موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

اختياريّة كالطهارة بالإضافة إلى الصلاة ، وأُخرى غير اختياريّة كالوقت بالنسبة إليها.

أمّا القيد الاختياري فهو على نحوين : إذ قد يؤخذ في متعلّق التكليف بحيث يقع التقيّد به تحت الأمر كذات المقيّد فيكون الوجوب حينئذٍ مطلقاً وإن كان الواجب مقيّداً.

وأُخرى : يؤخذ في موضوع التكليف بحيث يتوقّف التكليف عليه ، ويكون مفروض الوجود في مرتبة سابقة على تعلّق الأمر ، فلا أمر إلّا عند فرض وجوده وتحقّقه ، فلا جرم يكون الوجوب حينئذٍ مشروطاً به كنفس الواجب.

وهذان النحوان كلاهما ممكن في مقام الثبوت ، ولا بدّ في مرحلة الإثبات من اتّباع ظاهر الدليل الذي يختلف حسب الاختلاف في كيفيّة التعبير ، إذ قد يقال هكذا : إنّ تطهّرت فصلّ ، وأُخرى يقال : صلّ متطهّراً. والثاني ظاهر في أخذ الطهارة في متعلّق الأمر ، والأوّل ظاهر في أخذها في موضوعه ، وكذا مثل قوله : إن سافرت فقصّر ، وهكذا.

وأمّا القيد غير الاختياري فيمتنع فيه النحو الأوّل ، ضرورة أنّ المقيّد بقيد غير اختياري غير اختياري للمكلّف ، فكيف يمكن وقوعه تحت الطلب وصيرورته متعلّقاً للتكليف؟! فلا مناص في مثله من النحو الثاني ، ومن ثمّ لا يفرق الحال في مرحلة الإثبات ، ولا اثر للاختلاف في كيفيّة التعبير ، فسواء أقال المولى : إذا زالت الشمس فصلّ ، أم قال : صلّ عند زوال الشمس ، لا يراد من كلا التعبيرين إلّا مطلب واحد ، وهو إناطة الوجوب بالزوال وكونه مفروض الوجود لدى تعلّق التكليف بالصلاة ، لامتناع إرادة غيره حسبما عرفت.

وبالجملة : المقيّد بقيد غير اختياري إنّما يكون مقدوراً بعد فرض وجود

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

القيد خارجاً ، مثل قوله : صلّ إلى القبلة ، فإنّ القبلة نفسها وإن كانت غير مقدورة إلّا أنّه بعد فرض وجودها خارجاً فكما أنّ ذات المقيّد أعني : طبيعي الصلاة مقدورة فكذا تقيّدها ، فيمكن إيقاعها إلى القبلة وإلى غيرها ، وأمّا قبل فرض الوجود فيستحيل أن يقع مورداً للتكليف.

ثمّ إنّ هذا البيان كما يجري في الحكم التكليفي يجري في الحكم الوضعي أيضاً بمناط واحد ، فالعمل المقيّد بأمر غير اختياري إنّما يتمكّن الأجير من تمليكه لدى فرض وجود القيد خارجاً ، أمّا قبله فيمتنع التمليك ، ضرورة أنّ المقيّد بغير المقدور غير مقدور للأجير ، فكيف يسعه تمليكه؟! إذن فالإجارة الواقعة على المعالجة المقيّدة بالبرء الخارج عن الاختيار إنّما يصحّ إنشاؤها معلّقة على فرض وجود البرء وتحقّقه خارجاً ، لاختصاص المقدوريّة المسوّغة للتمليك بهذه الصورة ، فلا جرم يلزم التعليق المجمع على بطلانه في العقود كما ذكرنا ، فتبطل الإجارة بذلك.

ومن المعلوم عدم الفرق في بطلان التعليق للعقد بين كون المعلّق عليه فعله سبحانه كما في المقام أو فعل شخص آخر ، كقدوم زيد من السفر.

نعم ، لا بأس بالتعليق فيما يُطمأنّ بوجود المعلّق عليه ، الذي هو بمثابة العلم الوجداني ، إذ التعليق على أمر حاصل أو معلوم الحصول في الآجل كطلوع الشمس غداً لا ضير فيه وإن لم يكن القيد مقدوراً ، بل أنّ هذا في الحقيقة صورة تعليق وليس من التعليق الحقيقي في شي‌ء ، فلا يكون قادحاً.

