موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الأجير في باطن قلبه ، فلولا تقاة وخوفه من الله وإذعانه بيومي الحساب والعقاب لم ير نفسه ملزماً بالعمل ولكانت له المندوحة والمفرّ.

وعليه ، فالأمر الإجاري مؤكّد للواجب العبادي ، لا أنّه منافٍ له ، نظير نذر العبادة أو الحلف عليها ، حيث إنّ الوجوب التوصّلي الناشئ من قبل النذر أو الحلف يؤكّد وجوب العبادة لو كانت في نفسها واجبة ويحدث فيها صفة الوجوب لو كانت مستحبّة من دون شائبة للمنافاة بينهما بوجه.

نعم ، لتوهّم المنافاة مجال فيما إذا لوحظت الأُجرة على سبيل الجعالة لا الإجارة ، نظراً إلى عدم تملّك الجعل قبل العمل ، وبذلك افترق عن الأُجرة التي هي تملّك بنفس عقد الإجارة كما عرفت.

فمن ثمّ يمكن أن يقال كما قيل بأنّ الباعث على الإتيان بالعمل إنّما هو استحقاق الجعل واكتساب المال وهو مناف لكونه عبادة.

ولكنّه أيضاً بمراحل عن الواقع ، فإنّ الضميمة الملحوظة مع قصد الأمر قد تكون داعية إلى ذات العمل في عرض القصد المزبور ، كقصد التبريد في الوضوء بحيث ينبعث صبّ الماء عن داعٍ قربي وغيره على سبيل التشريك ، وهنا يحكم البطلان لو لم تكن إرادة التبريد تبعيّة.

وقد تكون داعية على العمل لا بما هو ، بل بوصف كونه عبادة ، فيأتي بذات العمل بداعٍ قربي من غير أن تشترك في هذه المرحلة وفي عرض هذه الدعوة دعوة اخرى ، ولكن الداعي على إتيان العمل بهذا الداعي شي‌ء آخر وغاية أُخرى في طول الغاية الأُولى ، حيث إنّ كلّ فاعل مختار لدى تصدّيه لأيّ عمل اختياري حتى العبادي بوصفه العنواني لا بدّ وأن ينبعث عن غاية ومحرّك يدعوه نحو هذا العمل.

إمّا أُخرويّة ، كالخوف من الجحيم ، أو الطمع في النعيم اللذين لا تنفكّ العبادة

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الصادرة عن الأشخاص العاديّين لغاية أُخرويّة عن أحدهما ، ولا يتيسّر صدورها لأجل أنّه تعالى أهل للعبادة ، إلّا عن الأوحدي مثل : مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين.

أو دنيويّة ، كسعة الرزق المترتّبة على المواظبة على صلاة الليل ، أو قضاء الحاجة المترتّب على صلاة جعفر (عليه السلام) ، ونحو ذلك من الآثار الكثيرة المترتّبة على العبادات في غير واحد من الأخبار.

فإذا أتى بالعبادة بداعي النيل إلى شي‌ء من هذه الغايات من عزّ أُخروي أو دنيوي فأتى بصلاة الليل مثلاً بداعي الزيادة في الرزق أو طول في العمر ، أفهل يحتمل بطلانها بزعم فقد الخلوص وضمّ داعٍ آخر غير قربي؟

وعلى الجملة : فالذي يعتبر في العبادة أن يؤتى بذات العمل بداعي التقرّب ، وأن لا يكون له في هذه المرحلة داعٍ آخر ، وأمّا الإتيان به بوصف كونه عبادة لأجل غاية أُخرى فلا ضير فيه أبداً ، بل لا تخلو عنه أيّة عبادة من أيّ شخص عادي حسبما عرفت.

وعليه ، فالجعل المفروض في المقام إن كان مقرّراً بإزاء ذات الحركات والسكنات الصلاتيّة مثلاً فأتى العامل بها لهذه الغاية ولغاية التقرّب بطلت العبادة وقتئذٍ لانتفاء الخلوص كما أُفيد.

وأمّا إذا كان بإزاء عنوان العبادة فأتى العامل بالعمل بداعي العبادة مراعياً لوصفه العنواني إذ لا يستحقّ الجعل بدونه وكان الداعي على إتيان العمل بهذا الداعي استحقاق الجعل واستلامه على سبيل الطوليّة لا العرضيّة ، فلا مانع منه ، إذ لا يكون منافياً للعباديّة بوجه بعد أن كانت الدواعي من قبيل الداعي على الداعي لا الداعيين العرضيّين.

فالصحيح جواز أخذ الأُجرة على الواجبات ، لعدم المانع منه ، لا من حيث

٣٨٢

[٣٣٤٣] مسألة ١٤ : يجوز الإجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها وإشعال السراج ونحو ذلك (١).

[٣٣٤٤] مسألة ١٥ : يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان (٢) مدّة معيّنة عن السرقة والإتلاف ، واشتراط الضمان (*) لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غير تقصير (٣) ، فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال ، لكن لا بدّ من تعيين العمل والمدّة والأُجرة على شرائط الإجارة.

