعوا أبا بكر ، وامتنعوا عن البيعة ، ولم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر إن صحَّت عنهم الرواية.

قال ابن الأثير في اُسد الغابة : وكانت بيعتهم ـ يعني مَن تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر ـ بعد ستة أشهر على القول الصحيح (١).

فإذا كانت بيعة أبي بكر صحيحة لأجل الإجماع فالإجماع لم يتحقق ، وإن كانت صحيحة لأمر آخر ، فلا بد من بيانه لننظر فيه هل هو صحيح أم لا.

والذي ذكره بعض علمائهم هو أنهم صحَّحوا خلافة أبي بكر ببيعة أهل الحل والعقد عندهم ، لا بالإجماع. ولذلك صدحَت كلماتهم بذلك وبعدم اشتراط تحقق الإجماع في بيعة الخلفاء.

قال الإيجي في المواقف : وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة ، فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع ، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف ، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك ، كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم يشترطوا اجتماع مَن في المدينة فضلاً عن اجتماع الأمة. هذا ولم ينكر عليه أحد ، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا

__________________

(١) اُسد الغابة ٣ / ٣٣٠.

٤٦

هذا (١).

وقال الجويني المعروف بإمام الحرمين : اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع ، بل تنعقد الإمامة وإن لم تُجمِع الأمّة على عقْدها ، والدليل عليه أن الإمامة لما عُقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين ، ولم يتأنَّ لانتشار الأخبار إلى مَن نأى من الصحابة في الأقطار ، ولم يُنكِر مُنكِر. فإذا لم يُشترط الإجماع في عقد الإمامة لم يَثبُت عدد معدود ولا حَدّ محدود ، فالوجه الحكم بأن الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد (٢).

وقال الماوردي في الأحكام السلطانية : اختلف العلماء في عدد مَن تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى ، فقالت طائفة : لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ، ليكون الرضا به عامّاً ، والتسليم لإمامته إجماعاً ، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي‌الله‌عنه على الخلافة باختيار مَن حضرها ، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها (٣).

الجهة الثالثة : أن الإجماع لم يتم لأحد من هذه الأمة ، حتى مَن اتفق أهل السنة والشيعة على صحّة خلافته ، كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يبايعه أهل الشام قاطبة ، وامتنع جمع من الصحابة عن بيعته ، كعبد الله بن عمر وزيد بن أرقم ومحمد بن مسلمة وغيرهم.

وأما أبو بكر فقد اعترف الإيجي بعدم انعقاد الإجماع على خلافته كما مرّ ، وتخلّف عن بيعته أمير المؤمنين عليه‌السلام وبنو هاشم قاطبة وجمع آخر من الصحابة. وقد نصَّ على ذلك جمع من أعلام أهل السنة في كتبهم ومصنَّفاتهم ، وإليك بعض ما ذكروه :

__________________

(١) المواقف ، ص ٤٠٠.

(٢) الإرشاد ، ص ٤٢٤ عن كتاب الالهيات ٢ / ٥٢٣.

(٣) الأحكام السلطانية ، ص ٣٣.

٤٧

١ ـ الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ذكر تخلّفه عن بيعة أبي بكر : البخاري ومسلم في صحيحيهما ، عن عائشة في حديث قالت : وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ... (١).

وذَكَر تخلّفه عليه‌السلام أيضاً ابن حجر في فتح الباري ، ونقله عن المازري (٢). وكذا ذكره ابن الأثير في اُسد الغابة (٣) ، وفي الكامل في التاريخ (٤) ، والحلبي في السيرة الحلبية (٥) ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة (٦) ، والطبري في الرياض النضرة (٧) ، واليعقوبي في تاريخه ، وأبو الفداء في المختصر في أخبار البشر (٨).

٢ ـ عامة بني هاشم : ذَكَر تخلّفهم ابن الأثير في اُسد الغابة (٩) ، وفي الكامل في التاريخ (١٠).

وقال المسعودي في مروج الذهب : ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها (١١). وكذا ذكره الحلبي في السيرة الحلبية (١٢).

