موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٣٣١٨] مسألة ١ : يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن يؤاجر العين المستأجرة بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي له مطلقاً (١) أيّ شي‌ء كانت ، بل بأكثر منه أيضاً إذا أحدث فيها حدثاً (٢) أو كانت الأُجرة من غير جنس الأُجرة السابقة (٣) ، بل مع عدم الشرطين أيضاً

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وهو المطابق لمقتضى القاعدة بعد افتراض كون المستأجر مالكاً للمنفعة المطلقة غير المقيّدة بالمباشرة ، واختصاص ما سيجي‌ء من دليل المنع بغير المقام.

(٢) كتبييض الغرفة ، أو إصلاح الدرج ، أو توسيع المسلك ، ونحوها ممّا يصدق معه أنّه عمل عملاً وأحدث حدثاً ، ولا إشكال في الجواز حينئذٍ أيضاً ، لكون الروايات الآتية المانعة مقيّدة بعدم ذلك ، مضافاً إلى عمومات الصحّة وإطلاقاتها بعد سلامتها عن التقييد.

(٣) كما لو كانت في إحداهما نقداً وفي الأُخرى عروضاً ، أو عملاً.

والوجه فيه أي في لزوم اتّحاد الجنس ـ : ظاهر ، فإنّ الممنوع في الأخبار إنّما هو الإيجار بالأكثر ، الظاهر في التفضيل في نفس الأُجرة ، بأن تكون الأكثريّة صفة للأُجرة نفسها لا لقيمتها ، بحيث تكون النسبة بين الأُجرتين نسبة الأقلّ والأكثر ، وهذا يستلزم المشاركة في ذات الجنس والاختلاف بحسب الكمّ لكي يصدق أنّ إحداهما أكثر من الأُخرى ، وإلّا فمع الاختلاف في الجنس وافتراضهما متباينين كالدابّة والفرس لا يصدق أنّ إحداهما أكثر من الأُخرى ، إذ لا معنى لكون الفرس أكثر من الدابّة إلّا بعناية القيمة ورعايتها ، وقد عرفت ظهور الأدلّة في كون الأكثريّة صفة لنفس الأُجرة لا لقيمتها ، فمثل ذلك غير مشمول للأخبار.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن هذا البيان إنّما يستقيم بالإضافة إلى الأموال التي تقوم بالقيمة ، بحيث تكون القيمة شيئاً آخر وراء نفس المال ، كما في الحنطة والفرس ونحوهما من أنواع السلع ممّا تقوم بمثل الدرهم أو الدينار.

وأمّا إذا كانت الأُجرة نفس الدرهم والدينار أو الريال والدولار ونحوها من الأوراق النقديّة الدارجة المتمحّضة في الثمنيّة والتي لا شأن ولا حيثيّة لها غالباً ما عدا الصرف في الأثمان من دون نظر إلى ذوات الأعيان وخصوصيّاتها ، فاختلاف الأجناس في مثل ذلك غير مانع عن صدق عنوان الأكثر في نظر العرف.

والسرّ فيه : ما أشرنا إليه بالمناسبة في بعض المباحث السابقة من اختلاف البائع والمشتري في وجهة النظر لدى التصدّي للمعاملة ، حيث إنّ المشتري نظراً إلى حاجته إلى السلعة يدقّق النظر في الخصوصيّة مضافاً إلى ملاحظة القيمة ، وأمّا البائع فقصارى همّته الاسترباح والمحافظة على الماليّة ، ومن ثمّ لا يعطف نظره إلى خصوصيّات الثمن ولا إلى جنسه وماهيّته ، بل إلى ربحه وماليّته.

وعليه ، فلو استأجر الدار بعشرة دنانير ثمّ آجرها بخمسين دولاراً أو مائة ريال سعودي وفرضنا أنّ الماليّة في الإجارة الثانية أوفر ، فضلاً عمّا لو استأجرها بمائة درهم المعادلة لخمسة دنانير ثمّ آجرها بعشرة دنانير ، يصحّ القول حينئذٍ من دون أيّة عناية بأنّه آجرها بالأكثر وإن كانت الاجرتان متباينتين وتعدّان من جنسين متغايرين ، لما عرفت من أنّ كلّاً من الدينار أو الدولار إنّما يلاحظان بما أنّهما مال لا بما أنّهما مال خاصّ ، فلا جرم تشمله الأخبار ويحكم بعدم صحّة الإيجار.

٢٨٢

فيما عدا البيت والدار والدكّان والأجير ، وأمّا فيها فإشكال (١) ، فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر (*) ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّ المسألة وإن لم تكن إجماعيّة وقد نقل الخلاف عن بعضهم ، إلّا أنّ الظاهر أنّه ليس في البين وجه صحيح للاستشكال بعد صراحة الأخبار المعتبرة في عدم الجواز من غير أيّ معارض حتى رواية ضعيفة ، فإنّ رفع اليد عنها مع هذه الحالة والحمل على الكراهة مخالف لمقتضى الصناعة جدّاً كما لا يخفى.