______________________________________________________

الوجوب ، ولا من ناحية العباديّة حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) بلا إشكال فيه ، فإنّه عمل محترم ذو منفعة عامّة قابلة للتمليك ، فلا مانع من وقوعه مورداً للإجارة ، نظير الاستئجار لبناء المساجد والمدارس ، أو لتعبيد طريق المسلمين ، ونحو ذلك ممّا يرجع إلى الجهات العامّة ، وهكذا كنس الحسينيّات وفرشها كما هو ظاهر.

(٢) فإنّه أيضاً عمل محترم ذو منفعة محلّلة قابلة للتمليك بالإجارة ، فلا مانع من صحّتها بعد استجماع سائر الشرائط.

ولو اتّفق التلف من غير تفريط لم يضمن ، إذ الأجير أمين ولا ضمان على الأمين ما لم يفرّط كما تقدّم سابقاً (١).

(٣) تقدّم قريباً أنّ اشتراط الضمان بمعناه المعهود أعني : اشتغال الذمّة ،

__________________

(*) على تفصيل مرّ اشتراطه في العين المستأجرة [في فصل العين المستأجرة أمانة].

(١) في ص ٢١٩.

٣٨٣

[٣٣٤٥] مسألة ١٦ : لا يجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميّت واحد (*) في وقت واحد ، لمنافاته للترتيب المعتبر في القضاء (١) ، بخلاف الصوم فإنّه لا يعتبر فيه الترتيب ، وكذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحجّ الواجب عن اثنين (٢) ،

______________________________________________________

الراجع إلى اشتراط النتيجة لا دليل على صحّته (١) ، لقصور أدلّة الشروط عن الشمول له ، فإنّها إنّما توجب الوفاء بعمل سائغ في نفسه ولا تكون مشرّعاً ، ولم يثبت الضمان المزبور في الشريعة المقدّسة إلّا بأسباب خاصّة من يد أو إتلاف ونحوهما كضمان الدين ، وبدون تلك الأسباب لم يكن الضمان مشروعاً في نفسه ، فلا يسوّغه الشرط ، سيّما بعد قيام الدليل على عدم ضمان الأمين.

نعم ، الضمان بمعنى آخر أعني : تدارك الخسارة من دون شغل الذمّة لكي يكون الشرط من قبيل شرط الفعل لا شرط النتيجة لا مانع من اشتراطه ، فيجب الوفاء به ، عملاً بعموم نفوذ الشروط.

(١) بناءً على اعتباره في القضاء حتى في غير المترتّبتين كالظهر من يومٍ والعصر من يومٍ آخر ، وقد تقدّم في كتاب الصلاة أنّه لا دليل عليه (٢) ، فلا مانع إذن من استئجار الاثنين في وقتٍ واحد ، كما في الصوم عن شخص واحد ، حيث لا ترتيب في قضاء أيّام الصوم بلا إشكال.

(٢) حيّين أو ميّتين أو مختلفين ، لوضوح أنّ الواجب على كلٍّ منهما هو الحجّ

__________________

(*) الظاهر جوازه ، لما مرّ من عدم وجوب الترتيب في القضاء على تفصيلٍ تقدّم [في المسألة ١٧٩٢].

(١) في ص ٢٢٨.

(٢) شرح العروة (كتاب الصلاة ٥) : ٧٤ ـ ٧٨ وص ١٧٨.

٣٨٤

ويجوز ذلك في الحجّ المندوب (١) ، وكذا في الزيارات ، كما يجوز النيابة عن المتعدّد تبرّعاً في الحجّ والزيارات (٢) ،

______________________________________________________

الكامل وعلى صفة الاستقلال ، فالاجتزاء بحجٍّ واحد عنهما بصفة التشريك مخالفٌ للقاعدة ، يحتاج إلى نهوض دليله عليه ، ولا دليل كما هو واضح.

(١) للروايات الكثيرة الناطقة بجواز التشريك في الحجّ المستحبّ ، التي منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : أُشرك أبوي في حجّتي؟ «قال : نعم» قال : قلت : أُشرك إخوتي في حجّتي؟ «قال : نعم ، إنّ الله عزّ وجلّ جاعلٌ لك حجّا ولهم حجّا ، ولك أجر لصلتك إيّاهم» (١).

وإذا ثبتت مشروعيّة النيابة بهذه الأخبار جازت الإجارة عليها بمقتضى العمومات.

بل لا يبعد أن يقال : إنّ الحكم مطابق لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى التمسّك بالروايات ، لقيام السيرة العقلائيّة في باب الزيارات والحجّ أيضاً مصداقٌ لزيارة بيت الله على جريان النيابة فيها عن الواحد والكثيرين ، فيبعث القوم ممثّلاً عنهم لزيارة شخصيّة بارزة من ملك أو غيره ، أو يبعث الملك من يمثّله ، كما أنّ الممثّل قد يكون وفداً ، وهكذا الحال في عيادة المرضى.

(٢) قد عرفت الحال في الحجّ.

وأمّا في باب الزيارات : فلم نظفر لحدّ الآن على رواية معتبرة تدلّ على جواز النيابة باستئجار أو تبرّع عن الواحد فضلاً عن الكثيرين في زيارة أحد من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، فإنّ النصوص الواردة على كثرتها بين ضعيف أو مرسل على سبيل منع الخلو.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٢ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٨ ح ٢.

