موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٣٣٢٤] مسألة ٧ : لو آجر نفسه للخياطة مثلاً في زمان معيّن فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأنّه غير العمل المستأجر عليه (٢) لم يستحقّ شيئاً ، أمّا الأُجرة المسمّاة فلتفويتها على نفسه (*) بترك الخياطة ، وأمّا أُجرة المثل للكتابة مثلاً فلعدم كونها مستأجراً عليها فيكون كالمتبرّع بها ، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها ولو كان مشتبهاً غير متعمّد ، خصوصاً مع جهل المستأجر بالحال.

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) من عدم استحقاق الأجير حينئذٍ شيئاً من الأُجرتين سواء أكان عالماً بالحال أم جاهلاً ومن المعلوم عدم وجوب الإخبار على المستأجر العالم لا يتمّ على إطلاقه ، فإنّ تعليله (قدس سره) لعدم استحقاق الأُجرة المسمّاة بتفويتها على نفسه بترك الخياطة غير وجيه ، ضرورة ثبوت الاستحقاق بمجرّد انعقاد العقد الصحيح من غير إناطة له بالوفاء الخارجي ، غايته ثبوت الخيار لدى التخلّف وعدم التعقّب بالتسليم ، فمع فسخه لا يستحقّ ، ومع الإمضاء يلزمه بعد تسلّم الأُجرة المسمّاة دفع اجرة المثل للعمل الفائت المستأجر عليه.

فالصحيح أن يقال : إنّ الأجير إذا عمل غير العمل المستأجر عليه فليس له مطالبة أُجرة المثل بعد أن لم يكن صدوره بأمر المستأجر.

وأمّا بالنسبة إلى الأُجرة المسمّاة فإن فسخ المستأجر لم يستحقّها أيضاً ، وإلّا استحقّها وكان عليه دفع اجرة المثل بدلاً عمّا فوّته من العمل المستأجر عليه.

__________________

(*) مرّ أنّ التفويت لا يوجب بطلان الإجارة بل المستأجر مخيّر بين الفسخ ومطالبة قيمة العمل المستأجر عليه ، وبه يظهر الحال في المسألة الآتية.

٣٢١

[٣٣٢٥] مسألة ٨ : لو آجر دابّته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه (١) وحمّلها متاع عمرو لم يستحقّ الأُجرة على زيد ولا على عمرو.

[٣٣٢٦] مسألة ٩ : لو آجر دابّته من زيد مثلاً فشردت قبل التسليم إليه أو بعده في أثناء المدّة بطلت الإجارة (*) ، وكذا لو آجر عبده فأبق (٢) ، ولو غصبهما غاصب (٣) : فإن كان قبل التسليم فكذلك ، وإن كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة ، ويحتمل

______________________________________________________

(١) وكذا لو تعمّد. ويجري هنا أيضاً ما عرفته آنفاً من اختصاص عدم استحقاق الأُجرة المسمّاة بصورة اختيار الفسخ ، أمّا مع الإمضاء فيستحقّها وله مطالبة الأجير بعوض العمل الفائت. فإطلاق عدم الاستحقاق بالإضافة إلى المسمّاة في غير محلّه.

(٢) إذ يعتبر في صحّة الإجارة أن تكون المنفعة قابلة التسليم وممكنة التحقّق خارجاً ، وإلّا فغير الممكن لم تكن مملوكة للمالك من الأوّل حتى يملّكها ، فلا تصحّ الإجارة عليها. إذن فمنفعة العبد والدابّة حالة الشرد والإباق لم يملكها المالك من أصلها ومعه لا موقع لتمليكها بالإجارة.

وعليه ، فإن كان ذلك قبل التسليم بطلت الإجارة رأساً ، وإن طرأ أثناء المدّة بطلت في الباقي ، لفوات المنفعة وتعذّرها بالإضافة إليه ، وحينئذٍ فللمستأجر خيار التبعّض بالنسبة إلى ما مضى ، ومع فسخه يسترجع تمام الأُجرة المسمّاة ويؤدّي اجرة المثل لما مضى.

(٣) أمّا إذا كان الغصب بعد التسليم فالحكم واضح ، ضرورة عدم التزام

__________________

(*) بالإضافة إلى المدّة الباقية ، وللمستأجر الخيار بالإضافة إلى ما مضى.

٣٢٢

التخيير (*) بين الرجوع على الغاصب وبين الفسخ في الصورة الأُولى وهو ما إذا كان الغصب قبل التسليم.

______________________________________________________

المؤجر بحفظ المال عند المستأجر وسلامته عن الغصب ، لخروجه عن عهدته ، فلا يكون الغصب المتأخّر في يد المستأجر محسوباً عليه ليرجع إليه ، وإنّما الرجوع إلى الغصب ليس إلّا ، فيطالبه المستأجر بأُجرة المثل لما فات في يده من المنافع.

وأمّا إذا كان قبل التسليم فقد احتمل الماتن التخيير بين مراجعة الغاصب وبين الفسخ بعد أن احتمل البطلان أوّلاً.

