موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

والقول بالصحّة إجارة في الفرضين ضعيف ، وأضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحّة في الثاني دون الأوّل (١).

______________________________________________________

الحكم بالبطلان إجارة.

وعلى أيّ حال ، فجميع ما ذكر في هذا المثال جارٍ في المثال الآخر المذكور في المتن أعني قوله : إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان ، وإن عملته في الغد فلك درهم بمناطٍ واحد صحّةً وفساداً كما لا يخفى.

(١) لم نعثر على هذا القائل ، كما لم يتّضح مستنده. والمعروف بينهم ما عرفت من اتّحاد الفرضين قولاً وقائلاً ودليلاً ، ولا يبعد أن تكون العبارة سهواً من قلمه الشريف ، وصحيحها عكس ذلك بأن يلتزم بالصحّة في الأوّل دون الثاني.

إذ قد نسب إلى جماعة منهم الشيخ وصاحب الكفاية (١) التردّد في الثاني مع بنائهم على الصحّة في الأوّل ، ففرّقوا بينهما ولو على سبيل الترديد.

ولعلّ وجه الترديد ما عرفت من اختصاص الصحّة بعنوان الإجارة بموارد الأقلّ والأكثر المنطبق على الفرض الأوّل ، أعني : الخياطة بدرز أو درزين بوضوح.

وأمّا انطباقه على الفرض الثاني فلا يخلو عن نوع من الخفاء ، نظراً إلى أنّ الزمان بالنسبة إلى العمل يعدّ كالمقوّم في نظر العرف ، ومن ثمّ كانت الخياطة المقيّدة بالوقوع في هذا اليوم مباينة مع الخياطة في الغد ، كالصلاة الواقعة ما بين الطلوعين بالإضافة إلى صلاة المغرب ، وكالصوم في شهر رمضان بالنسبة إلى

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٥٠٩ ، وانظر الكفاية : ١٢٥ ونسبه صاحب الجواهر ٢٧ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الصوم في شعبان ، فالزمان بالنسبة إلى الأعمال والأفعال مقدّر ومعدّد وموجب لامتياز فرد عن فرد آخر ، ولأجله كانت الخياطة في اليومين من الفردين المتباينين المحكوم فيهما ببطلان الإجارة ، لا من قبيل الأقلّ والأكثر.

ويندفع برجوع هذا المثال أيضاً إلى الأقلّ والأكثر ، غايته بحسب التحليل العقلي لا التركيب الخارجي كما في المثال الأوّل ، فيكون الفرق بينهما كالفرق بين الأجزاء والشرائط في جريان البراءة في الأقلّ والأكثر ، حيث إنّ الأكثر يشتمل على الأقلّ وزيادة بحسب الوجود العيني في المركّبات الخارجيّة ، وبحسب التحليل العقلي في المركّبات التحليليّة كالمطلق والمشروط ، فإنّ الرقبة المؤمنة تحتوي على مطلق الرقبة بزيادة التقيد بالإيمان ، فالمطلق موجود في ضمن المقيّد لدى التحليل ، فإذا دار الأمر بينهما كان من قبيل الدوران بين الأقلّ والأكثر.

وفي المقام أيضاً كذلك ، حيث جعل درهم بإزاء طبيعيّ الخياطة الجامعة ما بين اليوم والغد ودرهم آخر بإزاء خصوصيّة الإيقاع في هذا اليوم ، فيرجع الأمر إلى جعل الدرهم بإزاء الخياطة على كلّ تقدير ، وأنّه إن أضفت إليها هذه الخصوصيّة فلك درهم آخر.

ولا يبعد أن يكون هذا هو المتعارف في أمثال المقام ، فيعطيه مثلاً رسالة ليوصلها إلى كربلاء بدرهم ، ويقول له : إن أوصلتها في هذا اليوم فلك درهم آخر. فيكون طبعاً من قبيل الأقلّ والأكثر ، وإن كان الأمر في المثال الأوّل أظهر ، لسلامته عن تطرّق هذه الخدشة التي من أجلها تأمّل في المثال الثاني مَن لم يتأمّل في المثال الأوّل حسبما عرفت.

٨٢

وعلى ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير العمل يستحقّ اجرة المثل ، (*) وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهراً أو أقلّ أو أكثر (١).

______________________________________________________

(١) فيستحقّ صاحب الدار اجرة المثل للمنفعة التي استوفاها المستأجر كما يستحقّ العامل اجرة مثل عمله ، إذ بعد أن لم يمض الشارع الأُجرة المسمّاة بمقتضى افتراض فساد الإجارة فوجودها كالعدم وكأنّ العقد لم يكن ، وبما أنّ عمل العامل كمال المالك محترم لا يذهب هدراً وقد وقع بأمر المستأجر وهو الذي استوفاه وأتلفه ، فلا جرم يضمن لصاحبه اجرة المثل.

هكذا ذكره الماتن وغيره من الفقهاء مرسلين له إرسال المسلّمات. ولكن للنظر في إطلاقه مجال واسع.

والوجه فيه : أنّ احترام المال وإن استوجب الضمان لكنّه مراعى بعدم كون المالك بنفسه مقدماً على إلغائه وإسقاطه وسلب احترامه. ومن ثمّ لو أمر زيداً أن يعمل له العمل مجّاناً ففعل لم يكن له بعدئذٍ مطالبة الآمر بالأُجرة ، إذ هو بنفسه ألغى الاحترام وأقدم على المجّان ، فمال المسلم وإن كان محترماً في نفسه إلّا أنّه مخصوص بعدم الإقدام على الإلغاء إمّا كلّاً أو بعضاً ، فلو أقدم على إلغائه بتمامه لم يضمن الطرف الآخر شيئاً ، كما أنّه لو أقدم على إلغاء بعضه لم يضمن بمقدار ما أقدم.