٣٨٥

ويجوز الإتيان بها لا بعنوان النيابة ، بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدّد (١).

______________________________________________________

غير أنّ المسألة متسالم عليها من غير شائبة خلاف أو إشكال.

ومن الجائز أن يكون المستند فيها ما أشرنا إليه آنفاً من قيام السيرة العقلائيّة على جواز النيابة في باب الزيارات بعد ملاحظة أنّ المعصومين والأئمّة الطاهرين أرواح العالمين لهم الفداء أحياءٌ عند ربّهم يرزقون يرون مقامنا ويسمعون كلامنا وإن كنّا لا نرى ولا نسمع.

وكيفما كان ، فالمسألة ممّا لا ينبغي الاستشكال فيها وإن لم نعثر على رواية صحيحة تدلّ عليها.

نعم ، إنّ مورد السيرة المزبورة إنّما هو الاستنابة وبعث الممثّل دون التبرّع بالنيابة والتصدّي للزيارة عن الغير ابتداءً ، فإنّ السيرة غير جارية في هذا المورد كما لا يخفى.

ويمكن الاستدلال له حينئذٍ بصحيحة داود الصرمي ، قال : قلت له يعني أبا الحسن العسكري (عليه السلام) ـ : إنّي زرت أباك وجعلت ذلك لك «فقال : لك بذلك من الله ثواب وأجر عظيم ، ومنا المحمدة» (١).

فإنّها صريحة الدلالة على المطلوب ، وإذا جازت النيابة عن الحيّ جازت عن الميّت بطريقٍ أولى ، كما أنّه إذا صحّ التبرّع فيها صحّت الإجارة عليها.

(١) كما دلّت عليه معتبرة الحارث بن المغيرة والتعبير عنها بالخبر المشعر بالضعف كما في المستمسك (٢) في غير محلّه قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٩٣ / أبواب المزار ب ١٠٣ ح ١.

(٢) مستمسك العروة ١٢ : ١٣٧.

٣٨٦

[٣٣٤٦] مسألة ١٧ : لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحيّ (١) في الصلاة ولو في الصلوات المستحبّة. نعم ، يجوز ذلك في الزيارات والحجّ المندوب ، وإتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان النيابة ،

______________________________________________________

وأنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكّة : إنّي أردت أن أحجّ عن ابنتي «قال : فاجعل ذلك لها الآن» (١).

المؤيّدة بمرسلة الصدوق ، قال : قال رجل للصادق (عليه السلام) : جعلت فداك ، إنّي كنت نويت أن ادخل في حجّتي العام أبي (أُمّي) أو بعض أهلي فنسيت «فقال : الآن فأشركها» (٢).

فإنّ نيّة النيابة لمّا كان ظرفها قبل العمل لا بعده ، إذ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع ، فلا جرم كان المنسبق منهما إرادة إهداء الثواب كما فهمه صاحب الوسائل ، فلاحظ (٣).

(١) أمّا عن الميّت : فقد تقدّم البحث حوله مستقصًى في كتاب الصلاة (٤) ، فلا نعيد.

وأمّا عن الحيّ : فالمعروف والمشهور بين الفقهاء عدم الجواز في مطلق

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٤ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٠٤ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٩ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٧٩ / ١٣٧٠.

(٣) لا مانع عند سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) من العدول بعد العمل تعبّداً إذا ساعده الدليل كما التزم (دام ظلّه) به في مثل قوله : أربع مكان أربع ، فليكن المقام من هذا القبيل ، إلّا أن يقال : إنّه متى دار الأمر بينه وبين إهداء الثواب فالثاني أقرب إلى الفهم العرفي والدوران حاصل في المقام دون المورد المزبور كما لا يخفى.

(٤) شرح العروة (الصلاة ٥) : ١٣١ وما بعدها.

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العبادات من الصلاة والصيام والحجّ ونحوها ما لم يقم عليه دليل بالخصوص ، نظراً إلى أنّ العبادات توقيفيّة تتوقّف مشروعيّتها على قيام الدليل ، ومقتضى إطلاق الأوامر المتعلّقة بها اعتبار المباشرة ممّن خوطب بها ، وعدم السقوط بفعل الغير. وحيث لم ينهض دليل على صحّة النيابة عن الحيّ والتصدّي لتفريغ ذمّته فلا جرم يحكم بفسادها.

نعم ، قد يستدلّ على الصحّة بروايتين :

إحداهما : ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن علي ، عن الحكم بن مسكين ، عن محمّد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين ، يصلّي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً» (١).

ولكنّك خبير بأنّ للمناقشة في دلالتها مجالاً واسعاً ، لجواز عود الفقرات أعني : قوله «يصلّي عنهما» إلخ إلى خصوص قوله (عليه السلام) : «ميّتين» ، باعتبار أنّ البرّ بالوالدين وهما حيّان معلوم الكيفيّة يعرفها كلّ أحد بأن يخدمهما ويطيعهما ويحسن معاشرتهما فيكون بذلك بارّاً ، وهذا أمر ظاهر لدى كلّ إنسان غني عن التعرّض والبيان.