ولكن الظاهر أنّ ما ذكره (قدس سره) أخيراً هو الصحيح ، إذ لم يوجد أيّ مقتضٍ للبطلان بعد أن كانت المنفعة في نفسها قابلة للاستيفاء وممكنة التحقّق خارجاً ، غاية الأمر أنّ الظالم حال دون فعليّة الاستفادة وصدّ عن الانتفاع ، فالذي حدث نتيجةً للغصب إنّما هو تعذّر التسليم لا سقوط العين عن صلاحيّة الانتفاع كما كان كذلك في صورة الإباق والشرد كما مرّ وبما أنّ التسليم شرط ارتكازي في صحّة كلّ عقد معاوضي فلا يوجب تخلّفه إلّا الخيار ، فمع اختيار الفسخ يسترجع الأُجرة المسمّاة عن المؤجر ، وإلّا فيطالب الغاصب بعوض المنفعة الفائتة تحت يده إن تمكن.

وعلى الجملة : لا قصور في التمليك والتملّك ، وإنّما القصور في التسليم والتسلّم ، ومثله لا يستوجب إلّا الخيار دون البطلان حسبما عرفت (١).

__________________

(*) هذا هو المتعيّن ، والفرق بين المقام وما تقدّم من تعيّن الرجوع على الظالم في بعض الصور منعه يظهر بالتأمّل.

(١) في تعليقة سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) على المقام ما نصّه : والفرق بين المقام وما تقدّم

٣٢٣

[٣٣٢٧] مسألة ١٠ : إذا آجر سفينته لحمل الخلّ مثلاً من بلد إلى بلد فحمّلها المستأجر خمراً لم يستحقّ المؤجر إلّا الأُجرة المسمّاة ، ولا يستحقّ اجرة المثل لحمل الخمر ، لأنّ أخذ الأُجرة عليه حرام (١) ، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة.

______________________________________________________

(١) فلم تقابل تلك المنفعة المحرّمة المستوفاة بالمال ليترتّب الضمان ، إذ هي بعد الحكم عليها بالحرمة في حكم المنفعة غير المملوكة ، فلا يقاس المقام بما تقدّم في المنفعتين المتضادّتين من استحقاق كلتا الأُجرتين (١) ، لأنّهما كانتا محلّلتين ، بخلاف ما نحن فيه. ومن ثمّ لم يستحقّ هنا إلّا الأُجرة المسمّاة الواقعة بإزاء المنفعة المحلّلة.

__________________

من تعيين الرجوع على الظالم في بعض صور منعه يظهر بالتأمّل.

ومراده من بعض تلك الصور ما إذا كان منع الظالم متوجّهاً إلى المستأجر في انتفاعه لا إلى المؤجر في تسليمه ، كما صرّح به في تعليقته المتقدّمة على المسألة الحادية عشرة من الفصل الثالث.

والفارق بين الموردين كما صرّح (دام ظلّه) به : هو أنّ منع الظالم في المورد المزبور لا يستوجب قصوراً في التسليم المعتبر من ناحية المؤجر ، فلا مقتضي للفسخ والرجوع إليه بالأُجرة. وهذا بخلاف المقام ، إذ المفروض هنا غصب الغاصب لا منع الظالم المأخوذ في موضوع تلك المسألة ومن المعلوم أنّ الغصب بالإضافة إلى المؤجر والمستأجر على حدٍّ سواء ، فهو كما يمنع المستأجر عن التسلّم يمنع المؤجر عن التسليم. ومن ثمّ كان مخيّراً بين مراجعة الغاصب نظراً إلى أنّه بمنعه عن التسلّم فوّت عليه المنفعة ، وبين الفسخ ومراجعة المؤجر لعدم تحقّق التسليم الموجب تخلّفه لثبوت الخيار.

وممّا ذكرنا يظهر ما في جملة من التعاليق من دعوى التنافي في كلام السيّد الماتن بين الموردين ، فلاحظ.

(١) في ص ٣١٠ وما بعدها.

٣٢٤

لا يُقال : فعلى هذا إذا غصب السفينة وحمّلها خمراً كان اللازم عدم استحقاق المالك اجرة المثل ، لأنّ اجرة حمل الخمر حرام.

لأنّا نقول : إنّما يستحقّ المالك اجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة في هذه المدّة ، وفي المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة ، لأنّه أعطاه الأُجرة المسمّاة لحمل الخلّ بالفرض.

[٣٣٢٨] مسألة ١١ : لو استأجر دابّة معيّنة من زيد للركوب إلى مكان فاشتبه وركب دابّة أُخرى له (١) لزمه الأُجرة المسمّاة للأُولى وأُجرة المثل للثانية ، كما إذا اشتبه فركب دابّة عمرو فإنّه يلزمه اجرة المثل لدابّة عمرو ، والمسمّاة لدابّة زيد ، حيث فوّت منفعتها على نفسه.

______________________________________________________

ثمّ أشكل على نفسه بأنّ مقتضى ذلك عدم استحقاق المالك اجرة المثل لدى غصب السفينة وحملها خمراً. وهو كما ترى.

وأجاب (قدس سره) باستحقاقه لها بإزاء ما فوّته عليه من المنافع المحلّلة في هذه المدّة لا بإزاء ما استوفاه من المنفعة المحرّمة ، ومن ثمّ لو لم يستوفها أيضاً بل بقيت العين معطّلة حتى انقضت المدّة كان ضامناً لتلك المنافع ، لمكان التفويت المزبور.