فاتّضح أنّ ما ذكره في المتن من جواز المقاطعة حتى على سبيل التقييد مع الظنّ بل مع الشكّ أيضاً لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، وإن صحّت في صورة الاطمئنان الملحق بالعلم والرافع لواقع التعليق حينئذٍ حسبما عرفت.

٥٠٢

[٣٣٨٧] الثامنة عشرة : إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتّباً (*) بالشروع من الفاتحة والختم بسورة الناس (١) ، بل يجوز أن يقرأ سورة فسورة على خلاف الترتيب ، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات

______________________________________________________

وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّه إذا لم تصحّ بعنوان الإجارة لم تصحّ بعنوان الجعالة ، فلعلّ هذا يعدّ من مثله (قدس سره) غريباً ، إذ الجعالة لا غرر فيها بوجه ، ولا يكون التعليق فيها مبطلاً أبداً ، إذ لا التزام فيها من الطرفين ، ولا تمليك فعلي في البين ، وإنّما هو مجرّد تعهّد بدفع جعل معيّن لكلّ من فعل كذا ، أو لهذا الشخص متى فعل كذا. ومن ثمّ تطّرد حتى في مشكوك القدرة ، كما لو وقع خاتمه في البحر فعيّن جعلاً لمن أخرجه مع احتمال امتناعه لابتلاع السمكة مثلاً أو لمن وجد ضالّته مع احتمال تلفها والعجز عن الظفر عليها ، وإنّما يتحقّق التمليك والتملّك بعد تحقّق العمل خارجاً.

وعلى الجملة : باب الجعالة باب واسع لا يقاس بباب الإجارة ، ولا يعتبر فيه إحراز القدرة ، بل ربّما يعمل العامل برجاء الإصابة المستتبع عندئذٍ لاستحقاق الجعل. أمّا الإجارة فبما أنّها تتضمّن التمليك والتملّك من الآن فيعتبر أن لا تكون غرريّة ، ولا على سبيل التعليق ، فلا جرم تكون محكومة بالبطلان في المقام.

(١) يقع الكلام تارةً في لزوم مراعاة الترتيب بين السور نفسها أو بين آياتها ، وأُخرى في حكم الغلط لو اتّفق.

أمّا الترتيب : فمن البيّن جدّاً أنّ السور لم تكن مترتّبة في عصره (صلّى الله عليه وآله) على النهج المألوف بيننا ، لعدم جمع القرآن يومئذٍ وإنّما حدث بعد

__________________

(*) فيه إشكال ، وأولى منه بالإشكال تجويزه عدم رعاية الترتيب في آيات السورة ، بل الظاهر هو الانصراف إلى القراءة المرتّبة ولا سيّما في الفرض الثاني.

٥٠٣

السورة أيضاً ، ولهذا إذا علم بعد الإتمام (*) أنّه قرأ الآية الكذائيّة غلطاً أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط. نعم ، لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته ، ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أنّه قرأ بعض الآيات غلطاً من حيث الأعراب أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه أو من حيث المادّة فلا يبعد كفايته وعدم وجوب الإعادة ، لأنّ اللازم القراءة على المتعارف والمعتاد ، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالباً إلّا من شذّ منهم. نعم ، لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة. وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها. وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضرّ في استحقاق الأُجرة إسقاط كلمة أو حرف أو كتابتهما غلطاً.

______________________________________________________

ذلك ، ومن ثمّ ترى تأخير السور القصار لقصرها واختصارها ، مع أنّ جملة وافرة منها مكّيّة ، إلّا أنّه مع ذلك لا ينبغي التأمّل في أنّ المتعارف الخارجي في كيفيّة القراءة والتصدّي لختم القرآن مرعاة الترتيب حسبما انتظمت السور بما بين الدفّتين الشريفتين.

وحينئذٍ فإن قامت قرينة لدى الاستئجار للختم على عدم لزوم رعايته وأنّ المقصود الإتيان بتمام سور القرآن كيفما كان فلا كلام.