وعليه ، فلو آجر داره كلّ شهر بعشرة دنانير بإجارة فاسدة سواء علم بالفساد أم لا ، وأُجرة مثلها كلّ شهر بخمسين ، لم تكن له المطالبة بالتفاوت ، إذ

__________________

(*) هذا إذا لم تكن اجرة المثل أزيد من وجه الإجارة ، وإلّا لم يستحقّ الزائد فيما إذا كان المؤجر عالماً بالغبن أو كان مقدماً على الإجارة مطلقاً.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

هو بنفسه ألغى احترام ماله وسلّط المستأجر على داره إزاء تلك الأُجرة الضئيلة ، فلأجل أنّه هو المقدم لإسقاط الاحترام بالنسبة إلى هذه الزيادة لم يكن له حقّ المطالبة.

ومن المظنون بل المطمأنّ به أنّ الأمر كذلك حتى في عرف العقلاء بحسب القوانين الدارجة بينهم ، فإنّهم أيضاً لا يلتزمون بالضمان في أمثال هذه الموارد زائداً على ما أقدم عليه المالك ، فلا يطالبون المستأجر بأزيد ممّا عيّن له.

نعم ، لو انعكس الأمر فكانت اجرة المثل أقلّ من المسمّاة لم يكن للمالك وقتئذٍ مطالبة الزائد ، لعدم الملزم لدفعه إلّا الإجارة المفروض فسادها ، فلا مقتضي لضمان المستأجر بأكثر من اجرة المثل (١).

ومنه تعرف أنّه لا يضمن للمالك أو العامل إلّا أقلّ الأُجرتين من المثل أو المسمّاة ، وإن كان الظاهر أنّ كلّ من تعرّض للمسألة خصّ الضمان بأُجرة المثل ، ولا وجه له حسبما عرفت.

ولا فرق فيما ذكرناه بين صورة علم المالك أو العامل بكون المسمّى أقلّ من اجرة المثل وجهله ، لاشتراكهما في صدق الإقدام على إلغاء الاحترام.

نعم ، يفترقان في اختصاص صورة الجهل بما إذا لم يكن التفاوت فاحشاً بحيث كان موجباً لخيار الغبن لو كانت الإجارة صحيحة ، لكون الإقدام المزبور منوطاً ومعلّقاً بمقتضى الشرط الارتكازي على عدم مثل هذه الزيادة ، وإلّا فلا إقدام له من الأوّل ، ويكون المقتضي للإلغاء قاصراً وقتئذٍ.

__________________

(١) نعم ، يصحّ القول بضمانه للأكثر لو كانت الأُجرة عيناً شخصيّة قد استوفاها وأتلفها الطرف الآخر ، لعين ما ذكر من التسليط والإقدام وإلغاء الاحترام.

٨٤

[٣٢٦٩] مسألة ١٢ : إذا استأجره أو دابّته ليحمله أو يحمل متاعه إلى مكان معيّن في وقت معيّن بأُجرة معيّنة كأن استأجر منه دابّة لإيصاله إلى كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان ولم يوصله فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت وعدم إمكان الإيصال فالإجارة باطلة (*) (١) ، وإن كان الزمان واسعاً ومع هذا قصّر ولم يوصله (٢)

______________________________________________________

(١) لعدم القدرة على التسليم بعد انكشاف عدم قابليّة الوقت لوقوع العمل فيه ، وقد مرّ اعتبار القدرة عليه في صحّة الإجارة (١).

(٢) فصّل (قدس سره) حينئذٍ بين ما إذا كان أخذ الزمان على وجه القيديّة فلا يستحقّ شيئاً من الأُجرة ، وبين ما إذا كان على سبيل الشرطيّة فيستحقّ إلّا أنّ للمستأجر خيار تخلّف الشرط ، فإذا فسخ يسترجع الأُجرة المسمّاة ويستحقّ الأجير اجرة المثل.

أقول : ينبغي بسط الكلام حول تحقيق معنى الشرط وما به يمتاز عن القيد وموارد اختلاف أحدهما عن الآخر حسبما يسعه المجال ويقتضيه المقام.

فنقول : إنّ للشرط إطلاقات :

أحدها : ما هو المصطلح عند أهل الفلسفة المعدود لديهم من أجزاء العلّة التامّة وهو الدخيل في تأثير المقتضي لدى ترتّب المقتضي عليه. إمّا من جهة الدخل في قابليّة القابل ، أو في فاعليّة الفاعل.

__________________

(*) إذا كان متعلّق الإجارة هو الدابّة وكان الإيصال شرطاً فهو من اشتراط أمر غير مقدور ، والصحيح فيه صحّة العقد وإلغاء الشرط.

(١) في ص ٣٢ ـ ٣٣.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فالأوّل : كالمماسّة ويبوسة المحلّ بالإضافة إلى تأثير النار في الإحراق ، فإنّ من الواضح أنّ المقتضي للإحراق وما ينشأ منه الأثر إنّما هو النار لا مثل المماسّة وإنّما هي أو اليبوسيّة شرط في تأثير المقتضي في ترتّب الأثر عليه.

والثاني : كالقدرة في تحقّق الفعل الاختياري في الخارج ، فإنّها لم تكن علّة لوجوده ، بل الفعل يستند إلى فاعله وينبعث عن إرادته ، غير أنّ تأثير الإرادة مشروط بالقدرة ، وإلّا فالفاعل قاصر والإرادة غير مؤثّرة.

فالشرط بهذا المعنى يطلق في مقابل المقتضي في اصطلاح الفلسفي.