وأمّا في المقام فلا تفويت ، إذ بعد أن طبّق المالك ما يختاره من المنافع على مورد الإجارة فقد استوفاها باستيفاء الأُجرة ، والبقيّة تتلف بطبعها بعد أن لم يتمكّن المالك من استيفائها خلال مدّة الإجارة ، فلا تفويت كما لا ضمان إلّا بإزاء المسمّاة.

وما أفاده (قدس سره) وجيهٌ وصحيح.

(١) وكذا لو تعمّد ، فيلزم بكلتا الأُجرتين حسبما قرّره في المتن.

٣٢٥

[٣٣٢٩] مسألة ١٢ : لو آجر نفسه لصوم يومٍ معيّن عن زيد مثلاً ثمّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو (١) لم تصحّ الإجارة الثانية ، ولو فسخ الاولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحّتها ، بل ولو أجازها ثانياً ، بل لا بدّ له من تجديد العقد ، لأنّ الإجازة كاشفة ولا يمكن الكشف هنا ، لوجود

______________________________________________________

(١) فوقعت الإجارة الثانية على عين ما وقعت عليه الإجارة الأُولى. ولا إشكال حينئذٍ في بطلان الثانية ، لوضوح عدم قبول يوم واحد للصوم عن شخصين ، وبما أنّه ملّكه للمستأجر الأوّل في الإجارة الأُولى فلم يبق له عمل آخر مملوك ليملّكه للغير. وهذا واضح.

وإنّما الكلام في أنّه لو فسخت الإجارة الأُولى بخيارٍ أو إقالة فهل تصحّ الثانية مع الإجازة أو بدونها نظراً إلى ارتفاع المانع؟

اختار في المتن عدم الصحّة حتى مع الإجازة ، استناداً إلى أنّها كاشفة لا ناقلة ، ولا سبيل إلى الكشف في المقام بعد فرض كون العمل مملوكاً للمستأجر الأوّل حالة وقوع الإجارة الثانية ، لوضوح امتناع كونه في هذا الحال مملوكاً للمستأجر الثاني أيضاً ، فلم يكن المؤجر وقت انعقاد الإجارة الثانية مالكاً للصوم ليستكشف تمليكه للغير ويحكم بصحّتها بالإجازة ، وإنّما يملّكه بعد ذلك بسبب الفسخ اللاحق ، فيندرج حينئذٍ فيما يشبه كبرى : مَن باع ثمّ ملك ، والمعروف فيها البطلان حتى مع الإجازة.

بل ذكر (قدس سره) أنّ المقام أشكل.

٣٢٦

المانع حين الإجارة ، فيكون نظير من باع شيئاً ثمّ ملك ، بل أشكل (*) (١).

______________________________________________________

(١) والوجه في ذلك : أنّ في مورد تلك الكبرى يمكن تصحيح البيع في ظرف وقوعه بالإجازة ، غايته بإجازة من مالك العين لا من البائع ، فهو في نفسه قابل للصحّة بإجازة المالك ، فيبحث عن أنّ اختلاف المالك حال الإجازة عن المالك حال البيع هل يستوجب فرقاً في تأثير الإجازة أو لا؟ وفيه خلاف معروف.

وأمّا في المقام فالإجارة الثانية غير قابلة للإجازة من أيّ أحد حال انعقادها لا من المؤجر ولا من المستأجر الأوّل الذي هو مالك للعمل. أمّا المؤجر فلعدم كونه مالكاً آن ذاك على الفرض ، وأمّا المستأجر فلكونه أجنبيّا عن هذا العقد ، ضرورة أنّه إنّما يملك حصّة خاصّة من الصوم ، وهو الصوم عن زيد مثلاً لا طبيعيّ الصوم ، فالصوم عن عمرو الذي هو مورد الإجارة الثانية أجنبي عن المستأجر الأوّل بالكلّيّة ولا يرتبط به بوجه ، فليس له حقّ في الإجازة أبداً ، فلأجل هذه العلّة كانت الصحّة هنا أشكل.

أقول : هذا وجيه جدّاً ، بناءً على القول بامتناع ملكيّة المنافع المتضادّة ، إذ عليه لم يكن المؤجر مالكاً لهذه المنفعة التي ملّكها للمستأجر الثاني حال تمليكها ، وإنّما يملكها بعد ذلك فيندرج في كبرى : من باع ثمّ ملك ، بل يكون

__________________

(*) وجه الإشكال أنّ المعاملة في مسألة من باع شيئاً ثمّ ملك قابلة للإجازة من المالك الواقعي حين حدوثها ، وفي المقام الإجارة الثانية غير قابلة للإجازة من أحد حين وقوعها ، هذا ولكن الصحيح بناءً على ما ذكرناه سابقاً من انّ المنافع المتضادة مملوكة جميعاً فالمقتضي لصحة الإجارة الثانية موجود ، وهو ملك المؤجر المنفعة المستأجر عليها في الإجارة الثانية ، ولكن المانع وهو المزاحمة وعدم إمكان استيفاء كلتا المنفعتين متوفر ، فإذا افترضنا رفع المانع بالإقالة أو الفسخ فلا مانع من الحكم بصحة الإجارة المزبورة من دون حاجة إلى الإجازة ، فيكون المقام نظير نكاح العبد بدون إذن مولاه.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المقام أشكل كما أُفيد.