وأمّا إذا لم تكن قرينة ولا سيّما بالإضافة إلى عامّة الناس الذين لا يعرفون

__________________

(*) إذا كانت الإجارة على قراءة القرآن على النحو المتعارف كفى ذلك بلا حاجة إلى الإعادة ، وإن كانت على قراءة القرآن صحيحة كفى قراءة تلك الآية صحيحة ثانيةً ، لعدم الانصراف إلى اعتبار الترتيب في هذا الفرض.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ الترتيب أمر حادث فلا يبعد القول بانصراف الاستئجار حينئذٍ إلى ما هو المتعارف الخارجي ، فلا يجزئ خلاف الترتيب هذا.

ولو فرضنا القول بجواز ذلك استناداً إلى ما عرفت من عدم كون القرآن مرتّباً في عصره (صلّى الله عليه وآله) فلا ينبغي الشكّ في عدم جوازه بالإضافة إلى آيات كلّ سورة ، ضرورة أنّها كانت مرتّبة حتى في عصره (صلّى الله عليه وآله) ، فلو خالف وقدّم النصف الأخير مثلاً من السورة فهذا وإن صدقت عليه قراءة القرآن إلّا أنّه لا يصدق الإتيان بالسورة الكذائيّة ، فلا يقال لمن شرع من آخر سورة يس وختم بأوّلها : أنّه قرأ سورة يس. ومن ثمّ لا يحتمل أن يجوّز أحدٌ قراءة سورة الحمد في الصلاة معكوسة.

وعلى الجملة : فالاستئجار للختم استئجار لقراءة هذه السور لا لطبيعي ما يصدق عليه القرآن ، ولا شكّ في عدم صدق عنوان السورة على آياتها غير المترتّبة ، وإلّا لاجتزئ بها في الصلاة أيضاً ، وهو كما ترى ، بل ربّما يختلّ بذلك المعنى كما لا يخفى. فلا ينبغي التأمّل في لزوم مراعاة الترتيب في آيات السورة ، بل وكذا نفس السور بعضها مع بعض وإن لم يكن ذاك بهذه المرتبة ، لدخل الترتيب ثمّة في التعارف الخارجي ، وهنا في مفهوم السورة وعنوانها حسبما عرفت.

وأمّا حكم الغلط الذي لا تخلو منه القراءات غالباً إمّا في مادّة الكلمة أو إعرابها إلّا القليل ممّن شمله التوفيق لتصحيح قراءته : فإن كان على النحو المتعارف ولم يتجاوز هذا الحدّ فالظاهر الاجتزاء به وعدم الحاجة إلى الإعادة ، ولا سيّما إذا كان الغلط ممّا يبتلي به الكثير من القارئين ، لخفائه عليهم ، مثل قوله تعالى (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ) (١) حيث تُقرأ بكسر الدال ، وقوله

__________________

(١) الحشر ٥٩ : ١٧.

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) (١) حيث يُقرأ بفتح الميم ، وقوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) (٢) حيث تُقرأ : إِذَا بدل : إِذْ ، ونحوها من الأغلاط التي تُخفى على عامّة الناس.

وذلك لانصراف الإجارة إلى القراءة المتعارفة ، والمفروض أنّ المتعارف منها لا يخلو من هذا المقدار من الغلط ، سيّما ما كان من هذا القبيل ، نظير ما ذكره (قدس سره) من الاستئجار للاستنساخ الذي لا يمنع اتّفاق الغلط عن استحقاق الأُجرة بعد انصرافه إلى الكتابة المتعارفة غير الخالية غالباً عن مثل ذلك.

وأمّا لو زاد على الحدّ المتعارف أو اشترط عليه القراءة الصحيحة فلا مناص حينئذٍ من إعادة الآية وتداركها ، فإنّه بمنزلة من نسيها.

وهل تجب وقتئذٍ إعادة ما بعدها إلى نهاية السورة رعايةً للترتيب؟

الظاهر : عدم الوجوب ، لانصراف اعتبار الترتيب عن مثل ذلك ، إذ لم يلتزم في عقد الإيجار إلّا مراعاته على النحو المتعارف ، ومورد التعارف إنّما هو المراعاة لدى الالتفات وعدم الإخلال به عامداً ، وأمّا الإخلال الخارج عن الاختيار لنسيانٍ ونحوه فلا تعارف على رعاية الترتيب حتى في مثل هذه الحالة ، وقد عرفت عدم التعهّد في ضمن الإيجار أكثر من ذلك ، فلا يقاس المقام بباب الصلاة ، إذ لا التزام ولا تعهّد هناك ، بل الواجب أصلي إلهي لا جعلي ، فلا مناص من الإعادة هناك محافظةً على الترتيب اللازم رعايته.