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٢٨٦ المغازي ، ب ٣٨ ح ٤٢٤٠. صحيح مسلم ٣ / ١٣٨٠ الجهاد والسير ، ب ١٦ ح ١٧٥٩.

(٢) فتح الباري ٧ / ٣٩٨.

(٣) اُسد الغابة ٣ / ٣٢٩.

(٤) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٥ ، ٣٣١.

(٥) السيرة الحلبية ٣ / ٤٨٤.

(٦) الإمامة والسياسة ، ص ١٢.

(٧) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(٨) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(٩) اُسد الغابة ٣ / ٣٢٩.

(١٠) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٥ ، ٣٣١.

(١١) مروج الذهب ٢ / ٣٠١.

(١٢) السير الحلبية ٣ / ٤٨٤ ، إلا أنه ذكر العباس ، وقال : وجمع من بني هاشم.

٤٨

وذَكَر اليعقوبي في تاريخه من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفضل بن العباس (١). وذكر الطبري في الرياض النضرة العباس وبنيه (٢).

٣ ـ سعد بن عبادة الأنصاري زعيم الخزرج : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة (٣). وقال المسعودي : وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فصار إلى الشام ، فقُتل هناك في سنة خمس عشرة (٤). وكذا ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (٥) ، والطبري في الرياض النضرة (٦).

٤ ـ الزبير بن العوام : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة (٧) ، وفي الكامل في التاريخ (٨) ، والحلبي في السيرة الحلبية (٩) ، والطبري في الرياض النضرة (١٠) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (١١).

٥ ـ خالد بن سعيد بن العاص الأموي : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في أسد الغابة (١٢) ، والمحب الطبري في الرياض النضرة (١٣) ، واليعقوبي وأبو الفداء في

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩.

(٢) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(٣) اُسد الغابة ٣ / ٣٢٩.

(٤) مروج الذهب ٢ / ٣٠١.

(٥) الإمامة والسياسة ، ص ١٠.

(٦) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(٧) اُسد الغابة ٣ / ٣٢٩.

(٨) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٥ ، ٣٣١.

(٩) السيرة الحلبية ٣ / ٤٨٤.

(١٠) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(١١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(١٢) اُسد الغابة ٣ / ٣٢٩.

(١٣) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

٤٩

تاريخيهما (١).

٦ ـ طلحة بن عبيد الله : ذَكَر تخلّفه ابن الأثير في الكامل في التاريخ (٢) ، والحلبي في السيرة الحلبية (٣) ، والطبري في الرياض النضرة (٤).

٧ ـ المقداد بن الأسود : ذَكَر تخلّفه : الحلبي في السيرة الحلبية (٥) ، واليعقوبي في تاريخه (٦) ، والطبري في الرياض النضرة (٧) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (٨).

٨ ـ سلمان الفارسي : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (٩) ، والطبري في الرياض النضرة (١٠) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (١١).

٩ ـ أبو ذر الغفاري : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (١٢) ، والطبري في الرياض النضرة (١٣) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (١٤).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٥.

(٣) السيرة الحلبية ٣ / ٤٨٤.

(٤) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(٥) السيرة الحلبية ٣ / ٤٨٤.

(٦) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣.

(٧) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(٨) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(٩) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣.

(١٠) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(١١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(١٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣.

(١٣) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(١٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

٥٠

١٠ ـ عمار بن ياسر : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (١) ، والطبري في الرياض النضرة (٢) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (٣).

١١ ـ البراء بن عازب : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (٤) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (٥).

١٢ ـ أُبَي بن كعب : ذَكَر تخلّفه اليعقوبي في تاريخه (٦) ، واليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (٧).

١٣ ـ عتبة بن أبي لهب : ذَكَر تخلّفه أبو الفداء في تاريخه ، وقال : إنه قال :

ما كنتُ أحسبُ أن الأمرَ منصرفٌ

عن هاشمٍ ثم منهم عن أبي حسنِ

عن أولِ الناسِ إيماناً وسابقةٌ

وأعلمِ الناسِ بالقرآنِ والسُّنَنِ

وآخرِ الناسِ عهداً بالنبيِّ ومَنْ

جبريلُ عونٌ له في الغُسْلِ والكفَنِ

مَن فيه ما فيهمُ لا يمترون بهِ

وليس في القومِ ما فيه من الحسَنِ (٨)

١٤ ـ أبو سفيان : ذكر تخلّفه اليعقوبي وأبو الفداء في تاريخيهما (٩).