أمّا البيت والأجير فقد دلّت على عدم الجواز فيهما ما رواه المشايخ بسند معتبر عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يتقبّل الأرض من الدهاقين ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا تقبّلها به ويقوم فيها بحظ السلطان «فقال : لا بأس به ، إنّ الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت ، إنّ فضل الأجير والبيت حرام» (١).

ولا خدش في السند إلّا من ناحية أبي الربيع نفسه ، ولكن الأظهر وثاقته ، لوجوده في اسناد تفسير علي بن إبراهيم.

وتؤيّدها رواية ابن ميمون الواردة بهذا المضمون وإن لم تكن نقيّة السند (٢).

ويمكن استفادة عدم الجواز في البيت من إطلاق الأخبار المانعة الآتية

__________________

(*) بل الأظهر ذلك كما أنّ الأظهر ترك إجارتها بغير الجنس أيضاً إذا كانت الأُجرة من النقود أو ما بحكمها.

(١) الوسائل ١٩ : ١٢٥ / كتاب الإجارة ب ٢٠ ح ٣ ، الكافي ٥ : ٢٧١ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٥٧ / ٦٨٨ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ / ٨٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٩ / ٤٦٣.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٢٦ / كتاب الإجارة ب ٢٠ ح ٥.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الواردة في الدار ، إذ قد لا يكون لها إلّا بيت واحد ، فيرجع في الحقيقة إلى إجارة البيت فيشمله إطلاق تلك الأخبار ، فتدبّر.

وأمّا الحانوت فتدلّ عليه معتبرة أبي المغراء ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يؤاجر الأرض ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها «قال : لا بأس ، إنّ هذا ليس كالحانوت ولا الأجير ، إنّ فضل الحانوت والأجير حرام» (١).

وأمّا الدار فقد دلّت على عدم الجواز فيها عدّة من الأخبار :

منها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) : «أنّ أباه كان يقول : لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إذا أصلح فيها شيئاً» (٢). دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس إذا لم يصلح.

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إلّا أن يحدث فيها شيئاً» (٣).

ومنها : صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يستأجر الدار ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به «قال : لا يصلح ذلك إلّا أن يحدث فيها شيئاً» (٤).

فالأظهر عدم جواز الإيجار بالأكثر في هذه الموارد الأربعة ، لهذه النصوص المعتبرة السليمة عن المعارضة من دون أيّ مقتضٍ للحمل على الكراهة حسبما

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٢٥ / كتاب الإجارة ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٢٩ / كتاب الإجارة ب ٢٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٢٩ / كتاب الإجارة ب ٢٢ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٩ : ١٣٠ / كتاب الإجارة ب ٢٢ ح ٤.

٢٨٤

بل الأحوط إلحاق الرَّحَى (*) (١)

______________________________________________________

سمعت ، فيحكم ببطلان الإجارة.

وأمّا غيرها فقد وقع الكلام في إلحاق الأرض والسفينة والرَّحَى ، وستعرف الحال فيها.

(١) فقد وردت في روايتين :

إحداهما : صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إنّي لأكره أن استأجر الرَّحَى وحدها ثمّ أُؤاجرها بأكثر ممّا استأجرتها ، إلّا أن أحدث فيها حدثاً أو أغرم فيها غرماً» (٢).

الثانية : موثّقة سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إنّي لأكره أن استأجر رحى وحدها ثمّ أُؤاجرها بأكثر ممّا استأجرتها به ، إلّا أن يحدث فيها حَدَثاً أو يغرم فيها غرامة» (٣).

هكذا في الوسائل ، والظاهر أنّ النسخة غلط ، والصواب كما في الكافي ونسخة من التهذيب : «حَدَثٌ» بالرفع وبناء الفعلين على المجهول ، لعدم سبق ذكر من غير المتكلّم حتى يرجع الضمير إليه كما لا يخفى.

وكيفما كان ، فهاتان الروايتان اللتان رواهما المشايخ الثلاثة وإن كانتا معتبرتي السند إلّا أنّ الدلالة فيهما قاصرة ، لعدم دلالة الكراهة على الحرمة

__________________

(١) لا بأس بترك الاحتياط فيه.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٢٤ / كتاب الإجارة ب ٢٠ ح ١ ، الفقيه ٣ : ١٤٩ / ٦٥٣.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٣٠ / كتاب الإجارة ب ٢٢ ح ٥ ، الكافي ٥ : ٢٧٣ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٠٤ / ٩٠٠ ، وفي الفقيه ٣ : ١٤٩ / ٦٥٣ ، عن سليمان بن خالد مثله.

٢٨٥

والسفينة (١) بها أيضاً في ذلك.

______________________________________________________

الشرعيّة بوجه ، وإن كانت ربّما تجتمع معها في لسان الأخبار فيطلق المكروه على الحرام ، إلّا أنّه أعمّ فلا يدلّ عليه.

(١) يدلّ على المنع فيها مفهوم موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة ، ولكن قد يناقش بأنّ اقترانها فيها بالأرض بعد البناء على الجواز فيها كما ستعرف يكشف عن أنّ البأس المدلول عليه بالمفهوم أعمّ من الكراهة ، فلا يدلّ على الحرمة.