__________________

(١) المعارج ٧٠ : ١١.

(٢) المدثر ٧٤ : ٣٣.

٥٠٦

[٣٣٨٨] التاسعة عشرة : لا يجوز في الاستئجار للحجّ البلدي أن يستأجر شخصاً من بلد الميّت إلى النجف وشخصاً آخر من النجف إلى مكّة أو إلى الميقات ، وشخصاً آخر منها إلى مكّة (١) ، إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحجّ والمفروض أنّ مقصده النجف مثلاً وهكذا ، فما أتى به من السير ليس مقدّمةً للحجّ ، وهو نظير أن يستأجر شخصاً لعمرة التمتّع وشخصاً آخر للحجّ ، ومعلوم أنّه مشكل ، بل اللازم (*) على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الاولى من الصلاة وشخص آخر للثانية وهكذا يتمّم.

______________________________________________________

(١) هذا ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، لما أشار (قدس سره) إليه من أنّ معنى الحجّ البلدي لزوم الخروج من البلد بقصد السير إلى الحجّ بأن تصدر المقدّمة وذوها كلاهما عن الحاجّ ويستناب لهما معاً لا خصوص الثاني ، ومن البديهي أنّ السير من البلد في مفروض المسألة أجنبي عن الحجّ الصادر خارجاً من الشخص الآخر ولا علاقة بينهما فضلاً عن أن تكون مقدّمة له وممّا يتوقّف هو عليه.

نعم ، يتّصف هذا السير بالمقدّميّة ، إلّا أنّه مقدّمة للحجّ الصادر من نفس السائر لا من شخص آخر كما هو المفروض. وليس هذا مبنيّاً على القول بالمقدّمة الموصلة وإن حسبه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (١) ، بل يتّجه حتى على إنكاره والبناء على ما عليه المشهور من أنّ الواجب هو ذات المقدّمة على إطلاقها من غير اختصاص بالحصّة الموصلة ، لما عرفت من أنّ السير المزبور

__________________

(*) لا يلزم ذلك.

(١) تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ١٤٠ (تحقيق جماعة المدرسين).

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يكن مقدّمةً للحجّ الصادر من شخص آخر بتاتاً ، لعدم توقّفه بل ولا ارتباطه بهذا السير بوجه ، لا أنّه مقدّمة ولم تكن موصلة ليبتني على القول المذكور كما لعلّه أظهر من أن يخفى ، كيف؟! وإلّا لكان الأحرى على الماتن أن يصفه بأنّه ليس واجباً لا أنّه ليس مقدّمة للحجّ كما عبّر بذلك.

وعلى الجملة : حجّ كلّ شخص مقدّمته سير نفسه ، سواء أكان موصلاً أم لا ، لا سير شخص آخر. وعليه ، فلو استؤجر للحجّ البلدي أي على مجموع المقدّمة وذيها فلا مناص من صدورهما معاً عنه بنفسه ، ولا سبيل إلى التفكيك والتعدّد في النائب ، إذ معه تخرج المقدّمة عن كونها مقدّمة ويزول وصفها العنواني حسبما عرفت.

ومنه تعرف ما في تنظيره (قدس سره) بحجّ التمتّع وعمرته ، إذ هما عملان مستقلّان ، غايته أنّهما ارتبطا واشتبكا في الآخر فلا يجوز التفكيك إلّا فيما قام الدليل ، كما ورد في نيابة الولد في أحدهما عن أبيه وفي الآخر عن امّه ، فلو تعدّينا عن المورد لأمكن الالتزام بجواز التعدّد في النائب ، فالتفكيك بينهما أمر قابل في حدّ نفسه.

وأمّا نقضه (قدس سره) بأنّ لازم القول بالكفاية في المقام الاكتفاء في ركعات الصلاة أيضاً بأنّ يستأجر أحداً لركعة وآخر لركعة أُخرى.