وأمّا بناءً على ما اختاره وقوّيناه من القول بالجواز فالمنفعة الواقعة مورداً للإجارة الثانية مملوكة للمالك في نفس تلك الحالة ، غاية الأمر أنّه لم يكن له تمليكها من أجل المضادّة للمنفعة الأُخرى الواقعة مورداً للإجارة الأُولى ومنافاته لحقّ الغير ، فعدم السبيل إلى تمليك المنفعة المضادّة لا يستند إلى قصور في المقتضي أعني : عدم ملكيّته لها وإنّما هو لوجود المانع وهو مزاحمته لحقّ الغير ، فإذا أُزيل المانع بقاءً وسقط حقّ الغير بفسخٍ ونحوه فلا مانع إذن من الحكم بصحّته ، فإنّه عقد صدر من أهله ووقع في محلّه ، بل لا حاجة حينئذٍ إلى الإجازة كما لا يخفى.

فالمقام أشبه شي‌ء بنكاح العبد فيما إذا أجاز المولى بعد ذلك ، باعتبار أنّ النكاح في نفسه كان سائغاً في ظرفه وإنّما كان المانع مراعاة حقّ المولى ، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) : «إنّه لم يعص الله تعالى وإنّما عصى سيّده» (١) فإذا أجاز جاز.

إذن فلا يبعد القول بصحّة الإجارة الثانية بعد فسخ الاولى حتى من دون الإجازة فضلاً عمّا لو أجاز ، فإنّ ذلك هو مقتضى القاعدة بناءً على ملكيّة المنافع المتضادّة حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ١١٤ / أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ١.

٣٢٨

فصل

[في مسائل متفرّقة]

لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير (١) ، لا لما قيل من عدم كون مال الإجارة موجوداً (*) حينئذٍ لا في الخارج ولا في الذمّة ، ومن هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها ولو من غير الحنطة والشعير ، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض أُخرى أيضاً ، لمنع ذلك ، فإنّهما في نظر العرف واعتباره بمنزلة الموجود كنفس المنفعة ، وهذا المقدار كافٍ في الصحّة ، نظير بيع الثمار سنتين أو مع ضم الضميمة ، فإنّها

______________________________________________________

(١) أي بمقدار معيّن كمنّ أو منّين من الحنطة أو الشعير الحاصلين منها.

والظاهر أنّ هذا الحكم ممّا لا خلاف فيه ومورد لاتّفاق الكلّ ، إلّا أنّ الكلام في مستنده وأنّه هل هو الروايات الخاصّة الواردة في المقام كما اختاره في المتن أو أنّه مطابق لمقتضى القاعدة ولو لم يرد أيّ نصّ في البين.

__________________

(*) الظاهر صحّة هذا القول ، لأنّ الأُجرة لا بدّ من كونها مملوكة أو في حكم المملوكة ، كما إذا كانت من الأعمال أو شيئاً في الذمة ، والمفروض في المقام عدم ذلك ، وعليه فالإجارة باطلة ، بلا فرق بين كون الحاصل من الحنطة والشعير وكونه من غيرهما ، كما أنّه لا فرق بين كون الحاصل من تلك الأرض وكونه من غيرها ، وقياسه بمنفعة العين قياس مع الفارق ، فإنّها من شؤون العين ومملوكة بتبعها فعلاً ، بخلاف الحاصل من الأرض الذي هو معدوم حال العقد.

٣٢٩

لا تجعل غير الموجود موجوداً مع أنّ البيع وقع على المجموع.

بل للأخبار الخاصّة (*) (١).

______________________________________________________

وتظهر الثمرة في الإجارة بما يحصل منها من غير الحنطة أو الشعير كالعدس والحمّص ونحوهما من سائر الحبوبات ، أو بالحنطة أو الشعير الحاصلين من أرضٍ أُخرى غير هذه الأرض.

فعلى الأوّل : لا بدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ ، وبناءً على أنّ المستفاد من النصوص خصوص الحنطة والشعير الحاصلين من نفس الأرض كما اختاره في المتن لم يكن بأس بالإجارة بغيرهما أخذاً بعمومات صحّة الإجارة.

وعلى الثاني : يعمّ المنع مطلق الحبوب من مطلق الأرض ، بل يعمّ ما لو كانت العين المستأجرة غير الأرض من دار أو فرس ونحوهما بمناط واحد ، إذ الجميع شرع سواء أمام مقتضى القاعدة كما ستعرف.

والأظهر هو القول الثاني وأنّ بطلان الإجارة مطابق لمقتضى القاعدة ، بل لو أغضينا النظر عنها وكنّا نحن والنصوص الخاصّة لم يمكن التعويل عليها في الحكم بالبطلان ، إذ هي برمّتها بين ضعيف السند وبين ما لا دلالة له على عدم الجواز في محلّ الكلام.

وإليك عرض النصوص :

(١) فمنها : رواية الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن

__________________

(*) الأخبار بين ما هو ضعيف السند وما لا دلالة فيه ، وأما صحيح الحلبي فهو مع اختصاصه بإجارة الأرض بالحنطة غير ظاهر في النهي الوضعي ، وعليه فلا بدّ من حمله على الكراهة أي كراهة إجارة الأرض بالحنطة ثمّ زرعها حنطة.