ويندفع : بما أوضحناه في الأُصول (١) من أنّ الأمر والنهي لم يوضعا إلّا لإبراز اعتبار البعث أو الزجر ، ولم يكن الوجوب أو الاستحباب ولا الحرمة أو الكراهة مدلولاً للفظ ، وإنّما هي بحكومة العقل بمقتضى قانون العبوديّة والمولويّة تنتزع من اقتران الأمر أو النهي بالترخيص في الترك أو الفعل وعدمه ، فمتى ثبت الاقتران كشف عن كون الاعتبار المزبور مجعولاً على سبيل الاستحباب أو الكراهة ، وإلّا استقلّ العقل بالوجوب أو الحرمة خروجاً عن عهدة الطلب المولوي العاري عن الترخيص بعد قضائه بأنّه لو عاقب المولى وقتئذٍ كان عقابه مع البيان ، فالمستعمل فيه اللفظ دائماً معنى واحد لا معنيان لتكون المقارنة المدّعاة في المقام قرينة على الاستعمال في الأعمّ.

وعلى هذا الأساس أنكرنا قرينيّة اتّحاد السياق فيما لو ورد الأمر بجملة أُمور ثبت استحباب بعضها من الخارج ، كما في مثل قوله : اغتسل للجمعة والجنابة ، بناءً على استحباب غسل الجمعة ، فإنّ اقتران الأمر فيه بالترخيص في الترك

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٨٦ ـ ٨٩.

٢٨٦

والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة (١) وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً ، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان إلّا مع إحداث حدث فيها.

______________________________________________________

الثابت من الخارج لا يكشف عن استعمال الأمر في الجامع بين الوجوب والاستحباب لتضعف دلالته على الوجوب في الجنابة.

وهذه الكبرى منطبقة على المقام ، فإنّ قيام القرينة الخارجيّة على إرادة الكراهة من البأس المتعلّق بالثلاثة في الموثّقة بالإضافة إلى خصوص الأرض لا يكشف عن الاستعمال في الأعمّ ، بل البأس في السفينة ثابت والترخيص غير ثابت ، فلا جرم يستقلّ العقل بالحرمة حسبما عرفت.

إذن فالقول بالحرمة لو لم يكن أظهر فلا ريب أنّه مقتضى الاحتياط الوجوبي كما صنعه في المتن.

(١) جمعاً بين طائفتين مختلفتين من الأخبار الواردة في الأرض ، حيث يظهر من جملة منها الجواز ، وعمدتها معتبرتا أبي الربيع الشامي وأبي المغراء المتقدّمتان.

وبإزائها جملة أُخرى دلّت على عدم الجواز :

منها : صحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أتقبّل الأرض بالثلث أو الربع فأُقبّلها بالنصف «قال : لا بأس به» قلت : فأتقبّلها بألف درهم ، وأُقبّلها بألفين «قال : لا يجوز» قلت : لِمَ؟ «قال : لأنّ هذا مضمون وذلك غير مضمون» (١).

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٢٦ / كتاب الإجارة ب ٢١ ح ١.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث تضمّنت التفصيل في التقبيل بين الكسر المشاع وبين العدد الصحيح ، وأنّه يجوز أخذ الفضل في الأوّل وهو ما زاد على النصف بعد دفع الثلث مثلاً إلى المؤجر الأوّل ، أعني : السدس معلّلاً بعدم كونه مضموناً ومأموناً عن الزيادة والنقصان ، لجواز تلف الحاصل أو قلّته أو كثرته ، فلم يكن شيئاً منضبطاً ، بخلاف الثاني. فلا يجوز إيجار ما استأجره ألفاً بألفين.

وموثّقة إسحاق بن عمّار : «إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة فلا تقبّلها بأكثر ممّا تقبّلتها به ، وإن تقبّلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبّلها بأكثر ممّا تقبّلتها به ، لأنّ الذهب والفضّة مضمونان» (١).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة فلا تقبّلها بأكثر ممّا قبّلتها به ، لأنّ الذهب والفضّة مصمتان ، أي لا يزيدان» (٢).

فيرفع اليد عن ظهور الطائفة الثانية في المنع فيما لو كانت الأُجرة من الذهب والفضّة وما بحكمهما من العدد الصحيح بصراحة الاولى في الجواز وتحمل على الكراهة جمعاً.

وقد يقال بأنّ الطائفة الأُولى مطلقة ، والثانية مقيّدة بما إذا كانت الأُجرة من الذهب والفضّة ونحوهما ممّا هو مضمون ، ومقتضى الصناعة حمل المطلق على المقيد لا الحمل على الكراهة.

ويندفع : بأنّ النسبة بين الطائفتين هو التباين لا العموم والخصوص المطلق لكي تعالج المعارضة بارتكاب التقييد.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٢٧ / كتاب الإجارة ب ٢١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٢٨ / كتاب الإجارة ب ٢١ ح ٦.