ففيه : أنّه لا يلزم ذلك ، ضرورة بطلان كلتا الركعتين بالتفكيك المزبور ، فإنّ الركعة الأُولى لا يتحلّل المصلّي من افتتاحها إلّا بالتسليم من نفس المصلّي بمقتضى الارتباطيّة الملحوظة بين الأجزاء ، فهو قد دخل في الإحرام ولم يخرج بالتسليم فتبطل ، كما أنّ الركعة الثانية فاقدة لتكبيرة الافتتاح فلم يكن الآتي بها داخلاً في الصلاة ، فهي أيضاً باطلة لا محالة. ومعه كيف يلتئم الجزءان وتتشكّل صلاة صحيحة من ركعتين باطلتين؟! فإنّ هذا نظير استئجار شخص لصوم نصف

٥٠٨

[٣٣٨٩] العشرون : إذا استؤجر للصلاة عن الميّت فصلّى ونقص من صلاته (*) بعض الواجبات الغير الركنيّة سهواً (١) ، فإن لم يكن زائداً على القدر المتعارف الذي قد يتّفق أمكن أن يقال : لا ينقص من أُجرته شي‌ء ، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبّات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف ينقص من الأُجرة بمقداره ، إلّا أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمّة ، ونظير ذلك إذا استؤجر للحجّ فمات بعد الإحرام ودخول الحرم ، حيث إنّ ذمّة الميّت تبرأ بذلك ، فإن كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمّة استحقّ تمام الأُجرة ، وإلّا فتوزّع ويستردّ ما يقابل بقيّة الأعمال.

______________________________________________________

اليوم وشخص آخر لصوم النصف الآخر.

(١) تقدّم البحث حول هذه المسألة في مباحث صلاة الاستئجار من كتاب الصلاة بنطاقٍ واسع (١).

وملخّصه : أنّ متعلّق الإجارة قد يكون هو تفريغ الذمّة بالإتيان بصلاة صحيحة ، وأُخرى نفس الأجزاء الخارجيّة.

ففي الأوّل : لا يقدح نقص شي‌ء من الأجزاء غير الركنيّة فضلاً عن المستحبّات ، إلّا في صورة الالتفات ، إذ بعد أن كانت الغاية تفريغ الذمّة ، فالمستأجر عليه في الحقيقة هو العمل الصحيح الجامع بين ما يشتمل على الأجزاء غير الركنيّة بل المستحبّات المتعارفة بمقتضى الانصراف في صورة الذكر والالتفات ، وبين الفاقد لها لدى الغفلة والنسيان ، لصحّة العمل وفراغ الذمّة

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه في صلاة الاستئجار [في المسألة ١٨٤٠].

(١) شرح العروة (الصلاة ٥) : ١٨٦ وما بعدها.

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على التقديرين ، فهذا النقص لا يقدح ، نظير ما تقدّم من عدم منع الغلط في القراءة عن استحقاق الأُجرة.

وأمّا في الثاني : فقد يلاحظ على سبيل الجزئيّة لمتعلّق الإجارة ، بمعنى : وقوع الأُجرة بإزاء تمام الأجزاء الصحيحة والمستحبّات المتعارفة على سبيل البثّ والتقسيط ، بحيث توزّع الأُجرة على تمام أجزاء العمل ، وأُخرى على سبيل الاشتراط بأن يكون المتعلّق هو العمل الصحيح مشروطاً بالاشتمال على تمام الأجزاء المتعارفة.

فعلى الأوّل : ينقص من الأُجرة بمقدار ما نقص من العمل ، لفواتها بفواته بمقتضى افتراض المقابلة وإن اتّصفت العمل بالصحّة وكان معذوراً في النقص لنسيان ونحوه.

وعلى الثاني : يثبت للمستأجر خيار تخلّف الشرط في تقدير النقص ، فله الفسخ والرجوع إلى أُجرة المثل ، وتمام الكلام في محلّه.

٥١٠

تتمّة

______________________________________________________

ولنختم الكلام في كتاب الإجارة بالتعرّض لحكم المسألة العامّة البلوى في العصر الحاضر المعروفة ب السرقفليّة ، فنقول :

السكنى في مكان من دار أو دكّان ونحوهما قد تكون : عن إباحة من المالك وترخيص في هذا التصرّف ، فهي عارية لا محالة ، وللمالك الرجوع عن إجازته متى شاء.