ثانيها : ما يطلق في باب الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة ، كالوجوب والحرمة ، أو الملكيّة والزوجيّة ، ونحوها. فيقال : إنّ دلوك الشمس مثلاً شرط في وجوب الصلاة ، أو السفر شرط في وجوب القصر ، أو بلوغ العاقد شرط في حصول الملكيّة ، أو الصيغة الخاصّة شرط في تحقّق الزوجيّة ، إلى ما شاكل ذلك ممّا يعدّ من شرائط الأحكام.

فإنّه لا شبهة ولا كلام في عدم كون هذا الإطلاق من سنخ الإطلاق الأوّل ، ضرورة عدم تأثير لمثل الدلوك في وجوب الصلاة لا في فاعليّة الفاعل ولا في قابليّة القابل ، فإنّ الحكم الشرعي أو غيره فعل اختياري يصدر ممّن بيده الحكم وينشأ عن إرادته المستقلّة من غير إناطة بالدلوك الخارجي بتاتاً.

بل المراد من الاشتراط في أمثال المقام الأخذ في الموضوع وجعله مفروض الوجود عند تعلّق الحكم وأنّه لم ينشأ على سبيل الإطلاق ، بل في هذا التقدير الخاصّ ، ففي الحقيقة يرجع الشرط هنا إلى الموضوع كما أنّ الموضوع يرجع إلى الشرط ، فكما أنّ قولنا : الخمر حرام ، يرجع إلى قولنا : إن كان هذا المائع خمراً فهو حرام ، فكذلك جملة إن استطعت فحجّ ، يرجع إلى قولك : المستطيع يحجّ ، فيعبّر عن هذا المؤدّي تارةً بالجملة الحمليّة ، وأُخرى بالجملة الشرطيّة ،

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكلتاهما بمعنى واحد.

وعلى الجملة : فالشروط في باب الأحكام برمّتها قيود ملحوظة في جانب الموضوع أُخذت مفروضة الوجود وإن عبّر عنها بالشرط حسبما عرفت.

ثالثها : ما يطلق في باب متعلّقات الأحكام لا نفس الأحكام من الصلاة والصيام ونحوهما من الواجبات وغيرها كالطهارة والستر والاستقبال بالنسبة إلى الصلاة ونحوها من سائر شرائط المأمور به ، حيث إنّ هذا الإطلاق أيضاً يغاير ما سبق ، فإنّ الشروط هناك قيود في الموضوع ، وهنا في متعلّق التكليف ، فيراد أنّ المأمور به ليس هو الصلاة مثلاً بنحو الإطلاق ، بل حصّة خاصّة من تلك الطبيعة وهي المقترنة بهذه الخصوصيّة ، فهي قيود في المأمور به على نحوٍ يكون التقيّد بها جزءاً فيه ، غايته جزءاً تحليليّاً لا خارجيّاً ، وبهذا امتازت المقيّدات عن المركّبات.

رابعها : ما يطلق في باب العقود والإيقاعات ، أعني : الشروط المجعولة من قبل نفس المتعاقدين لا المعتبرة من ناحية الشرع أو العقلاء ، كاشتراط البائع على المشتري شيئاً ، أو المؤجر على المستأجر ، ونحو ذلك ممّا يشترط في متن عقدٍ أو إيقاع.

فإنّ للشرط هنا معنى آخر مغايراً لجميع ما مرّ ، فقد ذكر الفقهاء في تفسيره : أنّه التزام في ضمن التزام. ومن الظاهر جدّاً أنّهم لا يريدون بهذه العبارة مجرّد الظرفيّة والمقارنة ، ضرورة أنّها بمجرّدها لم تكن موضوعاً لأيّ حكم شرعي ، إذ لنفرض أنّه باع وفي ضمنه أو مقارناً معه وعده بكذا وكذا ، فإنّ التقارن الحاصل بين هذين الالتزامين بما هو وفي حدّ ذاته لا يستوجب الإلزام المستتبع لوجوب الوفاء ما لم تتحقّق بينهما علقة ربطيّة تعقد أحدهما بالآخر.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والكلام في تحليل المراد من هذا الربط المعبّر عنه بالشرط في المقام وأنّه ما معنى الربط هنا ، والشارط يربط أيّ شي‌ء بأيّ شي‌ء؟

الظاهر أنّه يرجع إلى أحد معنيين على سبيل منع الخلوّ ، وربّما يجتمعان :

أحدهما : تعليق الالتزام بالعقد على تقديرٍ خاصّ خارج غالباً عن اختيار المتعاملين ، فهو ينشئ العقد مطلقاً ومن غير أيّ تعليق فيه نفسه ، إلّا أنّه يجعل التزامه بهذا العقد وإنهائه له منوطاً ومعلّقاً على تحقّق أمر أو وصف معيّن ، كما لو باع العبد بشرط أن يكون كاتباً ، فإنّا لو فتّشنا كيفيّة ارتباط البيع بكتابة العبد التي هي أمر اتّفاقي خارجي قد تكون وقد لا تكون نرى أنّ البائع لا يعلّق أصل البيع على الكتابة ولا يجعل الإنشاء البيعي منوطاً بها ، كيف؟! والتعليق في العقود باطل بالإجماع ، كما أنّه ليس بمراد له خارجاً قطعاً. وإنّما يعلّق التزامه بهذا البيع المفروض وقوعه وتحقّقه على كلّ تقدير على وجود تلك الصفة بحيث لولاها لم يكن ملتزماً بهذا البيع وله الحقّ في أن يرفع اليد عنه. وهذا كما ترى مرجعه إلى جعل الخيار على تقدير عدم الكتابة ، ومن المعلوم أنّ التعليق في الالتزام ليس فيه أيّ محذور أو شائبة إشكال.