٢٨٨

هذا ، وكذا لا يجوز أن يؤاجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الأُجرة (١) كما إذا استأجر داراً بعشرة دنانير وسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة فإنّه لا يجوز بدون إحداث حدث ، وأمّا لو آجر بأقلّ من العشرة فلا إشكال ، والأقوى الجواز بالعشرة أيضاً وإن كان الأحوط تركه.

______________________________________________________

والوجه فيه : أنّ التقبيل الوارد في لسان الأخبار يطلق تارةً في مورد المزارعة ، وأُخرى في موارد الإجارة ، فهو اسم لمفهوم جامع بين البابين ، ولا شكّ في بطلان الإجارة بالثلث أو الربع من حاصل الأرض ، بل حتى إذا عيّنت بمثل عشرة أمنان من حاصلها بلا إشكال فيه على ما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى (١) ، وإنّما يصحّ ذلك في باب المزارعة ، حيث تعيّن الحصّة عندئذٍ بمثل الثلث أو الربع ونحوهما من أنواع الكسر المشاع ، إذن فتقبيل الأرض بالثلث أو الربع الذي تضمّنته الطائفة الثانية المفصّلة ناظر إلى باب المزارعة وأجنبي عن الإجارة بالكلّيّة ، فيكون حاصل مفادها : التفصيل في التقبيل بين ما كان على سبيل المزارعة فيجوز التفضيل ، وما كان من قبيل الإجارة فلا يجوز.

وعلى هذا ففي مورد الإجارة تكون هذه معارضة مع الطائفة الأُولى المجوّزة والواردة في مورد الإجارة صريحاً بالتباين ، ومعه لا موقع للتقييد ، فلا مناص من الجمع بالحمل على الكراهة كما هو المشهور.

(١) لا يخفى أنّ مقتضى الجمود على ظواهر النصوص أنّ مورد المنع عن الإيجار بالأكثر ما إذا تعلّقت الإجارة الثانية بنفس ما تعلّقت به الإجارة الاولى

__________________

(١) في ص ٣٣٣.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من حيث العين المستأجرة ومن حيث مدّة الإجارة ، فلو تعلّقت بأبعاض تلك العين من الثلث أو الربع بنفس الأُجرة أو أكثر أو بتمام العين في بعض المدّة كذلك فالنصوص المانعة ساكتة عن التعرّض لحكم ذلك بعد خروجه عن موردها ، ومن المعلوم أنّ الانحلال خلاف المتفاهم العرفي في أمثال المقام كما لا يخفى. إذن فلا مناص من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة.

ومقتضاها وإن كان هو الجواز حتى بالأكثر عملاً بإطلاقات صحّة الإجارة ، إلّا أنّ الأولويّة القطعيّة تمنعنا عن الالتزام به ، ضرورة أنّ إيجار تمام العين بأكثر من الأُجرة لو كان ممنوعاً بصريح تلك النصوص فإيجار بعضها بالأكثر بطريقٍ أولى.

ولكن مورد الأولويّة إنّما هو الإيجار بالأكثر ، وأمّا بمماثل الأُجرة فضلاً عن الأقلّ ، وكذا إيجار تمام العين في بعض المدّة بالمماثل ، فلا أولويّة ، وقد عرفت سكوت النصوص المزبورة وعدم التعرّض لها ، فلا مانع إذن من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة من الجواز.

إذن فلو استأجر داراً سنة بمائة دينار يجوز له أن يؤاجر نصفها أو ثلثها بنفس المائة ، كما يجوز أن يؤاجر تمامها بها في ستّة أشهر.

وقد نطق بمضمون ما تقتضيه القاعدة صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس» إلخ (١) ، ونحوها معتبرة أبي الربيع الشامي على رواية الصدوق (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٢٩ / كتاب الإجارة ب ٢٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٢٥ / كتاب الإجارة ب ٢٠ ح ٣ ، الفقيه ٣ : ١٥٧ / ٦٨٨.

٢٩٠

[٣٣١٩] مسألة ٢ : إذا تقبّل عملاً من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يوكّله إلى عبده أو صانعه أو أجنبي (١) ، ولكن الأحوط عدم تسليم متعلّق العمل كالثوب ونحوه إلى غيره من دون إذن المالك ، وإلّا ضمن ، وجواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع كما مرّ نظيره (*) في العين المستأجرة ، فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوي الأُجرة التي قرّرها في إجارته أو أكثر ،

______________________________________________________

فما تقتضيه القاعدة يستفاد من هاتين الروايتين أيضاً.

فالنتيجة : أنّ الممنوع إنّما هو إيجار تمام العين أو بعضها في تمام المدّة أو بعضها بالأكثر إمّا للنصّ أو للأولويّة وأمّا بالنسبة إلى المساوي فضلاً عن الأقلّ فالأخبار المانعة لا تشمله ، ومقتضى القاعدة المعتضدة بالروايتين المعتبرتين هو الجواز وإن كان الاحتياط الاستحبابي بالامتناع عن المساوي كما صنعه في المتن حسناً وفي محلّه.