وفي ذِكر هؤلاء القوم كفاية في الدلالة على عدم تحقق إجماع الصحابة على بيعة أبي بكر.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣.

(٢) الرياض النضرة ١ / ٢٤١.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(٦) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣.

(٧) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

(٨) المصدران السابقان.

(٩) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠. تاريخ أبي الفداء ١ / ٢١٩.

٥١

بيعة أبي بكر كانت فلتة :

أخرج البخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والحميدي والموصلي في الجمع بين الصحيحين وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم عن ابن عباس في حديث طويل أسموه بحديث السقيفة ، قال فيه عمر : إنما كانت بيعة أبي بكر فَلْتَة وتمَّت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرَّها ... مَن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايعَه تغرَّة أن يُقتَلا (١).

وفي رواية أخرى : ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وقى الله المؤمنين شرَّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

وذكر هذا الحديث من علماء أهل السنة : السيوطي في تاريخ الخلفاء ، وابن كثير في البداية والنهاية ، وابن هشام في السيرة النبوية ، وابن الأثير في الكامل ، والطبري في الرياض النضرة ، والدهلوي في مختصر التحفة الاثني عشرية ، وغيرهم (٢).

تأملات في الحديث :

قول عمر : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة.

قال ابن منظور في لسان العرب : يقال : كان ذلك الأمر فلتة ، أي فجأة إذا لم يكن عن تدبّر ولا تروّ ، والفلتة : الأمر يقع من غير إحكام (٣).

وقال ابن الأثير في تفسير ذلك : أراد بالفلتة الفجأة ... والفلتة كل شيء

____________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٢١٠ الحدود ، باب رجم الحبلى من الزنا ، ٤ / ٢١٣٠ ح ٦٨٣٠. مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٢٣ ح ٣٩١. الجمع بن الصحيحين للحميدي ١ / ١٠٤. الجمع بين الصحيحين للموصلي ١ / ٢٦٠. المصنف ٧ / ٤٣١ ح ٣٧٠٣١ ، ٣٧٠٣٢.

(٢) تاريخ الخلفاء ، ص ٥١. البداية والنهاية ٥ / ٢١٥. السيرة النبوية ٤ / ٦٥٧. الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٦. الرياض النضرة ١ / ٢٣٣. مختصر التحفة الاثني عشرية ، ص ٢٤٣.

(٣) لسان العرب ٢ / ٦٧.

٥٢

فُعل من غير روية (١).

وقال المحب الطبري : الفلتة : ما وقع عاجلاً من غير تروٍّ ولا تدبير في الأمر ولا احتيال فيه ، وكذلك كانت بيعة أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، كأنهم استعجلوا خوف الفتنة ، وإنما قال عمر ذلك لأن مثلها من الوقائع العظيمة التي ينبغي للعقلاء التروي في عقدها لعظم المتعلق بها ، فلا تبرم فلتة من غير اجتماع أهل العقد والحل من كل قاصٍ ودانٍ ، لتطيب الأنفس ، ولا تَحمل من لم يُدْعَ إليها نفسُه على المخالفة والمنازعة وإرادة الفتنة ، ولا سيما أشراف الناس وسادات العرب ، فلما وقعت بيعة أبي بكر على خلاف ذلك قال عمر ما قال. ثم إن الله وقى شرَّها ، فإن المعهود في وقوع مثلها في الوجود كثرة الفتن ، ووقوع العداوة والإحن ، فلذلك قال عمر : وقى الله شرَّها (٢).