ثانيهما : تعليق نفس العقد أو الإيقاع على التزام الطرف المقابل بشي‌ء ، فإن التزم وإلّا فلا عقد ولا إيقاع ، وكأنّما لم يصدر منه أيّ إنشاء ، وهذا ظاهر جدّاً في العقود الآبية عن الفسخ والتقايل كالنكاح على المشهور المتصور بل المتسالم عليه ، وإن ناقش فيه في الجواهر واحتمل قبوله للفسخ (١) ، ولكنّه غير واضح ، فإنّ الزوجيّة لا ترتفع إلّا بالطلاق أو بالفسخ بعيوب خاصّة دلّ النصّ عليها.

والأمر في الإيقاع كالطلاق أظهر وأوضح ، لعدم قبوله للفسخ قولاً واحداً. فلو زوّجت نفسها شريطة الاستقلال في السكنى ، أو طلّق زوجته بشرط أن

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ١٥٠ ـ ١٥١.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تفعل كذا وقد قبلت الشرط والتزمت به ، فإنّ معنى الشرط هنا لا يتّحد معه في القسم الأوّل ، لعدم تطرّق الفسخ فيه لكي يؤول إلى جعل الخيار كما آل إليه هناك حسبما عرفت.

فليس معنى الشرط هنا : تعليق الالتزام بالنكاح أو الطلاق على تحقّق ذلك الشي‌ء الذي التزم به الطرف الآخر خارجاً.

بل معناه : أنّ أصل الطلاق أو النكاح معلّق لكن لا على تحقّق ذلك الشي‌ء في الخارج ليكون من التعليق المبطل ، بل على نفس الالتزام به من الطرف المقابل الذي لا ضير في مثل هذا التعليق جزماً.

فإنّه إن لم يلتزم به فعلاً فلا موضوع ولم ينعقد إنشاء من أصله ، إذ قد كان منوطاً في تكوّنه بوجود هذا التقدير ، حيث إنّه قد أنشأ الحصّة الخاصّة المقرونة بفعليّة هذا التقدير حسب الفرض.

وإن التزم به حالاً التزاماً هو بمثابة الموضوع لهذا الإنشاء فقد تحقّق المعلّق والمعلّق عليه معاً في آنٍ واحد. فهذه الإناطة وإن كانت تعليقاً في المنشأ لكنّه تعليق على أمر حالي موجود بالفعل ، ومثله لا يقدح في العقد والإيقاع.

ونتيجة هذا النوع من الاشتراط : أنّه بعد ما التزم بالشرط وتمّ الإيقاع أو العقد كان للشارط مطالبة المشروط عليه وإلزامه بالوفاء ، عملاً بعموم : «المؤمنون عند شروطهم». فلا يتضمّن هذا الشرط إلّا التكليف المحض دون الوضع.

وعلى الجملة : فالشرط في باب المعاملات يرجع إلى أحد الأمرين المزبورين : إمّا تعليق العقد على الالتزام ، وإمّا تعليق الالتزام به على وجود الملتزم به خارجاً ، وثمرته على الأوّل : الإلزام بالوفاء ، وعلى الثاني : جعل الخيار.

وربّما يجتمعان ، كما لو كان الملتزم به فعلاً اختياريّاً في عقدٍ قابل للفسخ ،

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مثل ما لو باع بشرط الخياطة ، فقد اشتمل هذا على تعليق البيع على الالتزام بالخياطة ، فمن ثمّ كانت له المطالبة بها كما اشتمل على تعليق الالتزام به على تحقّقها خارجاً ، ولأجله كان له الفسخ لو تخلّف الشرط ولم تتحقّق الخياطة في الخارج. هذا كلّه ما يرجع إلى الشرط.

وقد اتّضح أنّ مفهومه في الكلّ بمعنى واحد وهو الربط ، ومنه إطلاقه على شريط المساحة ، أو على الخيط الذي يكون بين جدارين أو شجرتين باعتبار كونه رابطاً بين الطرفين ، فليس هو من قبيل الاشتراك اللفظي ، بل في الجميع بمعنى واحد ، غايته أنّ كيفيّة الارتباط ومصاديقه تختلف باختلاف الإطلاقات والموارد حسبما عرفت.

وأمّا القيد فتارةً يكون مورده العين الخارجيّة ، وأُخرى يلاحظ في الكلّي ، وثالثة في الأعمال.

أمّا الأعيان كما لو قال : بعتك هذه العين الشخصيّة بشرط كذا أو آجرتكها على كذا فالشرط المزبور يتصوّر على وجوه ثلاثة :

أحدها : أن يكون من مقوّمات الموضوع باعتبار أنّ له تمام الدخل في ماليّته ، بل في قوامه وعنوانه ، كما لو باعه هذا الجسم الأصفر على أن يكون ذهباً ، أو الحيوان على أن يكون شاة ، ونحو ذلك من التعليق على ما به شيئيّة الشي‌ء وتتقوّم به صورته النوعيّة.

ولا شكّ أنّ مثل هذا يعدّ قيداً مأخوذاً في المبيع ويرجع الشرط إلى التقييد ، أي إلى تعليق البيع بهذا العنوان ، فلا يبيع ولا يشتري إلّا المتّصف بهذا الوصف العنواني ، ولا ضير في مثل هذا التعليق ، ضرورة أنّ ماليّة الشي‌ء إنّما هي بصورته وعنوانه ، فالتعليق على ما يكون عنواناً للمبيع يرجع في الحقيقة إلى ورود البيع على هذا العنوان ، فقوله : بعتك هذا على أن يكون ذهباً ، بمنزلة قوله : بعتك هذا

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الذهب ، فمع تخلّفه ينكشف عدم وقوع البيع من أصله ، فهو قيد مأخوذ في الموضوع وإن عبّر عنه بلسان الشرط.