(١) لا ريب في عدم جواز الإيكال مع الأُجرة أو بدونها في فرض اعتبار المباشرة ، لافتراض تعلّق الإجارة بعمل نفسه خاصّة ، فلا يجزئ عنه غيره. وهذا واضح.

كما لا ريب في جوازه مع عدم اعتبار المباشرة لا شرطاً ولا انصرافاً ، كما لعلّه الغالب في مثل الصائغ والقصّار ونحوهما ممّن كان المطلوب منه حصول العمل المستأجر عليه خارجاً من غير نظر إلى المباشر الخاصّ.

__________________

(*) ما ذكرناه في العين المستأجرة يجري هنا بعينه.

٢٩١

وفي جواز استئجار الغير بأقلّ من الأُجرة إشكال (*) (١) ، إلّا أن

______________________________________________________

وهل يجوز تسليم العين التي هي محلّ العمل إلى الشخص الآخر من غير إذن المالك؟

اختار (قدس سره) عدم الجواز ، بل حكم بالضمان لو علم ، نظراً إلى أنّ جواز الإيكال لا يلازم جواز الدفع على حذو ما تقدّم منه (قدس سره) في العين المستأجرة (١).

ولكنّه يظهر لك ممّا مرّ أنّ الأظهر هو الجواز في كلا الموردين بمناط واحد ، باعتبار أنّ الإجارة إذا كانت مطلقة وغير مقيّدة بالمباشرة وكان العمل ممّا يستلزم عادةً تسليم العين فهذا إذن ضمني من المالك ثابت بمقتضى العقد حسب المتفاهم العرفي.

مضافاً إلى صحيحة الصفّار الواردة في القصّار والناطقة بعدم الضمان إذا كان الأجير ثقة مأموناً (٢).

(١) لا وجه للإشكال لا هنا ولا في المسألة السابقة بعد صراحة النصوص المعتبرة غير المعرض عنها في المنع عن الأقلّ هنا وعن الأكثر هناك من غير أيّ معارض ، بل لا ينبغي التأمّل في عدم الجواز في كلا الموردين ، ولم يتّضح أيّ وجه للاستشكال في شي‌ء من الموردين ، فلاحظ روايات المقام (٣).

__________________

(*) أظهره عدم الجواز ، ولا يكفي إحداث الحدث هنا في جوازه.

(١) في ص ٢٧١.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٤٦ / كتاب الإجارة ب ٢٩ ح ١٨.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٣٢ / كتاب الإجارة ب ٢٣.

٢٩٢

يحدث حدثاً أو يأتي ببعض (١) ، فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقلّ منه ، إلّا أن يفصّله أو يخيط شيئاً منه ولو قليلاً ،

______________________________________________________

(١) أمّا مع الإتيان ببعض العمل فلا ينبغي الإشكال في جواز الاستئجار بالأقلّ ، لتبقى له الزيادة بإزاء عمله ، كما نطقت به النصوص صريحاً ، وفي بعضها : أنّ الصائغ لو أذاب ثمّ أعطى لغيره بالأقلّ جاز له ذلك ، لأنّ الإذابة عمل (١) ، فالخيّاط لو فصّل ثمّ استأجر غيره بالأقلّ ساغ وكانت الزيادة بإزاء تفصيله ، وهكذا. وهذا ظاهر.

وأمّا إحداث الحدث من غير أن يعمل عملاً فلم يتّضح أيّ وجه لكونه مسوّغاً للاستئجار بالأقلّ.

ولا يقاس المقام بما تقدّم في المسألة السابقة ، للفرق الواضح بينهما ، ضرورة أنّ الإجارة هناك كانت واقعة على العين ، فإذا أحدث فيها حدثاً كتبييض الدار المستأجرة فلا جرم تقع الإجارة الثانية على غير ما وقعت عليه الإجارة الأُولى ، لأنّ هذا الحدث أوجب تغييراً وتبديلاً في متعلّق الإجارة ، ولأجله لا مانع من الزيادة ، لاختصاص مورد المنع بما إذا تعلّقت الثانية بعين ما تعلّقت به الاولى كما تقدّم.

وأمّا في المقام فالإجارة واقعة على العمل كالخياطة ، وأمّا العين الخارجيّة كالثوب فهي محلّ للعمل ومورده لا أنّها بنفسها متعلّق للإجارة ، وحينئذٍ فإن أتى بشي‌ء من العمل كتفصيل الثوب فلا بأس باستئجاره ثانياً بالأقلّ ، لاختلاف العمل المستأجر عليه في الموردين.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٣٤ / كتاب الإجارة ب ٢٣ ح ٧.

٢٩٣

بل يكفي أن يشتري الخيط أو الإبرة (*) في جواز الأقلّ (١) ، وكذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشر دراهم مثلاً في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل استئجار غيره (**) بتسعة مثلاً إلّا أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلاً.