واخرى : تكون عن ملك لهذه المنفعة ليس لأحد حتى المالك مزاحمته فيها ، وله التصرّف كيفما شاء ، وهذا هو باب الإجارة التي باحثنا حولها لحدّ الآن.

وثالثةً : عن حقّ متخلّل بين الأمرين وحدّ متوسّط بين المرحلتين ، فلا هو مجرّد الإذن ليكون للآذن الرجوع عن إذنه متى شاء ، ولا هو ملك للمنفعة ليكون له التصرّف كيفما شاء تصرّف الملّاك في أموالهم ، وإنّما هو حقّ محض متعلّق بالسكنى في هذا المحل.

وهذا الحقّ كما هو قابل لتعلّق الجعل به ابتداءً وفي عقد مستقلّ كما في باب السكنى ، فيقول : أسكنتك هذه الدار مدّة كذا أو ما دمت حيّاً ، فتكون له السكونة لكن لا على نحوٍ يكون مالكاً للمنفعة ، ولذا لا يسوغ له نقلها إلى الغير بإجارةٍ ونحوها ، ولا تنتقل إلى ورثته بعد موته لو كان الحقّ له خاصّة أو لعنوان عامّ كالطلبة ، ولا على نحو يتمكّن المالك من الرجوع ، لفرض لزوم العقد ، كما في الوقف.

فكذلك يمكن جعله واشتراطه بشرط صريح أو ضمني ارتكازي في ضمن

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

عقد من العقود ، كما لو باع داره واشترط على المشتري أن تكون له السكنى في هذه الدار شهراً إمّا بعوض أو مجّاناً ، لا بأن يبيعها مسلوبة المنفعة في هذه المدّة ، بل قد باعها بتمام منافعها ، ولذا لا يجوز له إجارتها خلال الشهر ، لعدم كون المنفعة ملكاً له بل للمشتري ، إلّا أنّه يجعل لنفسه حقّ السكنى ، ولا ريب في نفوذ هذا الشرط عملاً بإطلاق دليله ، فليس للمالك منعه عن السكنى ولا الإيجار في هذه المدّة من شخص آخر.

وربّما يشترط هذا الحقّ في ضمن عقد الإيجار ، فيستأجر الدكّان مثلاً ويجعل لنفسه حقّ السكنى ، وهذا يكون على وجوه :

فتارةً : يكون الشرط هو سكنى نفسه فقط ، فمتى رفع اليد يرتفع الحقّ ، وللمالك إيجاره عندئذٍ من شخصٍ آخر ، إذ مورد الحقّ إنّما هو سكنى نفسه مباشرةً وقد سقط ، ومن ثمّ لم يكن له نقله لغيره ولا استرجاع المال الذي دفعه للمالك بإزائه إمّا على سبيل الزيادة على الأُجرة ، أو الزيادة في الأُجرة فإنّه قد ذهب من كيسه ولا عودة فيه.

وأُخرى : يكون الشرط أوسع من ذلك ، فيجعل الحقّ لنفسه ولمن يجعل له هذا الحقّ ، وينقله إليه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، فيكون مورد الحقّ أعمّ من المباشرة ، وهذا يتصوّر بل يقع كثيراً في الخارج على قسمين :

فتارةً : يحتاج المالك إلى مال كثير كخمسة آلاف دينار مثلاً لعمارة دار أو بنائه دكّان أو فتح محلّ ونحو ذلك ليؤجرها بعدئذٍ بقيمةٍ لا يقدم عليها أحد قبل التعمير ، فيدفع له المستأجر ذلك المال بإزاء أن يكون له حقّ السكنى بالمعنى الجامع ، أي بنحو قابل للنقل بالأُجرة التي اتّفقا عليها فعلاً مشروطاً بأن لا يزيد عليها في السنين الآتية وإن ترقّت القيمة السوقيّة أضعاف ما هي عليه الآن كما هو كذلك غالباً ، فللمستأجر بعد ذلك حقّ السكنى لا مجّاناً بل

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بأُجرة معيّنة لا تزيد أبداً ، قد حصل على هذا الحقّ بإزاء المبلغ الذي دفعه أوّلاً المعبّر عنه بالسرقفليّة ، وهو حقّ كسائر الحقوق له ماليّة عقلائيّة وقابل للنقل إلى الغير ببيعٍ أو إرث ونحوهما بمقتضى الاتّفاقيّة.