أقول : إذا كانت بيعة أبي بكر فلتة ، قد وقعت بلا تدبير ولا تروّ ، ومن غير مشورة أهل الحل والعقد ، فهذا يدل على أنها لم تكن بنص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا نص صريح كما ادّعاه بعض علماء أهل السنة ، ولا نص خفي وإشارة مُفهِمة كما ادّعاه بعض آخر ، لأن بيعته لو كانت مأموراً بها تصريحاً أو تلميحاً من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لَكانت بتدبير ، ولَما كان للتروي ومشاورة الناس فيها مجال بعد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها.

ثم إن وصف هذه البيعة بالفلتة مشعر بأن أبا بكر لم يكن أفضل صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنَّ كل ما رووه بعد ذلك في أفضليته على سائر الصحابة إنما اختُلق لتصحيح خلافته وخلافة مَن جاء بعده ، ولصرف النظر عن أحقيَّة غيره ، وإلا لو كانت أفضليّته معلومة عند الناس بالأحاديث الكثيرة التي رووها في ذلك ، لَما كان صحيحاً أن تُوصف بيعة أفضل الناس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنهاوقعت بلا تروّ وتدبير ، لأن التروي والتدبير إنما يُطلَبان للوصول إلى

__________________

(١) النهاية في غريب الحديث ٣ / ٤٦٧.

(٢) الرياض النضرة ١ / ٢٣٧.

٥٣

بيعة الأفضل لا لأمر آخر ، فإذا تحققت هذه البيعة فلا موضوعية للتروي أصلاً.

وقول عمر : « إلا أن الله وقى شرّها » يدل على أن تلك البيعة فيها شرّ ، وأنه من غير البعيد أن تقع بسببها فتنة ، إلا أن الله سبحانه وقى المسلمين شرَّها.

والشرّ الذي وقى الله هذه الأمة منه هو الاختلاف والنزاع ، وإن كان قد وقع النزاع والشجار في سقيفة بني ساعدة ، وخالف أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحاب فامتنعوا عن البيعة كما مرَّ البيان ، لكن هذا الخلاف لم يُشهر فيه سيف ، ولم يُسفك فيه دم.

إلا أن فتنة الخلاف في الخلافة باقية إلى اليوم ، وما افتراق المسلمين إلى شيعة وسُنّة إلا بسبب ذلك.

ومَن يتتبَّع حوادث الصدر الأول يجد أن الظروف التاريخية ساعدت أبا بكر وعمر على تولّي الأمر واستتبابه لهما ، مع عدم أولويتهما بالأمر واستحقاقهما له ، وذلك يتَّضح بأمور :

١ ـ إن انشغال أمير المؤمنين عليه‌السلام وبني هاشم بتجهيز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حال دون ذهابه إلى السقيفة ، واحتجاجه على القوم بما هو حقّه. كما أن غفلة عامة المهاجرين وباقي الأنصار عما تمالأ عليه القوم في السقيفة ، وحضور أبي بكر وعمر وأبي عبيدة دون غيرهم من المهاجرين ، جَعَل الحجّة لهم على الأنصار ، إذ احتجوا عليهم بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من قريش.

ولأنه لم يكن من قريش في السقيفة غيرهم ، فالخلافة لا بد حينئذ من أن تنحصر فيهم ، لأن القوم كانوا عقدوا العزم على اختيار خليفة من بين مَن حضروا في السقيفة ، لا يثنيهم عن ذلك شيء.

وقد سارع في تحقّق البيعة لأبي بكر ما كان بين الأوس والخزرج من المشاحنات المعروفة ، وما كان بين الخزرج أنفسهم من الحسد ، ولذلك بادر

٥٤

بشير بن سعد (١) فبايع أبا بكر.

فقال له الحباب بن المنذر (٢) : يا بشير بن سعد ، عقَقْتَ عقاق ، ما أحوجك إلى ما صنعت؟ أنفستَ على ابن عمك الإمارة؟ (٣)

قال الطبري في تاريخه ، وابن الأثير في الكامل : ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، قال بعضهم لبعض ، وفيهم أسيد بن حضير ، وكان أحد النقباء : والله لئن وَلِيَتْها الخزرج عليكم مرة ، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم نصيباً ، فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه ، فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم (٤).