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إجارة الأرض بالطعام «قال : إن كان من طعامها فلا خير فيه» (١).

وهي وإن لم يكن بأس بدلالتها ، نظراً إلى أنّ نفي الخير في قوّة التعبير بالفساد ، وإلّا فكيف لا يكون خير في معاملة صحيحة حاوية على مبادلة مال بمال سيّما مع الاسترباح؟! إلّا أنّ السند ضعيف بصالح بن السندي ، إذ لم يرد فيه أيّ توثيق أو مدح.

نعم ، ورد في اسناد كامل الزيارات صالح بن السندي الجمّال ، لكن الرجل البالغة رواياته في مجموع الكتب الأربعة ثمانين رواية والذي يروي عنه علي بن إبراهيم وغيره لم يلقّب في شي‌ء منها بالجمّال ، بل ذكر مطلقاً ، فلم يعلم أنّ المراد بمَن في الكامل هو هذا الرجل ، وإلّا لوُصِف به ولو في مورد واحد ، فيُظَنّ أذن أنّه غيره ، بل يكفينا مجرّد الشكّ وتطرّق الاحتمال لعدم إحراز الوثاقة على كلّ حال ، فتسقط الرواية عن صلاحيّة الاستدلال.

ومنها : رواية أبي بردة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إجارة الأرض المحدودة بالدراهم المعلومة «قال : لا بأس» قال : وسألته عن إجارتها بالطعام «فقال : إن كان من طعامها فلا خير فيه» (٢).

وهي أيضاً ظاهرة الدلالة كسابقتها ، غير أنّها ضعيفة السند بأبي بردة ، فإنّه مجهول.

وهاتان الروايتان هما العمدة في المقام لولا الخلل في السند.

وأمّا بقيّة الروايات فلا تدلّ على عدم الجواز في محلّ الكلام.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٥٥ / كتاب المزارعة ب ١٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٩ : ٥٦ / كتاب المزارعة ب ١٦ ح ٩.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

فمنها : موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا تؤاجر الأرض بالحنطة ولا بالشعير ولا بالتمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ، ولكن بالذهب والفضّة ، لأنّ الذهب والفضّة مضمون ، وهذا ليس بمضمون» (١).

وقد رويت عن أبي بصير بسند آخر ، وفيها : ... قلت : وما الأربعاء؟ «قال : الشرب ، والنطاف : فضل الماء» إلخ (٢).

وقد وصف الذهب والفضّة في بعض النصوص بأنّهما مصمتان مفسّراً ذلك في نفس الرواية بأنّهما لا يزيدان ولا ينقصان (٣) ، ولا يبعد أن يكون المراد بالمضمون في هذه الموثقة أيضاً ذلك على خلاف غيرهما من بقيّة الأجناس التي تختلف قيمتها زيادةً ونقيصةً فلا تكون مضمونة.

وكيفما كان ، فلا كلام لنا في التعليل ، وإنّما الكلام في الحكم المذكور في الموثّقة ، وهو كما ترى أجنبي عن محلّ الكلام أعني : الإيجار بما يحصل من الأرض بل موضوع النهي فيها هو الإيجار بمطلق الطعام ، سواء أكان من نفس الأرض أم من غيرها ولو في الذمّة ، في مقابل الإيجار بما هو مضمون ، أي الذهب والفضّة.

ويؤكّده عطف «الأربعاء» و «النطاف» الكاشف عن أنّ موضوع الحكم هو مطلق ما ليس بمضمون لا خصوص الحاصل من الأرض ، فهي إذن أجنبيّة عن محلّ الكلام.

وحيث لا شكّ في جواز إجارة الأرض بمطلق الطعام كما لعلّه يفصح عنه غير واحد من الأخبار فلا جرم تحمل هذه على الكراهة كما احتمله في المتن.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٥٤ / كتاب المزارعة ب ١٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٣٨ / كتاب الإجارة ب ٢٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٢٨ / كتاب الإجارة ب ٢١ ح ٦.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي المغراء ، قال : سأل يعقوب الأحمر أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال : أصلحك الله ، أنّه كان لي أخ قد هلك وترك في حجري يتيماً ، ولي أخ يلي ضيعة لنا ، وهو يبيع العصير ممّن يصنعه خمراً ويؤاجر الأرض بالطعام ، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت ، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟ «فقال : أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ نصيب اليتيم منه إلّا أن تؤاجرها بالربع والثلث والنصف» (١).

وهذه أيضاً قاصرة الدلالة ، فإنّها وإن تضمّنت لفظ الإجارة لكن المراد بها هي المزارعة يقيناً ، بقرينة حكمه (عليه السلام) في الذيل بالجواز فيما إذا كان بالثلث أو الربع ، الذي هو من مختصّات المزارعة ، فكأنّ الأُجرة في مفروض السؤال كانت مقداراً معيّناً من الطعام ، فكان البطلان مستنداً إلى فقدان شرط المزارعة وهو وقوعها على الحصّة المشاعة ، ومن ثمّ حكم (عليه السلام) أخيراً بالصحّة مع مراعاة هذا الشرط ، فيعلم من ذلك أنّ جعل الأُجرة الطعام لا بأس به في نفسه ، وإنّما الذي فيه بأس أن لا تكون الحصّة مشاعة.