وأمّا البرّ بهما وهما ميّتان فكيفيّته مجهولة وبعيدة عن أذهان العامّة كما لا يخفى ، فاحتيجت إذن إلى البيان والتعريف ، ولأجله ذكر (عليه السلام) أنّها تتحقّق بالصلاة والتصدّق والحجّ عنهما.

وعلى الجملة : دعوى اختصاص المذكورات بالميّتين وعدم الشمول للحيّين

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١ ، الكافي ٢ : ١٢٧ / ٧.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

غير بعيدة. فالدلالة إذن قاصرة.

وعلى تقدير الدلالة وتسليم الظهور في جواز النيابة عن الحيّ فالسند ضعيف لا يمكن إثبات حكم شرعي بها إلّا على سبيل الرجاء.

فإنّ محمّد بن علي الواقع في السند الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن خالد وهو يروي عن الحكم بن مسكين في غير مورد لا يبعد بل هو الظاهر أنّ المراد به الصيرفي المعروف الملقّب بأبي سمينة ، بل في رواية في الكافي التصريح بالصيرفي (١) ، وهو كما كتب في حقّه كذّاب ضعيف لا يعتنى بما يرويه ، وقد أخرجه أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم ومنعه عن الرواية.

وإن أُريد به شخص آخر فهو مجهول ، فالرجل مردّد بين الضعيف والمجهول ، فلا يمكن التعويل على مثل هذه الرواية بوجه.

الثانية : ما رواه السيّد ابن طاوس عن الحسين بن أبي الحسن العلوي الكوكبي في كتاب المنسك ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : أحجّ وأُصلّي وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ «قال : نعم ، تصدّق عنه ، وصلّ عنه ، ولك أجر بصلتك إيّاه» (٢).

وهي كما ترى صريحة الدلالة في جواز النيابة عن الحيّ على سبيل الإطلاق ، ولا مجال للحمل على ما ثبتت فيه صحّة النيابة من الخارج كما فعله ابن طاوس ، إذ لا مقتضي له بعد إطلاق الرواية.

إلّا أنّها ضعيفة السند من جهات ، لجهالة طريق ابن طاوس إلى كتاب المنسك كجهالة مؤلّفه وهو العلوي الكوكبي ، وجهالة طريق المؤلّف إلى علي بن

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٤ / ١٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٧٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٩.

٣٨٩

بل من باب سببيّة الزيارة لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين (١) ، ويحتمل جواز قصد النيابة فيها ، لأنّها تابعة للزيارة ، والأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع.

______________________________________________________

أبي حمزة ، أضف إلى ذلك أنّ هذا الرجل أي علي بن أبي حمزة كذّاب على ما ذكره الشيخ (١). إذن فالرواية ضعيفة جدّاً ، فكيف يمكن الاستناد إليها سيّما بعد أن لم يعمل بها المشهور لكي يتوهّم الانجبار؟! فالصحيح ما ذكره في المتن من عدم جواز النيابة عن الحيّ في مطلق العبادات ما لم يقم عليه دليل بالخصوص.

(١) فتقع الصلاة عن النائب نفسه لا عن المنوب عنه ، باعتبار أنّ تحقّق الزيارة خارجاً يستوجب استحباب الصلاة ركعتين للزائر بما هو زائر ، أصيلاً كان أو نائباً عند المزور.

ولكن الأظهر ما ذكره (قدس سره) من الاحتمال الثاني من جواز قصد النيابة ، نظراً إلى أنّ هذه الصلاة تعدّ من مكمّلات الزيارة وتوابعها وشؤونها المستوجبة لمزيد الأجر والمثوبة عليها ، وليست عملاً مستقلا في قبالها ، نظير الصلاة المشتملة على الأذان والإقامة بالقياس إلى الفاقدة لهما ، فلا تحتاج مشروعيّة النيابة فيها عن الحيّ إلى دليل آخر غير ما دلّ على مشروعيّة النيابة في الزيارة ، بل نفس هذا الدليل بعد ملاحظة استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) مثلاً وأنّها تعدل حجّة وعمرة وما ورد من أنّ الصلاة مكمّلة للأجر كافٍ في المطلوب.

__________________

(١) الغيبة : ٦٩ ـ ٧٠.

٣٩٠

[٣٣٤٧] مسألة ١٨ : إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه لا يستحقّ عليه العوض (١) وإن كان بتخيّل أنّه مأجور عليه فبان خلافه.

[٣٣٤٨ [مسألة ١٩ : إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك (٢) ، فإن كان بقصد التبرّع لا يستحقّ عليه اجرة وإن كان من قصد الآمر إعطاء

______________________________________________________

فحال هذه الصلاة حال ركعتي الطواف في الحجّ في أنّ دليل تشريع النيابة فيه عن الحيّ يستوجب مشروعيّتها في الركعتين أيضاً ، لكونهما معدودتين من شؤون الحجّ وأجزائه وإن لم تشرّع النيابة عن الأحياء في الصلوات ، فإنّ موضوعها الصلوات المستقلّة لا التابعة.