فكان نظر أبي بكر وعمر أن الخلافة لا يصح أن تكون إلا في قريش ، وكان لا بد من الإسراع في بيعة رجل من قريش لئلا تُجعل في غيرهم.

قال المحب الطبري : وخشي ـ يعني أبا بكر ـ أن يخرج الأمر عن قريش ، فلا تدين العرب لمن يقوم به من غير قريش ، فيتطرق الفساد إلى أمر هذه الأمة ، ولم يحضر معه في السقيفة من قريش غير عمر وأبي عبيدة ، فلذلك دّلَّ عليهما ،

__________________

(١) بشير بن سعد والد النعمان بن بشير ، من الخزرج. قال ابن الاثير في اُسد الغابة ١ / ٣٩٨ : شهد بدراً وأحداً والمشاهد بعدها ، يقال : إنه أول من بايع أبا بكر رضي‌الله‌عنه يوم السقيفة من الأنصار ، وقتل يوم عين تمر مع خالد بن الوليد بعد انصرافه من اليمامة سنة اثنتي عشرة.

(٢) هو الحباب من المنذر بن الجموح الأنصاري ، من الخزرج. قال ابن الاثير في أسد الغابة ١ / ٦٦٥ : شهد بدراً وهو أبن ثلاث وثلاثين سنة ... وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقال له : ذو الرأي. وهو القائل يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك وعُذيقها المرجب ، منا أمير. وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب.

(٣) يعني أنك حسدت سعد بن عبادة أو الحباب نفسه لأنه دعا إلى نفسه ، فبادرت إلى مبايعة أبي بكر ، لئلا ينالها سعد أو الحباب.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٤٥٨. الكامل في التاريخ ٢ / ٣٣١.

٥٥

ولم يمكنه ذِكر غيرهما ممن كان غائباً خشية أن يتفرّقوا عن ذلك المجلس من غير إبرام أمر ولا إحكامه ، فيفوت المقصود ، ولو وَعَدوا بالطاعة لمن غاب منهم حينئذ ما أَمِنَهم على تسويل أنفسهم إلى الرجوع عن ذلك (١).

ولأجل هذا المعنى اعتذر عمر بن الخطاب نفسه في حديث السقيفة عن مسارعتهم في بيعة أبي بكر ، وعدم تريّثهم لمشاورة باقي المسلمين ، فقال :

وإنَّا والله ما وجَدْنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقْنا القوم ولم تكن بيعة ، أن يُبايِعوا رجلاً منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على ما لا نرضى ، وإما نخالفهم فيكون فساد.

وأشار أبو بكر إلى ذلك في خطبته في المسجد بعد ذلك ، معتذراً للناس عن قبوله البيعة لنفسه ، فقال :

والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط ، ولا كنت راغباً فيها ، ولا سألتها الله في سِرّ ولا علانية ، ولكن أشفقت من الفتنة (٢).

وأخرج أحمد في المسند أن أبا بكر قال : فبايَعوني لذلك ، وقبلتُها منهم ، وتخوَّفتُ أن تكون فتنة تكون بعدها رِدَّة (٣).

٢ ـ إن ما أُصيب به الإسلام والمسلمون من المصيبة العظمى والداهية الكبرى بفقد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تبعه من حوادث ، جعل كثيراً من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتجنَّبون الخِلاف والنزاع. فبعد أن علموا أن البيعة تمَّت لأبي بكر في السقيفة ، رأوا أنهم إما أن يرضوا بما وقع ، وفيه ما فيه ، أو يُظهروا الخلاف فيكون الأمر أسوأ والحالة أشد ، والمسلمون أحوج ما يكونون إلى نبذ الفرقة ولم الشمل ، فبايعوا أبا بكر ، وكانت بيعتهم من باب دفع الأفسد في نظرهم بالفاسد.

__________________

(١) الرياض النضرة ١ / ٢٣٨.

(٢) السيرة الحلبية ٣ / ٤٨٤. وراجع مروج الذهب ٢ / ٣٠١.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٤١ ح ٤٢ ، قال أحمد شاكر : إسناده صحيح.