وكيفما كان ، فالرواية أجنبيّة عن باب الإجارة وناظرة إلى باب المزارعة ، فهي خارجة عن محلّ الكلام بتاتاً.

ومنها : ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن يونس بن عبد الرّحمن ، عن غير واحد ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) : أنّهما سُئلا ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام ، وتؤاجرها بالذهب والفضّة؟ «قال : العلّة في ذلك أنّ الذي يخرج منها حنطة وشعير ، ولا تجوز إجارة حنطة

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٥٥ / كتاب المزارعة ب ١٦ ح ٧ ، التهذيب ٧ : ١٩٦ / ٨٦٦.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بحنطة ولا شعير بشعير» (١).

وقد اشتمل السند على إسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق صريح ، فإن ناقشنا فيه سقطت الرواية عن الحجّيّة ، وإن حكمنا بوثاقته كما هو الأظهر من أجل وقوعه في اسناد تفسير علي بن إبراهيم فالسند تام.

إلّا أنّ الدلالة قاصرة ، نظراً إلى أنّ مورد السؤال هو مطلق الطعام في مقابل الذهب والفضّة لا خصوص الشعير والحنطة ، إذن فذكرهما في الجواب إنّما هو من باب المثال لا لخصوصيّة فيهما ، إيعازاً إلى بيان الفرق بين الطعام والذهب وأنّ الخارج من الأرض ربّما يكون حنطة فجعلها اجرة يشبه إجارة الحنطة بالحنطة ، بخلاف ما إذا كانت الأُجرة ذهباً.

فهي إذن من جملة الأخبار الناهية عن إجارة الأرض بمطلق الطعام ولو في الذمّة ، أو من أرض أُخرى ، المحمولة على الكراهة كما سبق ، وأجنبيّة عن محلّ الكلام.

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمّ تزرعها حنطة» (٢).

وفيه مضافاً إلى اختصاصها بالحنطة فقط دون الشعير ـ : أنّ الظاهر منها اختصاص النهي بصورة زرع الحنطة خارجاً ، فلا نهي لو لم يزرعها أو زرع غيرها من سائر الحبوب كالشعير. فهي إذن تدلّ على جواز إجارة الأرض بالحنطة مطلقاً ، ما عدا صورة واحدة وهي التعقّب بزرع الحنطة خارجاً ، وحيث لا تأمّل في أنّ الزراعة المزبورة الواقعة بعد ذلك ليست من المحرّمات ولا المبطلات بلا إشكال فيه فالنهي الوارد فيها ظاهر في التكليفي ومحمول على

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٥٦ / كتاب المزارعة ب ١٦ ح ١١ ، العلل : ٥١٨ / ١.

(٢) الوسائل ١٩ : ٥٤ / كتاب المزارعة ب ١٦ ح ٣.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة لا محالة ، لأجل مشابهته بإجارة الحنطة بالحنطة كما في الرواية السابقة.

إذن فلم ينهض لدينا دليل من الأخبار على عدم جواز إجارة الأرض بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير أو غيرهما ، لضعفها بأجمعها سنداً أو دلالةً حسبما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ ما ذكره الماتن (قدس سره) من دلالة الأخبار على عدم جواز إجارة الأرض بما يحصل منها من الحنطة والشعير لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فإنّها مطلقة تشمل غيرهما أيضاً ، سيّما مع التصريح في بعضها بالتمر والأربعاء ، كما أنّها تشمل الحاصل من غير الأرض ، ويعلم من التعليل بالمضمون أنّ الحكم عامّ لجميع الحبوب ولم يذكر الحنطة والشعير إلّا في رواية الصدوق في العلل عن يونس ، وعرفت أنّ الحكم فيها أيضاً عامّ لمطلق الطعام ، وذكرهما إنّما هو من باب المثال.

نعم ، ذكرت الحنطة صريحاً في صحيح الحلبي ولم تذكر في غيرها ، ولكن النهي الوارد فيها مقيّد بزرعها خارجاً ، المحمول حينئذٍ على الكراهة بلا إشكال بعد ظهوره في النهي التكليفي كما عرفت ، بل عرفت حمل النهي عن مطلق الطعام الوارد في غيرها على الكراهة أيضاً.

نعم ، يظهر من التعبير ب : «لا خير فيه» في روايتين : الفساد ، وظاهرهما حاصل نفس الأرض ، ولكن الموضوع فيهما الطعام الشامل لمطلق الحبوب لا خصوص الحنطة والشعير ، على أنّهما ضعيفتا السند.

فما أفاده (قدس سره) لا يتمّ بحسب الأخبار ، سواء أكانت الأُجرة نفس الحاصل ، أم المقرّر في الذمّة بشرط الأداء من الأرض المستأجرة.

وأمّا بحسب القواعد فقد ذكر في المتن أنّ مقتضى القاعدة هو الجواز.

وأنّ ما يقال في تقرير المنع من عدم وجود حاصل الأرض فعلاً لا في الذمّة

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا خارجاً فلا يكون قابلاً للتمليك.