ثانيها : أن يكون من أعراض المبيع وأوصافه ، كما لو باع العبد بشرط أن يكون كاتباً ، وحيث إنّ العين الشخصيّة جزئي حقيقي ومثله لا سعة فيه ولا إطلاق حتى يكون قابلاً للتقييد ، فيمتنع إذن رجوع الشرط إلى القيد ، إلّا إذا كان على نحو التعليق بحيث يكون البيع معلّقاً على الاتّصاف بالكتابة المستلزم للبطلان حينئذٍ ، لقيام الإجماع على اعتبار التنجيز في العقود وبطلان التعليق فيها.

وبهذا افترق عن القسم السابق ، إذ التقييد فيه وإن رجع أيضاً إلى التعليق حسبما عرفت إلّا أنّ التعليق هناك لم يكن ضائراً بعد كون المعلّق عليه من مقوّمات الموضوع الدخيلة في صورته النوعيّة لا من الصفات الخارجة عن مقام الذات كما في المقام ، لرجوع ذاك التعليق إلى تحقيق موضوع العقد ، وهنا إلى أنّ العقد على موضوعه نافذ في تقدير دون تقدير ، ومن ثمّ كان الثاني باطلاً دون الأوّل كما مرّ.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في :

ثالث الوجوه ، أعني : ما إذا كان الشرط أمراً خارجيّاً مفارقاً ولم يكن من قبيل الصفات والأعراض كالبيع بشرط الخياطة ، فإنّ التقييد هنا أيضاً لا معنى له إلّا أن يرجع إلى التعليق المستوجب للبطلان.

فبعد امتناع التقييد في هذين الموردين لا محيص من إرادة الشرط بالمعنى الذي تقدّم أعني : تعليق الالتزام بالعقد على وجود الوصف خارجاً الراجع إلى جعل الخيار كما في المورد السابق ، أو هو مع تعليق العقد على الالتزام ، الذي نتيجته جواز المطالبة والإلزام بالوفاء كما في هذا المورد.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ التقييد في العين الخارجيّة ينحصر فيما إذا كان القيد من الصفات المقوّمة ، أمّا إذا كان من الأعراض المفارقة أو الأُمور الخارجيّة فهو راجع إلى الشرط ، سواء أكان التعبير بصورة الاشتراط أم بنحو التقييد ، فلا فرق إذن بين أن يقول : بعتك هذا العبد الكاتب ، أو بشرط أن يكون كاتباً ، أو على أن يكون كاتباً ، إذ لا أثر لمقام الإثبات وكيفيّة الإبراز ، وإنّما الاعتبار بلحاظ الواقع ومقام الثبوت. وقد عرفت أنّ التقييد غير متصوّر في المقام ، إذ الموجود الخارجي لا ينقسم إلى قسمين حتى يقيّد بقسم دون قسم ، إلّا أن يرجع إلى التعليق وهو موجب للبطلان حسبما عرفت ، فهو شرط لا محالة ، سواء عبّر بلفظه أم بلفظ التقييد.

هذا كلّه في العين الخارجيّة.

وأمّا في الكلّي ، كما لو باعه منّاً من الحنطة على أن تكون من المزرعة الفلانيّة :

أمّا عنوان نفس المبيع وهو كونه حنطة : فلا كلام ولا إشكال في كونه ملحوظاً على وجه التقييد ، فلو سلّمه شعيراً مثلاً فهو غير المبيع جزماً ، وهذا ظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الأوصاف المعدودة من عوارض هذا الكلّي والموجبة لتقسيمه إلى قسمين وتنويعه إلى نوعين ككونه من

هذه المزرعة تارةً ومن تلك اخرى : فالظاهر من التوصيف بحسب المتفاهم العرفي رجوعه إلى التقييد أيضاً لا إلى الاشتراط ، بمعنى : أنّ المبيع صنف خاصّ من هذا الكلّي وحصّة مخصوصة وهي المعنونة بكونها من المزرعة الفلانيّة ، بحيث لو سلّمه من مزرعة أُخرى فليس له إجبار المشتري على القبول ولو بأن يكون له خيار التخلّف ، بل له الامتناع وإلزام البائع بدفع تلك الحصّة التي وقع العقد عليها ، مدّعياً أنّ هذا الفرد غير

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المبيع ، لا أنّه هو وقد فقد وصفه ليثبت له الخيار.

وهكذا الحال لو باعه عبداً كلّيّاً موصوفاً بالكتابة أو كتاباً كذلك على أن يكون من المطبعة الكذائيّة ، فإنّ المتفاهم العرفي أمثال ذلك كلّه دخل الوصف في عنوان المبيع على سبيل التقييد وتخصيص الكلّي بحصّة معيّنة ، لا الرجوع إلى الاشتراط ، فله المطالبة بنفس تلك الحصّة لو سلّمه حصّة أُخرى ، إلّا أن يقع بينهما تصالح وتراضٍ جديد ، وذاك أمر آخر.

وأمّا بالنسبة إلى الأُمور الخارجيّة ، كما لو باعه منّاً من الحنطة على أن يخيط له ثوباً ، فمن الواضح أنّها لا تكون قيداً في المبيع ، لضرورة أنّ مثل الخياطة لا يكون من أوصاف الحنطة بحيث تنقسم بلحاظها إلى قسمين مع الخياطة وبدونها ، فلا معنى للتقييد هنا إلّا الاشتراط ، بمعنى : أنّه يبيع الحنطة لكن التزامه بالبيع منوط بتحقّق الخياطة ومعلّق عليها ولا التزام بدونها ، الراجع كما عرفت إلى جعل الخيار ، فليس للمشتري الامتناع من القبول كما في سابقه بل غايته الخيار لو تخلّف.