______________________________________________________

وأمّا إذا لم يأت بشي‌ء منه كما هو المفروض فمجرّد إحداث الحدث في العين ، كما لو صبغ الثوب ولوّنه بلون مرغوب فيه ، لم يكن له أيّ أثر في اختلاف متعلّق الإجارة كي يكون مسوّغاً للاستئجار بالأقلّ ، إذ الإحداث المزبور إنّما كان في محلّ العمل لا في العمل نفسه الذي هو مورد الإجارة ومتعلّقها ، وقد صرّح في الروايات بأنّه متى ما لم يعمل في العين فليس له الاستئجار بالأقلّ.

(١) بشرط أن يكون الشراء بماله لكي تحصل المغايرة وقتئذٍ بين متعلّقي الإجارتين ، حيث إنّ الاولى تعلّقت بالخياطة بموادّها ، والثانية بها بدونها ، وبذلك يندرج في عقد الاستثناء الوارد في النصوص المانعة ، أعني : قوله (عليه السلام) في مثل صحيح ابن مسلم : «... لا ، إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئاً» (١).

وأمّا إذا كان بمال الأجير الثاني ولم يكن على الأوّل سوى الشراء المحض الذي هو من مقدّمات الخياطة وعمل خارجي أجنبي عن موردها ، ففي كفايته إشكال ، بل منع ، إذ الظاهر من الظرف في قوله (عليه السلام) في الاستثناء المزبور : «قد عمل فيه» حصول العمل في نفس ما تعلّقت به الإجارة الأُولى

__________________

(*) هذا إذا اشتراه بماله ، وأمّا إذا اشتراه بمال الأجير ففي كفايته إشكال بل منع.

(**) مرّ أنّ عدم الجواز هو الأظهر.

(١) الوسائل ١٩ : ١٣٢ / كتاب الإجارة ب ٢٣ ح ١.

٢٩٤

[٣٣٢٠] مسألة ٣ : إذا استؤجر لعمل في ذمّته لا بشرط المباشرة يجوز تبرّع الغير عنه (١) وتفرغ ذمّته بذلك ويستحقّ الأُجرة المسمّاة. نعم ، لو أتى بذلك العمل المعيّن غيره لا بقصد التبرّع

______________________________________________________

لا في مقدّماته كما لا يخفى.

وعلى الجملة : مورد النصوص المانعة تعلّق الإجارة الثانية بعين ما تعلّقت به الاولى ، ومن ثمّ استثنى العمل فيه لكونه موجباً للمغايرة ، فكلّ عمل أوجب التغاير بين المتعلّقين ومنه التعهّد بالمواد مثل الإبرة والخيط ساغ معه الاستئجار بالأقلّ ، لوقوع الزيادة حينئذٍ بإزاء ما عمل. ومن هذا القبيل : الاستئجار للبناء على النهج الدارج في العصر الحاضر المعبّر عنه ب : القنطرات ، حيث إنّ الأوّل يؤاجر نفسه لبناء الدار مع ما تحتاج إليه من المواد والآلات ثمّ هو يستأجر عاملاً آخر لمجرّد البناء وتكون الأُجرة حينئذٍ أقلّ بطبيعة الحال.

وأمّا إذا لم يستوجب التغاير في ذات العمل المستأجر عليه وإن حصل فرق فيما هو خارج عنه ومعدود عرفاً من المقدّمات كالتعهّد بمجرّد الشراء مع كون العمل بمواده في عهدة الأجير الثاني كما كان في عهدة الأجير الأوّل ، فيشكل كفايته في جواز الإجارة بالأقلّ ، بل مقتضى إطلاق الروايات المانعة ما لم يعمل فيه عملاً الظاهر في العمل في مورد الإجارة نفسه كما مرّ عدم الكفاية.

(١) قد عرفت أنّ المباشرة إذا لم تكن ملحوظة في الإجارة لا قيداً ولا شرطاً ساغ للأجير الإيكال إلى الغير بأُجرة أو بدونها وتفرغ ذمّته عن العمل المستأجر عليه الذي هو طبعاً أعمّ من المباشرة والتسبيب بفعل الغير. وهذا واضح.

وأمّا إذا تبرّع الغير من تلقاء نفسه من دون إيكال وتسبيب فقد يأتي به بقصد التبرّع عن الأجير وتفريغ ذمّته ، وأُخرى لا بهذا القصد.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا شكّ في استحقاق الأُجرة المسمّاة في الصورة الأُولى ، لفراغ الذمّة ولو بفعل الغير ، الموجب لحصول العمل المستأجر عليه.

والوجه فيه : أنّ العمل بعد افتراض صحّة الإجارة يعدّ كدين في عهدة الأجير ، وقد استقرّت السيرة العقلائيّة الممضاة لدى الشرع بعدم الردع على جواز تفريغ ذمّة الغير عمّا اشتغلت به من عين أو عمل ولو من دون إذن منه أو اطّلاع من غير خلاف فيه ولا إشكال.

ويمكن استفادته من الأخبار الواردة في الموارد المتفرّقة كأداء دين الأب أو أحد من الأرحام أو غيرهم من غير حاجة إلى إذن المدين.

فلو كان مديناً لزيد بدينار وأدّاه عمرو بعنوان التفريغ برئت ذمّته.