(١) لعدم الموجب للضمان بعد وضوح أنّ احترام عمل المسلم لا يقتضيه ، إذ معنى الاحترام عدم جواز إجباره باستيفاء عمل أو أخذ مال منه قهراً عليه ، وأمّا لو عمل باختياره وتلقاء نفسه عملاً تعود منفعته إلى الغير كغسل ثوبه أو خياطته أو بناء حائطه من غير أمر أو إذن من الغير فمجرّد الاحترام لا يستوجب الضمان ودفع العوض بوجه ، كما لعلّه ظاهر ، بل لم يستشكل فيه أحد.

(٢) قد عرفت آنفاً حكم العمل للغير بغير أمره.

وأمّا لو عمل له مع الأمر فلا ينبغي الإشكال في عدم استحقاق الأُجرة فيما إذا قصد العامل التبرّع والمجّانيّة وإن كان الآمر قاصداً لدفع الأُجرة ، إذ العامل بقصده المزبور أقدم بنفسه على إلغاء احترام ماله ، ومن المعلوم أنّ قصد الأُجرة من الآمر بمجرّده لا يستوجب الضمان ما لم يقع العمل بوصف الضمان ، أي لا على سبيل المجّان.

وعلى الجملة : لا يستحقّ العامل على الآمر شيئاً بعد أن ألغى بنفسه احترام ماله ، وهذا واضح.

٣٩١

الأُجرة ، وإن قصد الأُجرة وكان ذلك العمل ممّا له اجرة استحقّ وإن كان من قصد الآمر إتيانه تبرّعاً (*) ، سواء كان العامل ممّن شأنه أخذ الأُجرة ومعدّاً نفسه لذلك أو لا ، بل وكذلك إن لم يقصد التبرّع ولا أخذ الأُجرة ، فإنّ عمل المسلم محترم. ولو تنازعا بعد ذلك في أنّه قصد التبرّع أو لا ، قدّم قول

______________________________________________________

كما لا ينبغي الإشكال في عدم استحقاقها أيضاً فيما إذا كانت ثمّة قرينة خارجيّة على أنّ الآمر أراد المجّانيّة كما يشير إليه الماتن (قدس سره) في آخر كلامه وإن كان العامل قاصداً لأخذ الأُجرة ، لأنّ ما أتى به أعني : العمل بقصده الأُجرة لم يكن مأموراً به ، وما تعلّق به الأمر لم يكن متّصفاً بالضمان ، فهذا مثل ما لو صرّح الآمر بإرادة المجّان في أنّه في قوّة العمل من دون الأمر في انتفاء الضمان حسبما تقدّم في المسألة السابقة.

فهاتان الصورتان ممّا لا ينبغي الاستشكال فيهما.

وإنّما الكلام فيما إذا لم تقم قرينة على المجّانيّة ، ولم يقصد العامل التبرّع ، سواء أقصد الأُجرة أم كان غافلاً عن ذلك وقد أمره الآمر بعملٍ له اجرة عند العرف ، سواء أكان قد أعدّ نفسه لذلك مثل البناء والكنّاس أم لا ، فوقع العمل خارجاً بأمره واقتضائه. والمعروف والمشهور حينئذٍ هو الضمان ، بل لم ينقل فيه الخلاف وأنّه يلزمه دفع اجرة المثل.

وقد استدلّ له بقاعدة الاحترام وأنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه فلا يذهب هدراً.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ معنى الاحترام عدم كون مال المسلم بمثابة المباحات

__________________

(*) هذا إذا لم تكن قرينة موجبة لظهور الأمر في المجّانيّة.

٣٩٢

العامل ، لأصالة عدم قصد التبرّع (١) بعد كون عمل المسلم محترماً ، بل اقتضاء احترام عمل المسلم ذلك وإن أغمضنا عن جريان أصالة عدم

______________________________________________________

الأصليّة بحيث لا حرمة لها ويسوغ لأيّ أحد أن يستولي عليها ويستوفيها عن قهر وجبر ، وأنّه لو أجبره على عملٍ استحقّ المجبور بدله ولزمه الخروج عن عهدته.

وأمّا لو استوفاه منه باختياره ورضاه ولم يكن من الآمر ما عدا الأمر والاستدعاء فعنوان الاحترام لا يستدعي بذل البدل في هذه الصورة ، لبعده عن مفهومه ومدلوله كما لا يخفى. إذن فإثبات الضمان بقاعدة الاحترام في مثل المقام مشكل جدّاً.

والأولى التمسّك ببناء العقلاء وسيرتهم غير المردوعة ، فإنّها قد استقرّت على الضمان في موارد الأمر من غير نكير ، كما هو المشاهد كثيراً في مثل الحمّال والحلّاق وأضرابهما من أرباب المهن والأعمال وكذا غيرهم ، بل قد ورد في الحجّام (١) كراهة تعيين الأُجرة من الأوّل وأنّ الأولى أن يأمره ثمّ يدفع إليه اجرة المثل.

والمتحصّل : أنّ ما عليه المشهور من ثبوت الضمان في موارد الأمر هو الصحيح ما لم تقم قرينة على المجّانيّة ولم يكن العامل قاصداً للتبرّع.