وإذا كان قد اشترى هذا الحقّ من أرباح سنته وجب عليه خمسه في آخر السنة بقيمته الفعليّة التي ربّما تزيد على ما اشتراه به ، وربّما تنقص ، وربّما يتساويان.

وتارةً اخرى : يشترط على المالك حقّ السكنى كي يستقرّ ولا ينتقل من محلّه إلى آخر ، ولكن كلّ سنة بقيمتها الفعليّة ، ولا يلزم حينئذٍ دفع شي‌ء إليه مسبقاً ، فلو وافق المالك على هذا الشرط ورضي بالحقّ لم يكن له بعدئذٍ إخراجه ولا زيادة الأُجرة زيادةً فاحشة أضعاف الأُجرة السوقيّة ، لكونه بمثابة منعه عن حقّ السكنى المفروض ثبوته له ، وإنّما له الزيادة بالمقدار المتعارف حسب القيمة الوقتيّة.

ثمّ إنّ هذا الحقّ إذا كان ثابتاً له بالمعنى الجامع الأعمّ من المباشرة كما هو المفروض ساغ له نقله إلى الغير وأخذ السرقفليّة منه كما في الصورة السابقة.

وأمّا إذا كان خاصّاً به بحيث لا يقبل النقل فليس له ذلك.

نعم ، له أن يأخذ حينئذٍ شيئاً بإزاء رفع اليد وإسقاطه الحقّ بإفراغ المحلّ وإخلائه كي يتمكّن المستأجر الجديد من مراجعة المالك والاستئجار منه ، إمّا مع السرقفليّة أو بدونها. وهذا شي‌ء آخر غير السرقفليّة كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في كتاب الإجارة.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد تمّ الفراغ في جواز البقعة العلويّة على مشرّفها آلاف الثناء والتحيّة في يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ربيع المولود من سنة أربعمائة وواحدة بعد الألف من الهجرة النبويّة.

٥١٤

الفهرس الموضوعات

٥١٥
٥١٦

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

الإجارة

تعريف الإجارة............................................................. ٣

وجوه الاستشكال على التعريف.............................................. ٣

فصل في أركانها................................................... ١٠ ـ ١٠٧

الأول : الإيجاب والقبول................................................... ١٠

كلام في جريان المعاطاة في الإجارة.......................................... ١٠

القول في الإيجاب......................................................... ١٥

الثاني : المتعاقدان.......................................................... ١٩

اشتراط البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر في المتعاقدين..................... ١٩

الثالث : العوضان......................................................... ٢٦

اشتراط المعلوميّة.......................................................... ٢٦

اشتراط مقدوري التسليم.................................................. ٣٢

٥١٧

اشتراط كونهما مملوكين................................................... ٣٧

اشتراط كون العين المستأجرة ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقائها................... ٣٧

اشتراط كون المنفعة مباحة................................................. ٣٨

اشتراط كون العين ممّا يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها........................ ٤٣

اشتراط تمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة.......................... ٤٣

هل تصحّ الإجارة إذا كان المؤجّر أو المستأجر مكرهاً عليها؟................... ٤٦

هل تصحّ إجارة المفلس بعد الحجر عليه؟.................................... ٤٨

حكم إجارة المفلس نفسه.................................................. ٤٩

حكم إجارة السفيه نفسه.................................................. ٥١

احتياج السفيهة إلى إجازة الولي في تزويج نفسها.............................. ٥٤

عدم جواز إجارة العبد نفسه أو ماله أو مال مولاه إلّا بإذنه.................... ٥٥

هل يلزم تعيين العين المستأجرة؟............................................ ٥٦

صحة إجارة العين بجميع منافعها مع التعدد................................... ٥٧

معلوميّة المنفعة إمّا بتقدير الزمان أو بتقدير العمل............................. ٦١