ولعلّ الوجه فيه بعد ما عرفت من استقرار السيرة والإمضاء الشرعي : أنّ الذمّة لم تكن مشغولة من بادئ الأمر بأكثر من هذا المقدار ، أعني : الدفع بقصد الوفاء وأمّا كونه من خالص ماله أو بتسبيبه فضلاً عن مباشرته فلم يدلّ عليه أيّ دليل ، فإذا أدّى الغير هذا الكلّي المستقرّ في الذمّة فقد برئت وحصل الفراغ.

إذن فالمستأجر عليه في المقام هو العمل الكلّي الجامع بين صدوره منه مباشرةً أو تسبيباً أو من غيره من قبله ، فإنّ هذا الكلّي الاعتباري صالح لتعلّق الإجارة به عند العقلاء بعد ملاحظة أنّ الجامع بين المقدور وغيره مقدور.

وأمّا في الصورة الثانية فلا إشكال في عدم استحقاق الأُجرة المسمّاة ، لعدم تحقّق العمل المستأجر عليه بوصفه العنواني بتاتاً لا من الأجير ولا من غيره عنه ، كما هو الحال في غير العمل من سائر الديون ، فإذا كان مديناً لزيد بدرهم فأعطاه عمرو لا بقصد التفريغ كان هبة مستقلّة من دون أن يستتبع براءة الذمّة بوجه كما هو واضح.

٢٩٦

عنه لا يستحقّ الأُجرة المسمّاة وتنفسخ (١) الإجارة (*) حينئذٍ ، لفوات المحل ، نظير ما مرّ سابقاً من الإجارة على قلع السنّ فزال ألمه ، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق.

______________________________________________________

(١) وهل تنفسخ الإجارة حينئذٍ؟

اختاره في المتن معلّلاً بفوات المحلّ وانتفاء موضوع العمل المستأجر عليه ، فلو آجر نفسه لخياطة الثوب فبادر زيد وخاطه تبرّعاً لم يبق بعدئذٍ مورد للإجارة فتنفسخ لا محالة ، كما مرّ نظيره فيمن استؤجر لقلع السنّ فزال الألم.

أقول : أمّا الكلام في مورد التنظير فقد سبق مستقصًى في محلّه ولا نعيد (١).

وأمّا في المقام : فلا يستقيم الانفساخ على إطلاقه ، بل ينبغي التفصيل بين حصول التبرّع قبل مضيّ زمان قابل لصدور العمل من الأجير ، وبين حصوله بعده ، سواء أكانت الإجارة مطلقة أم محدودة بزمان خاصّ موسّع كالخياطة خلال الأُسبوع.

فيتّجه القول بالانفساخ في الفرض الأوّل ، لكشف التبرّع المزبور عن عدم قدرة الأجير على العمل من الأوّل وأنّه لم يكن مالكاً لهذه المنفعة ليملكها ، فتبطل الإجارة ، لانتفاء موضوعها.

وأمّا في الفرض الثاني الذي هو من سنخ العجز الطارئ : فلم يكن أيّ

__________________

(*) لا موجب للانفساخ إذا كان عمل غيره بعد مضي زمان كان الأجير متمكّناً من الإتيان به فيه ، فإنّه يدخل حينئذٍ تحت عنوان التعذّر الطارئ ، وهو يوجب الخيار لا الانفساخ ، وقد تقدّم الكلام في الإجارة على قلع الضرس إذا زال ألمه [في المسألة ٣٢٨٥].

(١) في ص ١٧٠.

٢٩٧

[٣٣٢١] مسألة ٤ : الأجير الخاصّ وهو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة (١) ، أو على وجه تكون منفعته الخاصّة كالخياطة مثلاً له ، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدّة معيّنة ، أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدّة أو كليهما على وجه الشرطيّة لا القيديّة لا يجوز له أن يعمل في تلك المدّة لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرّع عملاً ينافي حقّ المستأجر إلّا مع إذنه ، ومثل تعيين المدّة تعيين

______________________________________________________

مقتضٍ للانفساخ بعد أن كان العمل مقدوراً بعد العقد وقابلاً للوقوع خارجاً ، وإنّما أخّره الأجير استناداً إلى سعة الوقت وعدم الملزم للبدار ، والمفروض صحّة العقد واستجماعه لسائر الشرائط ، كما هو الحال في سائر موارد العذر الطارئ بعد مضيّ زمان صالح للعمل ، مثل : ما لو فرض أنّ الثوب حرق أو سرق أو أنّ الأجير مات ونحو ذلك ممّا لا يكشف عن بطلان الإجارة وانفساخها بوجه ، بل أنّ الأجير مدين بالعمل كما أنّ المستأجر مدين بالأُجرة ، غايته ثبوت الخيار له من أجل تعذّر التسليم ، فإن اختار الفسخ وإلّا طالب الأجير بأُجرة المثل بدلاً عن استلام العمل المستأجر عليه.