(١) لما عرفت من قيام السيرة على الضمان ، إلّا إذا قصد التبرّع ، فالخارج عنوان وجودي. فكلّما لم يثبت هذا العنوان ولو بأصالة العدم يحكم بالضمان بعد

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٠٤ / أبواب ما يكتسب به ب ٩ ح ٩.

٣٩٣

التبرّع (*) (١). ولا فرق في ذلك بين أن يكون العامل ممّن شأنه وشغله أخذ الأُجرة وغيره ، إلّا أن يكون هناك انصراف أو قرينة على كونه بقصد التبرّع أو على اشتراطه.

______________________________________________________

ضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّ العمل للغير متحقّق بالوجدان ، والتبرّع منفي بالأصل ، فيحرز به موضوع الضمان ، أعني : صدور العمل لا عن تبرّع.

(١) لعلّ ما أفتى به من الضمان حتى مع الإغماض عن أصالة عدم التبرّع بدعوى أنّ ذلك هو مقتضى احترام عمل المسلم مبني على ما نسب إليه في عدّة من موارد هذا الكتاب من القول بجواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة ، وإلّا فكبرى الاحترام لو سلّم الاستدلال بها في المقام لا تقتضي ثبوت الضمان بعد فرض خروج قسم منها ، وهو ما قصد به التبرّع ، واحتمال انطباقه على الفرد المشكوك ، ومعه كيف يمكن التمسّك بالعموم مع احتمال كون هذا الفرد من أفراد المخصّص؟! ومن المعلوم أنّ الشبهة موضوعيّة.

وبالجملة : إن أجرينا الأصل وأثبتنا أنّ هذا ليس من أفراد المخصّص بل باقٍ تحت العام فهو ، وإلّا فمع الإغماض عنه كان المرجع أصالة البراءة عن الضمان ، إذ لا سبيل للتمسّك بالعامّ في موارد الشبهات المصداقيّة على ما حُقّق في الأُصول.

__________________

(*) لا وجه للضمان مع هذا الإغماض ، لأصالة البراءة عنه ، والشبهة مصداقيّة لا يتمسّك فيها بالعموم.

٣٩٤

[٣٣٤٩] مسألة ٢٠ : كلّ ما يمكن الانتفاع به منفعة محلّلة مقصودة للعقلاء مع بقاء عينه يجوز إجارته ، وكذا كلّ عمل محلّل مقصود للعقلاء عدا ما استثني يجوز الإجارة عليه ولو كان تعلّق القصد والغرض به نادراً لكن في صورة تحقّق ذلك النادر (١) ، بل الأمر في باب المعاوضات الواقعة على الأعيان أيضاً كذلك ، فمثل حبّة الحنطة لا يجوز بيعها لكن إذا حصل مورد يكون متعلّقاً لغرض العقلاء (*) ويبذلون المال في قبالها يجوز بيعها.

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) من اعتبار كون مورد المعاملة من بيع أو إجارة متعلّقاً لغرض العقلاء ومقصوداً لهم نوعاً ولو نادراً ، مبني على أحد أمرين :

أحدهما : اعتبار الماليّة في العوضين. ومن البيّن تقوّم الماليّة بما يكون مورداً لأغراض العقلاء ومتعلّقاً لرغباتهم ولو في الجملة ، وإلّا فالعاري عن الغرض العقلائي بتاتاً لا يستحقّ إطلاق اسم المال عليه ، فلا تصحّ المعاوضة لديه.

ويندفع : بعدم نهوض دليل يعوّل عليه على اعتبار الماليّة في باب المعاوضات.

ولا شهادة في قول صاحب المصباح من أنّ البيع مبادلة مال بمال (١) ، ضرورة أنّ التفسير اللغوي شرحٌ اسمي وتعريف إجمالي وليس ناظراً إلى جميع ما يعتبر في المعنى نفياً وإثباتاً طرداً وعكساً ، فلا يكون قول مَن هذا شأنه حجّة على اعتبار الماليّة في تحقّق البيع.

ومن ثمّ ربّما يصدق على ما لا ينطبق عليه مفهوم المال ، لعدم رغبة أيّ أحد فيه ، كما لو وجد خطّ أبيه عند أحد في ورقة مندرسة بخطّ ردي‌ء ومطلب تافه

__________________

(*) الظاهر أنّه يكفي في صحّة البيع تعلّق الغرض الشخصي به.

(١) المصباح المنير ١ : ٦٩.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بحيث لا يرغب فيه أيّ إنسان ولا يبذل بإزائه في سوق العقلاء حتى فلس واحد ، ولكن الولد لشفقته وفرط علاقته بأبيه يرغب في شرائه واقتنائه ، فإنّه لا ينبغي الشكّ وقتئذٍ في صدق البيع عليه مع عدم كونه مصداقاً لمبادلة مال بمال بالضرورة ، فليس البيع إلّا مبادلة ملك بملك ومعاوضة لا مجّانيّة من دون اعتبار الماليّة في شي‌ء من العوضين.

ودعوى : أنّ المبادلة حينئذٍ تكون من أكل المال بالباطل.