وبالجملة : فبالنسبة إلى الأُمور المفارقة التي لا تعدّ من العوارض لا معنى للتقييد ، ولا مناص فيها من ارادة الاشتراط.

وبهذا يظهر الحال في الأعمال ، فإنّها أيضاً من هذا القبيل ، فلو آجره على عمل مشروطاً بشي‌ء ، فإن كان ذلك الشي‌ء من صفات العمل وعوارضه القائمة به بحيث ينقسم العمل بلحاظه إلى قسمين ويتحصّص بحصّتين ، كما لو آجر نفسه للصلاة عن لميّت بشرط وقوعها في الحرم العلوي الشريف ، رجع ذلك إلى التقييد وتنويع الطبيعة بهذا النوع الخاصّ ، فلو صلّى في مكان آخر لم يستحقّ شيئاً ، إذ لم يأت بالعمل المستأجر عليه بتاتاً.

وإن كان من الأُمور الخارجيّة المفارقة غير المعدودة من عوارض هذا العمل

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وصفاته ، كما لو اشترط في المثال أن يصلّي المستأجر أيضاً عن والد الأجير أو يزور عنه مثلاً حيث إنّ ذاك عمل آخر لا يرتبط بهذا العمل ولا يعدّ من عوارضه ولا يكاد ينقسم بلحاظه إلى قسمين ، فعندئذٍ لا محيص من رجوعه إلى الاشتراط ، ولا سبيل في مثله إلى التقييد ، من غير فرق في ذلك كلّه بين أنحاء التعبير وكيفيّة الإبراز من كونه بصورة التقييد أو على سبيل الاشتراط.

ومن جميع ما ذكرناه يتّضح افتراق التقييد عن الاشتراط مفهوماً ومورداً ، وأنّهما لا يكادان يردان على مورد واحد ، وأنّ المورد الذي يصحّ فيه الاشتراط لا يمكن فيه التقييد وبالعكس ، من غير خصوصيّة للّفظ واختلاف التعبير في مقام الإثبات ، فإنّ الاعتبار بمقام الثبوت ، وعرفت أنّ الاشتراط في غير العين الخارجيّة يرجع إلى التقييد إن كان من قبيل الأوصاف للمبيع أو المستأجر عليه ، كما أنّ التقييد يرجع إلى الاشتراط إن كان من قبيل الأُمور الخارجيّة حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.

وعلى ضوء هذا الضابط يتّضح لك جليّا حال المثال المذكور في المتن ، فإنّ المستأجر عليه قد يكون هو العمل ، أي الإيصال الخاصّ وهو إلى كربلاء في النصف من شعبان ، وعندئذٍ يرجع الشرط إلى التقييد لا محالة ، لأنّه يعدّ من عوارض هذا العمل وأوصافه ، ضرورة أنّ الإيصال قد يكون قبل النصف وأُخرى بعده ، فيتحصّص بلحاظ هذا الوصف إلى حصّتين ، وقد وقعت الإجارة على الحصّة الأُولى ، فإذا أوصله بعد النصف فلم يسلّمه الحصّة المستأجر عليها ، ولأجله لا يستحقّ شيئاً من الأُجرة.

وقد يكون مصبّ الإجارة ومتعلّقها هو الدابّة لا العمل ، فتتعلّق الإجارة بمنفعة الدابّة وهي الركوب مشروطاً بأن يوصله قبل النصف ، بحيث يكون الإيصال شرطاً في الإيجار لا متعلّقاً له. ومن الواضح أنّ مثل هذا يرجع إلى

٩٤

فإن كان ذلك على وجه العنوانيّة والتقييد (١) لم يستحقّ شيئاً من الأُجرة (*) ، لعدم العمل بمقتضى الإجارة أصلاً ، نظير ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة

______________________________________________________

الاشتراط ، ضرورة أنّ الإيصال لا يكون قيداً في الدابّة وعرضاً قائماً بها.

ثمّ إنّ ما ذكره في المتن من البطلان في فرض عدم سعة الوقت إنّما يتّجه فيما إذا وقعت الإجارة على النحو الأوّل ، أعني : العمل وهو الإيصال ، لعدم كونه مقدوراً ، فلا يملكه ليملّكه بالإيجار كما سبق ، نظير أن يؤاجر نفسه على أن يطير أو يجمع بين الضدّين.

وأمّا إذا وقعت على النحو الثاني فآجره الدابّة واشترط الإيصال في وقتٍ لا يسعه فغايته فساد الشرط ، ويبتني بطلان العقد حينئذٍ على كون الشرط الفاسد مفسداً ، الذي هو خلاف التحقيق ، بل خلاف ما عليه المحقّقون ومنهم الماتن نفسه (قدس سره).

وبالجملة : فهذا الشرط من أجل عدم مقدوريّته يفسد ولا يكون مشمولاً لأدلّة نفوذ الشرط ، فهو كاشتراط ارتكاب الحرام في الفساد ، فيندرج حينئذٍ تحت كبرى أنّ الشرط الفاسد هل يكون مفسداً أو لا؟ فلا يصحّ إطلاق القول ببطلان الإجارة.