٥٦

وكان كثير من الصحابة يتجنّبون الخلاف حتى مع علمهم بالخطأ ، ويرون فعل الخطأ مع الوفاق ، أولى من فعل الحق مع الخلاف.

ومن ذلك ما أخرجه أبو داود في السنن عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلّى عثمان بمنى أربعاً ، فقال عبد الله : صليت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتين ، ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين. زاد عن حفص : ومع عثمان صدراً من إمارته ، ثم أتمَّها ... ثم تفرَّقت بكم الطرُق ، فلَوددتُ أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبَّلتين ... فقيل له : عِبْتَ على عثمان ثم صلَّيتَ أربعاً؟ قال : الخلاف شر (١).

ورواه أحمد في المسند عن أبي ذر (٢). ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود ، وفيه أنه قال : ولكن عثمان كان إماماً ، فما أخالفه ، والخلاف شر (٣).

وكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً ، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين (٤).

٣ ـ أن عمر بن الخطاب كان يعضِّد أبا بكر ويقوّيه ، وعمر معروف بالشدة والغلظة ، فلذلك خاف قوم من مخالفة أبي بكر وعمر في هذا الأمر ، وأُجبر قوم آخرون على البيعة (٥) ، فاستتبَّ الأمر بذلك لأبي بكر.

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ / ١٩٩ ح ١٩٦٠.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٣١ / ٢٠٥ ح ٢١٥٤١.

(٣) السنن الكبرى ٣ / ١٤٤.

(٤) صحيح مسلم ١ / ٤٨٢.

(٥) ذكر الطبري في تاريخه أن سعد بن عبادة قال يوم السقيفة لأبي بكر : إنك وقومي أجبرتموني على البيعة. فقالوا له : إنا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعة ، ولكنا أجبرنا على الجماعة فلا إقالة فيها ، لئن نزعت يداً من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك.

٥٧

فإذا كانوا قد كشفوا بيت فاطمة لأخذ البيعة من أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، ولم يراعوا لبيت فاطمة الزهراء عليه‌السلام حرمة ، فعدم مراعاة غيرها من طريق أولى ، وإن قهْرهم لعلي عليه‌السلام لأخذ البيعة منه (٢) ، مع ما هو معلوم من شجاعته وقربه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يجعل غيره لا يمتنع عن البيعة.

ومن شدة عمر في هذا الأمر أنه كان من الذين نَزَوا على سعد بن عبادة يوم السقيفة وكادوا يقتلونه ، وقد ذكر ذلك عمر في حديث السقيفة ، فقال :

__________________

(١) ذكر المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٣٠١ أن أبا بكر لما احتضر قال : ما آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتها ، وددت أني تركتها ، وثلاث تركتها وددت أني فعلتها ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، فأما الثلاث التي فعلتها ، ووددت أني تركتها ، فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة. وفي الإمامة والسياسة ، ص ١٨ : فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهن : فليتني تركت بيت علي وإن كان أعلن عليّ الحرب ... وذكر هجوم القوم على بيت فاطمة أيضاً : اليعقوبي في تاريخه ٢ / ١١. وأبو الفداء في تاريخه ١ / ٢١٩. وأبن قتيبة في الإمامة والسياسة ، ص ١٣ كما سيأتي.

(٢) قال أبن قتيبة في الإمامة والسياسة ، ص ١٣ : ثم قام عمر ، فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، فلما سمعت اصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وأبن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا باكين ... وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا علياً ، فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع ...

وقال أبو الفداء في تاريخه ١ / ٢١٩ : ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها ، وقال : إن أبوا عليك فقاتلهم. فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ، فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت : إلى أين يا ابن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة ... ونظم هذا المعنى حافظ إبراهيم ، فقال :

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها

وهو كثير في كتب التاريخ يجده المتتبع.

٥٨

ونزَوْنا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة. فقلت : قتل الله سعد بن عبادة.

وهو الذي ضرب يد الحباب بن المنذر يوم السقيفة فندر السيف منها.