لو استأجر دابّة للحمل عليها............................................... ٦٥

حكم ما لو قال : آجرتك كل شهر بدرهم.................................. ٦٦

لو أنشأ الإجارة بعنوان الجعالة.............................................. ٧٢

لو أنشأ الإجارة بعنوان الإباحة بالعوض..................................... ٧٥

حكم الاستئجار للخياطة المردّدة بين نوعين.................................. ٧٧

ضمان أُجرة المثل في الإجارة الفاسدة........................................ ٨٣

حكم ما لو استأجره أو دابّته لعمل في وقت معيّن بأُجرة معيّنة................. ٨٥

٥١٨

كلام حول تحقيق معنى الشرط وإطلاقه...................................... ٨٥

كلام في تحليل المراد من هذا الربط المعبّر عنه بالشرط في المقام.................. ٨٨

بيان الفرق بين القيد والشرط.............................................. ٩٠

حكم ما لو خالف العنوان المستأجر عليه.................................... ٩٥

لو آجر بأُجرتين لعملين متباينين............................................ ٩٨

هل يجوز اشتراط نقص الأُجرة لو تخلّف عن الشرط؟......................... ٩٩

لو اشترط عدم الأُجرة إن تخلّف عن الشرط............................... ١٠٢

عدم الأثر لتخلّف الدواعي والأغراض في صحّة المعاملة من غير تقييد ولا اشتراط ١٠٦

فصل في أحكام عقد الإجارة..................................... ١٠٨ ـ ١٥٨

الإجارة من العقود اللازمة................................................ ١٠٨

هل الإجارة المعاطاتيّة جائزة؟............................................. ١٠٨

جواز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدّة الإجارة.............................. ١١١

لو اعتقد كون مدّة الإجارة كذا مقدار فبان أنّها أزيد....................... ١١٤

لو فسخ المستأجر الإجارة................................................ ١١٤

لو اعتقد البائع والمشتري بقاء مدّة الإجارة فتبيّن انقضاؤها................... ١١٦

لو شرطا كونهما مسلوبة المنفعة إلى زمانٍ معيّن فبان الخلاف................. ١١٨

فروع حول بيع العين المستأجرة........................................... ١٢٠

لو وقع البيع والإجارة في زمان واحد...................................... ١٢٢

هل تبطل الإجارة بموت المؤجّر أو المستأجر؟................................ ١٢٦

إجارة العين الموقوفة تبطل بموت البطن السابق إذا كان هو المؤجّر............. ١٢٩

٥١٩

لو كان المؤجّر هو المتولي للوقف فمات.................................... ١٢٩

لو آجر نفسه للعمل بنفسه فمات......................................... ١٣٠

لو آجر الدار واشترط على المستأجر سكناه بنفسه.......................... ١٣٣

هل تصح إجارة الوليّ أو الوصيّ أموال الصبي أو نفسه مدّة تستوعب البلوغ؟.. ١٣٤

لو آجرت المرأة نفسها للخدمة مدّة معيّنة فتزوّجت قبل انقضائها.............. ١٣٧

لو آجر عبده أو أمته للخدمة ثمّ أعتقه..................................... ١٣٧

وجوه في نفقة الأجير المعتق............................................... ١٣٩

حكم وجدان العيب في العين المستأجرة.................................... ١٤٣

تقسيط الأُجرة لو كان العيب من قبيل تبعض الصفقة....................... ١٤٦

حكم ما لا يستوجب العيب نقصاً في المنفعة................................ ١٤٧

لو حدث العيب بعد العقد وقبل القبض.................................... ١٤٩

صور في وجدان المؤجّر عيباً سابقاً في الأُجرة................................ ١٥١

لو أفلس المستأجر بالأُجرة................................................ ١٥٢

الخيار لمن تبيّن غبنه من المؤجر أو المستأجر................................. ١٥٤

هل تجري كل الخيارات في الإجارة؟....................................... ١٥٤

لو آجر عبده أو داره ثمّ باعه من المستأجر.................................. ١٥٧

فصل في أحكام العوضين......................................... ١٥٩ ـ ٢١٨

هل يملك المستأجر المنافع أو العمل المستأجر عليه ملكية فعليّة من غير توقف على أيّ شيء   ١٥٩

اعتبار التسليم من الجانبين في كافّة العقود المعاوضية......................... ١٦٠

٥٢٠