(١) فصّل (قدس سره) في صورة سعة الوقت بين ما إذا كان الأخذ على وجه التقييد ، كما لو وقعت الإجارة على العمل أعني : الإيصال الخاصّ فلم يوصل ، فإنّه لم يستحقّ شيئاً من الأُجرة ، لعدم العمل بمقتضى الإجارة ، فهو كما لو استأجره لصوم يوم الجمعة فصام يوم السبت ، فبالنتيجة يحكم بانفساخ الإجارة.

__________________

(*) الظاهر أنّه يستحق الأُجرة المسمّاة ، ولكنه يضمن للمستأجر أُجرة المثل ، نعم لا يستحق عليه المطالبة ما لم يدفعها ، وللمستأجر أن يفسخ المعاملة لتعذر التسليم.

٩٥

فاشتبه وصام يوم السبت. وإن كان ذلك على وجه الشرطيّة بأن يكون متعلّق الإجارة الإيصال إلى كربلاء (*) ولكن اشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت فالإجارة صحيحة والأُجرة المعيّنة لازمة ، لكن له خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، ومعه يرجع إلى أُجرة المثل.

______________________________________________________

وبين ما إذا كان على وجه الاشتراط بأن وقعت الإجارة على الدابّة مشروطاً بالإيصال الخاصّ ، فالإجارة صحيحة حينئذٍ ، غايته ثبوت الخيار من أجل تخلّف الشرط فله الفسخ ، ومعه يرجع إلى أُجرة المثل دون المسمّاة.

أقول : ما أفاده (قدس سره) في الشقّ الثاني ظاهر كما ذكر ، وأمّا في الشقّ الأوّل فلا يمكن المساعدة عليه وإن كان ذلك هو المعروف بين الفقهاء ظاهراً.

والوجه فيه : أنّ صحّة الإجارة غير مشروطة بوقوع العمل المستأجر عليه خارجاً ، بل هي بعد استجماعها لشرائط الصحّة التي منها القدرة على العمل كما هو المفروض محكومة بالصحّة الفعليّة ، سواء وفى الأجير بالعقد وأتى بالعمل خارجاً أم لا ، لعدم نهوض أيّ دليل على إناطة الصحّة وتوقّفها على التعقّب بالعمل الخارجي بحيث لو تركه الأجير باختياره وإرادته يستكشف البطلان وعدم الانعقاد من الأوّل.

وعليه ، فمنذ وقوع الإجارة واتّصافها بالصحّة تملّك المستأجر العمل في ذمّة الأجير ، كما أنّه تملّك الأُجرة في ذمّة المستأجر إن كانت كلّيّة ، وإلّا فنفس العين الشخصيّة ، ولا يناط ذلك بالأداء الخارجي في شي‌ء من الجانبين.

__________________

(*) إذا كان متعلق الإجارة هو العمل كان الاشتراط بمنزلة التقييد ، فإنّه يرجع إليه لباً وإنّما الاختلاف في اللفظ ، نعم يصح ما ذكر فيما إذا كان متعلق الإجارة الدابة وكان الإيصال أخذ شرطاً.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ونتيجة ذلك : أنّ الأجير إذا خالف في مقام العمل وأتى بفرد آخر غير ما وقعت الإجارة عليه ، كما لو استؤجر للصوم يوم الجمعة فصام يوم السبت ، فإنّه لا يستحق أيّة اجرة على ما أتى به من الصوم يوم السبت ، لأنّه قد أتى به من تلقاء نفسه لا بأمر من المستأجر ليضمن له.

وأمّا الفرد الآخر ، أعني : العمل الذي وقعت الإجارة عليه المملوك للمستأجر في ذمّة الأجير ، أعني : الصوم يوم الجمعة في المثال ، فقد أتلفه الأجير بتعجيز نفسه اختياراً عن الإتيان به خارجاً حتى مضى وقته وامتنع تداركه ، فللمستأجر وقتئذٍ مطالبته بالقيمة ، كما أنّ للأجير مطالبته بالأُجرة أعني : الأُجرة المسمّاة فلكلٍّ مطالبة ما يملكه على الآخر بمقتضى افتراض وقوع الإجارة الصحيحة ، غير أنّ في العمل ينتقل إلى البدل بعد تعذّر تسليمه بالإتلاف.

وهذا ربّما يستوجب الفرق الكثير ، كما لو استؤجر لنيابة الحجّ بأُجرة ضئيلة في سنة معيّنة فرضي الأجير بالقليل ، ولكنّه لم يأت بالحجّ خارجاً ، فإنّ للمستأجر المطالبة بقيمة هذا العمل التي ربّما تكون أضعاف الأُجرة المسمّاة.

وهذا الذي ذكرناه يطّرد في الأعيان كالأعمال ، فلو باع عيناً شخصيّة فأتلفها قبل أن يسلّمها إلى المشتري ضمن له القيمة ، لا أنّ العقد ينفسخ بذلك.

ومن الواضح أنّ قاعدة : تلف المبيع قبل القبض من مال البائع ، خاص بالتلف ولا يعمّ الإتلاف المبحوث عنه في المقام.

نعم ، للمشتري أو للمستأجر أن يفسخ من أجل عدم التسليم خارجاً ، لا أنّه ينفسخ بنفسه ، فله أن لا يفسخ ويطالب بالقيمة.

وعلى الجملة : فالقاعدة تقتضي ما ذكرناه ، والأعيان والأعمال بل المنافع في ذلك كلّه شرع سواء ، لوحدة المناط ، ولم نجد في شي‌ء من النصوص ما يدلّ

٩٧

ولو قال : وإن لم توصلني في وقت كذا فالأُجرة كذا ، أقلّ ممّا عيّن أوّلاً ، فهذا أيضاً قسمان (١) : قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين من الإيصال في ذلك الوقت وعدم الإيصال فيه مورداً للإجارة ، فيرجع إلى قوله : آجرتك بأُجرة كذا إن أوصلتك في الوقت الفلاني ، وبأُجرة كذا إن لم اوصلك في ذلك الوقت ، وهذا باطل للجهالة (*) ، نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان إن قال : إن عملت في هذا اليوم فلك درهمان ، إلخ.