(١) لا ريب في أنّ من آجر نفسه لعمل ساغ له أن يأتي بعمل آخر لنفسه أو لغيره بإجارة أو تبرّع فيما إذا لم يكن العمل الثاني منافياً للعمل المستأجر عليه ، فلو آجر نفسه للخياطة جاز له أن يؤجرها لقراءة القرآن في نفس الزمان ، لعدم التنافي ، أو لخياطة اخرى ليلاً فيما إذا لم تكن موجبة للضعف المانع عن الوفاء بالأُولى المفروض وقوعها في النهار.

وأمّا إذا كان منافياً فلا يجوز ذلك بلا إشكال ، للزوم الوفاء بالعقد المستتبع لوجوب تسليم العمل إلى المستأجر ، فلا يجوز تفويت حقّ الغير وارتكاب أيّ

٢٩٨

أوّل زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ. نعم ، لا بأس بغير المنافي ، كما إذا عمل البناء لنفسه أو لغيره في الليل فإنّه لا مانع منه إذا لم يكن موجباً لضعفه في النهار. ومثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلّم في أثناء الخياطة ونحوها ، لانصراف المنافع عن مثلها. هذا ، ولو خالف (١) وأتى بعمل

______________________________________________________

عمل منافٍ له ، سواء أكان لنفسه أو لغيره ، بتبرّع أم إجارة أم جعالة. وهذا واضح.

(١) إنّما الكلام فيما إذا خالف وعمل لغيره ، فقد ذكر له صوراً ووجوهاً أربعة :

إذ تارةً : يؤاجر نفسه بلحاظ جميع منافعه بالأسر في مدّة معيّنة ، فيؤجر نفسه في جميع المنافع المترقّبة في المدّة المقرّرة ، وبذلك يتملّك المستأجر جميع منافع الأجير.

واخرى : تقع الإجارة بلحاظ منفعة خاصّة كالخياطة من غير أن تشتغل الذمّة بشي‌ء ، كما لم تكن مشغولة في الصورة الأُولى أيضاً.

وثالثةً : تقع الإجارة على العمل في الذمّة لا على العين بلحاظ المنفعة الخارجية كما في الصورتين السابقتين ـ :

وهنا قد تلاحظ المباشرة على سبيل القيديّة بحيث ترد الإجارة على الحصّة الخاصّة القائمة به.

واخرى وهي الصورة الرابعة تلاحظ هي أو المدّة المعيّنة أو كلتاهما على وجه الشرطيّة ، بناءً على تصوير الشرطيّة في أمثال المقام. وقد تقدّم أنّه خلاف الارتكاز وأنّ الشرائط في باب الأعمال كلّها ترجع إلى التقييد وإن كانت بصورة الاشتراط.

وقد ذكر (قدس سره) في الصورة الأُولى أنّه تارةً يعمل الأجير لنفسه ،

٢٩٩

منافٍ لحقّ المستأجر : فإن كانت الإجارة على الوجه الأوّل بأن يكون جميع منافعه للمستأجر وعمل لنفسه في تمام المدّة أو بعضها فللمستأجر أن يفسخ ويسترجع تمام الأُجرة المسمّاة أو بعضها (*) أو يبقيها ويطالب عوض الفائت من المنفعة بعضاً أو كلّاً ، وكذا إن عمل للغير تبرّعاً (١) ،

______________________________________________________

واخرى لغيره تبرّعاً ، وثالثةً له بإجارة أو جعالة ، فهنا فروض ثلاثة :

أمّا في الفرض الأوّل : فبما أنّ الأجير فوّت على المالك وهو المستأجر ملكه فلا جرم يضمن ويثبت له خيار تعذّر التسليم ، فله الفسخ واسترجاع تمام الأُجرة المسمّاة ، كما أنّ له الإمضاء والمطالبة بأُجرة المثل عوضاً عن المنفعة الفائتة كلّاً أو بعضاً.

هذا ، وقد حكم في المتن فيما لو كان الفائت بعض المنفعة باسترجاع بعض الأُجرة المسمّاة لدى اختيار الفسخ.

ويندفع : بعدم تبعّض العقد من ناحية الفسخ في أجزاء الزمان ، كما لا يتبعض في أجزاء المبيع ، فلا يتحمّل العقد الواحد إلّا إمضاءً أو فسخاً واحداً في تمام مؤدّاه ، فلو اختار الفسخ استرجع تمام المسمّاة وعليه عوض البعض الذي استوفاه ، كما أنّه على تقدير الإمضاء يطالبه بعوض ما فاته من أبعاض المنفعة حسبما عرفت ، وأمّا التفكيك بإمضاء البعض وفسخ الباقي فلا سبيل إليه بوجه.

(١) وأمّا في الفرض الثاني : فيجري فيه أيضاً ما عرفت من ضمان الأجير ومطالبة المالك إيّاه بعوض ما فوّته عليه ، وليس له مطالبة المتبرّع له حتى لو

__________________

(*) مرّ أنّ الفسخ إنّما يتعلّق بعقد الإجارة بتمامه ، وعليه فلا وجه لاسترجاع بعض الأُجرة.

٣٠٠