مندفعٌ بأنّه كالموجود بالفعل في اعتبار العرف نظير منافع العين ، فكما لا يقدح في مملوكيّتها الفعليّة تأخّرها بحسب الوجود الخارجي فكذا حاصل الأرض ، وبهذا الاعتبار صحّ بيع الثمار سنتين أو مع الضميمة ، إذ لو لم تكن قابلة للتمليك فكيف ساغ بيعها مع الضميمة؟! أقول : هذا الجواب حسن جدّاً لو كان المانع يدّعي عدم المعقوليّة ، لوضوح عدم اندفاع هذا المحذور بالضميمة ، فإنّها لا تجعل الممتنع ممكناً ، وما لا يقبل الملكيّة مملوكاً كما أُفيد.

وأمّا لو كانت الدعوى بعد الإذعان بالإمكان عدم مساعدة الدليل على صحّة التمليك في مثل المقام لا من الشرع ولا العرف ، فالجواب المزبور لا ينفع في الذبّ عنه.

وتوضيحه : أنّ الذي جرت عليه السيرة العقلائيّة وقامت على صحّته الأدلّة الشرعيّة في العقود المعاوضيّة من بيع أو إجارة ونحوهما ممّا يتقوّم بمبادلة مال بمال من عين أو منفعة : لزوم كون مورد المبادلة ملكاً فعليّاً ، أو ما في حكم الملك كالأعمال ، أو شيئاً في الذمّة ، حيث إنّها وإن لم تكن مملوكة بالملكيّة الاعتباريّة ، إذ لا يكون الإنسان مالكاً لما في ذمّته ولا لعمله كما لا يخفى ، إلّا أنّها مورد للسلطنة المطلقة ، إذ له أن يملّك عمله للغير بإجارة ونحوها ، أو أنّ يبيعه شيئاً في الذمّة ، فله سلطنة التمليك ، وبهذا الاعتبار أصبح في قوّة المملوك ، فالقابل للمبادلة ما كان مملوكاً بالفعل أو في حكم المملوك.

وأمّا ما لا يكون مملوكاً بالفعل بوجه لعدم وجوده في أيّ صقع لا الخارج ولا الذمّة وإنّما هو يوجد ويملك فيما بعد ، فلا تصحّ المعاملة عليه لا بالسيرة العقلائيّة ولا بحسب الأدلّة الشرعيّة ، ومن ثمّ لا يسوغ أن يبيع من الآن ما

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

سيولد من الدابّة فيما بعد أو الدجاجة التي ستتكون بعد تحويل البيض الموجود إليها ، ونحوها الغزال قبل أن يصيدها ، أو سمكة البحر قبل أن يتملّكها ولو مع القطع بتمكّنه من ذلك ، فإنّه لا يصحّ بيع شي‌ء من ذلك جزماً ومن غير أيّ إشكال ، لعدم كونه مالكاً لهذه الأُمور بأيّ نحو من الاعتبار العقلائي ، وإنّما سيملكها فيما بعد.

ومن هذا القبيل ما هو المبحوث عنه في المقام من المعاملة على حاصل الأرض قبل وجوده يجعله اجرة ، لوحدة المناط.

ومنه تعرف أنّ قياس الحاصل بمنافع العين المتأخّرة قياسٌ مع الفارق الظاهر ، ضرورة أنّ المنافع من شؤون العين وحيثيّتها الفعليّة القائمة بها ، فإنّ قابليّة الدار مثلاً للسكنى أو الدابّة للركوب التي هي المناط في صحّة الإجارة موجودة بالفعل بوجود العين ، فالملكيّة فعليّة وإن كان زمان المملوك متأخّراً ، فإنّ كلّ ما يعدّ من منافع العين فهي مملوكة بالفعل ، وإنّما التأخّر في ذات المملوك ، لا أنّ المملّكيّة أيضاً متأخّرة.

وعليه ، فلو آجر منافع السنين الآتية فقد ملك ما يملكه بالفعل وإن تأخّر ظرف المملوك.

وهذا بخلاف ما يحصل من الأرض فيما بعد ، فإنّه لا ملكيّة فعليّة له بتاتاً ، وإنّما هي متأخّرة كذات المملوك ، فلا تسوغ المعاملة عليه بوجه ، ومن ثمّ لم يصحّ بيع الدجاج الحاصل من البيض كما عرفت ولو مع الضميمة ، لانتفاء الملكيّة بانتفاء الوجود.

وما ورد من جواز بيع الثمر قبل وجوده بشرط الضميمة فهو حكم تعبّدي ثبت في مورده بالدليل الخاصّ ، فلا يتعدّى إلى غيره ، نظير ما ورد من جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة ، فإنّه لا يتعدّى منه إلى الفرس الآبق حتى مع الضميمة.

٣٣٧

وأمّا إذا آجرها بالحنطة أو الشعير في الذمّة لكن بشرط الأداء منها (١) ففي جوازه إشكال ، والأحوط العدم (*) ، لما يظهر من بعض الأخبار وإن كان يمكن حمله على الصورة الأُولى. ولو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالأقوى جوازه. نعم ، لا يبعد كراهته.

______________________________________________________

وعلى الجملة : فالحكم التعبّدي يقتصر على مورده ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد قيام النصّ ، ولا يتعدّى منه إلى غيره بوجه.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ إجارة الأرض بما يحصل منها باطلة بمقتضى القاعدة ، لعدم ملكيّة الحاصل قبل وجوده كي يملّك ، ولم يرد تعبّد خاصّ في المقام على خلاف ما تقتضيه القاعدة.