غير مسموعة ، فإنّ الآية المباركة ناظرة إلى بيان السبب المجوّز للأكل وأنّه منحصر في التجارة الناشئة عن تراضٍ من الطرفين في مقابل السبب الباطل من النهب والقمار ونحوهما ، وأجنبيّة عن الدلالة على اعتبار الماليّة وتعلّق الأغراض العقلائيّة بالكلّيّة ، بل النظر مقصور على التنويع في الأسباب فقط حسبما عرفت.

ثانيهما : أنّ المعاملة الواقعة على ما لا ماليّة له عند العقلاء ولم يكن مورداً لأغراضهم ومقاصدهم سيّما بثمن أو اجرة خطيرة تعدّ من المعاملة السفهائيّة المحكومة بالبطلان.

وفيه أوّلاً : ما عرفت آنفاً من منع الصغرى ، وأنّه قد يتّفق غرض شخصي يخرجه عن السفاهة ، كما تقدّم من مثال خطّ الأب ، بحيث إنّ العقلاء أيضاً لا يلومونه على هذا الشراء.

وثانياً : أنّ المعاملة وإن عدّت سفهائيّة كما لو احتاج إلى عود من الشخّاط وهو مبتذل في الأسواق بسعر زهيد ويمكنه الشراء من غير أيّة مشقّة أو كلفة ولو بأن يأمر خادمه بالشراء من السوق المجاور لداره القريب المسافة ، ولكنّه مع ذلك يشتري هذا العود الواحد بدينار واحد فإنّه لا شكّ في أنّ هذه المعاملة تعدّ عند العقلاء معاملة سفهائيّة ، سيّما إذا كانت القيمة خطيرة ، إلّا أنّ الكبرى ممنوعة ، فإنّ الباطل إنّما هي المعاملة الصادرة من السفيه ، أي من

٣٩٦

[٣٣٥٠] مسألة ٢١ : في الاستئجار للحجّ المستحبّي أو الزيارة لا يشترط أن يكون الإتيان بها بقصد النيابة (١) ، بل يجوز أن يستأجره لإتيانها بقصد إهداء الثواب إلى المستأجر أو إلى ميّتة ، ويجوز أن يكون لا بعنوان النيابة ولا إهداء الثواب ،

______________________________________________________

لا يدرك صلاحه وفساده ولا يتمكّن من إدارة شؤونه ، كما يشير إليه قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) إلخ (١) ، لا المعاملة السفهائيّة الصادرة ممّن يدرك ومع ذلك أقدم وفعل لغايةٍ هو أدرى بها. ومن البيّن عدم إطلاق اسم السفيه على من تصدر منه مثل هذه المعاملة السفهائيّة مرّة أو مرّتين ، بل مقتضى عموم : «الناس مسلّطون» إلخ ، صحّة هذه المعاملة الحاوية لغرض شخصي وإن كانت فاقدة لغرض نوعي عقلائي.

وحيث لم يتمّ شي‌ء من الأمرين فالظاهر أنّه يكفي في صحّة الإجارة كالبيع مجرّد تعلّق غرض شخصي مصحّح لاعتبار الملكيّة ، سواء أكان الغرض عقلائيّاً ولو نادراً أم لا حسبما عرفت.

(١) ذكر (قدس سره) وجوهاً ثلاثة لكيفيّة الاستئجار للحجّ المندوب والزيارة :

أحدها : ما هو المتداول من الإتيان بها بقصد النيابة.

ثانيها : الإتيان بقصد إهداء الثواب.

ثالثها : لا هذا ولا ذاك ، بل مقصود المستأجر مجرّد إيجادها في الخارج ولو كان عن الأجير نفسه ، أو نيابةً عمّن يريد ، نظراً إلى أنّه عمل محبوب لله فيريد

__________________

(١) النساء ٤ : ٦.

٣٩٧

بل يكون المقصود إيجادها في الخارج من حيث إنّها من الأعمال الراجحة فيأتي بها لنفسه ولمن يريد نيابةً أو إهداءً.

______________________________________________________

المستأجر تحقّقه خارجاً كيفما اتّفق وإن لم ينتفع هو بشخصه ، كما في الإجارة على كنس المسجد وإن لم يصلّ المستأجر فيه ، فيستأجر أحداً للحجّ أو لزيارة الحسين (عليه السلام) رغبةً منه في تكثير الحجّاج أو زوّار الحسين (عليه السلام).

ولا ينبغي الشكّ في صحّة الإجارة بكلّ من الوجوه الثلاثة ، عملاً بإطلاق الأدلّة كما أفاده في المتن.

غير أنّه ربّما يستشكل في الوجه الثاني بجهالة ترتّب الثواب ، لجواز اقتران العمل بموانع القبول ، فلم يحرز استحقاق المثوبة ، ومع الجهل به يشكّ في التمكّن من الإهداء ، للشكّ في تحقّق موضوعه. ومثله لا يصلح طرفاً للمعاوضة كما لا يخفى.