قال الطبري في تاريخه : لما قام الحباب بن المنذر ، انتضى سيفه وقال : أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب ... فحامله عمر ، فضرب يده ، فندر السيف فأخذه ، ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد (١).

وزبدة المخض أن أكثر الصحابة ـ المهاجرين منهم والأنصار ـ أعرضوا عن النصوص المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة الخلافة ، وصدرت منهم اجتهادات خالفوا بها النصوص الثابتة ، ثم التمسوا لهم الأعذار فيها ، والتمس مَن جاء بعدهم لهم ما يصحِّح اجتهاداتهم تلك.

ويدلّ على ذلك أن الأنصار اجتمعوا في السقيفة وهم كثرة ، ليختاروا منهم خليفة للمسلمين ، مع أنهم يعلمون ـ كما في حديث السقيفة ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الأئمة من قريش » ، فتجاوزوا هذا النص الصريح الواضح في هذه المسألة حرصاً منهم على الإمارة ، كما أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : إنكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فَنِعْمَ المرضعة ، وبئس الفاطمة (٢).

وكان ذلك مصداقاً لما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٤٥٩.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٣٤ الاحكام ، ب ٧ ح ٧١٤٨. سنن النسائي ٧ / ١٨١ ح ٤٢٢٢ ، ٨ / ٦١٧ ح ٥٤٠٠. صحيح سنن النسائي ٢ / ٤٥٧ ، ١٠٩٠. مسند أحمد بن حنبل ٢ / ٤٤٨ ، ٤٧٦. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٧ / ٨. السنن الكبرى ٣ / ١٢٩ ، ١٠ / ٩٥. الترغيب والترهيب ٣ / ٩٨. مشكاة المصابيح ٢ / ١٠٨٩. حلية الاولياء ٧ / ٩٣. شرح السنة ١ / ٥٧ ، ١٤ / ٥٨. الجامع الصغير ١ / ٣٨٨ ح ٢٥٣٨. صحيح الجامع الصغير ١ / ٣٨٨ ح ٢٣٠٤. سلسلة الأحاديث الصحيحة ٦ : ١ / ٧٠ ح ٢٥٣٠.

٥٩

وغيرهما عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها (١).

وفي رواية أخرى ، قال : ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها (٢).

وبالجملة فإن قلنا : إنه يشترط في الخليفة أن يكون قرشياً فلا يجوز للأنصار أن يبايعوا رجلاً منهم ، وإن قلنا : إن اختيار الخليفة لا بد أن يكون بالشورى ، فحينئذ لا يحق لِمَن حضر في السقيفة أن يختاروا خليفة منهم دون مشورة باقي المسلمين ، ولا سيما أنه لم يحضر من المهاجرين إلا ثلاثة نفر : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة.

ثم إن احتجاج أبي بكر وعمر بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم وهم عشيرته ، ولا يصلح لخلافته رجل من غيرهم (٣) ، يستلزم أن يكون الخليفة من بني هاشم ، ومن آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخصوص.

ولذلك احتج أمير المؤمنين عليهم بما احتجوا به على غيرهم ، فقال فيما نُسب إليه :

فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورَهم

فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ٣٩٩ الجنائز ، ب ٧٢ ح ١٣٤٤ ، ٣ / ١١١٠ المناقب ، ب ٢٥ ح ٣٥٩٦ ، ٤ / ٢٠٥٩ الرقاق ، ب ٥٣ ح ٦٥٩٠. صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٥ الفضائل ، ب ٩ ح ٢٢٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ / ١٢٣٤ المغازي ، ب ١٧ ح ٤٠٤٣.

(٣) ذكر الطبري في تاريخه ٢ / ٤٥٧ ، وابن الاثير في الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٩ خطبة أبي بكر يوم السقيفة ، فذكر المهاجرين وبين فضلهم على غيرهم ، فكان مما قال : فهم أول من عبد الله في الارض ، وآمن بالله والرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحق بهذا الامر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم. وكان مما قاله عمر : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدْلٍ بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة. وقال أبو عبيدة : ألا إن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش ، وقومه أولى به.

٦٠