وهذا من غير فرق فيه بين الحنطة والشعير وغيرهما من سائر الحبوب ولا بين الحاصل من هذه الأرض أو من أرض أُخرى ، لوحدة المناط في الجميع حسبما عرفت ، كما لا يستفاد خصوصيّة من الروايات للحنطة ولا للعشير ، فإن قلنا بالجواز ففي الكلّ ، وإن قلنا بعدمه كما هو الصحيح ففي الكلّ أيضاً.

والاختصاص بهما المذكور في عبارة الماتن لا يبعد أن يكون من مختصّاته ، وإلّا فعبارة جملة من الفقهاء مطلقة بل مصرّحة بالتعميم والشمول لمطلق الحبوب. وكذا عنوان صاحب الوسائل في باب ٢٦ من أبواب أحكام الإجارة ، فلاحظ (١).

(١) قد عرفت الحال حول ما إذا كانت الأُجرة نفس الحاصل ، وأمّا إذا

__________________

(*) وإن كان الأظهر الجواز ، وقد عرفت ما في الأخبار.

(١) الوسائل ١٩ : ١٣٨.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كانت طعاماً في الذمّة فقد يشترط الأداء من الأرض المستأجرة ، وأُخرى : لا.

أمّا إذا كان بدون الشرط فلا ينبغي الإشكال في جوازه ، غايته أنّه مكروه ، لما عرفت من دلالة الأخبار على النهي المحمول على الكراهة عن جعل الأُجرة طعاماً ، بل غيره كالأربعاء والنطاف من مطلق ما ليس بمضمون ، أعني : الذهب والفضّة المصمتين.

وأمّا مع الشرط : فبناءً على ما عرفت من أنّ عدم الجواز مطابق لمقتضى القاعدة فالأمر واضح ، فإن مقتضاها هو الجواز هنا ، لأنّ ما في الذمّة في حكم المملوك كما مرّ وهذا شرط خارجي فلا مانع من صحّة العقد بوجه.

وأمّا بناءً على استفادة المنع من الأخبار كما ذكره (قدس سره) فقد استشكل فيه ، نظراً إلى ما يظهر من بعض الأخبار من شمول المنع له أيضاً ، ولكنّا لم نعثر على رواية يمكن استظهار ذلك منها ليكون منشأ للإشكال ، فإنّ العمدة منها هما الروايتان الأولتان (١) ، وموضوع السؤال فيهما وكذا في غيرهما من سائر الأخبار إنّما هو إجارة الأرض بالطعام ، فبناءً على أنّ المستفاد منها إجارة الأرض بطعامها كما هو المفروض وقد صرّح بذلك في الجواب في هاتين الروايتين فالممنوع إنّما هو خصوص ذلك ، أمّا الطعام في الذمّة المشترط أداؤه من نفس الأرض فهو طبعاً غير مشمول لهذه الأخبار ، لعدم كون الأُجرة حينئذٍ نفس الطعام كما هو واضح ، ولم نجد رواية يتوهّم شمولها لما في الذمّة ولو مشروطاً. فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في جوازه.

__________________

(١) المتقدّمتان في ص ٣٣١.

٣٣٩

وأمّا إجارتها بغير الحنطة والشعير من الحبوب فلا إشكال فيه (*) (١) ، خصوصاً إذا كان في الذمّة مع اشتراط كونه منها أو لا.

[٣٣٣٠] مسألة ١ : لا بأس بإجارة حصّة من أرض معيّنة مشاعة (٢) ، كما لا بأس بإجارة حصّة منها على وجه الكلّي في المعيّن مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر ، وأمّا إجارتها على وجه الكلّي في الذمّة فمحلّ إشكال. بل قد يقال بعدم جوازها ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت اتّحاد الكلّ في مناط الإشكال من حيث القاعدة والنصّ والفتوى ، فلاحظ.

(٢) فيكون المستأجر مشتركاً مع المالك في المنفعة بالنسبة وإن كانت العين بتمامها للمالك وتجري عليهما أحكام الشركة ، كما تجوز بنحو الكلّي في المعيّن فيكون التعيين بعدئذٍ بيد المالك ، وهذا ظاهر.

وكما تصحّ أيضاً بنحو الكلّي في الذمّة ويكون الفرد المدفوع وفاءً عمّا في الذمّة ، إذ لا فرق بين البيع والإجارة من هذه الجهة ، غير أنّ اللازم في كلا الموردين تعيين الحدود والخصوصيّات الموجبة لاختلاف الرغبات ، حسماً لمادّة الغرر ، كقرب الأرض من الماء ، أو كونها وعرة ، ونحو ذلك ممّا تختلف القيمة باختلافها.

وعلى الجملة : مجرّد الكلّيّة غير قادحة لا في البيع ولا في الإجارة بعد اتّضاح الخصوصيّات الرافعة للغرر والجهالة ، كما هو الحال في غير الأرض كالدابّة أو السيّارة الكلّيّة ، فإنّه لا مانع من إيجارها بعد بيان الأوصاف التي

__________________

(*) مرّ أنّه لا فرق بين الحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب.

٣٤٠