ويندفع : بعدم كون الثواب مملوكاً لأحد لكي يهديه حتى مع العلم بصحّة العمل ، وعدم اقترانه بموانع القبول ، فإنّ الثواب إنّما ثبت بوعد الله سبحانه وتفضّله ، لا باستحقاق من العبد وتملّكه ، بل وظيفته العبوديّة والمثول بين يديه من دون أن يملك جزاءً من ربّه ، فليس الثواب تحت حيطته وسلطته في أيّ مورد حتى يقال بأنّه مع الشكّ فيه كيف تصحّ الإجارة على الإهداء؟! بل معنى إهداء الثواب أحد أمرين :

إمّا جعل العمل له بأن ينوي بقاءً وقوعه عنه بدلاً عن النيابة عنه حدوثاً ومن أوّل الأمر ، كما لعلّه المتراءى من قوله (عليه السلام) في معتبرة ابن المغيرة : «... فاجعل ذلك لها الآن» (١) ، ولا ضير في تأخير النيّة في الأُمور الاعتبارية

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٤ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٩ ح ١.

٣٩٨

[٣٣٥١] مسألة ٢٢ : في كون ما يتوقّف عليه استيفاء المنفعة كالمداد للكتابة والإبرة والخيط للخياطة مثلاً على المؤجر أو المستأجر ، قولان (١) ، والأقوى وجوب التعيين ، إلّا إذا كان هناك عادة ينصرف إليها الإطلاق ، وإن كان القول بكونه مع عدم التعيين وعدم العادة على المستأجر لا يخلو عن وجه أيضاً (*) ، لأنّ اللازم على المؤجر ليس إلّا العمل.

______________________________________________________

بعد مساعدة الدليل ، ومن المعلوم أنّ الإهداء بمعنى الجعل أمر اختياري له أن يجعل وأن لا يجعل.

أو بمعنى الطلب من الله والدعاء والابتهال إليه بأن يتفضّل فيعطي الثواب إلى شخص آخر ، كما قد يظهر ممّا ورد في بعض الزيارات من قول : اللهمّ اجعل ثواب هذا ، إلخ. وهذا أيضاً فعل اختياري كسابقه.

وعلى التقديرين فمورد الإجارة فعل اختياري صادر من الأجير له أن يفعل وأن لا يفعل.

وأمّا بحسب النتيجة هل يترتّب الثواب أو لا؟

فالأجير أجنبي عن ذلك ، فإنّه إنّما يأخذ الأُجرة بإزاء عمله المملوك له وهو الإهداء بأحد المعنيين ، وأمّا ترتّب الثواب خارجاً فلا يرتبط به وخارج عن مورد الإجارة ، والمصحّح للإهداء المزبور هو مجرّد احتمال ترتّب الثواب كما لا يخفى.

(١) فعن جماعة : أنّها بأجمعها على الأجير ، لوجوب العمل عليه بمقتضى

__________________

(*) والأفضل التفصيل بين ما يبقى للمستأجر بعد العمل كالخيط وما لا يبقى له كالإبرة وإنّما هو من معدّات العمل ، فما كان من قبيل الأوّل فعلى المستأجر ، وما كان من قبيل الثاني فعلى المؤجر.

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عقد الإيجار ، فيجب ما يتوقّف العمل عليه أيضاً ، لأنّ مقدّمة الواجب واجبة.

وعن آخرين : أنّها على المستأجر ، إذ ليس في عهدة الأجير ما عدا العمل المحض ، وأمّا الأعيان فهي خارجة عن مفهوم الإجارة.

واختار الماتن وجوب التعيين فيما إذا لم تقم قرينة عليه من الخارج أو عادة ينصرف إليها الإطلاق عند العقد ، لرفع الجهالة المعتبر في صحّة الإجارة ، وإن مال أخيراً إلى الوجه الثاني ، لما عرفت.

والصحيح في المقام أنّ يقال : إنّه إن كانت هناك قرينة داخليّة أو خارجيّة دالّة على التعيين فهو ، وإلّا فلا بدّ من التفصيل بين مقدّمة العمل وموضوعه ، أو فقل بين ما يبقى للمستأجر بعد العمل وما لا يبقى.

بيان ذلك : أنّ العمل المستأجر عليه على ضربين :

فتارةً : لا يحتاج في تحقّقه إلى أيّ موضوع مفروض الوجود خارجاً ، وإنّما هو عمل بحت قائم بشخص الأجير ، غاية الأمر أنّ لهذا العمل كسائر الأعمال مقدّمات وجوديّة يتوقّف تحقّقه على تحصيلها.

وفي مثله لم يكن بدّ للأجير نفسه من التصدّي لتحصيلها مقدّمةً لإيجاد ما يتوقّف عليها ، الذي وجب عليه الخروج عن عهدته بمقتضى عقد الإيجار.

وهذا كما لو استؤجر لأداء الحجّ أو الصلاة عن الميّت ، فإنّ للحجّ مقدّمات ماليّة من الزاد والراحلة وثوبي الإحرام ، وكذلك الصلاة من تحصيل ماء للطهور ولباس للستر وهكذا من سائر المقدّمات الوجوديّة ، فإنّ اللازم على الأجير تحصيلها برمّتها كما عرفت وليس له مطالبة المستأجر بشي‌ء منها ، لأنّه قد استؤجر على الإتيان بصلاة صحيحة أو حجّ كذلك ، فهو المسئول عن الصحّة والإتيان بمقدّماتها.

وتارةً اخرى : يكون للعمل موضوع في الخارج وقد وقعت الإجارة على

٤٠٠