______________________________________________________

على خلاف هذه القاعدة.

وعليه ، فالظاهر في المقام أنّ الأجير يستحقّ الأُجرة المسمّاة ، ولكنّه يضمن للمستأجر قيمة الإيصال إلى كربلاء في النصف من شعبان الذي أتلفه خارجاً أعني : أُجرة المثل وإن لم يستحقّ مطالبة المسمّاة ما لم يدفع المثل ، كما أشار إليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة.

(١) أمّا البطلان في القسم الأوّل الراجع إلى الإيجار باجرتين لعملين متباينين نظير ما تقدّم من الاستئجار لخياطة القماش قباءً بدرهم أو جبّة بدرهمين ، فظاهر ، لامتناع الجمع بعد افتراض التضادّ وبطلان الترجيح ، والإجارة المبهمة المردّدة بينهما محكومة بالبطلان كما تقدّم (١).

فالإجارة في المقام على الإيصال في زمان كذا بكذا درهماً وفي زمان كذا بكذا باطل جزماً.

وأمّا في القسم الثاني بأن تقع الإجارة على شي‌ء معيّن وهو الإيصال في

__________________

(*) مرّ وجه البطلان في المسألة السابقة.

(١) في ص ٨٠ ـ ٨١.

٩٨

وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال (*) في ذلك الوقت ويشترط عليه أن ينقص من الأُجرة كذا على فرض عدم الإيصال ، والظاهر الصحّة في هذه الصورة ، لعموم : «المؤمنون عند شروطهم» وغيره ، مضافاً إلى صحيحة محمّد الحلبي.

______________________________________________________

وقت كذا مشروطاً بأنّه لو لم يوصله فيه ينقص من الأُجرة كذا ، فقد حكم في المتن بصحّته بمقتضى القاعدة ، وبمقتضى النصّ الخاصّ الوارد في المقام.

وهي صحيحة محمّد الحلبي ، قال : كنت قاعداً إلى قاض وعنده أبو جعفر (عليه السلام) جالس فجاءه رجلان فقال أحدهما : إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنّها سوق أخاف أن يفوتني ، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكلّ يوم احتبسته كذا وكذا ، وأنّه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً ، فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفّهِ كراه ، فلمّا قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر (عليه السلام) فقال : «شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه» (١).

فإنّها صريحة الدلالة على جواز الشرط المزبور ونفوذه ما لم يستوعب النقص المشترط تمام الأُجرة بكاملها.

أقول : يقع الكلام :

__________________

(*) إذا كان مورد الإجارة هو الإيصال فمع عدمه لا يستحق المؤجر شيئاً على ما اختاره (قدس سره) فلا معنى لاشتراط النقص ، وأما النص فمورده هو إيجار الدابة واشتراط النقص على تقدير عدم الإيصال ، وهو غير مفروض الكلام ، نعم على ما اخترناه يصح هذا الاشتراط على القاعدة.

(١) الوسائل ١٩ : ١١٦ / كتاب الإجارة ب ١٣ ح ٢.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تارةً : فيما إذا لوحظ الإيصال في وقت كذا شرطاً في متعلّق الإجارة ، كما لو آجره الدابّة للركوب إلى كربلاء بكذا مشروطاً بأن يكون الإيصال في وقت كذا وإلّا نقص من الأُجرة كذا.

وأُخرى : فيما إذا كان بنفسه مورداً لها فوقع الإيجار على نفس الإيصال ، كما هو صريح عبارة المتن حيث قال (قدس سره) : وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال في ذلك الوقت ، إلخ. وشرط عليه نقص الأُجرة إن لم يوصل.

أمّا في المورد الأوّل : فالأمر كما ذكره (قدس سره) ، إذ مقتضى اشتراط الإيصال المزبور ثبوت خيار التخلّف لو لم يوصل ، فللمستأجر وقتئذٍ فسخ الإجارة واسترداد الأُجرة ، ومرجع اشتراط النقص لو لم يوصل إلى اشتراط عدم إعمال الفسخ والاقتناع بدلاً عنه بانتقاص الأُجرة كذا وكذا ، وهذا شرط سائغ في نفسه مشمول لعموم : «المؤمنون عند شروطهم» ، فصحّته مطابقة لمقتضى القاعدة.

والنصّ أيضاً قد ورد في هذا المورد ، إذ قد فرض فيها وقوع الإجارة على نفس الإبل لحمل المتاع إلى كذا مشروطاً بأن يكون الإيصال في وقت كذا ، فاعتبر الإيصال شرطاً في متعلّق الإجارة لا مورداً لها. ونتيجة التخلف وإن كان هو الخيار لكنّهما يلتزمان بعدم إعماله وإبداله بنقص الأُجرة كلّ يوم كذا. ولا ضير فيه حسبما عرفت.

وأمّا المورد الثاني الذي عرفت أنّه صريح عبارة المتن ـ : فهو خارج عن مورد النصّ ، لأنّ مورده كما عرفت إجارة الإبل لحمل المتاع لا إجارتها للإيصال في الوقت المعيّن.

وبعبارة اخرى : مورد الصحيحة تخلّف الشرط لا عدم الإتيان بمتعلّق الإجارة ، فلا تشمل ما إذا وردت الإجارة على الإيصال ولم يتحقّق ، فلا بدّ إذن

١٠٠